في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة161)



من هذا الحكم تعلق الحرمة بالادهان بعد الاحرام دون عنوان الدهن حتى يشمل الأكل ايضاً نعم عبارة الشرايع ظاهرة في حرمة مطلق الاستعمال وهو شامل للأكل لكنه لم ينهض دليل عليه.
الأمر الرابع في ثبوت الكفارة الظاهر انه لا خلاف ولا اشكال في عدم ثبوت الكفارة في الادهان بدهن ليس فيه طيب وامّا بما فيه طيب فالظاهر ان المشهور فيه ثبوت كفارة الشاة وقد مرّت حكاية الاجماع على لزوم الفدية عن العلاّمة في المنتهى وقد وقع التصريح كما في المتن بثبوت الكفارة حتى للمضطّر به.
وقبل البحث في ذلك نقول انه قد ذكر المحقق في باب الكفارات في كفارة الطيب: «المحظور الثاني الطيب فمن تطيب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغاً أو اطلاءً ابتداءً أو استدامة أو بخوراً أو في الطّعام».
وقال في كفارة الادهان: «ومن استعمل دهناً طيّباً في احرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول» وعليه فقد أورد عليه بانه لايمكن الجمع بين الجزم بلزوم دم شاة في التطيب وبين الترديد الذي يدلّ عليه قوله: على قول في استعمال الدّهن الطيب.
وقد تصدى بعض الاعلام  (قدس سرهم) للتوفيق بين الكلامين بما يرجع محصلّه الى انّ الادهان بالدهن الطيب ليس من استعمال الطيب المتعارف المسمّى في عرفنا بالعطور فان الطيب اسم لجسم خاص تكون فائدته الاستشمام والتطيب به وليس مجرد وجود رائحة طيبة في جسم موجباً لدخوله في عنوان الطيب والعطور فاذاً يقع الكلام في تقييد الدهن بكونه طيباً في كلام المحقق فنقول ان الدهن على قسمين قسم لايعد للأكل بل يتنفر منه الطبع وانما يستعمل للاسراج أو العلاج ونحو ذلك كالدهون المتخذة من النفط وقسم يعدّ للأكل وله رائحة طيبة لطيفة كدهن الزيت وغيره من الدهون المعدّة للأكل

(الصفحة162)



التي يقبله الطبع ولكن مع ذلك لايدخل في عنوان الطيب والعطور فالمراد بالدهن الطيب هو الذي يستعمل في الأكل ثم اخذ في الاشكال على المحقّق بما يأتي البحث فيه.
ويرد عليه مضافاً الى انّ دخول العطور المتعارفة في الطيب المحرم على المحرم محلّ خلاف واشكال فان القدر المتيقن منه كما اختاره  (قدس سره) بنفسه هو مثل الزعفران والمسك والعنبر والعود كما تقدم البحث فيه مفصّلاً.
انّ حمل كلام المحقق في كفارة المقام على استعمال الدهن الذي لايكون فيه طيب محرم بل يشتمل على رائحة طيبة لطيفة ممنوع جدّاً ضرورة انّ الموضوع للكفارة هو الذي ذكره في محرمات الاحرام وجعل تركه من التروك الواجبة في حال الاحرام مع انك عرفت ان عبارته في هذا المقام مشتملة اوّلاً على اتصاف الدهن بكونه فيه طيب ومن الواضح وجود الفرق بين ثبوت الطيب فيه وبين كونه له رائحة طيبة، وثانياً على حرمة استعمال الدهن المزبور اذا كانت رائحته تبقى الى ما بعد الاحرام، مع ان الدليل عليه هي صحيحة الحلبي التي وقع التعبير فيها بكون الدهن فيه مسك أو عنبر وهما من الانواع المسلّمة للطيب التي لا يرتاب فيه ولا مجال لدعوى كون المراد من المحرم الاحرامي غير ما هو الموجب للكفارة هنا انَّ المراد من قوله في عداد محرّمات الاحرام واستعمال دهن فيه طيب محرم بعد الاحرام وقبله اذا كان ريحه يبقى الى الاحرام غير ماهو المراد في موجب الكفارة من قوله «ومن استعمل دهناً طيّباً»، ضرورة وضوح الاتحاد وظهوره، فالتوفيق بالوجه المزبور مما لايستقيم بوجه.
نعم يقع الكلام في الدليل على ثبوت الكفارة بالادهان بالدهن الذي يكون فيه طيب أي يكون مشتملاً على مثل الزعفران والمسك والعنبر خصوصاً بعدما عرفت منّا

(الصفحة163)



هناك من ان الأكل يكون فيه الكفارة بنحو الاقوى، وغير الأكل لا دليل على ثوبت الكفارة فيه، غاية الأمر الحكم بالثبوت بنحو الاحتياط الوجوبي ومن المعلوم ان الادهان لايشمل الأكل بوجه.
وكيف كان فان قلنا في ذلك البحث بثبوت الكفارة في مطلق استعمال الطيب والانتفاع به فالحكم بثبوتها في المقام لايحتاج الى دليل خاص لشمول ذلك الدليل للمقام ايضاً نعم يقع الكلام على هذا التقدير في تعميم الحكم بثبوت الكفارة لصورة الضرورة ايضاً كما وقع التصريح به في المتن هنا تبعاً للسرائر والنهاية.
وان لم نقل بذلك بل باختصاص الكفارة بخصوص الأكل الذي لايصدق على الادّهان بوجه فربما يقال ان المستند في ثبوت الكفارة في المقام، ما رواه ابن ابي عمير عن معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين وان كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه(1) .
قال في الجواهر بعد نقل الرواية: «والمناقشة بكونه مقطوعاً يدفعها الانجبار بالعمل كاندفاع الاضمار بظنّ ارادة الامام  (عليه السلام) منه ان لم يكن القطع وكذا دعوى اخصيّته من المدعى واشتماله على ما لايقول به الاصحاب من الكفارة على الجاهل يدفعها عدم القول بالفصل وعدم خروج الباقي عن الحجية و ـ ح ـ فلا مناص عن القول بوجوبها فيه».
ولكن يرد على الاستدلال بالرواية وجوه من الاشكال اكثرها غير قابل للجواب أصلاً:
الاوّل: انّ ما ذكر لايكون رواية لمعاوية بن عمار بل ظاهره كون ما ذكره فتوى منه

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح5.

(الصفحة164)



اجتهاداً، وله نظائر كثيرة خصوصاً بعد ملاحظة ثبوت الاجتهاد في ذلك الزمان وأمر الامام  (عليه السلام) بعض اصحابه بالجلوس في المسجد والافتاء للنّاس وعليه فالظاهر كون المنقول غير الرواية، بل هو النظر والرأي واذا لم تكن رواية فهي غير قابلة للانجبار لأن الشهرة الجابرة انّما تكون جابرة للرواية الضعيفة من بعض الوجوه ولا تكون جابرة للفتوى إلاّ على تقدير القول بحجية الشهرة الفتوائية في نفسها وهي مع انها غير ثابتة كما حقق في محلّه توجب ان تكون هي المستند في المقام دون الرواية.
الثاني: انّ دهن بنفسج ليس فيه طيب ولا له رائحة طيبة كما قد وقع التصريح به في رواية الاحمسي المتقدمة في ذيل الأمر الثاني ولم يقل أحد بثبوت الكفارة في الدهن الذي لايكون فيه طيب ولا له رائحة طيبة اصلاً.
الثالث: اشتماله على ثبوت الكفارة على الجاهل ايضاً وهو مما لايقول به الاصحاب كما عرفت في عبارة الجواهر المتقدمة انفاً. نعم لو اغمض النظر عن الاشكالات المذكورة، لكانت دلالة الرواية على ثبوت الكفارة في صورة الضرورة والتداوي واضحة، ومنه يظهر الثبوت في صورة الاختيار بطريق أولى كما لايخفى.
ثم انه استدلّ صاحب الجواهر  (قدس سرهم) في ذيل كلامه لوجوب الكفارة برواية عمر بن يزيد عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: قال الله تعالى في كتابه: «فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك»، فمن عرض له اذى أو وجع فتعاطى ما لاينبغي للمحرم اذا كان صحيحاً فصيام ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم وانّما عليه واحد من ذلك(1) .
ولكن الرواية مضافاً الى ضعف سندها بمحمد بن عمر بن يزيد، واردة في تفسير

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح2.

(الصفحة165)

السادس عشر: ازالة الشعر، كثيره و قليله حتى شعرة واحدة عن الرأس واللحية وسائر البدن بحلق أو نتف أو غيرهما بأيّ نحو كان ولو باستعمال النورة سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره ولو كان محلاًّ 1 .


الآية الشريفة التي موردها الاحصار بقوله تعالى «فان احصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محلّه» وما بعده تفريع عليه ولا تشمل مثل المقام مع انّ الكفارة المخيّرة بين الاُمور الثلاثة لم يقل به أحد فيما نحن فيه فلا مجال للاستدلال بها هنا.
(1) لا خلاف في حرمة ازالة الشعر على المحرم في حال الاختيار بل قال في الجواهر: الاجماع بقسميه عليه بل في التذكرة والمنتهى اجماع العلماء والظاهر انه لم ينهض دليل لفظي على حرمة هذا العنوان بنحو الاطلاق بل هي مستفادة من ملاحظة مجموع ما ورد في الباب فنقول:
امّا ما يدل على حرمة الحلق المضاف الى الرأس فهو قوله تعالى: «ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محلّه»، ومورده وان كانت صورة الاحصار التي يدل عليها قوله تعالى قبله «فان احصرتم فما استيسر من الهدى»، لكن الظاهر انّ حرمة حلق الرأس لاتكون حادثة بسبب الاحصار بل المراد ان الاحصار لايوجب ارتفاع الحرمة المتحققة بالاحرام بل هي باقية الى ان يبلغ الهدى محلّه فتدلّ الآية على انّ حرمة حلق الرأس من احكام الاحرام واثاره سواء كان احرام الحج أو احرام العمرة.
وامّا ما يدلّ على حرمة حلق غير الرأس بالمطابقة أو بالملازمة من طريق ثبوت الكفارة فهي صحيحة الحلبي قال سألت ابا عبدالله  (عليه السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال: لا إلاّ أن لايجد بدّاً فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم(1) .

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والستون، ح1.

(الصفحة166)



وصحيحة حريز عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: لابأس ان يحتجم المحرم مالم يحلق أو تقطع الشعر(1) . وهما وان كانا متعارضيتين في جواز الحجامة وعدمه إلاّ ان المقصود هنا استفادة حرمة الحلق المضاف الى غير الرأس منهما وهما مشتركتان في ذلك وغيرهما من الروايات الدالة على ذلك.
وامّا ما يدلّ على حرمة غير عنوان الحلق ايضاً من العناوين الاُخر فمثل صحيحة حريز التي عطف فيها القطع على الحلق وصحيحة زرارة عن ابي جعفر  (عليه السلام) قال: من حلق رأسه أو نتف ابطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً، فلا شيء عليه، ومن فعله متعمداً فعليه دم(2).
ولايخفى ان صاحب الوسائل أورد هذه الرواية بصورة أربع روايات في باب واحد مع انه من الواضح وحدتها.
وصحيحة معاوية بن عمّار قال سألت ابا عبدالله  (عليه السلام) عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال باظافيره مالم يدم أو يقطع الشعر(3). والوجه في لزوم الحكّ بالاظافير عدم تحقق تغطية الرأس التي هي من محرّمات الاحرام من دون فرق بين الجميع وبين البعض وكذا بين الستر باعضاء البدن أو بأشياء اُخر.
ورواية عمر بن يزيد عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: لا بأس بحكّ الرأس واللحية مالم يلق الشعر ويحكّ الجسد مالم يدمه(4). ولكنها ضعيفة بمحمد بن عمر بن يزيد.
وموثقة الهيثم بن عروة التميمي قال سأل رجل ابا عبدالله  (عليه السلام) عن المحرم يريد

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والستون، ح5.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب العاشر، ح1.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح1.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح2.

(الصفحة167)



اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال: ليس بشيء ما جعل عليكم في الدين من حرج(1) . فان السؤال في نفسه يدلّ على مفروغية حرمة الإزالة اختياراً وان مورد الشبهة هو السقوط من غير اختيار في حال الوضوء والجواب ظاهر في ان الدافع للحرمة هو الحرج غير المجعول في الشريعة ولولاه لكانت باقية بقوّتها.
وكذا الروايات الدالّة على ثبوت الكفارة مثل صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبدالله  (عليه السلام) المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان قال: يطعم شيئاً(2). وغير ذلك من الروايات المتعددة الواردة في الكفارة.
والمستفاد من جميع ما ذكرنا حرمة الإزالة سواء كانت بنحو الحلق أو النتف أو القطع أو الالقاء أو غيرها كالقصّ واستعمال النورة وحتى مثل الاحراق كما انه يستفاد مما ذكرنا انه لا فرق بين الرأس واللحية والأبط ومكان الحجامة وغيرها من سائر اعضاء البدن.
بقي الكلام فيما أفاده في المتن في الذيل بقوله: سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره ولو كان محلّلاً فنقول:
امّا اذا كان الغير محلاًَّ فهو وان كان محلّ خلاف من حيث الجواز وعدمه حيث انّ المحكى عن الشيخ  (قدس سره) في الخلاف الجواز في التهذيب عدم الجواز إلاّ انه قد ورد فيه رواية صحيحة رواها الكليني والشيخ عن معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: لايأخذ المحرم من شعر الحلال(3). وروى في الوسائل رواية اُخرى مرسلة معتبرة عن

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح6.
(2) ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح2 .
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والستون، ح1.

(الصفحة168)

مسألة 28 ـ لابأس بإزالة الشعر للضرورة كدفع القملّة وايذائه للعين ـ مثلاً ـ


الصدوق قال: قال  (عليه السلام) لايأخذ الحرام من شعر الحلال(1) . ولكن الظاهر عدم كونها رواية اُخرى بل اتحادها مع الرواية الاولى كما ان الظاهر ان المراد من الأخذ المنهي عنه أو المنفي الذي تكون دلالته على الحرمة أقوى من النهي معناه الكنائي الذي يرجع الى الازالة. وعليه فلا مجال للاشكال في الدلالة على الحرمة بالاضافة الى المحل.
وامّا بالنسبة الى المحرم الذي نفي في الجواهر الخلاف بل الاشكال في عدم جوازه بل حكى عن المدارك الاجماع عليه، فالدليل عليه هي الاولوية القطعية لأنه لا مجال لاحتمال كون الحكم في المحلّ أشدّ من المحرم.
ولكن ذكر بعض الاعلام  (قدس سرهم) انه يمكن الاستدلال له بوجه آخر وهو ان الحكم اذا كان عامّاً شاملاً لافراد قد يفهم منه عرفاً عدم جواز التسبيب اليه ايضاً وعدم اختصاصه بالمباشرة نظير ما اذا قال المولى لعبيده لا تدخلوا عليّ في هذا اليوم، فان المتفاهم من ذلك، عدم جواز ادخالهم الغير ايضاً وان هذا الفعل مبغوض من كلّ احد ولا يختص بالمباشرة ودخول العبيد أنفسهم.
والظاهر انّ هذا هو مراد صاحب الجواهر حيث استدلّ بعد الاجماع بقوله مضافاً الى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من أيّ مباشر كان.
ومقتضى كلاهما عدم جواز تحقق الإزالة من المحلّ بالنسبة الى المحرم أيضاً، والظاهر انه لايقول به أحد مع ان مرجع التسبيب الى مدخلية المحرم الذي يؤخذ من شعره في تحقق الإزالة والمدعى حرمتها ولو كان المحرم المأخوذ عنه نائماً أو غافلاً فتدبّر فالظاهر انه لا محيص عن الرجوع الى الاولوية المذكورة.

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والستون، ح2.

(الصفحة169)

ولابأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل بلا قصد الإزالة 1 .


(1) في هذه المسألة فرعان:
الفرع الاوّل: جواز إزالة الشعر للضرورة من حيث الحكم التكليفي قال في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه.
ويدلّ على الجواز قوله تعالى بعد النهي عن حلق الرأس حتى يبلغ الهدي محلّه «فمن كان مريضاً أو به اذى من رأسه ففدية» فانّ مدلوله المطابقي وان كان هو ثبوت الفدية بالاضافة الى المريض أو من به اذى من رأسه إلاّ ان مراده ارتفاع الحرمة بذلك وثبوت الفدية فنفس الآية تدلّ على الجواز في حال الضرورة في مورد حلق الرأس الذي هو المصداق الكامل لإزالة الشعر ففي ساير الموارد يكون بطريق أولى.
مع انّ مقتضى قاعدة نفي الحرج ايضاً ذلك ولكنه مع ذلك قد ورد في الروايات المتعددة التي بعضها واردة في شأن نزول الآية ما يدل على الجواز.
ففي صحيحة حريز التي رواها الشيخ عنه عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال: مرّ رسول الله  (صلى الله عليه وآله)على كعب بن عجرة الانصاري والقمل يتناثر من رأسه «وهو محرم» فقال أتؤذيك هَوامّك؟ فقال: نعم، قال فانزلت هذه الآية: «فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك»، فأمره رسول الله بحلق رأسه، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مُدّان، والنسك شاة قال: وقال ابو عبدالله  (عليه السلام) وكل شيء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، وكل شيء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار(1) . يعني لابد وان يختار الاوّل ابتداءً ومع عدم وجدانه ينتقل الى الثاني وهكذا بخلاف ما اذا كان بصورة العطف باو فانه مخيّر من اوّل الأمر بين الطرفين أو الاطراف هذا ولكن في اتصاف سند الرواية

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح1.

(الصفحة170)



بالصحة اشكالاً من جهة انّ الشيخ وان كان رواها عن حريز بطريق صحيح وهو عن الامام  (عليه السلام)من دون واسطة لكن الكليني رواها بعينها من دون فرق إلاّ في عدم ثبوت الباء في قوله في آخر الرواية بالخيار عن حريز عمن أخبره عن ابي عبدالله  (عليه السلام) وعليه فالرواية من هذا الطريق تكون مرسلة وحيث انّ الرواية واحدة والراوي لها هو حريز ونقله مردّد بين الارسال وغيره فلا تتصف الرواية بالاعتبار والحجّية لأن موضوعها الرواية المسندة الصحيحة ـ مثلاً ـ وهذا الموضوع غير محرز في المقام.
نعم لو كان الراوي متعدداً لم يقدح ارسال احداهما في صحة الاُخرى، كما انه لو كانت رواية الصدوق لها في المقنع بنحو الإرسال من قبيل المرسلات المعتبرة التي أشرنا اليها مراراً لكانت معتبرة لكن لايحضرني فعلاً كتاب المقنع حتى اراجعه، مع انّك عرفت انه لا حاجة الى الرواية اصلاً بعد دلالة الآية بوضوح على ارتفاع الحرمة لمن كان مريضاً أو به اذى من رأسه، مضافاً الى قاعدة نفي الحرج وان كانت قاعدة نفي الضرر محلّ خلاف واشكال.
الفرع الثاني: انه لابأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل مع عدم قصد الإزالة ويدلّ عليه مضافاً الى قاعدة نفي الحرج، موثقة الهيثم بن عروة التميمي، قال: سأل رجل ابا عبدالله  (عليه السلام) عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال: ليس بشيء، ماجعل عليكم في الدين من حرج(1) . ومن الواضح انه لا فرق بين الوضوء والغسل كما ان الظاهر انه لا فرق بين الوضوء الواجب على تقدير وجوبه وبين الوضوء المستحب وكذا في باب الغسل والاستدلال في الرواية على عدم الحرمة بقاعدة نفي الحرج لايوجب الانحصار بالوضوء والغسل الواجبين كما لايخفى.

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح6.

(الصفحة171)

مسألة 29 ـ كفّارة حلق الرأس ان كان لغير ضرورة شاة على الأحوط بل لايبعد ذلك، و لو كان للضرورة اثنا عشر مدّاً من الطعام لستة مساكين لكل منهم مدّان، او دم شاة او صيام ثلاثة ايام، والأحوط في إزالة شعر الرأس بغير حلق، كفارة الحلق 1 .


(1) الكلام في هذه المسألة يقع في اُمور:
الأمر الاوّل: كفارة حلق الرأس في حال الاختيار وعدم الضرورة. والمشهور بل ربما يستظهر من المنتهى، الاجماع على عدم الفرق في الفدية التي تدلّ عليها الآية الشريفة وهي المخيّرة بين الاُمور الثلاثة، بين الضرورة وغيرها وفي كلام المحقّق اطلاق الحكم حيث قال: «الخامس حلق الشعر وفيه شاة أو اطعام عشرة مساكين لكل منهم مدّ وقيل ستّة لكل منهم مدّان أو صيام ثلاثة أيام».
والتحقيق انّ الآية الشريفة لا تدلّ على ثبوت الكفارة في حلق الرأس اختياراً وثبوتها في صورة الضرورة لا تستلزم الثبوت في صورة الاختيار فضلاً عن الدلالة بصورة الاولوية وعلى تقدير الدلالة لا دلالة لها على وحدة الكفّارتين وعدم ثبوت المغايرة في البين فلابد في استفادة كفارة صورة الاختيار من الرجوع الى ما يدلّ عليه من الروايات وإلاّ فالآية والروايات الواردة في تفسيرها وبيان شأن نزولها قاصرة عن بيان كفارة الاختيار، فانظر الى صحيحة زرارة عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال اذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي احصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستّة مساكين، والصوم، ثلاثة ايام، والصدقة، نصف صاع لكل مسكين.
وتؤيدها رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة الصحيحة والمرسلة.
وكيف كان فالذي يمكن ان يستدلّ به لحكم صورة الاختيار صحيحة زرارة عن ابي جعفر  (عليه السلام) قال: من حلق رأسه أو نتف ابطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً، فلا شيء

(الصفحة172)



عليه، ومن فعله متعمداً فعليه دم(1) .
فان الظاهر بقرينة المقابلة سيما مع الجاهل ان المراد بالمتعمد ليس هو الملتفت القاصد فقط بل هو مع عدم المشروعية في حقّه فتدلّ على ثبوت الدم في الحلق الاختياري غير المشروع والظاهر ان ثبوت الدم انّما هو بعنوان التعين لا بعنوان أحد الاُمور الثلاثة المخيّرة.
والظاهر اتّحاد هذه الرواية مع الرواية التي جعلت رواية اُخرى لزرارة قال سمعت ابا جعفر  (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء، ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة(2).
وعلى ما ذكرنا يظهر اختلاف الصورتين من جهة الكفارة فان كان هناك اجماع على الاتحاد، فلابدّ من الأخذ به وان لم يكن كما هو الظاهر، فمقتضى الدليل عدم الاتحاد، ولأجله نفي البعد في المتن عن ثبوت الدم في صورة الاختيار في المتن.
الأمر الثاني: كفارة حلق الرأس في صورة الضرورة وصريح الآية ثبوت الكفارة المخيرة فيه بين الصيام والصدقة والنسك ولا اشكال ولا خلاف في ان الصيام ثلاثة أيام وان المراد بالنسك هي الشاة وامّا الصدقة فالأشهر في الرواية والفتوى كما في الجواهر حاكياً عن كشف اللثام ما في المتن من كون الصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مدان ويدلّ عليه مضافاً الى رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة والصحيحة، صحيحة زرارة على نقل الشيخ في التهذيب عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال اذا احصر الرجل

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب العاشر، ح10.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.

(الصفحة173)



فبعث بهديه فاذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي احصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين والصوم ثلاثة أيام والصدقة نصف صاع لكل مسكين(1) .
لكن في مقابلها مرسلة الصدوق المعتبرة قال مرّ النبي  (صلى الله عليه وآله) على كعب بن عجرة الانصاري وهو محرم وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه فقال رسول الله  (صلى الله عليه وآله)ماكنت أرى ان الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك نسكاً لحلق رأسه لقول الله عزوجل فمن كان منكم مريضاً أو به اذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فالصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر(2). قال روى مدّ من تمر والنسك شاة لايطعم منها أحداً إلاّ المساكين(3).
هذا ولكن حيث ان الظاهر انه لم يقل أحد من الأصحاب بالصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع الذي هو أربعة أمداد فاللازم طرح المرسلة وان كانت في نفسها معتبرة.
هذا وظاهر عبارة الشرايع المتقدمة ترجيح اطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدّ ولعلّ مستنده رواية عمر بن يزيد عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: قال الله تعالى في كتابه: «فمن كان منكم مريضاً أو به اذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك» فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لاينبغي للمحرم اذا كان صحيحاً فصيام ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم وانّما

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح3.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح4.
(3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح5.

(الصفحة174)



عليه واحد من ذلك(1) بنائ على كون المدّ ملازماً غالباً للاشباع. ولكن الرواية ضعيفة سنداً بمحمد بن عمر بن يزيد ودلالة حيث ان مفادها جواز الأكل من الشاة بل وجوبها مع ان الظاهر عدم جواز الأكل من الكفارة كما يدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق المعتبرة، فلا مجال للأخذ بها. ولكن الشيخ حملها على التخيير في كمية الاطعام بين ان يطعم ستّة مساكين لكل مسكين مدّان وبين ان يطعم عشرة يشبعهم.
وعن النافع التخيير بين عشرة امداد لعشرة واثني عشر لستّة، وعن النهاية والمبسوط الاحتياط باطعام عشرة وعن المختلف الاحوط الستّة لكل واحد مدان، وعن المقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر ستّة امداد لستّة ويدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق حيث قال وروى مدّ من تمر.
ولكن بعد الاحاطة بما ذكرنا يظهر انه لامحيص عن الأخذ بما في المتن لصحة مستنده ووجوه الشهرة على طبقه بل قال في الجواهر لا ريب في ان الأقوى الستّة لكل واحد مدان.
الأمر الثالث: هل في إزالة شعر الرأس بغير الحلق كالنتف أو النورة أو الاحراق كفارة أم لا ظاهر المحكّى عن التذكرة ان المراد بالحلق مطلق الإزالة كما وقع التعبير بها من بعضهم ولا يبعد الالتزام به لأنّ العرف لايرى لعنوان الحلق المضاف الى الرأس خصوصية وان كانت الخصوصية بلحاظ المضاف اليه وهو الرأس متحققة ولذا عطف نتف الابط على حلق الرأس في بعض الروايات الواردة في الكفارة. والظاهر ان المغايرة التي يدلّ عليها العطف من جهة المضاف اليه لا من جهة المضاف، وعليه فالأحوط لو لم يكن ثبوت كفارة الحلق في الإزالة من دون فرق بين صورتي الاختيار

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح2.

(الصفحة175)



والاضطرار.
كما انّ تحريم الحلق على المحرم مع ملاحظة انّ حلق الرأس لايكاد يمكن ان يتحقق من نفس الشخص بالمباشرة نوعاً يرشد الى ان مجرد الاضافة اليه ولو بالرّضا أو الاستيجار ونحوهما، يكفي في تحقق المحرم وان لم يكن هو المباشر ولأجله يصدق هذا العنوان على من حلق رأسه كذلك نعم لايصدق لو حلق رأسه في صورة النوم والاغماء ونحوهما كما ان ثبوت الحرمة للمحرم بالاضافة الى رأس نفسه يقتضي عدم الثبوت على الحالق سواء كان محرماً أو محلاًّ كما انه لاتثبت للمحرم فيما اذا حلق رأس غيره وعليه فلا كفارة ايضاً.
ثم انّ الظاهر ان الحلق الموجب للكفارة هو حلق جميع الرأس أو ما يصدق عليه عرفاً حلق الرأس فلو أبقى جزءً يسيراً منه بحيث لايقدح في صدق حلق الرأس يكفي في تحقق موضوع الحرمة وثبوت الكفارة.
امّا فيما اذا حلق نصف الرأس ـ مثلاً ـ ففي الجواهر: امكن القول بوجوب دم عليه اذا كان مساوياً لنتفه الابط أو أزيد وان كان لايخلو من نظر ثم حكى عن المنتهى انه قال: والكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه قليلاً كان أو كثيراً لكن يختلف ففي حلق الرأس دم وكذا فيما يسمّى حلق الرأس وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان.
أقول ان ثبوت الكفارة في حلق الرأس وفي نتف الابطين والأبط الواحدة وفي سقوط شعرة أو أزيد اذا مسّ لحيته أو رأسه كما يأتي البحث في الاخيرتين في المسألة الآتية انشاء الله تعالى وان كان يؤيد ثبوتها في حلق الرأس غير ما يصدق عليه حلق الجميع عرفاً ايضاً إلاّ ان الاقتصار على مقتضى الدليل يقتضي عدم الثبوت خصوصاً مع

(الصفحة176)

مسألة 30 ـ كفارة نتف الابطين شاة، والاحوط ذلك في نتف احداهما، واذا مسّ شعره فسقط شعرة أو أكثر فالأحوط كف طعام يتصدق به 1 .


ملاحظة ان نتف بعض الابط لايترتب عليه كفارة كما صرّح به صاحب الجواهر  (قدس سره)وعليه فمقتضى القاعدة عدم ثبوت شيء وان كان الاحتياط في خلافه.
(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمرين:
الأمر الاوّل: في كفارة نتف الابط والمعروف انه لو نتف أحد ابطيه اطعم ثلاثة مساكين ولو نتفهما لزمه شاة، بل قال في الجواهر: بلا خلاف أجده في الثاني منهما بل والاوّل إلاّ من بعض متأخري المتأخرين.
والروايات الواردة في هذا الأمر ثلاث:
احدهما صحيحة زرارة عن ابي جعفر  (عليه السلام) قال من حلق رأسه أو نتف ابطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليه ومن فعله متعمداً فعليه دم(1) .
ثانيتها مارواه الشيخ في التهذيب بطريق صحيح عن حريز عن ابي عبدالله  (عليه السلام)(ابي جعفر خ ل) قال: اذا نتف الرجل ابطيه بعد الاحرام فعليه دم(2). قال في الوسائل بعد النقل المزبور ورواه الصدوق باسناده عن حريز مثله إلاّ انه قال: ابطه بغير تثنية.
ثالثتها رواية عبدالله بن جبلة عن ابي عبدالله  (عليه السلام) في محرم نتف ابطه قال: يطعم ثلاثة مساكين(3).
وعبدالله من رجال كامل الزيارات فهو موثق بالتوثيق العام وهو حجّة اذا لم يعارضه قدح خاص وتضعيف كذلك مع انّه على تقدير الضعف يكون منجبراً بفتوى

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب العاشر، ح1.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الحادي عشر، ح1.
(3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الحادي عشر، ح2.

(الصفحة177)



المشهور على طبقه والاستناد اليه حيث انّ اطعام ثلاثة مساكين لايوجد في غير هذه الرواية.
ثمّ انّ التحقيق في الجمع بين الروايات ان يقال انه تارة يفرض كون صحيحة حريز مشتملة على حكم نتف الابطين كما في نقل الشيخ  (قدس سره) واخرى يفرض كونها مشتملة على حكم نتف الابط بصورة الافراد دون التثنية كما في نقل الصدوق الذي هو أضبط من الشيخ كالكليني.
فعلى التقدير الاوّل تكون صحيحة حريز دالة على ثبوت الدم في نتف الابطين ولا تنافيها صحيحة زرارة الدالة على ثبوت الدم في مطلق النتف سواء تعلق بابط واحدة أو بابطين إذ ليس لصحيحة حريز مفهوم من جهة العدد بل مطلقاً على ما حققناه في محلّه من بحث المفاهيم. نعم تنافيها رواية ابن جبلة، تنافي الاطلاق والتقييد، فيقيد اطلاقها بالصحيحة.
واما بالاضافة الى نتف ابط واحدة فالمعارضة واقعة بين صحيحة زرارة الظاهرة في تعين الدم وبين رواية ابن جبلة الظاهرة في تعيّن اطعام ثلاثة مساكين، فيرفع اليد عن ظهور كلتيهما بصراحة الاُخرى في جواز الاقتصار على مفادها، وعليه فاللازم هو القول بالتخيير في نتف ابط واحدة بين الدم وبين الاطعام.
والعجب من بعض الاعلام  (قدس سره) حيث انه بعد ان جعل مقتضى الجمع هو الحمل على الوجوب التخييري قال: وبما ان الأمر دائر بين التعيين والتخيير فمقتضى الاحتياط هو التعيين بوجوب الشاة فالاكتفاء عنها بالاطعام مما لا وجه له وخلاف الاحتياط. وذلك لأنّ اصالة الاحتياط الجارية في مورد الدوران بين التعيين والتخيير انّما يكون مجريها صورة الشك بينهما كما لو فرض العلم اجمالاً في يوم الجمعة بان الواجب امّا

(الصفحة178)



خصوص صلاة الجمعة وامّا التخيير بينها وبين صلاة الظهر فمقتضى اصالة الاحتياط الاتيان بصلاة الجمعة وامّا في المقام فلايكون شك في البين بعد كون مقتضى الجمع بين الدليلين هو الحمل على التخيير ولو فرض ثبوت الشك بلحاظ الفتاوى فقد عرفت ان الشهرة المحققة انما هي على الاطعام في نتف الابط الواحدة فلا يكون مقتضى الاحتياط هو الدم.
وعلى التقدير الثاني الذي يكون مورد جميع الروايات نتف الابط بصورة الافراد فاللازم حمل الصحيحتين على نتف الابطين لأنه مضافاً الى كون الغالب في نتف الابط هو نتفهما لا نتف واحدة منهما ان العلم بثبوت الدم في نتف الابطين على نحو التعيّن كما عرفت انه لا خلاف فيه يقتضي حمل رواية عبدالله بن جبلة على نتف الواحدة وحمل الاخريين على نتف الابطين فينطبق على ما هو المشهور من التفصيل.
ثم انّه على تقدير الشك في كون صحيحة حريز واردة في مورد المفرد أو التثنية يدور الأمر في نتف الواحدة بين تعيّن الاطعام وبين التخيير وبينه وبين الدم ومقتضى اصالة الاحتياط في دوران الامر بين التعيين والتخيير هو الأخذ بالاطعام دون الدم.
الأمر الثاني: في مسّ الشعر الموجب لسقوط شعرة أو أزيد قال في الشرايع: ولو مسّ لحيته أو رأسه فوقع منهما شيء أطعم كفّاً من طعام واضاف اليه في الجواهر قوله: كما في النافع والقواعد ومحكى الغنية والسرائر بل في المدارك نسبته الى قطع الاصحاب بل عن ظاهر المنتهى والتذكرة الاجماع عليه.
والروايات الظاهرة في ثبوت الكفارة فيه كثيرة قد جمعها صاحب الوسائل في الباب السادس عشر من ابواب بقيّة كفارات الاحرام:
منها صحيحة منصور عن ابي عبدالله  (عليه السلام) في المحرم اذا مسّ لحيته فوقع منها

(الصفحة179)



شعرة قال: يطعم كفّاً من طعام أو كفين(1) .
ومنها صحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبدالله  (عليه السلام) المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان قال: يطعم شيئاً(2). وهذه قرنية على عدم لزوم مقدار الكف ايضاً.
ومنها رواية الحسن بن هارون قال قلت لأبي عبدالله  (عليه السلام) اني اولع بلحيتي وانا محرم فتسقط الشعرات، قال: اذا فرغت من احرامك فاشتر بدرهم تمراً وتصدّق به فان تمرة خير من شعرة(3).
ومنها غير ذلك من الروايات الدالة على لزوم التصدّق بكف من طعام أو كف من سويق أو بكفّ من كعك أو سويق أو لزوم ان يطعم مسكيناً في يده.
احداهما رواية جعفر بن بشير والمفضل بن عمر قال: دخل السّاجبي على ابي عبدالله  (عليه السلام) فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبدالله  (عليه السلام)لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليّ شيء(4).
والرواية بهذا السند لا مجال للمناقشة فيها من حيث السنّد لأنّ منشأ المناقشة وجود المفضل فيه مع انه على هذا التقدير يكون نقل الرواية مشتركاً بينه وبين جعفر بن بشير الذي هو ثقة.
لكن المحكّى عن التهذيب جعفر بن بشير عن المفضل بن عمر ويؤيده انه على تقدير التعدد لكان اللاّزم ان يقول: قالا مكان قال مع ان اختلاف طبقتهما يقتضي عدم

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح1.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح2.
(3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح3.
(4) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح3.

(الصفحة180)

السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه حتى الحشيش والحناء والطين ونحوها على الاحوط فيها، بل الأحوط ان لايضع على رأسه شيء (شيئاً ظ) ويغطي به رأسه، وفي حكم الرأس بعضه، والاذن من الرأس ظاهراً فلا يجوز تغطيته، ويستثنى من الحكم عصام القربة كما انه يستثنى منه عصابة الصداع 1 .


كونهما روايين عن امام واحد و ـ ح ـ ان قلنا بضعف المفضل فالرواية ساقطة عن درجة الاعتبار ولا تصلح لمعارضة ما تقدم من الروايات وان قلنا بوثاقته كما هو الظاهر ويؤيده كتاب توحيده المعروف فلابد ـ ح ـ من الجمع بينهما وبينه وسيأتي وجهه.
ثانيتهما رواية ليث المرادي قال سألت ابا عبدالله  (عليه السلام) عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطاءاً أو عمداً فقال لايضرّه(1) . والرواية ضعيفة بمفضل بن صالح مع ان ظاهرها عدم الاضرار في صورة العمد ايضاً مع وضوح ترتب العقاب واستحقاقه في هذه الصورة.
ومع قطع النظر عن ذلك يكون مقتضى الجمع هو حمل الروايات المتقدمة على الاستحباب خصوصاً مع ملاحظة الاختلاف بينهما ايضاً على ما عرفت ولكن الاحتياط الوجوبي التصدق بكف من طعام كما في المتن.
ثم ان مورد هذه المسألة ما اذا لم يكن ذلك في حال الوضوء أو الغسل وإلاّ فقد عرفت في بعض المسائل السابقة انّه لا كفارة في سقوط الشعرة أو أزيد في احدى الحالتين وورد فيه رواية دالة على الجواز مستدلّة بآية نفي الحرج.
(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في أصل الحكم بنحو الاجمال وكون تغطية الرجل رأسه في الجملة من محرمات الاحرام وفي الجواهر بعد المتن: بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه

(1) ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح8 .

<<التالي الفهرس السابق>>