في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة121)



الكوفي، فكان هشام خائفاً فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أيّ شيء أحدثنا في حجّنا؟ فنحن كذلك إذ لقينا موسى قد رمى الجمار وانصرف، فطبت نفس هشام.(1)
إذا عرفت ذلك، فالكلام يقع في أمور:
الأمر الأول: لا إشكال في دلالة كثير من الروايات المتقدمة على جواز التعجيل بالنساء للإفاضة من المشعر في الليل وقبل طلوع الفجر وكذا الشيوخ والصبيان، وقد وقع التصريح في إحدى روايتي أبي بصير.
وأمّا الشيوخ فهم داخلون في الضعفاء الذي يستفاد جواز تعجيلهم من صحيحة معاوية بن عمّار، وكذا يستفاد الجواز لمن ينفر بهم من صحيحة سعيد الأعرج الدالة على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل مع النساء أسامة.
وأمّا الخائف فيدل على جواز تعجيله المرسلة والرواية الأخيرة وإن كان فيهما ضعف من حيث السند، فهو منجبر بفتوى المشهور، على ما يستفاد من تعبير المنتهى والمدارك، على ما مرّ في اوّل البحث.
وأمّا المريض فيدل على جواز تعجيله مضافاً إلى إمكان دعوى انطباق عنوان الضعيف عليه لحاجته إلى غيره نوعاً استفادة المناط من الجواز في مثل النساء والخائف، فإن العرف يستفيد من العنوانين ثبوت العذر، سواء كان أصلياً ـ كما في الاوّل ـ أو عارضيّاً ـ كما في الثاني ـ المرض من هذه القبيل خصوصاً مع ملاحظة عطف جميع أصحاب الأعذار ومن له ضرورة على الخائف والنساء في عبارة

(1) وسائل: ابواب رمى جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح3.

(الصفحة122)



المنتهى المتقدّمة. مع أنّ الظاهر إن تعجيل أبي الحسن (عليه السلام) على مافي رواية ابن عطية كان لأجل مرضه، لأنه بدونه لاوجه له.
وأمّا الناسي فيدل على جواز افاضته حديث رفع الخطأ والنسيان. كما أنه لا كفارة عليه.
وأمّا الجاهل فبناءً على التفسير المتقدم عن صاحب الحدائق الذي اخترناه في رواية مسمع المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله: «وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» يكون مفادها ثبوت الكفارة على الجاهل الذي أفاض قبل طلوع الفجر. وثبوت الكفارة يكشف عن ثبوت الحرمة وتحقق الإثم ـ كما اعترف به صاحب الجواهر ـ وعليه فلا يجوز للجاهل الإفاضة المذكورة للرّواية.
الأمر الثاني: إن ظاهر المتن أن مقتضى الإحتياط الوجوبي أن لا ينفروا قبل نصف الليل. ويظهر من الجواهر كون الإحتياط المذكور استحبابيّاً، حيث قال: وينبغي للمعذورين أن لا يفيضوا إلاّ بعد انتصاف الليل.
ولم يظهر لي وجه لهذا الإحتياط، إلاّ قوله (عليه السلام) في إحدى روايتي أبي بصير: إذا زال الليل بناء على كون المراد من زواله هو انتصافه لا زواله وارتفاعه.
الأمر الثالث: إن الظاهر هو الإختلاف بين الطوائف المذكورة من جهة أنه لا يجب على النساء والشيوخ العود إلى المشعر لإدراك الوقوف بين الطلوعين، وإن كانا قادرين على ذلك، بخلاف غيرهما من الخائف والمريض ومن ينفر بالنساء ويمرض المريض، فإنه بعد جواز الإفاضة لهم يكون الجواز باقياً ما دام كان العنوان باقياً. وأمّا إذا ارتفع الخوف والمرض بعد الإفاضة وأمكن العود إلى المشعر للوقوف

(الصفحة123)

في مالو خرج قبل طلوع الفجر متعمدا

مسألة 2 ـ من خرج قبل طلوع الفجر بلا عذر ومتعمّداً ولم يرجع إلى طلوع الشمس فإن لم يفته الوقوف بعرفات ووقف بالمشعر ليلة العيد إلى طلوع الفجر، صحّ حجّه على المشهور وعليه شاة. لكن الأحوط خلافه، فوجب عليه بعد إتمامه الحجّ من قابل، على الأحوط. [1]

المذكور فالظاهر هو الوجوب، خصوصاً بعد كون الواجب محدوداً ببين الطلوعين وكون الركن مسمّى هذا الواجب. وجواز الإفاضة لا يستلزم جواز عدم العود بعد زوال العنوان وإمكانه. ومنه يظهر الحال بالإضافة إلى من ينفر بهم، وكذا بالإضافة إلى الجاهل والناسي بعد زوال الجهل والنسيان بطريق أولى، فتدبر.
[1] قد مرّ البحث في هذه المسألة في أوال بحث الوقوف بالمشعر. وتقدم أن المستند في ذلك هي رواية مسمع المتقدمة(1) على مافهم منها المشهور. ومرّ أيضاً أن مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق، وعليه لا دلالة لها على صحة الحج في مفروض المسألة، بل مقتضى ما تقدم من أن الركن في باب الوقوف المشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين هو البطلان، للإخلال به متعمّداً، فيجب عليه بعد الإتمام، الحج من قابل.

(1) سائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح1.

(الصفحة124)

في مالو لم يدرك الوقوف بين الطلوعين والوقوف بالليل لعذر

مسألة 3 ـ من لم يدرك الوقوف بين الطلوعين والوقوف باللّيل لعذر وأدرك الوقوف بعرفات، فإن أدرك مقداراً من طلوع الفجر من يوم العيد إلى الزّوال ووقف بالمشعر ولو قليلا، صحّ حجّه. [2]

والذي ينبغي البحث عنه هنا، انه لو سلم دلالة الرواية على مرام المشهور فما الوجه في تقييد الحكم بعدم فوت الوقوف بعرفات ـ كما في المتن ـ تبعاً للمحقق في الشرايع مع أنه لا يوجد هذا التقييد في الرّواية أصلا؟
والظاهر ان الوجه في عدم تقييد الحكم به في الرواية ان الصحة التي دلت عليه الرواية على هذا التقدير هو حكم حيثى، وبالإضافة إلى خصوصية الوقوف بالمشعر ولا يكون حكماً مطلقاً حتى يكون مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين صورة إدراك الوقوف بعرفات وصوت الفوت ـ كما في جميع الموارد التي يحكم فيها بالصحة في الأعمال المركّبة ـ فإن الظاهر ثبوت الفرق فيها بين الحكم بالصحة والحكم بالبطلان. فإنّ الأوّل إضافي والثاني مطلق. وعليه فلابد في الحكم بالصحة المطلقة من فرض عدم فوت الوقوف بعرفة، فتدبر.
[2] من لم يدرك الوقوف بالمشعر أصلا لا في الليل ولا فيما بين الطلوعين وكان السبب في عدم الإدراك هو العذر، كما إذا أفاض منه عرفات بعد غروب الشمس ولم يصل إلى المشعر لأجل الإنحراف عن طريقه أو كثرة الزحام والوسائل النقلية وعدم إمكان المشي بدونها. فالظاهر إن وقت الوقوف بالمشعر يمتدّ بالإضافة إليه إلى زوال الشمس. وحكى إبن إدريس عن السيّد: الإمتداد إلى الغروب، لكن في مجمي المختلف أنكره أشدّ الإنكار. وقد ادعى صاحب الجواهر الاجماع بقسميه على الأوّل.
ومنشأه روايات متعددة واردة في هذه المجال، مثل:
صحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النّحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ.(1)

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح9.

(الصفحة125)



ورواية عبدالله بن المغيرة، قال: جائنا رجل بمنى، فقال: إنّي لم أدرك الناس بالموقفين جميعاً ـ إلى أن قال ـ فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر، فقد أدرك الحج.(1)
ورواية يونس ان عبدالله بن مسكان لم يسمع من أبي عبدالله (عليه السلام) إلاّ حديث «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» قال: وكان أصحابنا يقولون من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج. فحدثني محمد بن عمير وأحسبه رواه: إن من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحجّ.(2)
ورواية الحسن العطّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى، ولا شيء عليه.(3)
وغير ذلك من الروايات الدالة عليه.

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح6.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح13.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الرابع والعشرون، ح1.

(الصفحة126)

في أقسام إدراك الوقوفين :

1- ادراك اختياريهما
2- عدم ادراك الاختياري والاضطراري منهما

مسألة 4 ـ قد ظهر ممّا مرّ انّ لوقوف المشعر ثلاثة أوقات: وقتاً إحتياريّاً وهو بين الطلوعين، ووقتين اضطراريين: أحدهما ليلة العيد لمن له عذر، والثاني من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال كذلك. وانّ لوقوف عرفات وقتاً إختياريّاً هو من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، اضطرارياً هو ليلة العيد للمعذور. فحينئذ بملاحظة إراك أحد الموقفين أو كليهما إختيارياً أو اضطرارياً، فرداً وتركيباً، عمداً أو جهلا أو نسياناً أقسام كثيرة. نذكر ماهو مورد الإبتلاء:
الاوّل: إدراك إختياريهما. فلا إشكال في صحة حجّه من هذه الناحية.
الثاني: عدم إدراك الإختياري والإضطرارى منهما، فلا إشكال في بطلانه عمداً كان أو جهلا أو نسياناً، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الذي للحج ، والأوى قصد العدول إليها، والأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه، ولو كان عدم الإدراك من غير تقصير لا يجب عليه الحج إلاّ مع حصول شرائط الإستطاعة في القابل، وإن كان عن تقصير يستقر عليه الحج ويجب من قابل، ولو لم يحصل شرائطها. [1]


[1] أشار في المتن إلى أنّ منشأ الأقسام الكثيرة تعدّد الموقف وثبوت الإختياري والإضطراري لكل منهما، بل ثبوت اضطراريين للثاني من جهة وكون الإدراك فرداً وممتزجاً تركيبيّاً من جهة ثانية. وكون المنشأ لعدم الإدراك، التعمد أو الجهل أو

(الصفحة127)



النسيان من جهة الثالثة، فاللازم التعرض لما وقع التعرض له في المتن مما هو مورد الإبتلاء; فنقول:
أمّا القسم الأوّل: وهو فرض إدراك الإختياري من الوقوفين، فلا إشكال في صحة الحج فيه من هذه الجهة; وإن كان يمكن عروض البطلان له من ناحية ـ مثل الجماع على ما مرّ تفصيله ـ.
وأمّا القسم الثاني: الذي يكون مقابلا للقسم الأوّل وهو ما إذا لم يتحقق إدراك شيء من الوقوفين لا الإختياري ولا الإضطراري. فالكلام فيه يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في بطلان الحجّ والذي يحتاج إلى إقامة الدليل صورة عدم التعمد، لأنّ مقتضى الركنية البطلان مع الإخلال بواحد منهما عمداً، فضلا عن كليهما. والدليل عليه الروايات الكثيرة الدالة عليه، مثل:
صحيحة الحلبي: قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات، فليقف بالمشعر الحرام; فانّ الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه الحج من قابل.(1)
فإنّ قوله (عليه السلام) في الذيل: «فإن لم يدرك المشعر الحرام» إن كان المراد منه هو عدم

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الثاني والعشرون، ح2.

(الصفحة128)



إدراكه بكلا وقتيه الإختياري والإضطراري ـ أي: النهاري الذي يكون شروعه من طلوع الشمس ومنتهاه الزوال ـ فيدلّ على البطلان بالمطابقة في المقام وهو عدم الإدراك لعذر. وإن كان المراد منه هو عدم إدراكه بوقته الإختياري الذي وقع التعرض له قبله، فدلالته على البطلان في المقام إنما هي بالأولوية ـ كما لا يخفى ـ وعلى أيّ تدل الرواية على البطلان مع عدم الإدراك لعذر.
وصحيحة عبيدالله وعمران ابني عليّ الحلبيّين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا فاتك المزدلفة، فقد فاتك الحج.(1) والرواية الة بالمنطوق على أن فوت المزدلفة سبب لفوت الحج وعدم إمكان إدراكه. والقدر المتيقن من موردها هو المقام من جهة كون المفروض فيه فوت الوقوف بعرفات أيضاً، ومن جهة كون فوت المزدلفة شاملا لفوت أوقاته الثلاثة بأجمعها، ومن جهة كون الفوت لو لم يكن منحصراً بالفوت لعذر فلا أقل من شموله له وعدم الإختصاص بخصوص الترك عن عمد ـ كما لا يخفى ـ.
وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج. الحديث.(2) فإن المتفاهم العرفي منها انه مع عدم إدراك الجمع والمشعر الحرام لا يكاد يتحقق إدراك الحج بوجه.
وصحيحة ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج متمتّعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلاّ يوم النحر، فقال: يقيم على إحرامه ويقطع التلبية

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس والعشرون، ح1.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس والعشرون، ح2.

(الصفحة129)



حتى يدخل مكة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء. وقال: هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل.(1) قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب، إلاّ انه قال: يقيم بمكة على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل الحرم، فيطوف بالبيت ويسعى يحلق رأسه ويذبح شاته ـ إلى أن قال: ـ عند إحرامه ان يحلّه حيث حبسه. فإن لم يشترط. فإن عليه الحج والعمرة من قابل.
والظاهر بقرينة تعين الحلق، كون المراد من الأعمال التي يجب عليه الإتيان بها هي أعمال العمرة المفردة، مع أن عمرة التمتع لا تتخلف عن الحج.
وصحيحة حريز، قال: سئل ابو عبدالله (عليه السلام) عن مفرد الحج، فاته الموقفان جميعاً، فقال له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت الشمس يوم النحر، فليس له حجّ ويجعلها عمرة، وعليه الحجّ من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن شاء أقام بمكّة، وإن شاء أقام بمنى مع النّاس، وإن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شيء.(2)
وصحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس، فقد أدرك الحجّ.(3) وغير ذلك من الروايات الدالة عليه. ومعها لا يبقى مجال للإشكال في البطلان، مع أنه لم ينقل الخلاف فيه عن أحد.
المقام الثاني: في أنه بعد طلان الحج فيما هو المفروض من فوت الموقفين مطلقاً،

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح2 .
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع والعشرون، ح4.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح9.

(الصفحة130)



لاشبهة في لزوم الإتيان بالعمرة المفردة، سواء كان إحرامه الأول للحج او لعمرة التمتع ـ كما في مورد صحيحة ضريس المتقدمة ـ وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) انّ انصوص في أعلى درجات الإستفاضة، إن لم تكن متواترة بمعنى القطع بما تضمّنه من وجوب العمرة حينئذ، بسبب نية العدول، أو يتحقق الإنقلاب إليها قهراً من دون توقف عى نيّة العدول؟ ظاهر الروايات الواردة في هذا المجال مختلف، فطائفة منها ظاهرة في النية وطائفة أخرى ظاهرة في الإنقلاب القهري.
أمّا الطائفة الأولى: فهي الروايات الدالة على أنه يجعلها عمرة مفردة، مثل:
ذيل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المقام الأوّل، وهو قوله: وقال أبو عبدالله (عليه السلام) ايّما حاجّ سائق للهدي، أو مفرد الحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل.(1)
وصحيحة حريز المتقدمة آنفاً.(2) وصحيحة الحلبي المتقدمة في صدر المقام الأوّل أيضاً.(3)
وأمّا الطائفة الثانية: فهي ما تدل بظاهرها على الإنقلاب القهري وصيرورة الحج بعد بطلانه وفواته عمرة مفردة كذلك، مثل:
رواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الحدّ الذي إذا أدركه الرج أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الحج ولا عمرة له، وإن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس، فهي عمرة مفردة ولا حجّ

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح1.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح4.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح2.

(الصفحة131)



له، فإن شاء أقام مكّة وإن شاء رجع وعليه الحجّ من قابل.(1) وروى مثلها محمد بن سنان قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) وذكر نحوه.(2)
وصحيحة ضريس المتقدمة آنفاً.(3)
وصحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل جاء حاجّاً ففاته الحج ولم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراماً أيّام التشريق ولا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة وأحلّ وعليه الحج من قابل، يحرم من حيث أحرم.(4) وبعض الروايات الاُخر.
والظاهر إن دلالة هذه الطائفة على الإنقلاب القهري أظهر من دلالة الطائفة الأولى على اعتبار نيّة التبدّل والإنقلاب، فيجب حملها عليها بكون مفادها هو لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة عن نيّة وإختيار وإن لم يكن الإنقلاب مفتقراً إلى النيّة والقصد، لكن الإحتياط رعاية النيّة ـ كما في المتن ـ تبعاً للجواهر.
بقي اكلام في هذا القسم في أمرين:
الأمر الاوّل: في لزوم الإتيان بالحج في العام القابل وعدمه. قال المحقق في الشرايع: من فاته الحج تحلّل بعمرة مفردة ثم يقضيه إن كان واجباً على الصفة الّتي وجب تمتعاً أو قراناً أو إفراداً. وقد فسّره صاحب الجواهر بأن المراد بالوجوب ما إذا كان وجوب الحج قد استقر عليه أو استمرّ إلى العام القابل، وعليه فمقتضى كلام

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح3.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح4.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح2.
(4) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح2.

(الصفحة132)



المحقق انه لا يجب عليه الإتيان بالحج في القابل، إذا كان الحج واجباً عليه في هذا العام أو مستحبّاً ولم تستمرّ الإستطاعة إلى العام القابل.
وعن الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب: إنّ من اشترط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء، ومع عدم الإشتراط يجب عليه الحج من قابل.
وعن ابني حمزة والبرّاج: إن فائدة الإشتراط جواز التحلّل، فيكون المراد حينئذ ان عليه البقاء على إحرامه إلى أن يأتى بالحج من قابل إن لم يشترط، ومع الإشتراط يجوز له التحلل.
وفي المتن التفصيل بين ما إذا كان عدم الإدراك من غير تقصير. فلا يجب عليه الحج، إلاّ مع حصول شرايط الإستطاعة في القابل; وإن كان عن تقصير يستقر عليه الحج ويجب من قابل، ولو لم يحصل شرائطها.
ثم إنّ مستند الصدوق والشيخ ظاهراً صحيحة ضريس المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله (عليه السلام) بعد الحكم بلزوم الاتيان بأعمال العمرة المفردة بعد فوات الحج، وجواز الإنصراف إلى الأهل الظاهر في تمامية المسألة ودم لزوم الحج من قابل: «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن إشترط، فإن عليه الحج من قابل».(1)وهي خالية عن المناقشة في السند والدلالة، بل لو كان في مقابلها ما يدل على لزوم الحج من قابل مطلقاً أو عدم لزومه كذلك، أو الطائفتان معاً، تصلح هذه الرواية للتقييد في الأوليين وشاهده للجميع بينهما في الصورة الثالثة.
ولكنه ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في مقام الجواب قوله: «ويشكل بعد الإعراض

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح2.

(الصفحة133)



عن الصحيح المزبور ومنافاته، لما هو المعلوم من غير نصّاً وفتوى بأنه إن كان مستحباً لم يجب القضاء، وإن لم يشترط، وكذا إن لم يستقرّ ولا استمر وجوبه، وإن كان واجباً وجوباً مستقرّاً أو مستمرّاً وجب. وإن اشترط. فالوجه حمله على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط وكان مندوباً أو غير مستقر الوجوب ولا مستمرّه».
قلت: مع ان تأثير الأمر الإستحبابي وهو الإشتراط وجوداً وعدماً في ثبوت تكليف إلزامي مثل الحج المشتمل على مشتقات كثيرة وعدمه في غاية الإستبعاد. فهذا القول غير قابل للقبول.
نعم يرد على تفصيل المحقق في الشرايع، انه لا مستند له ظاهراً سواء فسّرنا الوجوب في كلامه بما فسّره به صاحب الجواهر فيما تقدم، أم قلنا بأن المراد بالوجوب فيه أعم من المستقر والمستمرّ، بل هو شام للوجوب في هذا العام، بمعنى كون إحرامه بنيّة حجة الإسلام، وإن لم يستقر عليه سابقاً ولم يستمرّ لاحقاً.
كما ان تفصيل المتن لا شاهد له، بل شواهد من الروايات على خلافه. ففي صحيحة الحلبي المتقدمة، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإن الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه الحج من قابل.(1)

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح2.

(الصفحة134)



فإنّ الرواية ظاهرة في مورد العذر في جميع الصور الثلاثة، ومع ذلك تدل على لزوم الحج من قابل ومقتضى إطلاقها أنه لا فرق في لزومه بين وجود الإستطاعة في العام القابل وعدمها فيه. كما أن مقتضى اطلاق السؤال فيها وترك الإستفصال في الجواب، انه لا فرق بين كون الحج الذي أحرم له وفاته الموقفان واجباً أو مستحبّاً، وفي صورة الوجوب بين كونه مستقراً أو حاصلا في عام الحج. وبهذه الرواية تجاب عن تفصيل المحقق بكلا تفسيريه.
ومثلها رواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له، وإن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له، فإن شاء أقام بمكّة وإن شاء رجع، وعليه الحج من قابل.(1)
وصحيحة حريز، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعاً، فقال له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل.(2)
وأظهر منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج، قال: وقال أبو عبدالله (عليه السلام) أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل.(3)
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل جاء حاجّاً

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح3.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح1.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح1.

(الصفحة135)



ففاته الحجّ ولم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراماً أيام التشريق ولا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ، وعليه الحجّ من قابل، يحرم من حيث أحرم.(1)
وفي هذه الروايات، مضافاً إلى ما استظهرنا منها من الإطلاق بالنسبة الى الحج الذي أحرم له، والتعبير بالفوت في أكثرها الذي يكون القدر المتيقن منه صورة الترك لعذر، نكتة أخرى. وهي انّ الظاهر منها بملاحظة عطف لزوم الحج من قابل على جعل الإحرام عمرة مفردة ثبوت الأوّل في جميع موارد ثبوت الثاني. فكما انه لا يختص التبديل بالعمرة المفردة بصورة وجوب الحج أو كون الترك عن تقصير، كذلك لا يختص لزوم الحج من قابل بإحدى الصورتين، بل يكون مورده جميع موارد التبديل.
نعم هنا رواية رواها داود بن كثير الرّقي، قال: كنت مع أبي عبدالله (عليه السلام) بمنى، إذ دخل عليه رجل، فقال: قدم اليوم قد فاتهم الحج، فقال: نسئل الله العافية، قال: أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلّون «يحلق» وعليهم الحج من قابل إن اصرفوا إلى بلادهم، وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكّة، ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه واعتمروا، فليس عليهم الحج من قابل.(2)
والرواية مخدوشة من حيث السند والدلالة معاً.
أمّا من جهة السند، فلوقوع الإختلاف في داود، حيث إنه ضعفه النجاشي وابن

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح3.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح5.

(الصفحة136)



الغضائري. ولكن يظهر من المفيد والعلاّمة قبول روايته ووثاقته.
وأمّا من جهة الدلالة، فلأنّ مفادها لزوم اراقة دم شاة في مورد فوت الحج، وهو موافق لمذهب الشافعي وأكثر العامّة، نعم قال في الدروس: أو جب علي بن بابويه وابنه على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان، العمرة ودم شاة ولاشيء على المفرد سوى العمرة، وقال صاحب الجواهر: لا ريب في ضعفه وإن كان أحوط.
ولانّ مفادها جواز الإحلال بل وجوبه بمجرد فوت الموقفين، وهو مخالف لجميع الروايات المتقدمة والفتاوى، كما انّه لو كان الصادر «يحلق» يكون مفادها لزوم الحلق بمجرده وحصول الإحلال بعده من دون لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة وهو أيضاً كذلك، كما إن التخيير بين الإتيان بالعمرة المفردة مع إحرام جديد بعد مضيّ أيام التشريق، وبين الحج من قابل مخالف للنص والفتوى. وعليه فاللازم طرح الرواية، وإن حملت على محامل متعددة من القدماء والمتأخرين.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا إنّه لو كنّا نحن والقواعد ولم يكن في البين شيء من الروايات المتقدمة الواردة في المسألة، لكان مقتضى القاعدة عدم لزوم الحج من قابل فيما إذا كان الحج مستحبّاً، أو كان وجوبه في نفس العام الذي وقع فيه فوت الموقفين في الحج ولم يكن وجوبه مستقراً ولا الاستطاعة باقية إلى العام القابل. لأنّ غاية الأمر بطلان الحج بسبب فوت الموقفين، وهو يستلزم التبدل إلى العمرة المفردة، لأنه لا طريق إلى الإحلال غيره. وأمّا لزوم الحج من قابل فلا وجه له، وإن كان الفوت لا لعذر، لأن ابطال العمل الاستحبابي لا يكون موجباً لقضائه والإتيان به ثانياً، وإن كان الإبطال عمداً. نعم لو كان الحج مستقراً عليه، وجب عليه الحج من

(الصفحة137)

3- في اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري

الثالث: درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النّهاري، فإن ترك اختياري المشعر عمداً بطل، وإلاّ صحّ. [1]


قابل. وكذا لو بقيت الإستطاعة إليه ولا يكفي حصولها في هذا العام، لأنّ الفوت يكشف عن عدم الإستطاعة، إلاّ إذا كان الإطال عمداً.
ومنه يظهر وجه التفصيل المذكور في المتن. وإن كان يرد عليه انّ اللازم استثناء صورة الإستقراء أيضاً من مورد عدم وجوب الحج من قابل، بل الإستثناء هذه الصورة أولى من استثناء صورة حصول الإستطاعة في العام القابل ـ كما لا يخفى ـ.
هذا كلّه مع قطع النظر عن الروايات الواردة. وأمّا مع ملاحظتها فاللازم أن يقال ـ بمقتضى الدقة في مفادها والتأمل في مدلولها ـ بلزوم الحج من قابل، في جميع موارد التبدل إلى العمرة المفردة في مورد بطلان الحج. ولا يكون في البين ما يقتضي التقييد والإختصاص. فالأحوط لو لم يكن أقوى ذلك. والإستبعاد في مورد الحج الإستحبابي خصوصاً مع فرض كون الفوت لعذر لا وجه له مع وجود الدليل.
[1] أمّا البطلان في صورة ترك اختياري المشعر الذي هو الوقوف بين الطلوعين من يوم العيد عمداً، فلأنه مقتضى الركنيّة التي عرفت البحث فيها، وعرفت ان الركن هو المسمى من الوقوف بين الطلوعين، والإخلال به عمداً يوجب البطلان.
وأمّا الصحة في صورة الترك لعذر، ودرك اضطراري المشعر النهاري الذي هو مسمّى الوقوف من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال ـ على ما مرّ ـ فهو المشهور ويدل عليه روايتان، وإن جعلهما في الوسائل ثلاث روايات:

(الصفحة138)

4- في درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة

الرّابع: درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة، فإن ترك اختياري عرفة عمداً بطل، وإلاّ صحّ. [1]


إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما تقول في رجل افاض من عرفات فأتى منى؟ قال: فليرجع فيأتي جمعاً فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا من جمع.(1) والظاهر إنّ مورد الترك العمدي خارج عن محطّ السؤال.
ثانيتهما: رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى، فرمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع إلى المشعر فيقف به، ثم يرجع ويرمى الجمرة.(2)
فالحكم في هذا القسم ظاهر.
[1] أمّا البطلان في صورة ترك اختياري عرفة عمداً، فلأنه مقتضى ركنيّة الوقوف بعرفة ـ على ما مرّ ـ فإن لازمها كون الإخلال العمدي به موجباً للبطلان.
وأمّا الصحة في صورة كون الترك مستنداً إلى العذر فمضافاً إلى أنّها مقتضى القاعدة. لأن المفروض درك اختياري المشعر، وكون ترك الوقوف الاختياري بعرفة ناشئاً عن العذر، وهو يوجب الإنتقال إلى الإضطراري منه. وقد فرض دركه وعدم فوته منه. فلا يكون في البين ما يوجب البطلان، وإلى الروايات الدالة على أنّ من أدرك المشعر أدرك الحج ـ كما مرّ نقل بعضها وسيأتي أيضاً ـ.

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الواحد والعشرون، ح2.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الواحد والعشرون، ح3.

(الصفحة139)



يدل عليها الروايات الخاصّة الواردة في فرض المسألة، مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال في رجل أدرك الإمام وهو بجمع، فقال: (إن ظنّ ظ) انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها، وإن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع، فقد تمّ حجّه.(1)
وصحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى أيأتي عرفات، الحديث.(2)
ورواية إدريس بن عبد الله، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: ان ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمع، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه.(3) وغير ذلك من الروايات الدالة على الصحة في هذا الفرض.

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح1.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح2.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح3.

(الصفحة140)

5- في درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي

الخامس: درك اختياري عرفة مع إضطراري المشعر الليلي، فإن ترك اختياري المشعر بعذر صحّ، وإلاّ بطل على الأحوط. [1]


[1] الوجه في الصحة في صورة ترك اختياري المشعر بعذر واضح، لأن المفروض إنه أدرك اختياري عرفة وكون ترك اختياري المشعر مستنداً إلى العذر المجوّز له كالطوائف المتقدمة اللاّتي رخّص لهن النفر من المشعر قبل طلوع الفجر ـ كالنساء والخائف والمريض ـ فإنّ الترخيص مرجعه إلى الصحة والتماميّة ـ كما هو ظاهر ـ.
وأمّا إذا كان ترك اختياري المشعر لغير عذر ـ كما إذا نفر من المشعر قبل طلوع الفجر عالماً عامداً ـ فهو مورد المسألة الثانية المتقدمة التي ذكرنا فيها ان المشهور حكموا فيه بالصحة نظراً إلى ما فهموا من رواية مسمع من كون ذيلها ناظراً إلى العالم العامد. وقد مرّ ان مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق من عدم تعريض الرواية لحكم العالم العامد. بوجه وان اللازم فيه الرجوع إلى القاعدة المستفادة من سائر الروايات، من أنّ الركن من الوقوف بالمشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين وان الاخلال العمدي به موجب للبطلان، فالأقوى في هذا

<<التالي الفهرس السابق>>