في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة141)



به، بمعنى عدم وجوب المبادرة الى الاستيجار، و مقتضى ما ذكرنا في الفرض الاوّل: ان مورد هذا الفرض هو الحج الواجب، لعدم كون اتيان المتبرع بالحج غير الواجب مسقطا للزوم العمل بالوصية، فضلا عما إذا كان مريدا للتبرع.
و عليه، ففي الحج الواجب إذا كان مراد المتبرع الاتيان في عام الاستيجارلا التأخير، يجوز للوصي ترك الاستيجار و الاكتفاء به بل هو مقتضى الاحتياط اللزومي إذا كان في الورثة قاصر، فان اتى به صحيحا، و لو بمعونة اصالة الصحة، كفي، و الاّ وجب الاستيجار. و امّا احتمال لزوم ترك الاستيجار و الاكتفاء بالتبرع توفيرا على الورثة، كما افتى به السيد (قدس سره)في العروة، فلا مجال له بعد عدم لزوم التوفير على الوصيّ، بل اللازم عليه عدم التفويت و تضييع حق الورثة، كمالا يخفى.
الرابع: ما لو لم يوجد من يرضى الاّ بالزائد على اجرة المثل، فان كان الحج الموصى به واجبا كحجة الاسلام، فحيث انه واجب و اللازم الاتيان به فورا، و هو يتوقف على استيجار من لا يرضى الا بالزائد، فاللازم استيجاره، و لو مع العلم بوجدان من يرضى بها او باقل منها في العام القابل، لان المفروض لزوم رعاية الفورية و عدم جواز التأخير الى القابل، فاللازم الاستيجار في هذا العام و لو بالزائد، و لا يكون ذلك اضرارا بالورثة، بعد عدم انتقال مقدار اجرة الحج اليهم، او تعلق حق الميت كذلك.
و ان كان الحج الموصى به غير واجب، فقد ذكر في العروة: ان اللازم فيه ـ ايضا ـ الاستيجار بالزائد، للزوم العمل بمقتضى الوصية، فالموصى به و ان لم يكن واجبا الاّ ان لزوم العمل بالوصية يقتضي ذلك، بعد كون المفروض عدم الزيادة على الثلث. هذا، و لكن قيده في المتن بما إذا كانت المبادرة ـ ايضا ـ موصى بها، فاذا كان الموصى به مجرد الحج، و لم تكن المبادرة مأخوذة فيها، لا يلزم العمل

(الصفحة142)



بالوصية في هذا العام، خصوصا مع العلم بوجود من يرضى باجرة المثل او بالاقل في العام القابل، لان لزوم العمل بالوصية انّما هو في مقابل ترك العمل بها اوالمسامحة فيه، و امّا إذا كان التأخير لاجل ما ذكر، فلا يكون ذلك مخالفا للزوم العمل بالوصية.
المقام الثاني: فيما لو عين الموصي اجرة الحج، و فيه فرضان:
احدهما: ما إذا كان ما عيّنه كافيا للحج الموصي به. و في هذا الفرض: ان كان الموصي به هو الحج الواجب، فان لم يكن ما عيّنه زائدا على اجرة المثل يخرج من اصل التركة، و ان كان زائدا عليها يخرج مقدارها من اصل التركة و بحسب الزائد من الثلث، و ان كان الموصى به هو الحج غير الواجب، يخرج المجموع من الثلث.
ثانيهما: ما إذا لم يكن ما عيّنه كذلك، و في هذا الفرض: ان كان الموصي به هوالحج الواجب، فاللازم التتميم من اصل التركة، كما إذا لم يكن هناك وصية اصلا، حيث ان اللازم اخراج جميع الاجرة من الاصل، و لا مجال هنا للتفكيك بين الاصل و الثلث، كما في الصورة الاولى من الفرض الاوّل، كما لا يخفى.
و ان كان الموصي به هو الحج المندوب، فقد ذكر في المتن: ان فيه تفصيلا.
و الظاهر: ان المراد به هو التفصيل الذي ذكره في ذيل المسألة الخامسة الآتية، و هو: انّه ان كانت وصيته بنحو وحدة المطلوب، فاللازم الحكم ببطلانها، لعدم امكان العمل بمقتضاها، و ان كان بنحو تعدّد المطلوب، بحيث كان اصل الحج مطلوبا اوّليا في الوصية، وقوعه بيد الاجير الذي يرضى بالاجرة المعينة مطلوبا ثانويا، فعدم امكان تحقق المطلوب الثانوي لا يمنع من لزوم ايجاد المطلوب الاولي،

(الصفحة143)

مسألة 4 ـ يجب الاقتصار على استيجار اقلّ الناس اجرة مع عدم رضا الورثة او وجود قاصر فيهم، و الاحوط لكبار الورثة ان يستأجروا ما (من ظ) يناسب حال الميت شرفا1 .


و هو اصل الحج، فاللازم الاستيجار باجرة المثل. غاية الامر، ملاحظة عدم الزيادة على الثلث، كما في صورة عدم تعيين الاجرة في الوصية بالحج المندوب.
1 - كان البحث في المسألة السابقة في لزوم الاقتصار على اجرة المثل و عدم جواز الاستيجار بالزيادة، مع وجود من يرضى بها، و امّا في هذه المسألة فالبحث انّما هو في: ان المعيار في تعيين اجرة المثل، هل هو اقل الناس اجرة او من يناسب حال الميت شرفا وضعة؟ و بعبارة اخرى: بعد وضوح اختلاف طبقات الناس في الاجرة في باب الحج، حيث ان الطبقة الدانية ترضى بما لا ترضى به المتوسطة، و المتوسطة ترضى بما لا ترضى به العالية، هل الملاك في تعيين اجرة المثل هي الطبقة الدانية، او ان الملاك الطبقة المناسبة للموصي؟ لم يستبعد في العروة اوّلا الثاني، ثم قال: و الاحوط، الاظهر الاوّل، و في المتن افتى بلزوم الاقتصار على استيجار اقل الناس اجرة. غاية الامر، مع التقييد بصورة عدم رضا الورثة او وجود قاصر فيهم، ثم احتاط استحبابا لخصوص الكبار استيجار المناسب.
و الظاهر ان الوجه في جواز استيجار المناسب، بل لزومه: ان كلّ احد لا يناسب ان يكون اجيرا لذي الشرف و العز، لانه يكون هتكا له، و السيرة قائمة على ذلك، كما هو الحال في الكفن، و يمكن استظهاره من مثل قوله (عليه السلام): يحج عنه من صلب ماله، لظهوره في الحج من ماله، بما يناسب شأنه و اعتباره، و بعبارة اخرى: ادلة اخراج مصارف الحج من التركة ناظرة الى التعارف الخارجي، و هو يختلف حسب اختلاف الناس.
هذا، و لكن لزوم العمل بالوصية مع عدم تعيين الاجرة لايقتضي الاّ لزوم ايجاد الطبيعة باجرة المثل، و يمكن تحققها كذلك باستيجار اقل الناس اجرة،

(الصفحة144)

مسألة 5 ـ لو اوصى و عيّن المرّة او التكرار بعدد معيّن، تعيّن، و لو لم يعيّن كفى حج واحد الاّ مع قيام قرينة على ارادته التكرار، و لو اوصى بالثلث و لو لم يعيّن الاّ الحج، لا يبعدلزوم صرفه في الحج، و لو اوصى بتكرار الحج كفى مرّتان، الاّ ان تقوم قرينة على الازيد، و لو اوصى في الحج الواجب و عيّن اجيرا معيّنا، تعيّن، فان كان لا يقبل الاّ بأزيد من اجرة المثل، خرجت الزيادة من الثلث ان امكن، و الاّ بطلت الوصية و استؤجر غيره باجرة، المثل، الاّ ان يأذن الورثة، و كذا في نظائر المسألة و لو اوصى في المستحب، خرج من الثلث، فان لم يقبل الاّ بالزيادة منه بطلت، فحينئذ ان كانت وصيّته بنحو تعدّد المطلوب يستأجر غيره منه، و الاّ بطلت1 .


و لا مجال لدعوى الهتك، و الاستظهار المذكور ممنوع، لان غاية مفاد الرواية لزوم الحج عنه من اصل المال، و امّا لزوم رعاية المناسب فلا دلالة لها عليه. نعيم، الاحتياط الاستحبابي بالنسبة الى خصوص الكبار من خصوص سهامهم، لامناقشة فيه اصلا، كما هو ظاهر.
1 - يقع الكلام في هذه المسالة في امرين:
الأمر الاوّل: تعيين المرة او التكرار في الوصية و عدمه، فنقول: تارة: يعين الموصي في الوصية المرّة، امّا بالصراحة و امّا بغيرها، كما إذا اوصى بحجة الاسلام، التي لاتنطبق الاّ على المرة، و اخرى: يصرّح بالتكرار، و في هذه الصورة قد يقع التصريح بالتكرار بعدد معين، كالاثنين، و الثلاث، و قد يقع التصريح بمجرد التكرار من دون تعيين عدد معين، و ثالثة لا يكون في الوصية تعرض للمرة، او التكرار اصلا.
ففيما إذا عيّن المرّة او التكرار بعدد معين لا شبهة في تعينه و لزوم العمل على طبقه، و امّا مع عدم التعيين اصلا، فمقتضى القاعدة كفاية حج واحد، لصدق الطبيعة و انطباقها بالواحد، لانه تمام الطبيعة، فزيد تمام الانسان و عمروكذلك، و هما انسانان، لكنه نسب الى الشيخ (قدس سره) وجوب التكرار مادام الثلث

(الصفحة145)



باقيا، و تبعه جماعة، منهم صاحبا الحدائق و المستند، و يظهر من الحدائق انه موافق للقاعدة لاستدلاله باصالة الاشتغال، مع انه من الواضح: ان الشك في محدودة اشتغال الوصي، و هي مرددة بين الاقل المتيقّن، و هو الحج الواحد، و الاكثرالمشكوك، و هو الزائد، و من المعلوم انه مجرى اصالة البراءة لا الاشتغال. و كيف كان، مستندا لشيخ ثلاث روايات، بعد حمل بعضها على بعض:
الاولى: ما رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن ابي نجران عن محمد بن الحسن (الحسين) انه قال لابي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك! قد اضطررت الى مسألتك. فقال: هات. فقلت: سعد بن سعد اوصى: حجّوا عنّي، مبهما و لم يسمّ شيئا، و لا يدرى كيف ذلك. فقال: يحج عنه مادام له مال.(1)
الثانية: ما قال في الوسائل بعد نقل الرواية الاولى: و باسناده ـ يعنى الشيخ ـ عن علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن اورمة عن محمد بن الحسن الاشعري مثله، الاّ انه قال: مادام له مال يحمله.(2) و الظاهر وجود اضافة في السؤال في هذا الطريق، لعلّه لها مدخلية في فهم المراد من الرواية، لانّ كيفيته عبارة عن قوله: قلت لابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك!اني سألت اصحابنا عمّا اريد ان اسألك عنه، فلم اجد عندهم جوابا، و قد اضطررت الى مسألتك، و ان سعد بن سعد اوصى اليّ، فاوصى في وصيته: حجّوا عنّي، مبهما و لم يفسر، فكيف اصنع؟ قال: يأتي جوابي في كتابك. فكتب الجواب المذكور(3).

1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الرابع ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الرابع ملحق ح ـ 1.
3 ـ الاستبصار ابواب الوصية الباب الرابع و الثمانون ح ـ 1.

(الصفحة146)



الثالثة: ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن على بن محبوب عن العبّاس عن محمد بن الحسين بن ابي خالد، قال: سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل اوصى ان يحج عنه مبهما. فقال: يحج عنه ما بقي من ثلثه شيء.(1) و قد جمع الشيخ بينها بحمل المال في الاولين على الثلث، فلا تنافي في البين.
و الظاهر ان الراوي في الجميع هو محمد بن الحسن الاشعري، و التعبير بالحسين كما في الاولى احتمالا، و في الاخيرة كما في الاستبصار غير صحيح، كما ان الظاهر ان ابا خالد جدّ محمّد المذكور، و ربما يعبر بمحمد بن الحسن ابى خالدالاشعري، و قد يضاف اليه القمي، كما انه قد يعبّر عنه بشنبولة. و كيف كان، فالراوي في الجميع رجل واحد، و هو يكشف عن عدم تعدّد الرواية، بل وحدتها، بمعنى كون السؤال وقع مرّة و اجيب بجواب واحد، و الاختلاف انما نشأمن تعدّد نقل الراوي بالنسبة الى من يروي عنه و يأخذ الرواية منه، و العجب من بعض الاعلام، حيث انه مع تصريحه يكون الرّاوي في الجميع واحدا، قد جعل الروايات متعددة كغيره، ممّن لم يتنبّه لوحدة الرّاوي اصلا.
ثم انّ السيد (قدس سره) في العروة وافق الشيخ (قدس سره) في حمل الاولين على الاخير، من ارادة الثلث من لفظ «المال»، و لكنه حمل الروايات على صورة العلم بارادة الموصي التكرار، ثم قال: «مع انه يمكن ان يكون المراد من الاخبار: انه يجب الحج، مادام يمكن الاتيان به ببقاء شيء من الثلث بعد العمل بوصايا اخر، و على فرض ظهورها في ارادة التكرار و لو مع عدم العلم بارادته، لا بدّ من طرحها لاعراض المشهور عنها، فلا ينبغي الاشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بارادة التكرار» و الاحتمال المذكور محكّي عن كشف اللثام.

1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الرابع ح ـ 2.

(الصفحة147)



اقول: الكلام في الروايات يقع تارة من حيث السند، و اخرى من حيث الدلالة، و من هذه الجهة، تارة يقع مع فرض التعدد، و اخرى مع فرض الوحدة، كما استظهرناه: امّا من حيث السند فهو ضعيف بمحمد بن الحسن الاشعرى، حيث لم تثبت و ثاقته و لم يصرح بتوثيقه، غاية الامر، انه ادعى كونه وصيّا لسعد بن سعد الاشعري، الذي حكم اصحاب الرجال بوثاقته. و هذه الدعوى مضافا الى عدم ثبوتها و عدم كون التقرير حجة في مثلها، لا دلالة لها على وثاقته في نقل الحديث، بل كونه موثوقا به في العمل بالوصية، كما لا يخفى. و كذا رواية احمد بن محمد بن عيسى عنه، مع كونه مخرجا للرواة عن الضعفاء من قم، لا دلالة لها على توثيقه.
و كذا محمد بن اورمة، الراوي عن محمد بن الحسن في بعض الطرق، لم تثبتوثاقته، بل مرميّ بالغلو ايضا، و ان كان فيه اشكال. و كيف كان، فالرواية ضعيفة من حيث السنّد، سواء كانت واحدة ام متعددة.
ثمّ ان في الرواية اشكالا مهمّا، و هو: ان الظاهر من اطلاق كلمة «ابي جعفر (عليه السلام)» هو ابو جعفر الباقر (عليه السلام)، مع ان سعد بن سعد، الذي كان محمد بن الحسن وصيّا له، و سأل عن حكم وصيته المبهمة بعد موته، انّما هو من اصحاب الرّضا و الجواد (عليهما السلام)، فكيف يمكن لمحمد بن الحسن السؤال عن حكم وصيته من الباقر (عليه السلام) ؟ !و هكذا اطلاق كلمة «ابي الحسن» الذي هو المروي عنه ـ على ما في الاستبصار ـ و ان كان ظاهر الوسائل: ان المروي عنه في الجميع واحد، و هو ابو جعفر (عليه السلام)، يراد به ابو الحسن الاوّل، الذي هو الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) و لا يمكن السؤال منه عن حكم وصية سعد بن سعد، الاّ ان يجعل ذلك كلّه قرينة على ان المراد من ابي جعفر هو ابو جعفر الثاني، و من ابي الحسن هو ابو الحسن الثالث، و على هذا التقدير يتحقق اشكال اخر، و هو: انه مع

(الصفحة148)



سؤال محمد بن الحسن حكم وصية سعد بن سعد من الامام السّابق، لا يبقى مجال لسؤاله عن الامام اللاحق ايضا، و ليست القضية متعددة حتى يسوغ لاجلها تعدّد السؤال. نعم، يمكن تصحيح الرواية الثالثة، التي لم يقع فيها التعرض لوصية سعد بن سعد، بناء على كون محمد بن الحسين ـ الراوي فيها ـ غير محمّد بن الحسن الاشعري، لعدم امكان نقله عن الامام الباقر (عليه السلام).
و امّا الاولتان: فلا يمكن الالتزام بتعدد الراوي فيهما بعد ظهور كونه وصيا لسعد بن سعد و مضطرا الى السؤال من الامام (عليه السلام). و لو لا هذه الاشكالات ـ و كان الاشكال منحصرا بعدم توثيق محمد بن الحسن الاشعري ـ لا مكن الحكم باعتبار الرواية من جهة استناد المشهور من القدماء اليها، كما قال به النراقي في المستند، حيث قال: انه لا يظهر رادّ لهما من المتقدمين عدا شاذ، و على ذلك لا يبقى مجال لما ذكره في العروة في اخر كلامه، من: ان اعراض المشهور عنها يوجب طرحها و سقوطها عن الحجية، فان المعرضين هم المشهور من المتأخرين، و قد ثبت في محلّه: انّه لا اعتبار بهذه الشهرة، وهنا و جبرا، بل الملاك هي الشهرة بين القدماء، لكن الاشكالات المذكورة لا تبقي مجالا للاعتماد و الوثوق اصلا، هذا كلّه من جهة السنّد.
و امّا من جهة الدّلالة: فالابهام الذي وصف به الراوي وصية سعد بن سعدمجمل في نفسه، فانه يحتمل ان يكون المراد به هو الابهام من جهة المرة و التكرار، و يحتمل ان يكون هو الابهام من جهة تعيين الاجرة، و يحتمل ان يكون هو الابهام من جهة تعيين الاجير و كذلك غير ذلك من الابهامات. و حينئذ فجواب الامام (عليه السلام) بلزوم الحج عنه مادام له مال او ما بقي من ثلثه شيء، و ان كان ظاهرا في الجهة الاولى، و هي المرة و التكرار، الاّ ان الاشكال انّما هو من جهة ان الامام (عليه السلام) هل اعتمد في ذلك على مثل علم الغيب؟ و من المعلوم عدم الاتكال

(الصفحة149)



عليه في مثل هذه الموارد، التي كان الغرض فيها بيان الاحكام الفرعية و القوانين العملية، او فهم ان مراد السائل هو الابهام من هذه الجهة، و ليس في الرواية ما يدل عليه.
و يمكن ان يكون الجواب ناظرا الى نفس الوصية و تخطئته للوصي في توصيفهابالابهام، و يكون مرجعه الى ظهور الوصية في نفسها في التكرار، و يويد ـ حينئذ ـ حمل الرواية على ارادة التكرار، كما في اوّل كلام العروة.
و لكن يبعدّه عدم ظهور نفس العبارة المذكورة في الرواية، و هي قوله: حجّواعني، في ارادة التكرار، و على تقديره لم تكن المسألة مشكلة عند الاصحاب حتى عجزوا عن حكمها، كما في الرواية الثانية، كما انه على تقدير كون المراد بالابهام، هو الابهام من جهة المرة و التكرار، يتحقق هذا الاشكال ايضا، فان مقتضى القاعدة، و هو تحقق الطبيعة بمصداق واحد، لم يكن يخفى على الجميع.
و كيف كان، فالاستدلال بالرواية فيما يخالف القاعدة يبتني على ظهور كلمة «الابهام» فيها، في الابهام من جهة المرة و التكرار، و كون الجواب تقريرا بالاضافة الى هذه الجهة و مينيا لحكم الوصية المبهمة كذلك، و لم يثبت ظهور الرواية في ذلك، حتى يتكل عليه في الحكم المخالف للقاعدة، كما هو ظاهر.
بقي في هذا الامر فرعان:
الاوّل: ما لو اوصى بالثلث و لم يعين الاّ الحج، و بعبارة اخرى الوصية ظاهرة من جهة: في صرف مجموع الثلث للمبت، و من جهة اخرى: لم يقع فيها التعرض الاّ للحج من دون تعرض للمرة و التكرار، و من دون تعرض لصرف جميع الثلث في خصوص الحج. و قد نفى البعد في المتن عن لزوم صرف جميع الثلث في الحج مرة او مكرّرا، و ظاهر العروة ترجيح هذا الاحتمال.

(الصفحة150)



و يظهر من الجواهر: لزوم الصرف في الحج، و ان لم يقع التعرض للثلث في الوصية، حيث قال بعد القول: بانه لعلّ ظاهر الوصية بالثلث مع الاقتصار على المصرف المخصوص، يقتضي ارادة صرف الجميع فيه «بل قد يدعى ظهور الاقتصار في الوصية بالحج عنه، في ارادة الوصية بالثلث، و انه يصرف في ذلك، و ان لم يوص بالثلث بغير اللفظ المزبور، نحو ما لو قال: «اخرجوا ردّ المظالم اوتصدقوا عني، و نحو ذلك» و لعلّ مراد الشيخ و من تبعه ذلك لا الحمل على التكرار تعبّدا، و ان كان ظاهر اللفظ خلافه، ضرورة استبعاد مثل ذلك في مثله».
و يرد عليه: منع الظهور في ارادة صرف الجميع من الثلث في الحج و مثله بعد عدم التعرض للثلث في الوصية اصلا، فاذا اوصى ببناء مسجد، فهل يكون ظاهره صرف جميع الثلث في بناء المسجد، و لو مكررا؟ لا ينبغي المناقشة في العدم، فان مقتضى مثل هذه الوصية لزوم ايجاد الطبيعة الموصى بها، المتحققة بمصداق واحد، غاية الامر، لزوم الاخراج من الثلث لا لزوم صرف جميعه.
و ابعد من ذلك، حمل كلام الشيخ و من تبعه عليه و استبعاد صدوره من مثله، فانه لو كان مستندهم هي القاعدة، لكان الاستبعاد في محلّه، و لكنك عرفت: ان مستندهم هي الروايات الواردة في الباب، و ان ناقشنا في الاستدلال بها سنداو دلالة، كما عرفت.
هذا، و اورد بعض الاعلام على كلام السيّد (قدس سره) في العروة: بانه لا يتم على اطلاقه، بل انما يتمّ فيما إذا كان للكلام ظهور في صرف جميع الثلث في الحج و نحوه و امّا إذا كان ظاهرا في امرين مستقلين فلا وجه لصرف الجميع في الحج، بل يصرف مقدار منه فيه و تصرف البقية في سائر الامور الخيرية.
و يرد عليه: ان مفروض الكلام، كما ذكرنا: ما إذا اوصى بالثلث، و كانت الوصية ظاهرة في صرف الجميع، و لم يقع التعرض الاّ للحجّ من دون قيام قرينة

(الصفحة151)



على عدم الارتباط بين الامرين و ثبوت الاستقلال في البين. و في هذه الصورة لا مجال لانكار الظهور في صرف الجميع في الحجّ، كما هو مختار المتن و العروة، و امّامع قيام القرينة على عدم الارتباط، فهو خارج عن محل الكلام.
الثاني: ما لو اوصى بالحج مع التصريح بقيد التكرار، و الظاهر تحققه بمرتين، لان التكرار في مقابل المرة، فلا تجب الزيادة على مرتين، كما هو ظاهر.
الأمر الثاني: ما لو اوصي في الحج. و عيّن اجيرا معيّنا، و الحج الموصى به تارة يكون واجبا، و اخرى مستحبا.
ففي الصورة الاولى: إذا قبل الاجير النيابة باجرة المثل، فلا اشكال في تعيّنه، و لزوم اخراج الاجرة من اصل التركة. و امّا إذا لم يقبل الاّ بالزائد عن اجرة المثل، فان كانت الزيادة بمقدار الثلث او انقص منه، فلا اشكال ايضا في تعينه و لزوم العمل بالوصية. غاية الامر، اخراج اجرة المثل من اصل التركة و الزّيادة من الثلث.
و امّا إذا كانت الزيادة زائدة على الثلث، ففي المتن، تبعا للعروة: بطلان الوصية من هذه الجهة، و لزوم استيجار شخص اخر باجرة المثل. و الوجه في البطلان، عدم امكان العمل بمقتضى الوصية، لان المفروض عدم قبول الاجير الاّبالزيادة، و كونها زائدة على الثلث، و عدم اجازة الورثة، فلا يمكن العمل بالوصية، فاللازم الحكم ببطلانها.
و امّا لزوم الاستيجار باجرة المثل لا بالزائد عليها بمقدار الثلث، فلانه بعدبطلان الوصية من جهة تعيين الاجير، يصير الحكم مثل ما إذا لم يكن هناك تعيين للاجير من الاوّل. و قد عرفت في المسائل السابقة: ان الحكم لزوم الاستيجار

(الصفحة152)



المثل، الاّ مع وجود من يأخذ اقل منها او عدم من يأخذ الاّ بالزائد منها، و على التقادير الثلاثة، يخرج من اصل التركة.
نعم، في مشابه المسألة، و هو ما إذا عين الموصي الاجرة دون الاجير، و كانت الاجرة زائدة عن اجرة المثل، و لم يبلغ الثلث الزيادة، فكانت الزيادة زائدة على الثلث ايضا، يمكن ان يقال بلزوم اضافة مقدار الثلث فقط الى اجرة المثل، نظراالى لزوم العمل بالوصية بالمقدار الممكن، و ان لم يبلغ المقدار الذي عيّنه، و لكن هذا الاحتمال لا يجري في المقام، و هو تعيين الاجير، فانه مع بطلان الوصية بالاضافة اليه، لفرض مطالبته الزائد عن اجرة المثل و الثلث معا، لا يبقى الاّ الوصية بالحج فقط، و اللازم فيها الاستيجار باجرة المثل، هذا كله إذا كان الحج الموصى به واجبا.
و امّا إذا كان مستحبّا و عين اجيرا معيّنا، فحيث انّ الاجرة في هذه الصورة بلحاظ كون الحج الموصى به مستحبّا، تخرج من الثلث، فان قبل الاجير المعين بما لا يكون زائدا على الثلث، سواء كان زائدا على اجرة المثل ام لم يكن كذلك، فمقتضى لزوم العمل بالوصية، استيجاره بذلك المقدار.
و ان لم يقبل الاّ بالزائد على الثلث، و المفروض عدم اجازة الورثة للزائد، فلا اشكال في بطلان الوصية حينئذ بالاضافة الى الاجير، لعدم تمكن الوصي من العمل بالوصية في هذه الصورة، و امّا بالاضافة الى اصل الحج، الذي فرض كونه مندوبا، فصحة الوصية بلحاظها و عدمها تبتني على وحدة المطلوب و تعدّده، فان كان مطلوب الموصي واحدا، بمعنى تعلق غرضه بتحقق الحج الاستحبابي من الاجير الذي عيّنه بنحو التقييد، بحيث لا يكون اصل الحج من دون القيد مطلوبا له اصلا، فاللازم الحكم ببطلان الوصية بالحج ايضا. و ان كان مطلوب الموصي متعدّدا، بمعنى ثبوت غرضين للموصي تعلق الاوّل باصل الحج، و الثاني بوقوعه من

(الصفحة153)

مسألة 6 ـ لو اوصى بصرف مقدار معين في الحجّ سنين معيّنة و عين لكلّ سنة مقدارا معيّنا، و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنّة، صرف نصيب سنتين في سنة او ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا. و لو فضل من السنين فضلة لا تقي بحجّة و لو من الميقات، فالاوجه صرفها في وجوه البرّ، و لو كان الموصى به الحج من البلد و دار الامر بين جعل اجرة سنتين مثلا لسنة و بين الاستيجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة، يتعين الأوّل. هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي ارادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد، و الا فتبطل الوصية إذا لم يرج امكان ذلك بالتأخير او كانت مقيدة بسنين معيّنة1 .


الاجير الذي عينه، فبطلان الوصية بلحاظ الغرض الثاني لعدم امكان العمل بها، لا يستلزم بطلانها بالاضافة الى الغرض الاوّل، كما لا يخفى. نعم، قد يقع الترديد و الشك من جهة كون المطلوب واحدا ام متعددا و سيأتي حكمه في بعض المسائل الاتية، ان شاء الله تعالى.
1 - في هذه المسألة فروع، و ليعلم ان محلّها ـ كما يستفاد من ذيل المسألة ـ صورتان:
احداهما: ما إذا علم من الموصي انه لم يرد الحج بذلك المقدار على وجه التقييد، الذي مرجعه الى وحدة مطلوب الموصي، بل اراد على وجه تعدد المطلوب، و معناه تعلّق اصل طلبه بنفس الحج، و طلبه الاخر بالخصوصيات، من التعدد و مثله.
ثانيتهما: صورة الشك في ذلك، و انه هل يكون تعلق طلبه بنحو وحدة المطلوب او بنحو تعدّده، و امّا صورة العلم بالتقييد و الوحدة فحكمها شيء اخر، إذا عرفت ذلك، فنقول:
الفرع الاوّل: ما لو اوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معيّنة، و عيّن لكل سنة مقدارا معيّنا، سواء كان التعيين بنحو التفصيل، كما إذا عين خمسين الف تومانا لكل

(الصفحة154)



او بنحو الاجمال، كما إذا عين غلة مزرعته ـ مثلا ـ و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة، و الحكم فيه صرف نصيب سنتين في سنة او ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا. و في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه، و عن الحدائق: من غير خلاف يعرف، و في المدارك: انه مقطوع به في كلام الاصحاب.
و قد استدل له بامور:
احدها: قاعدة الميسور، و قد استدل بها في الرياض، و استظهر من كشف اللثام، بل من الحدائق نسبة الاستدلال بها الى الاصحاب، و لكنّه اورد عليه السيّد (قدس سره) في العروة بعدم جريانها في غير مجعولات الشارع، و اوضحه سيد المستمسك (قدس سره)في الشرح، بما هذه عبارته: «ان مفاد القاعدة كون الطلب بنحوتعدّد المطلوب، و ذلك انّما يصح بالنسبة الى الطلب الشرعي، الذي يمكن فيه الكشف عن ذلك، الذي هو خلاف التقييد، امّا الطلب الصادر من غير الشارع فلا يمكن فيه الكشف المذكور، و وجوب العمل بالوصية و ان كان شرعيّا، لكنه يتوقف على صدق الوصية على البعض، فاذا فرض انتفاؤه لانتفاء القيد انتفى صدق الميسور، ضرورة انه لا يصدق مع انتفاء الوصية. و ان شئت قلت: ضرورة عدم وجوب ما لم يوص به الميت».
و مرجعه الى ان القاعدة كاشفة عن تعدّد مطلوب الشارع لا مطلوب غيره، كالموصي، اذ لا مجال فيه لكشفها عنه. نعم، يبقى مطلوبية العمل بالوصية، و هى مرتبطة الى الشارع و راجعة اليه، و حيث انّ المطلوب هو عنوان العمل بالوصية بالنحو الكليّ، فبقاء الطلب يتوقف على صدق الوصية على البعض، و هو منتف لانتفاء القيد، فلا يبقى عنوان الميسور.
و يرد عليه: مضافا الى خروج الصورة الاولى من الصورتين اللتين ذكرنا انهما محلّ البحث، ضرورة انه مع العلم بعدم التقييد، لا مجال لهذا الكلام. انه في صورة

(الصفحة155)



الشك ايضا لا وجه لدعوى عدم صدق الوصية على البعض بالضرورة، فان عدم صدقها يتوقف على احراز كونه بنحو التقييد، و المفروض الشك فيه، الاّ ان يقال: انّ مجرّد الشك يكفي في عدم صحة الاستناد الى القاعدة، و لكنه انما يتم على تقدير عدم كون الظاهر هو عدم التقييد. و سيأتي الكلام فيه في الامر الثاني.
الثاني: ان الظاهر من حال الموصي ارادة صرف ذلك المقدار في الحج، و كون تعيين مقدار كل سنة انّما هو بتخيل كفايته. و قد استدل به السيد (قدس سره) في العروة. و يرد عليه: انه لا مجال لانكار كون الظاهر من حاله في بعض المواردذلك، و امّا كونه كذلك في جميع الموارد، فلا دليل عليه. و عليه، فلا يمكن الاستدلال به للمدّعى.
الثالث: ما ذكره في المدارك، من: انّهم استدلوا عليه بان القدر المعيّن قد انتقل بالوصية عن ملك الورثة، و وجب صرفه فيما عيّنه الموصي بقدر الامكان، و لا طريق الى اخراجه الاّ بجمعه على هذا الوجه، فيتعيّن.
و اورد عليه بقوله: بعد نفي البأس عنه: «و ان امكن المناقشة فيه، بان انتقال القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع امكان صرفه فيها، و لهذا وقع الخلاف في: انه إذا قصر المال الموصي به عن الحج، هل يصرف في وجوه البرّ او يعود ميراثا، فيمكن اجراء مثل ذلك هنا، لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصيّة؟
و يرد عليه: بطلان المقايسة، فانه في صورة قصور المال عن الحج الواحد لا مجال لاحتمال تعدّد المطلوب، بالاضافة الى ابعاض اعمال الحج و مناسكه، فان المطلوب واحد لا محالة، و يتعذر صرف الموصى به من المقدار فيه، و امّا في المقام يجري احتمال تعدد المطلوب، بل قد عرفت من البعض: ان الظاهر من حال الموصي هو التعدد، فالمقايسة في غير محلّها. نعم، يمكن ان يقال: ان مجرد الاحتمال مع قطع النطر عن الظهور، لا يكفي في الحكم بتحقق انتقال المال

(الصفحة156)



بالوصية عن ملك الورثة، و الدليل يبتني على ثبوت الانتقال.
الرّابع: روايتان لابراهيم بن مهزيار:
الاولى: ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن ابراهيم بن مهزيار، قال: كتب اليه علي بن محمد الحصيني (الحضيني خ ل): ان ابن عمي اوصى ان يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة، و ليس يكفي، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب (عليه السلام): يجعل حجتين في حجّة، فان الله تعالى عالم بذلك.(1) و رواه الكليني عن محمد بن يحيى عمّن حدثه عن ابراهيم بن مهزيار مثله. و المراد من قوله (عليه السلام): فان الله تعالى عالم بذلك، الذي هو بمنزلة التعليل للحكم، هو ان الله تعالى عالم بانّ جعل حجتين في حجة، الذي مرجعه الى عدم العمل بتمام الوصية، لا يكون مستندا الى تقصير من الوصي في العمل بالوصية، و يمكن ان يكون المراد: انّ الله تعالى كان عالما من الاوّل بعدم وفاء المقدار المعين بما اوصى به من الحج متعددا.
الثانية: ما رواه الكليني بالاسناد المتقدم، المشتمل على الارسال عن ابراهيم بن مهريار، قال: و كتبت اليه (عليه السلام): ان مولاك علي بن مهزيار اوصى ان يحج عنه من ضيعة صيّر ربعها لك في كلّ سنة حجة الى عشرين دينارا، و انه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن على الناس، فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك اوصى عدة من مواليك في حجّهم. فكتب (عليه السلام): يجعل ثلاث حجج حجتين ان شاء الله.(2) و رواه الشيخ بالاسنادالسابق، و رواه الصدوق باسناده عن ابراهيم بن مهزيار نحوه، و كذا الّذي قبله،

1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثالث ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثالث ح ـ 2.

(الصفحة157)



فالروايتان قد رواهما المشايخ الثلاثة. غاية الامر، ان الشيخ و الصدوق مسندا، و الكليني مرسلا. و الكلام في الرّوايتين تارة من حيث السّند و اخرى من حيث الدلالة: امّا من الجهة الاولى: فقد عرفت: ان الكليني و ان رواهما مرسلا لكن الصدوق و الشيخ رواهما مسندا و طريقهما الى ابراهيم بن مهزيار صحيح، انّما الكلام في ابراهيم نفسه، حيث لم يصرّح بوثاقته في كتب الرجال، و لاجله ذكر سيد المدارك: ان فيهما ضعفا. و لكنّه وثقه العلامة في الوجيزة، و الفاضل المجلسيو جمع اخر، كصاحب الحدائق، و استدل على وثاقته بوجوه، عمدتها ما عن السيد ابن طاوس في ربيع الشيعة: انه من سفراء الصاحب عجل الله تعالى فرجه الشريف، و الابواب المعروفين الذين لا تختلف الاثنا عشرية فيهم.
و اورد على هذا الاستدلال: بان هذا اجتهاد منه استنبطه من بعض الرّوايات، و لو كان سفيرا لذكره الشيخ في كتاب الغيبة، الذي تصدى فيه لذكر السفراء، و كذلك النجاشي و غيرهما، ممن تقدم علي ابن طاوس، مع شدة اهتمامهم بذكرالسفراء و الابواب.
و الجواب عن هذا الايراد، مضافا الى ظهور مكاتبته معه من دون واسطة، كما في الرواية الثانية في ذلك: انه ذكر الكشي في رجاله و روى عن احمد بن علي بن كلثوم السرخسي، و كان من القوم الفقهاء (خ ل) و كان مأمونا على الحديث، قال: حدثني اسحق بن محمد البصري، قال: حدثنى محمد بن ابراهيم بن مهزيار، و قال: انّ ابي لما حضرته الوفاة دفع اليّ مالا و اعطاني علامة، و لم يعلم بتلك العلامة احد الاّ الله عزّ و جل، و قال: فمن اتاك بهذه العلامة فادفع اليه المال.
قال: فخرجت الى بغداد و نزلت في خان، فلما كان اليوم الثاني اذ جاء شيخ و دقّ الباب، فقلت للغلام: انظر من هذا؟ فقال: شيخ. فقلت: ادخل. فدخل

(الصفحة158)



و جلس، و قال: انا العمرى، هات المال الذي عندك، و هو كذا و كذا، و معه العلامة قال: فدفعت المال اليه.
و يؤيده الحديث الذي اورده الصدوق في كتاب اكمال الدين، مما يدل على تشرفه بخدمة الصاحب (عج) و جلالة قدره و عظمة شأنه و علوّ مقامه، و لكن نوقش فيه بوجهين:
احدهما: كون الراوي و الناقل هو ابراهيم نفسه، و لا مجال لاثبات وثاقة شخص بقول نفسه.
و لكن يدفعه: انه لا ترديد في كون الرجل امّاميّا غير مذموم، و لا يعقل من مثله ان يباهت الامام (عج) بما لم يصدر منه، و لا يقاس ذلك بمجرد دعوى الرؤية و التشرف، كما لا يخفى.
ثانيهما: اشتماله على وجود اخ للصاحب (عليه السلام) مسمّى بموسى، و ان ابراهيم قدرأه، مع انه من الواضح انحصار ولد العسكري (عليه السلام) بالصاحب، و هذه المناقشة لا مجال لدفعها اصلا.
هذا، و لكن ابراهيم، مضافا الى انه ثقة، يكون في المقام استناد المشهور، بل الجميع، الى الرّوايتين جابرة للضعف على تقديره. و قد عرفت: ضعف الوجوه المتقدمة و عدم صلاحيتها للاستدلال بها في جميع موارد المدعى و فرضي البحث، فالاشكال من حيث السّند غير تام، و امّا الاضمار فلا يخل بالاعتبار، لوضوح كون مرجع الضمير هو الصاحب (عليه السلام). غاية الامر، ان الكاتب في الاولى علي بن محمد و في الثانية هو ابراهيم.
و امّا من حيث الدلالة: فبعد وضوح عدم شمول الروايتين، لما إذا علم بالتقييد و وحدة المطلوب، يكون شمولهما لصورتي الاخرتين، و هما صورة العلم بالتعدد و صورة الشك في الوحدة و التعدد، خاليا عن الاشكال، بل يمكن ان

(الصفحة159)



بانّ القدر المتيقن صورة الشك، التي هي العمدة في البحث، لعدم حاجة صورة العلم بالتعدد الى اقامة الدليل، فالاستدلال بها لصورة الشك خال عن الاشكال.
و امّا الحكم في احديهما: يجعل حجتين في حجة، و في اخرى: بجعل ثلاث بحج في حجة واحدة، فلا خفاء في عدم ثبوت التعارض بينهما بعد وضوح كون المراد الاتيان بالحج بالمقدار الذي يسعه المال الموصى به، و لذا يستفاد من كلتيهما لزوم جعل الاربع في واحدة، و هكذا، فالانصاف تمامية هذا الدليل.
الفرع الثاني: لو فضل من السنين فضلة: فان كانت وافية بحجة، و لو من الميقات، فالظاهربمقتضى ما ذكرنا في الفرع الاوّل: لزوم صرفها فيها، و اتيان الحج زائدا على السنين.
و ان لم تكن وافية بها كذلك، ففي العروة: فهل ترجع ميراثا او في وجوه البرّ، او تزاد على اجرة بعض السنين، وجوه. و لم يرجح شيئا منها، و في المتن جعل الاوجه الثاني. و يظهر من الجواهر: انّ الوجه الثالث لا يكون في عرض الوجهين الاوّلين، بل له مدخلية في ثبوت عنوان الفضله و عدمه، حيث قال: «و لو فضل من الجميع ـ ان حصر السنين في عدد، كعشرة و نحوها ـ فضلة، لا تفي بالحج، ففي كشف اللثام: عاد ميراثا او صرف في غيره من المبرّات، قلت: قد يقال بوجوب دفعها اجرة في بعض السنين، و ان زادت عن اجرة المثل مع فرض الوصية، فلا فضلة حينئذ. نعم، لو امكن فرضها، جرى فيها الوجهان، بل يتعين الثاني منهما مع فرض الوصية بها، و انه ذكر ذلك مصرفا لها، فاتفق تعذّره، كما انّها يتعين الاوّل، إذا فرض اخراجها عن الوارث بالوصية المزبورة، التي قد فرض تعذّرها، فتأمل».

(الصفحة160)



و عليه، فما في المستمسك، من: ان صاحب الجواهر اقتصر على الوجهين الاوّلين، تبعا لكشف اللثام، ليس في محلّه، فانه تعرض للوجه الاخير، و جعله في رتبة متقدمة على الوجهين، و الحقّ معه. فانه لو فرض صرف الفضلة الزائدة عن اجرة المثل في السنة الاخيرة من الحج لا يبقى موضوع الفضلة، و لا مانع من الصرف فيه، بل مقتضى الوصية لزوم صرف المقدار الموصى به في الحج و ليست الزيادة كالنقيصة، فانه لا مجال لاجبار الاجير على الحج باقلّ من اجرة المثل، و امّاالزيادة فهي مطلوبة نوعا، فيعطى الاجير زائدا على اجرة المثل، و يتحقق العمل بالوصية، كما هو ظاهر.
و كيف كان، فعلى تقدير تحقق الفضلة بعدم الصرف في بعض السنين، و فرض جوازه مع كونه مغايرا للعمل بالوصية، فاحتمال عودها ميراثا و التقسيم بين الورثة، يدفعه: ان الارث بمقتضى الكتاب و السنّة متأخر عن الوصية، فالانتقال اليه انما هو في مورد العجز عن العمل بالوصية و عدم امكانه، فاللازم اوّلا ملاحظة ذلك، فنقول: لا خفاء في امكان العمل بالوصية على تقدير احراز كونها بنحو تعدّد المطلوب، بان كان مطلوب الموصي، اوّلا صرف المقدار الموصي به في ما يرجع نفعه اليه يكون مصلحة له، و كان غرضه افراز ذلك المقدار من التركة و جعله لنفسه، و كان مطلوبه الثانوي هو الصرف في الحج و تخصيص ما يرجع نفعه اليه به، فاذا تعذر المطلوب الثاني بالاضافة الى الفضلة، لفرض عدم وفائها بالحج فيبقى المطلوب الاوّل بحاله، فاللازم حينئذ صرفه في وجوه البّر، و لا يبقى مجال للرجوع الى الورثةو العود ميراثا.
و امّا في صورة الشك في الوحدة و التعدد، التي هي العمدة في محل البحث في تمام فروع هذه المسألة، فربما يقال، كما ذكره بعض الاعلام: بان ظهور حال

<<التالي الفهرس السابق>>