في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)



الاطمينان، كما عرفت.
ثم انّ الاشكال على تقديره انما يكون في العمرة المفردة، و امّا عمرة التمتع، التي يجب الاتيان بها قبل الحجّ، فيدل على فورية وجوبها ما يدل على فورية وجوبه، كما لا يخفى.
الجهة الخامسة: انّه لا اشكال في ارتباط عمرة التمتع بحجه و عدم استقلال كل منهما، و عليه، فالاستطاعة المعتبرة فيها لا بد و ان تكون متحققة بالاضافة الى كل منهما، فمن كان وظيفته حج التمتع يشترط في تعلق التكليف و توجهه اليه، ثبوت الاستطاعتين.
و امّا العمرة المفردة فهي مستقلة بنفسها، كالحج غير التمتع، فانه ايضا يكون كذلك، و لا ارتباط بينهما، و عليه، فاللازم في وجوب كلّ واحد منهما حصول الاستطاعة بالاضافة اليه، و تحقق الشرائط بالنسبة الى نفسه، فلو استطاع للعمرة دون الحج تجب دونه، و كذا العكس. و الدليل عليه: ظهور الادلة المتقدمة من الايات و الروايات في انهما فرضان و واجبان، و لم يدلّ شيء منها على الارتباط بين الامرين، فان قوله تعالى: «و اتموا الحج و العمرة للّه» يدل على وجوب الاتيان بكلا الامرين، و كذا قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدمة: هما مفروضان. و عليه، فدعوى الارتباط و لزوم تحقق الاستطاعتين في وجوب كلا الامرين و عدم جوازالتفكيك، ممنوعة و ان نسب الى البعض، لكن ذكر صاحب الجواهر: انه لم يعرف قائله.
نعم، هنا قول محكي عن الشهيد في الدروس، و هو كفاية استطاعة الحج لوجوبه و لزوم الاتيان به مستقلا، و عدم كفاية استطاعة العمرة لوجوبها كذلك، و استدلّ له في كشف اللثام بوجوه:

(الصفحة222)



الاصل: و من المعلوم انه لا مجال له بعد قيام الادلة المتقدمة من الكتاب و السنّة، على الوجوب.
2 ـ ظهور حج البيت في الاية المعروفة في الحج، في خصوصه و عدم شموله للعمرة. و قد عرفت ظهوره في نفسه في العموم و دلالة الرواية الصحيحة عليه.
3 ـ عدم ظهور قوله تعالى: «و اتموا الحج و العمرة للّه» في وجوب انشائهماو الشروع، و قد مرّ منعه في نفسه و الاستدلال به على الوجوب بحسب الشروع، في الرواية الصّحيحة.
4 ـ انّها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبل ادائها و قبل ذي الحجّة، يجب استيجارها عنه من التركة، و لم يذكر ذلك في كتاب و لا خبر. و التزم صاحب الجواهر بذلك، و انه ينوي بذلك عمرة الاسلام. قال: نعم، لو امكن القول بعدم وجوبها على النائي، الذي فرضه حج التمتع، اتجه حينئذ سقوطها بالموت قبل اشهر الحج، فلا تخرج من التركة، و اتجه عدم نية عمرة الاسلام بها.
5 ـ ان المستطيع لها و للحج إذا اتى الحرم قبل اشهر الحج نوى بعمرته عمرة الاسلام، لاحتمال ان يموت او لا تبقى استطاعته للحج الى وقته.
و اجاب عنه كشف اللثام: بان المستطيع لهما فرضه عمرة التمتع او قسيميه، و ليس له الاتيان بعمرة الاسلام الاّ عند الحج، فما قبله، كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا، و احتمال الموت او فوت الاستطاعة غير ملتفت اليه.
و انت خبير: بانه لا يجتمع مع القول بالوجوب و الفورية، كما مرّ، و لا ينفى احتمال تجدد الاستطاعة للحج وجوب المبادرة اليها قبل ايّام الحج، كما لا يخفى.
فاللازم الالتزام بهذا الوجه ايضا، على تقدير وجوب العمرة على النائي، الذي فرضه حجّ التمتع، و سيأتي البحث عنه في المسألة الثانية ان شاء الله تعالى.

(الصفحة223)

مسألة 2 ـ تجزي العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها، و لم يكن مستطيعا للحج؟ المشهور عدمه، و هو الاقوي، و على هذالا تجب على الاجير بعد فراغه عن عمل النيابة و ان كان مستطيعا، و كذا لا تجب على من تمكن منها و لم يتمكن من الحج المانع، لكن الاحوط الاتيان لها1 .


1 - تشتمل هذه المسألة على حكمين:
الحكم الاوّل: اجزاء العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة، و عدم لزوم الاتيان بها على من اتى بالاولى، و ان تحققت الاستطاعة لها بعدها او قبلها، و يدلّ عليه قبل الاجماع الروايات الكثيرة المستفيضة: كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة.(1) و صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: قلت: فمن تمتع بالعمرة الى الحج ا يجزي عنه ذلك؟ قال: نعم.(2) و رواية احمد بن محمد بن ابي نصر، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن العمرة اواجبة هي؟ قال: نعم، قلت: فمن تمتع يجزي عنه؟ قال: نعم.(3) و صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): قول الله عزّ و جلّ: و اتّموا الحج العمرة للّه، يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة الى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه(4).

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 2.
3 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 3.
4 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 4.

(الصفحة224)



و رواية ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فاذا ادى المتعة فقد ادى العمرة المفروضة.(1)
الحكم الثاني: انه هل تجب العمرة المفردة على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها فقط، ام لا؟ المشهور هو
الثاني، بل ذكر صاحب الجواهر: انه لم يعرف خلاف بينهم، فانها قسمان: متمتع بها و مفردة، و ان الاولى فرض النائي، و الثانية فرض حاضري مكة، و حكم بضرورة ظهوره في اختصاص وجوب المفردة بغير النائي، كظهوركلامهم في غير المقام: في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي. و الظاهر وجود التشويض في كلامهم، فقد قال المحقق في الشرايع ـ الذي لا يماثله شيء من المتون الفقهية، و قد اعترف بعض اعاظم الفقهاء من المعاصرين بعدم قدرته على كتابة صفحة مثل الشرايع، فضلا عن جميعه ـ ما لفظه: «و تنقسم الى متمتع بها و مفردة، فالاولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام، و لا تصح الا في اشهر الحج، و تسقط المفردة معها. و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام... » و الظاهر وجود التهافت بدوا في كلامه، كما اعترف به صاحب المسالك، قال: «يفهم من لفظ السقوط ان العمرة المفردة واجبة باصل الشرع على كل مكلف، كما ان الحج مطلقا يجب عليه، و انّها انما تسقط عن المتمتع إذا اعتمر عمرته، تخفيفا، و من قوله: و العمرة المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام الى اخره، عدم وجوبها على النائي من رأس، و بين المفهومين، تدافع ظاهر، و كان الموجب لذلك كون عمرة التمتع اخف من المفردة، فكانت المفردة بسبب ذلك اكمل، و هي المشروعة

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 6.

(الصفحة225)



بالاصالة المفروضة قبل نزول اية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الاصلية مجزية عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة، و يكون قوله: و المفردة تلزم الى اخره، اشارة الى ما استقر عليه الحال، و صار هو الحكم الثابت الان بأصل الشرع، ففي الاوّل اشارة الى ابتدائه، و الثاني الى استقراره. » و هذا التوجيه و ان كان يرفع التهافت الاّ انه لا يوجب خروج العبارة عن التشويش، الذي ذكرنا.
و قد ذكر صاحب الجواهر بعد نقل توجيه المسالك: و هو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي.
إذا عرفت ذلك، فاعلم: ان الحقّ ما هو المشهور، و خالفهم في ذلك بعض الاعاظم من شراح العروة، و يتضح ما ذكرنا بعد ملاحظة امور:
الاوّل: انه ليس في شيء من الادلة المتقدمة، الواردة في اصل وجوب العمرة، ما يدل على ان الواجب هي العمرة بوصف كونها مفردة، لا في الايات و لا في الرّوايات، بل قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة الى الحج في ذيل اية: «و اتموّا الحج و العمرة للّه» ظاهر في انّ المراد من العمرة المأمور باتمامها و الاتيان بها في الصدر: ليس خصوص العمرة المفردة، لظهوره في كونه قسما ممّا امر به في اوّل الآية و نوعا منه، و التعبير في صحيحة ابن اذينة: بانّهما مفروضان. لا دلالة له على كون المراد هي العمرة المفردة، لان العمرة التي يتمتع بها ايضا مفروضة، و ارتباطها بالحج و عدم استقلالها لا ينافي المفروضية، كما ان حج التمتع ايضا كذلك.
و كيف كان، فلا دلالة لشيء من ادلة الوجوب على ان الواجب هي العمرة المفردة، بل الواجب هو طبيعي العمرة، الصادق على عمرة التمتع ايضا.
الثاني: دلالة بعض الروايات على دخول العمرة في الحج الى يوم القيامة: ففي صحيحية الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لانّ الله تعالى يقول: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من

(الصفحة226)



الهدي... » فليس لاحد الا ان يتمتّع، لانّ الله انزل ذلك في كتابه و جرت به السنّة من رسول الله (صلى الله عليه وآله).(1) و قد استدلّ بها صاحب المستند، بتقريب: انه خرج منه ما خرج فيبقى الباقي. و الظاهر ان الرواية واردة في خصوص المقام و لا تشمل غيره اصلا، فان قوله (عليه السلام): دخلت العمرة في الحج. و ان كان بنفسه مطلقا شاملا للعمرة المفردة الواجبة او المستحبّة، و مرجعه حينئذ الى عدم مشروعية العمرة بدون الحج اصلا، الاّ ان التعليل بقوله تعالى: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج» يوجب قصر الحكم على العمرة. الواجبة، كما انه بملاحظة ذيل الاية، و هو قوله تعالى: «ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام» يختص بمن كان مكلفا بحج التمتع على تقديرالاستطاعة للحج، فيصير حاصل المعنى: دخول العمرة الواجبة بالاضافة الى الافراد المذكورة في الحج، و عدم استقلالها في نفسها، فلا يجب عليهم غير عمرة التمتع، التي لا بد في تحقق الاستطاعة لها من تحققها للحج ايضا، و لو كانت العمرة المفردة واجبة عليهم في فرض الاستطاعة لها لما كانت العمرة الواجبة داخلة في الحج مطلقا، بل الداخلة خصوص عمرة التمتع.
و الظاهر ان المراد من قوله (عليه السلام) الى يوم القيامة، هي الاشارة الى عدم محدودية الدخول بزمان خاص، كما صنعه الثاني، مصرّحا بذلك، و معناه: ان ما اتى به الكتاب و جرت به السنّة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثابت الى يوم القيامة، و لا مساغ لتحديده بزمان خاص.
و بالجملة: لا شبهة في دلالة الرواية، بالتقريب الذي ذكرنا: في عدم وجوب العمرة المفردة على النائي، و كون العمرة الواجبة على داخلة في الحج. و مثلها في

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 2.

(الصفحة227)



الدلالة ـ لكن لا بهذه المرتبة من الظهور ـ صحيحته الاخرى، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: و قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة المتعة. و قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة.(1) و من العجب بعد ذلك، الاستدلال على الوجوب بصحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة، المشتملة على قول السائل: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله ـ عزّ و جل ـ: «و اتموّا الحج و العمرة للّه» يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة الى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ و قوله (عليه السلام) في الجواب: كذلك امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه.
مع ان التعبير ب «مكان تلك العمرة المفردة» يحتمل ان يكون لاجل ما افاده الشهيد الثاني (قدس سره) في توجيه عبارة الشرايع المتقدمة، من: ان الواجب باصل الشرع، و في الابتداء كانت هي العمرة المفردة، و اية التمتع قد نزلت بعدها فصارالحكم بحسب الاستمرار هي عمرة التمتع، و هي اخف منها، لعدم اشتمالها على طواف النساء و ركعتيه. كما انه يحتمل ان يكون لاجل شيوع كون المفروض هي العمرة المفردة، لاجل التحريم، الذي وقع من الثاني، و لا محالة صار موجبا لعدم الاتيان بعمرة التمتع، و يؤيد الثاني جواب الامام (عليه السلام) الذي فيه اشارة الى كون التحريم المذكور مخالفا لما امر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه.
مع انه لو فرض كون المرتكز في ذهن السّائل ما اراده المستدلّ، و فرض وجود تقرير الامام (عليه السلام)بالنسبة الى ذلك، مع انه محلّ منع، فهل يصلح ذلك للنهوض في مقابل صحيحة الحلبي المتقدمة، الظاهرة في عدم وجوب العمرة المفردة، غير الداخلة في الحج على النائي، الذي تكون وظيفته حج التمتع مع الاستطاعة.

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 7.

(الصفحة228)

مسألة 3 ـ قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الاجارة و الافساد، و ان كان اطلاق الوجوب عليها في غير الاخير مسامحة، على ما هو التحقيق، و تجب ايضا لدخول مكّة ـ بمعنى حرمته بدونها ـ فانه لا يجوز دخولها الاّ محرما، الاّ في بعض الموارد: منها: من يكون مقتضى شغله الدخول و الخروج كرارا، كالحطّاب و الحشّاش، و امّا استثناء مطلق من يتكرر منه فمشكل. و منها: غير ذلك، كالمريض و المبطون، مما ذكر في محلّه. و ما عدا ذلك مندوب، و يستحب تكرارها كالحج، و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، و الاحوط فيما دون الشهر، الاتيان بها رجاء1 .


الثالث: انه مع كون العمرة المفردة مبتلى بها، و الاستطاعة بالاضافة اليها كثيرة جدّا، خصوصا مع عدم تقيدها بوقت خاص، فلو كانت واجبة على النائي المستطيع لها لكان اللازم بلوغه من الوضوح و الظهور مثل ظهور وجوب الحج، خصوصا مع شمول اية الحج، التي وقع فيها التعبير بالكفر للعمرة ايضا، كما عرفت، فالشك في الوجوب دليل على عدمه، كما هو ظاهر. و قد انقدح من جميع ذلك: ان الاقوى ما عليه المشهور، لكن الاحتياط حسن في كلّ حال.
1 - هذه المسألة ناظرة الى العمرة الواجبة بالعرض و العمرة المستحبة، كما ان المسألتين المتقدمتين ناظرتان الى العمرة الواجبة بالاصل، و البحث فيها من جهات:
الجهة الاولى: في وجوب العمرة بالنذر و شبهه من العناوين المذكورة في صدر المسألة، و الظاهر كما في المتن ان اطلاق الوجوب على العمرة و توصيفها بكونها واجبة بعنوانها، انما يكون في غير صورة الافساد، على نحو المجاز و المسامحة دون الحقيقة، لان الواجب في النذر و اخويه انّما هو عناوين الوفاء بالنذر و العهد و اليمين، لا ما يتحقق به هذه العناوين في الخارج و يتحدّ معه في الوجود، لانّ مقام تعلق التكليف هي مرحلة العناوين و عالم المفاهيم، و الخارج، الذي هو ظرف الاتّحاد، انّما هو ظرف سقوط التكليف، موافقة او مخالفة، و من الواضح: ان

(الصفحة229)



الحكم لا يكاد يمكن ان يتعدى من العنوان، الذي تعلق به الى عنوان اخر، و لو وقع بينهما الاتحاد في الوجود، فالحكم الجائي من قبل النذر انما تعلق بعنوان الوفاء به و لا يسرى الى العنوان الذي تعلق به النذر، بل هو محكوم بحكم نفسه، فصلاة الليل مستحبة، و ان تعلق بها النذر، و لا يجوز في فرض النذر إذا اراد قصد الوجه، ان يصليها لوجوبها، او بوصف كونها واجبة، بل يأتي بها بوصف الاستحباب، مثل صورة عدم النذر.
و هكذا في الشرط في ضمن العقد اللازم، كالبيع و نحوه، و في الاستيجارللعمرة، فان متعلق الوجوب هو الوفاء بالشرط في الاوّل و بعقد الاجارة في الثاني. هذا كلّه في غير عنوان الافساد.
و امّا فيما إذا افسد المعتمر عمرته، فالذي يترتب على افساده امران: احدهماالكفارة، ثانيهما وجوب العمرة ثانيا. و من الظاهر تعلق الوجوب بنفس عنوان العمرة، غاية الامر، بسبب الافساد لا باصل الشرع. و حينئذ ان قلنا بلزوم الفصل بين العمرتين شهرا او عشرة ايام على الاختلاف، فاللازم رعايته بالاضافة الى العمرة الثانية، على تقدير اعتبار الفصل بينهما مطلقا، و لو كانت العمرة الاولى فاسدة، و ان لم نقل باعتبار الفصل اصلا او باعتباره مطلقا، يجوز له الاتيان بالثانية بلا فصل. هذا مع قطع النظر عن الرواية الواردة فيه، و اما مع ملاحظتها، فسيأتي البحث فيه في محلّه ان شاء الله تعالى.
الجهة الثانية: في وجوبها لدخول مكّة، لانه لا يجوز دخولها بلا احرام، قال في محكي المدارك: اجمع الاصحاب على انه لا يجوز لأحد دخول مكة بلا احرام عدا ما استثنى...

(الصفحة230)



و يدل عليه من النصوص: صحيحة عاصم بن حميد، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): يدخل الحرم احد الاّ محرما؟ قال لا، الاّ مريض او مبطون.(1) و صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت ابا جعفر (عليه السلام): هل يدخل الرجل الحرم بغير احرام؟ قال: لا، الاّ ان يكون مريضا او به بطن.(2) و غير ذلك من الروايات الدالة عليه، و من الظاهر انّ الاحرام، الذي لا يجوز الدخول بدونه، لا يتحقّق بدون العمرة، لانه لا استقلال للاحرام، بل لا بد ان يتحقق في ضمن الحج او العمرة.
ثمّ انه قال في المدارك: «و لا يخفى ان الاحرام انما يوصف بالوجوب معوجوب الدخول، و الا كان شرطا غير واجب، كوضوء النافلة» و ظاهره الوجوب الشرعي في الصورة الاولى، من باب المقدمية، و قد صرّح بهذا الظهور النراقي في المستند. و ظاهر عبارة جماعة الوجوب الشرعي مطلقا من دون فرق بين الصّورتين، و صرّح بعض الاعلام ايضا بالوجوب الشرطي مع عدم وجوب الدخول، مع انّ الظاهر ان مرجع الوجوب الشرطي الى شرطية الواجب به للمشروط، كشرطية الوضوء للصلاة النافلة، الراجعة الى عدم صحتها بدونه، و لو اتى بها بدونه لا يترتب عليه الاّ مجرد البطلان، و المقام ليس من هذا القبيل، بل من قبيل مدخلية الوضوء في جواز مسّ المصحف، و مرجعها الى انحصار التخلص عن حرمة المس بالوضوء و مثله.
و مما ذكرنا يظهر ان مقتضى التحقيق: انه ليس في البين و مثله الاّ مجرد حرمة

1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخمسون ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخمسون ح ـ 2 و لا يخفى ان صاحب الوسائل اورد هذه الرواية في هذاالباب مكررا مع ان الراوي في كليهما هو محمد بن مسلم و الراوي عنه هو عاصم بن حميد و الامام الذي سئل هو ابو جعفر الباقر (عليه السلام) و لا اختلاف بين الالفاظ الايسيرا.

(الصفحة231)



الدخول بمكة بغير احرام، و حرمة مس المصحف، و لا يكون حكم وجوبي اصلا، و الحكم التحريمي انما يكون مرتبطا بالورود في مكة و بمسّ المصحف. غاية الامر، ارتفاعه بالاحرام و بالطهارة، فالحكم بلزوم الاتيان به يرجع الى اللاّبدية العقلية، التي منشأها انحصار التخلص عن الحرام بذلك، فلا يكون بالاضافة الى الاحرام و الطهارة حكم شرعي وجوبي، سواء قلنا بوجوب مقدمة الواجب شرعا ام لم نقل بذلك.
الجهة الثالثة: في الموارد المستثناة من حرمة الدخول، و هي عبارة عن: 1 ـ الحطاب و الحشاش: و الاصل في استثنائه صحيحة رفاعة بن موسى، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكّة حلالا؟ قال: لا يدخلها الاّ محرما. قال: و قال ابو عبد الله (عليه السلام): ان الحطابة و المجتلبة اتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فسألوه فاذن لهم ان يدخلوا حلالا.(1) و المراد بالمجتلبة هي الطائفة التي تجلب ما يحتاج اليه الناس من خارج البلداليه، من الارزاق و الاطعمة و الالبسة و الموادّ المحتاج اليها للبناء و نحوه. و لا يخفى كثرة هذه الطائفة، بالاضافة الى مكّة، لفقدانها لاكثر ما يحتاج اليه اهلها، و لكنه يجبى اليها ثمرات كل شيء، كما قال الله تعالى، فلها معنى وسيع يشمل اكثرالتّجار و الكسبة، بخلاف الحطابة التي لا تشمل الاّ خصوص من كان شغله ذلك. ثم انه هل الحكم يختص بخصوص هذين العنوانين ـ بلحاظ هذه الصحيحة ـ او يتعدى عنهما الى غيرهما، و على تقدير التعدّي، فاللازم ملاحظة

1 ـ وسائل ابواب الاحرام أورد صدره في الباب الخمسون ح ـ 3 و ذيله في الباب الواحد و الخمسين ح ـ 2.

(الصفحة232)



حدوده؟ صرّح بعض الاعلام بالاوّل، نظرا الى انحصار الدليل بالصحيحة و عدم القرينة على التعدي عن موردها، مع انه غير خفي: ان اهل العرف ـ مع رعاية التناسب بين الحكم و الموضوع و وضوح الملاك لهم في الجملة ـ لا يرون للعنوانين خصوصية، فالسائق الذي ينقل الناس من البلد الى خارجه و بالعكس و يتكرر منه ذلك، بل يكون شغلا له، هل لا يستفاد حكمه من الصحيحة؟ الظاهر هي الاستفادة، كما لا يخفى.
و على تقدير التعدي، كما هو الحق، فهل يتعدى الى كل من يتكرر منه الدخول و الخروج، و لو لم يكن التكرر شغلا و مهنة له، كما إذا تكرر منه ذلك لعلاج مرضه، او كان طالبا في مكة و يتكرر منه الخروج و الدخول للتبليغو الارشاد، او لزيارة قرابته ـ مثلا ـ و غير ذلك من الموارد، كما مثّلوا بما إذا كان له ضيعة خارج البلد و يتكرر منه ذلك لاتيانها، او يختص بما إذا كان التكرر شغلا له، كالسائق، في المثال، الذي ذكرنا؟ المنسوب الى المشهور هو الاوّل، و الظاهرهو الثاني، لانه بعد البناء على التعدي لا دليل على سعة دائرته و شمولها لكل متكرر، بل القدر المتيقن هو التكرر المشابه للعنوانين المذكورين في الرواية، فلا دليل في مقابل العموم، المقتضي لعدم جواز الورود بمكة من دون احرام، على ازيد من ذلك القدر المتيقن، لو لم نقل: بان العرف في نفسه يقتصر في التعدي على ذلك المقدار، و ان الخصوصية الملغاة عندهم هي خصوصية العنوانين لا خصوصية كون التكرر شغلا.
و بالجملة: ففي صورة الشك ايضا لا بد من الرجوع الى العموم، و الحكم بعدم الجواز، كما في جميع موارد دوران امر المخصص بين الاقل و الاكثر، مفهوما. و لعلّة لذا اختار في المتن ما ذكرنا، و حكم بالاشكال في سعة دائرة التعدي، كما هوالمشهور.

(الصفحة233)



ثم انه ذكر كاشف اللثام في مقام الاستثناء: الاّ المتكرر دخوله كل شهر، بحيث يدخل في الشهر الذي خرج كالحطاب و الحشاش و الراعي و ناقل الميرة، و من كان له ضيعة يتكرر لها دخوله و خروجه للحرج، و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة...، ثم ذكر الروايات المتضمنة للتحديد بالشهر.
و يرد على الاستدلال، بقاعدة نفي الحرج: انه على تقدير عدم الاستثناء ايضالا يجب في الشهر الواحد ازيد من عمرة واحدة، و ليس بحيث يجب عليه ذلك في كل مرّة يدخل، مع ان المراد من الحرج في القاعدة هو الحرج الشخصي لا النوعي، و تعليل الحكم الكلي بالحرج الشخصي ممّا لا يستقيم.
و امّا الاستدلال بالصحيحة، فيرد عليه: انه لا اشعار فيها بما اعتبره من الدخول في الشهر الذي خرج، في كل شهر، بل استظهر في الجواهر عدم اعتبارتكرر دخولهم قبل انقضاء شهر، فلو فرض ان بعض المجتلبة يحتاج الى فصل ازيد من شهر، دخل حلالا و لا شيء عليه.
و قال بعد نقل كلام كاشف اللثام: و لم اجده لغيره، بل لعلّ ذكر الاصحاب ذلك مستثنى بخصوصه، كالصريح في خلافه، اللهم الا ان يكون من جهة اعتبار سنبق الاحرام في السّابق دونهم.
و مراده مما جعله الاصحاب مستثنى بخصوصه، هو: من اتى بعمرة و خرج ثم رجع قبل انقضاء الشهر، فانه لا يجب عليه الاتيان بالعمرة، و يجوز له الدخول بدونها. و عليه، فاستثناء المتكرر لا بد و ان يكون المراد منه المتكرر و لو مع فصل ازيد من شهر، الاّ ان يكون الفرق من الجهة المذكورة في ذيل كلامه (قدس سره).
و ما ابعد ما بين ما افاده صاحب الجواهر و بين ما ذكره في المستمسك في مقام الاشكال على كاشف اللثام، من: ان الظاهر من التكرار لمثل المجتلبة و الحطابة، الوقوع في الشهر مرّات، و لا يكفي التكرار في الشهر مرّة، لان الظاهر ان التكرار

(الصفحة234)



على النحو المتعارف من اهل تلك المهنة، فلو كان التكرار بطيئا اشكل التعدي اليه، و ان كان في الشهر مرّة.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: انه يتعدى الى من كان التكرر شغلا له، و ان التكرر لا يلزم ان يكون في الشهرة مرّة فضلا عن المرّات، كما ان الاشكال، الذي اورد في المستمسك على صاحب الجواهر، هو ما ذكره نفسه بقوله: اللهم الا ان يكون...
كما انه ظهر ان مثل الحطابة و المجتلبة لا يجب عليه الاحرام لاوّل الدخول بعدالخروج، بخلاف الصورة المذكورة، و هو من اتى بعمرة و خرج ثم رجع، فان المفروض فيه صورة وجوب الاحرام للدخول الاوّل.
2 ـ المريض و المبطون: و قد دلّ على استثنائهما كثير من الروايات الواردة في اصل المسألة، و هو عدم جواز الدخول بمكة بغير احرام، لكن صدر رواية رفاعة ظاهر في عدم الجواز بالاضافة اليهما ايضا، و لكن بقرينة سائر الروايات، لا بد من حمله على الاستحباب، كما صنعه الشيخ (قدس سره).
3 ـ من اتى بعمرة و خرج ثم رجع قبل انقضاء الشهر، فانه يجوز له الدخول بدون الاحرام، و سيأتي البحث فيه ان شاء الله تعالى.
الجهة الرّابعة: في استحباب العمرة في موارد عدم الوجوب، و النص و الفتوى متطابقان عليه. ففي مرسلة الصدوق المعتبرة، قال: اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسع عمر.(1) و في بعض الروايات اربع عمر، و في بعضها ثلاث عمر، و يدل عليه الروايات الآتية

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الثاني ح ـ 5.

(الصفحة235)



في الجهة الخامسة، الدالة على ان لكل شهر عمرة و نظائرها.
الجهة الخامسة: في الفصل بين العمرثين، و قد وقع فيه الاختلاف قديما و حديثا، على اقوال اربعة: 1 ـ القول باعتبار الشهر: و اختاره في محكي التهذيب و الوسيلة و الكافي و النافع و المختلف و الدروس، بل نسب الى المشهور، لكن في صحة النسبة تأمل.
2 ـ القول باعتبار عشرة ايام: حكي عن الاحمدي و المهذب و الشرايع و الجامع و الاصباح و سائر كتب الشيخ، و كثير من كتب العلامة.
3 ـ القول باعتبار السنة: نسب ذلك الى العماني، لكن العبارة المحكية غير ظاهرة في ذلك، حيث قال: «قد تأوّل بعض الشيعة هذا الخبر و هو صحيح زرارة الاتي في ادلة القول بالسنة) على معنى مخصوص، فزعمت: انها في المتمتع خاصة، فامّا غيره فله ان يعتمر في أيّ الشهور شاء، و كم شاء من العمرة، فان يكن ما تأولوه موجودا في التوقيف عن السّادة آل الرسول (صلى الله عليه وآله) فمأخوذ به، و ان كان غير ذلك، من جهة الاجتهاد و الظن في ذلك، مردود عليهم، و ارجع في ذلك كلّه الى ما قالته الائمة (عليه السلام)».
4 ـ عدم اعتبار الفصل بين العمرتين: و هو محكي عن الناصريّات و السرائرو المراسم و التلخيص و اللمعة، و جعله في الشرايع اشبه، و في كشف اللثام اقرب، و في الجواهر و المستند: نسب الى كثير من المتأخرين.
و يظهر من المتن: انه نفى القول الثالث و لم يرجح شيئا من سائر الاقوال، حيث انه بعد الاشارة الى الاختلاف اقتصر على ان الاحوط مع الفصل بأقل من الشهر، الاتيان بها رجاء لا بقصد الورود و الاستحباب.

(الصفحة236)



و كيف كان، فمنشأ الاختلاف: الطوائف المختلفة من الروايات الواردة في هذا المجال، و وجه الجمع بينها.
فامّا ما يدل على القول الاوّل، فروايات مستفيضة، بل ربما يدعى تواترهااجمالا:
و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: في كتاب عليّ (عليه السلام) في كل شهر عمرة.(1)
منها: صحيحة يونس بن يعقوب، قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام): انّ عليّا (عليه السلام) كان يقول: في كل شهر عمرة.(2) و هي مشعرة بتكرر هذا القول منه (عليه السلام).
و مثلها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: كان عليّ (عليه السلام) يقول: لكلّ شهر عمرة.(3)
و منها: موثقة اسحاق بن عمّار، قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) السنة اثنى عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة.(4)
و منها: ما رواه في قرب الاسناد، عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرّضا (عليه السلام) انه قال: لكل شهر عمرة.(5)
و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على هذا القول.
و امّا ما يدل على القول الثاني: فرواية واحدة قد رواها المشايخ الثلاثة، لكن الشيخ رواها عن الكليني و هو يروي عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن اسماعيل بن

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ح ـ 2.
3 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ح ـ 4.
4 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ح ـ 9.
5 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ـ ح ـ 12.

(الصفحة237)



مرار عن يونس عن علي بن ابي حمزة، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدخل مكّة في السنّة المرة و المرتين و الاربعة، كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيّا و إذا خرج فليخرج محلا. قال: و لكل شهر عمرة. فقلت: يكون اقلّ؟ فقال: في كل عشرة ايام عمرة، ثم قال: و حقّك لقد كان في عامي هذه السنّة، ست عمر. قلت: و لم ذاك؟ قال: كنت مع محمد بن ابراهيم بالطائف، و كان كلّما دخل دخلت معه.(1) و رواه الصدوق باسناده عن القاسم بن محمد عن على بن ابي حمزة. و الاشكال في علي بن ابي حمزة، و انه هل هو الثمالي الثقة، او البطائني الكذاب؟ و لكنه ربما يقال باعتبار السند، نظرا الى انه على التقدير الثاني يكون رواية مثل يونس، الذي هو من اصحاب الاجماع عنه، دليلا على وثاقته، مع انك عرفت مرارا: ان كون الراوي من اصحاب الاجماع لا يكون له مزية، زائدة على كونه مجمعا على وثاقته فقط، و لا دلالة له على انه لا يروي الاّ عن الثقة.
ثم انه يظهر من الجواهر وجود رواية اخرى على هذا القول، و انّها موثقة حاكية لقول الصادق (عليه السلام): السنّة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة، قال: قلت له: ايكون اقلّ من ذلك؟ قال: لكلّ عشرة ايام عمرة.
و الظاهر، كما اعترف به شراح العروة: عدم وجود رواية بهذه الصورة، لا في الوسائل و لا في غيرها من الجوامع.
و الظاهر ان منشأ الاشتباه، ان صاحب الوسائل بعد نقل موثقة اسحق بن عمار المتقدمة، نقل جزء من رواية علي بن ابي حمزة المتقدمة، المشتملة على قوله (عليه السلام): و لكل شهر عمرة... فاشتبه صاحب الجواهر و اورد جزء هذه الرواية،

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ج ـ 3.

(الصفحة238)



ذيلا للموثقة، ففي الحقيقة وقع التلفيق بين الرّوايتين المتعاقبتين.
فانقدح: انه لا يدل على هذا القول الارواية واحدة، غير قابلة للاعتماد سندا، بل و لا دلالة ايضا، لوجود مثل التهافت فيها، فان المراد من قوله (عليه السلام): و لكل شهر عمرة. هل هو ان اهمية العمرة و استحبابها، بمثابة: لا ينبغي ان لا يؤتى بها في شهر، فالمراد: ان كل شهر لا ينبغي ان يكون خاليا عن العمرة. و عليه فلاينافي الاتيان بها في كل يوم فضلا عن عشرة ايام، او ان المراد، بيان الضابطة، و انّ مشروعية العمرة منحصرة بصورة فصل الشهر، و لا تكون بدونه مشروعة، فالنظر الى بيان الشرط للمشروعية، و اعتبار الفصل بين العمرتين بوقوعهما في شهرين.
و على كلا التقديرين، لا مجال لسؤال الراوي بعده، بقوله: فقلت: هل يكون اقل؟ لانه على التقدير الاوّل: لا منافاة بين ما قاله الامام (عليه السلام) و بين الاقل من الشهر اصلا، لانّ التحريص على عدم ترك العمرة في الشهر لا ينافي الاستحباب في كل يوم، بل في يوم واحد، متعددة، فلا معنى للسؤال المذكور، و على التقدير الثاني: يلزم التهافت، لان الحكم باعتبار تحقق الفصل بالشهر لا يجتمع مع تجويز الفصل بالاقل، و الا تلزم لغوية الضابطة الاولى، و نظير ذلك ما ذكرناه في مسألة عدم اعتبار شهادة العادل الواحد في الموضوعات الخارجية، من ان الحكم بالاعتبار يوجب لغوية جعل الحجية للبينة، التي لا بد فيها من التعدّد، لانه إذا كانت شهادة الواحد كافية، فاعتبار التعدد لا مجال له اصلا، فمن ذلك يستفادعدم اعتبار الواحد، كما هو ظاهر.
ثم انه ربما يتوهم: انّ رواية علي بن ابي حمزة، و ان كانت ضعيفة من حيث السّند، الاّ انها لاجل ورودها في العمرة المفردة المستحبّة، يكون مقتضى قاعدة التسامح في ادلة السّنن، الاخذ بها.
و لكن يدفعه: ان الرواية لا دلالة لها على حكم استحبابي، بل مفادها الوجوب

(الصفحة239)



الشرطي، الراجع الى مدخلية الفصل المذكور فيها في مشروعية العمرة الثانية و صحّتها، كالدليل الدال على شرطية الوضوء لصلاة النافلة، فان مثله لا بد و ان يكون واجدا لشرائط الحجية، و لا يكون مشمولا لقاعدة التسامح بوجه.
و امّا ما يدل على القول المنسوب الى العماني، فصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العمرة في كل سنة مرّة.(1) و صحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يكون عمرتان في سنة(2). و مثلها صحيحة زرارة بن اعين عن ابي جعفر (عليه السلام).(3) و هذه الروايات، و ان كان لا مجال للمناقشة فيها سنداو لا دلالة، لكنّه حيث يكون النص و الفتوى على خلافها، بل السيرة العملية المستمرة بين المسلمين عليه، لا محيص عن طرحها او توجيهها بعمرة التمتع، كما حملها الشيخ على ذلك. و قد عرفت: ان الروايات الدالة على اعتبار الشهر، قد ادعى تواترها اجمالا، مضافا الى وجود روايات اخرى على خلافها، كما سيأتي بعضها في المتمتع الجاهل، الذي خرج من مكة بعد العمرة قبل الحج، و انه ان كان خروجه في شهر و دخوله في شهر اخر يجب عليه العمرة ـ ايضا ـ ثانية، و غيرذلك من الموارد المتعددة. و قد عرفت: ان كلام العماني ناظر الى بطلان التوجيه المذكور، لعدم وروده عن الامام (عليه السلام) و لا دلالة له على اختياره هذا القول، فالفتاوى حينئذ متطابقة على خلاف هذه الروايات، فلا مجال للاخذ بها اصلا.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: انّ الاقوى بحسب المستند هو القول بالشهر، لانحصار الحجية و الاعتبار في رواياته. نعم، ربما يناقش في دلالتها بمثل ما ذكرنا في رواية علي بن ابي حمزة المتقدمة، من انه يجري في عبارة: لكل شهر عمرة، او في

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ح ـ 6.
2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ح ـ 7.
3 ـ وسائل ابواب العمرة الباب السادس ح ـ 8.

(الصفحة240)



كل شهر عمرة، الواردة في كتاب عليّ (عليه السلام)، او انه كان يقول بها، و هو مشعر بالتكرر كما مرّ، احتمالان: احدهما: انه لا ينبغي خلوّ كل شهر من عمرة، فهي مؤكدة في كل شهر، و هذا لا ينافي الاستحباب في كل يوم، فضلا عن عشرة ايام، بل في كل يوم مكرّرا بمقدار يمكن. و ثانيهما: اعتبار وقوع الواحدة في الشهر و شرطية عدم وقوع المتعدد منها في شهر واحد، كما يقول به القائل باعتبار الشهر.
و على تقدير جريان الاحتمالين و عدم وجود مرجح للاحتمال الثاني في البين، لا مجال للاستدلال بها، بل ربما يستظهر منها الاوّل، كما في المستمسك، حيث قال: «بل ظاهر قولهم: لكل شهر عمرة، كما في جملة منها، ان ذلك من وظائف الشهر.
هذا و لكن الظاهر ان المتفاهم عند العرف من هذه العبارة هو المعنى الثاني، الراجع الى بيان الشرطية، و عدم صلاحية شهر واحد، لوقوع ازيد من عمرة واحدة فيه.
و يؤيّده فهم علي بن ابي حمزة ـ في روايته المتقدمة ـ هذا المعنى من تعبيرالامام (عليه السلام) و سؤاله: انه هل يكون اقل من ذلك؟ فان هذا السؤال لا يلتئم الاّ مع كون المراد منه ذلك، و الجواب ايضا تقرير له على هذا الفهم. غاية الامر، انّ التنزل الى العشر لا يجتمع مع الضابطة الاوّلية، كما ناقشنا في دلالتها، و لكن البحث فعلا ليس في الاخذ بمفادها، بل في استفادة السائل منه ما ذكرنا و تقرير الامام له، و هو يدلّ على كون المتفاهم العرفي ذلك.
و يدل على ما ذكرنا، من تعين الاحتمال الثاني: انه قد وقع في روايات السنّة.
المتقدمة تعبيران: احدهما: ان العمرة في كل سنة مرّة، و ثانيهما: لا يكون عمرتان في سنة. و من الواضح: ان العبارة الثانية انّما هي عبارة اخرى عن العبارة الاولى،

<<التالي الفهرس السابق>>