في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة201)



وقد استدلّ صاحب الجواهر مضافاً الى الاجماع بثلاث روايات:
احداها: صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت ابا جعفر  (عليه السلام) يقول من نتف ابطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة(1) . ورواها في الوسائل بسند آخر وجعلهما روايتين مع وضوح كونهما رواية واحدة وقد أورد بعض الاعلام  (قدس سرهم) على الاستدلال بها بعد توصيفه بانه ينبغي ان يعدّ من الغرائب بان اللبس شيء والتغطية وستر الرأس شيء آخر فانه قد يتحقق اللبس بلا تغطية الرأس كما اذا لبس القميص ونحوه، وقد يتحقق ستر الرأس وتغطيته بدون اللبس كما اذا طيّن رأسه أو حمل على رأسه وقد يتحقق الأمران كما اذا لبس قلنسوة ونحوها وكلامنا في الستر والتغطية وان لم يتحقق عنوان اللبس.
وظاهره انّ النسبة بين العنوان الموجب للكفارة في الصحيحة وبين ما هو المدّعى في المقام عموم من وجه ويجتمعان في مادة الاجتماع وعليه فيمكن ان يجيب صاحب الجواهر  (قدس سره) عن الايراد بانه لو دلّت الصحيحة على الكفارة في مادة الاجتماع فيمكن تعميمها لمادة الافتراق من ناحية المقام بضميمة عدم الفصل جزماً فيتم الاستدلال ـحـ.
لكن التحقيق في الايراد على الاستدلال بالصحيحة ان محطّ النظر في هذه الجملة فيها الى لبس ما يكون منشأ المنع فيه وكان الملبوس مشتملاً على خصوصية لايصلح لأن يلبسه المحرم وهذا العنوان لاينطبق على المقام بوجه فان الساتر للرأس ولو كان هو الثوب لايشتمل على هذه الخصوصية لأن المحرَّم هو الستر به ولا يرتبط ذلك بالساتر، وعليه ففي مثل القلنسوة اذا كانت مخيطة تكون فيها الخصوصية التي يدل

(1) ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.

(الصفحة202)



عليها الرواية ويدخل في لبس المخيط وامّا اذا لم تكن كذلك فلا تشمله الرواية بوجه وان كان لا فرق بينهما من الحيثية المبحوث عنها في المقام فالرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب الكفارة هنا بل ترتبط بلبس المخيط ونحوه كالحرير ـ مثلاً ــ .
ثانيتها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر  (عليهما السلام) قال: لكلّ شيء خرجت من حجّك فعليه (فعليك في ل) فيه دم يهريقه( فيهريقه) حيث شئت(1) . وقد مرّ مراراً ان الرواية ضعيفة من حيث السند بعبدالله بن الحسن العلوي ومن حيث الدلالة لتوقف الاستدلال بها على كون المتن جرحت مكان خرجت وهو لم يثبت مع انه لايناسب قوله من حجّك فتدبّر.
ثالثتها: مرسلة الخلاف قال في محكيه: «اذا حمل مكتلاً أو غيره لزمه الفداء دليلنا عموم ماروى فيمن غطى رأسه انّ عليه الفدية» والمكتل كمنبر هو الزنبيل الكبير قال في الجواهر يكفي هذا المرسل المنجبر بما عرفت مع الاجماع المحكى صريحاً وظاهراً دليلاً في الحكم خصوصاً بعد اعتضاده بنفي الخلاف الذي يشهد له التتبع.
وأورد على الاستدلال بها بعدم نقلها في شيء من الكتب الفقهية والروائية حتى ان الشيخ  (قدس سره) بنفسه لم يذكره في كتابي التهذيب والاستبصار، فلم يحرز وجود الرواية حتى يكون استناد المشهور اليها جابراً لضعفها بالارسال.
ولكن يرد على الاستدلال بها ايضاً ان المدّعى في المقام ثبوت كفارة دم الشاة وما في الخلاف من الدليل والمدعى عبارة عن ثبوت الفداء وهو أعمّ من الشاة وقد مرّ ان الشيخ التزم بثبوت الكفارة في تغطية الرجل المحرم وجهه وظاهره ان المراد بها هي اطعام مسكين الذي وقع التصريح به في فتوى ابن ابي عقيل ورواية الحلبي المتقدمة

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح2.

(الصفحة203)



وعليه فلا دلالة في المرسلة المزبورة على المدّعى.
وقد انقدح انه لم ينهض دليل على ثبوت كفّارة دم الشاة في تغطية الرأس إلاّ انّ الاحتياط الوجوبي يقتضي الثبوت لأنّ كلّ من تعرّض له، حكم بثبوتها إلاّ هذه العبارة الواردة في الخلاف على ما عرفت من عدم ظهورها في ثبوت كفارة الشاة وإلاّ ما عرفت من الوسائل على ما مرّ ايضاً.
بقي الكلام في اُمور:
الأمر الاوّل: هل الكفارة على تقدير ثبوتها في تغطية جميع الرأس ثابتة في تغطية بعض الرأس التي عرفت انّها محرمة ايضاً أم لا ؟
التحقيق ان يقال انه لو كان المستند في أصل الحكم هو الاجماع على تقدير تحققه وصحة الاستناد اليه فاللازم هو الاقتصار على تغطية الجميع لانّها القدر المتيقن من معقده وهو دليل لبّى لا اطلاق له يشمل تغطية البعض ايضاً كسائر الادلّة اللبيّة.
وان كان المستند هي صحيحة زرارة المتقدمة أو رواية علي بن جعفر المتقدمة ايضاً فالظاهر شمولهما لتغطية البعض ايضاً لأنّه يصدق عليه انه لبس ما لاينبغي له لبسه وكذا يتحقق الجرح من ناحية تغطية بعض الرأس وان كان المستند هي مرسلة الخلاف فظاهرها تغطية الجميع وان كان الاستدلال بها لصورة حمل المكتل كما في كلام الشيخ مشعر هل يدلّ على الشمول لتغطية البعض ايضاً لأن المكتل وان كان هو الزنبيل الكبير إلاّ انه لايشمل جميع الرأس خصوصاً اذا كان الاذنان جزئين من الرأس مع ان عطف عنوان الغير على المكتل لايختص بما اذا كان مغطيّاً لجميع الرأس.
وقد انقدح ممّا ذكرنا من عدم صحة الاستدلال بشيء من الروايات الثلاثة وان العمدة هو الاجماع الذي هو غير خال عن المناقشة انه لو قلنا بثبوت الكفارة في تغطية

(الصفحة204)



الجميع فلا دليل على الثبوت في تغطية بعض الرأس فالأحوط فيها استحباباً ذلك بعدما كان أصل الحكم ثابتاً بنحو الاحتياط الوجوبي على ما مرّ.
الأمر الثاني: فيما لم يتعرض له في المتن بالصراحة وان كان ربما يشعر به ما أفاده في المسألة الآتية وهو ان الكفارة ثابتة في مورد الاضطرار الرافع للحكم التكليفي كما في مثل التظليل ولبس المخيط أو انّها ثابتة في خصوص صورة الاختيار ؟
الظاهر ما ذكرنا من ان المستند لو كان هو الاجماع فاللازم الاقتصار على القدر المتيقن وهي صورة الاختيار وان كان المستند هي الروايات فالظاهر اختصاصها بهذه الصورة لأن قوله لبس ما لاينبغي له لبسه لايتحقق في صورة الاضطرار الذي يكون اللبس جائزاً في حقّه ومشروعاً عنده وكذا لايتحقق الجرح بعد عدم ثبوت الحرمة والظاهر من قوله في المرسلة: «غطّى رأسه» هو التغطية الاختيارية ولكن صاحب الجواهر قد صرّح في العبارة التي يأتي نقلها في الأمر الثالث ان شاء الله تعالى، بانه لا فرق بين المختار والمضطر لا في أصل ثبوت الكفارة ولا في تكرارها مع التعدد وان الملاك في التعدّد فيهما واحد وسيأتي البحث في التكرّر في ذلك الأمر فانتظر.
الأمر الثالث: في تكرر الكفارة بتعدّد التغطية وعدمه قال صاحب الجواهر  (قدس سره) في هذا المجال: «قد ذكر الحلبيان انّ على المختار لكل يوم شاة وعلى المضطّر لكل المدّة شاة بل عن ابن زهرة منهما الاجماع على ذلك وان كان التتبع يشهد بخلاف الاجماع المزبور فالأصل ـ ح ـ عدم الفرق بينهما. وفي الدروس عدم تكررها بتكرر تغطيته نعم لو فعل ذلك مختاراً، تعددّت ولا تتعدّد الغطاء مطلقاً، ووافقه ثاني الشهيدين إلاّ انه حكم بعدم التكرر ولو اتّحد المجلس، وربما نوقشا بعدم نص أو اجماع على ذلك فالأصل ـ ح ـ بحاله ولكن قد عرفت سابقاً في التظليل ما يستفاد منه صحة ذلك في الجملة».

(الصفحة205)



وهذه الأقوال بعد اشتراكها في ثبوت الكفارة بالاضافة الى المضطر مع انّك عرفت في الأمر الثاني المناقشة فيه وبعد اشتراكها في عدم التعدد مع التكرر في صورة الاضطرار والتكرر في صورة الاختيار مختلفة في ملاك التعدد والتكرّر الموجب لتعدد الكفارة في هذه الصورة. فصريح الحلبيين ان الملاك هو اليوم فاذا تعدد تتكرر الكفارة وظاهر الدروس ان الملاك تعدّد التغطية فاذا تحققت مراراً ولو في اليوم الواحد تتعدّد الكفارة نعم لا عبرة بتعدد الغطاء وما يغطى به الرأس فاذا غطى رأسه بثلاثة أثواب ـ مثلاً ـ متلاصقة دفعة واحدة لايوجب تعدّد الكفارة بخلاف ما اذا كان الثوب والغطاء واحداً والتغطية به متعددة فانها تتكرر ـ ح ـ وظاهر كلام الشهيد الثاني ان الملاك وحدة المجلس وتعدّده.
هذا ولكن الظاهر انه بعد عدم ثبوت نص في خصوص التكرر في المقام ولا اجماع، يكون المرجع هو الأصل بمعنى القاعدة ومقتضاها انه لو كان المستند في أصل الكفارة في المقام هو الاجماع فكما انه لا اطلاق له يشمل صورة الاضطرار لأنه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن كذلك لا اطلاق له يشمل صورة التكرار ولو بعد تخلل التكفير فلا تتكرر الكفارة مطلقاً كما في المتن حيث نفى البعد عن عدم وجوب التكرر ولو في الصورة المذكورة.
ولو كان المستند هي الروايات الثلاثة المتقدمة على فرض تمامية دلالتها وسندها فالتكرر وعدمه مبني على المسألة الاصولية المعروفة التي وقع فيها الاختلاف في كون مقتضى الأصل التداخل أو عدمه لكن ينبغي هنا التنبيه على أمر وهو ان الملاك في التعدد في المقام هي التغطية وهي لا تتعدد بتكرر الغطاء وعدمه فاذا غطى رأسه بثوب ثم القى على الثوب ثوباً آخر لايتحقق التعدد بالاضافة الى التغطية لأن المغطى لايقبل

(الصفحة206)

مسألة 33 ـ تجب الكفارة إذا خالف عن علم وعمد فلا تجب على الجاهل ولا على الغافل والسّاهي والناسى 1 .


التغطية ثانياً وهذا بخلاف مثل لبس المخيط فانه اذا لبس القميص ثم لبس عليه القباء ثم العباء مثلاً يصدق لكل لبس انه لبس المخيط فيتحقق التعدّد فتدبّر.
(1) الدليل على اختصاص وجوب الكفارة بما اذا كانت المخالفة عن علم وعمد مضافاً الى قصور أصل دليل الثبوت الذي هو الاجماع على تقدير تمامية دليليته في المقام عن الشمول لغير هذه الصورة لما عرفت من انّه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن والى مثل حديث الرّفع المشتمل على رفع ما لايعلمون ورفع الخطأ والنسيان والى مثل قوله  (عليه السلام) في بعض الروايات الواردة في لبس القميص جاهلاً: «ايّما امرء ركب امراً بجهالة فلا شيء عليه»، دلالة بعض الروايات المتقدمة الواردة في أصل مسألة حرمة تغطية الرأس على عدم ثبوت كفارة الشاة فيما اذا غطّى رأسه ناسياً كصحيحة حريز قال سألت ابا عبدالله  (عليه السلام) عن محرم غطّى رأسه ناسياً قال يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شيء عليه(1) . وصحيحة الحلبي انّه سئل اباعبدالله ـ عليه السلام ـ عن المحرم يغطي رأسه ناسياً أو نائماً فقال: يلبّي اذا ذكر(2). وغيرهما من الروايات وعليه فلا شبهة في الاختصاص بالعالم العامد.
ثم انه لم يقع التعرّض في المتن لثبوت الكفارة على المضطر وعدمه والجمود على ظاهر اللّفظ يقتضي دخوله في العالم العامد لأنّ المضطر ايضاً من مصاديق العالم العامد وان كان اصل العمل جائزاً في حقه ومشروعاً بالاضافة اليه لكنّه لاينافي ثبوت الكفارة كما في الاضطرار الى لبس المخيط أو التظليل ويؤيده عدم التعرض له في عداد

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح3.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح6.

(الصفحة207)

الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب وبرقع ونحوهما حتى المروحة، والاحوط عدم التغطية بما لايتعارف كالحشيش والطين، وبعض الوجه في حكم تمامه، نعم يجوز وضع يديها على وجهها، ولا مانع من وضعه على المخدّة ونحوها للنّوم 1 .


الجاهل والغافل ومثلهما ومع ذلك لايتحقق الاطمينان للنفس بكون مراد المتن ثبوت الكفارة بالنسبة الى المضطر ايضاً ونحن قد قدمنا البحث في ذلك في الأمر الثاني من الاُمور المتقدمة في المسألة السابقة فراجع.
(1) البحث في هذا الأمر أيضاً يقع من جهات:
الجهة الاُولى: في أصل ثبوت هذا الحكم في الجملة ونفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الاجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى انه قول علماء الامصار ويدلّ عليه نصوص متعدّدة.
منها صحيحة عبدالله بن ميمون عن جعفر عن أبيه  (عليهما السلام) قال: المحرمة لاتتنقب لأنّ احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه(1) . ومقتضى التعليل عدم اختصاص الحكم بخصوص النقاب.
ومثلها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال مرّ ابو جعفر  (عليه السلام) بامرأة متنقبة وهي محرمة فقال: احرمي واسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك فانّك ان تنقبتِ لم يتغيّر لونك قال رجل: الى أين ترخيه قال تغطي عينها قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال نعم(2).
ومنها رواية ابي عينية عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس وهي محرمة فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين والبرقع والحرير(3). الحديث.

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح1.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح3.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح3.

(الصفحة208)



ومنها رواية احمد بن محمد «بن ابي نصر خ» عن ابي الحسن  (عليه السلام) قال: مرّ ابو جعفر  (عليه السلام)بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها(1) .
ومنها غير ذلك من الروايات لكن في مقابلها بعض الروايات التي عبّر فيها بالكراهة كرواية يحيى بن ابي العلاء عن أبي عبدالله  (عليه السلام) انه كرّه للمحرمة البرقع والقفازين(2). وصحيحة عيص بن القاسم قال قال ابو عبدالله  (عليه السلام) في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة وقال تسدل الثوب على وجهها قلت حدّ ذلك الى أين؟ قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر(3).
والرواية الاُولى ضعيفة بحيى بن ابي العلاء لعدم توثيقه والظاهر انه غير يحيى بن العلاء الذي هو ثقة والظاهر انّ المراد من الكراهة في الروايتين الحرمة لدلالة الروايات الظاهرة في الحرمة عليه ولا مجال لاحتمال العكس بجعل التعبير في الكراهة في هاتين الروايتين قرينة على ان المراد من قوله: «المحرمة لا تتنقب»، هو الكراهة لأن حمل مثله عليها لا يلائم مع التعليل الوارد فيها بان احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه مع انّك عرفت حرمة تغطية الرأس عليه وكذا لايلائم مع التعليل بقوله انّك ان تنقبت لم يتغير لونك وكذا مع اماطة الامام  (عليه السلام) بنفسه المروحة عن وجهها.
الجهة الثانية: في التغطية بما لايتعارف كالحشيش والطين بعدما عرفت من دلالة بعض الروايات على حرمة التغطية بالمروحة ايضاً لكنها تغاير مثل الحشيش بثبوت التعارف فيها في الجملة دونه والظاهر انّ حكمهنّ بالاضافة الى مثل هذه التغطية حكم

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح4.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح9.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح2.

(الصفحة209)



الرجال بالنسبة الى الرأس وتغطيته بمثلها، لكن التعليل الوارد في بعض الروايات المقام بقوله مخاطباً لامرأة محرمة متنقّبة انّك ان تنقبتِ لم يتغيّر لونك يزيد في وضوح حكم المقام فانه كما ان النقاب مانع عن تغيّر اللون المطلوب في باب الحج في وجه النساء كذلك الحشيش والطين ومثلهما مانع عن ذلك وعدم التعارف في الاستفادة في التغطية من مثلهما لايقدح في شمول التعليل واقتضائه للحرمة فيما لايتعارف ايضاً فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم التغطية بمثلهما.
الجهة الثالثة: في حكم تغطية بعض الوجه ظاهر الكلمات انه لا فرق بين المقام وبين ما تقدم من حرمة تغطية الرجل بعض رأسه وانّ كلتا المسألتين من ورد واحد ولا فرق بينهما اصلاً مع انّك عرفت هناك انّ جلّ الأدلّة الواردة في حرمة تغطية الرأس ظاهرها تغطية الجميع، غاية الأمر ان التعبير بالاصابة في بعض الروايات الصحيحة صار موجباً لتوسعة دائرة الحرمة والشمول لتغطية بعض الرأس لتحقّق الاصابة بسببها.
وامّا المقام فما دلّ على المنع من البرقع لايدلّ على أزيد من حرمة تغطية جميع الوجه لأنّ البرقع يكون ساتراً له ظاهراً وامّا ما دلّ على اماطة الامام  (عليه السلام) المروحة عن وجه المرأة المحرمة فلا دلالة له على توسعة دائرة الحرمة لأنه لم يعلم كون المروحة ساترة لبعض وجهها واحتمال كونها ساترة للجميع نعم يدل على عدم اختصاص الحكم بخصوص الثوب بل يشمل المروحة ايضاً فلا ارتباط لهذه الرواية ايضاً بالمقام.
نعم يبقى ما دلّ على حرمة التنقّب والنهي عن النقاب بعد عدم كون النقاب ساتراً لجميع الوجه ولذا استدلّ صاحب الجواهر بهذا الدليل على شمول الحكم لتغطية بعض الوجه نظراً الى ما ذكرنا.
لكن لابد من ملاحظة انّ في النقاب خصوصيتين: احداهما كون المستور به بعض

(الصفحة210)



الوجه، وثانيتهما كون المستور به بعضاً معيناً من الوجه وهو الذقن والفم وجزء من الأنف وفي الحقيقة يكون المستور به هو النصف الأسفل من الوجه تقريباً كما تصنعه نساء المغرب على ما رأيناه في المدينة ومكة.
وعليه فلابد من النظر في انّ الخصوصية المانعة عن الستر بالنقاب وهل هي مجرد كونه ساتراً لبعض الوجه يشمل الحكم ستر كل بعض من ابعاض الوجه ولو كان هو الطرف الأعلى أو خصوص طرف اليمين أو اليسار بل ولو كان البعض المستور جزءً يسيراً من الوجه أو انّ الخصوصية المانعة هي كونه ساتراً للبعض المخصوص من جهة المحلّ والمقدار الذي يستربه؟ فيه احتمالان ظاهر الفتاوى باعتبار عدم التفريق بين الكل والبعض وتنظير المرأة بالرجل الذي يحرم عليه ستر جزء من الرأس بل حتى ستر جزء من الأذن: بناء على كونه جزء من الرأس وان ناقشنا فيه سابقاً هو الاحتمال الاوّل ولكنه يبتنى على الغاء الخصوصية من الجهة الثانية وهو يحتاج الى قيام الدليل أو فهم العرف ومن الظاهر عدم قيام الدليل وتحقق فهم العرف، غير معلوم فالانصاف انه لا محيص عن الالتزام بما أفاده بعض الاعلام  (قدس سرهم) من التفصيل بين ما اذا كان المستور محلاًّ يستره النقاب فلا يجوز وان كان الساتر غير نقاب لعدم خصوصية له من جهة العنوان وبين ما اذا كان المستور غير ذلك المحلّ كما اذا كان المستور فوق الوجه ولو كان الساتر هو الثوب، ففي الاوّل لايجوز وفي الثاني يجوز وان كان مقتضى الاحتياط الوجوبي الناشيء عن الفتاوي هو الترك.
الجهة الرابعة: في انه يجوز للمرأة المحرمة وضع يدها بل يديها على وجهها لما مرّ في جواز ستر الرجّل رأسه باليد والذراع نعم في رواية سماعة عن ابي عبدالله  (عليه السلام) انه سأله عن المحرمة فقال ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها ولا تستتر بيدها من الشمس

(الصفحة211)



الحديث(1) . ولكنها كما في الجواهر محمولة على ضرب من الكراهة وذلك لعدم الفتوى بالحرمة من أحد من الاصحاب.
الجهة الخامسة: في انه يجوز لها وضع الوجه على المخدة ونحوها للنوم بل يجوز لها تغطية الوجه حين ارادة النوم وذلك لصحيحة زرارة عن ابي جعفر  (عليه السلام) قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطّي وجهه؟ قال: نعم ولا يخمّر رأسه، والمرأة المحرمة لابأس بان يغطّي وجهها كلّه عند النوم(2).
ولعلّ الحكمة في الجواز حين ارادة النوم هو الخروج بذلك عن المعرضية للنظر لعدم كونها قادرة في حال النوم على التستر بغير التغطية، لكن عرفت سابقاً ان الرواية على نقل الشيخ خالية عن كلمة «عند النوم» وان كان السياق يشعر بإرادة ذلك وامّا على نقل الكليني فمشتملة على الكلمة المذكورة ولايكون في الوسائل اشارة الى اختلاف النقلين بل نقل الرواية في باب عن الشيخ خالية عنها ثم قال: ورواه الكليني كما يأتي، وفي باب آخر عن الكليني مع الاشتمال عليها ثم قال ورواه الشيخ مثله مع انّك عرفت الاختلاف وحيث ان الكليني أضبط من الشيخ، واصالة عدم الزيادة حاكمة في البين فاللازم الاتكال على نقله ولا مانع من ثبوت الاستثناء في حال النوم للحكمة المذكورة كما كان في حرمة تغطية المحرم الرأس بعض الموارد بصورة الاستثناء كعصابة الصداع على ما مر(3).
ثم انه بعد دلالة الرواية الصحيحة على توسعة دائرة حكم الجواز لا مجال

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح10.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح1.
(3) وقد حكى عن تهذيب الشيخ ايضاً الاشتمال على الزيادة.

(الصفحة212)

مسألة 34 ـ يجب ستر الرأس عليها للصلاة، ووجب ستر مقدار من اطراف الوجه مقدّمة لكن اذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فورا 1 .


لتخصيصه بخصوص وضع الوجه على المخدة ونحوها كما في المتن بل تجوز التغطية ولو بالثوب حال إرادة النوم كما لايخفى وان ذكر في الجواهر بعد نقل الرواية: «ولم أقف على رادّ له كما اني لم أقف على من استثناه من حكم التغطية ويمكن ارادة التغطية بما يرجع الى السّدل أو ما يقرب منه» اقول سيأتي البحث في مسألة السّدل ان شاء الله تعالى ولا مانع من الاستثناء خصوصاً بعد التعبير بالتغطية بالرواية.
(1) قال في الجواهر بعد الحكم بانّه يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمة لكشف الوجه كما يجب على الرجل كشف بعض الوجه مقدمة للرأس: «نعم لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي المنتهى والتذكرة والدروس قدمّت ستر الرأس لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عمّا يصلح للتخصيص ضرورة امكان معارضته بمثله بل لترجيحه بما قيل من ان السّتر أحوط من الكشف لكونها عورة، ولأن المقصود اظهار شعار الاحرام بكشف الوجه بما تسمّى به مكشوفة الوجه وهو حاصل مع ستر جزء يسير منه وان أمكن المناقشة فيه ايضاً بتعارض الاحتياط بالنسبة الى الصلاة والاحرام وكونها عورة في النظر، لا مدخلية له في ذلك، وكما يصدق انّها مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه، يصدق انّها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه، فالمتجه ـ ح ـ التخيير ان لم ترجّح الصلاة بكونها أهم وأسبق حقّاً ونحو ذلك».
أقول بعد ملاحظة ان هذه المسألة مبتنية على حرمة تغطية بعض الوجه ايضاً أيُّ بعض، كان كالكلّ وبعد ملاحظة انه لاتضاد بين الصلاة والاحرام كالتضاد المتحقق بين الصلاة والإزالة في المثال المعروف في مسألة ان الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن

(الصفحة213)



ضده، التي هي معروفة في علم الاصول ضرورة انه لايرى تضاد بين الصلاة والاحرام بوجه بل لا مانع من الجمع بين رعاية التكليفين اصلاً بل التعارض انّما هو بين رعاية الحكم التحريمي المتعلق بالمحرمة وهي حرمة التغطية ورعاية الوجوب الشرطي المتعلق بستر الرأس، من جهة ان تحقق العلم بثبوت الشرط يقتضي ستر جزء من الوجه ايضاً من باب وجوب المقدمة العلمية والعلم بعدم تغطية بعض الوجه ايضاً يتوقف بكشف جزء ولو يسير من الرأس، ولا يتحقق الجمع بين الأمرين وان كان يمكن ان يقال بان وجوب المقدمة العلمية انّما هو بالاضافة الى الستر الذي هو واجب شرطي وامّا بالاضافة الى التغطية فحيث يكون الحكم المتعلق بها هي الحرمة فلا حاجة الى احراز عدم تحقق متعلقها بل يكفي عدم احراز تحقق المتعلق كما لايخفى إلاّ أن يقال بان الحكم الثابت في المقام ايضاً هو الوجوب ومتعلقه هو الاسفار عن الوجه كما وقع التعبير به في الشرايع وعليه فتجب مقدمته العلمية ايضا.
نقول لا مجال لترجيح الصلاة باعتبار كونها أهمّ فان الأهمية انّما تكون متحققة في أصل الصلاة ولا دليل على أهمية رعاية شرطها والوجوب الشرطي المتعلق به على الحرمة الاحرامية الثابتة عليها.
بل ترجيح الصلاة ورعاية شرطها انّما يستفاد من وجهين:
احدهما: استمرار سيرة المتشرعة من النساء المحرمات المتصلة بزمان الائمة  (عليهم السلام)على رعاية الستر الصلوتي في حال الاحرام بعين رعايته في غير هذه الحالة ولا فرق عندهنّ عملاً بين الصلاة في الحالتين وهي شاهدة على تقدم الستر الصلوتي وكونه مرتكزاً لديهنَّ.
ثانيهما: انه حيث تكون هذه المسألة من المسائل المبتلى بها في الحج والعمرة

(الصفحة214)

مسألة 35 ـ يجوز اسدال الثوب وارساله من رأسها الى وجهها الى أنفها بل الى نحرها للستر عن الاجنبي، والأولى الأحوط ان يسدله بوجه لا يلصق بوجهها ولو بأخذه بيدها 1 .


والعمرة المفردة لاتكون مقيّدة بوقت خاص بل مشروعة في جميع الشهور فلو كان الستر الصلوتي متأخراً في حال الاحرام عن التغطية المحرّمة لكان اللاّزم صدور البيان من قبل الائمة  (عليهم السلام) في هذا المجال ولو صدر لبان بلحاظ شدّة الابتلاء التي اُشير اليها.
ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه للتعبير بالجواز كما في كلام بعض الاعلام  (قدس سرهم) بل الظاهر هو التعين والوجوب كما في المتن تبعاً لمن عرفت من الفقهاء في كلام صاحب الجواهر  (قدس سره).
لكن لابد من الاقتصار على حال الصلاة والالتزام بانه اذا فرغت منها يجب عليها فوراً إزالة الغطاء ورفعها عن وجهها لأنه لا وجه لجواز البقاء على هذه الحالة بعد الفراغ عن الصلاة كما لايخفى.
(1) قال في الشرايع بعد الحكم بعدم جواز تغطية الرأس للرجل المحرم: «ويجوز ذلك للمرأة لكن عليها ان تسفر عن وجهها ولو أسدلت قناعها على رأسها الى طرف أنفها جاز» وذكر في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك نسبته الى اجماع الاصحاب وغيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا أجمع وهو قول عامة أهل العلم بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها. من الاجانب وانحصر فيه».
وكيف كان يحتمل في عبارة الشرايع ان يكون اسدال القناع على الرأس الى طرف الأنف مستثنى من تغطية الوجه المحرّمة عليها ويؤيده التحديد الى طرف الأنف ويحتمل فيها ان يكون مراده اَنَّ الاسدال أمر لاينافي التغطية المحرّمة واللازم في هذا

(الصفحة215)



المقام ملاحظة النصوص المتعددة الواردة فيه ثم بيان وجه الجمع بينها وبين الروايات المتقدمة الناهية عن التغطية الشاملة لتغطية الكل والبعض معاً فنقول:
منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: قال ابو عبدالله  (عليه السلام) في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة وقال تسدل الثوب على وجهها، قلت: حدّ ذلك الى أين ؟ قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر(1) . وقد عرفت انّ المراد بالكراهة فيها هي الحرمة وعليه فقوله: تسدل... هل يكون المراد به وجوب الاسدال على ما هو مقتضى ظاهر الجملة الخبرية الواقعة في مقام انشاء الحكم أو المراد به الجواز بلحاظ وقوعه في مقابل النقاب المحكوم بالحرمة والمقصود عدم جريان الحكم بالحرمة في الاسدال فيجوز لها ذلك.
ومنها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: مرّ ابو جعفر  (عليه السلام) بامرأة متنقّبة وهي محرمة فقال: احرمي واسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك فانّك ان تنقبتِ لم يتغيّر لونك قال رجل: الى اين ترخيه قال تغطّي عينها، قال قلت تبلغ فمها؟ قال نعم(2). والمراد من قوله: احرمي ليس هو ايجاب الاحرام لعدم معلومية وجوب الاحرام عليها مع انّها كانت محرمة ولا معنى للايجاب عليها بل المراد هو انه بعدما صرت محرمة واتصفت بذلك يجب عليك الاسفار الذي يكون ظاهره اسفار الوجه ويجري الاحتمالان المذكوران في الرواية السابقة في قوله: وارخي ثوبك من فوق رأسك.
ومنها صحيحة حريز قال: قال ابو عبدالله  (عليه السلام) المحرمة تسدل الثوب على وجهها

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والأربعون، ح2.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح3 .

(الصفحة216)



الى الذقن(1) .
ومنها صحيحة زرارة عن ابي عبدالله  (عليه السلام) انّ المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها(2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله  (عليه السلام) انه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من اعلاها الى النحر اذا كانت راكبة(3).
ومنها رواية سماعة عن ابي عبدالله  (عليه السلام) انه سأله عن المحرمة فقال: ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها ولا تستتر بيدها من الشمس الحديث(4).
ومن طريق العامة ما روى عن عائشة قالت: كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول الله  (صلى الله عليه وآله) فاذا جاءونا سدلت احدانا جلبابها من رأسها على وجهها فاذا جاوزنا كشفنا(5).
ثم انّه يظهر من صاحب الجواهر انّ الجمع بين هذه الروايات الدالّة على جواز الاسدال والارخاء لو لم نقل بدلالة بعضها على الوجوب وبين الروايات المتقدمة الظاهرة في حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة يمكن بوجهين:
الوجه الأول: ما جعله دليلاً لما حكى عن المبسوط والجامع والقواعد بل في الدروس انه المشهور وان ناقش هو في تحقق الشهرة من عدم جواز الاسدال بنحو يكون الثوب مماساً للوجه ومصيباً له بل لابد ان تمنعه بيدها أو بخشبة من ان يباشر وجهها من ان مقتضى الجمع بين صحاح السّدل والنصوص المانعة من التغطية حمل

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح6.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح7.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح8.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح10.
(5) سنن البيهقى : ج5 ص48.

(الصفحة217)



الاولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية بل لعلّ المرتفعة ليست من التغطية.
ولكنه أورد عليه بقوله: «مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية وانّما فيه الاحرام بالوجه والأمر بالاسفار عن الوجه ان السدل بمعنييه تغطية عرفاً وانّها غير سافرة الوجه معه إلاّ ما خرج عنها الى حدّ التظليل ونحوه».
الوجه الثاني: ما جعله صاحب الجواهر  (قدس سره) أولى من وجوه ووصفه في ذيل كلامه بانّه مقتضى التحقيق من قوله: «ان الجمع باخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة بل والفتوى أولى من وجوه ولا يقتضي اختصاص الحرمة ـ ح ـ بالنقاب كما في المدارك والذخيرة وغيرهما بل في الاوّل لايستفاد من الاخبار أزيد من ذلك، ضرورة تعدّد افراد التغطية بغير السدل كالشدّ ونحوه وخصوصاً مع ملاحظة اللطوخ ونحوه، ومن هنا تردد المصنّف ـ يعني المحقق في الشرايع ـ فيما يأتي في كراهة النقاب بل أفتى به الفاضل في الارشاد مع الجزم بحرمة التغطية بل في الدروس عدّ النقاب محرّماً مستقلاً عن حرمة التغطية وان كان قد علّله بها فالتحقيق استثناء السدل من ذلك بقسميه وان كان الاحتياط لاينبغي تركه».
وهنا وجوه اُخر للجمع:
احدها: حمل ما دلّ على حرمة تغطية الوجه على صورة عدم وجود الناظر الأجنبي وحمل ما دلّ على جواز الاسدال على صورة وجوده.
وأورد عليه بان الشاهد على هذا الجمع حديث عائشة المتقدم وحيث انه ضعيف من حيث السند فلايمكن ان يصار الى هذا الجمع لأنه بلا شاهد.
مع ان رواية سماعة المتقدمة المعتبرة ايضاً شاهدة على هذا الجمع كما ان صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على التقييد بما اذا كانت راكبة تنطبق على هذا

(الصفحة218)



الوجه ايضاً لظهور ان الركوب بما هو ركوب لا مدخل له في ذلك بل لأجل كون المرأة في حال الركوب في معرض نظر الأجنبي غالباً كما لايخفى.
ثانيها: ما أفاده بعض الاعلام  (قدس سرهم) ممّا حاصله ان ما دلّ على ان حدّ الاسدال الى طرف الأنف وهو الجانب الأعلى من الأنف صريح في عدم جواز الاسدال الى الزائد من ذلك فيكون ما دل على جواز الاسدال الى الفم أو الذقن والنحر معارضاً له فهذه الروايات تسقط بالمعارضة والمرجع ـ ح ـ ما دلّ على ان احرام المرأة في وجهها فالواجب عليها بمقتضى الاطلاق عدم ستر الزائد من طرف الأنف الأعلى بأيّ ساتر كان نعم لا بأس بالعمل برواية معاوية بن عمّار الدالة على الجواز الى النحر مقيّداً بما اذا كانت راكبة لأنه لا معارضة بينها وبين روايات الحدّ لأنّه لا علم بعدم الفرق بين حال الركوب وغيره وانّما جوّز الستر في حال الركوب لأنّها في معرض نظر الأجنبي فتقيد روايات الحدّ بحال الاختيار وبأنها اذا كانت مأمونة من النظر فالمتحصل انها اذا كانت مأمونة من النظر يجوز لها اسدال الثوب الى طرف الأنف حتى تتمكن من ان تبصر وترى الطريق واذا كانت في معرضه يجوز لها الاسدال الى الفم أو النحر.
ثالثها: ما احتمله بعض الاعاظم  (قدس سرهم) على ما في تقريرات بحثه في الحج من انه لا معارضة بين الاخبار حتى تحتاج الى الجمع بتقريب يرجع ملّخصه ان قوله  (عليه السلام)«احرام المرأة في وجهها» انما يدلّ على محل الاحرام ولا دلالة له على كيفية الاحرام وانّها عبارة عن كشف تمام الوجه بل لابد من الاستفادة من دليل آخر وعليه فيمكن ان يقال ان المستفاد من صحيحة الحلبي المتقدمة الواردة في المرأة المتنقبة هي حرمة تغطية تمام الوجه لا بعضه للجمع بين ايجاب الاسفار وجواز الارخاء وعليه فالمراد من قوله  (عليه السلام) «اسفري» هو لزوم اسفار بعض الوجه ومن قوله  (عليه السلام) «وارخي ثوبك» هو

(الصفحة219)



جواز السدل بحيث يستر بعض الوجه لا تمامه واما ما دلّ على جواز الاسدال الى الذقن أو الى النحر فيمكن ان يقال انّ المراد منه انها تجعل الثوب الذي وضعت على رأسها بحيثية يستر جانبي وجهها أو أحد جانبيه به مع بقاء مقدار من وسط الوجه مكشوفاً أو مع الجانب الآخر كذلك.
والتحقيق في المقام ان يقال اوّلاً انك عرفت في مسألة حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة ان تغطية البعض الخارج عن المحدودة التي يسترها النقاب لا دليل على حرمتها وان قلنا بالاحتياط الوجوبي نظراً الى الفتاوى التي ظاهرها انه لا فرق بين الرجل المحرم والمرأة المحرمة فكما ان تغطيته لبعض الرأس محرمة كذلك تغطيتها لبعض الوجه ولكن الدليل لايساعد على ذلك.
وثانياً ان في جملة من الروايات المتقدمة الدالّة على وجوب الاسدال أو جوازه لم يقع التعرض اوّلاً لبيان الحدّ بل التحديد قد تحقق بعد السؤال عن الحدّ ومرجعه الى انه لو لم يتحقق السؤال لكان مقتضى الاطلاق الاسدال بنحو يشمل جميع الوجه كما لايخفى.
وثالثاً ان في بعض الروايات ما ظاهره تقييد مشروعية الاسدال بما اذا مرّ بالمرأة المحرمة رجل اجنبي أو بما اذا كانت راكبة ومرجعة، الى كونها في معرض النظر.
ورابعاً ان في بعض الروايات قد جمع بين ايجاب الاسفار ووجوب الارخاء المضاف الى الثوب أو جوازه.
وحيث انّ الرواية الجامعة لجميع هذه الخصوصيات هي صحيحة الحلبي المتقدمة فلابد من التكلم في مفادها والدقة في مدلولها فانّها مفتاح حلّ اعضال الجمع بين الروايات لاشتمالها على الخصوصيات المزبورة خصوصاً الاخيرة التي لها كمال

(الصفحة220)



المدخلية في وجه الجمع فنقول:
نفس حكاية الامام الصادق  (عليه السلام) انّ ابا جعفر  (عليه السلام) مرّ بامرأة متنقبة وهي محرمة تدلّ على عدم اجتماع التنقب مع الاحرام بمعنى انه لايجوز للمحرمة التنقب في حال الاحرام وقد عرفت سابقاً انّ في النقاب خصوصيتين احداهما كونه ساتراً لبعض الوجه، والاُخرى كونه ساتراً للبعض المعين من الوجه دائماً وبلحاظ هذا البحث الذي نحن فيه نقول بان فيه خصوصية ثالثة أيضاً، وهي كيفية ساتريته لبعض الوجه وهي شدّ الثوب على ذلك البعض لا مجرد وضعه عليه فتدبّر.
واما قوله  (عليه السلام) مخاطباً للمرأة المتصفة بما ذكر: احرمي واسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك فنقول نفس هذه المخاطبة ظاهرة في كون المرأة المذكورة واقعة في معرض نظر الأجنبي وامّا قوله: احرمي فقد مرّ معناه في ذيل نقل الرواية وامّا قوله: اسفري فالظاهر بملاحظة كون المرأة متنقبة هو لزوم الاسفار بالاضافة الى المحدودة التي يسترها النقاب ويوجب التنقب عدم تغيّر لونها والتعليل بقوله «فانك ان تنقبت لم يتغيّر لونك» يؤيد بل يدل على عدم كون المراد بالاسفار هو اسفار تمام الوجه وكشفه بل الاسفار بالنسبة الى المحدودة المذكورة ولا شبهة في كون الرواية ظاهرة في وجوب الاسفار.
وامّا قوله: ارخي ثوبك من فوق رأسك فالظاهر ان المراد به هو وجوب الارخاء الظاهر في ستر جميع الوجه بلحاظ كونها في معرض نظر الأجنبي فان قلنا بوجوب ستر الوجه على المرأة عند المعرضية للنظر فظاهر الرواية باق على حاله وان قلنا بالعدم كما حققناه في كتاب الصلاة في بحث لباس المصلي الذي وقع التعرض فيه للستر الواجب النفسي ايضاً في الرجل والمرأة فاللازم ان يقال بان مفاد هذا القول مجرد المشروعية

<<التالي الفهرس السابق>>