في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة281)



فان العلم الاجمالي موجود في كلتيهما، و العلم بعدم وجوب حجيّن عليه انّما هو بالاضافة الى الفريضة الاوّلية و الحكم الواقعي، و امّا بلحاظ الاحتياط تحصيلا لماهو الواجب في الواقع، فلم يقم دليل على عدم وجوبه، كما في تلك المسألة.
و الحقّ في الجواب، ان يقال: انه بناء على شمول ادلة كلا الطرفين للمقام، كما هو المفروض في هذا الدليل، نقول: ان لكل من ادلة الطرفين مدلولين و مفادين: احدهما: وجوب النوع الخاص الذي يدل عليه، و هو التمتع او القران و الافراد.
ثانيهما: اجزاء ذلك عمّا هو الواجب عليه و اقتضائه للاجزاء و سقوط التكليف، و من المعلوم: ان المعارضة بين الدليلين، بلحاظ العلم الاجمالي بعدم وجوب حجين، و هو يوجب التعارض بالعرض بين الحجتين، انّما هو بلحاظ المفادالاوّل، حيث انه لا يجتمع الوجوبان، و امّا بلحاظ المفاد الثاني فلا تعارض بينهما اصلا، لعدم العلم بعدم الاجزاء و لو اجمالا. و حينئذ فالجمع بين الدليلين، المقتضي لاجزاء كلا العنوانين بضميمة العلم الاجمالي بلزوم الاتيان بحج واحد، يقتضي التخيير، و هذا هو الفارق بين المسألتين، حيث انه لا يكون هناك دليل على اجزاء كلا النوعين، كما لا يخفى.
فانقدح مما ذكرنا: ان مقتضى القاعدة هو التخيير، و لكن اورد بعض الاعلام شبهة لجريان التخيير في المقام، و هو: انه إذا كان موضوع كل واحد من الواجبين امرا ايجابيا، و كان المورد مجمعا بين العنوانين، لا مكن التخيير بينهما، و امّا إذا كان موضوع احدهما ايجابيّا و موضوع الاخر سلبيّا، و لازمه انه لا يمكن الجمع بينهما، لاستحالة الجمع بين النقيضين، فلا مورد للتخيير بين الامرين. و المفروض ان موضوع حج التمتع من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام، و هو العنوان السلبي، و موضوع القران او الافراد من كان حاضرا، و هو العنوان الايجابي، و كل من

(الصفحة282)



الدليلين مطلق من حيث اتخاذ وطن اخر و عدمه، فمن كان من اهالي مكّة و صدق عليه الحاضر، لا يصدق عليه العنوان السلبي، للاستحالة المذكورة، فلا يتحقق موضوع حج التمتع، و حيث يصدق عليه العنوان الايجابي يتعين عليه القران اوالافراد، و لا اقلّ من ان الاتيان باحدهما احوط بالنسبة اليه. هذا كله فيما إذا كان مستطيعا من كل من الوطنين.
و امّا إذا كان مستطيعا من احدهما: ففي المتن تبعا للعروة لزوم فرض وطن الاستطاعة، فان كان وطنها مكة يجب عليه القران او الافراد، و ان كان وطنها المدينة ـ مثلا ـ يجب عليه التمتع.
و لكن وقعت هذه الفتوى موردا للاستشكال لاكثر شراح العروة و بعض المحققين من المحشّين، نظرا الى جريان الدليلين المتقدمين للتخيير في الفرض السابق في هذا الفرض ايضا، لانه لا فرق في الرجوع الى الاطلاق بعد انصراف الادلة الدالة على التقسيم ـ و ان من كان داخل الحدّ يجب عليه القرآن او الافراد، و من كان فيه او في خارجه يجب عليه التمتع ـ عما نحن فيه من ذي وطنين، بين ما إذا استطاع من كل منهما و بين ما إذا استطاع من خصوص احدهما، كما انه لا فرق بعد شمول تلك الادلة للمقام او الحكم بالتخيير بالنحو الذي قربناه بين الصورتين.
و لا فرق فيما ذكرنا: بين ما إذا كان المراد من الاستطاعة من احدهما، هي الاستطاعة فيه، بان كان ظرفا مكانيّا لحصول الاستطاعة و تحقق الوصف، سواء كان منشأها هو الكون فيه و الاقامة و التجارة، ام كان منشأها شيئا اخر، كالارث و نحوه، و هذا الاحتمال هو الذي يظهر من الجواهر، لانه وقع التعبير فيها تارة بكلمة «من»، و اخرى بكلمة «في».
او كان المراد من الاستطاعة من احدهما، هي الاستطاعة الناشية عن

(الصفحة283)

مسألة 2 ـ من كان من اهل مكة و خرج الى بعض الامصار ثم رجع اليها فالاحوط ان يأتي بفرض المكي، بل لايخلو عن قوّة1.


التوطن فيه، و الكسب و التجارة ـ مثلا ـ فيه، او كان المراد منها هي الاستطاعة لخصوص احد النوعين من التمتع او غيره، نظرا الى انه يمكن ان يستطيع لحج الافراد لخلوّه عن الهدي، و لم يكن مستطيعا لحج التمتع.
ففي جميع هذه الاحتمالات لا مانع من جريان دليلي التخيير، حتى الاحتمال الاخير، فان الاستطاعة بمقدار حج الافراد فقط يوجب صدق عنوان المستطيع، فيجري فيه اطلاق مثل الاية الدال على التخيير بين الانواع، و لا منافاة بين الامرين بوجه اصلا، و كذا الدليل الاخر التخيير فالظاهر حينئذ انه لا مجال للتفصيل المذكور في المتن و العروة.
1 ـ نسب في الجواهر الى المشهور: جواز حج التمتع له، و كونه مخيّرا بين الوظيفتين. و نسبه في المدارك الى الاكثر، و المحكي عن ابن ابي عقيل عدم جواز ذلك، و انه يتعين عليه فرض المكي. و تبعه جماعة، منهم صاحب الرياض، و جعله في المتن اوّلا مقتضى الاحتياط الوجوبي، ثم نفى خلوه عن القوة.
و مستند المشهور صحيحتان، واردتان في فرض المسألة:
احديهما: ما رواه الكليني عن ابي عليّ الاشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان عن عبد الرحمان بن الحجّاج، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن رجل من اهل مكّة يخرج الى بعض الامصار ثم يرجع الى مكّة، فيمّر ببعض المواقيت أله ان يتمتع؟ قال: ما ازعم ان ذلك ليس له لو فعل، و كان الاهلال احبّ اليّ(1) و المراد بالاهلال هو الاهلال بالحج، الذي هو بمعنى الشروع في الحج، و هو كناية عن حج القران او الافراد، لان حجهما انما يكون قبل العمرة

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب السابع ح ـ 2.

(الصفحة284)



بخلاف التمتع.
ثانيتهما: ما رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن اعين، قالا: سألنا ابا الحسن (عليه السلام) عن رجل من اهل مكّة خرج الى بعض الامصار ثم رجع، فمّر ببعض المواقيت الذي وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله) له ان يتمتع؟ فقال: ما ازعم ان ذلك ليس له، و الاهلال بالحج احبّ اليّ، و رأيت من سأل ابا جعفر (عليه السلام) و ذلك اوّل ليلة من شهر رمضان، فقال له: جعلت فداك!انّي قد نويت ان اصوم بالمدينة. قال: تصوم ان شاء الله تعالى، قال له: و ارجو ان يكون خروجي في عشر من شوّال، فقال: تخرج ان شاء الله، فقال له: قد نويت ان احج عنك او عن ابيك، فكيف اصنع؟ فقال له: تمتّع، فقال له: انّ الله ربما منّ عليّ بزيارة رسوله (صلى الله عليه وآله) و زيارتك و السّلام عليك، و ربما حججت عنك و ربما حججت عن ابيك، و ربما حججت عن بعض اخواني او عن نفسي، فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع، فرّد عليه القول ثلاث مرّات، يقول: اني مقيم بمكّة و اهلي بها. فيقول: تمتّع. فسأله بعد ذلك رجل من اصحابنا، فقال: اني اريد ان افرد عمرة هذا الشهر ـ يعني شوّال ـ فقال له: انت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: انّ اهلي و منزلي بالمدينة، ولي بمكّة اهل و منزل و بينهما اهل و منازل. فقال له: انت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فان لي ضياعا حول مكّة، و اريد ان اخرج حلالا، فاذا كان ابّان الحجّ حججت(1). و الظاهر ان المراد بقوله: انت مرتهن بالحج: انه اعتمر عمرة التمتع، فتكون مرتهنا بحجّها، لا يجوز لك الخروج من مكّة.
ثم انه ربما يجعل ذيل هذه الرواية، و هو قوله: رأيت من سأل ابا جعفر (عليه السلام)...

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب السابع ح ـ 1.

(الصفحة285)



الظاهر في ان مورده الحج المندوب، قرينة على انّ مورد الصدر هو الحج المندوب ايضا، و انّ ذكر الذيل انّما هو للاستشهاد من الامام ابي الحسن (عليه السلام) بما سمع من السائل، عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام). و عليه، فلا يصح الاستدلال بالرّوايتين، لما ذهب اليه المشهور، بعد كون مورد كلامهم هي حجة الاسلام.
و لكنه اورد عليه: بان هذا الكلام، و هو قوله: و رأيت من سأل ابا جعفر (عليه السلام)، لا يمكن ان يكون من كلام ابي الحسن موسى (عليه السلام)فانه ولد بعد اربعة عشر عاما من وفاة ابي جعفر الباقر (عليه السلام)، و استظهر ان قائله هو الراوي، و هو عبد الرحمن، فيكون خبرا مستقلا مرويّا عن ابي جعفر (عليه السلام)واردا في الندب، اندمج احدهما بالاخر.
و الجواب عن هذا الايراد: انه بعد فرض كون الراوي رجلين، و هماعبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن اعين، و لذا ذكرا في صدر الرواية سألنا...
لا مجال للاتيان بفعل الرؤية بصيغة المتكلم وحده، من دون تعيين احدهما، و كون ولادته (عليه السلام) في الزمان المذكور لا يمنع عن رؤيته السائل عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) الا على فرض كون الرؤية حين السؤال، و لا دلالة للعبارة عليه.
نعم، استظهر المولى العلاّمة محمد باقر المجلسي (قدس سره) في شرح التهذيب ـ المسمّى بملاذ الاخيار ـ ان قوله: رأيت من كلام موسى بن القاسم، الذي روى عنه الشيخ باسناده، و ان المراد بابي جعفر (عليه السلام) هو ابو جعفر الجواد عليه السلام. و عليه، فلا يرتبط الذيل بالصدر، لكونه رواية مستقلة مروية عن الجواد (عليه السلام)من دون واسطة، و الصدر مروي عن جدّه (عليه السلام)مع الواسطة، و يدل على هذا الاستظهار ما رواه الكليني عن عدّة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن موسى بن القاسم البجلّى، قال: قلت لابي جعفر الثاني (عليه السلام): اني ارجو ان اصوم بالمدينة شهر رمضان، فقال: تصوم بها ان شاء الله تعالى، فقال: و ارجو ان يكون

(الصفحة286)



خروجنا في عشر من شوال، و قد عوّد الله زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) و زيارتك، فربما حججت عن ابيك و ربما حججت عن ابي و ربما حججت عن الرجل من اخوانيو ربما حججت عن نفسي، فكيف اصنع؟ فقال: تمتع(1)... الحديث. و على ما ذكر من عدم الارتباط او عدم ثبوته، نقول: يجري في الصدر في نفسه احتمالان:
احدهما: ان يكون مورده خصوص حجة الاسلام، التي هو الحج الواجب بالاصل، و يويّده: ان جواز التمتع في الحج الندبي امر مسلم لا يكاد يخفى على مثل الراوي، و هو عبد الرحمن، الذي هو من اكابر الرّواة، كما ان العبارتين الواقعتين في الجواب لا تلائمان الحج المندوب، لانه لا ريب في جواز التمتع فيه، فلا يناسبه قوله: ما ازعم... كما ان العبارة الثانية الدالة على احبيّة غير التمتع لا تكاد تجتمع مع الحج الندبي، لانه لا ريب في افضلية التمتع فيه لا الاهلال بالحج و الافراد به.
و هذه المؤيدات و ان كانت قابلة للمناقشة، لأن وضوح جواز التمتع في الحج الندبي انّما هو ـ بالاضافة الينا ـ بلحاظ الروايات المتعددة الواردة فيه، التي وقع في اكثرها السؤال عن ذلك، و وقع في الجواب ما يدل على افضلية التمتع.
كما ان التعبير بقوله: ما ازعم... لعلّه كان بلحاظ عدم مشروعية التمتع لدى الناس مطلقا، فلم يرد الامام (عليه السلام) التصريح بخلافهم، و الحكم القطعي عليهم.
و امّا قوله: و كان الاهلال احبّ اليّ. فمضافا الى ان ادلة افضلية التمتع لا تختص بالحج المندوب، بل هي جارية في جميع موارد التخيير، و لو كان الحج واجبا، كما في النذر المطلق، يمكن ان يقال بتخصيص تلك الادلة في المقام، لانه لم ينهض دليل على عدم قابليتها للتخصيص، او على عدم وقوعه خارجا، كما لا يخفى.
الاّ انه على تقدير عدم المناقشة، يصح الاستدلال بالروايتين للمشهور،

1 ـ وسائل ابواب النيابة باب 25 ح 1.

(الصفحة287)



و الحكم بجواز التمتع للمكيّ، و ان كان يبعد ذلك: ان المكّي الخارج الى بعض الامصار قد اتى بحجة الاسلام، نوعا، و من البعيد عدم الاتيان به.
ثانيهما: ان يكون موردهما غير مختص بالحج الندبي و لا بالحج الوجوبي، الذي هو حجة الاسلام، بل يعمّ كليهما. و عليه، فتقع المعارضة بينهما و بين ما يدل على انه لا متعة لاهل مكّة، و انه يتعين عليهم غير التمتع، من الآية و الرواية، و التعارض انما هو بالعموم و الخصوص، من وجه يجتمعان في المقام و يفترقان في الحج الاستحبابي، الذي هو مشمول للصحيحتين، و غير مشمول للادلة الدالة على انه لا متعة لاهل مكة، و كذا في المكي غير الخارج الى بعض الامصار، الذي هو خارج عنهما و مشمول لها، فالتعارض انما هو بالنحو المذكور. و ذكر صاحب الرياض: انه بعد التعارض يكون الترجيح للادلة المانعة، بموافقة الكتاب و الكثرة، و انه على تقدير التساوي يجب الرجوع الى الاصل، و مقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينية، التي لا تتحقق الاّ بغير التمتع، للاتفاق على جوازه فتوىو رواية دونه، فتركه هنا اولى، و قد صرحت به الرواية ايضا، كما مضى.
و يرد عليه: مضافا الى ان مرجعية الكتاب، و كذا مرجحيّته في التعارض بالعموم و الخصوص من وجه، محلّ اشكال، كما هو المذكور في محلّه ان الكتاب هنا واقع في احد طرفي المعارضة، لانّ المراد بموافقة الكتاب، هي الموافقة لما يدلّ على حصر التمتع بمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام. و من الواضح: انه طرف المعارضة، كالرّوايات الدالة على انه لا متعة لاهل مكّة فاللازم على هذا الفرض ـ اي التعارض ـ هو الحكم بالتساقط و الرجوع الى اطلاق ما دلّ على وجوب الحج، المقتضي للتخيير بين الانواع الثلاثة. و على تقدير المناقشة فيه نظرا الى انه في مقام بيان اصل التشريع، و لا مجال للتمسك باطلاقه بالاضافة الى الانواع، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، تصل النوبة الى الاصل العملي.

(الصفحة288)



و لكن التحقيق: انه لا معارضة بين الطائفتين، و لا تصل النوبة الى اعمال قواعد التعارض، و ذلك لحكومة الصحيحتين على الادلة المانعة، لان نفس السؤال الواقع فيهما انما يبتنى على تلك الادلة، ضرورة ان السؤال عن حكم المكيّ الخاص الخارج الى بعض الامصار، و انه هل يجوز له ان يتمتع؟ انّما هو بعدملاحظة ان المكيّ لا متعة له، و يتعين عليه القران او الافراد، و مرجع السّؤال الى انه هل الخصوصية المذكورة توجب تغير حكم المكي و تبدل فرضه عن التعيين الى التخيير ام لا؟ فالسؤال بنفسه ناظر الى الادلة المانعة. و عليه، فالجواب بالجوازايضا ناظر اليها و مفسّر لها و شارح لمفادها، و ان المراد منها هو المكي غير الواجد للخصوصية المذكورة. فالروايتان ناظرتان اليها موجبتان للتضييق في موردها. و عليه، فالعنوان الحاكم في المقام هي الحكومة لا التعارض و مقتضاها تقدم الدليل الحاكم و لزوم المشي على طبقه.
ثمّ انه لو وصلت النوبة الى الاصل العملي، فهل مقتضاه جواز التمتع او عدمه؟ فيه و جهان، بل قولان، اختار ثانيهما صاحب الرياض في عبارته المتقدمة و تبعه السيد (قدس سره) في العروة، و لكنه اجاب في الجواهر عن الرياض بقوله: «بان التخيير على تقدير التساوي ـ يعني تساوى الدليلين المتعارضين و عدم وجود مرجح في البين ـ هو الموافق للاصل و لاطلاق ادلة وجوب الحج... ».
و هو يبتني على مسألة الدوران بين التعيين و التخيير، و ان الاصل فيها: هل هو الاشتغال او البراءة؟ و المقام و ان لم يكن من مصاديق تلك المسألة، لان طرفي الاحتمال هنا هو التخيير. غاية الامر، ان التخيير على احد الاحتمالين هو التخييربين النوعين، و على الاحتمال الاخر هو التخيير بين الانواع الثلاثة، الاّ انه لا فرق بينهما في الملاك و المناط.
و مختار المتن، و ان كان هو الاشتغال بلحاظ جعل الاتيان بفرض المكي

(الصفحة289)



مقتضى الاحتياط اللزومي، الاّ ان الظاهر هو جريان البراءة، لانّه كما ان اصل التكليف و ثبوته يحتاج الى البيان و قيام الحجة من قبل المولي، لقبح العقاب من دون بيان، كذلك الخصوصيات المستلزمة للتضييق على المكلف، و ايقاعه في مشقة زائدة على اصل التكليف المعلوم بالاجمال. فانه مع عدم قيام الحجة عليها من قبل المولى يكون مقتضى حكم العقل هو البراءة، و لذا نقول بجريانها في الدوران بين الاقل و الاكثر الارتباطي، فاذا علم بوجوب صلاة الجمعة في يومهاو لكن شك في ان وجوبها هل يكون بنحو التعيين او التخيير بينها و بين صلاة الظهر؟ تجري البراءة، لان خصوصية الجمعة و تعينها امر زائد على اصل التكليف المعلوم بالاجمال، و مع عدم قيام الحجة عليها تجري البراءة عقلا.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: ان مقتضى التحقيق في المسألة ما ذهب اليه المشهور، من دون فرق بين ما كان المستند هي الادلة اللفظية، او الاصول العمليّة.
ثم انّ السيد (قدس سره) في العروة، بعد ان اختار خلاف المشهور ذكر في ذيل كلامه: «بل يمكن ان يقال: ان محلّ كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها ـ اي عن مكّة ـ و امّا إذا كان مستطيعا فيها قبل خروجه منهافيتعين عليه فرض اهلها».
الفرضين، بل كون الفرض الثاني، و هي الاستطاعة في مكة قبل خروجه منها، هو الفرض الظاهر منهما، خصوصا مع ملاحظة ان تحقق الاستطاعة في السفر و بعد الخروج في غاية البعد، سيّما في تلك الازمنة.
و بالجملة: لا ينبغي الاشكال في اطلاق السؤال في الروايتين و ترك الاستفصال في الجواب، فلا يبقى مجال للتفصيل اصلا، و ان كان مراده هو

(الصفحة290)

مسألة 3 ـ الافاقي إذا صار مقيما في مكّة: فان كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتع عليه، فلا اشكال في بقاء حكمه، سواء كانت اقامته بقصد التوطن او المجاورة، و لوبازيد من سنتين. و امّا لو لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد اقامته في مكّة، فينقلب فرضه الى فرض المكيّ بعد الدخول في السنة الثالثة، لكن بشرط ان تكون الاقامة بقصد المجاورة، و امّا لو كان بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الاوّل. و في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكي بالنسبة الى الاستطاعة ايضا، فتكفي في وجوبه استطاعته منها، و لا يشترط فيه حصولها من بلده. و لو حصلت الاستطاعة بعد الاقامة في مكّة، قبل مضي السّنتين، لكن


التفصيل بلحاظ الاصل العملي، نظرا الى انه في صورة الاستطاعة في مكّة، كان الواجب عليه غير التمتع، لانه صار مستطيعا و هو من اهل مكة غير خارج منها، و مقتضى الاستصحاب بقاء هذا الوجوب بخلاف ما إذا استطاع في خارجها، فانه يشك من الاوّل في ان الواجب هل هو ما يشمل التمتع او ما لا يشمله؟ فتجري البراءة او الاشتغال على الخلاف، و لا مجال للاستصحاب، و قد صرّح بهذا الفرق بعض الاعلام، بناء على جريان الاستصحاب في الاحكام الكلية، على خلاف مبناه.
فيمكن الايراد عليه حينئذ ايضا: بعدم وضوح كون الحالة السابقة المتيقنة في صورة الاستطاعة في مكة، هو وجوب غير التمتع، لاحتمال كون هذا الوجوب مشروطا ببقائه فيها و عدم خروجه عنها الى بعض الامصار، بالنحو المذكور في سؤال الرّواية. غاية الامر، تخيله كون الواجب هو غير التمتع.
و بعبارة اخرى: لو كان الحكم في صورة الاستطاعة في مكة و الخروج الى بعض الامصار، هو تبدل الواجب احتمالا بعد كونه هو غير التمتع، لكان للاستصحاب المذكور مجال. و امّا لو كان الحكم هو التخيير بين الانواع، احتمالا من اول الامر، بحيث كان الخروج كاشفا عن التخيير من اوّل الامر، فلا مجال للاستصحاب، كما لا يخفى. و يجري مثل ذلك في تبدل التمتع الى غيره كالحائض في بعض الموارد.
فتدبر.

(الصفحة291)

بشرط وقوع الحج على فرض المبادرة اليه قبل تجاوز السنتين. فالظاهر انه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه التمتع، و لو بقيت الى السنة الثالثة او ازيد. و امّا المكيّ إذا خرج الى سائر الامصار مجاورا لها، فلا يلحقه حكمها في تعين التمتع عليه، الاّ إذا توطن و حصلت الاستطاعة بعده، فيتعين عليه التمتع، و لو في السنة الاولى1 .


1 - الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين.
المقام الاوّل: في الافاقي إذا صار مقيما في مكة، و فيه فرضان: الاوّل: ما إذا كان ذلك بعد الاستطاعة في وطنه و وجوب التمتع عليه، و نفى في المتن الاشكال ـ تبعا للسيّد في العروة ـ في بقاء حكمه، سواء كانت اقامته بقصدالتوطن او المجاورة، و لو بأزيد من سنتين. و قال في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه نصّا و فتوى، بل لعلّه اجماعي، بل قيل: انه كذلك للاصل و غيره. فما في المدارك من التأمل فيه في غيره محلّه».
اقول: لا اشكال في عدم انتقال فرضه عن التمتع الى غيره بمجرد الاقامة مع عدم قصد التوطن، و عدم تحقق مجاورة سنتين، كاملتين، لعدم ثبوت ما يوجب الانتقال بوجه، لانه لم يخرج عن عنوان: من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام، و لا يشمله النصوص الاتية، التي موردها اقامة سنتين، و المفروض تحقق الاستطاعة فيوطنه، فالواجب عليه هو التمتع.
و امّا مع قصد التوطن او المجاورة بالمدة المذكورة، فمقتضى تبدل العنوان و انقلابه في الاوّل، هو تبدل فرضه الى غير التمتع، لانه بذلك صار اهله حاضري المسجد الحرام، و لا و دلالة في الآية على انّ الملاك هو زمان الاستطاعة، فانها شرط لاصل وجوب الحج و توجه التكليف، و امّا الخصوصية النوعية، فهي مرتبطة بزمان الامتثال و وقت العمل، فمقتضى الآية حينئذ هو التبدل مع قصد التوطن، كما ان

(الصفحة292)



مقتضى اطلاق الروايات اطلاق الاتية الواردة في اقامة سنتين، و كونها موجبة لصيرورة المقيم من اهل مكة، و انه لا متعة له، عدم الفرق بين حصول الاستطاعة قبل زمن الاقامة، او في زمانها على ما ذكره صاحب الحدائق.
نعم، في مقابل ما ذكر من الآية و اطلاق الرواية، امران:
احدهما: الاجماع، الذي احتمله صاحب الجواهر، بل حكاه عن غيره، و من المعلوم: ان اصله محل اشكال، و الاجماع المنقول ليس بحجة، و على تقديره تكون اصالته مخدوشة، لاحتمال كون المدارك للمجمعين هو الاصل او غيره.
ثانيهما: الاصل، الذي يكون المراد به هو الاستصحاب. و يرد عليه، ما ذكرناه في ذيل المسألة السابقة، من: عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة، و بما ذكرنا ينقدح: ان تأمل صاحب المدارك يكون في محله.
الفرض الثاني: ما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد اقامته في مكّة: و لااشكال و لا خلاف في عدم تحقق الانقلاب بسبب الاقامة بمجرّدها، كما انه لا اشكال و لا خلاف في ناحية الاثبات، و هو تحقق الانقلاب و الانتقال بسببها في الجملة، و انما الخلاف في الحدّ الذي يتحقق به ذلك. و الاقوال في هذه الجهة لا تتجاوز عن ثلاثة:
الاوّل: ما نسبه غير واحد الى المشهور، و ربما عزى الى علمائنا، عدا الشيخ، كما في الجواهر، و هو: انّ الحدّ انما هو بعد الدخول في السنة الثالثة و المجاوزة عن السنتين.
الثاني: انه بعد الدخول في السنة الثانية، و هو محكي عن ظاهر الدروس، قال فيها: «و لو اقام النائي بمكة سنتين فرضه اليها في الثالثة كما في المبسوط و النهاية، و يظهر من اكثر الروايات: انه في الثانية» فان ظاهرها ترجيح روايات السنّة. و اختاره كاشف اللثام و حمل الصحيحتين عليها، و تبعهما صاحب الجواهر

(الصفحة293)



و حكى عن الصدوق في المقنع: العمل ببعض هذه الروايات.
الثالث: انه بعد تمام ثلاث سنين و الدخول في الرابعة، و قد نسب هذا القول الى الشيخ في المبسوط و النهاية. و حكى هذا القول عن السرائر ايضا، و سيأتي ما هو التحقيق في النسبة الى الشيخ (قدس سره).
هذا، و يدلّ على القول المشهور صحيحة زرارة، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من اقام بمكة سنتين فهو من اهل مكة لا متعة له، فقلت لابي جعفر (عليه السلام): ارأيت ان كان له اهل بالعراق و اهل بمكة؟ قال: فلينظر ايّهما الغالب عليه، فهومن اهله.(1) و صحيحة عمر بن يزيد، قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام): المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة الى الحج الى سنتين، فاذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له ان يتمتّع.(2) و دلالتهما على لزوم اكمال سنتين و الدخول في السنّة الثالثة، خصوصاالصحيحة الثانية واضحة. نعم، يظهر من الجواهر اختلاف النسخة في قوله: فاذا جاوز، و ان في بعض النسخ: الراء مكان الزاء، و يؤيده عنوان المجاور في صدر الرّواية. و عليه، فلا تكون لها خصوصية من جهة الدلالة على لزوم اكمال سنتين، كما ان ظهور كلمة «سنتين» في سنتين كاملتين معهودتين، لا ينبغي الارتياب فيه، خصوصا مع ملاحظة عنوان الاقامة و المجاورة، و اخذه موضوعا قبل الحكم بانه لا متعة له.
و امّا ما يدلّ على القول الثاني، فعدّة روايات:
منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام): لاهل مكّة ان يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا اقاموا سنة او سنتين صنعوا كما

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 2.

(الصفحة294)



يصنع اهل مكّة، فاذا اقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا، قلت: من اين؟ قال: يخرجون من الحرم. قلت: من اين يهلّون بالحج؟ فقال: من مكّة، نحوا ممّن يقول الناس.(1)
و منها: رواية حمّاد، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن اهل مكّة، أيتمتعون؟ قال ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا اقام بها سنة او سنتين صنع صنع اهل مكّة. قلت: فان مكث الشهر. قال: يتمتع، قلت: من اين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم. قلت: من اين يهلّ بالحج؟ قال: من مكّة، نحوا مما يقول النّاس.(2) و نوقش في سندها باشتراك داود، الذي روى عنه ابن ابي عمير، بين الثقة و غيره. و هي تبتني على عدم ثبوت ما اشتهر، من: انّ ابن ابي عمير لا يروي و لا يرسل الاّ عن الثقة، كما هو مقتضى التحقيق.
و منها: رواية عبد الله بن سنان، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المجاوربمكة سنة يعمل عمل اهل مكّة، يعني يفرد الحج مع اهل مكّة، و ما كان دون السنّة فله ان يتمتعّ.(3)
و منها: مرسلة حريز، عمن اخبره، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من دخل مكّة بحجة عن غيره ثم اقام سنة فهو مكّي، فاذا اراد ان يحج عن نفسه او اراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة، فليس له ان يحرم من مكّة، و لكن يخرج الى الوقت، و كلّما حول رجع الى الوقت.(4) و حكى عن الصدوق في المقنع، انه افتى

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 3.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 7.
3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 8.
4 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 9.

(الصفحة295)



على طبق هذه الرواية، و لكنه يحتمل ان يكون لمورد الرواية ـ و هو دخولها بحجة عن غيره ـ خصوصية عنده.
و منها: رواية محمد بن مسلم، عن احدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: من اقام بمكة سنة فهو بمنزلة اهل مكة.(1) إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم: انه ذكر صاحب الجواهر بعد الحكم بانه يتجّه الاستدلال بالروايات المذكورة للقول الثاني، الذي استظهره الشهيد من اكثر الروايات: «بل يمكن تنزيل الصحيحين المزبورين ـ يعني ما يدل على القول الاوّل ـ عليه، و لو بقرينة هذه النصوص، التي تصلح مرجحة لاحدى النسختين في احدهما على الاخرى ايضا، التي قيل انها لا تقبل التنزيل المزبور، بل في كشف اللثام احتمالهما ايضا لسنتي الحج، بمضيّ زمان يسع حجتين، و هو سنة، كما ان شهر الحيض ثلاثة عشر يوما، و على كل حال، فتجتمع نصوص السنة و السنتين و السنة او السنتين على معنى واحد» و اشار بالذيل الى ما ذكره من صحة الاستدلال للقول الثاني بخبري الحلبي و حمّاد السابقين، المشتملين على مجاورة السنة او السنتين، بناء على انه لا معنى لذلك الاّ على ارادة الدخول في الثانية.
و الوجه في انه لا معنى له الاّ ما ذكره: عدم ملائمة التخيير مع مقام التحديد و الضابطة، لافادة الحدّ، و ليس مثل التخيير في سائر الموارد. هذا، و يرد على ما افاده من حمل الصحيحتين على الدخول في السنة الثانية. ان هذا لا يوجب تحقق الجمع الدلالي، الذي يخرج الطائفتين عن عنوان المتعارضين و المختلفين، الذي هو الموضوع للاخبار العلاجيّة، و ذلك لان الجمع الدلالي إذا كان مقبولا عند العرف و العقلاء، بحيث لا يكون الخبران مختلفين عندهم و متعارضين بنظرهم، يوجب

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 4.

(الصفحة296)



الخروج عن مورد تلك الاخبار، و المقام ليس كذلك، ضرورة ان جعل الموضوع اقامة السنّة، كما في رواية محمد بن مسلم ـ مثلا ـ، كيف يجتمع مع جعل الموضوع اقامة سنتين و المجاورة كذلك، فهل هذا الا التعارض عند العرف و العقلاء.
و حينئذ لا بد من اعمال قواعد التعارض، و حيث ان اوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية، على ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة، و قد حققناه في محلّه، فاللازم الاخذ بالصحيحتين و الفتوى على طبقهما، كما هو المشهور.
و ممّا ذكرنا: ظهر ان المقام ليس من موارد اعراض المشهور عن الرواية الصحيحة، الذي وقع البحث في كونه هل يوجب سقوط الرواية عن الحجية ام لا يوجب؟ بل المقام من موارد الترجيح بالشهرة الفتوائية، بعد فرض التعارض، و بين الموردين فرق، كما لا يخفى. ثم انّ هنا روايات تدل على كفاية الاقامة اقل من سنة، مثل: صحيحة حفص بن البخترى، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في المجاور بمكة يخرج الى اهله ثم يرجع الى مكّة، بأيّ شيء يدخل؟ فقال: ان كان مقامه بمكة اكثر من ستة اشهر فلا يتمتع، و ان كان اقل من ستة اشهر فله ان يتمتع.(1) و مرسلة حسين بن عثمان و غيره، عمن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: من اقام بمكّة خمسة اشهر فليس له ان يتمتع.(2) و قال في الجواهر بعد نقل هذه الطائفة: «و يمكن حملها على التقية، بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام، بالاستيطان ستة اشهر او الدخول في الشهر السادس، او على اعتبار مضي ذلك في اجراء حكم الوطن لمن قصدالتوطن، و في كشف اللثام: او على ارادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة الى قيام

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 3.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 5.

(الصفحة297)



الستة اشهر او اقل او اكثر او غير ذلك» و لكن لا داعي الى ارتكاب شيء من هذه المحامل، بعد كون هذه الطائفة معرضا عنها عند الاصحاب، و لم يقل بها احد، كما لا يخفى.
ثمّ انّك عرفت: انه قد نسب الى الشيخ في المبسوط و النهاية، القول بتوقف انتقال الفرض الى القران او الافراد، على تمامية الاقامة ثلاث سنين و الدخول في السنة الرّابعة.
و هذا الامر مع بعده في نفسه، لان اكثر الروايات المتقدمة التي فيها الصحاح قد رواها الشيخ في جامعيه في الاحاديث، و لا يكون في شيء منها رواية دالة على هذا القول، و لو كانت ضعيفة، فهل يحتمل مع ذلك ان يكون الشيخ قد اعرض عن جميع تلك الروايات و استند الى الاصل و الاستصحاب المقتضي لتأخر زمان الانتقال، و بقاء فرضه السابق، و هو التمتع؟ هذا، مضافا الى ان الشهيد في الدروس قد نسب في عبارته المتقدمة الى الشيخ في الكتابين ما يقول به المشهور من كفاية الدخول في الثالثة في الانتقال و التبدل.
غاية الامر، انه استظهر من اكثر الروايات كفاية الدخول في الثانية، و هو يشعر باختياره خلاف ما اختاره الشيخ.
و عليه، فاللازم ملاحظة كلامه في الكتابين، فنقول: قال في النهاية، على ما حكي: «و من جاور بمكة سنة او سنتين جاز له ان يتمتّع، فيخرج الى الميقات و يحرم بالحج متمتّعا، فان جاور بها ثلاث سنين لم يجزله التمتع، و كان حكمه حكم اهل مكة و حاضريها» و قد نفى الريب في الجواهر في ظهورها، فيما ذكره الشهيد و انّ المراد بالمجاورة بها ثلاث سنين الدخول في الثالثة، بقرينة قوله: اوّلا: سنة او سنتين، و الاّ لقال: او ثلاث.
و قال في المبسوط: «و المكّي إذا انتقل الى غيرها من البلدان ثم جاء متمتعا،

(الصفحة298)



لم يسقط عند الدّم، و ان كان من غيرها و انتقل الى مكّة، فان اقام بها ثلاث سنين فصاعدا كان من الحاضرين، و ان كان اقل من ذلك كان حكمه حكم اهل بلده». و الظاهر انّ المراد منها ما في النهاية.
فالعبارتان ظاهرتان فيما يقول به المشهور، كما فهمه الشهيد و صاحب الجواهر، اللّذين هما من المتخصصين في الادب العربي، و يؤيد بل يدل على ذلك عبارة المحقق في الشرايع: «و لو اقام من فرضه التمتع بمكة سنة او سنتين لم ينتقل فرضه، و كان عليه الخروج الى الميقات إذا اراد حجة الاسلام، و لو لم يتمكن من ذلك خرج الى خارج الحرم، فان تعذر احرم من موضعه، فان دخل في الثالثة مقيما ثم حج، انتقل فرضه الى القران و الافراد».
فان جعل الدخول في الثالثة مقابلا للاقامة سنة او سنتين، دليل على انه ليس المراد السنتين الكاملتين حتّى لا يتحقق ذلك الاّ بالدخول في الثالثة، و احتمال التهافت في كلامه ـ كما صدر من المدارك ـ لا ينبغي الاعتناء به.
و مما ذكرنا ظهر انّ ما في «المستمسك» من: ان دلالة كلامي الشيخ على اعتبار الدخول في الرابعة ظاهرة، لا يكون في محلّه ايضا.
بقي الكلام في هذا الفرض في امور:
الاوّل: انه هل الحكم بالانقلاب و التبدل بعد تمامية اقامة سنتين، المتحققة بالدخول في السنة الثالثة، المدلول عليه بالصحيحتين المتقدمتين، يختص بما إذا كانت الاقامة بقصد المجاورة. و امّا إذا كانت بقصد التوطن، فلا يتوقف الانقلاب على الاقامة المزبوره، بل ينقلب من الاوّل، بعد عدم شمول الروايتين لهذا الفرض، او يعمّ كلا الفرضين، او يختص بما إذا كانت الاقامة بقصدالتوطن؟ وجوه:

(الصفحة299)



صريح المدارك و الجواهر هو الثاني، و نسبه في الاوّل الى اطلاق النص و كلام الاصحاب، و حكى الثالث في الجواهر عن بعض الحواشي.
و الظاهر كما في المتن و العروة هو الاوّل، و ذلك لان صحيحة زرارة المتقدمة، و ان كان التعبير فيها هو عنوان «الاقامة» و هي في نفسها تشمل الفرضين: المجاورة و التوطن، الاّ انها باعتبار تعرضها لجهة واحدة، و هي كون الاقامة الخاصة موجبة لصيرورة المقيم من اهل مكة، و يترتب عليه انه لا متعة له، ظاهرة في كونها في مقام التوسعة في عنوان «من كان اهله حاضري المسجد الحرام»، و الحكم بانه لا يختص بخصوص المتوطن، بل يشمل المقيم المذكور تعبدا. ففي الحقيقة ظاهرها كونها في مقام التصرف في ذلك العنوان بنحو الحكومة، كما تقدم، فيرجع مفادهاالى: ان الاقامة المذكورة، و ان كانت لا تقتضي تحقق العنوان المذكور بحسب العرف و اللّغة، الاّ انها توجب تحققه شرعا و ثبوته تعبدّا، و هذا لا يناسب الاّ مع الاقامة بقصد المجاورة، كما هو ظاهر.
و امّا صحيحة عمر بن يزيد، فمع قطع النظر عن التعبير بالمجاور فيها، و هو في مقابل المتوطن لا شامل له، نقول: انّها و ان كانت متعرضة لجهتين: ثبوت التمتع الى سنتين و كونه قاطنا، ليس له ان يتمتّع بعدهما، الاّ ان الظاهر كون محطّ النظرفيها هي الجهة الثانية، الراجعة الى التوسعة المذكورة في صحيحة زرارة. و امّا الجهة الاولى: فهي حكم على مقتضى القاعدة، و ذكرها انما هو بعنوان التوطئة للحكم الثاني، الذي هو على خلافها، و لو كان عنوان «المجاور» شاملا للمتوطن ايضا، لكان اللازم الالتزام بكون كلا الحكمين على خلاف القاعدة. غاية الامر، ان مخالفة القاعدة في الحكم الاوّل انّما هي بالاضافة الى المتوطن، و في الحكم الثاني انّما هي بالاضافة الى المجاور غير المتوطن، و هذا خلاف الظاهر جدّا.
فالانصاف يقتضي الحكم باتحاد مفاد الروايتين، و كون محطّ النظر في كليهما

(الصفحة300)



هي الجهة الثانية المذكورة، فلا دلالة لهما على حكم المتوطن، بل اللازم فيه الرجوع الى القاعدة المقتضية للتبدل، من حين تحققه بالقصد.
الثاني: انّه في صورة الانقلاب هل اللازم في الاستطاعة المفروضة، الحاصلة بعد اقامة السنتين ان تكون هي استطاعة المكي، او ان الشرط في الوجوب هي الاستطاعة المعتبرة في حج التمتع، و ان كان الواجب عليه بها هي غير حج التمتع، وجهان، بل قولان: يظهر من الجواهر الثاني، حيث انه بعد ان حكى عن بعضهم: انه لا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروطة له، و لو الى الرجوع الى بلده، بل يكفي فيه استطاعة اهل مكة، لاطلاق الاية و كثير من الاخبار الى اخر ما حكاه، قال: «الاّ ان الجميع ـ كما ترى ـ مع عدم قصد التوطن، ضرورة انسباق ارادة نوع الحج، خاصّة من الجميع، فيبقى عموم ادلة استطاعة النائي بحاله».
و لكن ذكر سيّد المستمسك ما ملخّصه: «ان النزاع المذكور لا يرجع الى محصّل، لان الفرق بين الاستطاعتين من وجهين: احدهما من حيث الابتداء: و قد مرّ انه لا يعتبر في الاستطاعة ان تكون من البلد، فلو سافر الى الميقات فاستطاع هناك استطاعة شرعية منه الى مكّة ثم الى الرجوع الى بلده وجب عليه حجة الاسلام، و ان لم تكن له استطاعة من البلد. و ثانيهما من حيث الانتهاء: و قد تقدم ـ ايضا ـ انه إذا كان منصرفا عن الرجوع الى بلده لا يعتبر في وجوب حجة الاسلام الاستطاعة اليه، بل تكفي الاستطاعة الى الموضع الذي يقصد الاقامة فيه بعد رجوعه من الحج، و لو كان قريبا من مكّة، و انه لا تكفي الاستطاعة الى البلد إذا كان رجوعه اليه ضررا عليه او حرجا. و بالجملة: لا تعتبر الاستطاعة من البلد و لا اليه».
و يرد عليه: ان مقتضى ما افاده ان يتضح للنزاع المذكور وجه محصل، فيما إذا

<<التالي الفهرس السابق>>