في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة381)



ايضا ذلك، فيمكن ان يكون العبرة فيه بخوف فوت الركن من الوقوف، كما لا يخفى.
ثم انه مع قطع النظر عن ذلك، لا ينبغي الارتياب في ان المراد هو: خوف فوات الاختياري من عرفة، بجميع وقته لا خصوص الركن. كما انه لا مجال لتوهم كون المراد من قوله: ما لم يخف فوت الموقفين، هو خوف فوت المجموع، بحيث لو خاف فوت احدهما فقط لم يكن يتحقق الضيق، لان الظاهر كما هو المتفاهم عند العرف، ان المراد: عدم خوف فوت شيء من الموقفين.
و من هذه الطائفة: رواية محمد بن مسرور، قال: كتبت الى ابي الحسن الثالث (عليه السلام): ما تقول في رجل متمتع بالعمرة الى الحج وافى غداة عرفة، و خرج الناس من منى الى عرفات، أعمرته قائمة او قد ذهبت منه، الى ايّ وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة الى الحج فلم يواف يوم التروية، و لا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقّع (عليه السلام)ساعة يدخل مكّة ان شاء الله، يطوف و يصلي ركعتين و يسعى و يقصر و يحرم بحجّته، و يمضي الى الموقف و يفيض مع الامام.(1) و الرواية قد نقلها في الوسائل عن محمد بن مسرور، و هو بهذا العنوان غير موجودفي كتب الرجال، و في محكي جامع الرواة: ان في التهذيب محمد بن سرد في نسخة و سرو في نسخة اخر، و لم يرد فيهما توثيق.
و لكن روى الحديث صاحب «منتقى الجمان في احاديث الصحاح و الحسان»، عن محمد بن مسرور و ذكر انه: هو محمد بن جزّك (بتشديد الزاي) الذي هو من اصحاب الهادي (عليه السلام)، و ثقة على ما عن رجال الشيخ و الخلاصة، و ذكر: ان الغلط

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 16.

(الصفحة382)



وقع في اسم ابيه من الناسخين. و في الجواهر: «و في خبر محمد بن سرو او جزك، قال:... ».
و اورد على صاحب المنتقى: بان ما ذكره مجرد تخمين و ظن، و لا شاهد له، و مجرد رواية عبد الله بن جعفر عن محمد بن جزك لا يكون شاهدا على كونه هو محمد بن مسرور راوي الحديث.
و لكن الظاهر عدم شهادة في كلامه على التخمين و الظن، بل هو ظاهر في الشهادة بذلك، و ان الراوي هو محمد بن مسرور و هو متحد مع محمد بن جزّك.
و امّا من جهة الدّلالة: فكون مورد الرواية ما هو المفروض في المقام، مما لا شبهة فيه، انما الكلام في بيان المراد من قوله (عليه السلام): يمضي الى الموقف و يفيض مع الامام.
و الظاهر ان المراد هو كفاية درك مسمّى الوقوف، الذي هو الركن، من واجبه، لا لزوم درك الوقوف الواجب بجميع اجزائه، و يدل عليه ـ مضافا الى ان اتمام العمرة غداة يوم عرفة ـ بالطواف و الصلاة و السعي و التقصير، ثم الاحرام للحجو المضي الى عرفات، مع كون المسافة بينه و بين مكة ما يقرب من اربعة فراسخ، لا يكاد يجتمع مع درك الوقوف من اول الزوال كما هو ظاهر، مع ملاحظة الوسائل الموجودة في تلك الازمنة، ان قوله (عليه السلام): و يفيض مع الامام. و ان كان مذكورا بصورة العطف بالواو، الاّ ان التعرض له بعد الوقوف بعرفة لا اثر له لو كان المراد هو الوقوف في جميع الاجزاء من الزوال الى الغروب، فلا بد ان يقال: انّ المراد من التعرض له هو جعله غاية للوقوف، و مرجعه الى انه يدرك الوقوف ليفيض مع الامام الى المشعر، فتدل الرواية على انّ المعيار في الضيق هو خوف فوت الركن، من الوقوف بعرفة، و هو المسمّى.
و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المتمتع له

(الصفحة383)



المتعة الى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر.(1) و هي ظاهرة في: ان المتمتع الذي شرع في عمرة التمتع و لم يفرغ منها بعد، له اتمام عمرته الى زوال الشمس من يوم عرفة، مع كونه بمكّة. و من الواضح: ان لازم ذلك عدم درك الموقف من اوّل الزوال الى الغروب، لان كونه حال الاتمام في مكّة و مقارنا مع الزّوال، لا يجتمع مع كونه في عرفات من اوّل الزوال، خصوصا في تلك الازمنة التي كانت خالية عن الوسائل الموجودة المستحدثة، و ان كان في هذا الزمان ايضا غير ممكن، لانه لا فرق فيما ذكرنا بين سرعة الوصول و بطئه، كما لا يخفى.
فالرواية ظاهرة في ان مجرد درك المسمّى و زمان ما من الوقوف، يمنع عن تحقق الضيق المانع عن الاتمام، و المجوز للعدول الى حج الافراد.
و امّا دعوى كون الصحيحة نصّا، فيما ذكرنا، كما حكي عن صاحب المدارك، و تبعه بعض الاعلام. فيدفعها منع ذلك، فان الرواية و ان كانت ظاهرة فيما ذكرنا، الاّ انه يجري فيها احتمالان اخران ايضا، و ان كانا على خلاف الظاهر.
الاوّل: ان يكون المراد من الغاية، و هي زوال الشمس من يوم عرفة، هو كونه في هذا الزمان في عرفات، بمعنى ان غاية الاتمام هو الزمان الذي يمكن ان يكون فيه كسائر الناس في عرفات، و هو زوال الشمس من اليوم المذكور، فالغاية هوالزوال، لكن لا في مكّة، بل في عرفات، و لازمه ان اللازم درك الموقف من اوّل الزوال، و مع عدم دركه يتحقق الضيق لا المسمى، كما استظهرناه.
الثاني: ان مقتضى ما استظهرناه عدم كون زوال الشمس بعنوانه موضوعا

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 15.

(الصفحة384)



غاية، بل المعيار و الملاك هو درك المسمى من الوقوف، مع انه يحتمل ان يكون الزوال بعنوانه له موضوعية و مدخلية في التحديد، فلو فرض انه عند الزوال في اثناء العمرة، و لكن ادا اتمّها بعد الزوال يمكن له درك مسمّى الوقوف، يمكن ان يقال بدلالة الرواية على عدم جواز الاتمام، لان الغاية هي الزوال بعنوانه، فلا وجه مع وجود هذين الاحتمالين لدعوى النصوصية المذكورة.
و امّا ذيل الرواية، الذي هو مرتبط بالحج، فسيأتي البحث فيه ان شاء الله تعالى، و ان كان يجري فيه عاجلا احتمالان: احدهما: ان يكون المراد من زوال الشمس من يوم النحر هو الفراغ عن اعماله، الذي يستوعب هذا المقدار من الزمان نوعا، لانه بالحلق او التقصير يتحلل من كل شيء عدا النساء و الصيد و الطيب، و حلية الاولى متوقفة على طواف النساء، و هو خارج عن الحج، و حلية الثاني غير معلومة، لاحتمال كون حرمته من احكام الحرم لا الاحرام، فيبقى الطيب، الذي يتوقف حليته على الطواف، و يمكن ايجاده. قبل الزوال، فتدبر.
ثانيهما: ان يكون المراد هو اضطراري المشعر، و على ايّ حال فلا يكون الذيل قرينة على المراد من الصدر اصلا، كما لا يخفى.
و منها: الصحيحة التي رواها الشيخ باسناده عن ابن ابي عمير عن حمّاد عن الحلبي، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام)عن رجل اهلّ بالحج و العمرة جميعا، ثم قدم مكّة و الناس بعرفات، فخشى ان هو طاف و سعى بين الصفاو المروة ان يفوته الموقف، قال: يدع العمرة فاذا اتمّ حجّه صنع، كما صنعت عائشة، و لا هدي عليه.(1)

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح ـ 6.

(الصفحة385)



و دلالتها على ان المناط في الضيق الموجب لرفع اليد عن العمرة، و جعل الاحرام للحج و اتمامه، هو خوف فوات الموقف بعرفات واضحة لا شبهة فيها، لكن البحث انّما هو في ان المراد بالوقوف، الذي يخاف فوته، هل هو الوقوف من زوال الشمس الى الغروب، الذي لا اشكال في وجوبه في الحج، و ان لم يكن الركن منه الاّ مسمّاه لا المجموع، او الوقوف، الذي هو جزء للحج و ركن له، و هوالمسمّى المتحقق بالوقوف لحظة من ذلك الزمان، فان الركن في باب الحج يغاير الركن في مثل الصلاة، فان الركنية هنا مساوقة للجزئية و الشرطية، و هناك اخص منهما، لانّ مرجع الركنية في المقام الى كون الاخلال العمدي بالركن موجبا للبطلان دون غيره. و عليه، فما لا يكون الاخلال العمدي بالاضافة اليه موجبا للبطلان، لا يكون جزء و لا شرطا، لعدم اجتماع العنوانين مع الصحة في صورة الاخلال العمدي. و عليه، فالوقوف في مجموع ذلك الزمان يكون واجبا في الحج و ان لم يكن جزء له، و هذا مثل طواف النساء، فانه لا شبهة في وجوبه في الحج، لا لاجل ترتب حلية النساء عليه فقط حتى يجوز تركه، بالاضافة الى من لا يريد التزويج اصلا، بل هو واجب في الحج، لا بد من الاتيان به، و ان لم يكن الاخلال به عمدا موجبا لبطلانه.
و كيف كان، فالاشكال في المراد من الرواية، من جهة: ان الوقوف بعرفات، الذي يخاف فوته، هل هو الوقوف الواجب، و هو الوقوف في مجموع الزمان المذكور، او خصوص الركن، الذي هو المسمّى من ذلك الزمان، الذي هو جزءله؟ و منشأ الاشكال ان مراد السائل من قوله: «و الناس بعرفات» هل هو كون الناس بعرفات مشتغلين باداء الواجب في الحج، و هو الوقوف الذي مبدئه الزوال؟ و عليه، فمرجع السؤال الى ان قدوم مكّة كان مقارنا لاشتغال الناس

(الصفحة386)



باداء ما وجب عليهم من الوقوف. فاللازم حينئذ ان يقال: بان المراد من الوقوف الذي يخشى فوته، هو الوقوف الركني، لعدم اجتماع القدوم الكذائي مع خوف فوت الوقوف من اول الزوال، لان المفروض: ان قدومه كان مقارنا للزوال او بعده.
او انّ مراد السائل، من كون الناس بعرفات. ما هو المتعارف بينهم، حيث ان المتعارف الاحرام للحج يوم التروية، و الحركة الى منى للبيتوتة فيها ليلة عرفة، التي هي مستحبة، و الحركة من منى الى عرفات اوّل نهار يوم عرفة. و عليه، فاجتماع الناس بعرفات انما يتحقق قبل الزوال بساعتين او ساعات متعددة، و حينئذ فيجتمع القدوم بمكة في هذا الزمان، مع خوف فوات الوقوف من اوّل الزّوال.
هذا، و لكن الظاهر هو الاحتمال الاوّل، لان المراد من الخشية المذكورة في السؤال هي الخشية فيما يرتبط، بالحج صحة و بطلانا، لا فيما يكون واجبا مستقلا، و ان لم يكن الاخلال العمدي به موجبا للبطلان، فالرواية انّما هي من ادلة القول الثاني من الاقوال المذكورة في صدر المسألة.
و منها: مرفوعة سهل بن زياد، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في متمتع دخل يوم عرفة، قال: متعته تامة الى ان يقطع التلبية.(1) و المراد بالدخول يوم عرفة هو الدخول بمكّة، كما ان قطع التلبية في احرام الحج انما يكون وقته زوال الشمس يوم عرفة، لكن يجري في هذه الرواية ايضا الاحتمالان المتقدمان في الرواية السّابقة، فانه يمكن ان يكون المراد: ان غاية تمامية المتعة قطع الناس التلبية، الذي هو زوال الشمس. و عليه، فيجوز للمتمتع

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 7.

(الصفحة387)



اتمام عمرته الى زوال الشمس من ذلك اليوم، و لا محالة لا يدرك الوقوف من اوّل الزوال الى الغروب، فتنطبق الرواية على القول الثاني، الذي كان الميزان عنده هو المسمّى.
و يمكن ان يكون المراد: ان الغاية ان يدرك المتمتع زوال الشمس بعرفات، الذي هو وقت قطع التلبية، فتنطبق حينئذ على القول الاوّل، و لكن الظاهر هو الاحتمال الاول، لانه لا فرق بين جعل الغاية زوال الشمس من يوم عرفة، كما في صحيحة جميل المتقدمة، التي استظهرنا منها الاحتمال الاوّل، و بين جعلها قطع التلبية، الذي يكون وقته زوال الشمس من ذلك اليوم، كما في هذه الرواية.
فالانصاف انّها ظاهرة في ان المناط هو المسمّى لا المجموع، لكنها غير معتبرة من حيث السّند.
و منها: رواية ابي بصير، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): المرأة تجيءمتمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت، فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال: ان كانت تعلم انّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من احرامها و تلحق الناس بمنى، فلتفعل.(1) هكذا نقلت الرواية في الوسائل، و المراد من لحوق الناس بمنى هو لحوقها بهم ليلة عرفة، التي يستحب المبيت فيها بمنى. و عليه، فلا تكون الرواية من هذه الطّائفة، و لكن في الحاشية ذكر: انه اخرجه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب في التهذيب و في الاستبصار، و ترك قوله: «بمنى» كما في الكافي.
و على هذا التقدير، يكون الظاهر هو لحوقها بهم بعرفات، لان ما يجب على الحاج بعد الاحرام هو الوقوف بعرفات، و لا مجال حينئذ لاحتمال كون المراد هو اللحوق بمنى، لكن يبقى الكلام في: ان المراد هو اللحوق بهم بعرفات من اول

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 3.

(الصفحة388)



الزوال، الذي يجب الوقوف منه، او ان المراد اللحوق و لو في اخر الوقت، الذي به يتحقق المسمّى. و الظاهر هو الثاني.
و قد انقدح مما ذكرنا: ان جميع روايات هذه الطائفة، ما عدى الاولى، ظاهرة في ان المعيار و الميزان هو المسمّى، فان قلنا بصراحة صحيحة جميل المتقدّمة في هذا، فمن المعلوم ان الظاهر لا يقابل الصريح، بل هو قرينة على كون المراد خلاف الظاهر، و ان لم نقل بذلك، كما اخترناه، فالظاهر ان روايات المسمّى ـ مع كثرتها و تأكد بعضها ببعض ـ تكون اظهر من الرواية الظاهرة في: ان المعيار خوف فوات الجميع، فتقدّم على تلك الرّواية.
و العجب من السيد (قدس سره) في العروة، حيث انه رمى المرفوعة و صحيحة جميل المتقدمتين بالشذوذ، مع انك عرفت كثرة القائل بهذا القول و ندرة القائل بالقول الاوّل، و نحن و ان ذكرنا: ان ظاهر المتن هو القول الاوّل، الا انه يمكن ان يقال: بان التعبير بالاختياري فيه انّما هو في مقابل الوقوف الاضطراري، الذي هو القول الثالث، لا في مقابل الركن و المسمى، كما لا يخفى.
هذا تمام الكلام فيما يتعلق بالطائفة الاولى، الواردة في الوقوف الاختياري بعرفات، و انه هو المناط في الضيق.
و امّا القول الثالث الذي جعل المعيار هو خوف فوت الاضطراري من وقوف عرفة، و هو الوقوف بها ليلة النحر بمقدار المسمّى: فلم يرد فيه نص بالخصوص في المقام، و لكنه ذكر السيّد (قدس سره) في العروة، تبعا للنراقي في المستند: انه يؤيد هذا القول الاخبار الدالة على: ان من يأتي بعد افاضة الناس من عرفات و ادركها ليلة النحر، فقد تم حجّه.
و اجاب عنه نفسه بقوله: و فيه: ان موردها غير ما نحن فيه، و هو عدم الادراك من حيث، هو و فيما نحن فيه، يمكن الادراك، و المانع كونه في اثناء العمرة،

(الصفحة389)



فلا يقاس بها.
و امّا القول الرابع: الذي جعل المدار زوال الشمس من يوم التّروية: فيدلّ عليه صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: سألت ابا الحسن الرّضا (عليه السلام) عن المرأة تدخل مكّة متمتعة، فتحيض قبل ان تحلّ، متى تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر (عليه السلام)يقول: زوال الشمس من يوم التّروية، و كان موسى (عليه السلام) يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت فداك!عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحجّ.
فقال: زوال الشمس. فذكرت له رواية عجلان ابي صالح، فقال: لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على احرامها او تجدّد احرامها للحج؟ فقال: لا، هي على احرامها، قلت: فعليها هدي؟ قال: لا، الاّ ان تحبّ ان تطوّع، ثمّ قال: امّا نحن فاذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل ان نحرم، فاتتنا المتعة.(1) و رواية عجلان ابي صالح، هي التي رواها الكليني عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن درست الواسطي، عنه قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة متمتعة قدمت مكّة فرأت الدم. قال: تطوف بين الصفا و المروة ثم تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و ان لم تطهر، فاذا كان يوم التروية افاضت عليها الماء و اهلّت بالحج من بيتها، و خرجت الى منىو قضت المناسك كلّها، فاذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا و المروة، فاذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شيء ما خلا فراش زوجها.(2) و هل المراد من رواية عجلان تمامية متعة المرأة المذكورة و عدم تبدلها الى حجّ

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح ـ 14.
2 ـ وسائل ابواب ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 12.

(الصفحة390)



الافراد، او ان مفادها التبدل و الانتقال؟ حكى عن الشيخ (قدس سره) في التهذيب الثاني، لانه ذكر بعد نقل هذه الرواية و رواية اخرى مشابهة لها: انّه ليس في هاتين الروايتين ما ينافي ما ذكرناه، لانه ليس فيهما انه قد تم متعتها، و يجوز ان يكون من هذه حاله يجب عليه العمل على ما تضمنه الخبران، و يكون حجه مفردة دون ان يكون متعة، الا ترى الى الخبر الاوّل ـ يعني رواية عجلان ـ و قوله: إذا قدمت مكّة و طافت طوافين قلو كان المراد تمام المتعة لكان عليها ثلاثة اطواف و سعيان، و انما كان عليها طوافان و سعي، لان حجتها صارت مفردة، و إذا حملناها على هذا الوجه يكون قوله: تهلّ بالحج، تأكيدا لتجديد التلبية بالحج دون ان يكون ذلك فرضا واجبا.
و يؤيد ما ذكره، من: عدم كون الاهلال بالحج واجبا، كونه معطوفا على قوله: افاضت عليها الماء، مع وضوح عدم كون الافاضة المذكورة واجبة، لعدم اشتراط شيء من الوقوفين و مناسك منى بالطهارة مطلقا، لا عن الحدث و لا عن الخبث.
و لكنه يرد على اصل ما حمله الروايتين عليه من الدلالة على التبدل الى حج الافراد، مضافا الى انه لو كان المراد منهما ذلك لم يكن وجه لايراد رواية عجلان اعتراضا على الرضا (عليه السلام) في رواية ابن بزيع، لانه لو كان المراد منها التبدل الى حج الافراد لا يكون مفادها منافيا لما افاده الرضا (عليه السلام) من ذهاب المتعة بزوال الشمس يوم التروية، فلا مجال لايرادها بعنوان الاعتراض اصلا. و دعوى: ان ايرادها كذلك، انّما هو لاجل وقوع عنوان يوم التروية فيها لا خصوص زوال الشمس منها، مدفوعة: بان هذه الدعوى، و ان ذكرها بعض الاجلّة في شرحه على العروة ـ المسمّى بمصباح الهدى ـ الاّ انه لا مجال لها، بعد عدم تحقق المنافاة بين المطلق و المقيّد عند العقلاء في مقام التقنين و جعل الاحكام، فلا يمكن الايراد على المولى

(الصفحة391)



الامر بعتق الرقبة، بانه لا يجتمع مع النهي عن عتق الرقبة الكافرة، كما هوواضح. انّ ظاهر قوله: «و اهلت بالحج من بيتها، » هو تماميّة العمرة و الشروع في الحج باحرام جديد، و امّا ما ذكره، من: انه لو كان المراد تمام المتعة لكان عليها ثلاثة اطواف و سعيان. فيرد عليه: ان ثبوت ثلاثة اطواف مسلم، و الرواية تدل عليه، غاية الامر، ان الطواف الثالث يستفاد من قوله: فقد حل لها كل شيء ما خلا فراش زوجها. ضرورة ان حلية الفراش لا يتحقق الاّ بطواف النساء، لانه لا طريق لها غيره، و امّا السّعي فبعد وقوعه في العمرة بامر الامام (عليه السلام) لا مجال لاحتمال بطلانه، بل ظاهر الرواية صحته، فلا يبقى عليه الاّ سعي واحد لخصوص الحج.
و بالجملة: لا ينبغي الاشكال في دلالة رواية عجلان في نفسها في تمامية العمرة، و عدم ذهابها بدخول يوم التروية او زوال شمسه، و لكن الرّضا (عليه السلام) قد نفى مفادها، و انّ زوال الشمس يوم التروية يوجب ذهاب عمرة المتمتعة، التي صارت حائضا و لم تطهر قبله.
ثم انه لم يعلم الوجه في اختلاف ما حكاه الرّضا عن ابيه و ما حكاه عن جدّه (عليهم السلام)، كما انه لم يعلم وجه نقل هذا الاختلاف مع اختياره ما حكاه عن جدّه، و حمل احدهما على التقية، لا يكاد يجتمع مع الحكاية و النقل، كما انه لا يجتمع مع التعبير ب «كان» الظاهر في التكرر و التعدّد، المنافي مع التقيّة.
و امّا ما في ذيل الرواية من قوله (عليه السلام): امّا نحن فاذا رأينا... فيمكن ان يكون ذلك من خصائص الائمّة (عليهم السلام) و يؤيده ما ورد، من: انّ افضل افراد عمرة التمتع ما وقعت قبل ذي الحجّة. و لا مانع من الالتزام بذلك، كما ان للنبي (صلى الله عليه وآله)خصائص متعددة مذكورة في محلّها، و لبعض الائمّة (عليه السلام) على بعضهم ايضا بعض الخصائص، كما ورد في وصية على (عليه السلام) من: انه يكبّر في الصلاة عليه

(الصفحة392)



سبع تكبيرات، و انه لا يجوز لغيره الاّ لصاحب العصر و الزمان (عليه السلام)، على ما ببالي.
و كيف كان، فرواية محمد بن اسمعيل بن بزيع ظاهرة في ذهاب المتعة عندعدم تماميتها، عند زوال الشمس يوم التروية.
و امّا القول الخامس: الذي جعل المدار غروب يوم التروية: فيدل عليه صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع، يقدم مكّة يوم التروية، صلاة العصر، تفوته المتعة؟ فقال: له ما بينه و بين غروب الشمس، و قال: قد صنع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله).(1) و رواية اسحق بن عبد الله، قال: سألت ابا الحسن موسى (عليه السلام) عن المتمتع، يدخل مكّة يوم التروية، فقال: للمتمتع (ليتمتع) ما بينه و بين الليل.(2) و رواية عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا قدمت مكّة يوم التروية و انت متمتع، فلك ما بينك و بين الليل ان تطوف بالبيت و تسعى، و تجعلها متعة.(3)
و امّا القول السادس: الذي جعل المناط زوال يوم عرفة: فيدل عليه من الروايات التي اوردناها للقولين الاولين صحيحة جميل و مرفوعة سهل، و هذا القول و ان كان بحسب العنوان و العبارة مغاير للقولين، الا انه من جهة الدليل لا يكون مغايرا لهما، فان جعل المدار زوال الشمس يوم عرفة، يكون المتفاهم منه عندالعرف ما هو المرتبط بالوقوف بعرفات، من دون ان يكون له موضوعية، بخلاف يوم التروية: زوالا او غروبا او غيرهما. و عليه، فالظاهر انه لا دليل على هذا القول

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 10.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 11.
3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 12.

(الصفحة393)



لو كان مغايرا لهما.
و امّا القول السابع: الذي حكم بالتخيير: فمنشأه كما مرّت الاشارة اليه هو الجمع بين النصوص، و سيأتي البحث عنه ان شاء الله تعالى. لكنّه هناك روايات يستفاد منها موازين اخر، و ان لم يوجد قائل بها، مثل ما يدل على ان المناط اول يوم التروية، مثل صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم، فتجعلها عمرة قال ابن ابي عمير: كما صنعت عائشة.(1) و رواية علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة الى الحج، ثم يدخلان مكّة يوم عرفة، كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها حجة مفردة، و حدّ المتعة الى يوم التروية(2). و جعل الغاية يوم التروية او ظرف القدوم كذلك، ظاهر في ان تحققه بتحقق اوّله، موجب لذهاب المتعة و زوالها، كما لا يخفى.
و مثل ما يدل على ان الملاك ادراك الناس بمنى ليلة عرفة، كصحيحة الحلبي، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، ما ادرك الناس بمنى.(3) و غيرها، مما يدل عليه.
و مثل ما يدل على التحديد بسحر يوم عرفة، كصحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الى متى يكون للحاج عمرة؟ قال: الى السّحر

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح ـ 11.
3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 8.

(الصفحة394)



من ليلة عرفة.(1) إذا عرفت ما ذكرنا من الاقوال و ادلّتها من الروايات و غيرها، فاعلم ان التحقيق في المقام يقتضي ملاحظة امور:
منها: ما تقدم في صدر المسألة، من: ان العدول في جميع موارده، امر على خلاف القاعدة، لا يصار اليه الاّ مع قيام الدليل عليه.
و منها: ان العدول، و ان كان على خلاف القاعدة، الاّ ان الوجه فيه واضح بحسب الموارد، ففي مثال الصلاة المتقدم يكون الوجه فيه ترتب العصر على الظهر، و اعتبار تقدم الثانية على الاولى، لانه ـ مع قطع النظر عنه ـ لا يبقى مجال للعدول بوجه، و في المقام لا محالة يكون الوجه في العدول عن عمرة التمتع الى حج الافرادمع تعين التمتع على النائي بحيث لا يصح منه غيره بعنوان حجة الاسلام، و لو حجّ مرّات متعددة، هو استلزام اتمام العمرة و عدم العدول لذهاب الحجّ و عدم دركه، ضرورة انه، مع قطع النظر عن هذه الجهة، لا موقع للعدول اصلا.
و منها: انه لو لم يكن في المقام ما يدل على حدّ الضيق من الروايات المتقدمة، بل كان الدليل قائما على اصل العدول مع تحقق الضيق، لكان مقتضى القاعدة جعل المناط في الضيق خوف فوت الجزء الركني، اي المسمّى من الوقوف الاختياري بعرفات، لان مجموع الوقوف من الزوال الى الغروب، و ان كان واجبا، الا انّك عرفت: انه ليس جزء للحج، بل واجب فيه كطواف النساء، و القدر المتيقن من جواز العدول، على خلاف القاعدة، خوف فوت الجزء دون ما لا يكون جزء، و ان كان واجبا.
و امّا اضطراريّ عرفة، فقد عرفت: انه لم يقم في المقام دليل على كونه هو

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 9.

(الصفحة395)



المناط، و لا دليل على الغاء الخصوصية عن مورد الدليل الدال على كفاية الوقوف المزبور.
و منها: ان بعض الروايات المتقدمة مشتملة على امر مخالف للواقع، كالرواية الدالة على ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صنع كذا، مع انه لم يأت بعمرة التمتع اصلا، لانه بعد الهجرة الى المدينة المنورة لم يحج الاّ مرة واحدة، و قد ورد تشريع التمتع بعد وروده (صلى الله عليه وآله)بمكّة، مع كونه محرما باحرام حج القران، الذي يعتبر فيه سياق الهدي.
و قد مرّت الرواية المفصلة الواردة في هذه الجهة في اوّل بحث اقسام الحج، فراجع.
و منها: ان رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع المتقدمة، المشتملة على النقلين المختلفين عن الامامين الهمامين، غير ظاهرة الوجه، فانه لم يظهر وجه الاختلاف و نقله، مع التأكيد على ما هو المنقول عن جده، من كون المدار زوال الشمس يوم التروية.
و منها: انّك عرفت: ان المتعارف كان هو الشروع في الحج بعد الزوال من يوم التروية، و الحركة الى منى للمبيت فيه ليلة عرفة، الذي هو مستحب.
و منها: ان مشروعية اصل التمتع تكون موردا لانكار اكثر علماء اهل التسنن، تبعا للتحريم الواقع من الثاني، في زمن خلافته.
و منها: انّك عرفت: ان القول السابع ـ و هو التخيير ـ يكون منشأه الجمع بين النصوص المختلفة الواردة في الباب، من دون ان يكون له رواية خاصّة.
و منها: ان القول السادس، الذي جعل المدار زوال يوم عرفة، و ان عدّ مغايرا للقول: بان المناط خوف فوت الجزء الركني من وقوف عرفة، الاّ انه يرجع اليه لا محالة، و لا فرق بينهما اصلا. و عليه، فيمكن دعوى الشهرة الفتوائية على طبق القول الثاني بعد رجوع القول السادس اليه، و ندرة القائل بالقول الاوّل، و كذا

(الصفحة396)



سائر الاقوال، لانه لا تتجاوز عن خمسة او ستّة.
و بما ذكرنا، يظهر: ان القول الثاني، مع كونه موافقا للقاعدة، يكون الاخذ بالترجيح بالشهرة الفتوائية، التي هي اول المرجحات، مقتضيا للالتزام به.
و امّا المحامل المذكورة في العروة فكلّها بعيدة، قال: و امّا الاخبار المحدّدة بزوال يوم التروية او بغروبه او بليلة عرفة او سحرها، فمحمولة على صورة عدم امكان الادراك الاّ قبل هذه الاوقات، فانه مختلف باختلاف الاوقات و الاحوالو الاشخاص، و يمكن حملها على التقية، إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية، و يمكن كون الاختلاف لاجل التقية، كما في اخبار الاوقات للصلاة، و ربما تحمل على تفاوت مراتب افراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحج المندوب، فان افضل انواع التمتع ان تكون عمرته قبل ذي الحجّة، ثم ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثم ما يكون قبل يوم عرفة.
وجه البعد: ان حمل جميع الاخبار المذكورة ـ على كثرتها ـ على الحج المندوب، مع عدم اشعار في واحدة منها عليه، لا مجال له بوجه، مع انه لا ينطبق على ترتيب الفضل المذكور، لعدم دلالة شيء منها على كون الحدّ قبل ذي الحجة، و كون لازم ما ذكر الانتهاء قبل يوم عرفة. و امّا الحمل على التقيّة فهو متأخر عن الترجيح بالشهرة الفتوائية، الذي ذكرنا. و امّا الحمل الاوّل فلا شاهد له، و الظاهر كونه تبرعيّا، كما ان التخيير، الذي هو القول السابع، مستندا الى انه مقتضى الجمع، ان اريد به: التخيير الواقع في بعض الاخبار العلاجية بعد فقد المرجحات. فيرد عليه، بعد تسليم اصله: ان التخيير المذكور يرجع الى تخيير المجتهد في الاخذ باحد الطرفين المتعارضين و الفتوى على طبقه لا تخيير المكلف المقلد في مقام العمل، كما هو ظاهر القول المزبور، و بعبارة اخرى: التخيير الذي دل عليه الدليل هوالتخيير في المسألة الاصولية لا في المسألة الفرعية.

(الصفحة397)



و ان اريد به: ان الجمع الدلالي يقتضي التخيير. فيرد عليه، منع ذلك، خصوصا مع اشتمال جملة منها على جانبي الاثبات و النفي معا، و لا يبقى معه مجال للحمل على التخيير، كما هو ظاهر.
فانقدح: ان الظاهر هو العلاج بما ذكرنا من ترجيح الروايات الدالة على القول الثاني، و مرجعه الى انه مع خوف فوات المسمى من الوقوف تذهب المتعة.
و الظاهر انه مع الخوف المذكور ينتقل الى حج الافراد قهرا، و لا يحتاج الى نقل النيّة، و نيّة العدول، كما ان الظاهر الاكتفاء به عن حج التمتع الواجب عليه، كما في المقيم بمكة سنتين، على ما تقدم. و عليه، فيجب عليه الاتيان بالعمرة المفردة بعد حج الافراد، لفرض وجوب الحجّ عليه.
نعم، ربما يظهر من ذيل الرواية المفصلة، التي اوردنا صدرها في اوّل مباحث اقسام الحج: عدم وجوب العمرة المفردة في هذا الفرض، حيث قال في ذيلها: فقالت عائشة: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)ترجع نساؤك بحجّة و عمرة معا، و ارجع بحجّة، فاقام بالابطح و بعث معها عبد الرحمن بن ابي بكر الى التنعيم، فاهلّت بعمرة ثم جاءت و طافت بالبيت و صلّت ركعتين عند مقام ابراهيم، و سعت بين الصفا و المروة، ثم اتت النبي (صلى الله عليه وآله)، فارتحل من يومه.(1) فان ظاهرها انه لولا اعتراض عائشة، لم يكن الرسول يبعث معها اخاها الى التنعيم للاتيان بالعمرة المفردة، مع ان الظاهر كون اهلال جميع ازواج النبي ـ ص ـ بحج الافراد، و لم يكن مقرونا بسياق الهدي. غاية الامر، ان من عدا عائشة تبدل حجّها الى عمرة التمتع ـ التي جاء بها جبرئيل بعد قدوم النبي بمكّة ـ و امّا عائشة فلم يتيسر لها ذلك ـ على ما يستفاد من الرواية الدالة على ذلك ـ

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني ح ـ 4.

(الصفحة398)



لقوله (عليه السلام) كما صنعت عائشة، لصيرورتها حائضا، و كان اتمام العمرة موجبا لذهاب الحج، فلذا بقيت على احرام حجّ الافراد، و لم يتحقق منه العمرة قبل الاعتراض المذكور، مع ان الظاهر انّه كان حجّها اوّل حج وقعت منها بعدالبلوغ، و ان الاتيان به كان بعنوان حجة الاسلام، امّا للاستطاعة المالية او للاستطاعة البذلية من قبل الرّسول، فتدل الرواية على عدم وجوب العمرة المفردة عليها، و انها لو لم تعترض لم يبعث الرسول معها اخاها اليها. هذا تمام الكلام في الامر الثالث.
الامر الرّابع: انه لا فرق في التبدل في حال الضيق، بين ان تكون عمرة التمتع المرتبطة بحجّه واجبة عليه، و بين ان تكون مستحبة، فان مقتضى اطلاق الروايات المتقدمة: ان موضوع الحكم هو الاهلال بعمرة التمتع و تحقق الضيق، و لااشعار في شيء منها بالاختصاص بالحج الواجب، بل قد عرفت: ان بعض المحامل المذكورة في كلام السيد (قدس سره) في العروة، كان عبارة عن تخصيص جميع الروايات بالحج المندوب، و حمل الاختلاف على اختلاف مراتب الفضل في عمرة التمتع.
و نحن، و ان منعنا ذلك، لكن شمولها للحج المندوب و عدم اختصاصها بالحج الواجب، غير قابل للانكار.
و الفرق بين الواجب و المستحب، بعد اشتراكهما في التبدل: انّما هو في وجوب العمرة المفردة بعد الحج في الاول، و عدم وجوبها في الثاني، لانه لا تجب العمرة المفردة في حج الافراد المستحبّ، و مجرد كونه قاصدا للعمرة، لاجل اختيار حج التمتع و الشروع في عمرته لا يوجب العمرة عليه، بعد التبدل الى حج الافراد، بل يجري عليه ما يترتب عل حج الافراد، الذي وقع مستحبّا، كما لا يخفى.

(الصفحة399)

مسألة 6 ـ لو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن اتمام العمرة و ادراك الحج قبل ان يدخل في العمرة، لا يبعد جواز العدول من الاوّل الى الافراد، بل لو علم حال الاحرام بضيق الوقت جاز له الاحرام بحج الافراد و اتيانه، ثم اتيان عمرة مفردة بعده و تمّ حجه، و كفى عن حجة الاسلام. و لو دخل في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت و اخّر الطواف و السعي متعمدا الى ان ضاق الوقت، ففي جواز العدول و كفايته اشكال، و الاحوط العدول و عدم الاكتفاء، لو كان الحج واجبا عليه1 .


1 - في هذه المسألة فروع ثلاثة، سرك بين الاولين منها في الحكم بجواز العدول و تمامية الحج و الكفاية عن حجة الاسلام، و الوجه في الحكم المذكور، مع كون مورد الروايات المتقدمة الواردة في العدول، ما لو تحقق الضيق بعد الشروع في العمرة و اعتقاد امكان الاتمام حين الاحرام: امّا دعوى الغاء الخصوصية و امّا دعوى الاولوية، كما ادّعاها في المستمسك، حيث قال: لكن يمكن ان يستفاد الجواز بالاولوية، و لا سيّما بملاحظة ان البناء على عدم جواز العدول فيه يوجب سقوط الحج عنه بالمرّة، لانه لا يتمكّن من حج التمتع و لا يجزيه غيره.
أقول: امّا الدعوى الاولى: فيرد عليها: المنع بعد كون الحكم على خلاف القاعدة، و لازمه الاقتصار على القدر المتيقن.
و امّا الدعوى الثانية: فيدفعها: منع الاولويّة، لانه في الفرعين لم يتلبّس بعدبالاحرام، و لم يتحقق الشروع في العمل، و حينئذ نقول: انّ الضيق المتحقق، المعلوم حال الشروع، تارة: يكون مستندا بسوء اختياره و عن عمد و عصيان، و اخرى: لا يكون كذلك. و مقتضى القاعدة في الاوّل: استقرار حج التمتع عليه، بعد كونه افاقيّا يتعين عليه التمتع، و كان قادرا عليه تاركا له عمدا. و في الثاني: عدم وجوب الحج عليه، لان فريضة على تقدير الوجوب هو التمتع، و المفروض عدم التمكن منه، و لو لا الروايات المتقدمة، الدالة على جواز العدول، لقلنا بذلك في موردها ايضا، و ان ضيق الوقت عن اتمام عمرة التمتع مع عدم الاستناد اليه، يكشف عن عدم وجوبه عليه من اوّل الامر.

(الصفحة400)



و بالجملة: لا مجال لاستفادة جواز العدول في الفرعين من تلك الروايات.
و عليه، فالحكم بعدم البعد، يضاف الى عدم الجواز لا الى الجواز، كما في المتن.
ثمّ انه لم يعلم وجه الترقي في الحكم بالجواز، بالاضافة الى الفرع الثاني، مع انه اقرب الى مورد الروايات من الفرع الاوّل، فتدبّر.
و امّا الفرع الثالث، الذي هو عبارة عن الدخول في عمرة التمتع في سعة الوقت و تأخير الطواف و السعي عمدا الى ان ضاق الوقت، ففيه وجوه:
احدها: ما يظهر من المستمسك، من شمول الروايات المتقدمة للعامد ايضا، و ان كان اثما في التأخير و عاصيا لاجله، و هذا كسائر موارد الابدال الاضطرارية، فان من اراق ماء الوضوء عمدا صحّ تيمّمه، و من اخّر الصلاة حتى ادرك ركعة من الوقت، صحّت صلاته اداء، و من عجّز نفسه عن القيام في الصلاة صحت صلاته من جلوس، و غير ذلك من موارد البدل الاضطراري.
و يرد عليه: انه ان اريد ان الروايات المتقدمة شاملة للعامد في نفسها، مع قطع النظر عن ملاحظة موارد الابدال الاضطرارية المذكورة. فمن الواضح: عدم شمول الروايات للعامد، و اختصاصها بما إذا تحقّق الضيق عن غير اختيار منه و حصوله قهرا، و لا ينبغي الارتياب في ذلك.
و انّ اريد: ان الشمول انّما هو بعد ملاحظة تلك الموارد من دون ان يكون كذلك في نفسها، فيرد عليه: منع الاستفادة بعد الفرق بين الصلاة و غيرها، لان الصلاة لا تترك بحال. غاية الامر، الاختلاف في المكيّة و الكيفيّة بحسب الحالاتو الخصوصيات، فان من اراق ماء الوضوء عمدا يدور امره بين ترك الصلاة و بين الصلاة مع التيمم، و الدليل الدال على عدم الترك يعيّن الثاني، و كذلك سائرالموارد المذكورة، و امّا في المقام فلم يدل دليل على ان الحج الذي شرع في عمرته لا بد و ان يتحقق منه في هذا العام، فاذا لم يمكن اتمامه بصورة التمتع فلا محالة

<<التالي الفهرس السابق>>