في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة481)



لم يتعلق به الوجوب الاّ في مورد واحد و معنى حجّة الاسلام هو عنوان الحج مع اتصافه بالوجوب في اصل الشرع و عليه فما ذكره من ان الحج الصادر في اوّل سنة الاستطاعة هو حج الاسلام سواء قصد هذا العنوان ام لا في كمال الضعف لان عنوان الواجب هو عنوان الحج الذى هو واجب بأصل الشرع و لا مجال لدعوى عدم لزوم قصد عنوانه و ليس هنا شىء اخر يجب قصده و عليه فالحكم بالاكتفاء بقصد عنوان النذر بخصوصه ان كان المراد به عدم قصد عنوان الحج المزبور اصلا فمن الواضح بطلانه و ان كان المراد قصد الوفاء بالنذر بضميمة قصد الحج المزبور فهذا يرجع الى قصد كلا العنوانين.
و اما ما ذكره من انه لا ريب في الاكتفاء بالحج فيما إذا زعم انه غير مستطيع ثم علم بالاستطاعة فيرد عليه ما تقدم منا في نفس هذه المسئلة من عدم الاكتفاء لو كان على وجه التقييد نعم لو كان بنحو الاشتباه في التطبيق و امكن ذلك لا مانع من الحكم بالاكتفاء فنفى الريب فيه في غير محلّه.و قد انقدح من جميع ما ذكرنا قوة ما في المتن من لزوم قصد كلا العنوانين احدهما قصد عنوان الوفاء بالنذر و ثانيهما قصد عنوان الحج الواجب.
ثمّ انه قد استدل للقول الثالث بصحيحتين:
احديهما: صحيحة رفاعة بن موسى قال سئلت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟قال: نعم، قلت و ان حج عن غيره و لم يكن له مال و قد نذر ان يحج ماشيا ايجزى عنه ذلك من مشيه؟ قال: نعم.(1) و يجرى في السؤال الاوّل في نفسه مع قطع النظر عن السؤال الثانى احتمالات:

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع و العشرون ح ـ 3

(الصفحة482)




احدها: ما هو المناط في الاستدلال من كون المراد هو نذر الحج ماشيا بحيث كان المنذور الحجّ من غير تقييد مع كونه مستطيعا ـ حال النذر او حصول الاستطاعة بعده قبل الحج ـ يجب عليه حجة الاسلام فمحّط النظر في السؤال هو الاكتفاء بالاتيان بالحج المنذور بنيّة الوفاء بالنذر و عدم نية حجة الاسلام.
ثانيها: كون المراد هو نذر الحج ماشيا بالنحو المذكور في الاحتمال الاول و عدم ثبوت الاستطاعة في شىء من الحالين و تحققها بعد الاتيان بالحج النذرى فمحّط النظر هى كفاية ذلك الحج عن حجة الاسلام مع فرض حصول الاستطاعة بعده و على هذا الاحتمال لا تكون الرواية معمولا بها اصلا.
ثالثها: هو كون المراد انّ المنذور مجرد المشى الى بيت اللّه الحرام ثم أراد ان يحج حجة الاسلام و قد حمل الرواية على ذلك في محكّى كشف اللثام و غيره.
رابعها: كون المنذور الاتيان بحجة الاسلام ماشيا كما حمل الرواية عليه العلاّمة في محكّى المختلف و ان استبعده صاحب المدارك و غيره هذا مع قطع النظر عن السؤال الثانى و امّا بملاحظته فالظاهر ان المراد هو الاحتمال الاول و هو كون المنذور هو الحجّ ماشيا و المراد من السؤال الثانى هو كفاية الحج الاستيجارى عن الحج ماشيا المنذور و في قوله: «ايجزى عنه ذلك من مشيه» اضطراب و الظاهر ان المراد هو الاتيان بالحج الاستيجارى ماشيا و كيف كان فليس في السؤال الاول ظهور في تحقق الاستطاعة حال النذر أو بعده قبل العمل به فلا مجال للاستدلال بها.
ثانيتهما: صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشى الى بيت اللّه فمشى هل يجزيه عن حجة الاسلام؟ قال: نعم(1) و مما ذكرنا في الرواية الاولى يظهر الكلام في هذه الرّواية.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع و العشرون ح ـ 1

(الصفحة483)

مسئلة 7 ـ يجوز الاتيان بالحج المندوب قبل الحج النذرى الموسعو لو خالف فى المضيق و اتى بالمستحب صح و عليه الكفارة1.


1 ـ وجه الجواز عدم قيام دليل على المنع بالاضافة الى الحج النذرى و لا مجال للقياس على حجة الاسلام بناء على المنع فيها كما قام الدليل على المنع في الصوم على ما هو المشهور و قد وقع الاختلاف في باب الصلوة و انه هل يجوز التطوع في وقت الفريضة او لمن هى عليه او لا يجوز و كيف كان بعد عدم قيام الدليل على المنع في المقام لا وجه للحكم به و مقتضى القاعدة الجواز.
ثم انه يرد على بعض الاعلام انه مع حكمه في المسئلة السابقة بان عنوان الوفاء بالنذر لا يحتاج الى القصد و ان من نذر ان يصلى صلوة الليل تقع صلوة ليله صحيحة و وفاء بالنذر و ان كان غافلا عن النذر بالمرة لان نفس الاتيان بها كافية في حصوله و تحققه كيف حكم هنا بان الحج الواقع اوّلا بنية الندب يقع كذلك و لا يتحقق به الوفاء بالنذر مع ان لازم ما ذكره هناك وقوعه وفاء للنذر قهرا فان العنوان إذا لم يكن مفتقرا الى قصده و نيّته فكيف لا يقع بالحج الواقع اوّلا مع ان متعلق النذر هو الحج المستحب كما هو المفروض و الاختلاف من جهة الوجوب و الاستحباب لا يقدح لان المفروض في ذلك المثال ايقاع صلوة الليل بقصد الاستحباب مضافا الى ما عرفت منا من عدم سراية الوجوب من متعلقه الذى هو عنوان الوفاء بالنذر الى عنوان المنذور مثل الحج و صلوة الليل فالجمع بين الامرين على ما ذكره مما لا مجال له اصلا هذا في الحج النذرى الموسع و اما المضيق فلو خالفه و اتى بالمستحب يقع صحيحا بناء على صحة العبادة مع المزاحمة للاهم ـ كما هو التحقيق ـ و ان اختلفوا في وجه الحكم بالصحة فالمقام مثل ما إذا اشتغل بصلوة تحية المسجد في مثال الصلوة و الازالة المعروف فان الحق صحتها و ان كانت مستلزمة لترك الازالة التى

(الصفحة484)

مسئلة 8 ـ لو علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الاسلام او حج النذر وجب قضائه عنه من غير تعيين و لا كفارة عليه، و لو تردد ما عليه بين ما بالنذر او الحلف مع الكفارة وجبت الكفارة ايضا، و يكفى الاقتصار على اطعام عشرة مساكين، و الاحوط الستون1.


هى واجبة فورا نعم في المقام يترتب على مخالفة النذر العمدية القضاء و الكفارة و قد مرّ البحث عن وجوب القضاء في المضيق.
1 ـ الكلام في هذه المسئلة يقع في فرعين:
الاول ما إذا علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الاسلام او حج النذر فبناء على وجوب قضاء حج النذر عن الميت ـ كما اخترناه ـ يكون وجوب القضاء عنه معلوما تفصيلا و ان كان مرددا بين كونه قضاء حجة الاسلام او قضاء الحج النذرى و لا يلزم من هذه الجهة الاتيان بحجين بل يكفى حجة واحدة بعنوان القضاء عنه من غير تعيين كونه قضاء للاولى او الثانية و هذا كما إذا علم بفوت صلوة منه مرددة بين الظهر و العصر فانه و ان كان العنوانان من العناوين القصدية و اللازم مراعاتهما الا انه يكفى الاتيان بصلوة واحدة بقصد ما في الذمة من غير تعيين.
و اما الكفارة فعلى تقدير القول بلزومها على الوارث في موردها لا تجب في المقام لان ثبوتها متفرع اولا على احراز كون الفائت الحج النذرى و ثانيا على احراز كون مخالفة الميت للتكليف بوجوب الوفاء بالنذر مخالفة عمدية اختيارية و كلاهما مشكوكان و لو فرض العلم بانه على تقدير كون الثابت هو الحج النذرى لكانت مخالفته عن عمد و اختيار لما كانت الكفارة واجبة ايضا لعدم احراز الامر الاول و منه يعلم ان قوله في المتن: «و لا كفارة عليه» يشمل كلا الفرضين هذا كله بناء على القول بوجوب القضاء في الحج النذرى ايضا.
و اما بناء على القول بالعدم و اختصاص وجوب القضاء بحجة الاسلام فلا يجب

(الصفحة485)



القضاء كالكفارة نعم في خصوص ما إذا كانت المخالفة في الحج النذرى مخالفة عمدية موجبة للكفارة على تقدير كون الثابت هو الحج النذرى يكون احد طرفى العلم الاجمالى قضاء حجة الاسلام و الطرف الآخر الكفارة لاجل مخالفة النذر العمدية على ما هو المفروض و اللازم مراعاة كلا الامرين فيجب القضاء و الكفارة معا.
الثانى ما إذا تردد ما على الميت بين الحج النذرى و بين الحج الثابت عليه باليمين مع احراز كون الترك و المخالفة عمدية موجبة للكفارة فلا اشكال في وجوب القضاء عنه من غير تعيين بناء على ثبوته في النذر و اليمين فيأتى الوارث بحج واحد قضاء عنه مرددا بين النذر و اليمين و بعبارة اخرى يقصد ما في الذمة كما في المثال الذى عرفت.
و يجب هنا الكفارة ايضا من التركة بناء على ثبوتها بعد الموت فيها ايضا لان المفروض كون الحنث في كلا الامرين موجبا للكفارة كما ان المفروض تحقق المخالفة العمدية على كلا التقديرين و ـ حينئذ ـ ان قلنا بعدم مغايرة كفارة النذر لكفارة اليمين المصرح بها في الكتاب بقوله تعالى: لا يؤاخذكم اللّه باللغو في ايمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم الى آخر الاية فاللازم كفارة واحدة من غير تعيين كالقضاء و قد اختار هذا القول جماعة من الفقهاء.
و ان قلنا بالمغايرة و ان كفارة النذر انما هى كفارة الافطار في شهر رمضان و هى التخيير بين الخصال الثلث عتق الرقبة و صيام ستين يوما و اطعام ستين مسكينا ـ كما هو المشهور ظاهرا ـ فان اختار العتق المشترك بين الكفارتين فيكفى تحرير رقبة واحدة من غير تعيين ايضا و اما ان اختار الاطعام فقد اختار في المتن كفاية الاقتصار على اطعام عشرة مساكين و احتاط الستين بالاحتياط الاستحبابى و لكن السيد (قدس سره)

(الصفحة486)



فى العروة حكم بلزوم الاحتياط و لا بدّيته غاية الامر انه يكفى في ذلك اطعام ستين مسكينا لان فيه اطعام عشرة ايضا و مراده انه لا يلزم في الاحتياط الجمع في جميع الموارد فان مقتضاه الاخذ بما هو المتيقن و هو قد يتحقق بالجمع كما في كثير من الموارد و قد يتحقق بالاخذ باحد طرفى العلم الاجمالى كما في دوران الامر بين التعيين و التخيير فان مقتضى الاحتياط فيه الاخذ بخصوص ما يحتمل تعيينه لا الجمع كما هو ظاهر.
ثم ان مبنى ما في المتن من كفاية الاقتصار على اطعام العشرة انما هو كون المقام من صغريات مسئلة دوران الامر بين الاقل و الاكثر الارتباطيين و حيث ان مختاره فيه جريان البرائة بالاضافة الى الاكثر فاللازم الاكتفاء باطعام العشرة و عدم لزوم ما زاد عليه.
و اما ما افاده في العروة من الحكم بلزوم الاحتياط باطعام الستين فالوجه فيه احد امرين:
الاول كون مبناه في مسئلة دوران الامر بين الاقل و الاكثر الارتباطيين عدم جريان البرائة و لزوم الاحتياط على خلاف مبنى المتن.
الثانى عدم كون المقام من صغريات تلك المسئلة بل الامر دائر في المقام بين المتبائنين لاختلاف الكفارتين من جهتين:
احديهما الاختلاف في الاطراف و الخصال و ان كان بينهما اشتراك في الجملة كما فى العتق و في اصل الاطعام.
ثانيتهما كون كفارة النذر مخيرة محضة و كفارة اليمين مخيرة و مرتبة كما في الاية الشريفة حيث انه تصل النوبة بعد عدم القدرة على الامور الثلاثة الى صيام ثلاثة ايام و عليه فالاختلاف من هاتين الجهتين يقتضى كون المقام من قبيل الدوران بين المتباينين خصوصا إذا قلنا في الواجب التخييرى بتعلق الوجوب بما هو الجامع

(الصفحة487)

مسئلة 9 ـ لو نذر المشى في الحج انعقد حتى في مورد افضلية الركوبو لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب حتى لو نذر في مورد يكون المشى افضل و كذا لو نذر المشى في بعض الطريق، و كذا لو نذر الحج حافيا، و يشترط في انعقاده تمكن الناذر و عدم تضرره بهما و عدم كونهما حرجيين فلا ينعقد مع احدهما لو كان في الابتداء، و يسقط الوجوب لو عرض في الاثناء و مبدء المشى او الحفاء تابع للتعيين و لو انصرافا، و منتهاه رمى الجمار مع عدم التعيين1.


و القدر المشترك بين الامرين او الامور و انها مصاديق لذلك الجامع و افراد له فانه ـ حينئذ ـ يكون التباين واضحا جدا فان الجامع الذى لا ينطبق على اطعام اقل من ستين و لو كان واحدا مباين للجامع الذى ينطبق على اطعام العشرة و عليه فاللازم الحكم بالاحتياط و رعاية الاكثر و هذا هو الاظهر.
1 ـ اعلم انه في كل واحد من العناوين الثلاثة المشى و الركوب و الحفاء تارة يكون متعلق النذر هو الحج غاية الامر مع تقيده باحد هذه العناوين مثل ان يقول للّه علىّ ان احج ماشيا او راكبا او حافيا و اخرى يكون متعلق النذر هو احد هذه العناوين في طريق حجة الاسلام او غيرها مثل الحج المستحب و لا يكون لاصل الحج مدخلية في المتعلق بحيث يجب عليه ايجاده و عليه فالفروض ستة قد وقع التعرض لثلاثة منها كما انه وقع التعرض في العروة لخمسة منها و اللازم ملاحظة الجميع فنقول: إذا كان متعلق النذر هو الحج المقيد باحد هذه العناوين فلا شبهة في انعقاده من جهة اعتبار الرجحان في متعلق النذر فان المتعلق بلحاظ كونه هو الحج لا محالة يكون مشتملا على الرجحان لانه يلاحظ ذلك بالاضافة الى الترك و عدم الاتيان بالحج و لا يلزم ان يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و اوصافه فاذا نذر ان يصلى صلوة مستحبة في الدار ينعقد نذره و ان كان وصف وقوعها في الدار فاقدا للرجحان لما عرفت من ملاحظة ذلك مع الترك لا مع الصلوة الفاقدة للقيد المذكور ففى المقام لا يكون ـ ح ـ فرق بين كون

(الصفحة488)



المشى افضل و عدمه لعدم الفرق من هذه الجهة على ما ذكرنا فما عن البعض من عدم انعقاد نذر الحج راكبا الاّ في مورد يكون الركوب افضل لا وجه له كما انه لا مجال لدعوى الانعقاد في اصل الحج لا في صفة الركوب لان المفروض ان المتعلق انما هو المقيد و لا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده و كيف كان لا تنبغى المناقشة في صحة النذر في هذه الفروض الثلاثة التى يكون المتعلق هو الحج المقيد باحد العناوين المذكورة.
و اما إذا كان المتعلق نفس هذه العناوين في طريق الحج فالكلام يقع في كل واحد منها مستقلا فنقول:
الاول ما إذا نذر المشى في حجه الواجب عليه او المستحب و هو ينعقد مطلقا حتى فى مورد يكون الركوب افضل لان المشى في حد نفسه ذات فضيلة و رجحان كما يدل عليه الروايات و ما حكى عن الامام المجتبى (عليه السلام) من انه حج ماشيا مرارا و المحامل تساق بين يديه و لا يعتبر في متعلق النذر ان لا يكون هناك افضل منه فنذر المشى ينعقد و ان كان الركوب قد يكون افضل لبعض الجهات فان الافضلية لا توجب زوال الفضيلة عن المشى فلو نذر ان يأتى بصلوته في مسجد المحلة ينعقد نذره و ان كان مسجد السوق افضل منه و مسجد الجامع افضل منهما فما هو المعتبر انما هو مجرد الرجحان المتحقق في المشى بمقتضى ما ذكر من قول الامام (عليه السلام) و فعله و قد وقع التعرض في المتن لهذا الفرض.
الثانى ما إذا نذر الركوب في حجه و الظاهر انه لا ينعقد الاّ في مورد ثبوت الرجحان للركوب بلحاظ بعض الجهات و الخصوصيات و الاّ فالركوب في نفسه يكون فاقدا للرجحان المعتبر في متعلق النذر و هذا كما إذا نذر ان يأتى بصلواته اليومية في الدار بحيث كان المنذور مجرد الايقاع في الدار فانه لا ينعقد و لم يقع التعرض لهذا الفرض في المتن كالفرض الآتى الذى لم يتعرض له في العروة ايضا.
الثالث ما إذا نذر الحفاء في حجّه و الظاهر انعقاده لانه من اظهر مصاديق المشى

(الصفحة489)



الذى عرفت رجحانه بل يكون ثبوت الرجحان فيه بطريق اولى هذا ما تقتضيه القاعدة فى هذا الامر و لكنه ورد فيه روايات لا بد من ملاحظتها فنقول:
منها: صحيحة ابى عبيدة الحذاء قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل نذران يمشى الى مكة حافيا فقال ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشى بين الابل فقال: من هذه؟فقالوا: اخت عقبة بن عامر نذرت ان تمشى الى مكة حافيا فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يا عقبة انطلق الى اختك فمرها فلتركب فان اللّه غنّى عن مشيها و حفاها، قال فركبت.(1) و لا شبهة في دلالة الصحيحة على بطلان نذر الحفاء و عدم انعقاده و لا مجال لدعوى كون ما وقع في زمان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)قضية في واقعة يمكن ان يكون لمانع من صحة نذرها من ايجابه كشفها او تضررها او غير ذلك فان هذه الدعوى لا تساعد مع اقتصار الامام (عليه السلام) في مقام الجواب عن السؤال المذكور في الرواية على نقل القضية الواقعة في زمن الرسول فانها لو كانت قضية خاصة في واقعة لما كان مجال للاقتصار عليه في مقام الجواب الظاهر في كون مورد السؤال يستفاد حكمه من تلك القضية خصوصا مع كونه سؤالا عن الرجل الذى نذر كذلك و مورد تلك القضية هى المرأة، و العجب من مثل السيد (قدس سره) في العروة مع تبحره في الفقه و الحديث كيف حمل الرواية على ما ذكر مع انه لا يحتمله من له ادنى معرفة بهما و كيف كان فدلالة الصحيحة على بطلان نذر المشى حافيا بنحو الضابطة الكلية بلا فرق بين الرجل و المرئة واضحة لا مناقشة فيها اصلا.
و منها: ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في «نوادره» عن سماعة و حفص قال (لا) سألنا ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه حافيا، قال فليمش فاذا

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 4

(الصفحة490)



تعب ركب.(1) و في الرواية اشكال من حيث السند لان احمد بن محمد من الطبقة السابعة و سماعة و حفص من الطبقة الخامسة و لا يمكن له النقل عنهما من دون واسطة و هو مجهول فالرواية ضعيفة غير معتبرة و لكنها بعينها قد رواها رفاعة و حفص عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)(2) مع صحة سندها فاللازم ـ ح ـ البحث في مفادها لاعتبار السند بهذا الطريق.
فنقول: يجرى في الجواب احتمالان: احدهما ان يكون المراد من قوله: «فليمش» هو مجرد المشى المتعارف المنطبق على المشى مع الحذاء و النعل و عليه فالمراد لغوية قيد الحفا المأخوذ في متعلق النذر لانه كان هو المشى حافيا فالجواب ناظر الى لزوم الاقتصار على المشى في مورد النذر المذكور و إذا تعب تصل النوبة الى الركوب و يؤيد هذا الاحتمال عدم ذكر مثل قوله «كذلك» بعد قوله «فليمش» و لو كان المراد هو المشى المقيد بالحفاء المذكور لكان اللازم الاشارة الى القيد في الجواب كما ان الانتقال الى الركوب في صورة التعب يؤيد كون المراد هو التعب بالاضافة الى المشى لا التعب بالنسبة الى قيده الذى هو الحفاء لان المناسب ـ ح ـ الانتقال الى المشى.
و ثانيهما كون المراد من قوله: «فليمش» هو المشى المقيد بالحفاء الذى هو متعلق النذر و هذا الاحتمال بعيد.
ثم انه على التقدير الاول ذكر العلامة المجلسى (قدس سره) ان المستفاد من صحيح رفاعة و حفص الوارد في باب النذر بطلان النذر بالحفاء فان قوله (عليه السلام) «فليمش» معناه انه يمشى مشيا متعارفا متنعلا بلا حفاء فهذه الخصوصية ساقطة لا اصل المشى كما اختاره في الدروس و صحيحة الحذاء ايضا دالة على مرجوحية الحفاء و بطلان

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1
2 ـ ئل كتاب النذر الباب الثامن ح ـ 2

(الصفحة491)



النذر بالنسبة اليه فالروايتان متفقتان على سقوط خصوصية الحفاء و بطلان النذر بالنسبة اليه، و اما المشى المتعارف فيقع التعارض بين صحيح الحذاء و صحيح رفاعة لان المستفاد من صحيح الحذاء مرجوحية المشى ايضا لامره (صلى الله عليه وآله)اخت عقبة بن عامر بالركوب و قال (صلى الله عليه وآله): فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها، و اما صحيح رفاعة فيدل على سقوط الحفاء فقط و بقاء المشى على رجحانه لقوله (عليه السلام): «فليمش» و بعد التعارض لا يمكن الرجوع الى الادلة العامة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر لان المفروض ان النذر مقيد بالحفاء و المنذور هو المشى حافيا و العمل ببعض النذر دون البعض الاخر لا دليل عليه فلم يبق موضوع للوفاء بالنذر فالنتيجة سقوط النذر.
و على التقدير الثانى تقع المعارضة بين الصحيحتين و تتساقطان و اللازم ـ ح ـ الرجوع الى عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر و تصير النتيجة صحة نذر المشى حافيا كما هو مقتضى القاعدة على ما عرفت و لكن هذا التقدير خلاف ظاهر الرواية و قد استبعده العلامة المجلسى (قدس سره) ثم انه قد جمع صاحب «المستمسك» بين صحيحة الحذاء و رواية سماعة و حفص بحمل الاخيرة على الاستحباب بقرينة الصحيحة مع ان الظاهر ان الحمل على الاستحباب انما هو فيما إذا كان الاختلاف بين الروايتين في الحكم التكليفى المحض كما في قوله: اغتسل للجمعة ـ مثلا ـ فانه يحمل على الاستحباب بقرينة ما ظاهره نفى الوجوب، و اما في مثل المقام ممّا إذا كان في البين حكم وضعى مشكوك كانعقاد النذر و عدمه و صحته و بطلانه فلا مجال للحمل على الاستحباب فان احدى الروايتين ظاهرة فى البطلان و الاخرى في الصحة و لا جمع بينهما و بعبارة اخرى النذر ان كان منعقدا و صحيحا فلا محيص عن وجوب الوفاء به و ان لم ينعقد فلا يكون حكمه الاستحباب من جهة تعلق النذر بل يقع المنذور على ما كان عليه قبل النذر من الحكم من دون ان يكون النذر مؤثرا في شىء اصلا كما لا يخفى.

(الصفحة492)



ثم انه يغلب على الظن في اصل المسئلة ان رواية سماعة و حفص التى رواها احمد بن محمد بن عيسى في نوادره هى نفس رواية رفاعة و حفص بمعنى ان سماعة ذكر اشتباها لاجل التشابه مع رفاعة فلا يكون هناك روايتان بل رواية واحدة.
و ايضا فالظاهر ان رواية رفاعة و حفص المذكورة في كتاب الوسائل في ابواب النذر هى رواية رفاعة المروية في كتاب الحج بهذه الكيفية محمد بن الحسن باسناده عن موسى بن القاسم عن ابن ابى عمير و صفوان عن رفاعة بن موسى قال: قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام)رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه قال: فليمش قلت: فانه تعب قال: فاذا تعب ركب.(1) و يؤيد اتحاد الروايتين ـ مضافا الى كون الراوى عن رفاعة و حفص في كتاب النذر هو ابن ابى عمير ايضا و ان اضيف اليه صفوان هنا و اضيف الى المروى عنه حفص هناك الا انه لا يقدح في الاتحاد اصلا كما هو الظاهر ـ انه لو كان قيد الحفاء مذكورا في السؤال و لم يكن السؤال متمحضا في نذر المشى فقط كما في رواية و حفص لكان الجواب بقوله: فليمش ناقصا سواء اريد به هو المشى المقيد بالحفاء او المشى من دون حفاء اما على الاول فلانه كان اللازم ان يضاف اليه كلمة «الحفاء» او «كذلك» للدلالة على لزوم مراعات النذر بجمع خصوصياته و اما على الثانى فلانه كان اللازم ان يضاف اليه مثل كلمة: «دون حفاء» لانه الغرض المهم لا اصل لزوم المشى و بعبارة اخرى محط نظر السائل على تقدير كون مورده هو نذر المشى حافيا هو التقييد بالحفاء و عليه فالجواب لا بد و ان يكون ناظرا اليه نفيا و اثباتا و لا يلائمه الاقتصار على قوله: فليمش، فالاقتصار عليه في الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو نذر المشى من دون قيد و عليه يحصل الاطمينان بان الروايات الثلاثة متحدة و ان السؤال فيها انما هو عن مجرد نذر المشى و الجواب منطبق عليه من دون نقيصة و عليه تنحصر

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1

(الصفحة493)



الرواية الواردة في المشى حافيا بصحيحة الحذاء و لا معارض لها اصلا و المراد من قوله (صلى الله عليه وآله) فيها: «فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها» مع انه تعالى غنى عن العالمين و عن عبادة الخلائق اجمعين هو عدم المشروعية و عدم الرجحان و ـ ح ـ ان قلنا بان الرواية معرض عنها كما ربما يقال و يؤيده حكاية الفتوى بالبطلان عن الدروس فقط فاللازم طرحها بناء على كون الاعراض قادحا و ان لم نقل بصغرى الاعراض او لم نقل بقادحيته فى اعتبار الرواية و حجيتها فاللازم الاخذ بها و الحكم ببطلان نذر الحفاء و ان كان على خلاف القاعدة.
ثمّ انه بقى الكلام في اصل المسئلة فيما يتعلق بنذر المشى المطلق او المشى حافيا فى امرين:
الاوّل في الامور المعتبرة في انعقاد النذرين و هى عدّة اشياء:
احدها التمكن فانه مع عدم التمكن من متعلق النذر لا يقع صحيحا كما في ساير الامور المتعلقة للنذر و قد عرفت في بعض المسائل السّابقة ان الاستطاعة المعتبرة في نذر الحج هى الاستطاعة العقلية لا الاستطاعة الشرعية ـ كما اختاره في الدروس ـ و مرجع ما ذكرنا الى انه لا فرق بين كون المنذور هو الحج أو غيره من الأعمال الراجحة و المعتبر في الجميع هى القدرة العقليّة.
ثانيها عدم تضرّره بالمشى أو المشى حافيا و الظاهر ان المراد هو التضرر النفسى و عليه فالظاهر عدم ارتباط هذا الأمر بقاعدة «لا ضرر» المعروفة و ان كان عطف عدم الحرج عليه يؤيد كون المراد تلك القاعدة لكن حيث انّ مبنى الماتن (قدس سره) في القاعدة كونها حكما ناشيا عن مقام ولاية الرسول و حكومته و زعامته و تصدّيه لادارة نظام المسلمين لا مرتبطا بمقام رسالته و نبوته حتى يكون حكما الهيا ناظرا الى الاحكام الاوليّة الثابتة للموضوعات بعناوينها الواقعية فلا بد من عدم كون النظر في المتن الى هذه القاعدة مضافا الى عدم اختصاصها بالضرر

(الصفحة494)



النفسى كما لا يخفى.
و عليه فاللازم ان يكون محطّ النظر في المتن هى حرمة الاضرار بالنفس بعنوانه الاولى مطلقا او في خصوص ما إذا كان منجرّا الى الهلاك عادة و قد ادّعى قيام الاجماع و غيره على ثبوت هذه الحرمة و ان وقع الاختلاف في متعلقها من حيث السعة و الضيق كما اشرنا.
و على هذا التقدير فالوجه في اعتبار عدم الاضرار امّا خروج متعلق النذر عن الرجحان بسبب الاضرار المحرّم لانه يصير بذلك مرجوحا فيكون النذر ـ ح ـ فاقدا لشرط الصحة و هو الرجحان فيحكم بعدم انعقاده و يظهر هذا الوجه من بعض الاعاظم على ما فى تقريراته في شرح العروة و امّا ما ذكره بعض الاعلام كذلك من ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فيصير الوجه في البطلان عدم التمكن من المنذور مع انك قد عرفت اعتباره.
اقول و في كلا الوجهين نظر:
اما الوجه الاول فلانّ متعلق الحرمة هى نفس عنوان الاضرار بالنفس ـ مطلقا أو في الجملة ـ و لا يتعدى الحكم من عنوان متعلقه الى شىء آخر و مجرد تحقق عنوان الاضرار فى الخارج بالمشى لا يستلزم سراية الحرمة الى المشى اصلا بل هو بعنوانه ذات رجحان و مزية و قد دلّ عليها قول المعصوم و فعله كما انّك عرفت ان تعلق النذر بالمشى لا يوجب صيرورة المشى واجبا بل هو باق على ما كان عليه قبل النذر و الواجب بالنذر انّما هو عنوان الوفاء به فالمشى لا يسرى اليه الوجوب من ناحية النذر و لا الحرمة من ناحية حرمة الاضرار فلا مانع من ثبوت الوجوب و الحرمة غاية الامر وقوع التزاحم بين التكليفين لعدم امكان رعايتهما في مقام الامتثال و الموافقة، و اللازم الرجوع الى قاعدة التزاحم كما لا يخفى و من الواضح ان المزاحمة امر و عدم الانعقاد الذى هو المدعى امر اخر.

(الصفحة495)



و اما الوجه الثانى فمضافا الى انه لم يقم دليل على ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا بل كلماتهم خصوصا في كتاب الاجارة ظاهرة في ان الممنوعية امر و الامتناع امر اخر الا ترى ان استيجار الحائض لكنس المسجد انما يكون الوجه في بطلانه عندهم هى الممنوعية الشرعية و كون العمل محرّما لا الامتناع و الاستحالة و المعتبر في الاجارة امران: كون العمل مقدورا و كونه محلّلا فيظهر ان الممنوعية الشرعية امر مستقل و الامتناع امر أخر.
نقول بما ذكرنا من عدم كون المشى الذى تعلقّ به النذر ممنوعا شرعا فان الممنوع انما هو عنوان الاضرار بالنفس و هو لا يكون متعلقا للنذر فما هو المتعلق غير ما هو الممنوع.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه على تقدير كون الاضرار بالنفس محرما مطلقا أو في الجملة لا يوجب ذلك خللا في صحة النذر و انعقاده.
ثالثها عدم كون المشى المطلق او المشى حافيا حرجيّا على الناذر لانه على تقدير الحرجية يكون مقتضى قاعدة «نفى الحرج» التى تكون حاكمة على أدلة التكاليف اللزومية ـ وجوبية كانت أو تحريمية ـ عدم لزوم الوفاء بالنذر إذا كان مستلزما للحرج كما هو المفروض.
ثم انّ السيّد (قدس سره) في العروة قال: «لا مانع منه ـ اى من انعقاد النذر ـ إذا كان حرجا لا يبلغ حدّ الضرر لان رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة هذا إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و امّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطا للوجوب» و لا بد قبل ملاحظة مدّعاه و دليله و انّ دليله هل ينطبق على مدّعاه ام لا؟من التعرض لامرين في قاعدة الحرج:
الاول ان مقتضى قاعدة نفى الحرج التى يدل عليها مثل قوله تعالى: «ما جعل عليكم فى الدين من حرج» هل هو نفى الحكم اللزومى على سبيل الرخصة او على نحو العزيمة

(الصفحة496)



و مرجع الاول الى كون القاعدة ناظرة الى رفع اصل اللزوم و اما المحبوبية و المشروعية فهى باقية بحالها لا ترتفع بالقاعدة اصلا كما ان مرجع الثانى الى رفع الحكم بالكلية و عدم ثبوت اللزوم و لا المحبوبية و المشروعية فالوضوء او الغسل الحرجى يقع صحيحا على الاول دون الثانى لفقد انه للمشروعية رأسا في حال الحرج و المختار عندنا هو الثانى و قد حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية.
الثانى ان قاعدة نفى الحرج كما تكون حاكمة على ادلة التكاليف الاصلية الابتدائية التى لا مدخل للمكلف في اثباتها كاكثر الاحكام الشرعية هل تكون حاكمة على ادلة التكاليف الثانوية التى يكون للمكلف مدخل في ثبوتها كالاحكام الثابتة في موارد التزام المكلف كالنذر و مثله ام لا؟ ربما يقال بالثانى نظرا الى ان قاعدة نفى الحرج واردة في مورد الامتنان و لا امتنان في نفى الحكم في مورد التزام المكلف و التفاته الى كون الملتزم به حرجيا فاذا كان عالما بان المشى في الحج امر حرجى من حين الشروع فلا امتنان في رفع الحكم بوجوب الوفاء بالنذر بالاضافة اليه و بعبارة اخرى منشأ الحرج في هذا الفرض هو التزام المكلف مع التوجه و الالتفات لا حكم الشارع.
كما انه ربما يقال بالاول نظرا الى ان ما يكون موجبا للحرج في هذه الصورة ايضا هو حكم الشارع بوجوب الوفاء بالالتزام الصادر من المكلف عليه لانه بدون هذا الحكم لا يقع المكلف في الحرج اصلا فالقاعدة حاكمة على كلتا الادلتين و رافعة لكلا التكلفين من دون فرق في البين و هذا القول هو الظاهر و هو المستند لمثل المتن من جهة الحكم باعتبار عدم الاستلزام للحرج في انعقاد النذر و صحته.
إذا عرفت هذين الامرين فاعلم ان ما يمكن دليلا لمدعى السيد من الانعقاد في الصورة المذكورة هو الامر الثانى الذى ذكرنا بناء على اختيار عدم كون القاعدة حاكمة على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر و اما الامر الاول فلا يرتبط بمسئلة انعقاد النذر ضرورة ان رفع وجوب الوفاء بالنذر مع الالتزام بالبقاء على المشروعية

(الصفحة497)



و المحبوبية لا معنى له اصلا لانه ـ مضافا الى كونه خلاف مدعاه من الحكم بالانعقاد و لازمه وجوب الوفاء بالنذر لان المدعى ليس مجرد الاستحباب و الى ان الاستحباب كان ثابتا قبل النذر و الا لا ينعقد النذر لاعتبار الرجحان في متعلقه فالرجحان ثابت في المتعلق مع قطع النظر عن الالتزام النذرى و الى ان مقتضى ذلك عدم الاختصاص بخصوص المدعى لان كون الرفع بنحو الرخصة لا العزيمة لا ينحصر بمورد المدعى فانه في مورد الجهل و عدم العلم يجرى ذلك من دون فرق ـ.
نقول لا يجتمع الانعقاد مع استحباب الوفاء فان مرجع الانعقاد الى وجوب الوفاء بالنذر و هذا كما في البيع و نحوه من المعاملات و العقود و الايقاعات فانه لا يجتمع الصحة مع عدم لزوم الوفاء فالدليل لا ينطبق على مدّعاه أصلا.
ثم ان مقتضى ما ذكرنا من حكومة القاعدة على مثل دليل وجوب النذر ايضا انه لو عرض الحرج في الاثناء يوجب ذلك سقوط التكليف بوجوب الوفاء بالاضافة الى الباقى و مقتضى ما ذكره السيد (قدس سره) انه لو كان عالما من الاوّل بعروض الحرج في الاثناء عدم السقوط كما لا يخفى.
الامر الثانى في مبدء المشى أو المشى حفاء و منتهاه فنقول: امّا المبدء فلم يرد فيه رواية و نص خاص و اختلفت الفتاوى و الاراء فيه على أقوال: 1 ـ القول بكون المبدء بلد النّذر و اختاره صاحب الشرايع و حكى عن المبسوط و التحرير و الارشاد.
2 ـ القول بكونه بلد الناذر و هو المحكى عن ظاهر القواعد و الدروس و غيرهما و عن الحدائق الميل اليه.
3 ـ اقرب البلدين الى الميقات و في الجواهر نسبه الى القول من دون أن يعرف قائله و في المسالك: «هو حسن ان لم يدل العرف على خلافه».

(الصفحة498)



ما في محكى كشف اللثام من انه يمكن القول بانه من اىّ بلد يقصد فيه السفر الى الحجّ لتطابق العرف و اللغة فيه.و المراد من مساعدة اللغة ما عرفت في اوّل كتاب الحج من انه في اللغة بمعنى القصد فينطبق على اىّ بلد كذلك.
5 ـ القول بانه اوّل أفعال الحج و في الجواهر: «انه الاصح» و الوجه فيه ـ كما فيها ـ ان المشى في قوله للّه على ان احج ماشيا حال من الحج و الحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة فلا يجب المشى الاّ حاله.
6 ـ ما اختاره في العروة من انه مع عدم التعيين و الانصراف ان كانت العبارة هى قوله: للّه على ان احجّ ماشيا فالمبدء اوّل أفعال الحج و ان كانت قوله: للّه على ان امشى الى بيت اللّه او مثله فالمبدء حين الشروع في السّفر.
و اما ما في المتن من ان المبدء تابع للتعيين و لو انصرافا فهل المراد منه انه لا يمكن الخلو عن التعيين و لو انصرافا غاية الامر انه لا بد من ملاحظة المنصرف اليه و انه أيّ شيء و من أيّ مكان أو انه يمكن الخلو منهما و لكنه لم يقع التعرض لحكمه في المتن كما قد وقع التعرض له في عبارة السيّد و الوجه في الاوّل انه لا يتصور الابهام و الاجمال بالاضافة الى نفس الناذر مع ان حقيقة النذر عبارة عن التزامه، كما ان الوجه في الثانى امكان أن يكون الالتزام مقصورا على ما هو مفاد اللفظ و مدلول الصيغة من دون زيادة و نقصان.
و كيف كان فالظاهر ان المبدء ما ذكره في كشف اللثام من دون فرق بين العبارتين اللتين وقع التفصيل بينهما في العروة فانه لا فرق بنظر العرف بين أن يقول الناذر: للّه علىّ أن أزور مشهد الرّضا ـ عليه آلاف التحية و الثناء ـ ماشيا أو يقول: للّه على أن أمشى الى زيارته (عليه السلام) كذلك و المراد من كليهما هو محلّ الشروع لسفر الزيارة فهذا الوجه هو الظاهر.
و اما المنتهى فمع عدم التعيين فالمنسوب الى المشهور انه طواف النساء و اختار السيد في العروة انه رمى الجمار و قيل ـ من دون أن يعرف قائله: هى الافاضة

(الصفحة499)



من عرفات.
وجه الاول ان طواف النساء و ان كان خارجا من الحج و ليس من اجزائه الاّ انه بنظر العرف يكون معدودا من اجزائه و لا محالة يكون مشمولا للالتزام النذرى.
و وجه الثانى جملة من الروايات الصحيحة التى منها رواية اسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شىء.(1) و رواية جميل قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي.(2) و رواية علي بن أبي حمزة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئلته متى ينقطع مشى الماشى قال إذا رمى الجمرة العقبة و حلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا.(3) و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.
و اما القول بان المنتهى هي الافاضة من عرفات فمستنده هي رواية يونس بن يعقوب قال سئلت أبا عبد اللّه (عليه السلام) متى ينقطع مشى الماشى؟قال: إذا افضت من عرفات.(4) قال فى الوسائل بعد نقل الرواية: «أقول: ينبغى حمله على من أفاض و رمى لما مرّ و يمكن الحمل على التطوع بالمشى و عدم وجوبه بنذر و شبهه».
و على تقدير عدم صحة شىء من الحملين تكون الرواية معرضا عنها لما مرّ من انه لم يعرف القائل بمفادها، و اما الروايات المتقدمة فحيث انه لم يثبت اعراض المشهور عنها لعدم ثبوت الشهرة فاللازم الأخذ بمفادها و الفتوى على طبقها كما في المتن.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 3
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 4
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 6

(الصفحة500)

مسئلة 10 ـ لا يجوز لمن نذره ماشيا أو المشى في حجه أن يركب البحرو نحوه، و لو اضطر اليه لمانع في سائر الطرق سقط، و لو كان كذلك من الاول لم ينعقد، و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور الا بالمركب يجب أن يقوم فيه على الاقوى1.


و الاشكال في دلالتها بعدم التعرض فيها لجمرة العقبة عدا الرواية الاخيرة التى لا تكون معتبرة من حيث السند مدفوع بان التعرض في كثير منها لزيارة البيت راكبا قرينة على كون المراد هى تمامية أعمال منى بسبب رمى الجمار بحيث كان المراد العود الى مكة للطوافّ فلا مناقشة فيها من حيث الدلالة و كونها مخالفة للقاعدة المقتضية للعمل بالنذر ممنوع اوّلا لان المفروض عدم التعيين من ناحية الناذر بالاضافة الى المنتهى و ثانيا ان المخالفة للقاعدة لا تقدح في لزوم العمل بالرواية و الفتوى على طبقها كما لا يخفى.
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لأمرين:
الاوّل: انه لو نذر الحج ماشيا أو المشى في حجه كما انه لا يجوز له أن يركب السيّارة و الطيّارة و الخيل و البغال و الحمير و اشباهها كذلك لا يجوز أن يركب البحر و يسافر من طريقه لمنافاته للمشى الذي هو متعلق النذر أو قيده فان مثل السفينة و الركوب عليها يكون من أقسام الركوب المغاير للمشى و هذا ظاهر.
نعم لو اضطر الى طريق البحر لمانع في سائر الطرق سقط وجوب الوفاء بالنذر و ظاهر المتن و ان كان هو السقوط مطلقا الاّ ان اللازم تقييده بما إذا كان الحج واجبا فوريا في ذلك العام كما إذا نذر المشى في طريق حجة الاسلام التى تكون واجبة عليه أو نذر الحج ماشيا مقيدا بهذه السنة و امّا إذا كان المنذور هو الحج ماشيا من غير تقييد بهذه السنة ـ و قد عرفت ان الحكم فيه هو جواز التأخير الى الاطمينان بالموت أو الفوت فالظاهر ان وجود المانع في سائر الطرق في هذا العام لا يوجب سقوط وجوب المشى كما انه إذا نذر المشى فى حج التطوع أو

(الصفحة501)



فى حج واجب غير فورى لا يجوز السفر من طريق البحر و لو مع وجود المانع في سائر الطرق كذلك بل اللازم الانتظار و التأخير الى زمان رفع المانع و لعلّ التعبير بالاضطرار في المتن يستفاد منه ما ذكرنا من التقييد.
و لو كان المانع موجودا من الاوّل لم ينعقد النذر و ان كان الناذر جاهلا به لاعتبار التمكن من المتعلق في انعقاد النذر و صحته و يمكن القول بعدم الانعقاد في الفرض الاوّل ايضا لان القدرة المعتبرة انما هى القدرة حال الوفاء لا حال النذر و الالتزام و عروض المانع يكشف عن عدم التمكن كذلك فلا ينعقد من الاول.
الثانى في النذر المذكور لو كان في طريقه نهر او شط لا يمكن العبور الاّ بالمركب ففى المتن ـ تبعا للمشهور ـ وجوب القيام فيه و عدم جواز الجلوس و اختار السيد (قدس سره)فى العروة عدم الوجوب و مستند المشهور ما رواه السكونى عن جعفر عن ابيه عن آبائه (عليهم السلام)ان عليّا (عليه السلام) سئل عن رجل نذر أن يمشى الى البيت فعبر في المعبر، قال: فيلقم في المعبر قائما حتى يجوزه.(1) و المعبر ـ بكسر الميم ـ هى السفينة التى يركب عليها في البحر و نحوه.
و لكنه أورد عليه في العروة بضعف السند مع ان الظاهر اعتباره لوثاقة السكونى بالتوثيق الخاص و النوفلى الراوى عنه بالتوثيق العام و على تقدير الضعف فهو منجبر باستناد المشهور اليه و الفتوى على طبقه خصوصا مع كون الحكم فيه على خلاف القاعدة سواء كان مورد السؤال فيه هو نذر المشى في جميع الطريق حتى ما فيه من الشطوط و الانهار أو كان مورد السؤال هو نذر المشى في جميع أجزاء الطريق ما عدى الشطوط و الانهار.
اما على الفرض الاّول فالظاهر عدم انعقاد النذر مطلقا أو في خصوص ما ذكر من الشطوط و الانهار لفرض عدم التمكن من العبور عنها الاّ بالمعبر و المركب و لا

1 ـ ئل أبواب وجوب الحج الباب السابع و الثلاثون ح ـ 1

(الصفحة502)

مسئلة ـ 11 لو نذر الحج ماشيا فلا يكفى عنه الحج راكبا فمع كونه موسعا يأتى به، و مع كونه مضيقا تجب الكفارة لو خالف دون القضاء و لو نذر المشى في حج معين و اتى به راكبا صح و عليه الكفارة دون القضاء، و لو ركب بعضا دون بعض فبحكم ركوب الكل1.


يمكن ان يتحقق المشى بالاضافة اليهما و بعد عدم الانعقاد لا يبقى وجه لوجوب القيام عليه في المعبر.
و اما على الفرض الثانى فهما خارجان عن دائرة متعلق النذر فلا مجال ايضا لوجوب القيام فيه فالرواية على كلا التقديرين مخالفة للقاعدة لكن استناد المشهور اليها يوجب الفتوى على طبقها و الحكم بلزوم القيام.
ثم انه ذكر السيد (قدس سره) في العروة بعد الحكم بضعف الرواية ان التمسك بقاعدة «الميسور» لا وجه له و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.
و مراده ان «المشى» يشتمل على خصوصيات ثلاثة: كون الرجلين على الارض و القيام و التحرك فاذا صار الاوّل معسورا فالميسور و هو الامر ان الاخران لا يسقط بسقوطه فمراده من القيام المنفى هو القيام فقط لا القيام مطلقا.
لكن المهم في عدم جريان القاعدة المزبورة ـ على فرض تماميتها و سعة دائرة شمولها ـ ان القيام و لو كان مع التحرك لا يكون ميسورا للمشى أصلا فان القيام كذلك في السفينة مع كون التحرك الى المقصد و القرب اليه انما يتحقق بها و لا أثر للتحرك فيها قائما بوجه بالاضافة اليه فهو لا يكون ميسورا للمشى أصلا بنظر العرف و لكن بعد تمامية الاستدلال بالرواية لا حاجة الى القاعدة بوجه فالأقوى ما في المتن.
1 ـ الكلام في ركوب الكلّ في الفروض الثلاثة المذكورة في المتن يقع من جهتين: تارة من جهة القضاء و الكفارة و اخرى من جهة صحة الحج الذى أتى به راكبا و بطلانه.
اما الكلام من الجهة الاولى ففى الفرض الاوّل الذى يكون النذر موسعا

(الصفحة503)



غير مضيق لا يتحقق الوفاء بالنذر بالحجّ راكبا بل يجب عليه الاتيان به بعده من دون أن يتحقق بسببه موجب الكفارة او القضاء.
و في الفرض الثانى الذى يكون النذر مضيقا و مقيدا بالسنة التى أتى فيها بالحج راكبا لا اشكال في ثبوت الكفارة لتحقق المخالفة العمدية للنذر و ثبوت الحنث و اما القضاء فحكم بوجوبه السيد (قدس سره) في العروة و لكنه نفاه في المتن و في الحاشية عليها مع انه حكم بوجوب القضاء فيما لو نذر الحجّ مقيدا بسنة خاصة و لم يأت به فيها مع التمكن و القدرة و لم يعلم وجه الفرق بين المقامين فانه في كليهما تحققت المخالفة للنذر و لذا حكم بثبوت الكفارة و مع تحقق المخالفة يكون مقتضى الدليل ثبوت القضاء و دعوى ان الفرق هو عدم الاتيان بمتعلق النذر هناك اصلا لأن المفروض ترك الحج رأسا في الزمان الخاص الذى أراده و الاتيان بذات المقيد هنا و هو أصل الحج غاية الأمر عدم رعاية قيده و هو المشى و فى الحقيقة قد روعى هنا أمران: أصل العمل و الزمان الخاص الذى قيده به و ترك قيده الاخر و هو المشى مدفوعة بعدم اقتضاء ما ذكر لنفى وجوب القضاء بعد عدم تحقق متعلق النذر فتدبر.
و في الفرض الثالث الذى يكون متعلق النذر نفس المشى في حج معين كحجة الاسلام ـ مثلا ـ إذا أتى بالحج المزبور راكبا يتحقق مخالفة النذر عمدا و هى توجب الكفارة و اما القضاء فلا مجال لوجوبه لكون الحج خارجا عن دائرة المتعلق لأن المنذور مجرد المشى و المفروض تحقق الحج المعين فلا وجه لوجوب القضاء الاّ على تقدير كون الحكم الوضعى فيما أتى به هو البطلان و سيأتى البحث فيه انشاء تعالى اللّه.
و اما من الجهة الثانية فلم يقع التعرض لها في المتن الا في خصوص الفرض الاخير و حكم فيه بالصحة و الوجه فيه ان المشى الذى تعلق به النذر تارة يكون المراد به هو خصوص المشى في الطريق و قبل الميقات كما إذا نذر ان يمشى الى المدينة في طريق حجة الاسلام و اخرى يكون المراد به اعم منه و من المشى حال الاعمال

(الصفحة504)



و الاتيان بالمناسك.
ففى الصورة الاولى لا يكون اىّ ارتباط بين الركوب الذى تتحقق به مخالفة النذر و بين حجة الاسلام التى هى عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة التى شروعها في الفرض المذكور من مسجد الشجرة و لا مجال في هذه الصورة لتوهم البطلان في الحج لان العبادة لا دخل لها في مخالفة النذر بوجه و هذا من الوضوح بمكان و قد صرّحوا بان الركوب على الدابة الغصبية لا يضر بالحج اصلا.
و في الصورة الثانية ربما يتخيل البطلان نظرا الى ان الامر بالوفاء بالنذر يقتضى النهى عن ضده و هو يقتضى الفساد و لكن يدفعه ـ مضافا الى منع اقتضاء الامر بالشىء للنهى عن ضده ـ انه على تقدير الاقتضاء يكون المنهى عنه هو الركوب في حال الحج لا نفس الحج حتى يكون النهى متعلقا بالعبادة فتصير فاسدة و من الواضح ان الركوب امر و العبادة آمر اخر و لا تسرى الحرمة منه اليها فالحكم في هذه الصورة ايضا الصحة كما هو ظاهر.
و اما الفرضان الاولان فربما يتخيل البطلان فيهما نظرا الى ان المنوى هو الحج النذرى و هو لم يقع و غيره لم يقصد.
و اجاب عنه السيد (قدس سره) في العروة بان الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف الا ترى انه لو صام ايّاما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع لا يبطل الصيام في الايام السابقة اصلا و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قرائته و اذكاره التى اتى بها من حيث كونها قرآنا او ذكرا.
اقول اما الفرض الاول فان لم يكن من نيته الوفاء بالنذر بالحج الذى اتى به راكبا بل قصده الوفاء به في بعض السنين الاتية و المفروض كونه موسعا غير مضيق فلا يجرى فيه ما ذكر من ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد لانه ـ حينئذ ـ لم ينو الوفاء بالنذر به.و ان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا ـ و الظاهر انه المقصود من هذا الفرض لا الصورة الاولى و لاجله لا مجال للاشكال على السيد بان تنظير المقام

(الصفحة505)



بصوم الكفارة في غير محله لان المفروض انه لم يأت بالحج راكبا بداعى الوفاء بالنذر بخلاف الصوم ـ و كيف كان: فان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا يكون هنا عنوانان: احدهما عنوان الوفاء بالنذر الذى يكون متعلقا للوجوب و واجبا توصليا غاية الامر كونه من العناوين القصدية كما مرّ سابقا و ثانيهما عنوان الحج الذى يكون متعلقا للامر الاستحبابى العبادى و لا يسرى حكم احد العنوانين الى الاخر اصلا و مجرد قصد تحقق عنوان الوفاء بالحج مع كون الحج مقصودا بعنوانه و مأتيا به اتيان عبادة مستحبة لا يوجب ان يكون المقصود غير واقع و الواقع غير مقصود نعم ما هو غير الواقع عبارة عن الوفاء بالنذر الذى قد قصده لانه لا ينطبق على المأتى به و اما الحج المقصود بعنوانه و مأتيا به بعنوان انه عبادة مستحبة فلا وجه لعدم وقوعه بعد عدم خلل فيه اصلا فلا وجه للحكم بالبطلان فيه.
و اما الفرض الثانى الذى يكون النذر مقيدا بسنة خاصة فالحكم بصحة الحج راكبا فيها و عدمها يبتنى على ما مر في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق المتعرضة لحكم من اتى بالحج تطوعا او نيابة عن الغير ـ تبرعا او اجارة ـ مع استقرار الحج عليه و علمه بالاستقرار و بحكمه مع التمكن من الحج فان قلنا في تلك المسئلة بالصحة ـ كما اخترناها و اخترنا صحة الاستيجار عليه ـ فاللازم الحكم بالصحة في المقام لعدم الفرق بين المسئلتين من هذه الجهة، و ان قلنا فيها بالبطلان ـ كما نفى البعد عنه سيدنا الاستاذ الماتن ـ قدس سره الشريف و اختار ايضا بطلان الاجارة ـ فاللازم الحكم بالبطلان في المقام ايضا إذا كان البطلان هناك مستندا الى اقتضاء القاعدة له و اما إذا كان مستندا الى خصوص بعض ما في الحجّ كالرواية الواردة هناك ـ بناء على دلالتها على البطلان ـ فلا يستلزم ذلك الحكم بالبطلان هنا، و ظاهر المتن هنا الصحة باعتبار نفى وجوب القضاء فانه لو كان الحج راكبا باطلا لكان اللازم وجوب القضاء كما لا يخفى.
بقى الكلام في اصل المسئلة فيما وقع التعرض له في الذيل و هو ما لو ركب

(الصفحة506)



بعضا دون بعض و الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في ترتب حكم ركوب الكل عليه من جهة لزوم القضاء و الكفارة في مورد ثبوتهما انما الاشكال و الخلاف في كيفية القضاء و انه هل اللازم فيه المشى في جميع اجزاء الطريق كما في ركوب الكل او يكفى المشى فى موضع الركوب فقط كما عن الشيخ و جماعة من الاصحاب، و المحكى عن العلامة فى «المختلف» الاستدلال له بان الواجب عليه قطع المسافة ماشيا و قد حصل بالتلفيق فيخرج عن العهدة ثم اجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق.
و الظاهر هو القول الاول لان المنذور بحسب نظر الناذر و ما هو المتفاهم عند العرف قطعها كذلك في عام واحد.
ثم انه ورد في مشى بعض الطريق رواية معتبرة لا بد من ملاحظتها و هى رواية ابراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه السلام) قال سئله عباد بن عبد اللّه البصرى عن رجل جعل للّه عليه نذرا على نفسه المشى الى بيت اللّه الحرام فمشى نصف الطريق او اقل او اكثر فقال: ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به.(1) و السؤال في نفسه مجمل محتمل لان يكون المراد منه هو مشى المقدار المذكور ـ نصفا او اقل او اكثر ـ مع الركوب في الباقى و لان يكون المراد منه هو الموت بعد المشى بالمقدار المذكور و لا ترجيح لاحد الاحتمالين على الآخر.
و لكن ظاهر الجواب بلحاظ كون الافعال الواقعة فيه بصورة المبنى للمفعول ظاهرا و هو لا ينطبق الا على موت الناذر و بلحاظ كون ظاهره لزوم التصدق بجميع ما ينفق من ذلك الموضع الذى انقطع منه المشى ـ اعم مما ينفق في بقية الطريق و ما ينفق في الاعمال و المناسك ـ و هو لا يلائم الا مع الموت يقتضى كون المراد من السؤال هو الاحتمال الثانى و مرجعه الى بدلية التصدق عن الحج و يؤيده بعض الروايات المتقدمة المشتملة على لزوم صرف التركة التى اوصى بها للحج الذى

1 ـ ئل ابواب النذر الباب الواحد و العشرون ح ـ 2

(الصفحة507)

مسئلة ـ 12 لو عجز عن المشى بعد انعقاد نذره يجب عليه الحج راكبا مطلقا، سواء كان مقيدا بسنة ام لا، مع اليأس عن بعدها ام لا، نعم لا يترك الاحتياط بالاعادة في صورة الاطلاق مع عدم اليأس من المكنة، و كون العجز قبل الشروع في الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك، و الاحوط المشى بالمقدار الميسور بل لا يخلو عن قوة، و هل الموانع الاخر كالمرض او خوفه او عدو او نحو ذلك بحكم العجز اولا وجهان و لا يبعد التفصيل بين المرض و نحو العدو باختيار الاول في الاول و الثانى في الثانى1.


ظاهره حج التمتع مع عدم سعتها لها و كونها يسيرة في الصدقة مع عدم امكان حج الافراد بها في مقابل فتوى بعض فقهاء العامة القائل بلزوم التصدق بمجرد عدم السعة للحج الموصى به و عليه فالظاهر من الرواية غير ما هو محل البحث في المقام و هو ركوب بعض الطريق و مشى البعض الاخر.
و يؤيد كون المراد من السؤال هو الموت هو ان السائل سئل عن قضية واقعة في الخارج و لا مجال لحملها على كون الرجل الناذر قد مشى المقدار المذكور و انصرف عن البقية و عن فعل الحج رأسا كما انه لا مجال لحملها على تحقق الركوب منه في الباقى و تحقق اعمال الحج منه لانه لا يناسب لزوم صرف مقدار النفقة المصروفة خارجا في بقية الطريق و الاعمال في التصدق فينحصر ان يكون المراد هو الموت بعد تحقق المشى بالمقدار المذكور.
ثم انه على الاحتمال الاخر تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار لان مفادها معرض عنه عند الاصحاب فتخرج عن الحجية.
1 ـ فى اصل المسئلة و هو ما لو عجز عن المشى بعد انعقاد نذره اقوال خمسة ذكرها السيد (قدس سره) في العروة:
الاول وجوب الحج عليه راكبا مع سياق بدنة، نسب هذا القول الى الشيخ و جماعة، و عن الخلاف دعوى الاجماع عليه.
الثانى وجوبه كذلك بلا سياق.و هو المحكى عن المفيد و ابن الجنيد و ابن

(الصفحة508)



سعيد و الشيخ في نذر الخلاف، و في محكى كشف اللثام انه يحتمله كلام الشيخين و القاضى و نذر النهاية و المقنعة و المهذب.
الثالث سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة او كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك، و توقع المكنة مع الاطلاق و عدم اليأس، و قد حكى هذا القول عن الحلى و العلامة فى الارشاد و المحقق الثانى في حاشية الشرايع.
الرابع وجوب الركوب مع تعيين السنة او اليأس في صورة الاطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس، نسب الى العلامة في المختلف و حكى عن ظاهر المسالك و الروضة.
الخامس وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الاحرام، و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، و توقع المكنة مع الاطلاق و قد اختاره في المدارك.
و ذكر السيد بعد نقل الاقوال ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث و لكن مقتضى الجمع بين الروايات الواردة هو القول الثانى و هو الذى اختاره الماتن (قدس سره)و عليه فاللازم البحث من جهتين:
الاولى فيما تقتضيه القاعدة و في هذه الجهة ان كان النظر مقصورا على مسئلة النذر و شروط انعقاده و صحته فالحق ما افاده السيد (قدس سره) من ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث لكن مع تبديل كلمة «السقوط» في الفرضين الاولين بعدم الانعقاد و الكشف عنه لان ما هو المعتبر في صحة النذر و انعقاده هى القدرة الواقعية على الاتيان بالمتعلق و الوفاء بالنذر في ظرف العمل و الوفاء فمع تحقق القدرة بهذه الكيفية ينعقد النذر و يصح و لو كان عاجزا حال الصيغة و الالتزام و مع عدم تحققها كذلك لا يكاد ينعقد و لو كان قادرا حال النذر كما ان المعتبر هى القدرة الواقعية و العلم بها حال النذر لا دخل له في الانعقاد كما ان الجهل بها لا يقدح فيه بعد انكشاف الخلاف و ظهور تحقق القدرة.
و على ما ذكرنا فمقتضى القاعدة في صورة العجز عن المشى الكشف عن البطلان

(الصفحة509)



و عدم الانعقاد فيما إذا كان مقيدا بسنة معينة او كان مطلقا مع اليأس عن التمكن لا السقوط بعد الانعقاد هذا لو قصرنا النظر على مسئلة النذر فقط و كان المراد بالعجز ما ينافى القدرة العقلية المعتبرة في النذر لا ما يعم التعب و الحرج غير المنافى معها و الاّ فلا يكون مقتضى القاعدة البطلان بالاضافة الى جميع الموارد و اما مع ملاحظة الخصوصية الموجودة في الحج و هى لزوم الاتمام بعد الشروع الثابت بقوله تعالى: «و اتموا الحج و العمرة للّه» و بالاجماع عليه و لاجله يصير الحج التطوعى لازما بمجرد الشروع فاللازم ان يقال بانه إذا كان العجز عن المشى بعد الدخول في الاحرام فاللازم ـ بمقتضى وجوب الاتمام ـ الحج راكبا و بهذه الملاحظة يصير مقتضى القاعدة هو القول الخامس مع تصحيحه بتبديل كلمة «السقوط» كما ذكرنا.
الثانية فيما تقتضيه الروايات الواردة في المقام و هى على ثلاث طوائف:
الاولى ما تدل على وجوب الحج راكبا بضميمة سياق بدنة كصحيحة ذريح المحاربى قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام)عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه قال: فليركب و ليسق الهدى.(1) بناء على عموم الحلف للنذر او ظهور اشتراكهما في مثل هذه الاحكام.
و صحيحة الحلبى قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه و عجز عن المشى قال فليركب و ليسق بدنة فان ذلك يجزى عنه إذا عرف اللّه منه الجهد.(2) و التعليل يدل على ان العجز عن المشى لا يكشف عن عدم انعقاد النذر من رأس و لا يوجب عروض البطلان له بسبب العجز بل هو باق على صحته غاية الامر ان العجز يوجب الانتقال الى الحج راكبا مع تحقق الجهد منه بحسب الواقع و يلزم سوق بدنة ايضا و عليه فالحج راكبا يقع وفاء للنذر و موافقة لوجوبه في صورة العجز عن المشى و عليه فلا مجال لاحتمال كون مفاد الرواية بطلان النذر المستلزم لعدم وجوب

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 2
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 3

(الصفحة510)



الوفاء به و كون وجوب الحج راكبا امرا تعبديا غير مرتبط بالنذر اصلا لان التعبير بالاجزاء لا يلائم هذا الاحتمال بوجه الثانية ما تدل على وجوب الحج راكبا من دون تعرض لوجوب سوق بدنة مثل صحيحة رفاعة بن موسى قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه قال: فليمش، قلت فانه تعب قال فاذا تعب ركب.(1) و ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن محمد بن مسلم عن احدهما (عليها السلام) قال: سئلته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّه فلم يستطع، قال: يحج راكبا.(2) فان السكوت في مقام البيان ظاهر في عدم وجوب سياق الهدى كما لا يخفى
الثالثة ما تدل على وجوب الحج راكبا و استحباب الذبح و هى ما رواه البزنطى عن عنبسة بن مصعب قال: قلت له ـ يعنى لابى عبد اللّه (عليه السلام) اشتكى ابن لى فجعلت للّه علىّ ان هو برىء ان اخرج الى مكة ماشيا، و خرجت امشى حتى انتهيت الى العقبة فلم استطع ان اخطو فيه فركبت تلك الليلة حتى إذا اصبحت مشيت حتى بلغت فهل علىّ شىء؟قال: فقال لى: اذبح فهو احب الى قال: قلت له: اى شىء هو الىّ لازم ام ليس لى بلازم؟قال: من جعل للّه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شىء عليه و كان اللّه اعذر لعبده.(3) و ظهور الرواية في الاستحباب خصوصا بملاحظة ذيلها لا يكاد يخفى.كما ان الظاهر اعتبارها من حيث السند و ان عنبسة موثق اما بالتوثيق الخاص كما يظهر من صاحب الجواهر او بالتوثيق العام لاجل وقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات فلا مجال للمناقشة فيه كما عن المدارك و ان كانت عبارتها ايضا لا تدل على عدم الوثاقة.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 9
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 6

(الصفحة511)



و عليه فهذه الرواية قرينة على حمل الامر بسياق بدنة في الطائفة الاولى على الاستحباب و عدم كون المراد ما هو ظاهره من الوجوب، و مع قطع النظر عن هذه الرواية لا مجال للحمل المذكور بمجرد السكوت في مقام البيان في الطائفة الثانية ـ كما استند اليه ايضا السيد في العروة ـ و ذلك لان السكوت في مقام البيان و ان كان في نفسه حجة و معتبرا الا انه لا ينهض لان يصير قرينة على التصرف في الظهور اللفظى و حمله على غير ما هو ظاهر فيه و لذا اعترض عليه اكثر الشراح و عليه فيتعين القول الثانى من الاقوال الخمسة الذى اختاره الماتن (قدس سره).
ثم ان الطائفتين الاولتين و ان كان بينهما اختلاف في انفسهما الاّ انهما مشتركتان فيما عرفت من عدم كون عروض العجز موجبا لانحلال النذر او الكشف عن عدم الانعقاد كما عرفت من استفادة ذلك من التعليل الواقع في بعضها و عليه فهما متحدتان في ثبوت الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للكشف او الانحلال ـ على الاقل ـ و ان النذر بقوته باق غاية الامر ان العجز يوجب التبدل الى الركوب و عليه فاللازم بملاحظة لزوم الاقتصار فى الحكم المخالف للقاعدة على مقدار دلالة الدليل النظر في الروايات المذكورة من جهة المورد ضيقا او سعة فنقول: هنا صور اربعة:
احديها ما هو القدر المتيقن من مورد الروايات و تشمله قطعا و هو ما إذا طرء العجز فى الاثناء بعد الشروع في الوفاء بالنذر و طىّ جزء من الطريق او الاعمال ماشيا و مقتضى الاطلاق في هذه الصورة عدم الفرق بين ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة او مطلقا غير مقيد بها كما ان مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين صورة اليأس من المكنة بعده و صورة عدم اليأس منها و كذلك لا فرق في هذه الصورة بين ما إذا كان قبل الدخول في الاحرام و ما إذا كان بعده لانه على كلا الفرضين يأتى بالحج راكبا فلا ينافى آية الاتمام التى عرفتها.
ثانيتها ما هو المتيقن في جانب النفى و لا تشمله الروايات قطعا و هو ما إذا

(الصفحة512)



كان عالما حين النذر بعدم التمكن من الوفاء و عدم القدرة على المشى و لو في جزء من الطريق و كان بحسب الواقع ايضا كذلك فانه لا مجال في هذه الصورة لتوهم شمول الروايات لها و الحكم فيها بوجوب الحج راكبا و انه يجزى عما هو المنذور و لازمه صحة النذر و لزوم الوفاء به كذلك.
ثالثتها ما تكون مشمولة للروايات بمقتضى الاطلاق الواقع في بعضها و هو ما إذا كان حال النذر و الالتزام معتقدا بالتمكن من المشى و القدرة على المنذور و لكن قبل الشروع انكشف له عدم القدرة رأسا فان مقتضى اطلاق الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة الشمول لها فان قوله: رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه و عجز عن المشى شامل باطلاقه لها و لا يختص بما إذا كان العجز طارئا بعد الشروع.
رابعتها ما تكون مشكوكة من جهة الشمول و عدمه و هى الصورة التى نهى في المتن عن ترك الاحتياط فيها بالاعادة ـ اى بصورة المشى ـ و هى ما كانت مشتملة على الخصوصيات الاربعة: كون النذر مطلقا غير مقيد و لم يكن مأيوسا من المكنة في الآتية، و كون العجز قبل الشروع في الذهاب، و حصول المكنة واقعا بعدا فانه يمكن فيها دعوى انصراف الروايات عنها كما قد ادعى، و قد علل السيد (قدس سره) لزوم الاحتياط بالاعادة في هذه الصورة باحتمال الانصراف و الظاهر ان مراد المتن و العروة لزوم الجمع بين الحج راكبا و الاعادة ماشيا خصوصا مع ملاحظة التعليل المزبور مع ان دعوى دلالة الروايات على لزوم الشروع في الحج راكبا مع ظهور العجز قبل الشروع و كون النذر مطلقا في غاية البعد حتى فيما إذا كان مأيوسا من المكنة بعدا فضلا عن صورة عدم اليأس كما لا يخفى.
بقى الكلام في اصل المسئلة في امور:
الاول انه مع القدرة على المشى في بعض الطريق او بعض الاعمال هل يجب عليه رعاية النذر بالاضافة الى المقدار الميسور او ينتقل في الجميع الى الحج راكبا

(الصفحة513)



مقتضى الاحتياط اللزومى هو الاول بل قال في المتن: «انه لا يخلو عن قوة» و هو الظاهر، و لا حاجة في الاستدلال له بقاعدة «الميسور» بل يدل عليه بعض الروايات المتقدمة مثل صحيحة رفاعة التى وقع فيها السؤال عن رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه و مقتضى الجواب لزوم المشى ما لم يقع في تعب و ان الانتقال الى الركوب انما هو بعد التعب و عليه فتدل على لزوم رعاية المشى بالمقدار الميسور و هذا من دون فرق بين ان يكون العجز في الابتداء او في الوسط او في الآخر و كذا بين ان يكون منشأ العجز اختلاف الطريق من جهة السهل و الجبل او يكون منشأه عدم القدرة له و يؤيد ما ذكرنا رواية عنبسة المتقدمة الواردة في طى ما عدى العقبة الواقعة في وسط الطريق ماشيا فتدبر
الثانى ان المراد من العجز المأخوذ في موضوع الحكم في الروايات و ان كان هو العجز العرفى لا العجز العقلى في مقابل القدرة العقلية المعتبرة في متعلق النذر و انعقاده و ذلك لان المرجع في العناوين المأخوذة في الموضوعات في الكتاب و السنة هو العرف الاّ انه مع ذلك لا يختص الحكم به بل يشمل التعب و المشقة ايضا و ذلك لانه و ان وقع التعبير بالعجز في كثير من الروايات المتقدمة الاّ انه علق الانتقال الى الركوب في صحيحة رفاعة على مجرد التعب فالمراد من العجز اعم منه هذا بالنظر الى الروايات.
و اما بالنظر الى القاعدة التى مرّ البحث عن مقتضاها فلا اشكال في ان اقتضائها للبطلان و الكشف عنه انما هو في خصوص فقدان شرطه و هى القدرة العقلية لان القدرة المعتبرة انما هى هذه القدرة و اما العجز العرفى ـ فضلا عن التعب و المشقة و الحرج ـ فلا يكشف عن البطلان باعتبار فقدان الشرط و ـ ح ـ يشكل الامر بناء على حكومة قاعدة نفى الحرج على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر من الاحكام التى يكون لالتزام المكلف و الجعل على نفسه مدخلية في ثبوتها كحكومتها على ادلة الاحكام التى ليست كذلك كاكثر الاحكام مثل وجوب الوضوء و الغسل و نحوهما.

(الصفحة514)



وجه الاشكال ان عروض التعب لا يكشف عن كون النذر فاقدا للشرط المعتبر فيها فاللازم الالتزام بانعقاد النذر و صحته و الحكم بعدم وجوب الوفاء بالنذر لاجل حكومة دليل نفى الحرج مع انه لا يكاد يتحقق الجمع بين الصحة و الانعقاد و بين عدم وجوب الوفاء بالنذر كما هو ظاهر نعم لو منعنا الحكومة بالاضافة الى هذه الادلة لا يتحقق اشكال.
الثالث انه هل يلحق بالعجز عن المشى و التعب المرض او خوفه او العدوّ او نحوها ام لا؟نفى في المتن ـ تبعا للسيد (قدس سره) في العروة البعد عن التفصيل بين المرض و نحوه و بين العدو و نحوه باختيار الاول في الاول و الثانى في الثانى و اضاف السيد قوله: «و ان كان الاحوط الالحاق مطلقا».
اما وجه التفصيل فهو ان الموانع الراجعة الى الناذر سواء كانت راجعة الى الضعف في البدن او الكسر او الجرح او الوجع او المرض و حتى خوفه مما يشملها التعبير بالعجز الواقع في كثير من الروايات لانه لا فرق في تحققه بين الاسباب المذكورة و مثلها و اما الموانع الخارجية مثل العدوّ و الثلج الموجود في الطريق فالتعبير بالعجز لا يشمله و لكن ربما يقال بشمول رواية عنبسة المتقدمة له ايضا بالنظر الى قوله (عليه السلام) فيها: «فبلغ فيه مجهوده» نظرا الى ان مفاده ان الملاك بلوغ هذا المقدار من الجهد فيشمل جميع الموانع.
و لكن الظاهر انه ليس بظاهر في الشمول خصوصا مع ملاحظة مورد الرواية فالحق ـ حينئذ ـ ما في المتن من التفصيل.
و اما ما جعله السيد مقتضى الاحتياط من الالحاق مطلقا فقد اورد عليه الماتن (قدس سره) في التعليقة على العروة بعدم كون الالحاق مقتضى الاحتياط الا في بعض الصور و مراده ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة و اما في صورة الاطلاق فمقتضى الاحتياط توقع المكنة فيما بعد كما لا يخفى.

(الصفحة515)



هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث الحج بالنذر او العهد او اليمين و به يتم الجزء الاول من مباحث الحج من هذا الكتاب الذى هو شرح تحرير الوسيلة للامام الخمينى (قدس سره) و قد وقع الفراغ من تحريره بيد العبد المفتاق محمد الموحدى المعروف بالفاضل اللنكرانى ابن العلامة الفقيه آية اللّه المرحوم الفاضل اللنكرانى حشره اللّه مع من يحبه و يتولاه من النبى و الائمة المعصومين ـ صلوات اللّه عليه و عليهم اجمعين ـ و اسئل اللّه الكريم ان يجعله خالصا لوجهه و ان ينفعنى به يوم لا ينفع مال و لا بنون و المرجو من الفضلاء و المشتغلين الاغماض عما يجدونه فيه من النقص و الاشتباه كما ان المرجو من جميع المراجعين طلب المغفرة و الرضوان للوالد الفقيد و للوالدة العلوية التى لم يمض من ارتحالها الاّ ما يقرب من خمسة عشر شهرا فانّ لهما علىّ حقا عظيما لا اقدر على ادائه و كان ذلك ليلة الاثنين ثالث عشر من شهر جمادى الاخرة من شهور سنة ـ 1411 من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء و التحية و السلام على من اتبع الهدى.

(و الحمد للّه اولا و اخرا)