في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة141)



الى الافق لتبين الفجر و نحوهما لا يعد عرفا من الفحص حتى يقال بعدم وجوبه و يرد عليه ـ مضافا الى ان مقتضاه وجوب النظر في مورد سؤال زرارة المتقدم لعدم كون مجرد النظر فيه لاستكشاف حاله فحصا ـ ان هذا الوجه انما يلائم ما لو كان الدليل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية مثل الاجماع القائم على العدم مع كون مقتضى ادلة اعتبار الاصول الشرعية هو الوجوب فانه ـ حينئذ ـ يناسب ان يقال ان معقد الاجماع هو الفحص و هذا لا يعد فحصا و اما لو قلنا باطلاق ادلة اعتبار الاصول و عدم ما يدل على وجوب الفحص فالبحث في تحقق عنوان الفحص و عدمه لا مجال له اصلا بل اللازم البحث في تحقق الجهل الذى هو مجرى الاصول الشرعية و عدمه و الظاهر انه لا شبهة في تحقق عنوان الجهل قبل المراجعة الى الدفتر في المثال المذكور و لذا يعد من لم يراجع الى رسالة المجتهد الحاضر عنده جاهلا غاية الامر توصيفه بكونه مقصرا و هذا التوصيف انما يكون مورده الشبهات الحكمية و لا يجرى في الشبهات الموضوعية اصلا فلا مجال لانكار تحقق الجهل و الا لكان اللازم ان يقال انه عالم نعم يمكن ان يقال بعدم صدق الجهل في بعض الموارد كما في مثال الفجر إذا توقف تبينه على مجرد فتح العين للرؤية ففى مثله لا يجرى الاصل الشرعى.
ثانيها لزوم المخالفة القطعية الكثيرة لو قلنا بعدم وجوب الفحص و لا شبهة في كونها مبغوضة للشارع.
و اورد عليه اولا بالنقض بموارد الشك في الطهارة و النجاسة حيث انه يعلم بمخالفة الاصول الجارية فيهما للواقع كثيرا.
و ثانيا بالحل نظرا الى ان المكلف لا يعلم بالنسبة الى نفسه بوقوعه في الخلاف و الا لكان من العلم الاجمالى الجارى في التدريجيات نعم يعلم ذلك بالنسبة الى سائر الناس بمعنى انه يعلم بان الاصول التى يجريها الناس عند شكهم في الاستطاعة

(الصفحة142)



مثلا ـ كثير منها مخالفة للواقع و لكن هذا العلم لا اثر له بالنسبة الى نفسه لان تحقق المخالفة من سائر الناس لا ارتباط له اليه اصلا كما لا يخفى.
ثالثها رواية زيد الصائغ الواردة في الزكوة قال: قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) انى كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مساو ثلث رصاصا و كانت تجوز عندهم و كنت اعملها و انفقها، قال: فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) لا بأس بذلك إذا كان تجوز عندهم فقلت ارأيت ان حال عليه الحول و هى عندى و فيها ما يجب علىّ فيه الزكوة ازكيها قال: نعم انما هو مالك.قلت: فان اخرجتها الى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندى حتى حال عليها الحول ازكيها: قال ان كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكوة فزك ما كان لك فيها من الفضة خالصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث.قلت و ان كنت لا اعلم ما فيها من الفضة الخالصة الا انى اعلم ان فيها ما يجب فيه الزكوة قال: فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكى ما خلص من الفضة لسنة واحدة.(1)
و اورد على الاستدلال بها ـ مضافا الى ضعف السند بزيد الصائغ ـ تارة بورود الرواية في باب الزكوة و لا دليل على التعدى عنه الى باب الخمس فضلا الى الحج و اخرى بان موردها صورة العلم بوجوب الزكوة و الشك فى الزيادة و ايجاب الفحص في هذه الصورة لا يقتضى وجوبه في ما إذا كان اصل الوجوب مشكوكا كما إذا شك في اصل النصاب.
و ثالثة بما ذكره بعض الاعلام من انه لا موجب للتصفية و التمييز بين المس و الرصاص و الفضة اذ يمكن اعطاء الزكوة بنية المال الموجود فيخلص من الزكوة و لا حاجة الى تخليص الدراهم و علاجها و تصفيتها و عليه فالتخلص من الزكوة له طريقان احدهما اخراج الزكوة من المال بالنسبة و ثانيهما تخليص الفضة و تصفيتها.

1 ـ ئل ابواب زكاة الذهب و الفضة الباب السابع ح ـ 1

(الصفحة143)



و توضيح كلامه انه حيث كان المفروض تساوى الدراهم المغشوشة في مقدار الفضة غاية الامر عدم كون مقدارها من حيث النسبة معلوما لانه لا يعلم انه الثلث او ازيد او انقص فاذا ادى الزكوة من نفس الدراهم المغشوشة يتحقق العلم بالتخلص من الزكوة و انه اخرجها بالمقدار الواقعى فاذا فرض ان الدراهم المغشوشة الف درهم و فرض ان النصاب مأة مثقال فضة و هو لا يعلم باشتمال الالف على المأة غاية الامر انه يحتمل اشتماله على مأتين او ثلاثمأة فاذا اخرج الزكوة من نفس الدراهم المغشوشة كان اخرج ربع عشرها الذى هو خمس و عشرون درهما فهو يقطع بالتخلص من الزكوة على جميع التقادير سواء كانت نسبة الفضة في كل درهم هى الثلث او الربع او النصف او غيرها لانه لو فرض كون النسبة هى النصف ـ مثلا ـ لكان اخراج خمس و عشرين درهما موجبا لاخراج اثنى عشر و نصف مثقالا من الفضة مع ان ربع العشر من خمسمأة التى هى النصاب على هذا التقدير يكون المقدار المذكور و هكذا على التقادير و الاحتمالات الاخر و عليه فضعف دلالة الرواية انما هو من جهة ظهورها في انحصار التخلص بالتخليص و التصفية مع انك عرفت عدم الانحصار.
و يرد عليه ان اخراج الزكوة من نفس الدراهم المغشوشة بالنسبة كما افاده و ان كان موجبا للتخلص القطعى الا انه ربما يستلزم اخراج الزائد من الزكوة لانه قد ثبت في محله من كتاب الزكوة ان التفاوت بين النصابين مغتفر و يجرى عليه حكم النصاب السابق و الاخراج بالنحو المذكور يوجب اخراج الزائد مما هو واجب عليه مع ان التخليص المفروض في الرواية لا يستلزم ذلك بوجه اصلا.
نعم يمكن الايراد على الرواية بانه لا حاجة الى تصفية الدراهم باجمعها بل إذا سبك درهما واحدا يظهر له نسبة الفضة الموجودة فيه الى مجموع الدراهم فاذا ظهر انها ثلث يعطى من بقية الدراهم بمقدار الزكوة و لا مجال لدعوى كون الحكم بلزوم التصفية انما هو لاجل عدم كون الدراهم المغشوشة جائزة و رائجة في البلد

(الصفحة144)



الذى كان فيه السائل بالفعل و ذلك للحكم بلزوم اخراج الزكوة من نفس هذه الدراهم فى ذلك البلد في الجواب السابق إذا كان نسبة الفضة معلومة و عليه فيقع الاشكال من جهة انه لا وجه لتخليص المجموع بعد كون تخليص واحد او اثنين كافيا للعلم بمقدار الفضة الموجودة فيه او فيهما و بالنتيجة للعلم بمقدارها في الدراهم الاخر.
و اما الاشكال بضعف السند فيمكن الجواب عنه بان الظاهر استناد المشهور اليها في باب الزكوة مع قولهم بعدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية و استناد المشهور الى رواية يوجب انجبار ضعفها نعم الاشكال عليها من جهة عدم جواز التعدى عن موردها الذى هى الزكوة الى غيرها من الخمس و الحج يكون باقيا بحاله و اما الاشكال بورودها في مورد العلم بوجوب الزكوة و الشك في الزيادة فالظاهر اندفاعه بعدم الفرق بين الصورتين اصلا بعد عدم كون الاقل و الاكثر في مثلها ارتباطيا و عليه فالشك في الزيادة شك في تكليف مستقل بل يمكن ان يقال باولوية المقام من مورد الرواية لعدم تحقق مخالفة اصل التكليف فيه بخلاف ما نحن فيه الذى يكون اجراء البرائة من دون محض مستلزما لمخالفة التكليف بالكلية فتدبر.
ثم انه ظهر ان الرواية المذكورة و ان كانت لا تنهض لاثبات وجوب الفحص في موردها فضلا عن غيره الا انه إذا انضمت الرواية الى ما علم من الشرع من اهمية الزكوة و الخمس و الحج لان الاولين من المسائل الاقتصادية التى اهتم الاسلام بشأنها و لذا نرى اقتران الزكوة بالصلوة في كثير من موارد الكتاب العزيز و الحج قد عرفت اهتمام الشرع به بحيث كان مما بنى عليه الاسلام و يصير التارك له الى آخر العمر مبعوثا يوم القيامة يهوديا او نصرانيا و قد وقع التعبير عن تركه بالكفر احتمالا في آية الحج يظهر انه لا مجال لتركها بمجرد احتمال عدم بلوغ النصاب و عدم زيادة الربح و عدم الاستطاعة إذا كان رفعه متوقفا على مجرد المراجعة الى الدفتر و صرف ساعة من الوقت ـ مثلا ـ خصوصا مع ما عرفت من عدم حكم العقل بالبرائة في الشبهات

(الصفحة145)

مسئلة 21 ـ لو كان ما بيده بمقدار الحج و له مال لو كان باقيا يكفيه في رواج امره بعد العود و شك في بقائه فالظاهر وجوب الحج كان المال حاضرا عنده او غائبا1.


الموضوعية قبل الفحص فمثل ذلك يقتضى انه لو لم يجز الفتوى بوجوب الفحص فلا اقل من اقتضائه ايجابه احتياطا كما افاده في المتن.
1 ـ هذه المسئلة من فروعات مسئلة شرطية الرجوع الى الكفاية في وجوب حجة الاسلام ـ التى سيأتى البحث فيها انشاء اللّه تعالى و وقع الخلاف و الكلام في اعتبارها ـ و كان المناسب ان يقع التعرض لها بعدها و كيف كان فعلى تقدير اعتبار الرجوع الى الكفاية لو كان له مال زائدا على الاستطاعة الكافية للحج لو كان باقيا يكفيه في رواج امره بعد العود و لكنه يشك في بقائه ففى المتن تبعا للعروة الحكم بوجوب الحج عليه غاية الامر انه فرض المسئلة في المال الغائب و لعله لكون الشك في البقاء انما يتحقق نوعا فيه كما لا يخفى و علله في العروة باستصحاب البقاء و عدم كونه معدودا من الاصول المثبتة.
و لكن جريان الاستصحاب مبنى على القول بجريانه في الامور الاستقبالية ايضا إذا كان لبقاء المستصحب الى ذلك الزمان اثر شرعى فعلى كاستصحاب بقاء الدم الى ثلثة ايام الذى يترتب عليه الحكم بالحيضية بالاضافة الى الدم الموجود الذى يشك في بقائه الى الثلاثة و كما في المقام لان البقاء بعد العود يترتب عليه الحكم بوجوب الحج فعلا لانه من شرائطه.
كما ان عدم كونه مثبتا مبنى على كون المأخوذ في لسان ادلة اعتبار هذا الشرط هو ان يكون للمكلف مال بعد العود من الحج فان الاستصحاب على هذا التقدير لا يكون مثبتا بوجه و اما لو كان المأخوذ فيه هو عنوان «الرجوع الى الكفاية» فاستصحاب بقاء المال لا يثبت هذا العنوان الذى هو الموضوع للحكم بالشرطية الشرعية.
ثم انه يمكن ان يقال ان الدليل العمدة على اعتبار هذا الشرط هى قاعدة نفى

(الصفحة146)

مسئلة 22 ـ لو كان عنده ما يكفيه للحج فان لم يتمكن من المسير لاجل عدم الصحة في البدن او عدم تخلية السرب فالاقوى جواز التصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، و ان كان لاجل عدم تهيئة الاسباب او فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول فضلا عن العلم به، و كذا لا يجوز له التصرف قبل مجىء وقت الحج فلو تصرف استقر عليه لو فرض رفع العذر فيما بعد في الفرض الاول و بقاء الشرائط في الثانى، و الظاهر جواز التصرف لو لم يتمكن في هذا العام و ان علم بتمكنه في العام القابل فلا يجب ابقاء المال الى السنين القابلة1.


الحرج التى اقتضت استثناء مثل الدار و الثياب و الخادم و اشباهها ـ على ما عرفت ـ و عليه ففى المقام يكون الشك في بقاء المال مرجعه الى الشك في ثبوت الحرج و عدمه و من المعلوم انه مع الشك في ثبوت الحرج لا مجال للاخذ بالقاعدة بل لا بد من احرازه فلا دليل في مقابل دليل وجوب الحج في مثل المقام فاللازم ـ ح ـ الحكم بالوجوب و ان لم يجر الاستصحاب.
1 ـ يظهر من صاحب الجواهر و كثير ممن قبله من الفقهاء كالمدارك و كشف اللثام و الذخيرة و مجمع البرهان و الدروس و التذكرة و المنتهى ان المناط في المنع عن التصرف فيما عنده مما يكفيه للحج بما يخرجه عن الاستطاعة هو خروج الرفقة و سفر الوفد فلو كان التصرف قبله يجوز التصرف المذكور و صريح السيد (قدس سره) في العروة هو تعليق الجواز بما إذا كان قبل التمكن من المسير فيجوز قبله و لا يجوز بعده و ان كان قبل خروج الرفقة و فصل في المتن بين ما إذا كان عدم التمكن من المسير لاجل عدم الصحة في البدن او عدم تخلية السرب فيجوز التصرف المذكور و بين ما إذا كان لاجل عدم تهيئة الاسباب او فقدان الرفقة فلا يجوز.
و حكى في «المستمسك» عن بعض الاعاظم في حاشية العروة الحكم بعدم الجواز إذا دخل اشهر الحج و لو لم يتمكن من المسير بوجه و قبله إذا تمكن من المسير

(الصفحة147)



فالشرط في جواز التصرف المزبور امران ينتفى الحكم بانتفاء احدهما.
هذا و الظاهر ان مراد السيد (قدس سره) من التمكن من المسير هى الصحة في البدن و تخلية السرب اللتان هما من الشرائط الوجوبية في باب الحج كالاستطاعة المالية و لذا يعبر عن الاولى بالاستطاعة البدنية و عن الثانى بالاستطاعة السربية و اما تهيوء الاسباب و وجود الرفقة فلا مدخل لمثلهما في اصل الحكم و تحقق الوجوب بل من الشرائط و المقدمات الوجودية و عليه فالظاهر ما قاله السيد من الاختصاص بالاولين كما يظهر من المستمسك و العجب من بعض الاعلام حيث فسر التمكن من المسير في العروة بخصوص المقدمات الوجودية و لذا اورد عليه بعدم مدخليته في فعلية وجوب الحج اصلا لان المعتبر فيه هى الاستطاعة المفسرة في الروايات بالزاد و الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب و لا مدخل للتمكن من المسير في ذلك مع انك عرفت ان مراده هى الاستطاعة من حيث البدن و الاستطاعة من ناحية السرب.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه لا مجال للاشكال في جواز التصرف المذكور قبل اجتماع شروط الوجوب باجمعها لانه لم يتحقق الوجوب بعد على ما هو المفروض فكما انه لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية قبل تحققها فكذلك لا يجب ابقائها قبل حصول الشروط الاخرى لانه لا موجب له اصلا.
و اما في صورة اجتماع الشروط كلها فالكلام يقع تارة فيما هو مقتضى الادلة العامة الواردة في الحج من الاية و الرواية المفسرة للاستطاعة المذكورة فيها و اخرى فيما هو مقتضى الادلة الخاصة على تقديرها.
اما من الجهة الاولى فبعد وضوح حكمين لا مجال للخدشة فيهما احدهما عدم وجوب تحصيل الاستطاعة المالية بوجه و ثانيهما انه لو سرق الزاد و الراحلة ينتفى الوجوب و كذلك لو حدث مانع من السفر كالسيل او العدو او منع الحكومة و امثالها نقول:

(الصفحة148)



انه ذكر بعض الاعلام في شرح العروة انه لا ينبغى الريب في عدم جواز تعجيز نفسه بعد وجوب الحج بشرائطه و حدوده و ان كان الواجب متأخرا لان الميزان في عدم جواز تعجيز النفس عن اتيان الواجب هو تنجز الوجوب و فعليته و ان كان زمان الواجب متأخرا و مبدء هذا الوجوب ليس خروج الرفقة و لا التمكن من المسير و لا دخول اشهر الحج بل مقتضى الاية و الروايات الواردة في تفسيرها تنجز الوجوب بحصول الزاد و الراحلة و ما يحج به و تخلية السرب و صحة البدن بحيث لا يكون الحج حرجيا و لا فرق في حصول ذلك بين اشهر الحج و خروج الرفقة و التمكن من المسير و اشهر الحج انما هى ظرف الواجب لا انها ظرف الوجوب و هو غير محدّد بزمان خاص و عليه يظهر عدم جواز تعجيز نفسه في هذه السنة إذا تمكن من الحج في السنة الثانية و يجب عليه ابقاء المال الى المقبل.
و لم يقع في كلامه التعرض لان بقاء الاستطاعة هل يكون معتبرا في وجوب الحج ام لا و انه إذا لم يكن معتبرا فكيف لا يكون الوجوب ثابتا فيما إذا سرق الزاد و الراحلة و إذا كان معتبرا فكيف يجب تحصيله مع ان تحصيل اصل الاستطاعة و حدوثها لا يكون كذلك و هذه الجهة هى المشكلة الاصلية في هذه المسئلة لا كون وجوب الحج تعليقيا.
و من اجل ما ذكرنا ذكر بعض الاعاظم في شرح العروة ان مقتضى القواعد الاولية جواز التصرف المخرج عن الاستطاعة و ان تمكن من المسير و اجتمعت الشرائط نظرا الى ان الزاد و الراحلة موضوع لوجوب الحج و لذلك لم يتوهم احد وجوب تحصيلهما على من كان فاقدا لهما و الى انهما كما يكونان موضوعا لوجوب الحج حدوثا كذلك يكون موضوعا بقاء و لذلك لا اشكال في انه إذا تلف ماله في اثناء الاعمال يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من اول الامر و الى ان اذهاب الموضوع ليس حراما في حد نفسه ما لم يرد دليل خاص على حرمته و لذا لا يحرم

(الصفحة149)



السفر ـ على مقتضى القاعدة ـ في شهر رمضان مع انه اذهاب لموضوع وجوب الصوم و هو الحضر فالتصرفات المخرجة في المقام لا تكون حراما و على فرض الحرمة لو عصى و اتلف الموضوع انتفى الحكم قهرا لان وجود الحكم حدوثا و بقاء دائر مدار وجود موضوعه حدوثا و بقاء فالاتلاف على تقدير حرمته لا يقتضى بقاء وجوب الحج اصلا.
و ذكر سيد المستمسك ان المستفاد من الاية ان الاستطاعة آناما موجبة لتحقق الوجوب نظير قوله من افطر وجب عليه الكفارة نعم لو كانت عبارة التشريع هكذا: المستطيع يجب عليه الحج كانت ظاهرة في اناطة الحكم بالوصف حدوثا و بقاء كما إذا قيل المسافر يجب عليه القصر حيث يكون الحكم منوطا بالسفر حدوثا و بقاء و عليه فيكفى في اطلاق الوجوب حدوثا و بقاء تحقق الاستطاعة آناما غاية الامر ان استطاعة السبيل الى البيت لا تحقق آناما الا إذا كانت مقدمات الوجود حاصلة في الواقع كل منها في محله فاذا كان المكلف في علم اللّه يبقى ماله و راحلته و صحته الى ان يصل الى البيت الشريف و لا مانع يمنعه عن ذلك يكون مستطيعا من اول الامر و يجب عليه الحج فاذا عجّز نفسه باذهاب ماله مثلا كان مخالفا للوجوب المذكور.
قال: و من ذلك يظهر انه لا مجال لدعوى كون الاستطاعة شرطا للوجوب حدوثا و بقاء من جهة ان الزاد و الراحلة لو سرقا في الطريق انتفى الوجوب و كذا لو حدث مانع من السفر من سيل او عدوّ او مرض او غيرها فان ذلك يوجب انتفاء الوجوب، وجه الاشكال عليها ان حدوث الامور المذكورة كاشف عن عدم الاستطاعة من اول الامر فلا وجوب حدوثا و لا بقاء بخلاف ما لو القى زاده في البحر او قتل راحلته او مرّض نفسه فان ذلك لا يكشف عن عدم الاستطاعة من اول الامر بل هو مستطيع لكنه عجّز نفسه فاذا كان مستطيعا كان التكليف ثابتا في حقه فيكون تعجيز نفسه مخالفة منه للتكليف الثابت عليه فيكون حراما.

(الصفحة150)



هذا و قد عرفت انه يرد على بعض الاعلام انه لم يتعرض لحل المشكلة الاصلية في هذا الباب و هى انه لا يجتمع الحكم باعتبار بقاء الاستطاعة في الوجوب مع الحكم بلزوم الابقاء و وجوب حفظ الاستطاعة و عدم اتلافه بل وقع التعرض لجهة الوجوب التعليقى الذى يرجع الى فعلية الوجوب و تنجزه و كون الواجب امرا استقباليا.
و يرد على بعض الاعاظم ان الحكم بعدم وجوب حفظ الاستطاعة و ابقائها و جواز الاتلاف و التصرف المخرج ـ مع انه يوجب تعطيل الحج و عدم القيام به الا من النادر الذى يأتى به طمعا في الثواب العظيم و الاجر الكثير المترتب عليه على ما تدل عليه الروايات و لا يقاس بالسفر في شهر رمضان حيث انه لا يوجب الا الفرار من الاداء و يبقى عليه وجوب القضاء ـ خلاف لما هو المرتكز في اذهان المتشرعة و الثابت عندهم بحيث يكون القبول ثقيلا عليهم جدا كما لا يخفى.
و يرد على المستمسك ان الحكم بكشف سرقة الزاد و الراحلة عن عدم حدوث الاستطاعة لم يعلم المراد به فان كان المراد به هو الكشف العقلى كما هو الظاهر من كلامه نقول انه لا مجال لهذا الكشف اصلا لانه بعد حدوث الاستطاعة و بقائها مدة بحيث كان السفر الى البيت الشريف ممكنا له من جميع الجهات غاية الامر انه اخّره لسعة الوقت و عدم لزوم التعجيل ثم عرض لها السرقة كيف يمكن ان يقال بان السرقة كاشفة عن عدم حدوث الاستطاعة و هل هذا الا تكذيب ما هو محسوس بالوجدان و مرئى بالعين نعم لو لم تبق الاستطاعة في يده الامدة قليلة لم يتمكن من السفر الى البيت في تلك المدة كان بقيت في يده ساعات ـ مثلا ـ يمكن القول بالكشف المزبور.
و ان كان المراد به هو الكشف التعبدى الذى يرجع الى ان مقتضى الجمع بين ما يدل على انتفاء الوجوب بالسرقة و بين الآية الظاهرة ـ بمقتضى ما افاده ـ في كون حدوث الاستطاعة شرطا للوجوب ان تجعل السرقة كاشفة عن عدم الحدوث

(الصفحة151)



تعبدا نقول ان الجمع لا ينحصر بذلك فلم لا يجعل الدليل المذكور دالا على عدم كون الحدوث بمجرده شرطا للوجوب بل الشرط هو حدوث الاستطاعة و بقائها.
و التحقيق ان مقتضى الجمع بين الادلة ذلك غاية الامر ان شرطية البقاء ليست كشرطية الحدوث بمعنى انه كما ان الحدوث يكون بنحو الاطلاق شرطا للوجوب لا يكون البقاء كذلك شرطا فان المستفاد من دليل انتفاء الوجوب بالسرقة ان الموجب للانتفاء اجتماع امرين الاول عدم البقاء و الثانى كون عدم البقاء مستندا الى امر غير اختيارى فيستفاد منه العموم بهذا النحو و هو ان عدم البقاء إذا كان مستندا الى كل امر غير اختيارى يوجب انتفاء الوجوب و اما إذا كان عدم البقاء مستندا الى امر اختيارى كالاتلاف و التصرف المخرج كما في المقام فلا دليل على انتفاء الوجوب بسببه و عليه فاعتبار البقاء فى الوجوب غير اعتبار الحدوث فيه فاذا لم يكن تحصيل الاستطاعة لازما فلا يستلزم ذلك جواز الاتلاف و عدم لزوم الحفظ ثم لا يخفى ان اعتبار الحدوث و كذا البقاء بالنحو المذكور انما هو في اصل وجوب الحج و حدوثه لا ان يكون الحدوث معتبرا في الحدوث و البقاء في البقاء و عليه فما في كلام المستمسك من ذكر كلمة الحدوث و البقاء عقيب الوجوب لا وجه له.
كما ان اعتبار البقاء في اصل الوجوب مع عدم العلم به نوعا انما هو لاجل الاستصحاب الجارى الحاكم بالبقاء كما عرفت في استصحاب بقاء الدم الى ثلاثة ايام الموجب لكون الدم من اول حدوثه متصفا بالحيضية هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.
و اما الجهة الثانية فربما يقال ان مقتضى بعض الادلة الخاصة ايضا عدم جواز الاتلاف مثل صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام(1) و رواية على بن حمزة عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) انه قال من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرايع الاسلام.(2)

1 و 2 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب السادس

(الصفحة152)



بناء على كون المراد بالدفع المذكور فيهما هو الاتلاف مع ان الظاهر ان المراد هو التأخير في العمل لا التصرف المخرج و يؤيده قوله «و ليس له شغل» و كذا قوله «جعل يدفع ذلك» فلا دلالة لهما.
بقى الكلام في هذه المسئلة في امور:
الاول ان مقتضى ما ذكرنا من اعتبار البقاء بالنحو المذكور في اصل وجوب الحج انه لو تصرف فيما بيده مما يكفيه للحج بما يخرجه عن الاستطاعة لكان لازمه استقرار الحج عليه و عدم انتفاء وجوبه و اما حرمة التصرف المذكور و عدم جوازه فلا مجال لثبوتها لان مقتضى وجود شرط الوجوب تحققه لا حرمة التصرف المخرج فلو حج معه متسكعا فقد اتى بما هو الواجب عليه من دون ان يكون مرتكبا لمحرم اصلا.
نعم لو توقف حجه على ابقاء الاستطاعة و حفظها بحيث كانت الاستطاعة مقدمة وجودية لتحققه يصير الحفظ واجبا بالوجوب الغيرى المقدمى الشرعى او العقلى و من المعلوم انه لا يترتب على مخالفة الامر الغيرى استحقاق العقوبة بوجه.
و مما ذكرنا يظهر انه لو كان التصرف المخرج بمثل المعاملة الناقلة كالهبة و اشباهها لا مجال لتوهم البطلان فيها اما في صورة امكان الحج متسكعا و عدم توقف وجود الحج على بقاء الاستطاعة فلانه لا حرمة في البين اصلا حتى يبحث في اقتضائها للفساد عدمه، و اما في صورة توقف وجود الحج عليه فلان الامر الغيرى و كذا النفسى لا يستتبعان للحرمة بوجه لعدم اقتضاء الامر بالشىء للنهى عن الضد مطلقا ـ كما قد حقق في محله ـ و على تقدير الاستتباع و الاقتضاء فالنهى الغيرى لا يقتضى الفساد كما انه على تقدير كون النهى نفسيا لا دلالة فيه على الفساد على ما ثبت في محله.
الثانى ان مقتضى ما ذكرنا من لزوم حفظ الاستطاعة عدم جواز التصرف و ان علم بعدم تمكنه في هذا العام لعدم تعرض في الاية و الرواية لخصوص عام الاستطاعة فالحكم باختصاص عدم الجواز بخصوص عامها و انه لا يجب ابقاء

(الصفحة153)

مسئلة 23 ـ ان كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده او مع غيره و يمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا و الا فلا، فلو تلف في الصورة الاولى بعد مضى الموسم، او كان التلف بتقصير منه و لو قبل او ان خروج الرفقة استقر عليه الحج على الاقوى، و كذا الحال لو مات مورثه و هو في بلد آخر1.


الاستطاعة الى السنين القابلة كما في المتن تبعا للعروة لعله يكون مستندا الى الفتاوى و الاجماع كما في المستمسك.
الثالث ان ما في المتن من قوله و كذا لا يجوز التصرف قبل مجىء وقت الحج لم يعلم المراد منه فانه ان كان المراد من وقت الحج هو اشهر الحج فاللازم بقرينة المقابلة ان يكون المراد من الفرضين المذكورين قبله ما إذا كان بعد اشهر الحج و عليه فيصير حكم قبل الاشهر اثقل مما بعده لثبوت التفصيل فيما بعد و اطلاق عدم الجواز قبله، و ان كان المراد من وقت الحج هو الوقت الخاص الذى يقع الحج فيه كعرفة و ما بعده من الايام المعدودة فيرد عليه ان الفرضين المذكورين قبله واقعان قبل الوقت المذكور ـ كما هو ظاهر ـ الا ان يراد قبيل الوقت المذكور بعد السفر الى البيت و هو ايضا في غاية البعد و بالجملة لم يعلم المراد من هذا الفرض بوجه.
1 ـ قد مر ان المعيار في حصول الاستطاعة ما إذا اجتمع امور ثلاثة هى عبارة عن ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و امكان صرفهما في الحج عبارة عن ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و امكان صرفها في الحج و اما حضور المال و غيابه فهما امران لا ارتباط لهما بالاستطاعة اثباتا و نفيا فاذا كان المال غائبا و تمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا كما انه إذا كان المال حاضرا و لم يتمكن من التصرف فيه لاجل الغصب او وجود مانع آخر لا يكون مستطيعا فالغياب و الحضور خارجان عن مسئلة الاستطاعة و منه يظهر حال ما لو مات مورثه و هو في بلد آخر فان المعيار هو التمكن من التصرف في الارث من دون فرق بين كونه في بلد اخر و غيره فانه ربما يكون التمكن متوفقا على شىء او اشياء

(الصفحة154)

مسئلة 24 ـ لو وصل ماله بقدر الاستطاعة و كان جاهلا به او غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد تلفه بتقصير منه و لو قبل او ان خروج الرفقة، او تلف و لو بلا تقصير منه بعد مضى الموسم استقر عليه الحج مع حصول سائر الشرائط حال وجوده.2 .


مع الحضور ايضا كما هو المتعارف في هذه الازمنة من اثبات النسب و انحصار الوراثة و مثلهما من المقدمات فالملاك ما ذكرنا كما هو ظاهر.
2 ـ فى هذه المسئلة اقوال ثلاثة:
احدها ما اختاره صاحب العروة و الماتن ـ دام ظله ـ من استقرار الحج نظرا الى وجود الاستطاعة بحسب الواقع و هى الشرط في ثبوت التكليف و العلم شرط في التنجز لا في اصل التكليف و عدم التمكن من جهة الجهل او الغفلة لا ينافى الوجوب الواقعى غاية الامر انه معذور في ترك ما وجب عليه و اما الاستقرار فهو تابع للوجوب الواقعى و عدم الاتيان بالحج فاللازم الحكم بثبوت الاستقرار في الفرضين غاية الامر انه إذا كان التلف بلا تقصير لا بد من فرض تحققه بعد مضى الموسم لان التلف قبله يكشف عن عدم الاستطاعة كما عرفت و إذا كان بتقصير لا بد من تعميمه لما إذا كان قبل خروج الرفقة ايضا كما ان المفروض فيهما ما إذا ارتفع الجهل و النسيان بعد ما لم يتمكن من الحج في عام الاستطاعة كما لا يخفى.
ثانيها ما حكى عن المحقق القمى (قدس سره) في اجوبة مسائله من عدم الوجوب اى عدم الاستقرار نظرا الى انه ما دام كونه جاهلا او غافلا لا يكون التكليف متوجها اليه و بعد ارتفاعهما لا يكون عنده ما يكفيه للحج على ما هو المفروض فلم يستقر عليه و قال في «المستمسك»: و كان الوجه الذى دعا القمى الى نفى الاستطاعة ما تضمن من النصوص من ان من ترك الحج و لم يكن له شغل يعذره اللّه به فقد ترك فريضة من فرائض الاسلام مما يدل على ان وجود العذر ناف للاستطاعة.
و اورد عليه بان المفهوم من النصوص العذر الواقعى الذى لا يشمل قصور

(الصفحة155)



المكلف من جهة غلطه و جهله و اشتباهه بل يختص بالامر الواقعى الذى يكون معلوما تارة و مجهولا اخرى.
ثالثها ما اختاره بعض الاعلام ـ على ما في تقريراته في شرح العروة ـ من التفصيل في الغفلة بين ما إذا كانت مستندة الى تقصير منه كترك التعلم و بين ما إذا كانت غير مستندة اليه ككثرة الاشتغال و الابتلاء ففى الاول يستقر عليه الحج دون الثانى و كذا في الجاهل بين ما إذا كان جهله بسيطا فيستقر و بين ما إذا كان مركبا فلا اما التفصيل في الغفلة فلان مقتضى حديث الرفع في غير «ما لا يعملون» هو الرفع الواقعى و مرجعه الى التخصيص في الادلة الاولية و عدم ثبوت الحكم في حقه واقعا و عليه ففى فرض الغفلة لا يجب عليه الحج لعدم ثبوته في حقه و بعد رفعها لا مال له بالفعل حتى يجب عليه الحج غاية الامر اختصاص الحديث بما إذا كانت الغفلة غير مستندة الى التقصير و اما مع استنادها اليه فلا مخصص في مقابل الادلة الاولية فالحج واجب عليه و مستقر.
و اما التفصيل في الجاهل فلان الجاهل بالجهل البسيط و ان لم يجب عليه الحج بمقتضى حديث الرفع الا ان هذا الحكم حكم ظاهرى لا ينافى وجوب الحج عليه واقعا فاذا انكشف الخلاف يجب عليه الاتيان بالحج لاستقراره عليه لان العلم بالاستطاعة لم يؤخذ في الموضوع و انما الموضوع وجود ما يحج به واقعا و الجاهل بالجهل البسيط يتمكن من اتيان الحج و لو احتياطا و اما الجاهل بالجهل المركب فلا يتوجه اليه التكليف واقعا لعدم تمكنه من الامتثال و لو على نحو الاحتياط، و الاحكام و ان كانت مشتركة بين العالم و الجاهل و لكن بالجهل البسيط الذى يتمكن من الامتثال لا الجهل المركب و الجزم بالعدم الذى لا يتمكن من الامتثال ابدا فهو كالغفلة.
اقول: قد حققنا في الاصول تبعا لسيدنا العلامة الاستاذ الماتن ـ دام ظله

(الصفحة156)

مسئلة 25 ـ لو اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا فان امكن فيه الاشتباه في التطبيق صح و اجزأ عن حجة الاسلام، لكن حصوله مع العلم و الالتفات بالحكم و الموضوع مشكل، و ان قصد الامر الندبى على وجه التقييد لم يجز عنه و في صحة حجة تأمل، و كذا لو علم باستطاعته ثم غفل عنها، و لو تخيل عدم فوريته فقصد الندب لا يجزى و في صحته تأمل1.


العالى ـ ان الخطابات العامة المتضمنة للتكاليف و الاحكام بنحو العموم لا تكاد تنحلّ الى خطابات متكثرة حسب تكثر افراد المكلفين و تعدد آحادهم بل انما هى خطاب واحد متضمن لحكم عام و تكليف كلى و مقتضاه ثبوت مقتضاه بالاضافة الى الجميع غاية الامر كون بعض الامور عذرا بالنسبة الى المخالفة و موجبا لعدم ترتب استحقاق العقوبة عليها كالعجز و الجهل و الغفلة في الجملة و لا ملازمة بين كونها عذرا و بين عدم ثبوت التكليف الذى يتضمنه الخطاب العام فقوله و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا يدل على ثبوت هذا التكليف و تحقق هذا الدين في جميع موارد تحقق الاستطاعة الواقعية و عليه فالتكليف ثابت بنحو العموم فاذا انكشف للجاهل انه مستطيع و للغافل انه كان يجب عليه الحج و لم يؤت به بعد فاللازم الحكم بالاستقرار و لزوم الاتيان به و لو بنحو التسكع و لا فرق من هذه الجهة بين فرضى الغفلة و كذا فرضى الجهل و ان كان بينهما فرق احيانا من جهة المعذورية و عدمها و عليه لا مجال لدعوى خروج الجاهل بالجهل المركب عن الاحكام المشتركة بين العالم و الجاهل و التفصيل المذكور مبتن على القول بالانحلال و اختصاص كل مكلف بخطاب خاص و قد انقدح مما ذكرنا ان الاقوى ما عليه المتن.
1 ـ وجه الاجزاء عن حجة الاسلام في صورة الاشتباه في التطبيق على تقدير امكانه هو انه في هذه الصورة قصد الامر الواقعى المتعلق بالحج بالاضافة اليه غاية الامر تخيله باعتبار اعتقاده عدم الاستطاعة انه هو الامر الندبى فقصده و لو كان عالما بالاستطاعة لكان يقصد الامر الوجوبى المتوجه اليه ففى الحقيقة كان قصده امتثال الامر

(الصفحة157)



الواقعى ايّاما كان و لكنه يتخيل انه الامر الندبى فلا مجال للحكم بعدم الاجزاء في هذه الصورة و اما في صورة التقييد فتارة يقع البحث فيها عن الاجزاء عن حجة الاسلام و عدمه و اخرى بعد الفراغ عن عدم الاجزاء في صحته في نفسه فنقول:
اما الجهة الاولى ففى المتن و العروة الحكم بعدم الاجزاء نظرا الى انه لم يقصد امتثال الامر الواقعى ايّاما كان بل انما قصد امتثاله على تقدير كونه هو الامر الندبى بحيث لو كان عالما بالاستطاعة لما كان يقصد امتثال الامر الوجوبى بوجه فلم يتعلق قصده باتيان حجة الاسلام اصلا بل انما تعلق باتيان خصوص الحج الندبى و عليه فكيف يمكن الحكم بالاجزاء عنه مع ما عرفت من تعدد حقائق الحج و مغايرة حجة الاسلام لغيرها من حيث المهية.
هذا و لكن ذكر بعض الاعلام ـ على ما في شرح العروة ـ ان الظاهر هو الاجزاء في هذه الصورة ايضا نظرا الى ان التقييد انما يتصور في الامور الكلية التى لها سعة و قابلة للتقسيم الى الانواع و الاصناف و اما الامر الخارجى الذى لا يقبل التقسيم فلا يتصور فيه التقييد نظير ما ذكروه من التفصيل في باب الايتمام الى زيد فبان انه عمرو فانه غير قابل للتقييد لان الايتمام قد تعلق بهذا الشخص المعين و هو لا يكون فيه سعة حتى يتصور فيه التقييد و في المقام يكون الامر بالحج المتوجه اليه في هذه السنة امر شخصى ثابت في ذمته و ليس فيه سعة و المفروض ان الثابت في ذمته ليس الا حجة الاسلام و قد اتى بها فان حج الاسلام ليس الا الاعمال الصادرة من البالغ الحر المستطيع الواجد لجميع الشرائط و لا يعتبر قصد هذا العنوان في صحة الحج غاية الامر تخيل جواز الترك و هو غير ضائر كما لو فرضنا انه صام في شهر رمضان ندبا بنية القربة و كان جاهلا بوجوب الصوم فيه فانه لا ريب في الاكتفاء به بل لو فرضنا انه لو علم بالوجوب لم يأت به في هذه السنة نلتزم بالصحة ايضا لانه من باب تخلف الداعى و ليس من التقييد بشىء.

(الصفحة158)



اقول يرد عليه اولا انه لا مجال للاشكال في ثبوت فرضين في هذا المقام و مثله لان المكلف تارة يكون بصدد امتثال الامر الواقعى ايّاما كان و في مثال الاقتداء المذكور بصدد الايتمام بالامام الحاضر ايّا من كان و اخرى بصدد امتثال الامر الواقعى على تقدير كونه هو الندب و بصدد الايتمام بالامام الحاضر على تقدير كونه زيدا بحيث لم يتعلق غرضه بامتثال الامر الوجوبى و بالاقتداء بعمرو اصلا و ان كان معتقدا بعدالته و صحة الاقتداء به و التعبير عن الفرض الاول بالاشتباه في التطبيق و عن الفرض الثانى بالتقييد انما هو للاشارة الى الفرضين و ليس البحث في نفس العنوانين حتى يقال باختصاص دائرة التقييد بما إذا كان هناك سعة و عموم قابل للتضييق و التقييد.
و ثانيا انه لا اختصاص للتقييد بما إذا كان في الامور الكلية بل يجرى في الامور الجزئية بنحو يكون وجودها متحققا مقيدا لاما إذا عرض لها التقييد بعد وجودها نظير ما ذكروه في باب الواجب المشروط من ان رجوع القيد في مثل «اكرم زيدا ان جائك» الى الهيئة كما عليه المشهور في مقابل الشيخ (قدس سره) مع كون مفاد الهيئة امرا جزئيا لانه كالحروف يكون من باب الوضع العام و الموضوع له الخاص لا مانع منه لانه ينشأ الوجوب بنحو التقييد من اول الامر لا انه ينشأ ثم يعرض له التقييد.
و ثالثا انه لو سلمنا اختصاص التقييد بما إذا كان في الامور الكلية نقول بثبوت الامر الكلى في المقام و مثله كالاقتداء في المثال المذكور ضرورة انه لا بد من ملاحظة الامر قبل تحققه في الخارج لان التقييد انما يتحقق في هذه المرحلة و من المعلوم ان الايتمام الذى يتعلق به القصد يكون قبل التحقق كليا له سعة من حيث الزمان و المكان و من حيث من يقتدى به و إذا كان كذلك فله التقييد و التضييق و عليه فالتقييد بالمقتدى الخاص يكون قبل مرحلة الوجود و كذلك المقام فانه قبل ان يشرع في الحج يتصف عمله بالسعة و الكلية و له التقييد من جهة الداعى بامر خاص و كون الامر المتعلق بالحج في هذه السنة امرا خاصا لا يوجب عدم امكان التقييد في الحج الذى

(الصفحة159)



يريد الشروع فيه.
و العجب منه انه مع التزامه بتعدد حقايق الحج و تكثر مهياته كيف جعل الحج في صورة التقييد مجزيا عن حجة الاسلام مع انه لم يقصدها بوجه بل قصد غيرها لا لاجل الجهل بوجوبها عليه لاعتقاد عدم الاستطاعة بل لانه لا يريد الاتيان بها على تقدير العلم ايضا كما هو المفروض و من هنا يمكن ان يقال بالفرق بين الحج و بين الصوم الذى اورده بعنوان التأييد نظرا الى احتمال ان لا يكون للصوم حقائق مختلفة و مهيات متعددة بخلاف الحج.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الظاهر هو عدم الاجزاء عن حجة الاسلام في فرض التقييد.
و اما الجهة الثانية فقد حكم السيد في العروة بصحة ما اتى به من الحج في نفسه و ان لم يكن مجزيا عن حجة الاسلام و تأمل فيها في المتن و الوجه فيه انه سيأتى انشاء اللّه تعالى ان من كان عليه حجة الاسلام لا يجوز ان يأتى بالحج نيابة عن الغير او تطوعا عن نفسه و لكنه لا يعلم انه هل يختص الحكم بما إذا كان عالما بثبوت حجة الاسلام عليه او يعمّه و ما إذا كان جاهلا به ايضا كما في المقام فاللازم ملاحظة تلك المسئلة.
بقى الكلام في الفرع الاخير الذى تعرض له في المتن و هو ما لو كان عالما بالاستطاعة و بوجوب الحج عليه لكنه تخيل عدم كون الوجوب فوريا فحج ندبا و قد حكم فيه بثبوت حكم التقييد عليه من عدم الاجزاء و التامل في صحته في نفسه و الوجه فيه انه مع العلم بالوجوب و قصد الامر الندبى لاجل تخيل عدم الفورية لا محيص عن كونه تقييدا لانه لا يريد امتثال الامر الوجوبى بوجه فلا مجال للاجزاء و الوجه في التأمل فى الصحة ما عرفت.
و لكن بعض الاعلام مع حكمه بالاجزاء في التقييد حكم بعدم الاجزاء في خصوص المقام نظرا الى ثبوت امرين هنا احدهما وجوبى و الاخر ندبى مترتب على

(الصفحة160)

مسئلة 26 ـ لا يكفى في وجوب الحج الملك المتزلزل كما لو صالحه شخص بشرط الخيار الى مدة معينة الا إذا كان واثقا بعدم فسخه لكن لو فرض فسخه يكشف عن عدم استطاعته1.


الاول و في طوله و لا استحالة في الامر بالضدين إذا كان بنحو الترتب لان الامر الثانى مترتب على عدم الاتيان بالاول و لو كان عن عصيان و عليه فما اتى به صحيح في نفسه الا انه لا يجزى عن حجة الاسلام لان الامر الفعلى لم يقصد و انما قصد الامر الندبى المترتب على مخالفة الامر الفعلى بخلاف التقييد الذى لا يكون فيه الا امر واحد.
اقول لم يظهر لى الفرق بثبوت امرين هنا دون التقييد الذى لا يكون فيه الا امر واحد و لا محالة يكون هو الامر المتعلق بحج الاسلام و ثبوت العلم في المقام باصل الوجوب لا يكون فارقا فانه على اى تقدير لم يقصد امتثال الامر المتعلق بحج الاسلام و عليه فلو فرض ثبوت الفرق المذكور لا يكون فارقا من حيث الاجزاء و عدمه اصلا.
1 ـ قد استدل السيد (قدس سره) في العروة لعدم كفاية الملك المتزلزل في وجوب الحج بانها في معرض الزوال و يرد عليه اولاّ ان المعرضية للزوال شأن جميع الاموال الموجودة في الخارج فانها باجمعها مشتركة في المعرضية غاية الامر اختلاف طرق الزوال من جهة الفسخ و الاحتراق و المرض و التلف و غيرها كالاختلاف من جهة قوة الاحتمال و ضعفه بحيث لا يبلغ مرحلة لا يعتنى به العقلاء.
و ثانيا على تقدير اختصاص المعرضية بمثل المقام لم يقم دليل على اعتبار عدمها في تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج فانها كما عرفت عبارة عن ان يكون عنده ما يحج به و قد عرفت انه يستفاد من الحكم بعدم وجوب الحج في مثل مورد السرقة اعتبار البقاء بنحو ينافيه عدمه غير الاختيارى فيجب حفظ البقاء و لا يجوز التصرف المخرج له عن الاستطاعة و اما اعتبار عدم المعرضية للزوال زائدا على ما ذكر فلم يقم دليل عليه و بناء عليه فالظاهر تحقق الاستطاعة في المثال المذكور