في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة201)



الملكية و الارث فمع علم الودعي او اطمينانه بانه على تقدير دفع الوديعة الى الوارث، لا يصرفه في دين الميت، يحتمل بدوا ان يقال بلزوم صرف الودعي ما عنده في الدين من غير لزوم المراجعة الى الوارث و لا الى الحاكم، و يحتمل ان يقال بلزوم المراجعة الى الوارث و الاستئذان منه، و يحتمل ان يقال بلزوم المراجعة الى الحاكم و اعمال نظره.
لا مجال للاحتمال الاوّل بعد عدم جواز الغاء الخصوصية من الصحيحة المتقدمة، الواردة في حجة الاسلام، بناء على اطلاقها و عدم لزوم الاستيذان في موردها، كما عرفت.
و الاحتمال الثاني يبتنى على ثبوت الولاية للوارث في مثل هذه الموارد، مع انه لم يقم دليل عليه، فان مورد النصوص و القدر المتيقن من الاجماع الوارد في هذه الجهة: شؤون تجهيز الميت، مثل تغسيله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه و نحوها، و الزائد عليها، فاقد للدّليل.
فيبق الاحتمال الثالث، و هو لزوم المراجعة الى الحاكم، الذي هو ولي من لا ولي عنه، على ما نسبت روايته عن النبي (صلى الله عليه وآله)الى الخاصة و العامة.
الثانية: عدم كون التركة منحصرة بالوديعة، و لكن لم يكن ما عند الوارث بمقدار الدين، كما إذا كان الدين الف دينار و كانت الوديعة ايضا بهذا المقدار، و كان عند الورثة نصف مقدار الدّين. و الظاهر ان الحكم فيها هو الحكم في الصورة الاولى.
الثالثة: عدم الانحصار، و كون ما عند الوارث بمقدار الدين، كما إذا كان في المثال الف دينار عند الوارث ايضا. و قد تقرر: انه بناء على عدم انتقال مقدار الدين الى الوارث، يكون ملك الميت ثابتا في التركة بنحو الكلي في المعين لا بنحوالشركة، التي مقتضاها في صورة تلف بعض التركة بالتلف القهري، نقصان ملك

(الصفحة202)



الميت ايضا، ضرورة انه لو كان مجموع الالفين عند الوارث و تلف النصف عند لكان اللازم عليه صرف البقيّة في الدين، و لا يتوجه نقص بالاضافة الى ملك الميت، الذي لا بد من صرفه في الدين، و هو لازم الكلي في المعين، كبيع الصاع من الصبرة.
و كيف كان، فهل الحكم في هذه الصورة لزوم المراجعة الى الوارث او الى الحاكم، كما في الصورتين الاولتين؟ الظاهر هو الاوّل، كما في سائر موارد الكلي في المعين، المشابهة للمقام، فاذا سرق نصف الصبرة التي باع مالكها صاعا منها، بنحو الكلي المذكور، و لم يسلّمه الى المشتري، ثم اراد السّارق ان يردّه الى صاحبه، لاجل الندامة عن السرقة و التوبة عنها، فاذا علم بانه على تقدير الرّد لا يسلم صاحبها مال المشتري اليه، و يبقى الصاع بحاله من دون تسليم، فهل وظيفته في هذه الصورة تسليم صاع المشتري اليه ام اللازم تسليم جميع ما سرقه الى صاحب الصبرة؟ الظاهر هو الثاني، و المقام من هذا القبيل، فالحكم في هذه الصورة المراجعة الى الوارث و الرد اليه، و لو مع العلم بعدم الصرف في الدين و عدم التأدية من غيره و لا وجه للرجوع الى الحاكم اصلا، هذا كله على تقدير القول بعدم الانتقال بمقدار الدين.
و امّا على تقدير القول بالانتقال الى الوارث ففيه ايضا الصور الثلاثة المذكورة، و لكن لو كان الحكم في الصورة الاولى هو لزوم الرّد الى الوارث، لكان الحكم في الاخيرتين ايضا ذلك بطريق اولى بخلاف العكس، و كيف كان، فقدعرفت في عبارة السيّد (قدس سره)المتقدمة: لزوم الصرف فيما على الميت من باب الحسبة، بل حكم بثبوت الضمان على تقدير الدفع الى الوارث، لتفويته على الميت.
مع انّه يرد عليه: انّه بعد كون المال، الذي بيد الودعيّ، ملكا للوارث و مرتبطا اليه، و كون التكليف باداء الدين متوجّها الى الوارث لعدم كونه على نحو

(الصفحة203)



الوجوب الكفائي، كما عرفت عن صاحب المستند، لا يبقى مجال لكون الودعي مكلّفا بالاداء، و لو كان عالما بعدم تأدية الوارث، و مجرّد كون المال بيده لا يقتضى ذلك، و الاّ لكان الواجب على من كان عنده مال الوارث من طريق البيع و غيره، ان يصرفه في اداء دين الميت مع العلم المذكور، و وجود التركة بمقداره، لاشتراكه مع المقام في ثبوت مال الوارث بيد الغير، بل لو كان لزوم الصرف من باب الحسبة ـ مقتضيا لذلك ـ لكان اللازم على غير من بيده المال ايضا الاخذ من مال الوارث و الصرف في دين الميت، لان الامور الحسبية عبارة عن الامور التي يعلم تعلّق غرض الشارع بتحققها في الخارج و وقوعه فيه، كحفظ مال الصغيرو الغائب. و هذا لا فرق فيه بين مثل الودعي، ممن يكون بيده المال، و غيره ممّن لا يكون كذلك. فالانصاف: انه على هذا التقدير يجب الدفع الى الوارث، و لا مجال معه للحكم بالضمان اصلا. كما انه على تقدير عدم العلم و الظن بعدم تادية الوارث، لا محيص عن الدفع اليه.
بقي الكلام فيما هو المذكور في المتن في ديل المسألة، و هو قوله: و كذا الحال لو كان الوارث منكرا... فان ظاهر السياق يقتضي ان يكون متعلقا باصل المسألة، و هو الوديعة مع ثبوت حجة الاسلام على الميت، الذي وردت فيه رواية صحيحة. و عليه، يبقى سؤال الفرق بينه و بينه، فان عدم تأدية الوارث المذكور في الصدر تارة: يكون لاجل انكاره لثبوت حجة الاسلام على الميت، و اخرى: لاجل امتناعه مع الاعتراف به، و كلمة «الامكان» التي قيد الاستيذان من الحاكم به، تشمل الاثبات في الاوّل و الاجبار في الثاني. و عليه، فما الفرق بين الصّدرو الذيل؟ و الذي يمكن ان يقال في حلّ الاشكال و الجواب عن السؤال: وجود الاختلاف بينهما، من حيث المورد، و من حيث الحكم: امّا من جهة المورد، فهو:

(الصفحة204)

مسألة 16 ـ يجوز للنائب بعد الفراغ عن الاعمال للمنوب عنه ان يطوف عن نفسه و عن غيره، و كذا يجوز ان يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره1 .

مسألة 17 ـ يجوز لمن اعطاه رجل مالا لاستيجار الحج ان يحج بنفسه ما لم يعلم انه اراد الاستيجار من الغير، و لو بظهور لفظه في ذلك، و مع الظهور لا يجوز التخلف الا مع الاطمينان بالخلاف، بل الاحوط عدم مباشرته الاّ مع العلم، بان مراد المعطي حصول الحج في الخارج. و إذا عيّن شخصا تعيّن، الا إذا علم عدم اهليته، و ان المعطي مشتبه في ذلك، أو ان ذكره من باب احد الافراد2 .


ان الصدر و لو بقرينة الذيل انّما هو: فيما إذا لم يكن الودعي قادرا على اثبات حجة الاسلام على عهدة الميت مع انكار الوارث، او لم يكن اجباره ممكنا على تقدير الاعتراف و الامتناع من الاستيجار، و الذيل وارد في صورة امكان الاثبات او الاجبار، فبين الموردين اختلاف.
و امّا من جهة الحكم، فهو: ان الحكم في الصدر انّما هو مجرد الاستيذان، و هويتحقق بالاذن الاجمالي، الذي مرجعه الى اذن الحاكم، لصرف الودعي الوديعة في حجة الاسلام، على فرض ثبوتها عنده او بالنحو الكليّ، و عليه، فالمراد من الامكان مجرد وجود الحاكم و امكان الاستيذان و لو بنحو ما ذكر. و امّا الحكم في الذيل فلا يرجع الى مجرد الاستيذان، بل هو ارجاع الامر الى الحاكم، و عدم استقلال الودعي و عدم استبداده، فمن الممكن ان يكون نظر الحاكم الرد الى الوارث و اجباره على الصرف في حجة الاسلام.
1 - الوجه في جواز الطواف عن نفسه او عن غيره، و كذا جواز العمرة المفردة كذلك، عدم منافاته مع العمل المستأجر عليه، و هو الحج عن المنوب عنه، و ليس المراد بقوله: بعد الفراغ. عدم الجواز بين مثل عمرة التمتع و الحج، بل المرادما ذكرنا، نعم، سيأتي في بحث العمرة إن شاء الله تعالى، اعتبار الفصل بين العمرتين إذا كانتا مفردتين و لنفسه. لو اعطى رجل مالا لاستيجار الحجّ، ففيه صورتان:

(الصفحة205)



الصورة الاولى: ما إذا لم يعيّن شخصا معيّنا، و فيه فروض ثلاثة:
الاوّل: ما إذا علم، من ايّ طريق: ان غرض المعطي ايجاد الحج في الخارج و تحققه من النائب، و لو كان ظهور اللفظ في غير من اعطى للاستيجار. و لا اشكال في ان الحكم في هذا الفرض: جواز ان يحج بنفسه، و لا يلزم ان يكون النائب غيره.
الثاني: ما إذا علم كذلك: ان غرض المعطي تعلق باستيجار الغير، و ان يتحقق الحج النيابي من غيره. و لا اشكال ايضا في ان الحكم في هذا الفرض: عدم جواز الحج بنفسه.
الثالث: صورة عدم العلم: و في هذا الفرض، تارة: يكون اللفظ ظاهرا في غيره، و اخرى: لا يكون كذلك. ففي الصورة الاولى لا يجوز التخطي عمّا يقتضيه ظاهر اللفظ. نعم، استثنى في المتن، اوّلا صورة الاطمينان بالخلاف، مع انه مشكل، لان الاطمينان يكون كاصالة الظهور حجة عقلائية، و لا دليل على ترجيحه عليها، و لعلّه، لذا احتاط بعدم التخلف عن الظاهر الا في صورة العلم بالخلاف، التي لا يبقى معه مجال لاصالة الظهور.
و في الصورة الثانية: لا يجوز ان يحجّ بنفسه، لعدم احراز رضا المالك و اذنه.
نعم، مع الاطمينان لا مانع من ذلك، لانه حجة عقلائية بلا معارض.
الصورة الثانية: ما إذا عين شخصا معينا، فان كانت صلاحيته للنيابة و الاستيجار محرزة عندمن اعطى المال اليه، او كانت مشكوكة: لا يجوز له التخطي عمن عين، بل

(الصفحة206)



اللازم استيجاره لان يحج.
و ان كانت صلاحية محرز العدم عنده، و هو يعتقدان المعطي مشتبه في ذلك، فالمذكور في المتن: انه لا يتعين. و لازمه جواز ان يحج بنفسه، مع ان مجرد ذلك لا يقتضي الجواز المذكور، بعد عدم تعلق غرض المالك بصدوره منه اصلا، فاللازم في هذه الصورة المراجعة الى المالك او الى الحاكم مع فقده، و امّا استثناء صورة كون ذكره من باب انه احد الافراد، فهو استثناء منقطع، لان مرجعه الى عدم التعيين. كما لا يخفى.



(الصفحة207)



في الحج المندوب



(الصفحة208)






(الصفحة209)

القول في الحج المندوب مسألة

1 ـ يستحب لفاقد الشرائط، من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما، ان يحج مهما امكن و كذا من اتى بحجه الواجب، و يستحب تكراره، بل في كل سنة، بل يكره تركه خمس سنين متوالية، و يستحب نية العود اليه عند الخروج من مكة، و يكره نيّة عدمه1.


1 - يد على على الاستحباب للفاقد، مضافا الى اتفاق جميع الاصحاب عليه، الاطلاقات الدالة على رجحان الحج في نفسه المرغبة فيه، و على استحباب التكرار، مضافا الى الاطلاقات الروايات الحاكية، عن: ان النبي (صلى الله عليه وآله) حج عشرين سنة و الحسن (عليه السلام) خمسا و عشرين و السجاد اربعين و غيرهم (عليهم السلام)، و على استحباب تكراره في كل سنة، مثل رواية عيسى بن ابي منصور، قال: قال لي جعفر بن محمّد (عليه السلام): يا عيسى!ان استطعت ان تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة، فافعل.(1)و على كراهة تركه خمس سنين متوالية، مثل رواية ذريح عن ابي عبد الله (عليه السلام): من مضت له خمس سنين فلم يفد الى ربه و هو موسر، انه

1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب السادس و الاربعون ح ـ 6.

(الصفحة210)

مسألة 2 ـ يستحب التبرع بالحج عن الاقارب و غيرهم ـ احياء و امواتا ـ و كذا عن المعصومين:  ـ احياء و امواتا ـ و الطواف عنهم: و عن غيرهم امواتا ـ مع عدم حضورهم في مكة او كونهم معذورين، و يستحب احجاج الغير استطاع ام لا، و يجوز اعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها1 .

مسألة 3 ـ يستحب لمن ليس له زاد و راحلة ان يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء2 .


محروم.(1) و على استحباب نية العود، مثل رواية عبد الله بن سنان، قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره.(2) و على كراهة نية العدم، مثل مرسل الفقيه: و من خرج من مكة و هو لا ينوي العود اليها، فقد قرب اجله و دنا عذابه.(3)
1 - يدل على الاستحباب المذكور الروايات الكثيرة المتعددة الواردة في الحج، و في خصوص الطواف، و قد تقدم بحث الطواف، و تقدم ايضا: أنّه لا دليل على استحباب النيابة عن الحاضر، و ان كان معذورا. و يدل على استحباب احجاج الغير مثل رواية الحسن بن علي الديلمي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام)يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين، فقد اشترى نفسه من الله عز و جل بالثمن(4). و امّا جواز اعطاء الزكاة، فلان الحج سبيل الله.
2 ـ و يدل عليه، مثل رواية موسى بن بكر الواسطي، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يستقرض و يحج. فقال: ان كان خلف ظهره مال، فان حدث به حدث ادّى عنه، فلا بأس(5).

1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب التاسع و الاربعون ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب السابع و الخمسون ح ـ 1.
3 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب السابع و الخمسون ح ـ 3.
4 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب التاسع و الثلاثون ح ـ1.
5 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب الخمسون ح ـ 7.

(الصفحة211)

مسألة 4 ـ يستحب كثرة الانفاق في الحج و الحج افضل من الصدقة بنفقته1 .

مسألة 5 ـ لا يجوز الحج بالمال الحرام، و يجوز بالمشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها2 .

مسألة 6 ـ يجوز اهداء ثواب الحج الى الغير بعد الفراغ منه كما يجوز ان يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه3 .

مسألة 7 ـ يستحب لمن لا مال له يحج به ان يأتي به و لو باجارة نفسه عن غيره4 .


1 - اما استحباب كثرة الانفاق، فلما في بعض الاخبار، من: ان الله يبغض الاسراف الاّ في الحج و العمرة.(1) و امّا كون الحج افضل من الصدقة، بنفقته، فلمثل صحيحة معاوية، و فيها: «فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى ابي قبيس فقال: لوان ابا قبيس لك زنة ذهبة حمراء انفقته في سبيل الله، ما بلغت به ما بلغ الحاج»(2).
2 ـ الوجه في كلا الحكمين واضح.
3 ـ تقدم في بعض المباحث السابقة.
4 ـ الوجه في الاستحباب: دلالة الروايات، و في بعضها: ان للاجير من الثواب تسعا و للمنوب عنه واحد.

1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الخمسون ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب الثاني و الاربعون ح ـ 7.

(الصفحة212)






(الصفحة213)



في اقسام العمرة



(الصفحة214)






(الصفحة215)

القول في اقسام العمرة

مسألة 1 ـ تنقسم العمرة كالحج: الى واجب أصلي و عرضي و مندوب فتجب باصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج مرّة في العمر، و هي واجبة فورا كالحج، و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها فيه، و ان لم تتحقق استطاعته، كما ان العكس كذلك، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها1 .


1 - في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في انقسام العمرة كالحج: الى واجب اصلي و عرضي و مندوب، و المراد من الواجب الاصلي، كونها واجبة كحجة الاسلام و فريضة مثلها، و يأتي في الجهة الثانية ان شاء الله تعالى الدليل على وجوبها، و المراد من الواجب العرضي ما يكون واجبا بسبب، مثل النذر و الاستيجار، لكن قد عرفت غير مرّة: ان تعلّق النذر بشيء لا يوجب صيرورة المنذور واجبا، بل الواجب فيه هو عنوان الوفاء بالنذر، و لا يتعدى الحكم من هذا العنوان الى غيره، و ان كان لا يتحقق الوفاء الاّ به، كما ان الاستيجار لا يستتبع الاّ وجوب العمل بعقد الاجارة و لزوم الوفاء به، و امّا

(الصفحة216)



العمل المستأجر عليه، فهو باق على حكمه الاولي، من الاباحة و الاستحبابو غيرهما، و لا يتعدى الحكم اليه.
و تمتاز العمرة عن الحج في هذه الجهة، في: ان الحج لا يتصور فيه فرض عدم المشروعية، بخلاف العمرة، فانّها ربما لا تكون مشروعة، كما فيما إذا لم يراع الفصل المعتبر بين العمرتين المفردتين لنفسه، فان العمرة الثانية لا تكون مشروعة، و كما في العمرة المفردة الواقعة بين عمرة التمتع و حجّه، كما سيأتي.
الجهة الثانية: في وجوب العمرة باصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج، من البلوغ و العقل و الحرية و الاستطاعات الاربعة. نعم، حيث انه لا تكون مقيدة بزمان خاص و لا تكون مثل الحج في هذه الجهة، لا تكون الاستطاعة الزمانية معتبرة فيها، الاّ ان يلاحظ في هذه الجهة خروج الرفقة، و سيأتي البحث فيه ان شاء الله تعالى.
و يدلّ على الوجوب: مع انه لا خلاف فيه، بل ادّعى عليه الاجماع، ففي الجواهر: ان الاجماع بقسميه عليه. و في المستند: بالاجماع المحقق و المنقول مستفيضا، و عن غيرهما ايضا، مثله الآيات الشريفة و الروايات المستفيضة.
امّا الآيات: فالعمدة هي الآية المعروفة في الحج، و هي قوله تعالى: و للّه على الناس حجّ البيت... فان المراد من الحج كما عرفت في اوّل كتاب الحج: امّا القصد الى ما يراد تعظيمه و امّا مناسكه، و على كلا التقديرين يشمل العمرة، و قد استدل به كاشف اللثام. و قد ورد في تفسيرها صحيحة عمر بن اذينة، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ و جل: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا، يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا، و لكنّه يعني الحج

(الصفحة217)



العمرة جميعا، لانهما مفروضان.(1)
و منها: قوله تعالى: «و اتمّوا الحج و العمرة للّه فان احصرتم فما استيسر من الهدي و لا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك فاذا امنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي».(2) و قد نوقش في الاستدلال بها، كما في «المستمسك» بان الظاهر منها وجوب الاتمام لا الشروع. و لكن الظاهر انّ المراد من قوله تعالى: «و اتمّوا» هو الاداء و الاتيان، كما في قوله تعالى: «اقيموا الصلاة» الذي ليس المراد منه الاّ مجردالاتيان بالصّلاة، و ما اشتهر، من: ان المراد بالاقامة امر زائد على اصل الاتيان بالصلاة، و هو التشويق و التحريص و التحريك، الى اتيان الغير بالصلاة، لا يكون مستندا الى دليل. و كيف كان، فيدل على ان المراد من الاتمام في المقام، هوالاتيان و الاداء، التعبير به في قوله تعالى: «اتمّوا الصيام الى الليل» لانه لا ريب في كون المراد به، بعد تجويز الاكل و الشرب حتى طلوع الفجر و تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، هو الشروع في الصوم و الاتيان به.
و كذا قوله تعالى: «و اذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمّهن» و قد نقل في تفسير «الجامع لاحكام القرآن» للقرطبي ذلك عن جماعة من المفسّرين.
و يدل على ذلك استشهاد الامام (عليه السلام) و استدلاله بهذه الاية على وجوب العمرة، في بعض الروايات، فانه لو لم تكن الآية ظاهرة بنفسها في وجوب العمرة لما كان للاستشهاد بها مجال، ضرورة ان مقام الاستدلال يغاير مقام

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الأوّل ح ـ 7.
2 ـ البقرة 196.

(الصفحة218)



التفسير، ضرورة ان قول الامام (عليه السلام) و ان كان معتبرا في باب التفسير و كشف المراد، و الرواية الصحيحة الحاكية لهذا القول تكون واجدة لشرائط الحجيةو مقدمة على ظاهر الكتاب، الاّ ان مبنى الاستدلال لا بد و ان يكون هو الظاهر، لانه لا معنى للتمسك بغير الظاهر الذي لا يعرفه الاّ الامام العارف بمقاصد الكتاب، فالاستدلال ب آية على امر، دليل على ظهور الاية في ذلك الامر، و قد وقع في المقام ذلك: ففيما رواه زرارة بن اعين في الصحيح، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لان الله تعالى يقول: و اتمّوا الحج و العمرة للّه، و انّما نزلت العمرة بالمدينة(1).
و في صحيحة معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع اليه سبيلا، لانّ الله عز و جل يقول: و اتمّوا الحج و العمرة للّه.(2) و على ما ذكرنا لا يبقى اشكال في: انه لا بدّ من الاعتراف بظهور الاية في نفسها في وجوب العمرة.
منها: قوله تعالى: فمن حج البيت او اعتمر و المناقشة في الاستدلال بها على اصل الوجوب، ظاهرة.
ثمّ ان هنا روايات تدل على ان مقابل الحج الاكبر ـ الوارد في القرآن ـ هوالحج الاصغر، و هي العمرة، و مقتضاها هي كون العمرة حجّا، غاية الامرا، اتصافه بكونه اصغر في مقابل الحج، الذي يتصف بكونه اكبر. و عليه، فيدل علىوجوب العمرة كل ما يدل على وجوب الحجّ، مثل ما رواه الصدوق باسناده عن

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الأوّل ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الأوّل ح ـ 8.

(الصفحة219)



معاوية بن عمّار، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن يوم الحج الاكبر.
فقال: هو يوم النحر، و الاصغر هو العمرة.(1) و ما رواه العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر، و الحج الاصغر العمرة.(2) و عن عمر بن اذينة عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: الحج الاكبر الوقوف بعرفة و بجمع و رمي الجمار بمنى، و الحج الاصغر العمرة(3) و بعض الروايات الاخر. هذا ما يتعلق بالكتاب.
و امّا السنة: فمضافا الى الروايات المتقدمة المشتملة على الاستشهاد بالاية او تفسيرها، يدل على الوجوب ما رواه الصّدوق باسناده عن المفضل بن صالح عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العمرة مفروضة مثل الحج...
(الحديث).(4) و قال الصدوق: قال امير المؤمنين (عليه السلام). امرتم بالحج و العمرة، فلا تبالوا بايّهما بدأ، ثم قال الصدوق: يعنى العمرة المفردة دون عمرة التمتع، فلا يجوز ان يبدأ بالحج قبلها.(5) و قد ذكرنا مرارا حجية هذا النحو من الارسال، بخلاف مثل «روى و نقل».

1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الاوّل ح ـ 4.
2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الاوّل ح ـ 10.
3 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الاوّل ح ـ 11.
4 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الاوّل ح ـ 5.
5 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الاوّل ح ـ 6.

(الصفحة220)



الجهة الثالثة: في ان وجوب العمرة كوجوب الحج، انما يكون مرّة في العمر، لتحقق الطبيعة المأمور بها بمصداق واحد، و لا دليل على لزوم التعدد و التكثر.
الجهة الرابعة: في ان وجوبها فوري كالحج. و في الجواهر نفى وجدان الخلاف فيه، و في السرائر نفى الخلاف، و عن التذكرة الاجماع عليه، لكن في محكي كشف اللثام بعد حكاية القول بالوجوب، كذلك عن المبسوط و السرائر قال: «لم اظفر بموافق لهم، و لا دليل الاّ على القول بظهور الامر فيه... ».
و قد مرّ في باب الحج الاستدلال لفورية وجوبه، بالوجوه الثمانية، و عرفت عدم تمامية بعضها. و في المقام ايضا لا دليل على الوجوب، الاّ ان ملاحظة امور متعددة توجب الاطمينان للنفس بلزوم الفورية، و ان كان كل منها منفردا لا ينهض لاثباته، و تلك الامور، عبارة عن: الاجماع، الذي ادّعاه جماعة من اعاظم الفقهاء، كما عرفت، و ان كان لا اصالة له، بعد احتمال كون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية، و تنزيل العمرة منزلة الحج في بعض الروايات المتقدمة، بدعوى كون التنزيل لا يختص بخصوص الوجوب، بل يشمل الفورية، و اشتراط الاستطاعة و نظائرهما، و التعبير في الآية الشريفة المعروفة ب «اللام، و على» الظاهر في كونه دينا للّه على العبد، و بضميمة ما عرفت من ظهور الآية و دلالة الرواية على الشمول للعمرة ايضا، فان مقتضى كونه دينا، فورية الوجوب، و كذا كون العمرة عبارة عن الحج الاصغر، فيشملها ما يدل على فورية وجوب الحج. فان هذه الامور، و ان كان كل منها لا يستقلّ في اثبات ذلك، الاّ ان مجموعها يوجب

<<التالي الفهرس السابق>>