في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة261)



و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له، مثل مرّ و اشباهه(1). قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: هذا غير صريح في حكم ما زاد عن ثمانية عشر ميلا، فهو موافق لغيره فيها و فيما دونها، فيبقى تصريح حديث زرارة و غيره بالتفصيل سالما عن المعارض. هذا، و لكن وقوع الرواية تفسيرا للاية التي هي في مقام التحديد و التقسيم يابى عن الحمل المذكور.
و قد جمع بينها و بين صحيحة زرارة المتقدمة، صاحب المدارك بالحمل على التخيير، و كون من بعد بثمانية عشر ميلا مخيرا بين التمتع و غيره، و من بعد بثمانية و اربعين متعيّنا عليه التمتع، و لكنه ذكر بعد ذلك: انه كما ترى شاهد له، و اضيف اليه وجود الشاهد على خلافه، و هو عدم كونه مفتى به لاحد من الاصحاب، مضافا الى مخالفته للآية الشريفة الظاهرة في عدم التخيير بين التمتع و غيره.
فالظاهر ان يقال: بان اعراض الاصحاب باجمعهم عن هذه الرواية يسقطها عن الحجية، لو لم يكن لها معارض، فضلا عما إذا كان كما في المقام.
ثم انه استدل للقول الآخر و هو اثنا عشر ميلا، الذي اصرّ عليه صاحب الجواهر (قدس سره) بوجوه.
الاوّل: ما ذكره في اوّل كلامه و في اخره ايضا، من: انه هنا اطلاقات تدل علىوجوب التمتع، و انه وظيفة كل من يجب عليه الحج، و يكون امر الخارج منه دائرا بين الاقل و الاكثر، و اللازم الاقتصار على القدر المتيقن، و هو من الاثنى عشر ميلا فما دون.
و الجواب عنه: اوّلا: انه لا يوجد في شيء من الكتاب و السّنة ما يدلّ بعمومه او

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب السادس ح ـ 10.

(الصفحة262)



اطلاقه على ذلك، امّا الكتاب فواضح، و امّا السنة فما ربما يتوهم فيه ذلك انمّا هو صحيحة الحلبي، عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لانّ الله تعالى يقول: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى»، فليس لاحد الاّ ان يتمتع، لان الله انزل ذلك في كتابه و جرت به السّنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله).(1) نظرا الى اطلاق قوله: دخلت العمرة.... و عموم قوله: فليس لاحد... مع انه من الواضح، كما مرّ: ان التعليل للدخول المذكور بالآية الشريفة، الظاهرة في التقسيم و التنويع و اختصاص التمتع بخصوص من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام، يقيّد الاطلاق، كما هو شأن التعليل، و كذاالتفريع و التعليل في العموم يوجبان الاختصاص، كما هو واضح. و هذه الصحيحة تفسّر صحيحة اخرى للحلبي رواها الصدوق باسناده عنه، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة(2).
و تدل على ان المراد بالعمرة الداخلة هو خصوص عمرة التمتع، بالاضافة الى حجّه لا مطلقا، و كذا صحيحته الاخرى، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الحج. فقال: تمتّع، ثم قال: انّا إذا وقفنا بين يدي الله تعالى قلنا: يا ربّنا اخذنا بكتابك، و قال الناس: رأينا، رأينا، و يفعل الله بنا و بهم ما اراد.(3) نظرا الى ظهور الجواب في تعين التمتّع، و من الواضح: انه لا خصوصية للرّاوي.
و لكن قوله: انّا... الذي هو بمنزلة التعليل للحكم المذكور، اوّلا: يدل على ان المراد خصوص من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام. و مثلها في الاستدلال و الجواب رواية ليث المرادي، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: ما نعلم حجّا للّه

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 12.
3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 3.

(الصفحة263)



غير المتعة، انّا إذا لقينا ربّنا قلنا: يا ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيّك، و يقول القوم: عملنا برأينا، فيجعلنا الله و اياهم حيث يشاء.(1) و رواية معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: من حجّ فليتمتع، انا لا نعدل بكتاب الله و سنة نبيّه (صلى الله عليه وآله)(2) و بالجملة: لا توجد رواية و لو واحدة تدل بالاطلاق او العموم على خلاف ما يدل عليه الكتاب، من الفرق بين من كان اهله حاضري المسجد الحرام، و من لم يكن اهله كذلك.
و ثانيا: انه على فرض وجود الاطلاق او العموم، كان الدليل المخصص غير مرّددبين الاقل و الاكثر، لان صحيحة زرارة المتقدمة و مثلها ظاهرتان في التحديد بالثمانية و الاربعين من دون معارض، لما عرفت، من: انه لا يوجد في شيء من الروايات ما يدل على الاثني عشر، و رواية الثمانية عشر معرض عنها عند الكلّ، فلا محيص عن الاخذ بمقتضى الصحيحة.
الثاني: ما استدلّ به ايضا في اوّل كلامه من نص الاية، على انه فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام، و مقابل الحاضر هو المسافر، و حدّ السفر اربعة فراسخ، فينطبق على اثني عشر، لان كل فرسخ يكون ثلاثة اميال.
و يرد عليه: انه لم تجعل الآية الحضور وصفا للمكلّف بالحج، بل جعلته وصفالاهل المكلّف، حيث قال: «من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام»، و من المعلوم: ان الحضور مقابل السفر وصف لنفس المكلّف في موارد تعليق الحكم على العنوانين، كما في الصلاة و الصوم، فالمكلّف الحاضر بنفسه يجب عليه الاتمام

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 7.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 14.

(الصفحة264)



و الصيام، و المسافر كذلك يجب عليه القصر و الافطار.
و عليه، فاللازم في الآية ـ مع تفسير الحاضر بما يقابل المسافر ـ ان المعيار في ثبوت حج التمتع على المكلف كون اهله مسافرا عن المسجد الحرام، و ثبوت غيره على من لم يكن اهله مسافرا كذلك، من دون اعتبار خصوصية في نفس المكلف، و هذا مما لا يقبله احد و لا يرتضي به.
هذا، مع انه لم يستعمل في الكتاب «الحاضر» في مقابل «المسافر» في الصلاةو الصّيام اصلا، لان التعبير في الصلاة انّما هو بعنوان الضرب في الارض، و في الصوم هو شهود الشهر، الشامل للصحة، و عدم السفر بقرينة المقابلة، فلا مجال لحمل آية الحج على الحاضر المقابل للمسافر، مع ان الحدّ في السفر هو ثمانية فراسخ، غاية الامر، قيام الدليل على كفاية التلفيق.
الثالث: ما استدل به ايضا، مما يرجع توضيحه الى انه لا مجال لدعوى كون كلمة «الحاضر» لها حقيقة شرعية مثل الصلاة و الصوم و غيرهما، على القول بثبوت الحقيقة الشرعية لها، لانه لم تتحقق هذه الدعوي من احد، و لم تكن هذه الكلمة داخلة في ذلك البحث، فاللازم ان يقال ببقائها على المعنى اللغوي و العرفي، و حينئذ بعد عدم كون المراد منها معناها الحقيقي، لاختصاصه بخصوص الحاضر في المسجد او في مكة، لا بد ان يحمل على المعنى الجازي. و من الواضح ان اثني عشر ميلا بلحاظ قربه الى المعنى الحقيقي، يجري فيه الاستعمال المجازي، و امّاالحدّ الاخر فلا يناسب الاستعمال المجازي ايضا، فلا بد من حمل الاية على الاقرب.
و التحقيق في الجواب عن هذا الاستدلال، ان يقال: انه ليس البحث في كلمة «الحاضر» من جهة ثبوت الحقيقة الشرعية و عدمه، و الحمل على المعنى الحقيقي او المجازي، بل البحث في معنى كون الاهل حاضرا، و من المعلوم: انه بعد

(الصفحة265)



عدم كون المراد معناه الحقيقي، يكون استعماله في المراد انّما هو بنحو الكناية، التي حقيقتها عبارة عن ذكر اللازم و ارادة الملزوم، كما في مثل قوله: زيد كثير الرمادو عمرو مهزول الفصيل. غاية الامران، المعنى الكنائي في المقام انّما تبين من طريق الرواية، و بيان الامام (عليه السلام)، و هو ما دلت عليه صحيحة زرارة، من كون الحدّ دون ثمانية و اربعين ميلا. فالمراد: ان حضور الاهل كناية عن الاقامةو السكونة في هذه الفاصلة، سواء كانت بمكة او بغيرها، فلا يبقى حينئذ اشكال.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: ان الاقوى ما اختاره في المتن، و انه لا وجه للجمع بين كلمات الاصحاب بتقسيط الثمانية و الاربعين على الجوانب الاربعة، كل جانب اثنا عشر ميلا، كما حكي عن ابن ادريس، كما انه ظهر ان لا وجه لهذا القول الاّ حمل الرواية على ما ذكر، مع انّك عرفت ظهورها في خلافه.
بقى الكلام: في هذا المقام في: ان مبدأ الحدّ هل هو المسجد الحرام او مكة؟ فيه وجهان، بل قولان: فعن الشيخ في المبسوط و الاقتصاد و الجمل هو الاوّل، و كذا العلامة في التحرير، لكنه في القواعد عبّر بمكة.
و الدليل على الاوّل: ظاهر الاية الشريفة، التي اضيف فيها الحضور الى المسجد الحرام، و لا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور، فانه و ان كان يحتمل ان يكون ذكره ـ مكان مكة ـ تعظيما له و اجلالا، كما في اية الاسراء، مع كون مبدئه من بيت امّ هاني ـ اخت امير المؤمنين (عليه السلام) لا من المسجد الحرام، كما انه يحتمل ان يكون لمناسبته مع الحج، لوقوع مثل الطواف فيه، الاّ انه لا يمنع من العمل بالظاهر بعد عدم ثبوت الدليل على خلافه.
كما ان الدّليل على الثّاني: انّه بعد كون حضور الاهل كناية عن الاقامةو السكونة، و من الواضح: ان المسجد الحرام لا يكون محلا للاقامة و التوطن بوجه، فانه محلّ العبادة لا السكونة، فلا محالة يكون المراد منه هي مكة، التي تكون محلا

(الصفحة266)



فنفس الاضافة كاشفة عن كون المراد به هو بلد مكة.
هذا مضافا الى انّ صحيحة زرارة المتقدمة واردة في تفسير الاية، و هي كماتكون مبيّنة للمراد من المعنى الكنائي، و ان الحدّ هو ثمانية و اربعون، كذلك تدل على انّ المبدأ هي مكة، و ان الحدّ المزبور انما يلاحظ بالاضافة الى جميع نواحي مكّة او ما يدور حول مكة، و دعوي: ان مكة اخذت موضوعا للنواحي لا مبدأ للتقدير، كما في «المستمسك». مدفوعة: بكونها خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع ما عرفت في الدليل الاوّل.
نعم، سلك بعض الاعلام لترجيح القول الاوّل طريقا، و هو مع كونه غيرصحيح في نفسه مناف لما صرّح به قبله. قال: بعد بيان أن الرّواية حيث تكون في مقام تفسير الآية، فلا محالة يكون ظاهرها التحديد بالنسبة الى المسجد، ماملخّصه: انه لو احتمل كون التحديد بالاضافة الى البلد باعتبار وجود المسجد فيه، تكون الاية مجملة، فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن العمومات، التي لا ريب في ان مقتضاها وجوب التمتع على جميع المكلّفين، كصحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام): فليس لاحد الاّ ان يتمتع.
و قد دلت الاية على اختصاص ذلك بغير سكنة مكّة، فكلّما دل الدليل على الالحاق بساكن مكة، فهو، و الا يكون حكمه وجوب التمتع، و من المعلوم: ان الاقتصار على القدر المتيقن في المقام يقتضي الحمل على كون المبدأ هو المسجد، لانه اقلّ بالاضافة الى غيره.
و يرد عليه، اوّلا: ما عرفت، من: انه ليس في شيء من الروايات ما يدلّ بعمومه على وجوب التمتع على جميع المكلفين، و عرفت: ان صحيحة الحلبي مشتملة على الاستدلال بالاية و التفريع عليها، و الاية ظاهرة في وجوب التمتع على جماعة خاصّة، و العجب: انه بنفسه صرّح بذلك قبلا، و قال: ان العمومات ناظرة الى

(الصفحة267)



حكم النائي في قبال العامّة، القائلين بجواز الافراد او القران للنائي. و هذه الروايات انما تكون في مقام الرّد عليهم، و ان النائي لا يجوز له الاّ التمتع.
و ثانيا: لو فرض ثبوت العموم المذكور و دلالة مثل صحيحة الحلبي عليه: فبعددلالة صحيحة زرارة على بيان المراد من حضور الاهل، و انه عبارة عن دون ثمانية و اربعين ميلا، و انه يلاحظ ذلك بالاضافة الى جميع نواحي مكة، لا يبقى مجال لدعوى: كون المراد من الاية سكنة مكّة، و ان الدليل دلّ على الحاق جماعة اخرى بهم، كما انه لا مجال لدعوى: انه حيث تكون صحيحة زرارة في مقام تفسير الاية، فلا محالة يكون ظاهرها التحديد بالاضافة الى نفس المسجد، فان الرواية تكون مفسرة لكلتا الجهتين، خصوصا مع ما عرفت منّا، من: عدم كون المسجد صالحاللاقامة و السكونة، و العجب!انه يفسر الاية، تارة: بغير سكنة مكة، مع ان المذكور فيها، حاضرى المسجد الحرام، و اخرى: يقول: بان المبدأ هو المسجد لا البلد، فكيف يجمع بين الامرين!و قد ظهر مما ذكرنا انّ الاقوى هو القول الثاني، وفقاللمتن.
ثم انه بعد كون المبدأ هو بلد مكّة، وقع الكلام في ان المبدأ هل هو سور مكة، الذي كان موجودا في زمان صدور الرّواية، و لم تكن عبرة بالتوسعة الحاصله لها بعد ذلك، او ان المبدأ هو البلد، و لو مع تغيره و توسّعه، كما في هذه الازمنة التي وقعت فيها التوسعة العجيبة؟ فيه و جهان، بل قولان: اختار اوّلهما بعض الاعاظم (قدس سره)، على ما في تقريراته في شرح العروة، من دون ان يقيم دليلا على ما قواه، و لكن الظاهر هنا و في نظائره، كاحرام حج التمتع، الذي يجب ان يكون من مكّة، هو الثاني. فانه بعد ان جعل المدار هو بلد مكّة ـ على ما استظهرناه من الآيةو الرّواية ـ يكون الملاك هو هذا العنوان، كما في نفس عنوان المسجد الحرام، حيث انه ايضا قد توسّع في الازمنة المتأخرة، و لا مجال لدعوى اختصاص ما يترتب عليه

(الصفحة268)



من الاثار بخصوص المحدودة الاولية، الموجودة في زمان صدور الرّوايات، و لا فرق بين العنوانين. و يؤيد ما ذكرنا عدم بقاء سور مكة بحسب العادة، و استلزام التحديد به للجهالة، خصوصا مع عدم اعتبار قول المؤرخ و العلائم الحاكية، مع عدم افادة الاطمينان.
هذا بالنظر الى المبدأ، و امّا بالاضافة الى المنتهى: فالظاهر انه ـ ايضا ـ عبارة عن بلد المستطيع لا خصوص منزله و مسكنه، فان موطنه و مقره، الذي يلاحظ الحضور و عدمه بالنسبة اليه، انّما هو البلد لا خصوص المنزل، فالفاصلة لا بد و ان تكون ملحوظة بالنسبة الى البلدين: مكّة و بلده.
المقام الرّابع: في حكم من كان على نفس الحدّ: و استظهر في المتن ان فرضه التمتع، و لكنهوقع الاشكال من البعض، المذكور انفا في اصل تصوير كون الشخص، لا في خارج الحدّ و لا في داخله، بل على نفس الحدّ، نظرا الى ان نفس الحدّ خط موهوم بين داخل الحدّ و خارجه، و ليس له مكان خارجي كى يكون محل الشخص على رأس الحدّ. قال: نعم، يمكن تصوير كون نصف الدار في خارج الحدّ و نصفه في داخله، و حكمه حكم من كان له وطنان: احدهما خارج الحدّ و الاخر داخله، و كانت اقامته فيهما على حدّ سواء، و لا يمكن التصحيح من طريق مسامحة العرف، بعد كون مرجعية العرف منحصرة بالمفاهيم غير المعينة من جانب الشارع، و لا يعمّ تطبيق المفاهيم على المصاديق.
و يرد عليه: انّ مرجعية العرف في المقام ايضا ترتبط بالمفاهيم دون التطبيق، فانه لا يفهم العرف من التحديد بما دون الثمانية و الاربعين ميلا: ان المراد ما يكون دونه، و لو بمثل متر او مترين، بل ما يراه بنفسه معنونا بهذا العنوان. و من الواضح:

(الصفحة269)



ان المكلّف عند العرف له حالات ثلاث: تارة: يكون فيما دون الحدّ المذكور، و اخرى: في خارجه، و ثالثة: في رأسه، من دون ان يكون داخلا او خارجا، و يمكن ان يقال، و لعلّه هو الظاهر: انه حيث وقع الاختلاف في تعبير الروايات، من جهة: انّ من كان اهله حاضري المسجد الحرام، هو عبارة عمن كان دون الثمانية و الاربعين ميلا، او عبارة عمن كان بينه و بين مكة نفس العدد المذكور لا دونه، وقع الاشكال في حكم من وقع في رأس العدد المذكور. ففي الحقيقة: يكون مرجع الخلاف في ذلك الى الخلاف، في: ان منتهى الحدّ هل هو عبارة عن نفس العدد المذكور او عمّا دونه؟ و عليه، فلا يبقى مجال للاشكال في تصوير الفرض، كما هو واضح.
ثم ان الظاهر، بلحاظ التصريح في صحيحة زرارة: بأنّ المراد من الاية: عبارة عما دون الثمانية و الاربعين ميلا، ان من كان على رأس العدد المذكور، فرضه التمتع، كالزائد عليه، و حمل كلمة «دون» على معنى «عند»، كما في مثل قتل الرجل دون ماله، فيرتفع الاختلاف حينئذ في كمال البعد، و مخالف للظاهر جدّا. و لكن عرفت اتحادها مع روايته الاخرى، التي مرّ انها معتبرة ايضا، و هي تشتمل على العدد من دون اضافة كلمة «دون» اليه، و حينئذ يصير ما هو الصادرمن الامام (عليه السلام) مردّدا بين امرين، و لكنه مضافا الى ان ذكر الاربعين بصورة الجرّ مع الياء دون الرفع مع الواو يؤيّد حذف هذه الكلمة، و الاّ لكان اللازم الاتيان بها مع الواو، و يؤيده قوله: دون عسفان و دون ذات عرق، فانه ليس العددالمذكور دون المكانين، بل هما امّا ان يكونا على رأس العدد او دونه، كما يدل عليه الصحيحة الاولى.
لا يمكن جعل العدد حدّا الاّ بالحمل على كون المراد هو المنتهى، و الاّ فلو كان المعيار نفس العدد لا يكاد يصدق على ما دونه، لعدم كونه هو العدد، و لا دلالة في

(الصفحة270)



الرواية على كون المراد بيان نهاية الحدّ، بل المراد ما يقع في دائرة المحدود، الذي فرضه غير التمتع.
فالانصاف: ان مقتضى الرواية شمول التكليف بالتمتع لكل من لم يكن مسكنه و مقره دون العدد، سواء كان فوقه او واقعا في رأسه. و مما ذكرنا يظهر ان الجمع بين التعبير بكون الحدّ هو العدد المذكور، و بين الحكم بان من كان على رأس العدد فرضه التمتع، كما في المتن و غيره، مما لا ينبغي اصلا، كما لا يخفى.
المقام الخامس: في حكم من شك في ان منزله في الحد حتى يجب عليه غير التمتع، او في خارجه حتى يجب عليه التمتع. و الكلام فيه، تارة: في صورة التمكن من الفحص، و اخرى: مع عدم التمكن منه:
امّا الصورة الاولى: فقد اوجب فيها في المتن الفحص، مع انه قد نوقش فيه بوجوه:
احدها: ما يظهر من بعض الاعلام، من: عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، و المقام من مواردها.
و الجواب عنه: ان الشبهة الموضوعية، التي لا يجب الفحص فيها بمقتضى الاجماع و الرواية، هي ما كان الامر فيها دائرا بين ثبوت التكليف و عدمه، كالمايع المردد بين الخمر و الخلّ، و الثوب الذي شك في اصابة الدم اليه، و امّا في مثل المقام، مما كان اصل التكليف معلوما و لكن وقع الشك في المكلّف به، فلم يقم دليل على عدم وجوب الفحص فيه، و هذا من الوضوح بمكان.
ثانيها: جريان الاصل المشخص لاحد الطرفين، لانه مع جريانه لا مجال للحكم بوجوب الفحص، و قد احتمله السيد في العروة بعد الحكم بالوجوب، و نفى عنه

(الصفحة271)



البعد، قال: «و ان كان لا يبعد القول: بانه يجري عليه حكم الخارج، فيجب عليه التمتّع، لان غيره معلق على عنوان «الحاضر» و هو مشكوك، فيكون كمالو شك في ان المسافة ثمانية فراسخ اولا، فانه يصلي تماما، لان القصر معلق على عنوان «السفر» و هو مشكوك».
و الظاهر، ان مراده: انه حيث يكون العنوان المعلق عليه احد الحكمين امراوجوديّا، و الاخر الذي علّق عليه الحكم الاخر امرا عدميّا، يكون مقتضى الاصل ـ و هو الاستصحاب ـ ثبوت الامر العدمي، فيترتب عليه الحكم المعلق عليه، فيجري في المقام استصحاب عدم كونه حاضرا، كما انه يجري في المثال المذكور استصحاب عدم كونه مسافرا، فيترتب عليه حكم الصلاة تماما، كما انه يترتب عليه في المقام وجوب حج التمتّع. و يحتمل ان يكون مراده: التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، و لكنه يرد عليه حينئذ المنع من جهة الكبرى و الصغرى معا، لعدم ثبوت العام المقتضي لوجوب التمتع على عموم المكلفين، اوّلا، و قد مرّ البحث عنه، و عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، ثانيا، كما حقق في محلّه، ثم ان جريان استصحاب عدم كونه حاضرا، يمكن ان يكون باحد وجهين:
الاوّل: استصحاب العدم الازلي، كاستصحاب عدم قرشية المرأة.
و التحقيق، كما حقق في محلّه: عدم جريان هذا الاستصحاب، و ان ذهب اليه المحقق الخراساني (قدس سره) في الكفاية، و جمع من المحققين، و الوجه في عدم الجريان: اختلاف القضيتين: المتيقنة و المشكوكة، فان القضية الاولى سالبة بانتفاء الموضوع، و القضية الثانية سالبة بانتفاء المحمول، و لا مجال لدعوى اتحادّهما.
الثاني: الاستصحاب النّعتي: نظرا الى ان صفة الحضور و الوطنية قد تتحق باتخاذ نفسه بلدا بعنوان الوطن، و قد تتحقق بمرور زمان على سكناه في بلد، كما إذا

(الصفحة272)



سكن فيه مدة خمسين سنة، و قد تتحقق باتخاذ متبوعه التوطن في البلد الفلاني، فليست الوطنية من الصفات الذاتية، كالقرشيّة، و انّما هي من الصفات العرضية، فالشيء يوجد اوّلا ثم يعرض عليه صفة الوطنية، بخلاف القرشية التي لا تكون عارضية. و عليه، فمقتضى الاستصحاب بلحاظ كون الحالة السابقة المتيقنة، عدم كون الحدّ وطنا له او لمتبوعه، لانه كان كذلك قبل الاتخاذ و مرورالزمان المذكور و التبعية، و الان كما كان، و هذا يناسب التنظير الواقع في كلام العروة، لكون السفر امرا حادثا.
هذا فيما إذا لم يتحقق هناك هجرة من الحدّ الى غيره و بالعكس، و الاّفمقتضى الاستصحاب بقاء ما كان عليه قبل الهجرة، من الحضور و عدمه، كما لا يخفى.
ثالثها: عدم امكان الاحتياط او عدم جواز الاكتفاء بالامتثال العلمي الاجمالي، مع التمكن من الامتثال التفصيلي المتحقق بالفحص:
امّا الاوّل: و هو عدم امكان الاحتياط في المقام: فربما يقال في وجهه: ان الاحتياط المتصور هنا انما يتحقق بالاتيان بالتمتع في احد العامين، و الاتيان بغيره من القران او الافراد في العام الاخر، لعدم امكان الجمع بين النوعين في عام واحد، و ليس مثل صلاة الظهر و الجمعة في يوم الجمعة، حيث يمكن الجمع بينهمافي يوم واحد، فلا بد من الاتيان بنوع في عام و بغيره في عام اخر، و هذا لا يتحقق به الاحتياط، لان حجة الاسلام وجوبها فوري ـ كما تقدم ـ و الجمع بالنحو المذكور يوجب الاخلال بالفورية، على تقدير كون فرضه عبارة عن النوع الذي اتى به في العام الثاني، فالاحتياط، بنحو قد روعي فيه الفورية، ايضا غير ممكن.
هذا، و لكن ذكر بعض الاعلام طرقا للاحتياط المشتمل على رعاية الفورية و الجمع بين النوعين في عام واحد، قال على ما في تقريراته في شرح العروة:

(الصفحة273)



الاوّل: ان يحرم من الميقات قاصدا للجامع بين العمرة و الحج، فيدخل مكّة و يأتي باعمال العمرة ثم يحرم للحج احتياطا، فان كان حجه التمتع فقد اتى باعماله، و ان كان حجه الافراد فقد اتى بالاحرام الاوّل، و يكون الاحرام الثاني للحج ملغى، ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج فحينئذ تفرغ ذمّته، سواء كان عليه التمتع او الافراد.
و يبقى الكلام في التقصير، لعدم جوازه له، بناء على الافراد، و وجوبه عليه، بناء على التمتع. فالتقصير امره دائر بين المحذورين، لانه امّا واجب او حرام، و الحكم فيه التخيير، و لكن لاجل الاحتياط في المقام يختار التقصير، فلو كان حجّه تمتعا فقد اتى بما وجب عليه، و ان كان افرادا فلا يترتب على تقصيره سوى الكفارة، لافساد الحج و بطلانه.
و يمكن الايراد عليه: بان اصالة التخيير الجارية فيما إذا دار الامر بين المحذورين، الحاكمة بعدم ترتب استحقاق العقوبة، على تقدير تحقق مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال، انما يكون مجريها ما إذا لم يتحقق الدوران بينهمابيد المكلف و باختياره، و امّا إذا كان كذلك، فلا مجال للقول بعدم ترتب الاستحقاق في الفرض المذكور.
و بعبارة اخرى: في موارد دوران الامر بين المحذورين، يكون الحكم الاوّلي، بلحاظ تعلق العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين الوجوب و الحرمة، هو الاحتياط، و رعاية كلا الطرفين، كما إذا علم بوجوب هذا العمل او حرمة العمل الاخر.
غاية الامر، ان عدم امكان الاحتياط بالجمع بين الفعل و الترك في فعل واحداوجب الذهاب الى التخيير، المستلزم للمخالفة الاحتمالية للعلم الاجمالي، و هذه المخالفة لا تكون قادحة إذا لم يتحقق الدوران باختيار المكلف و بيده، و امّا في غير هذه الصورة فلم يعلم عدم قدحها بوجه، و المقام من هذا القبيل.

(الصفحة274)



الثاني: ان ينوي باحرامه من الميقات عمرة التمتع، التي تتقدّم على الحج، فيأتي باعمال العمرة، و بعد الفراغ يحرم لحج التمتع من مكة، ثم يخرج من مكّة الى احد المواقيت، فان الخروج من مكّة، و ان لم يكن جائزا، لانه محتبس و مرتهن بالحج، لكن يجوز له الخروج لحاجة، و لا ريب ان الخروج لاجل تحصيل الجزم بالاتيانو تفريغ الذمة على وجه اليقين، من اوضح الحاجات، فيحرم ثانيا للحج، فان كانت وظيفته، التمتع، فقد اتى بجميع ما يعتبر فيه، و يكون الاحرام الثاني للحج ملغى، و ان كانت الافراد، فقد اتى بالاحرام الثاني للحج، و تكون عمرته للتمتع لغوا، ثم يأتي بعمرة مفردة، و بذلك يحصل الجزم بالفراغ. قال: و هذا الوجه اوجه من الاوّل، و لعله متعين.
أقول: هذا الطريق ـ ايضا ـ انما يجدي مع عدم التمكن من الفحص، لانه حينئذيكون الخروج من مكّة بعد عمرة التمتع من اوضح الحاجات، و امّا مع التمكن من الفحص فلا ملزم لرعاية هذا الطريق حتى تتحق الحاجة، و يكون الخروج من اوضحها، لانه مع الفحص تصير وظيفته مشخصة معلومة، فيأتي بالتمتع او بغيره من القران او الافراد، كما انه مع جريان الاصل المشخص على ما مرّ، لا يبقى مجال لهذا الطريق.
الثالث: انه بناء على جواز تقديم العمرة على الحج، حتى في الحج الافرادي يمكن الاحتياط بأن يأتي بالعمرة اوّلا، بقصد الجامع بين عمرة التمتع و الافراد، و يأتي بطواف النساء بعد اعمال العمرة، لاحتمال كون عمرته عمرة مفردة، ثم يأتي باحرام الحج، فان كانت وظيفته التمتع فقد اتى باعماله، من العمرة و الحج، و ان كانت وظيفته الافراد فقد اتى بعمرة مفردة و طواف النساء و باعمال الحج، لان المفروض جواز تقديم العمرة على الحج الافرادي، فلا حاجة الى اتيان العمرة المفردة بعد الفراغ عن اعمال الحجّ. ثم ان الظاهر بلحاظ الاحتياط لزوم الاتيان

(الصفحة275)



بالهدي في الحجّ ايضا، لانه على تقدير كون الوظيفة هي حج التمتع، لكان اللازم رعاية الهدي في جميع الطرق الثلاثة، و ان لم يقع التصريح به فيما ذكر.
و يرد على هذا الوجه الاخير: ابتناؤه على جواز تقديم العمرة على الحج حتى في الحج الافرادي، و هو غير ثابت. و سيأتي البحث عنه ان شاء الله تعالى. و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه مع التمكن من الفحص لا يمكن الاحتياط بوجه، و على تقدير امكانه لا مجال لدعوى كون رتبة الامتثال العلمي الاجمالي متأخرة عن رتبة الامتثال العلمي التفصيلي، و ان اختاره بعض المحققين، و التحقيق في محلّه من علم الاصول. كما انه قد ظهر عدم وجوب الفحص مع التمكن، لوجود الاصل المحرز، و عدم وجوب الاحتياط مع عدم التمكن، و ان كان ممكنا لعين الدليل.
المقام السادس: في ان تقسيم المكلف الى قسمين، بمقتضى الكتاب و السنّة: قسم يتعين عليه التمتع، و قسم يتعين عليه غيره. انّما هو بالاضافة الى حجة الاسلام، و هو الحج الواجب باصل الشرع، و امّا غيرها، سواء كان واجبا بلحاظ تعلق النذر و اخويه، او تعلق عقد الاجارة، ام مستحبّا، فلا يجري فيه التقسيم المذكور، بل مع اطلاق مثل النذر و عقد الاجارة على تقدير عدم كون الاطلاق قادحا في صحته، يكون مخيّرا بين الاقسام الثلاثة، كما انه يكون مخيّرا في اصل النذر و شبهه، و كذا في عقد الاجارة بين الاقسام، بالتخصيص بخصوص قسم خاص، فيجوز للنائي نذر حج الافراد و كذا العكس، و هكذا في الحج الاستحبابي، سواء وقع قبله حجة الاسلام ام لا، فانه ايضا لا يتعين فيه نوع خاص. نعم، دلت الروايات المستفيضة، بل المتواترة معنى، على ان الافضل في موارد التخيير حج التمتع، و لا اختصاص لهابخصوص الحج الاستحبابي. و قد عقد في الوسائل بابا لذلك في ابواب اقسام

(الصفحة276)

مسألة 1 ـ من كان له وطنان احدهما دون الحدّ و الاخر خارجه او فيه لزمه فرض اغلبهما، لكن بشرط عدم اقامة سنتين بمكّة، فان تساويا فان كان مستطيعا من كل منهما تخير بين الوطيفتين، و ان كان الافضل اختيار التمتع، و ان كان مستطيعا من احدهما دون الاخر، لزمه فرض وطن الاستطاعة1 .


الحج، فراجع.
بقي الكلامفي الحج الواجب بالافساد: فان الظاهر كونه تابعا لما افسده، و انه يلزم ان يكون مطابقا له، و لا يبعد لزوم المطابقة حتى في القران و الافراد. فتدبّر.
1 - في هذه المسألة صورتان:
الصورة الاولى: ما إذا كان احد الموطنين اغلب عليه من الاخر، بمعنى كون الاقامة فيه اكثر و السّكونة فيه اغلب: و قد نفى في الجواهر وجدان الخلاف في لزوم فرض الاغلب، فان كانت اقامته فيما دون الحدّ اغلب يجب عليه القران او الافراد، و ان كانت اقامته في خارج الحدّ او في نفس الحدّ، بناء على لزوم التمتع فيه ـ ايضا ـ اكثر، ففرضه التمتع.
و الاصل في المسألة ما رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من اقام بمكة سنتين فهو من اهل مكة، لا متعة له، فقلت لابي جعفر (عليه السلام): ارأيت ان كان له اهل بالعراق و اهل بمكة؟ قال: فلينظر ايّهما الغالب عليه، فهو من اهله.
و رواها الشيخ باسناده عن زرارة مثله.(1) و الظاهر ان ضمير التثنية في الجواب يرجع الى البلدين لا الى الاهلين، بقرينة

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 1.

(الصفحة277)



قوله: فهو من اهله، لوضوح رجوع ضميره الى الغالب، و العدول في الجواب عما هو المذكور في السؤال من وجود الاهلين ببلدين، لعله لاجل عدم مدخلية الاهل في ذلك، فلو لم يكن للرجل اهل اصلا لكن كان توطنّه في بلدين، يكون احدهماالغالب عليه، يجري فيه الحكم المذكور في الرواية، و ليس التعبير بالاهل في السؤال مشابها للتعبير به في قوله تعالى: «لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام». فانّك عرفت كون حضور الاهل كناية عن الاقامة و السّكونة، و هذا بخلاف التعبير: بان له اهلا ببلد كذا، كما لا يخفى.
فالملاك هو توطن الرجل في البلدين المذكورين.
و قد احتمل في الجواهر: ان يكون المراد بالجواب ترجيح احدهما على الاخر بالغلبة منه، و ان يكون المراد: الغلبة التي يكون معها وطنه عرفا الغالب عليه.
قال: و من الاخير ينقدح احتمال عدم اختصاص الحكم بالحج، بل يجري في القصر و التمام، و ان كان لم اجد من احتمله هنا.
ثم ان الرواية باعتبار اشتمال صدرها على ضابطة كليّة، و هي: ان من اقام بمكة سنتين فهو من اهل مكة و لا متعة له. ـ و سيأتي البحث في هذه الضابطة في المسألة الثالثة الاتية ـ و اشتمال ذيلها على الحكم المذكور، و هو: لزوم فرض الغالب بالاضافة الى الوطنين يقع الاشكال فيها، فيمن كان له وطنان: مكّة و مدينة ـ مثلا ـ و كانت اقامته في الاولى ثلاث سنوات ـ مثلا ـ و في الثانية اربع سنوات، و كان بناؤه على التكرار بهذه الكيفية، فان مقتضى الصدر: انه لا متعة له، لانه اقام بمكة سنتين، و مقتضى الذيل: ثبوت التمتع، لان اقامته في الثانية اغلب و اكثر.
و لذا قال في محكي الحدائق: «و لقائل ان يقول: ان هاهنا عمومين قد تعارضا، احدهما: ما دلّ على ان ذا المنزلين متى غلب عليه الاقامة في احدهما

(الصفحة278)



وجب عليه الاخذ بفرضه، اعم من ان يكون اقام بمكة سنتين او لم يقم، فلو فرضنا: انه يقيم في كل مرّة في المنزل الافاقي خمس سنين و في المنزل المكي سنتين او ثلاثا، فانه يجب عليه فرض الافاقي، بمقتضي الخبر المذكور، و ان كان قد اقام بمكة سنتين، و ثانيهما: ما دل على ان المقيم بمكّة سنتين ينتقل فرضه الى اهل مكّة، اعم من ان يكون له منزل ثان ام لا، زادت اقامته فيه ام لا، و تخصيص احد العمومين بالاخر يحتاج الى دليل، و ما ادّعاه هذا القائل من الاولوية في خير المنع».
هذا، و لكن فرض التعارض في الرواية الواحدة باعتبار اشتمالها على كلاالحكمين، اولى.
و التحقيق في الجواب: انه لا منافاة بين الحكمين و لا تعارض بين الامرين بوجه، فان ذيل الرواية الوارد فيمن له وطنان، ناظر الى الوظيفة الاصلية و الفريضة الاوّلية لمن يكون كذلك، بمعنى انه كما ان النائي فرضه التمتع و القريب فرضه النوعان الآخران على سبيل التخيير، كذلك من يكون له وطنان حكمه ما هوالغالب عليه منهما، ففي الحقيقة يرجع مفاد الذيل الى انه لا يختص عنوان الحكم بحسب الفريضة الاصلية بخصوص عنوانين، بل هنا عنوان ثالث، و هو ذو وطنين و حكمه هو التمتع إذا كان الوطن الغالب خارجا عن الحدّ و القران او الافراد، إذاكان داخلا فيه.
و امّا صدر الروايةفهو متعرض لحكم انتقال الفرض و تبدل الواجب الاوّلى، و مورده من كان يجب عليه التمتع بحسب الفريضة الاصلية، فانه إذا اقام بمكة سنتين تتبدل فريضته و تنتقل الى القران و الافراد فيكون الصدر ناظرا الى موارد وجوب التمتع و ثبوت فرضه، من دون فرق بين ما إذا كان ذلك لاجل كونه خارجا عن الحدّ، كما في النائي، او لاجل كونه ذا وطنين، يكون الغالب عليه هو

(الصفحة279)



الوطن الخارج.
ففي الحقيقة يكون صدر الرواية مخصّصا لدليل وجوب التمتع و مخرجا لمورده ـ و هو من اقام بمكة سنتين ـ عن عمومه. غاية الامر، ان التخصيص المذكور يكون بلسان الحكومة، حيث وقع التعبير بكونه من اهل مكة، و هو يرجع الى التوسعة في عنوان اهل مكة و التضييق في عنوان غير اهلها، كما لا يخفى. و حيث ان الصدردالّ على الانتقال صار ذلك موجبا لانتقال زرارة الى السؤال عن ذي وطنين، و فرّع بقوله: فقلت، سؤاله على الضابطة الكلية المذكورة في الصدر، كما لا يخفى.
فقد ظهر انه لا منافة بين الحكمين، كما في جميع موارد الحكومة و التخصيص، كما انه قد ظهر وجه تقييد المتن، لزوم فرض الاغلب بصورة عدم الاقامة بمكة، المدّة المذكورة.
الصورة الثانية: ما إذا تساوت اقامته في الوطنين: و قد فصلّ فيها في المتن، كغيره: بين ما إذاكان مستطيعا من كل منهما و ما إذا كان مستطيعا من احدهما، بالحكم بالتخيير في الاوّل، و ان التمتع افضل، و بتعين فرض الوطن الذي استطاع منه في الثاني.
اقول: امّا التخيير في الفرض الاوّل: فقد استدل له بوجهين مذكورين في كلام صاحب الجواهر (قدس سره):
الاوّل: عدم شمول الادلة الواردة في تعيين انواع الحج من الكتاب و السنّة ـ التي تقدمت ـ لذي وطنين، و انصرافها عنه لدلالتها على بيان حكم النائي و القريب، و لا تشمل من كان جامعا بين العنوانين. و عليه، فاللازم الرجوع في حكمه الى الاطلاقات الواردة في اصل وجوب الحج، غير المتعرضة للتعيين، مثل قوله تعالى: «و للّه على النّاس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» و مقتضاها

(الصفحة280)



التخيير عقلا بين الانواع الثلاثة.
و لكنه قد اورد عليه: بانه لا يكون هنا اطلاق يرجع اليه، فانّ مثل الآية انمايكون في مقام بيان اصل الوجوب، و كون الحج من الفرائض الالهية، مثل قوله تعالى: «اقيموا الصلاة و اتو الزكاة» و قوله تعالى: «كتب عليكم الصيام» فلا مجال للتمسك باطلاقه، لعدم تعيين نوع خاص.
الثاني: شمول الادلة الواردة في الطرفين للمقام و عدم ثبوت انصرافها عنه، لصدق كلا العنوانين على ذي وطنين، و لو لا العلم بعدم وجوب حجين على مستطيع واحد لكان مقتضى القاعدة الجمع بين الامرين، و امّا مع ملاحظة العلم المزبور و عدم وجوب مرجح في البين، لكان اللازم الحكم بالتخيير و عدم ترجيح احد الطرفين.
ان قلت: ما الفرق بين المقام و بين ما تقدم، و هي صورة الشك في كون المنزل داخل الحدّ و خارجه، حيث حكم فيها بلزوم الاحتياط مع عدم التمكن من الفحص، امّا مطلقا او بشرط عدم وجود الاصل المحرز لاحد العنوانين، و يحكم في المقام بالتخيير، و من المعلوم: عدم جريان الاصل هنا، مع اشترك المقامين في ثبوت العلم الاجمالي و عدم وجود مرجح في البين؟
قلت: قد اجاب عن هذا الاشكال بعض الاعاظم في شرح العروة، على ما في تقريراته: بان العنوان هناك كان مجهولا مردّدا بين العنوانين، لعدم علمه بكونه في داخل الحدّ او خارجه، فوجب الاحتياط للعلم الاجمالي بكونه مكلّفا باحدى الوظيفتين، و هذا بخلافه هنا، لصدق كلا العنوانين عليه، الموجب لشمول ادلّتهاله، و حيث نعلم بعدم وجوب حجين عليه، كان مخيّرا بينهما، فلا احتياط هنا، لعدم موضوعه.
و انت خبير: بان هذا الجواب لا يزيد على بيان الفرق بين موضوع المسألتين،

<<التالي الفهرس السابق>>