في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة121)



بعض الروايات: إذا قدر الرجل على ما يحج به و من ذلك يظهر انه مع مماطلة المديون لا قدرة فعلية بل له القدرة على تحصيل الاستطاعة و لا يجب معها الحج.
هذا و لكن الظاهر ما افيد في المتن تبعا للعروة من تحقق الاستطاعة الفعلية في هذا الفرض فانه يصدق عليه ان عنده ما يحج به و مجرد التوقف المذكور لا يمنع عن تحققه فهو ـ كما قيل ـ نظير ما إذا كان له مال مدفون في الارض او كان محرزا في صندوق و توقف التصرف فيه على حفر الارض و فتح الصندوق بعلاج و نحوه فانه لا ريب في الوجوب لان القدرة التكوينية إذا كانت متوقفة على مقدمات لا يوجب ذلك سقوط الواجب بل يجب عقلا تحصيل المقدمات فالانصاف وجوب الحج في هذا الفرض ثم انه استثنى في المتن عن تحقق الاستطاعة في الدين الحال ما إذا كان الاقتضاء حرجيا او كان المديون معسرا او لم يمكن له اثبات الدين و لكن بعض الشارحين للعروة ذكر ان ذلك انما يتم في بعض الصور دون بعض نظرا الى ان الدين لو تمكن من بيعه نقدا باقل منه كما هو المتعارف يجب عليه بيعه لصدق الاستطاعة و ان عنده ما يحج به هذا كله في الدين الحال.
و اما الصورة الثانية و هى الدين المؤجل ففيه فروض:
الاول: ما إذا كان المديون باذلا للدين من دون مطالبة و الظاهر تحقق الاستطاعة ـ ح ـ و وجوب الاخذ إذا لم يستلزم الحرج بوجه و لكن ظاهر صاحب الجواهر العدم حيث قال: «و لو كان مؤجلا و بذله المديون قبل الاجل ففى كشف اللثام: وجب الاخذ لانه بثبوته في الذمة و بذل المديون له بمنزلة المأخوذ و صدق الاستطاعة و وجدان الزاد و الراحلة عرفا بذلك و فيه انه يمكن منع ذلك كله...».
و الوجه في الوجوب ان مرجع تأجيل الدين ليس الى عدم كون الدين ملكا للدائن قبل حلول الاجل بل مرجعه الى الثبوت في الذمة غاية الامر اشتراط التأجيل في التأدية و عليه فما يبذله المديون قبل الاجل انما يكون ماله و مضافا اليه فهو مالك

(الصفحة122)



للزاد و الراحلة و قادر عليهما بالبذل و عليه فيفترق المقام عن الهبة التى لا يكون فيها ملك الا بعد تحقق القبول و ان القبول تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب فالفرق حصول الاستطاعة في المقام و عدمه في الهبة.
هذا إذا كان شرط التأجيل بنفع المديون خاصة كما هو الغالب و اما لو فرض كونه بنفع الدائن ايضا كما إذا كان هذا الاشتراط من ناحيته لغرض متعلق به فالظاهر عدم كونه مانعا عن تحقق الاستطاعة مع بذل المديون قبل الاجل لان بذله يوجب تحقق القدرة الفعلية و ان كان مخالفا لغرضه كما لا يخفى.
الثانى: ما إذا توقف بذل المديون قبل حلول الاجل على مجرد المطالبة و يكون الدائن واثقا بذلك و انه على تقدير المطالبة يبذله فصريح المتن هو عدم وجوب المطالبة ـ ح ـ و عدم تحقق الاستطاعة و الظاهر ان الفرق بين هذه الصورة و بين الدين الحال الذى تجب مطالبته هو ثبوت حق المطالبة هناك دون هذه الصورة لا بمعنى ثبوت الفرق من جهة الحرمة و عدمها حتى يقال ان المانع الشرعى كالمانع العقلى و ان الاستطاعة لا تجتمع مع حرمة المطالبة بل بمعنى ثبوت نفس الحق و عدمه و الظاهر ان هذا الفرق و ان كان موجودا الا انه لا يوجب ان يكون فارقا من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة فى كلتا الصورتين و لازمها وجوب من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة في كلتا الصورتين و لازمها وجوب المطالبة و لذا اختار جماعة كالسيد في العروة و بعض الشارحين تحقق الاستطاعة و انه لا فرق بين هذه الصورة و بين الصورة الاولى.
الثالث: ما إذا شك الدائن في بذل المديون لو طالبه بالدين و الظاهر ـ كما هو مقتضى اطلاق المتن ـ عدم الوجوب لان مجرد ملكية الزاد و الراحلة ـ عينا او قيمة ـ لا يوجب تحقق الاستطاعة ما لم يكن عنده و بيده و اختياره و المفروض الشك في ذلك لاجل الشك في بذل المديون على تقدير المطالبة و الشك في شرط التكليف يوجب الشك في المشروط و هو مجرى اصالة البرائة و قد حققنا في الاصول ان حكم المشهور

(الصفحة123)



بانه مع الشك في القدرة العقلية لا تجرى اصالة البرائة لا يجتمع مع الحكم باشتراط القدرة في اصل ثبوت التكليف بل لا بد من ان يقال بان حكمهم بذلك و انه لا تجرى اصالة البرائة مع الشك في القدرة يكشف عن عدم كون القدرة شرطا اصلا و الفرق بان القدرة العقلية غير دخيلة في الملاك بخلاف القدرة الشرعية المأخوذة في الملاك لا يوجب الفرق من جهة جريان اصالة البرائة و عدمه فان القدرة العقلية على هذا الفرض يكون التكليف مشروطا بها لا محالة و ان لم تكن دخيلة في الملاك و الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط كذلك فاللازم ان يقال بعدم الشرطية و التحقيق في محله.
و كيف كان فلا شبهة في المقام في انه في صورة الشك تجرى اصالة البرائة فلا مجال لوجوب المطالبة.
الرابع: ما إذا علم بانه على تقدير المطالبة ايضا لا يبذل المديون الدين بل يؤخره الى اجله و الحكم فيه واضح من جهة عدم تحقق الاستطاعة و عدم وجوب الحج
الفرع الثانى: ما إذا كان غير مستطيع و امكنه الاقتراض للحج و الاداء بعده بسهولة و الظاهر فيه عدم الوجوب لان الاقتراض تحصيل للاستطاعة غير الموجودة قبل الاقتراض و تحصيلها غير واجب و لكن لو اقترض يجب عليه الحج و ان كان يصير مديونا بسبب الاقتراض الا انه سيأتى في المسئلة الآتية ان الدين لا يكون مانعا عن وجوب الحج في بعض الموارد و الصور و منه يظهر ان حكم المتن بعدم الكفاية هنا مطلقا مع حكمه في تلك المسئلة بعدم كون الدين مانعا في الصورتين من الصور الاربعة المفروضة فيها لا يكاد يجتمع بل اللازم التفصيل كما هناك.
الفرع الثالث: ما إذا كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا او مال حاضر كذلك او دين مؤجل لا يبذله المديون قبل اجله و لو بالمطالبة و قد حكم فيه في المتن بعدم وجوب الاستقراض و الصرف في الحج ـ كما في الفرع الثانى ـ خلافا

(الصفحة124)



للسيد في العروة حيث استظهر الوجوب في هذه الصورة نظرا الى صدق الاستطاعة عرفا الا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب او حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة و قد تبع السيد في ذلك صاحبى الدروس و المدارك ففى محكى الاول: «و تجب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله و كان وافيا بالقضاء».و في محكى الثانى: «و متى امتنع الاقتضاء اما لتأجيل الدين او لكونه على جاحد و لم يكن له سواه لم يجب عليه الحج لان الاستطاعة غير حاصلة و لا تجب الاستدانة و يحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به...» بل المستفاد منه وضوح لزوم الاقتراض في مفروض المقام هذا و لكن اعترض اكثر الشارحين للعروة عليها بانه لا فرق بين هذا الفرع و الفرع المتقدم في عدم لزوم الاقتراض و عدم تحقق الاستطاعة نظرا الى ان المستفاد من النصوص انه يعتبر فى الاستطاعة امور ثلاثة: الملك للمال و كونه عنده و كونه مما يمكن الاستعانة به على السفر و يظهر الاول من قوله (عليه السلام): ان يكون له زاد و راحلة و الثانى من قوله (عليه السلام): إذا قدر على ما يحج به، او كان عنده ما يحج به، او وجد ما يحج به و الثالث من ذكر باء الاستعانة فى قوله (عليه السلام): ان يكون عنده ما يحج به فاذا لم يكن له ملك فليس بمستطيع و كذلك إذا كان له ذلك و لكن لم يكن عنده كالعبد الآبق و الدين المؤجل فانه ليس بمستطيع و ان امكنه تبديله: و كذلك إذا كان عنده و لكن لم يمكن تبديله بنحو يستعين به في السفر و لو ببدله كالمال المرهون و المال الحاضر الذى لا يرغب احد في شرائه فانه ليس بمستطيع ايضا ثم انه على تقدير الاقتراض و صيرورته مديونا بسببه يجرى في مانعية الدين عن الاستطاعة ما افاده في المسئلة الاتية من التفصيل فاطلاق منع الحكم بالكفاية عن حجة الاسلام في المتن في غير محله كما في الفرع المتقدم.

(الصفحة125)

مسئلة 19 ـ لو كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين فان كان مؤجلا و كان مطمئنا بتمكنه من ادائه زمان حلوله مع صرف ما عنده وجب بل لا يبعد وجوبه مع التعجيل و رضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بامكان الاداء عند المطالبة، و في غيرهاتين الصورتين لا يجب، و لا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة او بعدها بان تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها و ان كان عليه خمس او زكوة و كان عنده ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة فلا يكون مستطيعا، و الدين المؤجل باجل طويل جدا كخمسين سنة و ما هو مبنى على المسامحة و عدم الاخذ رأسا، و ما هو مبنى على الابراء مع الاطمينان بذلك لم يمنع عن الاستطاعة1.


1 ـ فى هذه المسئلة مباحث:
الاول انه إذا كان عنده مال يكفى للحج و يمكن صرفه فيه و لكن كان عليه دين بمقدار لو صرف المال فيه كلا او بعضا لا يقدر على الحج فهل يمنع الدين عن تحقق الاستطاعة ام لا فيه اقوال و آراء مختلفة:
احدها عدم المانعية مطلقا و الحكم بوجوب الحج في مفروض البحث و في «المستند» بعد ان حكى عن المحقق الاردبيلى الوجوب استظهر انه مذهب القدماء حيث لم يتعرضو الاشتراط الخلو من الدين ـ مع كون المسئلة مما تعم بها البلوى و لا يمكن ان تكون مغفولا عنها بوجه ـ ثم قال: و هو الحق.
ثانيها المانعية كذلك يظهر هذا القول من اطلاق عبارة الشرايع حيث قال: «و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم يجب الاّ ان يفضل عن دينه ما يقوم بالحج» و قد صرح العلامة فى محكى القواعد و المنتهى بعدم الفرق بين الحال و المؤجل و كذلك الشهيد في الدروس.
و مقتضى اطلاقهما انه لا فرق في الدين الحال بين المطالب به و غيره و كذا

(الصفحة126)



لا فرق في الدين المؤجل بين ما إذا كان الاجل يسع للحج و العود و بين غيره و كذا بين ما إذا لم يكن مطمئنا بالتمكن من الاداء زمان الحلول و بين غيره و اختار هذا القول صاحب المستمسك مصرحا بالتعميم.
ثالثها ما نسب الى صاحب المدارك من مانعية خصوص الدين الحال المطالب به و لكن عبارته تقضى بحكمه بالمانعية في بعض صور التأجيل ايضا حيث قال في رد استدلال المنتهى للمانعية مطلقا بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول و توجه الضرر مع التأجيل: «و لمانع ان يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا او حالا لكنه غير مطالب به و كان للمديون وجه للوفاء يعد الحج و متى انتفى الضرر و حصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب... «فان الظاهر ان قوله: و كان للمديون...قيد للدين المؤجل ايضا و الا لكان اللازم المنع من توجه الضرر مطلقا حيث ان الاستدلال به انما هو في الدين المؤجل و عليه فيظهر انّه في الدين الموجل إذا لم يكن للمديون وجه للوفاء بعد الحج يكون مانعا عن تحقق الاستطاعة كما لا يخفى.
رابعها ما حكى عن كاشف اللثام من مانعية الدين مطلقا الاّ المؤجل الذى وسع وقته للحج و العود.
خامسها ما يدل عليه صدر عبارة المستند من انه في صورة الحلول مع المطالبة او التأجيل مع عدم سعة الاجل للذهاب و العود يقع التزاحم بين دليل وجوب الحج و دليل وجوب اداء الدين و اللازم بعد عدم الترجيح الحكم بالتخيير بينهما، و في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير او التأجيل مع سعة الاجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكن من اداء الدين بعد ذلك يقدم الحج.
و قد عرفت ان ذيل عبارته ظاهر في اختيار القول الاول و هو عدم المانعية مطلقا و لم يظهر لى وجه للجمع بين الصدر و الذيل و التوجيه بان الذيل ناظر الى

(الصفحة127)



اصل ثبوت الاستطاعة و وجوب الحج مع قطع النظر عن التزاحم لا يكاد ينطبق على ادلته الظاهر في تقديم الحج على الدين مطلقا كما لا يخفى.
سادسها ما اختاره في المتن ـ تبعا للعروة ـ من انه إذا كان الدين مؤجلا و يتمكن من الاداء بعد الحج عند حلول اجله لا يكون مانعا عن تحقق الاستطاعة و وجوب الحج و كذا إذا كان حالا و رضى دائنه بالتأخير و كان واثقا بالتمكن من الاداء عند المطالبة و في غيرهاتين الصورتين لا يجب الحج و يكون الدين مانعا.
إذا عرفت هذه الاقوال فالكلام يقع في بيان مستندها فنقول:
قد استدل لمانعية الدين و عدم وجوب الحج معه بامور:
الاول: ما استدل به في المستمسك على المانعية في جميع فروض الدين و هو ان الظاهر من روايتى ابى الربيع و عبد الرحيم القصير ـ المتقدمتين ـ اعتبار السعة و اليسار في تحقق الاستطاعة و حصولها و هما غير حاصلين مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج اليه في الحج على ما يقابل الدين من غير فرق بين المؤجل و الحال، مع المطالبة و بدونها، و مجرد القدرة بعد ذلك على الوفاء في المؤجل و في الحال مع الرضا بالتأخير غير كاف في صدق السعة و اليسار فعلا.
و يرد عليه اولا ان الظاهر ـ كما عرفت سابقا في معنى رواية ابى الربيع ـ ان المراد بالسعة هو الرجوع بالكفاية و القدرة على المعاش بعد المراجعة و لا ارتباط لها بمسئلة الدين اصلا.
و ثانيا ان الظاهر ان الروايات الدالة على تفسير الاستطاعة بان عنده ما يحج به و قد عرفت انها تدل على اعتبار امور ثلاثة هى ملكية الزاد و الراحلة و كونه عنده و بيده و كونه بحيث يمكن الاستعانة به في سفر الحج لا تكون مغائرة لما يدل على تفسيرها بالسعة و اليسار و القوة بل الظاهر ان المراد بالسعة و امثالها هو ما يدل عليه تلك الروايات و لا دلالة لها على اعتبار امر رابع في الاستطاعة زائد على الامور

(الصفحة128)



الثلاثة كما لا يخفى.
و ثالثا على تقدير تسليم جميع ما ذكر نمنع جريان الدليل في جميع فروض الدين ففى الصورتين المذكورتين في القول السادس لا يكون الدين مانعا عن تحقق اليسار فان من كان له دين مؤجل و اجله بعد الحج و يطمئن بوجود مال له في ذلك الوقت كاف في مقام اداء الدين كيف لا يكون بالنظر الى هذا المال الموجود موسرا و له سعة
الثانى ما اشتهر و ارتكز عند المتشرعة من اهمية حق الناس من حق اللّه تعالى فاللازم تقديم الدين على الحج لان الاول حق الناس و الثانى حق اللّه و يرد عليه انه لم يقم دليل من آية او رواية على ثبوت هذه الاهمية و ما ورد و نقله في المستمسك من ان الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر و ذنب لا يغفر، و ذنب لا يترك، فالذى يغفر ظلم الانسان نفسه، و الذى لا يغفر ظلم الانسان ربه ـ يعنى الشرك الذى ورد في الكتاب انه لظلم عظيم و ان اللّه لا يغفر ان يشرك به ـ و الذى لا يترك ظلم الانسان غيره.
لا دلالة له على اهمية ظلم الانسان غيره من ظلم الانسان نفسه فان عدم الترك بلحاظ ارتباطه بالغير و عدم الغفران الا بمراجعة صاحب الحق امر و الاهمية امر آخر لا ارتباط لاحدهما بالاخر كما ان الغفر ان في ظلم الانسان نفسه بلحاظ ارتباطه باللّه الغفار الرؤف الرحيم لا دلالة له على عدم الاهمية اصلا.
و بالجملة هذا الحكم و ان كان مرتكزا عند المتشرعة الا انه لم يبلغ الى حد يمكن التعويل عليه.
ثم انه استشهد السيد في العروة بعد منع اهمية حق الناس من حق اللّه بانه لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما و لا يقدم دين الناس.
و حكى في المستمسك الاشكال من بعض الحواشى على ذلك بان الدين و الحج لما تعلقا بعد الموت باعيان التركة لم يبق لرعاية الاهمية موقع.
و اورد عليه بانه إذا كان الدين اهم كان اللازم ان لا يتعلق الحج بالتركة مع

(الصفحة129)



المزاحمة بالدين كما لم يتعلق الميراث مع المزاحمة للوصية و هكذا فتعلق الحج و الدين معا مع المزاحمة يدل على عدم اهمية الدين من الحج.
و اورد بعض الاعلام على السيد اولا بان مورد التوزيع هو حال الوفاة و ذلك لا يكشف عن عدم الاهمية للدين حال الحيوة فان الميت لا تكليف عليه و انما يكون ضامنا و مديونا و هذا بخلاف الحى فانه مكلف باداء الدين و الحج ايضا و لا يقاس الحكم التكليفى بالوضعى فاحد البابين اجنبى عن الاخر.
و ثانيا ان المصرح به في الروايات كون الحج دينا و انه يخرج من صلب المال فهما سيان من هذه الجهة غاية الامر احدهما دين اللّه و الاخر دين الناس فهو كانه مدين لشخصين لا يفى المال الا لاحدهما و يوزع المال بينهما قهرا فلا يكون التوزيع ـ ح ـ شاهدا على عدم اهمية دين الناس.
و ثالثا ان التوزيع المذكور لم يدل عليه اىّ دليل و انما ذكره العلماء في كلماتهم بل يظهر من صحيح بريد العجلى الوارد فيمن مات قبل ان يحرم انه يصرف جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو للدين ثم للورثة عدم التوزيع و تقديم الحج على الدين و لكن انما نلتزم بذلك في مورد الوفاة للنص و اين هذا من تكليف نفس الشخص حال حيوته و كان عليه دين غير واثق بادائه في وقته او انه حال مطالب به.
و الجواب اما عن الوجه الاول فان حكم الدين بالاضافة الى الميت و ان كان وضعيا محضا الا انه لا شبهة في ترتب حكم تكليفى عليه غاية الامر ان المكلف لا يكون نفس الميت بل الحاكم او الوصى او الوارث و الاختلاف لا يوجب الاختلاف في الحكم فاذا كان الحكم التكليفى بعد الوفاة متعلقا بالتوزيع كما هو المفروض فلا فرق بينه و بين حال الحيوة الذى يكون الحكمان: التكليفى و الوضعى متوجهين الى شخص واحد كما لا يخفى.

(الصفحة130)



و اما عن الوجه الثانى فمضافا الى ان الآية تدل قبل الرواية على كون الحج دينا للّه كما هو ظاهر التعبير بكلمتى «اللام» و «على» في قوله تعالى و للّه على الناس حج البيت ان اثبات كون الحج دينا و كون الشخص مدينا لشخصين انما يلائم التمهيد للتساوى و عدم الترجيح لاحدهما على الاخر و كونهما سيان من هذه الجهة فجعل النتيجة عدم كون التوزيع شاهدا على عدم اهمية دين الناس مما لم يظهر لنا اصلا.
و اما عن الوجه الثالث فبان استشهاده انما هو بالفتاوى المذكورة في كلماتهم و التحقيق موكول الى محله و لا مجال للبحث عنها هنا.
الثالث ان تقديم الدين على الحج انما هو لكون الدين مشروطا بالقدرة العقلية و الحج مشروطا بالقدرة الشرعية و قد ثبت في محله ان الاول مقدم على الثانى و يرد عليه ـ مضافا الى انه لم يرد دليل على التقدم المذكور ـ ان القدرة الشرعية في المقام ليست الا الاستطاعة المفسرة في الروايات بان يكون عنده ما يحج به و هى حاصلة و اللازم ثبوت المشروط و لا مجال لدعوى كون القدرة الشرعية المعتبرة في المقام زائدتا على الاستطاعة المذكورة نعم يمكن دعوى منع تحقق الاستطاعة كما ادعاها السيد في بعض فروض الدين كالدين الحال المطالب به و لكن لا مجال لهذه الدعوى اصلا بعد كون المفروض كفاية ما عنده للحج و الاتيان بالمناسك و جميع ما يعتبر في الاستطاعة حتى نفقة العود و الكفاية عند الرجوع و في هذا الفرض لا وجه لمنع الاستطاعة كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية شىء من ادلة تقديم الدين بنحو الاطلاق على الحج.
و اما ما استدل به على وجوب الحج و عدم مانعية الدين فوجوه ايضا:
منها ما في المستند بعد اختيار وجوب الحج مطلقا من قوله: «لصدق الاستطاعة عرفا و المستفيضة المصرحة بان الاستطاعة ان يكون له مال يحج به الى ان قال:

(الصفحة131)



و لا شك ان من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا فيصدق عليه ان عنده مالا و له ما يحج به من المال للاتفاق على ان ما يقرض ملك للمديون و لذا جعلوا من ايجاب صيغة القرض «ملكتك» و صرحوا بجواز بيعه و هبته و غير ذلك من انحاء التصرف، و الاخبار المتضمنة لوجوب الحج على من عليه دين بقول مطلق...» و يرد عليه ان ما افاده من تحقق الاستطاعة الشرعية المفسرة في المستفيضة بان يكون له ما يحج به انما يتم لاثبات اصل وجوب الحج لتحقق شرطه و عدم كون الدين مانعا عن الاستطاعة فهو انما يجدى في مقابل السيد في العروة حيث منع صدقها في بعض فروض الدين كما مرت حكايته و اما كونه مجديا لتقدم الحج على الدين مع ثبوت التكليف بالاداء بالاضافة اليه و توجهه اليه فلا فان تحقق الاستطاعة امر و تقدم الحج على الدين مع توجه التكليف الى المكلف بالنسبة الى كلا الامرين امر آخر لا دلالة للكلام على اثباته نعم الاخبار التى اشير اليها لعلها تكون ظاهرة في التقدم و سيأتى البحث فيها انشاء اللّه تعالى.
و منها ان الحج اهم من الدين و يظهر ذلك من التعبيرات الواردة في ترك الحج كقوله تعالى في ذيل آية الحج و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين بناء على ان المراد هو الكفر الحاصل بسبب مجرد الترك و مثل ما في بعض الروايات من قوله (صلى الله عليه وآله): يا علىّ من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديا او نصرانيا(1) و كذا يظهر من الرواية الواردة فيما بنى عليه الاسلام من ان الحج يكون كذلك و غيرهما من التعبيرات.
و يرد عليه انك عرفت ان المراد بالكفر في الاية بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المتحقق بالانكار لا بمجرد الترك و قد عرفت ان في الآية احتمالات متعددة فراجع اول الكتاب و اما الرواية فقد جعل فيها ترك الحج في ضمن عشرة امور موجبة

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 3

(الصفحة132)



للكفر مثل نكاح البهيمة و منع الزكاة و مثلهما، و كونه من جملة ما بنى عليه الاسلام لا يقتضى الاهمية في مقام المزاحمة و الا يلزم تقدمه على وجوب حفظ النفس و مثله لعدم كونه مما بنى عليه الاسلام.
و بالجملة هذه التعبيرات و ان كانت تكشف عن عظمة مقام الحج و علو مرتبته الا انها لا دلالة لها على التقدم في مقام المزاحمة كما لا يخفى.
و منها الروايات الظاهرة في ذلك و هى على طائفتين:
احديهما ما دل على تقدم الحج على الدين من دون ظهور في كون الحج هى حجة الاسلام او الحج الواجب مثل صحيحة معاوية بن وهب عن غير واحد قال: قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) يكون علىّ الدين فتقع في يدى الدراهم، فان وزعتها بينهم لم يبق شىء فاحج بها او اوزعها بين الغرام فقال: تحج بها و ادع اللّه ان يقضى عنك دينك.(1) قال صاحب الوسائل بعد نقلها: و رواه الصدوق باسناده عن ابن محبوب عن ابان عن الحسين بن زياد العطار قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) و ذكر مثله.و يظهر من ذلك ان حسين بن زياد العطار من جملة غير واحد الذى روى عنه معاوية بن وهب في السند الاول و عليه فلا تعدد في الرواية اصلا.
و ذكر السيد في العروة في مقام الجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة: و الاخبار الدالة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب و في كونه حجة الاسلام و مثله ما في بعض الشروح من انها قضية في واقعة لم يعلم انه هل كان دين الراوى حالا او مؤجلا، يرضى الدائن بالتأخير اولا، كان حجه استحبابيا او وجوبيا.
و الظاهر انه لا مجال لانكار كون الدين في مفروض السؤال حالا لظهوره في انه لو لم يصرف الدراهم في الحج لكان اللازم هو التوزيع بين الغرماء و احتمال كون التوزيع في الدين المؤجل قبل حلول اجله في غاية البعد و عليه فبعد كون السؤال ظاهرا

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح ـ 1

(الصفحة133)



فى الدين الحال يظهر كون المراد من الحج هى حجة الاسلام لانه في غيرها يدور الامر بين رعاية حكم استحبابى و بين موافقة حكم وجوبى و لا مجال لترجيح الاول على الثانى و (دعوى) كون مورد السؤال هو مجرد المشروعية لا التقديم و الجواب ناظر اليها (مدفوعة) بانه لا ينبغى الارتياب في ظهور الجواب في التحريض على الحج و الدعاء لقضاء الدين و لا وجه للتحريك الى امر استحبابى و ترك امر وجوبى اصلا فالرواية لا بد من الحمل على الدين الحال و كون الحج حجة الاسلام.
ثانيتهما ما تدل بظاهرها على تقدم حجة الاسلام او الحج الواجب على الدين كصحيحة معاوية بن عمار قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه دين عليه ان يحج؟قال نعم ان حجة الاسلام واجبة على من اطاق المشى من المسلمين و لقد كان اكثر من حج مع النبى (صلى الله عليه وآله) مشاة الى آخر الحديث.(1) و الظاهر ان السؤال في نفسه ظاهر في مورد مزاحمة الدين مع الحج و هذا يتحقق في بعض فروض الدين مثل ما إذا كان له مال لا يكفى الا لاحد الامرين و يمكن صرفه في كل منهما.
و اما صورة عدم المزاحمة فهى خارجة عن مورد السؤال و عليه فلو كان الجواب مشتملا على قوله (عليه السلام) «نعم» فقط لكانت دلالة الرواية على تقدم الحج ظاهرة لكن قوله (عليه السلام)بعده: ان حجة الاسلام واجبة....الظاهر في وجوب حجة الاسلام على من يكون قادرا على المشى في طريق الحج و الوصول الى البيت لما عرفت من ان المراد من قوله «اطاق» مجرد القدرة و التمكن لا آخر مرتبة القدرة و نهايتها يوجب صرف الظهور الى امر آخر و هو انه حيث لا يكون وجوب الحج متوقفا على وجود الراحلة بل يكفى فيه مجرد القدرة على المشى فلا مانع من صرف المال الموجود في الدين و الاتيان بالحج ماشيا و عليه فتدل الرواية على تقدم الدين او على انه

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحاديعشر ح ـ 1

(الصفحة134)



لا مزاحمة بينه و بين الحج بعد امكان صرف المال في الدين و صرف قدرة المشى فى طريق الحج.
هذا و لكن عرفت فيما تقدم ان الرواية باعتبار دلالتها على عدم اعتبار الراحلة في وجوب الحج على البعيد تكون معرضا عنها عند المشهور و اللازم طرحها.
و رواية عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال قال ابو عبد اللّه (عليه السلام) الحج واجب على الرجل و ان كان عليه دين.(1) و دلالتها ظاهرة و لكن المناقشة تجرى في سندها.
ثم ان السيد في العروة حمل الروايتين بعد تسليم تمامية دلالتهما و سندهما على الصورة التى حكم فيها بوجوب الحج و عدم مزاحمة الدين معه كما إذا كان الدين مؤجلا و اطمئن بالقدرة على ادائه عند حلول اجله او على من استقر عليه الحج سابقا و ان استشكل فى هذا الحمل و قال الاولى الحمل الاول.
و يرد عليه ان الحمل لا بد و ان يكون لاجل وجود دليل على الخلاف و بدونه لا مجال للحمل إذا كانت الرواية مطلقة من حيث الدلالة كما هو المفروض.
ان قلت حيث انه منع وجود الاستطاعة في غير الصورة المذكورة فاللازم ارتكاب الحمل المذكور و الا يلزم ان يكون الحج واجبا مع عدم الاستطاعة.
قلت لم لا تكون الرواية دليلا على وجود الاستطاعة و شاهدة على بطلان الدعوى المذكورة و كيف كان لا مجال للحمل بعد عدم ثبوت دليل على الخلاف.
ثم ان ما ذكره في المستمسك من طرح الروايتين لاعراض المشهور انما يتم في الرواية الاولى و اما الرواية الثانية فلا مجال لدعوى الاعراض بالاضافة اليها كما لا يخفى.
و صحيحة ابى الصباح الكنانى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال قلت له: أ رايت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الا التجارة أو

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح ـ 4

(الصفحة135)



الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج، ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام(1) فانها ظاهرة في عدم كون الدين كالتجارة عذرا مجوزا لتسويف الحج و تأخيره فتدل على تقدم الحج على الدين.
هذا و لكن الظاهر ان توصيف الرجل بكونه ذا المال و صاحب الثروة مع وضوح ان مجرد الاستطاعة لا يوجب تحقق هذا العنوان يدل على ان شغل التجارة و كذا الدين انما كان الشخص معتذرا بهما لاجل الفرار عن الحج من دون ان يكون هناك مزاحمة في البين.
و بالجملة لا دلالة للرواية على تقدم الحج على الدين في فرض الدوران و المزاحمة كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في الروايات الظاهرة في تقدم الحج على الدين انها بين ما يكون معرضا عنها و ما يكون مشتملا على ضعف في السند و ما يكون غير ظاهرة فى التقدم مع المزاحمة نعم ذكرنا ان الرواية الاولى ظاهرة في ذلك و لكن الانصاف انه ليس ظهورا قويا يمكن الاعتماد عليه و الفتوى على طبقه فلم يثبت الى هنا تقدم الدين على الحج و لا تقدم الحج على الدين و اللازم بعد ذلك ملاحظة المسئلة من باب التزاحم فنقول يقع البحث من هذه الجهة في مقامات ثلاثة:
المقام الاول في اصل ثبوت التزاحم هنا في الجملة و الظاهر انه لا مجال لانكاره كما فى صدر كلام المستند المتقدم لانه توجه الى المكلف تكليفان احدهما متعلق بالحج بلحاظ وجود شرطه و هى الاستطاعة و الآخر باداء الدين بلحاظ القدرة عليه عقلا و لا يقدر المكلف على الجمع بين الامرين و رعاية كلا التكليفين فيقع التزاحم في البين.
و ما ذكره السيد في العروة في مقام منع المزاحمة و الجواب عن المستند

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 4

(الصفحة136)



من كون وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة و هى غير متحققة و التزاحم فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد و المفروض ان وجوب اداء الدين مطلق و وجوب الحج مشروط بالاستطاعة الشرعية.
يرد عليه ما تقدم من وضوح تحقق الاستطاعة الشرعية في المقام لانه يصدق ان عنده ما يحج به و كذا ما تقدم من ان الواجب المشروط بعد تحقق شرطه و حصوله يكون في عرض الواجب المطلق و لا وجه لتقدمه على الواجب المشروط المفروض بوجه و عليه فانكار اصل التزاحم في الجملة مما لا سبيل اليه اصلا.
المقام الثانى في ان التزاحم هل يكون متحققا في جميع فروض الدين او يكون ثابتا فى بعضها؟الظاهر هو الثانى و ذلك لانه لو فرض كون الدين مؤجلا و كان المكلف مطمئنا بتمكنه من الاداء عند حلول اجله لا مجال لتوهم التزاحم لان المفروض قدرته على رعاية كلا التكليفين و الاتيان بكلا العملين كما انه لو كان الدين حالا و لكن كان الدائن راضيا بالتأخير و المديون مطمئنا بالتمكن من الاداء عند المطالبة لا يتحقق التزاحم.
نعم ذكر صاحب المستند في الدين المؤجل انه إذا كان اجله يسع للحج و العود لا يكون مزاحما مع الحج و ان لم يكن واثقا بالتمكن من الاداء عند حلوله مع ان الظاهر انه فى صورة عدم الوثوق حيث يجب عليه حفظ القدرة المالية للصرف في اداء الدين في وقته و لا يجوز الصرف في مصرف آخر فالتزاحم يتحقق بين وجوب الحج و وجوب حفظ القدرة لاداء الدين و وفائه نعم مع الوثوق لا يبقى مجال لتوهم التزاحم.
المقام الثالث في انه بعد ثبوت التزاحم في بعض الفروض هل يكون هنا ما يوجب تقدم احد المتزاحمين على الاخر؟ربما يقال: نعم نظرا الى جريان احتمال الاهمية بالاضافة الى الدين و قد ثبت في محله ان احتمال الاهمية كالجزم بها يكون مرجحا لمحتملها فاللازم ترجيح الدين و الحكم بعدم وجوب الحج في صورة المزاحمة

(الصفحة137)



معه و لعل هذا هو مستند المتن في ترجيح الدين و من البعيد ان يكون مستنده ما في العروة من عدم تحقق الاستطاعة في هذه الصورة فلا يجب الحج لاجله.
و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى جريان احتمال الاهمية في خصوص الدين بل يجرى هذا الاحتمال في الحج ايضا بلحاظ ما مرّ من الادلة الدالة على تقدمه فان تلك الادلة و ان لم تنهض لاثبات الاهمية لكن اقتضائها لثبوت الاحتمال لا مجال لنفيه و عليه فيجرى احتمال الاهمية في الحج ايضا و مقتضى القاعدة في هذه الصورة التخيير لعدم المزية اصلا.
كما انه ربما يقال بتقدم الاسبق من حيث الزمان و عليه فلو كان الحج مستقرا عليه سابقا و بعده حصل الدين يحكم بتقدم الحج للاسبقية.
و لكن التحقيق ـ كما حقق في محله ـ عدم كون الاسبقية مرجحة في باب التزاحم بوجه و لذا اختار السيد في العروة التخيير في الدوران بين الحج المستقر الذى لا تعتبر فيه الاستطاعة و بين الدين نظرا الى ثبوت التزاحم في خصوص هذه الصورة و عدم كون الاسبقية موجبة للترجيح في باب المتزاحمين.
المبحث الثانى انه لا فرق في حكم الدين المتقدم في المبحث الاول بين ما إذا كان سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة او لا حقا له كما إذا استطاع للحج ثم عرض عليه دين كما إذا اتلف مال الغير ـ مثلا ـ على وجه الضمان من دون تعمد قبل خروج الرفقة او بعده قبل ان يخرج هو او بعد خروجه قبل الشروع في الاعمال ـ كما مثل به السيد في العروة ـ او تلف مال الغير على وجه الضمان عنده ـ كما مثل به في المتن ـ و لعل مثال السيد اولى و ان كان لا فرق بينه و بين ما في المتن في الجهة الراجعة الى هذا المبحث بل الفرق بينهما في جهة اخرى تستفاد من تقييد الاتلاف بما إذا كان من دون تعمد و هو انه إذا كان الاتلاف للمال الذى هو بقدر الاستطاعة عمديا يترتب عليه استقرار الحج كما سيأتى البحث عنه فيما بعد انشاء اللّه

(الصفحة138)



تعالى و عليه فتلف مال الغير على وجه الضمان ان كان شاملا لصورتى التعدى و التفريط كما هو مقتضى الاطلاق لكان اللازم الحكم بالاستقرار كالاتلاف العمدى و يمكن ان يقال بالاختصاص بمثل العارية المضمونة التى يكون فيها الضمان من دون تعمد و تفريط ايضا.
و كيف كان فالوجه في عدم الفرق بين ما إذا كان الدين سابقا على الاستطاعة او لا حقا انه لا يكفى في تحقق الاستطاعة حدوثها بل اللازم بقائها لوضوح انه لو تحققت سرقة الاستطاعة قبل الشروع في الاعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب و عليه فاذا قلنا بعدم اجتماع الدين مع الاستطاعة فاللازم الحكم بذلك في البقاء ايضا فان الدين العارض يمنع عن بقاء الاستطاعة و هو معتبر كما عرفت كما انه لو قلنا باعتبار اليسار و السعة و هو لا يجتمع مع الدين فاللازم الحكم به في البقاء ايضا كما انه لو قلنا بالمزاحمة على ما اخترناه يكون اللازم تحققها مع عروض الدين ايضا و قد عرفت ان الاسبقية من حيث الزمان لا تكون مرجحة في باب التزاحم اصلا
المبحث الثالث: فيما إذا كان عليه خمس او زكوة بقدر الاستطاعة ـ مثلا ـ فتارة يكونان على ذمته و اخرى في عين ماله، اما على الاول كما إذا اتلف متعلق الخمس او الزكوة حيث انه يوجب الانتقال الى الذمة فيكون حالهما حال الدين المعجل المطالب به لان المستحقين لهما طالبون و لا فرق بين الدين الشخصى و الجهة اصلا فيجرى في هذا الفرض حكم الدين المذكور و يظهر من تفريع المتن قوله: فلا يكون مستطيعا ان الوجه فى الحكم بتقدم الدين هو عدم اجتماعه مع الاستطاعة كما عرفت تصريح السيد في العروة بذلك و ان كان يحتمل مع قطع النظر عن ذلك ان يكون الوجه عنده المزاحمة و تقدم الدين لاهميته او احتمالها.
ثم ان الظاهر ان مراد من علل التقدم بعدم الاستطاعة ان نفس ثبوت الدين او الخمس او الزكوة مانعة عن تحققها سواء صرف المال فيها ام لم

(الصفحة139)



يصرف و عليه فما في كلام بعض الاعلام من انه بالصرف تزول الاستطاعة لا وجه له ظاهرا.
و اما على الثانى فلا اشكال في تقديمهما على الحج و كذا على سائر الديون لعدم تحقق الاستطاعة ـ ح ـ من دون فرق بين ما إذا قلنا بان تعلقهما بالمال على نحو الاشاعة او على نحو الكلى في المعين او على نحو تعلق الحق به كحق الرهانة فانه لا يتحقق على شىء من التقادير عنوان الاستطاعة غاية الامر انه على بعض الاقوال تكون العلة عدم الملكية و على البعض الاخر عدم جواز التصرف فلا يصدق انه عنده ما يحج به.
ثم انه لا مجال لتوهم الاطلاق في عبارة المتن و الشمول لكلتا الصورتين بعد كون التعبير فيه: و ان كان عليه خمس او زكوة حيث ان ظاهره تعلقهما بالذمة كما يستفاد من كلمة «عليه» و عليه فالمتن متعرض لخصوص الصورة الاولى و لعل الوجه في عدم التعرض للصورة الثانية وضوح حكمها على ما عرفت.
المبحث الرابع: إذا كان الدين مؤجلا باجل طويل جدا كخمسين سنة ـ مثلا ـ او كان مبنيا على المسامحة و عدم الاخذ رأسا كمهور نساء اهل الهند على ما مثل به السيد في العروة حيث انهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على ادائه كمأة الف روبية او خمسين الف لاظهار الجلالة و ليسوا مقيدين بالاعطاء و الاخذ، او كان الدين مبنيا على الابراء بان وعده الدائن به و كان مطمئنا بذلك ففى المتن انه لم يمنع شىء من ذلك من الاستطاعة.
لكن الظاهر انه لو فرض العلم بانه لا يقدر في الفرض الاول على اداء الدين عند حلول اجله الاّ من طريق حفظ ما عنده مما يكون بقدر الاستطاعة فلا مجال لدعوى عدم كونه مانعا عن الاستطاعة لو كان الوجه في تقدم الدين هى المانعية عن الاستطاعة كما انه لو احتمل في الفرض الثانى مطالبة الزوجة و لو عند تحقق الطلاق او مطالبة

(الصفحة140)

مسئلة 20 ـ لو شك في ان ماله وصل الى حد الاستطاعة او علم مقداره و شك فى مقدار مصرف الحج و انه يكفيه يجب عليه الفحص على الاحوط1 .


ورثتها على تقدير الموت و لا يقدر على التأدية بوجه لا مجال للدعوى المذكورة كما انه على تقدير كون المبنى هى المزاحمة كما اخترناه تتحقق فيما ذكر و اما في الفرض الثالث فحيث يكون الاطمينان علما بحسب نظر العرف لا يكون الدين المذكور مانعا عن وجوب الحج بوجه اصلا كما لا يخفى:
1 ـ الشبهة في كلا الفرضين موضوعية و قد اشتهر انه لا يجب الفحص فيها بخلاف الشبهة الحكمية نظرا الى اطلاق ادلة اعتبار الاصول و عدم ما يدل على اعتبار الفحص في جريانها و قد حققنا في الاصول ان جريان اصالة البرائة العقلية في الشبهات الموضوعية ـ على تقديره كما هو الحق ـ مشروطة بالفحص مطلقا في مقابل من يقول بعدم اعتبار الفحص كذلك او بالتفصيل ـ على قولين مذكورين هناك ـ و اما الاصول الشرعية فلا يجب الفحص فيها في الشبهات الموضوعية لانه ـ مضافا الى ما ذكر من اطلاق ادلة اعتبار الاصول و عدم وجود مقيّد في البين ـ يدل عليه فقرة من صحيحة زرارة الثالثة المستدل بها في باب حجيّة الاستصحاب في الاصول و هى قول زرارة: فهل على ان شككت في انه اصابه شىء ان انظر فيه؟قال لا و لكنك انما تريد ان تذهب الشك الذى وقع في نفسك.فان ظاهره عدم وجوب النظر في الثوب ليعلم انه هل اصابه شىء ام لا مع ان النظر فيه امر جزئى خفيف المؤنة بل حكم بجريان الاصل المقتضى للطهارة.
هذا و لكن الظاهر ان المشهور اختاروا في باب الحج و كذا في باب الخمس و الزكوة إذا شك في زيادة الربح على المؤنة او في بلوغ النصاب وجوب الفحص و قد استدل لهم بوجوه ثلاثة:
الاول ان مثل المراجعة الى دفتر الحساب لتعلم الاستطاعة و عدمها و النظر