في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة461)



و اورد على هذا التقريب بعض الاعلام بمنع الاولوية نظرا الى ان الحج المنذور النفسى يمتاز عن سائر الواجبات لكونه واجبا ماليا و حاله حال الدين في الخروج من الاصل و اما نذر الاحجاج فهو مجرد تسبيب الى العمل و الى اتيان افعال الحج و لا يصح اطلاق الدين عليه في نفسه و دعوى ان الاحجاج واجب مالى محض واضحة المنع لامكان احجاج الغير بدون بذل المال له اصلا كما إذا التمس من احد ان يحج او يلتمس من شخص آخر ان يحج الغير و نحو ذلك من التسبيبات الى حج الغير من دون بذل المال.
و الجواب عن هذا الايراد ـ مضافا الى انه لو لم يكن الاحجاج واجبا ماليا كيف حكم فى الروايتين بانه يخرج من ثلث المال بنحو الاطلاق فانه مع امكان اداء الواجب من غير التركة لا مجال لاخراجه منها و لو من الثلث كما لا يخفى ـ وضوح ان المقصود عند العرف من مثل نذر الاحجاج هو بذل المال للغير لان يحج لا تحقق الحج منه بتسبيبه و لو من غير طريق بذل المال فاذا نذر ان يرسل رجلا الى زيارة مشهد الرضا ـ (عليه السلام) ـ فهل يكون المقصود منه غير بذل المال اياه لان يسافر اليه للزيارة و هل يتحقق الوفاء بالنذر بما إذا التمس من الغيران يبذل مالا له لذلك و بالجملة لا ينبغى الاشكال في كون الاحجاج امرا ماليا محضا فاذا كان نذره مع كونه كذلك لا يوجب الخروج من الاصل ففى نذر الحج لنفسه مع عدم كونه ماليا كذلك للزوم الاتيان بالاعمال و المناسك على الناذر يكون ذلك بطريق اولى.
و لكن الايراد على الروايتين انهما معرض عنهما في موردهما عند المشهور فان قلنا بان اعراض المشهور عن الرواية يوجب سقوطها عن الاعتبار و الحجية و لو بلغ في الصحة المرتبة العليا فلا مجال ـ ح ـ للاستدلال بهما اصلا و ان لم نقل بذلك ـ على خلاف ما هو التحقيق عندنا ـ لا مانع من التمسك بهما للمقام لتمامية الاولوية بعد اعتبارهما و حجيتهما.

(الصفحة462)



و على التقدير الاول ذكر للروايتين محامل متعددة:
1 ـ ما حكاه في كشف اللثام عن العلامة في المختلف من حملهما على صورة كون النذر في حال المرض بضميمة كون المنجزات الصادرة من المريض في مرض الموت من الثلث كغيرها مثل الوصية.
و يرد عليه ـ مضافا الى الاختلاف في منجزات المريض ـ انه لا اشعار في الروايتين بوقوع النذر في حال مرض الموت كما لا يخفى.
2 ـ حملهما على صورة عدم الاتيان بصيغة النذر حتى يجب عليه الوفاء به.
و يرد عليه انه مع عدم اللزوم بسبب عدم اجراء الصيغة لا مجال للاخراج من الثلث ايضا مضافا الى ظهورهما في تحقق النذر و لزوم الوفاء به.
3 ـ حملهما على صورة عدم التمكن من الوفاء بالنذر حتى مات.
و يرد عليه ـ مضافا الى انه لا اشعار فيهما بهذه الصورة و انه لم يتمكن ـ انّه لا مجال للاخراج من الثلث بعد عدم اشتغال ذمة الناذر لاجل عدم التمكن.
4 ـ ما ذكره صاحب المعالم في كتابه «منتقى الجمان» من الحمل على صورة عدم التمكن من الوفاء و كون الحكم ندبيا.
و يرد عليه ـ مضافا الى ما مر ـ ان التفكيك بين الاحجاج و بين حجة الاسلام في الرواية الاولى من جهة الايجاب و الاستحباب لا مجال له اصلا، و يبعد الروايتين من جهة الدلالة على الثلث رواية مسمع بن عبد الملك قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) كانت لى جارية حبلى فنذرت للّه تعالى ان هى ولدت غلاما ان احجه او احج عنه فقال: ان رجلا نذر للّه فى ابن له ان هو ادرك ان يحجه او يحج عنه فمات الاب و ادرك الغلام بعده فاتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فسئله عن ذلك فامر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ان يحج عنه مما ترك ابوه.(1)نظرا الى ظهورها في كون الاخراج من جميع التركة

1 ـ ئل ابواب النذر الباب السادس عشر ح ـ 1

(الصفحة463)



و إذا كان النذر في مورد الرواية مع عدم كون المعلق عليه حاصلا في زمان حيوة الناذر بل متحققا بعدها خارجا من اصل التركة ففى مورد الروايتين الذى يكون المعلق عليه حاصلا في حال الحيوة يكون بطريق اولى و لكن الاشكال في ان هذه الرواية ايضا يكون معرضا عنها ام لا و سيأتى البحث فيها انشاء اللّه تعالى و دعوى ان النسبة بينها و بينهما هى الاطلاق و التقييد بمعنى ان هذه الرواية مطلقة و هما تدلان على الاخراج من خصوص الثلث مدفوعة بظهورها في الاخراج من الجميع لا في مطلق الاخراج كما لا يخفى و يأتى هذه الجهة ايضا انشاء اللّه تعالى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المجال انه لم ينهض شىء من الادلة المتقدمة لاثبات الاخراج من اصل التركة و لا لاثبات الاخراج من الثلث لما مرّ من الايراد على ادلة الطرفين.
هذا و لكن الظاهر ان الاخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص لعدم خصوصية له بعد كون الاشتغال ثابتا في حال الحيوة و قام الدليل على لزوم الافراغ بعد الموت على الوارث لا من ماله الشخصى بل مما تركه الميت فان مقتضى الامرين لزوم الافراغ من جميع اجزاء التركة لاشتراكه في الاضافة الى الميت و الارتباط به و لزوم الافراغ مما يتعلق به و الاخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص و مؤنة زائدة كما قام في الوصية و في منجزات المريض بناء على خروجه من الثلث و اما مع عدم قيام الدليل على الاخراج من الثلث فالاخراج من الاصل لا يحتاج الى قيام الدليل على خصوصه بل يكفى في ذلك ما عرفت من مجرد لزوم الاخراج من التركة فالحق في المقام ما قواه في المتن للوجه الذى ذكرنا لا لكون الحج المنذور واجبا ماليا حتى يناقش في صغراه بناء على ثبوت الاجماع على الكبرى و عدم المناقشة فيها او كونه مشتملا على جهة الدينية كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره).
الفرع السادس: ما لو نذر الحج و لم يتمكن من ادائه حتى مات و الظاهر

(الصفحة464)



ـ كما في المتن ـ عدم وجوب القضاء عنه و الوجه فيه ـ مضافا الى محدودية الالتزام الذى تتضمنه صيغة النذر بصورة التمكن من الاداء و الوفاء فان قوله: للّه علىّ ان احج لا يكون مفاده الالتزام بالحج و لو مع عدم التمكن منه الى آخر العمر بل المغروس في ذهن الناذر و المتفاهم عند العرف هو الالتزام المقيد بالقدرة ـ ان وجوب الوفاء بالنذر الذى يترتب على النذر مشروط بالقدرة كما في سائر التكاليف الالهية من دون فرق بين التعبدية و التوصلية فمع عدم التمكن لم تشتغل ذمته بالوفاء حتى يجب القضاء عنه بعد الموت بعد كون وجوب القضاء متفرعا على وجوب الاداء كما لا يخفى.
الفرع السابع: ما لو نذر الحج معلقا على امر و لم يتحقق المعلق عليه حتى مات كما لو نذر الحج معلقا على شفاء مريضه او فكاك اسيره و مثلهما و لم يتحقق المعلق عليه ما دامت حياته بل مات ثم تحقق المعلق عليه فهل يجب على الوارث القضاء عنه ام لا؟قال السيد (قدس سره) في العروة: «المسئلة مبنية على ان التعليق من باب الشرط او من قبيل الوجوب المعلق فعلى الاول لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط و ان كان متمكنا من حيث المال و سائر الشرائط، و على الثانى يمكن ان يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجبا عليه من الاول الا ان يكون نذره منصرفا الى بقاء حياته حين حصول الشرط» و مرجع الاول الى التعليق في اصل الالتزام النذرى كالوجوب في الواجب المشروط و الثانى الى التقييد في الملتزم به الذى هو الحج المنذور كما في الواجب المعلق و مثال كلا الامرين الحج فان وجوبه مشروط بالاستطاعة و الواجب مقيد بالموسم و زمان خاص و عليه فلازم الامر الاول عدم تحقق الالتزام قبل المعلق عليه و لازم الامر الثانى تحقق الالتزام قبله غاية الامر لزوم كون الحج بعد تحقق المعلق عليه فيجب القضاء عنه في الثانى بعد تحققه و لا يجب في الاول.
هذا و لكنه اورد عليه بوجهين:

(الصفحة465)




احدهما انه يمكن ان يقال بوجوب القضاء بناء على كونه من قبيل الاول و هو تعليق اصل الالتزام ايضا بناء على كون المعلق عليه مأخوذا بنحو الشرط المتأخر لا المقارن و عليه فوجوده بعد الموت يكشف عن تحقق المشروط في حال الالتزام ايضا
ثانيهما انه لا يجب القضاء عنه و لو كان من قبيل الثانى اى كون الملتزم به معلقا لا اصل الالتزام و ذلك لانه يعتبر في كلا الوجوبين ـ المشروط و المعلق ـ ثبوت القدرة على الواجب و من المعلوم ان الناذر لا يقدر على الحج بعد تحقق المعلق عليه لفرض الموت و الميت لا يقدر على اىّ عمل و يصير هذا كالحج بعد الاستطاعة و عروض الموت قبل تحقق الموسم في العام الاول من الاستطاعة فان وجوب الحج و ان كان بالاضافة الى الموسم بنحو الوجوب المعلق الا انه حيث لا يقدر عليه في الموسم لفرض الموت قبله فلا مجال لدعوى ثبوت الاشتغال و لزوم القضاء عنه كما هو ظاهر
الفرع الثامن نذر الاحجاج و تعرض في المتن لاربع صور فيه و اشار ـ بسبب اضافة بعض القيود ـ الى صورة خامسة تعرض لها السيد (قدس سره)في العروة صريحا اما الصورة الاولى فهى ما إذا نذر الاحجاج معلقا على شرط فمات قبل حصوله و حصل بعد موته مع تمكنه قبله و استظهر فى المتن وجوب القضاء عنه و الظاهر ان مستند الوجوب ليس هى القاعدة لاقتضائها عدم الوجوب لما عرفت من ان التعليق سواء كان راجعا الى اصل الالتزام بنحو الواجب المشروط او الى الملتزم به بنحو الواجب المعلق يستلزم عدم اشتغال ذمة الناذر بوجه لعدم القدرة بعد الموت على اتيان المنذور لفرض الموت كما مرّ.
بل المستند هى صحيحة مسمع بن عبد الملك المتقدمة في الفرع الخامس بلحاظ اشتمالها على نقل ما وقع في زمن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) و حكمه بلزوم القضاء مما ترك الميت فى هذه الصورة و قد عمل بها جماعة ـ كما في العروة ـ او المشهور ـ كما في بعض شروحها ـ و على اىّ تقدير لم يتحقق اعراض المشهور عنها القادح في حجيتها

(الصفحة466)



فاللازم الالتزام بمفادها.
نعم ربما يقع الكلام في الصحيحة في اختصاصها من حيث الدلالة بهذه الصورة نظرا الى اختصاص ما نقله الامام (عليه السلام) بها او عدم الاختصاص نظرا الى ان السؤال فيها عن نذر الاحجاج المعلق على ان تضع الجارية غلاما ذكرا من دون اشارة الى وقوع المعلق عليه و عدمه و على التقدير الاول هل المراد هو الوقوع في زمان حيوة الناذر او الوقوع بعد موته ففى الفرض الاول لا بد و ان يكون محط النظر هو السؤال عن وجوب الوفاء بالنذر بعد تحقق المعلق عليه و يكون انطباق الجواب عليه انما هو بلحاظ الاولوية نظرا الى انه إذا كان حصول المعلق عليه بعد الموت موجبا للقضاء عن الميت مما تركه فحصوله في زمان الحيوة اولى بتحقق الوجوب و لزوم الوفاء بالنذر.
و في الفرض الثانى ينطبق الجواب على مورد السؤال لانه ـ ح ـ لا بد و ان يكون محط نظر السائل لزوم القضاء عنه بعد الموت إذا تحقق المعلق عليه بعده.
كما انه على التقدير الثانى الذى مرجعه الى عدم تحقق المعلق عليه بوجه لا بد و ان يكون محط النظر هو السؤال عن وجوب الوفاء بعد عدم تحقق المعلق عليه اصلا و عليه لا ينطبق الجواب على السؤال اصلا.
و ربما يقال بان المستفاد من الخبر صدرا و ذيلا و من تطبيق الامام (عليه السلام) ما نقله عن النبى صلّى اللّه عليه و اله على ما سئله السائل ان نذر الاحجاج مما يجب قضائه بعد الموت سواء كان مطلقا او معلقا و سواء مما تمكن منه ام لا.
و لكن الانصاف ان استفادة الضابطة الكلية بالنحو المذكور من الصحيحة مشكلة جدا فانه و ان كان السؤال في نفسه مجملا و لم يقع استفصال في الجواب بل اقتصر على نقل ما قاله الرسول صلّى اللّه عليه و اله في مورد خاص الا ان تعميم حكم النبى صلّى اللّه عليه و اله بوجوب القضاء لمثل صورة عدم التمكن مما لا سبيل اليه فضلا عما إذا احتمل الشمول

(الصفحة467)



لصورة عدم تحقق المعلق عليه مع عدم اشعار في السؤال بوقوعه كما لا يخفى.
و كيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على وجوب القضاء في هذه الصورة و ظاهرها القضاء من اصل التركة كما عرفت.
و الصورة الثانية ما لو نذر احجاج شخص في سنة معينة فخالف مع تمكنه ففى المتن: «وجب عليه القضاء و الكفارة و ان مات قبل اتيانهما يقضيان من اصل التركة» و الوجه فيه ما مرّ في نذر حج نفسه في سنة معينة غاية الامر عدم التعرض هناك لوجوب القضاء و الكفارة على الوارث مع الترك في حال الحياة.
و الصورة الثالثة ما لو نذر احجاج شخص مطلقا و الحكم فيه ايضا ما مر في نذر الحج كذلك من دون فرق الا في انه ربما يقال ـ كما يأتى ـ بان الحج المنذور يمكن الاشكال في ماليته نظرا الى ان الحج لا يكون الا عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة و المال له دخل في مقدماته لا في حقيقته و ماهيته و اما الاحجاج الذى مرجعه الى بذل المال للغير لان يحج لنفسه فلا يكون الا امرا ماليا لا مجال للمناقشة في ماليته و سيأتى البحث في هذه الجهة.
الصورة الرابعة ما لو نذر الاحجاج معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات و الحكم فيه وجوب القضاء و الكفارة من اصل التركة كما في مثله من نذر الحج المعلق على شرط كذلك و لا فرق بين المعلق مع حصول المعلق عليه و بين المطلق غير المعلق من رأس.
الصورة الخامسة التى اشير اليها بالتقييد بالتمكن في جميع الصور الاربعة و هو ما لو لم يتمكن منه الناذر في حياته اصلا او الزمان الخاص الذى ذكره و قد حكم في المتن بعدم وجوب القضاء عنه في مثله من نذر الحج مع عدم التمكن حتى مات و لكن السيد (قدس سره)فى العروة بعد ان ذكر وجهين في وجوب القضاء عنه و عدمه و ان اوجههما هو الوجوب استدل عليه بما هذه عبارته: «لانه واجب مالى

(الصفحة468)

مسئلة ـ 4 لو نذر المستطيع ان يحج حجة الاسلام انعقد و يكفيه اتيانهاو لو تركها حتى مات وجب القضاء عنه و الكفارة من تركته، و لو نذرها غير المستطيع انعقد و يجب عليه تحصيل الاستطاعة الا ان يكون نذره الحج بعد الاستطاعة1.


اوجبه على نفسه فصار دينا غاية الامر انه ما لم يتمكن معذور و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه انه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه و اعتبار المباشرة بخلاف الاحجاج فانه كنذر بذل المال كما إذا قال: للّه على ان اعطى الفقراء مأة درهم و مات قبل تمكنه و دعوى كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة ففرق بين ايجاب مال على نفسه او ايجاب عمل مباشرى و ان استلزم صرف المال فانه لا يعد دينا عليه بخلاف الاول».
و لكن اورد عليه بعدم الفرق بين النذرين الا إذا كان النذر المتعلق بالمال على نحو نذر النتيجة كما إذا نذر ان يكون مديونأ لزيد بكذا و قلنا بصحة نذر النتيجة و اما إذا كان النذر متعلقا بالفعل و عمل الناذر فلا يوجب كونه دينا كسائر الديون الموجبة لادائها على الوارث بعد الموت و لو لم يتمكن الميت من الاداء طول الحيوة و ذلك لان المنذور هو العمل و ان كان متعلقا بالمال كاعطاء الفقراء في المثال و إذا لم يتمكن منه الى آخر العمر يكشف عن عدم انعقاد النذر من رأس كما انه لو كان المنذور مقيدا بزمان خاص لا بد و ان يكون متمكنا في ذلك الزمان و مع عدمه لا محيص عن الحكم بعدم الانعقاد و كيف كان فنذر الاعطاء و الاحجاج و ان كان تحققهما بالمال فقط لا يوجب تحقق الدين و كون الناذر مديونا للفقراء او الشخص الذى نذر احجاجه فالظاهر ـ ح ـ انه لا فرق بين نذر الحج و نذر الاحجاج في انه مع عدم التمكن لا يجب القضاء بوجه اصلا و قد عرفت.
1 ـ فى هذه المسئلة فرعان:
الاول لو نذر المستطيع الذى يجب عليه حجة الاسلام ان يحجها و يأتى بها فهل

(الصفحة469)



ينعقد نذره ام لا فاكثر المتأخرين ـ كما في الجواهر ـ على الأول خلافا للمرتضى و الشيخ و ابى الصلاح و ابن ادريس فيمن نذر ان يصوم اول يوم من شهر رمضان مستدلا بان صيامه مستحق بغير النذر، و بان صيامه مستحق بالاصل و لا يمكن ان يقع فيه غيره.
و اجيب عن هذا الاستدلال بان الوجوب بالاصل لا ينافى الاستحقاق بالنذر و هو لا يقتضى وقوع غير رمضان في رمضان و انما يقتضى ذلك لو نذر ان يصوم غير رمضان فيه لا ما لو نذر ان يصوم رمضان فيه و النذر يقتضى ثبوت شىء زائد على الوجوب و هو الحق الالهى و إذا لم نقل بذلك فلا اقل من اقتضائه تأكد الوجوب الموجب لزيادة الانبعاث و لا سيما بملاحظة ما يترتب عليه من الكفارة.
و انت بعد ملاحظة ما عرفت منا مرارا تعرف انه لا مجال لدعوى تأكد الوجوب بوجه لان مورده ما إذا كان المتعلق للوجوبين واحدا و اما مع الاختلاف و التعدد فلا وجه للتأكد و المقام من هذا القبيل لان متعلق الوجوب في حجة الاسلام انما هو نفس عنوان الحج لانه الواجب بالاصل في الشريعة مع شرائط الوجوب و متعلق الوجوب في باب النذر انما هو عنوان الوفاء بالنذر و لا يسرى الحكم من هذا العنوان الى عنوان المتعلق للنذر بل هو باق على حكمه الاولى من الوجوب او الاستحباب ففى المقام يثبت بالنذر حكم آخر غير ما كان ثابتا للمتعلق فلا مجال للحكم بتأكد الوجوب بل هنا وجوبان و وظيفتان و لا معنى لتعدد الوظيفة مع التاكد و العجب من بعض الاعلام حيث انه يصرح في اول كلامه بان الواجبات الاصلية تتأكد بتعلق النذر بها و في ذيل كلامه بانه إذا اتى بحجة الاسلام مع تعلق النذر بها فقد اتى بالوظيفتين.
فان ثبوت الوظيفتين لا يجتمع مع التأكد و لا يتحقق الا مع التعدد و هو يتم بناء على ما ذكرنا من تعدد المتعلق غاية الامر كفاية عمل واحد في تحققهما.
ثم ان لصاحب «المستمسك» شبهة في خصوص نذر الحج اى حجة الاسلام مرجعها الى عدم انعقاده من رأس حيث انه بعد ذكر ان المملوكية للّه التى معناها

(الصفحة470)



كونه مستحقا له بالحق الوضعى لا يقبل التكرر و لا التاكد كاكثر عناوين الايقاعات مثل الزوجية و الرقية و الحرية و نحوها فانها جميعا لا تقبل التأكيد و التأكد و ليست من الماهيات المشككة قال: «و من ذلك يشكل الامر في نذر حج الاسلام بناء على ما سبق من ان الظاهر من اللام في قوله تعالى: و للّه على الناس هو الملكية فانه إذا كان حج الاسلام مملوكا بالاصل لا يكون مملوكا بالنذر ايضا و ليت المانعين ذكروا ذلك في نذر حج الاسلام و استدلوا عليه بما ذكر فانه يكون حينئذ في محله و متين جدا».
اقول: نحن و ان كنا قد استفدنا من التعبير المذكور في آية الحج اهمية هذه الفريضة و ثبوتها على المستطيع كثبوت الدين عليه و لاجله يجب القضاء عنه بعد موته ايضا الاّ انه لا يرجع ذلك الى ثبوت مثل الملكية الاعتبارية المتداولة بين الناس له تعالى على المستطيع كما ان مفاد صيغة النذر بناء على كون اللام فيها بمعنى الملكية لا متعلقة ب ـ التزمت و نحوه ليست هى الملكية المعروفة كالملكية الحاصلة في البيع و نحوه حيث انها لا تقبل التكرر و لا التأكد و الا يلزم ان يكون في نذر النتيجة ـ بناء على صحته و انعقاده ـ كما إذا نذر ان يكون مديونا لزيد مأة درهم مثلا ان يكون بالاضافة الى نفس هذا المقدار مديونا له تعالى و لزيد معا و على ما ذكرنا لا مانع من الجمع في حجة الاسلام بين الآية المشتملة على التعبير باللام و بين مفاد صيغة النذر المشتملة عليها ايضا و مقتضاه ثبوت حكمين كما ذكرنا.
الفرع الثانى: ما لو نذر غير المستطيع حجة الاسلام و فيه صورتان:
الاولى: ما إذا كان نذرها معلقا بالاستطاعة كما إذا قال للّه علىّ ان احج حجة الاسلام إذا استطعت و لا اشكال بمقتضى ما ذكرنا في الفرع الاول في الانعقاد و عدم وجوب تحصيل الاستطاعة لفرض كون الالتزام معلقا على حصولها.
الثانية: ما إذا كان نذرها مطلقا خاليا عن التعليق و لا اشكال فيها ايضا في اصل

(الصفحة471)

مسئلة 5 ـ لا يعتبر في الحج النذرى الاستطاعة الشرعية بل يجب مع القدرة العقلية الا إذا كان حرجيا او موجبا لضرر نفسى او عرضى او مالى إذا لزم منه الحرج1.


الانعقاد و صحة النذر انما الكلام في ان مقتضى وجوب الوفاء بالنذر لزوم تحصيل الاستطاعة عليه ام لا بل اللازم وجوب الوفاء بعد حصولها؟فيه قولان اختار الثانى في الروضة و المستند بل في المدارك: «و لا يجب تحصيلها قطعا» معللا بان المنذور ليس امرا زائدا عن حج الاسلام الا ان ينذر تحصيلها فيجب و هو الظاهر من كشف اللثام و الجواهر حيث ذكر فيهما انه إذا لم يكن مستطيعا استطاعة شرعية توقعها.
و اختار الاول الماتن (قدس سره) و السيد في العروة و غيرهما و هو الظاهر فانه بعد ملاحظة ان النذر مطلق غير معلق على الاستطاعة و ان حجة الاسلام هى الحج الواقع عن المستطيع و قد عرفت مغايرته من حيث الحقيقة و الماهية مع سائر انواع الحج كالحج التطوعى ـ كما مر تحقيقه ـ لا بد له في مقام الوفاء بالنذر الواجب عليه بمجرد الصيغة لفرض ثبوت الاطلاق و عدم التعليق تحصيل الاستطاعة لتحقق حجة الاسلام و لا مجال لدعوى عدم الفرق بين هذه الصورة و بين الصورة الاولى في عدم لزوم تحصيل الاستطاعة بعد ثبوت التعليق هناك و ثبوت الاطلاق هنا فاللازم من باب المقدمة تحصيل الاستطاعة و كون وجوب حجة الاسلام مشروطا بالاستطاعة لا يستلزم ان يكون وجوب الوفاء بالنذر المتعلق بها مشروطا بها كما لا يخفى.
1 ـ ظاهر النص و الفتوى هو اعتبار القدرة العقلية فى الحج النذرى كما في غيره من الامور المتعلقة للنذر فان دليل وجوب الوفاء بالنذر انما يكون كسائر الادلة الدالة على الاحكام الوجوبية يكون مشروطا بالقدرة العقلية الا في حجة الاسلام التى يكون وجوبها مشروطا بالاستطاعة الشرعية و ليس لنذر مطلق الحج خصوصية مقتضية لاعتبار الاستطاعة الشرعية فيه نعم ظاهر الشهيد في كتاب الدروس الخلاف قال فيها: «و الظاهر ان استطاعة النذر شرعية لا عقلية فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك الى

(الصفحة472)

مسئلة 6 ـ لو نذر حجا غير حجة الاسلام في عامها و هو مستطيع انعقد لكن تقدم حجة الاسلام، و لو زالت الاستطاعة يجب عليه الحج النذرى، و لو تركهما لا يبعد وجوب الكفارة، و لو نذر حجا في حال عدمها ثم استطاع تقدم حجة الاسلام و لو كان نذره مضيقا، و كذا لو نذر اتيانه فورا ففورا تقدم حجة الاسلام و يأتى به في العام القابل، و لو نذر حجا من غير تقييد و كان مستطيعا او حصل الاستطاعة بعده و لم يكن انصراف فالاقرب كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم لحجة الاسلام باتيان كل واحد مستقلا مقدما لحجة الاسلام1.


النذر فان اهمل و استمرت الاستطاعة الى القابل وجبت حجة الاسلام ايضا».
و ذكر في المستمسك بعد نقل هذه العبارة: «و لا يخفى ان تفريع ما ذكره يصلح ان يكون قرينة على ارادة غير الظاهر من كلامه و لو كان مراده ظاهر الكلام كان اللازم ان يقول فلو لم يملك زادا و لا راحلة لم يجب الوفاء بالنذر» اقول: التفريع يؤكد ما هو الظاهر من الكلام لان مفاده انه بعد حصول الاستطاعة الشرعية يجب الوفاء بالنذر و يكون مقدما على حجة الاسلام التى تكون مشروطة بها و لكن يرد عليه انه لا دليل على ما ذكره ثم ان صورة استثناء كون الحج بنفسه حرجيا او مستلزما للضرر الذى يلزم منه الحرج سواء كان نفسيا او عرضيا او ماليا انما هو بلحاظ تقدم قاعدة نفى الحرج على الادلة الدالة على الاحكام الوجوبية و ان كانت مشروطة بالقدرة العقلية.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع.
الاول: ما لو نذر حجا غير حجة الاسلام في هذا العام و هو مستطيع و الخصوصيات المأخوذة في هذا الفرع عبارة عن كون الحج المنذور مقيدا بغير حجة الاسلام لا مطلقا و لا مقيدا بحجة الاسلام الذى مر البحث فيه و كونه مستطيعا في

(الصفحة473)



حال النذر في مقابل ما لو نذر ثم استطاع و كون المنذور مقيدا بهذا العام الذى يجب فيه حجة الاسلام لفرض الاستطاعة في مقابل ما لو كان مطلقا او مقيدا بغير هذا العام كالعام القابل ـ مثلا ـ و كون النذر مطلقا غير معلق على زوال الاستطاعة في مقابل ما لو كان معلقا عليه كما لو قال ان زالت استطاعتى فلّله علىّ ان احج غير حجة الاسلام في هذا العام فانه فى هذه الصورة لا شبهة في صحة النذر و انعقاده و وجوب الوفاء بالنذر على تقدير زوال الاستطاعة.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه صرح السيد (قدس سره) في العروة بعدم الانعقاد و استثنى ما إذا نوى ذلك على تقدير زوال الاستطاعة فزالت و قد تبع في ذلك صاحبى المدارك و الجواهر قال في المدارك فيمن كان مستطيعا حال النذر و قد نذر حجا غير حجة الاسلام «فان قيدها بسنة الاستطاعة و قصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من اصله لانه نذر ما لا يصح فعله و ان قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح و لو خلا عن القصد احتمل البطلان لانه نذر في عام الاستطاعة غير حج الاسلام و الصحة حملا للنذر على الوجه المصحح و هو ما إذا فقدت الاستطاعة» و قال في العروة بعد الحكم المذكور: «و يحتمل الصحة مع الاطلاق ايضا إذا زالت حملا لنذره على الصحة» هذا و صريح المتن الحكم بالصحة و الانعقاد من دون فرق بين صورة بقاء الاستطاعة و صورة زوالها غاية الامر انه في صورة البقاء يتحقق التزاحم و يحكم بتقدم حجة الاسلام لاجل اهميتها بالاضافة الى الوفاء بالنذر الواجب شرعا و في صورة الزوال لا بد من الاتيان بالحج النذرى لكشف الزوال عن عدم وجوب حجة الاسلام.
اقول لا مجال للاشكال في الصحة و الانعقاد في صورة الزوال لانه معه يعلم عدم وجوب حجة الاسلام و ان الظرف قابل لوقوع غيرها فيه و بالجملة شروط الصحة كلها موجودة في هذا الفرض غاية الامر عدم العلم بها بل ربما كان مقتضى الاستصحاب خلافها الا انه مع تحقق الزوال يعلم بتحققها و بطلان الاستصحاب و انه لم يكن

(الصفحة474)



يحسب الواقع مستطيعا يجب عليه الحج فلا تنبغى المناقشة في الصحة و لا يلزم التعليق على الزوال و لو بحسب النية فان المفروض عدم كونه معلقا و لو كذلك و لا وجه للزوم التعليق اصلا.
و اما صورة البقاء فالحكم بصحة النذر فيها و انعقاده يتوقف على ملاحظة امور:
الاول ما ذكرناه في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق من ان فورية وجوب حجة الاسلام و لزوم الاتيان بها في اول ازمنة الامكان ليس مرجعها الى عدم قابلية زمانها لوقوع غير حجة الاسلام فيه كعدم قابلية شهر رمضان لوقوع صيام غيره فيه فان الفورية امر لا يستلزم عدم القابلية كما في مثال الصلوة و الازالة فان وجوب الازالة و ان كان فوريا ـ و لاجله يكون مقدما على الصلوة و اهم بالاضافة اليها و بدونه لا مجال للاهمية فان مكان الصلوة لا يقاس بمكان الازالة و موقعيتها كما هو واضح ـ الا انه لا يستلزم خروج الزمان اللازم للازالة عن الظرفية لغيرها بحيث كانت الصلوة الواقعة في ذلك الزمان واقعة في غير الوقت فاللازم في عدم القابلية قيام الدليل الخاص عليه كقيامه في شهر رمضان و لم يقم فى حجة الاسلام.
الثانى انه لا يعتبر في صحة النذر و انعقاده من ناحية المتعلق سوى التمكن من الاتيان به في ظرف الوفاء و العمل و كونه راجحا في نفسه في نظر الشرع و طاعة للّه تبارك و تعالى و لا يعتبر عدم استلزامه لترك واجب او فعل حرام كما في الحج على القول بتوقف وجوبه زائدا على الاستطاعات الاربعة على عدم الاستلزام المذكور ـ على خلاف ما هو التحقيق كما مر مرارا ـ و لازمه كما عرفت عدم وجوب الحج إذا كان مستلزما لترك مثل جواب السلام ايضا و ان تصدى بعض القائلين بالقول المزبور لاخراج مثل الترك المزبور لكنه لم يأت بشىء يمكن الاقتناع به على تقدير تسليم اصل المبنى و كيف كان فعدم الاستلزام المذكور لا يعتبر في النذر و ان كان يستفاد ذلك من كلام بعض الاعلام.

(الصفحة475)




الثالث ان اللازم في باب التزاحم ملاحظة نفس التكليفين من جهة عدم امكان امتثالهما في زمان واحد و عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما كذلك و لا مجال لملاحظة المنشأ و الموجب لثبوت التكليف ففى المقام لا بد من ملاحظة تكليف وجوب الوفاء بالنذر مع تكليف وجوب حجة الاسلام و لا وجه لملاحظة الالتزام النذرى و ما هو مفاد صيغة النذر مع ذلك الدليل حتى يكون ـ في صورة الترتب و القول به فيما إذا كان احدهما اهم و الاخر مهما ـ مفاد الصيغة مترتبا على ترك الامر بالاهم و عصيانه بحيث كان نذره متعلقا بحج آخر غير حجة الاسلام على تقدير تركه لها و في ظرف تركه بل اللازم ملاحظة دليل وجوب الوفاء و ان كان النذر خاليا عن التعليق المذكور كما هو المفروض.
إذا عرفت هذه الامور يظهر لك صحة النذر و انعقاده فيما هو محل البحث و الكلام فان متعلقه يكون مقدورا في زمانه و لا ريب في رجحانه فان الحج راجح مطلقا و لو في ظرف وجوب حجة الاسلام و زمانه غاية الامر ان دليل وجوب الوفاء بالنذر يكون مزاحما لدليل وجوب حجة الاسلام و تكون هى واجبة و اهم الوفاء بالنذر يكون واجبا مهما و اللازم تقديم الاهم.
و الجمع بين التكليفين اما بنحو الترتب كما عليه القائلون به و اما بالنحو الذى حققناه فى الاصول تبعا للماتن (قدس سره).
ثم انه على تقدير رعاية الاهم و الاتيان بحجة الاسلام لا يترتب على مخالفة النذر كفارة لمشروعية المخالفة و ترك الوفاء و الاتيان بحجة الاسلام و على تقدير عدم رعايته و ترك الوفاء بالنذر تثبت عليه الكفارة كما نفى عنه البعد في المتن لانه لازم ثبوت التكليفين و تحقق الالتزامين.
ثم ان ما افاده الماتن (قدس سره) هنا من الحكم بصحة النذر و انعقاده ينافى ما افاده في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق من الحكم ببطلان الاجارة فيما إذا استوجر

(الصفحة476)



من استقر عليه الحج مع تمكنه من الاتيان بالحج لنفسه للنيابة عن الغير فان الفرق بين المسئلتين النذر و الاجارة غير ظاهر و الحق هو الحكم بالصحة في المقامين، و مما ذكرنا يظهر بطلان ما افاده السيد (قدس سره) في العروة من الحكم بعدم الانعقاد كما ان استثنائه صورة ما إذا كانت نيته التعليق على زوال الاستطاعة مبنى على الاكتفاء بالنية في باب النذر و ان لم يتلفظ بها و التحقيق في باب النذر.
و اما الحمل على الصحة في صورة الاطلاق الذى معناه الخلو عن التعليق ـ لفظا و نية ـ فقد اورد عليه بان مجرى اصالة الصحة انما هى الشبهات الموضوعية التى مرجعها الى الشك فيما وقع في الخارج من حيث الاتصاف بالصحة و الفساد و اما الشبهات الحكمية كما في مثل المقام حيث ان المشكوك هو حكم الشارع بالصحة او غيرها مع وضوح ما هو الواقع في الخارج حيث انه لاخفاء فيه و لا شبهة تعتريه لظهور كون الواقع هو النذر المطلق الخالى عن التعليق في مرحلة اللفظ و في مرحلة النية كما هو المفروض فلا مجال لجريان اصالة الصحة اصلا.
الفرع الثانى مثل الفرع الاول و الفرق بينهما انما هو في تحقق الاستطاعة في حال النذر في الفرع الاول و عدم تحققها حاله في هذا الفرع بل حدوثها بعد تحقق النذر و اما كون المنذور حجا غير حجة الاسلام فمشترك في الفرعين و ان لم يصرح به في المتن في هذا الفرع لكن قوله (قدس سره) في الفرع الآتى: و لو نذر حجا من غير تقييد قرينة على ثبوت التقييد في الفرع الثانى.
ثم ان الحكم بصحة النذر في الفرع السابق يستلزم الحكم بها في هذا الفرع بطريق اولى لانه إذا لم يكن وجود الاستطاعة و وجوب حجة الاسلام فعلا مانعا عن الانعقاد و موجبا للحكم بعدم الصحة ففيما إذا لم تكن الاستطاعة موجودة حال النذر يكون الحكم المذكور ثابتا بنحو الاولوية غاية الامر ان تحقق الاستطاعة بعد النذر يوجب تكليفا آخر و يقع التزاحم بين التكليفين و من الواضح اهمية حجة الاسلام

(الصفحة477)



بالاضافة الى الوفاء بالنذر و لا يلاحظ في باب التزاحم التقدم و التأخر الزمانيان و مقتضى الاهمية المذكورة لزوم الاتيان بحجة الاسلام من دون فرق بين كون النذر مضيقا اى مقيدا بالسنة الاولى ـ مثلا ـ التى وقع فيها الاستطاعة او كونه فورا ففورا فانه في كلا الفرضين لا بد من تقديم حجة الاسلام و الاتيان بالحج المنذور في العام القابل غاية الامر انه في صورة التضييق ينطبق عليه عنوان القضاء و في صورة كونه فورا ففورا لا يكون قضاء كما في حجة الاسلام الواجبة فورا ففورا.
ثم ان السيد (قدس سره) في العروة حيث كان مبناه في مسئلة وجوب حجة الاسلام تحقق الاستطاعة الشرعية التى مرجعها الى اعتبار الاستطاعات الاربعة بضميمة عدم استلزام الحج لترك واجب او فعل حرام حكم في هذا الفرع بصحة النذر و انعقاده و عدم وجوب حجة الاسلام في هذا العام لاستلزامه ترك الواجب و هو الوفاء بالنذر فاللازم الاتيان بالحج النذرى في هذا العام فان استمرت الاستطاعة الى العام القابل يجب فيه حجة الاسلام.
و لكن قد عرفت مكررا ان هذا المبنى ضعيف و انه لا يعتبر في وجوب الحج شىء زائد على الاستطاعات المذكورة فالحكم في المقام ما ذكرنا.
الفرع الثالث ما إذا نذر حجا من غير تقييد و كان مستطيعا او حصل الاستطاعة بعده و لم يكن انصراف، و المراد من عدم التقييد اعم مما إذا كان المنذور مطلق الحج و خاليا عن التقييد بغير حجة الاسلام او التقييد بها و مما يكون راجعا الى العموم كما إذا قال للّه علىّ ان احج اىّ حج كان و قد وقع التعبير عنه في كلام السيد (قدس سره) في العروة بالتصريح بالاطلاق و الدليل على الاعمية ما في المتن من قوله في آخر الكلام: «فى صورة عدم قصد التعميم لحجة الاسلام» فانه و ان جعل التعميم مربوطا بالقصد و النية الا ان الظاهر ثبوت الفرق في مرحلة اللفظ ايضا.
و كيف كان فقد استقرب في المتن كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و الكلام

(الصفحة478)



فى ذلك تارة في اصل كفاية الحج الواحد و عدمها بحيث كان اللازم التعدد و اخرى فى انه بعد الكفاية هل يلزم قصد كلا العنوانين ام لا؟ اما الكلام في اصل الكفاية و عدمها فاعلم انه ذكر السيد (قدس سره) في العروة ان في المسئلة اقوالا ثلاثة: كفاية حج واحد عنهما و وجوب التعدد و كفاية نية الحج النذرى عن حجة الاسلام دون العكس و القول الاول محكى عن الشيخ في النهاية و الاقتصار و التهذيب و اختاره صاحب المدارك و القول الثانى منسوب الى المشهور بل عن الناصريات الاجماع عليه و قال صاحب الجواهر: «هو الاشبه باصول المذهب و قواعده» و القول الاخير محكى عن الشيخ في النهاية و مستند القول الثالث روايتان يأتى البحث عنهما و اما الاولان فظاهر العروة ـ تبعا للجواهر ـ ابتنائهما على مسئلة التداخل المعروفة المعنونة في الاصول المختلف فيها و حيث كان المختار عنده اصالة عدم التداخل و تعدد المسبب بتعدد السبب فلذا قوى القول الثانى و استثنى في آخر كلامه صورة التصريح بالاطلاق التى اشرنا اليها و قال بكفاية حجة الاسلام عن نذره بل الحج النيابى و غيره في هذه الصورة.
و ناقش بعض الاعلام ـ في الشرح ـ في الحكم بالابتناء على مسئلة التداخل نظرا الى ان التداخل انما يجرى فيما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء كما يقال: إذا ظاهرت فاعتق و إذا افطرت فاعتق فوقع فيه البحث المعروف من ان هذه الشرائط و الامور المتعددة الموجبة للجزاء هل هى اسباب حقيقية و كل سبب يقتضى مسببا مستقلا ام هى معرفات لا تقتضى الاّ جزاء واحدا عند تعدد الشرط و اما في باب النذر فيتبع التعدد و الوحدة قصد الناذر و الشارع انما يمضى ما التزمه الناذر على نفسه فلا بد من ملاحظة متعلق نذره فان كان هو الجامع و طبيعى الحج فاللازم انطباقه على حجة الاسلام قهرا لان المفروض ان متعلق نذره مطلق و اصالة عدم التداخل لا تجرى في المقام لان المأتى به و ان كان هى حجة الاسلام الاّ انه يصدق عليه متعلق

(الصفحة479)



النذر من دون فرق بين التصريح بالاطلاق و عدمه.
اقول منع الابتناء على مسئلة التداخل و ان كان صحيحا لا ينبغى الارتياب فيه الاّ ان الوجه فيه ليس ما ذكر بل الوجه هو عدم اتحاد الجزاء و كون التكليفين متعلقين بعنوانين مستقلين لان متعلق التكليف في باب النذر هو عنوان الوفاء به و في باب حجة الاسلام هو عنوان الحج و تحقق الامرين في الخارج بعمل واحد و فعل فارد لا يستلزم الاتحاد في مرحلة تعلق التكليف فلا ارتباط للمقام بمسئلة التداخل بل ما نحن فيه مثل ما إذا امر المولى عبده باكرام عالم و امره ايضا بضيافة هاشمى فاكرم العبد عالما هاشميا بالضيافة فالوجه في عدم الابتناء ما ذكرنا كما هو ظاهر.
ثم انه في المتن بعد الحكم بكفاية حج واحد في كلتا صورتى هذا الفرع نهى عن ترك الاحتياط في الصورة الاولى ـ و هو ما إذا لم يكن هناك قصد التعميم لحجة الاسلام ـ بالتعدد و اتيان كل واحد مستقلا مع تقديم حجة الاسلام على حج النذر، و بعد ملاحظة ما ذكرنا من الوجه لكفاية الوحدة و جريانه في كلتا الصورتين لا يرى وجه لهذا الاحتياط الوجوبى الا رعاية فتوى المشهور بل المدعى عليه الاجماع كما عرفته من الجواهر بضميمة كون المتيقن من مورد فتوى المشهور هذه الصورة اى ما إذا لم يكن قصد التميم بل كان مجرد الاطلاق كما إذا قال في الصيغة للّه علىّ ان احج و لم يكن في البين انصراف الى غير حجة الاسلام ـ على ما هو المفروض في هذا الفرع ـ هذا ما يتعلق باصل الوحدة و التعدد.
و اما الكلام بعد الاكتفاء بالوحدة في لزوم قصد كلا العنوانين كما هو ظاهر المتن او عدم اللزوم فمحصله انه ذكر بعض الاعلام ـ على ما في شرح العروة ـ ان الظاهر هو الثانى نظرا الى عدم اعتبار قصد العنوان في اتيان المنذور و لا يلزم الاتيان به بعنوان متعلق النذر لان وجوب الوفاء بالنذر توصلى لا يعتبر في اتيانه و سقوطه قصد العنوان بخصوصه فلو نذر ان يصوم اليوم المعين و صام ذلك اليوم و غفل عن النذر صح

(الصفحة480)



صومه و كذا لو نذر ان يصلى صلوة الليل و صلاها و لكنه نسى النذر ففى الجميع لا يعتبر قصد العنوان في سقوط النذر و امتثاله قال: «و لو عكس الامر و قصد عنوان النذر بخصوصه و لم يقصد حج الاسلام نلتزم بالاكتفاء عن حج الاسلام ايضا كما إذا حج و يزعم انه غير مستطيع ثم علم بالاستطاعة فانه لا ريب في الاكتفاء به عن حج الاسلام و ان اتى به بقصد عنوان النذر و بتعبير آخر: الحج الصادر في اول سنة الاستطاعة من حج الاسلام سواء قصد هذا العنوان ام لا بل لو فرضنا انه لم يعلم بهذا العنوان و لم يسمع به و حج كفى عنهما».
اقول الكلام معه تارة فيما يرتبط بعنوان الوفاء بالنذر و اخرى فيما يتعلق بعنوان حجة الاسلام: اما من الحيثية الاولى فيظهر من كلامه ان الوجه في عدم اعتبار قصد عنوان الوفاء بالنذر هو كونه واجبا توصليا مع ان التوصلية امر و لزوم قصد العنوان امر آخر و يمكن اجتماعهما كما في عنوان اداء الدين فانه مع كونه واجبا توصليا لا ينطبق عنوانه على الاداء الخارجى الاّ إذا كان مقرونا بقصد عنوانه و نية اداء الدين لعدم تعينه الا بالنيّة و لزوم قصد العنوان في مثل صلوتى الظهر و العصر و اكثر العبادات ليس لاجل كونها عبادة بل لان عنوانى الظهر و العصر من العناوين المتقومة بالقصد غير المتحققة بدونه و على ما ذكرنا فالظاهر ان عنوان الوفاء بالنذر ايضا كذلك لا ينطبق على الاتيان بالمتعلق في الخارج الاّ إذا كان مقرونا بنية الوفاء و الامثلة المذكورة في كلامه غاية ما رتب عليها هو الحكم بالصحة مع ان الصحة امر و الوفاء بالنذر امر آخر و نحن نمنع تحقق الوفاء غاية الامر عدم ترتب الكفارة لعدم كون النذر ملتفتا اليه حال العمل و استبعاد تحقق المخالفة مع وقوع الصوم و صلوة الليل لا مجال له اصلا.
و اما من الحيثية الثانية فما هو الواجب بمقتضى الكتاب و السنة في صورة تحقق الشرائط ليس الاّ عنوان الحج فقط بل قد مرّ منا مرارا ان عنوان «الحج»