في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة341)



و اما الثانية فلمنع كون الخدمة مستلزمة للحرج دائما فانها قد تكون حرجية و قد لا تكون كذلك و مع الاطلاق يلزم التقييد بقاعدة نفى الحرج كما عرفت.
الخامس الروايات الكثيرة الدالة على ان من ترك الحج مع الاستطاعة من دون عذر فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام او انه يحشر يوم القيامة اعمى او انه يموت يهوديا او نصرانيا
و الجواب ان مقتضى اطلاق هذه الروايات و ان كان هو الوجوب في صورة الحرج ايضا الا انه لا بد من رفع اليد عن الاطلاق بسبب قاعدة نفى الحرج كما في سائر ادلة التكاليف.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على الوجوب في صورة الحرج و قد عرفت انه لم يقع التصريح بالوجوب فيها بل يستفاد من اطلاق الكلمات او عمومها مع انه لو كان مرادهم الشمول لكان ينبغى التصريح بذلك كما عرفت.
ثم ان ما ذكرنا انما هو بالنسبة الى وجوب الاتيان بالحج إذا استقر عليه و اما بالاضافة الى وجوب القضاء عنه لو مات و لم يأت به فنقول: يمكن الاستدلال على الوجوب بانه دين يجب ادائه من تركته لو كانت له تركة و الدليل على كونه دينا التعبير بكلمتى «اللام و على» في الاية الشريفة الظاهرة في انه من حقوق اللّه تبارك و تعالى على المستطيع كما هو الشايع في التعبير عن الدين فيقال لزيد على عمر و كذا و لم يقع التعبير بذلك في الكتاب فى مثل الصلوة و الصيام و لعل الوجه فيه الدلالة على اهمية الحج خصوصا بالاضافة الى جانبه الاجتماعى و اشتماله على اجتماع المسلمين من جميع اقطار العالم و يترتب على هذا الاجتماع فوائد كثيرة و نتائج هامة و الاطلاع على مشاكل المسلمين و الاقدام على رفعها و التوانس و الارتباط بينهم مع ما فيه من ظهور عظمة الاسلام و شوكة المسلمين و لاجله يكون تحمله شاقا على من لا يتحمل الاسلام و يأبى عن نفوذه و شيوعه من الزعماء و الحاكمين و بعد ان امتنع عليهم منع المسلمين و صدهم عن الاجتماع المذكور سعوا في ان لا يترتب عليه

(الصفحة342)



فوائده الاجتماعية و لا يرتبط المسلمون بعضهم مع بعض في الجهات السياسية و المشاكل التى اوقعهم الاستعمار فيها و لاجله اختاروا لحكومة الحرمين من كان عبدا لهم لا يطيع اللّه بل يطيع الطاغوت و الشيطان و اقدروه كمال القدرة للصد عن وصول المسلمين الى الاهداف المهمة الاجتماعية المترتبة على الحج و امروه بالمقاومة و لو كانت متوقفة على قتل المأت من الحجاج الذين كان اكثرهم من الشيوخ و الكبار من الرجال و النساء جنب مسجد الحرام فجعلوا قوله تعالى: «و من دخله كان آمنا» تحت اقدامهم و اختاروا عبادة الطاغوت و الشيطان في لباس خدمة الحرمين و ذكروا لتوجيه ذلك بعد ان لم يكن لهم وجه ما يضحك به الثكلى و يشهد بكذبه من كان له ادنى حظ من الفهم و العقل.
و كيف كان يمكن استفادة وجوب القضاء الذى هو بمعنى اداء الدين بعد الموت من نفس التعبير في الاية الشريفة و لو اغمض النظر عنه يدل على ذلك روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و يترك مالا قال: عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له(1) و السؤال فيها يحتمل ان يكون مطلقا شاملا لمن لم يستطع اصلا ايضا و يمكن ان يكون مختصا بخصوص المستطيع الذى استقر عليه الحج و لم يأت به و على كلا التقديرين دليل على الوجوب في المقام.
و منها: رواية محمد بن مسلم قال: سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات و لم يحج حجة الاسلام يحج عنه؟قال: نعم.(2)
و منها: رواية اخرى له قال: سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات و لم يحج حجّة الاسلام و لم يوص بها ايقضى عنه؟ قال: نعم.(3) و الظاهر اتحادها مع الرواية

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 5

(الصفحة343)



السابقة خصوصا مع كون الراوى عن محمد بن مسلم في كلتيهما هو عاصم بن حميد و الراوى عنه كذلك هو النضر بن سويد.
و منها: رواية رفاعة قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و لم يوص بها، ايقضى عنه؟ قال نعم.(1) ثم انه لو فرض ثبوت الاطلاق لهذه الروايات من جهة شمولها لغير المستطيع فضلا عن المستطيع الذى لم يستقر عليه الحج فتارة يتمسك في تقييدها بالاجماع بل الضرورة على عدم وجوب قضاء الحج عن غير المستطيع و الاجماع ظاهرا على عدم وجوب قضائه عن المستطيع الذى لم يستقر عليه و اخرى يتمسك في التقييد بالروايات الدالة عليه فنقول: اما التقييد من الجهة الاولى الراجعة الى عدم الشمول لغير المستطيع فيدل عليه روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الاّ قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم احق بما ترك فان شاؤا اكلوا، و ان شاؤا حجوا عنه.(2) و الظاهر ان المراد بنفقة الحمولة هى نفقة الحج كما وقع التعبير بها في بعض الروايات الآتية و مورد الجملة الاخيرة هو غير المستطيع لانه وقع التعرض لحكم المستطيع في الجملتين الاوليين: الاولى بالاضافة الى المستطيع الذى لم يحج و الثانية بالاضافة الى المستطيع الذى حج حجة الاسلام و كانت وصيته هو الحج التطوعى و عليه فمورد الجملة الثالثة لا محالة يكون غير المستطيع و مفاد الرواية عدم لزوم الحج عنه.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 6
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 4

(الصفحة344)



و مثلها: رواية هرون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم احق بميراثه ان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(1)
و منها: صحيحة بريد العجلى قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأ عنه حجة الاسلام، و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت ارأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟قال يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه او يكون اوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلثه.(2)
و اما التقييد من الجهة الثانية الراجعة الى الاختصاص بالمستطيع الذى استقر عليه الحج فيدل عليه صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئلنى رجل عن امرئة توفيت و لم تحج فاوصت ان ينظر قدر ما يحج به فان كان امثل ان يوضع في فقراء ولد فاطمة (عليها السلام)وضع فيهم و ان كان الحج امثل حج عنها فقلت له: ان كان عليها حجة مفروضة فان ينفق ما اوصت به في الحج احب الىّ من ان يقسم في غير ذلك(3) فان الظاهر من قوله: احب هو اللزوم و المحبوبية التعينية كما في قوله تعالى: و اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض و عليه فمفاد الرواية لزوم قضاء الحج عنها إذا كان عليها حجة مفروضة و من الواضح اختصاص هذا العنوان بخصوص المستطيع الذى

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و الستون ح ـ 4

(الصفحة345)



استقر عليه الحج لان الموت مع عدم الاستقرار كاشف عن عدم الوجوب و عدم كون الحجة مفروضة.
فقد ظهر من جميع ذلك ان مقتضى الجمع بين الروايات لزوم قضاء الحج عمن استقر عليه الحج و الظاهر انه لا فرق في ذلك بين من تمكن من الاتيان بالحج و لم يأت به عصيانا كما هو المفروض في المقام او حرجا و بين من لم يتمكن من الاتيان به اصلا كما ان الظاهر صحة التبرع عنه لانه بعد فرض كون الحج بمنزلة الدين الواجب و قد عرفت ظهور تعبير الاية في ذلك يجرى عليه حكم الدين من هذه الجهة ايضا فيصح التبرع عنه كما في الدين فتدبر مضافا الى دلالة بعض الروايات على صحة التبرع.
المقام الثانى: فيما يتحقق به الاستقرار و الظاهر كما حكى عن المدارك ان عنوان الاستقرار لا يكون في شىء من الروايات بل هو اصطلاح فقهى و قد وقع الخلاف فيما يتحقق به على اقوال:
منها: ما هو المشهور ـ نقلا و تحصيلا كما في الجواهر ـ من ان ما يتحقق به الاستقرار الذى يترتب عليه احكامه عبارة عن مضى زمان يمكن فيه الاتيان بجميع افعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثانى عشر من ذى الحجة.
و منها: ما اختاره في المهذب و احتمله الشهيد من انه مضى زمان يمكن فيه الاتيان بالاركان جامعا للشرائط فيكفى بقائها الى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى.
و منها: ما احتمله العلامة في محكى القواعد من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الاحرام و دخول الحرم.
و منها: ما ذكره السيد (قدس سره) في العروة بقوله: و ربما يقال باعتبار بقائها الى عود الرفقة.و ربما يستفاد ذلك مما ذكره في التذكرة من ان من تلف ماله قبل

(الصفحة346)



عود الحجاج و قبل مضى امكان عودهم لم يستقر الحج في ذمته لان نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط.
و منها: ما هو ظاهر المدارك و صريح المفاتيح و شرحه و استقر به صاحب المستند على ما حكى عنهم من كفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو اهمل استقر عليه و ان فقدت بعد ذلك لانه كان مأمورا بالخروج معهم.
و منها: ما اختاره الماتن (قدس سره) و السيد (قدس سره) في العروة من انه يتحقق الاستقرار ببقائها الى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة الى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية و اما بالنسبة الى مثل العقل فيكفى بقائه الى آخر الاعمال.
و الظاهر ان المراد بمثل العقل هى الحيات.
اقول: اما القول بكفاية وجود الشرائط حين خروج الرفقة معللا بانه كان مأمورا بالخروج معهم فيرد عليه ان الجامع للشرائط الى حين الخروج تارة يعلم ببقائها الى آخر الاعمال و الفراغ عنها و اخرى يعلم بانتفائها ـ كلا او بعضا ـ في اثناء الاعمال و ثالثة يشك فى البقاء و الانتفاء ففى الصورة الاولى يكون امره بالخروج مع الرفقة امرا واقعيا مقدميا على القول بوجوب المقدمة و ثبوت الملازمة بينه و بين وجوب ذى المقدمة و في الصورة الثانية لا يكون مأمورا بالخروج اصلا لانه يعلم بعدم وجوب الحج عليه فكيف تجب مقدمته و هى الخروج و في الصورة الثالثة يكون مأمورا بالخروج امرا ظاهريا مقدميا لان وجوب ذى المقدمة انما هو مستند الى استصحاب بقاء الشرائط و عدم انتفائها في اثناء الاعمال فهو وجوب ظاهرى فوجوب الخروج ايضا كذلك.
و حينئذ نقول ـ بعد كون المفروض في كلام القائل هى الصورة الثالثة ـ انه ان كان المراد بالاستقرار الذى يتحقق عند القائل بما ذكره هو الاستقرار الواقعى فيرد عليه ان الامر الظاهرى بالخروج لا يحقق الاستقرار الواقعى، و ان كان المراد هو

(الصفحة347)



الاستقرار الظاهرى فيرد عليه ان الاستقرار الظاهرى لا يترتب عليه الاثر لان الملاك فى الاستقرار الذى يوجب الحج و لو متسكعا و القضاء عنه بعد الموت هو استكمال الشرائط و استجماعها ثم الاهمال و المسامحة و من الواضح انه لا بد من الرجوع الى ادلة الشرائط و الوصول الى مفادها و الظاهر ان ادلة الشرائط تدل على جهتين:
احديهما: ان الشرائط المعتبرة امور واقعية و لها مع هذا الوصف مدخلية في الوجوب و التكليف و عليه فاجتماعها بمقتضى الاستصحاب لا يؤثر الاّ في ثبوت الوجوب الظاهرى
ثانيتهما: ان الشرائط دخيلة في التكليف حدوثا و بقاء و لا يتحقق التكليف الواقعى بمجرد حدوثها فقط و عليه فاذا لم يخرج مع الرفقة و زالت الشرائط ـ كلا او بعضا ـ بعد خروجها قبل زمان الحج او في اثناء الاعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب بحسب الواقع لما عرفت من مدخليتها في البقاء كالحدوث فلا وجه لوجوب الحج عليه بعد ذلك مع التسكع و لا لوجوب القضاء عنه بعد الموت كما انه يظهر ان مخالفته للامر بالخروج لا تكون الاّ مجرد التجرى من دون ان يكون بحسب الواقع مأمورا بالخروج فهذا القول لا مجال للالتزام به اصلا.
و اما: ما احتمله العلامة في القواعد من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الاحرام و دخول الحرم فان كان مستنده القواعد و ادلة اعتبار الشروط فقد عرفت ان مقتضاها اعتبار بقاء الشرائط الى آخر الاعمال و تمامية الحج و لا يستفاد منها خصوصية للاحرام و دخول الحرم، و ان كان مستنده الروايات الدالة على ان من مات بعد الاحرام و دخول الحرم يجزى ذلك عن حجة الاسلام كصحيحتى بريد العجلى و ضريس المتقدمتين ففيه ان موردهما كما مر الكلام فيه خصوص من استقر عليه الحج قبل ذلك و لا تشملان من لم يستقر عليه بقرينة التعبير بالاجزاء و القضاء فيهما فلا ارتباط لهما بالمقام مع انه على فرض العموم و الشمول يختص ذلك بالموت و لا يتعدى منه الى غيره فهل زوال الاستطاعة بعد الاحرام و دخول الحرم لا ينافى اتصاف الحج

(الصفحة348)



بكونه حجة الاسلام؟!من المعلوم انه لا يمكن الالتزام به فهذا الاحتمال لا مجال له ايضا
و اما: ما اختاره في المهذب و احتمله الشهيد فيرد عليه ـ مضافا الى ان عدّ طواف النساء من جملة الاركان مع ان اصل جزئيته محل اشكال فضلا عن ركنيته لا وجه له ـ ان تخصيص اعتبار بقاء الشرائط بخصوص الاركان لا دليل عليه فان مقتضى ادلة الشرائط اعتبار بقائها في مجموع العمل و لا خصوصية للاركان من هذه الجهة بعد عدم قيام الدليل عليه.
و اما ما ذكره المشهور فالظاهر ان الحد المذكور في الذيل و هو الى اليوم الثانى عشر من ذى الحجة لا يكون مذكورا في كلام المشهور بل انما اضاف اليه مثل السيد (قدس سره) في العروة نظرا الى ان تمامية الحج انما تتحقق في اليوم المذكور و عليه فلو لم يكن المبيت بمنى من افعال الحج لا يكون ذلك اشكالا على المشهور فانهم ذكروا ان ما يتحقق به الاستقرار عبارة عن مضى زمان يمكن ان يقع فيه الحج مستجمعا للشرائط في حال الاختيار و اللازم ملاحظة اعمال الحج و ان اىّ عمل يكون جزء له و اىّ عمل لا يكون كذلك.
و الظاهر ان كلام المشهور مطابق للقاعدة و ادلة الشرائط من دون فرق بين الحياة و العقل و بين غيرهما من الشرائط كالاستطاعة بانواعها الاربعة و ذلك لما عرفت من ظهورها في اعتبارها في جميع افعال الحج و لا فرق بين الاركان و غيرها و اما نفقة العود و الاياب بناء على اعتبارها فاللازم و ان كان وجودها حين الاعمال الا انه لا دليل على اعتبار بقائها بعد تمامية الحج بحيث لو تلفت قبل عود الحاج يكشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه من الاول و كذا لو مرض بعد الفراغ عن الحج مرضا يشق معه السفر و لذا اعترض صاحب المدارك على ما قاله العلامة في التذكرة من العبارة المتقدمة بان فوات الاستطاعة بعد الفراغ من افعال الحج لم يوثر في سقوطه قطعا و الا لوجب اعادة الحج مع تلف المال في الرجوع او حصول المرض الذى يشق معه السفر

(الصفحة349)



و هو معلوم البطلان و ان ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله بعد نقل ما في المدارك قلت قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و ايابا في الوجوب.
و بما ذكرنا يندفع الاشكال على المشهور و محصل الاشكال ان نفقة العود و الاياب ان كانت ملحوظة بنحو الشرطية لوجوب الحج فاللازم ان يكون ذهابها بعد الفراغ عن اعمال الحج قبل مضى زمان يمكن فيه العود كاشفا عن عدم وجوب الحج لانتفاء شرطه و ان لم يكن كاشفا عن ذلك بل كان غير مناف للوجوب و لوقوع الحج حجة الاسلام فما معنى شرطية نفقة العود و اعتبارها في الوجوب كما لا يخفى.
و يندفع الاشكال المزبور بان ثمرة الشرطية و فائدة الاعتبار انه لو لم تكن له هذه النفقة عند ارادة الحج لا يجب عليه الحج و الخروج اليه و كذا لو علم عند ارادة الحج بسرقة النفقة المزبورة بعد الفراغ عن الحج قبل مضى الزمان المذكور و اما كون ذهابها في الزمان المذكور كاشفا عن عدم وجوب الحج من الاول فلا و السرّ في ذلك ان عمدة الدليل على اعتبار نفقة العود هى قاعدة «لا حرج» و مقتضاها باعتبار ورودها في مقام الامتنان عدم الوجوب مع انتفائها من الاول او مع العلم به بعد الفراغ قبل مضى الزمان المذكور و اما انتفائها بعد وجودها من الاول فلا يكون مقتضى القاعدة الكشف عن عدم الوجوب بعد عدم ثبوت الامتنان في هذه الصورة لانه لا مجال لثبوته بلحاظ الحكم بعدم كون حجه الذى اتى به حجة الاسلام و يجرى ذلك بالاضافة الى الرجوع الى الكفاية فانه لو فرض تلفها بعد الرجوع بلا فصل لا يكون ذلك كاشفا عن عدم وجوب حجه و ان كان شرطا في الوجوب كما مرّ.
و مما ذكرنا من تأييد كلام المشهور يظهر توجه الاشكال على ما في المتن و العروة من اعتبار مضى زمان يمكن معه العود بالاضافة الى استجماع الشرائط فانك عرفت ان لازم الشرطية ليس هو اعتبار البقاء الى الزمان المذكور مضافا الى انه يرد عليهما انه ما الفرق بين نفقة العود و بين الرجوع الى الكفاية حيث اعتبر مضى زمان

(الصفحة350)



يمكن فيه العود بالاضافة الى نفقة العود و لم يعتبر شىء بالنسبة الى الرجوع الى الكفاية فانقدح ان الحق في المسئلة ما عليه المشهور.
ثم انه تعرض في العروة في ذيل مسئلة الاستقرار لامرين:
احدهما ان هذا ـ يعنى اعتبار بقاء الشرائط الى مضى الزمان المذكور ـ إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا الى ترك المشى و الا استقر عليه كما إذا علم انه لو مشى الى الحج لم يمت او لم يقتل او لم يسرق ماله ـ مثلا ـ فانه ـ ح ـ يستقر عليه الوجوب لانه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه و اما لو شك في ان الفقد مستند الى ترك المشى اولا فالظاهر عدم الاستقرار للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا.
اقول: اما اصل ما افاده من انحصار اعتبار بقاء الشرائط بما إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا الى ترك المشى و الا استقر عليه فالدليل عليه ما افاده من انه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه فهو كما لو اتلف الاستطاعة بيده فانه لا يمنع عن وجوب الحج عليه.
و اما ما افاده من الحكم بعدم الاستقرار في صورة الشك للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا فيرد عليه ان لازمه الحكم بعدم الوجوب فيما لو احتمل انتفاء الاستطاعة ـ مثلا ـ قبل الشروع في الاعمال او في اثنائها لان الاستطاعة شرط للوجوب و الشك في الشرط شك في المشروط فتجرى اصالة البرائة عن الوجوب مع انه لا مجال لجريانها و الحكم بعدم الوجوب لان مقتضى الاستصحاب بقاء الاستطاعة و ثبوت الوجوب و لو ظاهرا فهو نظير الشك في القدرة فانه لا يجوز تفويت الواجب بمجرده و لا يجوز للعبد الاحتجاج على المولى في مخالفة التكليف بالشك في القدرة على المكلف به بل لا بد من احراز عدمها و ثبوت العجز عن موافقته و المقام من هذا القبيل فانه لا يكون الشك في استناد الفقد الى ترك المشى او غيره عذرا في مخالفة التكليف بل اللازم احراز عدم الاستناد الى غيره كما لا يخفى.

(الصفحة351)



ثانيهما التفكيك بين الاستقرار و بين الاجزاء قال في العروة بعد معنى الاستقرار: «هذا بالنسبة الى استقرار الحج لو تركه و اما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال بعض الشرائط في الاثناء فاتمّ الحج على ذلك الحال كفى حجه عن حجة الاسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية او المالية او السربية و نحوها على الاقوى.
اقول: اللازم هو التفصيل في الشرائط غير العقل و الحيات فان كان الدليل على اعتبارها الادلة الدالة على مدخليتها في الوجوب من الروايات الخاصة سيما الواردة منها فى تفسير الاستطاعة المأخوذة في الآية الشريفة فاللازم بمقتضى مدخليتها ـ حدوثا و بقاء ـ كون انتفائها في اثناء الاعمال كاشفا عن عدم الوجوب فاذا انتفت الاستطاعة المالية في اثناء الاعمال بحيث تقع بقية الاعمال خالية عن الاستطاعة فلا مجال للحكم بالوجوب و كون حجه حجة الاسلام.
و ان كان الدليل على اعتبارها هى المزاحمة و اهمية الواجب الآخر على الحج كحفظ النفس و اداء الدين ـ مثلا ـ فعدم رعايتها من الاول غير قادح في الصحة فضلا عن انتفائها فى الاثناء كما لا يخفى.
و ان كان الدليل هى قاعده نفى الحرج مثل نفقة العود فانتفائها في الاثناء لا يوجب البطلان بمعنى الخروج عن كونه حجة الاسلام كانتفائها بعد الاعمال قبل مضى زمان يمكن فيه العود لما عرفت من عدم اقتضاء القاعدة بالاضافة الى بعد الاعمال او في الاثناء شيئا ينافى الامتنان فالحق في هذا الامر هو التفصيل الذى عرفت.
بقى الكلام في اصل المسئلة فيما وقع التعرض له في المتن في الذيل و هو ما لو استقر عليه العمرة فقط او الحج فقط كما في حج القران و الافراد و قد صرح في الجواهر بانه قد تستقر العمرة وحدها و قد يستقر الحج وحده و قد يستقران و الوجه في ذلك ان كلا من الحج و العمرة في القران و الافراد واجب مستقل يجب مع

(الصفحة352)

مسئلة ـ 55 تقضى حجة الاسلام من اصل التركة ان لم يوص بها سواء كانت حج التمتع او القران او الافراد او عمرتهما، و ان اوصى بها من غير تعيين كونها من الاصل او الثلث فكذلك ايضا، و لو اوصى باخراجها من الثلث وجب اخراجها منه، و تقدمت على الوصايا المستحبة و ان كانت متأخرة عنها في الذكر، و ان لم يف الثلث بها اخذت البقية من الاصل، و الحج النذرى كذلك يخرج من الاصل، و لو كان عليه دين او خمس او زكوة و قصرت التركة فان كان المال المتعلق به الخمس او الزكوة موجودا قدما فلا يجوز صرفه فى غيرهما، و ان كانا في الذمة فالاقوى توزيعه على الجميع بالنسبة فان وفت حصة الحج به فهو و الا فالظاهر سقوطه، و ان وفت ببعض افعاله كالطواف فقط ـ مثلا ـ و صرف حصته فى غيره، و مع وجود الجميع


الاستطاعة اليه وحده دون الاخر و هذا بخلاف حج التمتع الذى لا يكون مع عمرته الا واجبا واحدا و الاستطاعة المعتبرة ملحوظة بالنسبة الى المجموع و كيف كان فالدليل على وجوب الاتيان بحج القران و الافراد بعد الاستقرار و وجوب القضاء بعد الموت هى الروايات المتقدمة الواردة في مورد استقرار حجة الاسلام فان حجة الاسلام عنوان عام شامل لاقسام الحج باجمعها و لا اختصاص له بحج التمتع فنفس الروايات المتقدمة شاملة لحج القران و الافراد ايضا.
و اما العمرة المفردة فيمكن ان يقال بانها جزء من حجة الاسلام و ان كان عملا مستقلا فتشملها ايضا الروايات المتقدمة ايضا و لو نوقش في ذلك فيدل على وجوب القضاء عنه الذى هو لازم وجوب ادائه مع التسكع صحيحة زرارة عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: إذا احصر الرجل بعث بهديه الى ان قال: قلت فان مات و هو محرم قبل ان ينتهى الى مكة قال: يحج عنه ان كان حجة الاسلام و يعتمر انما هو شىء عليه(1) فان قوله (عليه السلام)و يعتمر ظاهر في وجوب قضاء العمرة كقضاء حجة الاسلام و التعليل دليل على وجوب ادائه على المكلف في حال الحيوة و لو مع التسكع.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 3

(الصفحة353)

توزع عليها، و ان وفت بالحج فقط او العمرة فقط ففى مثل حج القران و الافراد لا يبعد وجوب تقديم الحج، و في حج التمتع فالاقوى السقوط و صرفها في الدين1.


1 ـ فى هذه المسئلة وقع التعرض لفروع ايضا:
الاول: انه في صورة استقرار الحج التى يجب القضاء عنه بعد الموت هل يكون قضائها من اصل التركة مع عدم الوصية بها ام لا و البحث في هذا الفرع انما هو بعد الفراغ عن اصل وجوب القضاء عمن استقر عليه الحج فلا وجه للتعرض للروايات الدالة على اصل الوجوب في هذا المقام كما في بعض شروح العروة و نقول: اما الفتاوى في هذا الفرع فقد قال في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه بيننا بل الاجماع بقسميه عليه» و قد ادعى الاجماع في بعض الكتب ايضا و اما الدليل فهو عبارة عن جملة من الروايات المعتبرة:
منها صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: يقضى عن الرجل حجة الاسلام من جميع ماله.(1)
و منها موثقة سماعة بن مهران قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و لم يوص بها و هو موسر فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك.(2)
و منها صحيحة بريد العجلى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئلته عن رجل استود عنى مالا و هلك و ليس لولده شىء و لم يحج حجة الاسلام قال: حج عنه و ما فضل فاعطهم.(3)

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 3
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 4
3 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثالث عشر ح ـ 1

(الصفحة354)



و ربما يقال بانه تعارض هذه الروايات صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم احق بما ترك فان شاؤا اكلوا، و ان شاؤا حجوا عنه(1) و الرواية و ان كان موردها الوصية و البحث انما هو مع عدمها لكن التعليل بقوله (عليه السلام) انه بمنزلة الدين الواجب عام يشمل صورة عدم الوصية ايضا كالدين.
و قد اجيب عن التعارض بوجهين:
احدهما: ما في «المستمسك» من وجود التعارض في نفس الرواية بين صدرها و ذيلها فان صدرها صريح في اخراجه من الاصل و ذيلها ظاهر في خلاف ذلك فلا بدّ من طرحه او تأويله.
ثانيهما: ما في شرح بعض الاعلام على العروة من ان المراد من الذيل بقرينة الصدر الصريح في اخراجه من الاصل ان ما تركه من المال لا يفى بمصارف الحج و انما يفى بمقدار الحمولة و اجرة الحمل و الركوب فح لا يجب القضاء عنه لعدم وفاء المال فيرجع المال الى الورثة فان شاؤا حجوا عنه من مالهم.
و لكن الظاهر بطلان كلا الوجهين و الوجه فيه عدم الوصول الى معنى الرواية
اما الوجه الاول فقد عرفت فيما سبق ان مورد ذيل الرواية بقرينة الجملتين الاولتين صورة عدم الاستقرار و عدم الاستطاعة فلا تعارض بين الصدر الصريح في وجوب القضاء و الذيل الظاهر في عدم الوجوب اصلا.
و اما الوجه الثانى فالظاهر ان المراد من قدر نفقة الحمولة هو قدر نفقة الحج و الشاهد عليه ـ مضافا الى ان الظاهر من قوله: «ان شاؤا حجوا عنه» هو الحج عنه من

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 4

(الصفحة355)



ماله لا من اموالهم رواية هارون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال هم احق بميراثه ان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(1) و لو ابيت الا عن كون المراد من قدر نفقة الحمولة غير قدر نفقة الحج فيقال على هذا الوجه بوقوع المعارضة بين هذه الرواية و الروايات المتقدمة و لكن الحق ما عرفت من عدم وقوع التعارض بوجه لاختلاف الموردين و من الواضح ان كون ما ترك بمقدار نفقة الحج لا يلازم الاستطاعة في حال الحيوة كما لا يخفى.
الفرع الثانى: ما لو اوصى بحجة الاسلام من غير تعيين كونها من الاصل او من الثلث و حكمه ـ كما في المتن ـ كالفرع الاول و هو القضاء عن اصل التركة و يدل عليه ـ مضافا الى امكان دعوى الاولوية فانه فيما إذا لم يكن هناك وصية إذا كان الواجب الاخراج من الاصل لكان ثبوت هذا الحكم مع الوصية المطلقة بطريق اولى ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال: ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه الى آخر الحديث.(2) ثم لا يخفى اتحاد هذه الرواية مع صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الوسائل بعد هذه الرواية مع فصل رواية اخرى و لا تعدد بين الروايتين قال فيها: معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)قال سئلت عن رجل مات و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة حج عنه من وسط المال و ان كان غير ضرورة فمن الثلث.(3) بل الظاهر اتحادها مع الرواية الفاصلة و هى رواية حارث بيّاع الانماط انه سئل

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 4
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 6

(الصفحة356)



ابو عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اوصى بحجة فقال ان كان صرورة فهى من صلب ماله انما هى دين عليه و ان كان قد حج فهى من الثلث.(1) وجه الاتحاد ظهور كون السائل المجهول فى هذه الرواية هو معاوية بن عمار في الروايتين و بالجملة الحكم في الفرع واضح.
الفرع الثالث: ما لو اوصى باخراج حجة الاسلام من الثلث فتارة يكون مع الحج وصايا اخرى مستحبة كالصدقة و بناء المسجد ـ مثلا ـ و اخرى لا يكون و على كلا التقديرين فتارة يكون الثلث وافيا بما اوصى به و اخرى لا يكون.
فان كان وافيا فلا اشكال في الحكم و انه يجب العمل بالوصية و الاخراج من الثلث و ان لم يكن وافيا ففيه صورتان:
الاولى: ما إذا كان مع الحج وصايا اخرى مستحبة و البحث فى حكمه تارة من جهة ان مقتضى القاعدة ماذا و اخرى من جهة الروايات الواردة في المقام.
اما من جهة القاعدة فربما يقال بان مقتضاها لزوم تقسيم الثلث بينها بالسوية و ما دل على خروج الحج من اصل المال انما هو فيما إذا لم يوص به و اما إذا اوصى به و بغيره كالصدقة و العتق يخرج الحج من الثلث و يصرف ثلث الثلث و هو التسع في الحج فان الصرف تابع لجعل الموصى فان كان ثلث الثلث غير واف بالحج يكمل من اصل المال فكانه بالنسبة الى الحج لم يوص و ليس المقام من باب المزاحمة حتى نقول بتقدم الحج لاهميته بل وجوبه من باب الايصاء.
كما انه ربما يقال بان مقتضى القاعدة هو تقديم الحج و ان كان متأخرا عن ساير الوصايا في الذكر لان حجة الاسلام لما كانت يجب اخراجها على كل حال و ان لم يسعها الثلث لم تصلح المستحبات لمزاحمتها التى لا يجب اخراجها إذا لم يسعها الثلث لان النسبة بينهما من قبيل نسبة الواجب المطلق الى المشروط يكون الاول رافعا للثانى.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 5

(الصفحة357)



و الظاهر ان الرواية الآتية كما انه يستفاد منها حكم هذه الصورة يستفاد منها ـ بملاحظة التعليل المذكور ـ مقتضى القاعدة و الا يلزم ان يكون التعليل بامر تعبدى على خلاف القاعدة و هو خلاف ظاهر التعليل فانتظر.
و اما من جهة الرواية فمقتضى الروايات الكثيرة التى ذكرها في الوسائل في كتاب الحج و في كتاب الوصايا تقديم الحج على غيره من الوصايا المستحبة اما ما اورده في كتاب الحج فروايتان لمعاوية بن عمار و الظاهر اتحادهما و ان كان بينهما اختلاف من جهة نقل تمام القصة و بعضها و المشتملة على التمام ما رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن زكريا المؤمن عن معاوية بن عمار قال: ان امرأة هلكت و اوصت بثلثها يتصدق به عنها و يحج عنها و يعتق عنها فلم يسع المال ذلك فسئلت ابا حنيفة و سفيان الثورى فقال كل واحد منهما: انظر الى رجل قد حج فقطع به فيقوى به، و رجل قد سعى في فكاك رقبته فبقى عليه شىء فيعتق و يتصدق بالبقية فاعجبنى هذا القول و قلت للقوم يعنى اهل المرأة انى قد سئلت لكم فتريدون ان اسئل لكم من هو اوثق من هؤلاء قالوا: نعم، فسئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن ذلك فقال: ابدء بالحج فان الحج فريضة فما بقى فضعه في النوافل قال: فاتيت ابا حنيفة فقلت انى قد سئلت فلانا فقال لى: كذا و كذا قال: فقال: هذا و اللّه الحق و آخذ به، و القى هذه المسئلة على اصحابه، و قعدت لحاجة لى بعد انصرافه فسمعتهم يتطار حونها فقال بعضهم بقول ابى حنيفة الاول فخطأ من كان يسمع هذا و قال سمعت هذا من ابى حنيفة منذ عشرين سنة.(1) و لا مجال للخدشة في سند الرواية لان زكريا المؤمن قد وثق بالتوثيق العام لوقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات و اما دلالتها فمضافا الى تصريحها بلزوم البدئة بالحج مع كون الوصية من الثلث يكون التعليل بكون الحج فريضة ظاهرا

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثلاثون ح ـ 1

(الصفحة358)



فى ان مقتضى القاعدة ايضا ذلك فان المراد بالفريضة ليس كونه فريضة على الميت ضرورة انه مع فقد الحياة لا يبقى مجال لبقاء التكليف بل الظاهر من الفرض كونه واجبا على الوارث الاخراج و لو لم يكن هناك وصية كما عرفت في الفرع الاول و ما كان حاله هكذا لا يصلح الوصايا المستحبة للمزاحمة معه فالوجوب من قبل الوصية و ان كان متساوى النسبة الى الجميع و لا فرق فيه بين الحج و غيره الا ان اهمية الحج باللحاظ المذكور لكونه فرضا مع قطع النظر عن الوصية دون ساير الوصايا تقتضى ترجيحه و صرف الثلث فيه و لا مجال للتوزيع و التقسيم بالسوية كما لا يخفى.
فالرواية كما انها تدل على اصل الحكم ترشد الى مفاد القاعدة بلحاظ التعليل لما عرفت من عدم كونه بامر تعبدى على خلاف القاعدة فتدبر.
الصورة الثانية ما إذا لم يكن مع الحج وصية اخرى و الحكم فيه ـ كما في المتن ـ من صرف الثلث في الحج و لزوم التكميل من بقية المال و الوجه فيه انه مقتضى الجمع بين ما يدل على وجوب الاخراج من اصل التركة خصوصا مع ما في بعض الروايات من التعليل بانه بمنزلة الدين الواجب و بين ما يدل على نفوذ الوصية و بعبارة اخرى الوصية باخراج الحج من الثلث انما تكون نافذة بالاضافة الى جهة الاثبات و اما بالنسبة الى جهة النفى و هو عدم صرف ما زاد على الثلث فيه فلا مجال لنفوذها فمقتضى الجمع بين الدليلين المذكورين ما ذكرنا.
الفرع الرابع: حج النذر و الحكم فيه ـ على ما في المتن ـ هو الاخراج من اصل التركة ايضا كما في حجة الاسلام و قد استدل على ذلك بوجوه:
الاول: انه دين اللّه كما في سائر التكاليف الالهية و الوظائف الشرعية و قد عبر عن حجة الاسلام كما عرفت مرارا باللام و على في الاية الشريفة و في رواية الخثعمية المتقدمة التعبير عن الحج بانه دين اللّه و الظاهر وقوع التعبير عن الصلوة بذلك في بعض الروايات فاذا ثبت كونه دينا فاللازم اخراج ذلك من الاصل ايضا.

(الصفحة359)



و الجواب ان ترتيب جميع احكام الدين على مثل حج النذر خصوصا مع عدم وقوع التعبير بالدين فيه و وضوح كونه على تقديره لا يكون على سبيل الحقيقة بل على نحو المسامحة و العناية ممنوع مضافا الى انصراف الدين في موضوع تلك الاحكام الى دين الناس كما لا يخفى.
الثانى: الاجماع على ان الواجبات المالية تخرج من الاصل.
و فيه: انه على تقدير ثبوت الاجماع و تحققة يكون القدر المتيقن من معقده هى الواجبات المالية النفسية المحضة كالزكوة و الخمس و امثالهما و لا يشمل مثل الحج الذى يكون المال مقدمة لتحقق مناسكه و اعماله او يكون مختلطا من المال و غيره
الثالث: ما افاده في «المستمسك» من انه مقتضى الاخذ بمضمون النذر فانه تمليك للّه سبحانه العمل المنذور فاذا كان مملوكا كان دينا فيجب اخراجه من الاصل كسائر الديون و مرجعه الى ان صيغة النذر المتحققة باللام و على ظاهرة في كون المنذور دينا و مملوكا له تعالى على عهدة الناذر و ذمته.
و يرد عليه: انها لا تقتضى كونه كالدين المتعارف بحيث يترتب عليه احكامه لانصراف الدين في موضوعها الى دين الناس و حقهم.
فانقدح انه لم ينهض دليل على اخراج حج النذر من الاصل الاّ ان يثبت الاجماع على خصوصه و هو غير معلوم خصوصا مع عدم وقوع التعرض له في كثير من الكلمات.
الفرع الخامس: ما لو كان عليه دين او خمس او زكوة و قصرت التركة عن الوفاء بالجميع و الفرض ما لو كان عليه شىء من هذه الامور زائدا على حجة الاسلام الثابتة عليه و الاّ فلا يرتبط بالمقام و عليه فايراد الرواية الدالة على التوزيع مع عدم ثبوت الحج في موردها كما في بعض شروح العروة لا وجه له اصلا و كيف كان ففى خصوص مورد ثبوت الخمس او الزكوة ان كان المال المتعلق به احدهما موجودا

(الصفحة360)



بعينه فاللازم تقديمه على الحج و لا يجوز صرفه اى صرف مقدار الخمس او الزكوة فى غيرهما من دون فرق بين القول بالاشاعة فيهما المقتضية للتشريك في عين المال واصله و بين القول بالتشريك في المالية و بين القول بكونهما حقا متعلقا بالمال لانه في جميع الفروض لا يكون المجموع متعلقا بالميت جائزا له التصرف فيه مطلقا.
و اما لو كان الخمس او الزكوة متعلقا بالذمة كما في الدين الذى يكون تعلقه بها دائما فالمشهور بينهم ان التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس و عن الحدائق الميل الى تقديم الحج و عن جواهر القاضى احتماله.
و دليل المشهور ثبوت الجميع على العهدة و عدم الترجيح لبعض على الاخر فمقتضى القاعدة التوزيع على الكل.
و اما ما يدل على تقديم الحج فروايتان دالتان على تقديمه على الزكوة:
احديهما: صحيحة معاوية بن عمار قال قلت له: رجل يموت و عليه خمسمأة درهم من الزكوة و عليه حجة الاسلام و ترك ثلاثمأة درهم و اوصى بحجة الاسلام و ان يقضى عنه دين الزكوة قال: يحج عنه من اقرب ما يكون و يرد الباقى في الزكوة.(1)
ثانيتهما: صحيحته الاخرى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات و ترك ثلاثمأة درهم و عليه من الزكوة سبعمأة درهم و اوصى ان يحج عنه قال: يحج عنه من اقرب المواضع و يجعل ما بقى في الزكوة.(2)
و لكن الظاهر اتحاد الروايتين و عدم تعددهما بمعنى وقوع السؤال من معاوية بن عمار مرة واحدة و الجواب كذلك غاية الامر انّ الاختلاف انما هو فى النقل عنه و هو لا يقتضى تعدد الرواية و عليه فالاشكال في سند الثانية كما في الجواهر على تقدير

1 ـ ئل ابواب المستحقين للزكوة الباب الواحد و العشرون ح ـ 2
2 ـ ئل كتاب الوصايا الباب الثانى و الاربعون ح ـ 1