في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة141)

6- في درك اضطراري عرفة و الاضطراري المشعر الليلي

السادس: درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر الليلي، فإن كان صاحب عذر وترك اختياري عرفة عن غير عمد، صحّ على الاقوى، وغير المعذور إن ترك اختياري عرفة عمداً بطل حجّه، وإن ترك اختياري المشعر عمداً فكذلك على الأحوط، كما ان الأحوط ذلك في غير العمد أيضاً. [2]


الفرض هو البطلان ـ كما تقدّم ـ.
[2] الوجه في الصحّة في صورة وجود العذر، بالإضافة إلى ترك اختياري عرفة ودرك اضطراريها، وكذا بالإضافة إلى الخروج من المشعر بعد الوقوف فيه في اللّيل والنفر فيه قبل طلوع الفجر هو الترخيس بالنسبة إلى كليهما. فإن مقتضى قيام اضطراري عرفة مقام الاختياري والترخيص في النفر عن المشعر قبل طلوع الفجر بالنسبة إلى المعذورين، الصحّة مع رعاية كلا الامرين. إلاّ أن يناقش بعدم معلومية شمول دائرة الترخيص للمعذورين لمن لم يدرك اختياري عرفة بل أدرك اضطراريهما. فإن القدر المتيقن منها خصوص من أدرك الاختياري من عرفة. ولكن المناقشة مدفوعة بثبوت الإطلاق في أدلة الترخيص وعدم الإختصاص بمن ذكر حتى الصحيحة الحاكية لحجّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع المشتملة على قوله (عليه السلام) «وعجّل ضعفاء بنى هاشم بالليل» فإن العمل وإن كان لا اطلاق له، إلاّ انّه إذا كان الحاكي له هو الإمام (عليه السلام) وكان الغرض من حكايته بيان الحكم يستفاد من الإطلاق وعدم التقييد ثبوته بنحو الإطلاق. وعليه فلا مجال للمناقشة المزبورة بوجه.
وأمّا ترك اختياري المشعر بالنفر منه قبل طلوع الفجر عامداً، فقد عرفت انّ الحكم فيه هو البطلان. خلافاً للمشهور الذي حكموا فيه بالصحّة ـ على ما مرّ ـ ومما ذكرنا ظهر وجه الإحتياط في الحكم بالبطلان في صورة غير العمد أيضاً.

(الصفحة142)

7- في من أدرك الاضطراريين

السابع: درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر اليومي. فإن ترك أحد الإختياريين متعمّداً بطل، وإلاّ فلا يبعد الصحة، وإن كان الأحوط الحج من قابل، لو استطاع فيه. [1]


[1] الفتوى بالبطلان فيما إذا كان ترك أحد الإختياريين مستنداً إلى التعمد مع أنه قد احتاط بالبطلان في ترك اختياري المشعر كذلك، إنّما هو لأجل الفرق بين الموردين، لأنّ مورد الإحتياط المتقدم ما إذا كان المتعمد مدركاً للوقوف بالمشعر بالليل، غاية الأمر النفر منه إلى منى قبل طلوع الفجر كذلك ومورد الفتوى هنا ما إذا كان ترك الوقوف بالمشعر في مجموع الليل وفيما بين الطلوعين عامداً، فإنه في هذا الفرض لا محيص عن الحكم بالبطلان، سواء قلنا بأن الركن هو المسمى مما بين الطلوعين ـ كما اخترناه ـ أو قلنا بأن الركن هو المسمّى منه ومن الوقوف بالليل.
وأمّا إذا لم يكن ترك شيء من الإختياريين عمداً بل كان مستنداً إلى العذر، فقد ورد فيه نص خاص ظاهر في الصحّة والتمامية، وهي صحيحة الحسن العطّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه.(1)
ثم إنه لو قلنا في القسم الحادي عشر الآتي وهو ما إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري فقط بالصحة وعدم البطلان، فاللازم الحكم بالصحة في هذا القسم بطريق

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الرابع والعشرون، ح1.

(الصفحة143)



أولى. لأنّ المفروض فيه درك اضطراري عرفة أيضاً. وهذا بخلاف مالو قلنا هناك بالبطلان، فإنه لا يستلزم الحكم بالبطلان هنا بعد ورود رواية خاصة دالة على الصحة ـ كما مرّ ـ فاللازم البحث في ذلك القسم هنا، فنقول:
المشهور هو البطلان بل عن المنتى والمختلف والتنقيح انه موضع وفاق، لكن المحكّي عن ابن الجنيد والصدوق والسيّد والحلبيين وجماعة من المتأخرين كالشهيد الثاني وصاحب المدارك هو العدم. ومنشأ الخلاف وجود الروايات المختلفة في هذا المجال. وهي على طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى: ما تدل بظاهرها على انّ عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر يوجب البطلان. وهي كثيرة، مثل: ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة وهو قوله (عليه السلام) : وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات ـ يعني الاختياري والاضطراري منه ـ فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ الله تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل.(1) والظاهر ان المراد من قوله في الذيل «إن لم يدرك المشعر الحرام» هو عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس بقرينة الجملة السابقة والتفريع، فتدلّ على ان عدم درك الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس يوجب البطلان. والمفروض فيها صورة فوت الوقوف بعرفة مطلقاً.
وصحيحة حريز، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعاً، فقال له: إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر،

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح2.

(الصفحة144)



فليس له حجّ، ويجعلها عمرة، وعليه الحجّ من قابل.(1)
وغير ذلك من الروايات المتعددة الدالة على هذا المعنى.
الطائفة الثانية: ما تدل بظاهرها على أن إدراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر يكفي في إدراك الحج وعدم فوته. وهي أيضاً كثيرة، مثل:
صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، ومن أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة.(2)
وصحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك المشعر الحراموعليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس، فقد أدرك الحج.(3) وفي رواية الصدوق ترك قوله: وعليه خمسة من الناس.
وغير ذلك من الروايات الدالة على هذا الأمر.
الطائفة الثالثة: ما جعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين الأوّلتين، وهي روايتان:
إحديهما: صحيحة عبدالله بن المغيرة، قال: جائنا رجل بمنى، فقال: إنّي لم أدرك الناس بالموقفين جميعاً ـ إلى أن قال ـ فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر، فقد أدرك الحجّ.(4)

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح1.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح8.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح11.
(4) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح6 .

(الصفحة145)



ثانيتهما: موثقة الفضل بن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به إلى مكّة فحبسه، فلمّا كان يوم النّحر خلّى سبيله، كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف إلى منى، فيرمى ويذبح ويحلق ولا شيء عليه.(1) الحديث.
والوجه في كونها شاهدة للجمع، نصوصية هذه الطائفة في الصحة في مفروض المقام وظهور الأوليين في البطلان مطلقاً، من دون فرق بين صورة درك الوقوف بعرفة وصورة عدمه وفي الصحّة المطلقة كذلك. وعليه فالظاهر هي الصحة، ولازمها الحكم بها في المقام بنحو أولى.

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث، ح2.

(الصفحة146)

8- في درك اختياري عرفة خاصة

الثامن: درك اختياري عرفة، فإن ترك المشعر متعمّداً بطل حجّه، وإلاَّ فكذلك على الاحوط. [1]


[1] لا شبهة في البطلان فيما إذا ترك الوقوف بالمشعر بأنواعه الثلاثة متعمّداً ولا خلاف فيه أصلاً، وإنّما الإشكال فيما اذا كان الترك كذلك مستنداً إلى العذر كما إذا ضلّ في الطريق بعد الإفاضة من عرفات بحيث لم يتيسر له شي من الوقوفين الاضطراريين للمشعر ولا الوقوف الاختياري، فهل الحكم فيه صحة الحج أو بطلانه؟
قال في المسالك: «لو فرض عدم ادراك المشعر اصلاً صحّ أيضاً فإن إختياري أحدهما كاف» وقال في موضع آخر: «لا خلاف في الاجزاء بأحد الموقفين الإختياريين».
وأورد عليه سبطه صاحب المدارك بانتفاء ما يدل على الإجزاء بإدراك إختياري عرفة خاصة قال: مع انّ الخلاف في المسألة متحقق فإن العلامة في المنتهى صرّح بعدم الإجتزاء بذلك وهذه عبارته: «ولو ادرك أحد الموقفين اختياراً وفاته الآخر مطلقاً فإن كان الفائت هو عرفات فقد صحّ حجّة لادراك المشعر وان كان هو المشعر ففيه تردد، أقربه الفوات».
وقال في التحرير: «ولو أدرك الإختياريين وفات الآخر ـ إختياراً و إضطراراً ـ فإن كان الغائت هو عرفة صح الحج، و إن كان هو المشعر ففي إدراك الحج إشكال، ونحوه في التذكرة قال. فعلم من ذلك ان الإجتزاء بإدراك إختياري عرفة ليس

(الصفحة147)



إجماعيّاً ـ كما ذكره الشارح، يعني صاحب المسالك ـ وأن المتجه فيه عدم الإجتزاء لعدم الإتيان بالمأمور به على وجه وانتقاء ما يدل على الصحة مع هذا الإخلال.
وأجاب عن الإيراد صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: « قلت قد نفى عنه الخلاف في التنقيح أيضاً وعن جماعة نسبته إلى الشهرة، منهم المحدث المجلسي والسيّد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب وشارح المفاتيح، بل عن الأخير عن بعضهم الإجماع عليه وفي الذخيرة والمختلف أنه المعروف بين الأصحاب، بل في الرياض أنه غراه في الذخيرة إليهم مشعراً بعدم خلاف فيه ـ كما هو ظاهر المختلف والدروس أيضاً ـ بل تسمع تصريح المصنف والفاضل في القواعد وغيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر ان كان قد وقف بعرفة كالمحكيّ عن السرائر والجامع والإرشاد والتبصرة والدروس واللمعة وغيرها. بل هو صريح الفاضل في التحرير والمنتهى أيضاً فيكون رجوعاً عن الأوّل، وبه يتمّ نفي الخلاف حينئذ ».
أقول: المهمّ في المقام ملاحظة الادلة فيما يدل منها على البطلان مضافاً إلى ما ذكره صاحب المدارك من عدم الإتيان بالمأمور به على وجه ما يدل على أن فوت المزدلفة موجب لفوات الحج، من بعض الروايات الصحيحة، مثل صحيحة عبيدالله وعمران ابني عليّ الحلبيين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج.(1) فإنّ المراد بالفوت أو القدر المتيقن صورة كون الفوت عن عذر لا بمعنى كون الفوت عن عمد غير موجب لفوات الحج، بل بمعنى كون محطّ النظر في الرواية صورة غير العمد التي ربما يتخيل فيها الصحة وعدم فوات الحجّ، كما ان القدر المتيقن من صورة فوت

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس والعشرون. ح1 .

(الصفحة148)



المزدلفة فوتها بجميع أنواعها الثلاثة. وعليه فمقتضى إطلاق الصحيحة ان فوت المزدلفة موجب لفوت الحج وإن أدرك اختياري عرفة. وكذا يدل على البطلان الروايات الدالة على ان ادراك المشعر إمّا قبل طلوع الشمس وإمّا إلى زوال الشمس موجب لإدراك الحج. وقد تقدم نقل جملة منها. فإن المستفاد منها ان عدم ادراكه كذلك يوجب عدم ادراك الحج من دون فرق بين صورة درك اختياري عرفة وصورة عدمه. ولا مجال لما في الجواهر من وجوب تخصيص ذلك كلّه، بغير الجاهل الذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي والمضطرّ بعدم القول بالفصل.
نعم لا وجه للاستناد على البطلان بما ورد في بعض الروايات من أن الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة سنّة.(1) بعد كون المراد من السنّة فيه ما ثبت وجوبه بغير الكتاب لا المستحبّ.
كما أنه لا مجال للاستدلال على الصحة بالنبوي العامي: الحج عرفة بعد عدم إعتباره وكذا بما ورد في بعض ما روى من طرقنا من أن الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار بعد دلالة الروايات الكثيرة الصحيحة على أن الحج الأكبر يوم الأضحى. وفي بعضها التصريح بعدم كونه عرفة. والعمدة في الدليل على الصحة بعض الروايات الخاصة، مثل:
مرسل محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) فى من جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته:

(1) وسائل: أبواب احرام الحج. الباب التاسع عشر. ح11.

(الصفحة149)



فقال: لا بأس به.(1)
وصحيح محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى. قال: ألم ير الناس ألم ينكر (يذكرخ ل) منى حين دخلها؟ قلت: فإنه جهل ذلك. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته. قال: لا باس به.(2)
هذا و الظاهر اتحاد الروايتين مع كون الراوي هو محمد بن يحيى الخثعمي و كون الراوي عنه هو محمد بن أبي عمير، لأنه من البعيد جدّاً رواية ابن يحيى تارة بنحو الارسال و أخرى بدون الواسطة. فالرواية واحدة مرددة بين الإرسال و غيره و لاتكون معتبرة مع هذه الكيفية. نعم لامجال للمناقشة في دلالتها بعد ظهورها في درك وقوف اختياري عرفة و فوت وقوف المشعر مطلقاً. و مجرد العبور منه لايكفي بعد كون الوقوف عبادة تحتاج إلى النية و سائر الأمور المعتبرة.
ورواية محمد بن حكيم التي رواها عنه الشيخ والصدوق بطريق صحيح والكليني في أحد النقلين كذلك وبسند ضعيف فيه سهل بن زياد في النقل الآخر. قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أصلحك الله، الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعاً، قال: أليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قلت: فإن لم يصلوا. فقال: فذكروا الله فيها، فان كانوا ذكروا الله فيها فقد اجزاهم.(3) هذا ولكن محمد بن حكيم لم يوثق وغاية ما ورد فيه انه كان مأموراً من قبل أبي الحسن (عليه السلام) بالجلوس في مسجد المدينة

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس والعشرون. ح3.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس والعشرون. ح 5 .
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس والعشرون، ح 6 .

(الصفحة150)



والمناظرة مع الناس في المسائل الكلامية ولا مجال لدعوى الإنجبار باستناد المشهور إلى هذه الرواية بعد كون المستفاد منها اعتبار أمرين في الصحة في المورد المفروض. أحدهما: العبور من المشعر بعد الافاضة من عرفات وثانيهما: الصلاة في المشعر أو ذكر الله فيه ولا يوجد شيء من القيدين في كلام المشهور. بل ـ كما قال صاحب الجواهر (قدس سره) ـ لم يجده قولاً لأحد من الأصحاب حتى المتأخرين ومتأخريهم إلاّ صاحب الذخيرة حيث اعتبر في الصحة في الفرض ذلك.
مع أنه يستفاد من الرواية ان المراد من ذكر الله المأمور به في قوله تعالى: (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) هو معناه الظاهر الشامل للصلاة ومطلق الذكر مع ان الظاهر ان المراد به هو الوقوف الذي هو امر عبادي متقوم بالقصد المتوقف على تشخيص المشعر وعليه فلا مجال للأخذ بالرّواية.
ودعوى ان استناد المشهور إلى رواية ابن يحيى جابر لضعفها الناشيء عن التردّد بين الارسال وغيره مدفوعة بأن استناد المشهور إليها إن كان مرجعه إلى ترجيحها على الروايات الدالة على ان فوت المزدلفة موجب لفوت الحج، بمعنى الإعراض عنها فملاحظة كلماتهم تقتضي بخلافه، وانهم لم يعرضوا عنها بوجه وإن كان مرجعه إلى الجمع الدلالي; فقد عرفت عدم إمكانه. فاللازم أن يقال: بعدم تمامية دليل القول بالصحة، وانّ الأحوط لو لم يكن أقوى هو البطلان ـ كما في المتن ـ .

(الصفحة151)

9- في درك اضطراري عرفة خاصة

التاسع: درك اضطراري عرفة فقط. فالحج باطل. [1]
10- في درك اختياري المشعر خاصة

العاشر: درك اختياري المشعر فقط. فصّح حجّه إن لم يترك اختياري عرفة متعمّداً، وإلاّ بطل. [2]


[1] في الدروس أنه غير مجز قولاً واحداً وعن الذخيرة لا أعرف فيه خلافاً، وعن جماعة الإجماع عليه وما يشعر به عبارة المفاتيح من النسبة إلى الشهرة مشعرة بوجود خلاف فيه في غير محله. والوجه في البطلان على تقدير القول بالبطلان في درك اختياري عرفة خاصة ـ كما رجّحناه ـ واضح. وعلى تقدير القول بالصحة هناك ـ كما اختاره المشهور ـ فالوجه في البطلان هنا عدم شمول شيء من ادّلة الصحة للمقام من دون فرق بين النبوّي الحج عرفة أو الحج الأكبر الموقف بعرفة لظهورهما في الوقوف الإختياري، وبين الروايات الخاصة المتقدمة الظاهرة في الإختياري.
[2] نفى الإشكال في الصحة هنا صاحب الجواهر وفي محكي الدروس إنه خرج الفاضل وجهاً بإجزاء إختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة، والدليل على الصحة في هذا القسم مضافاً إلى أنه لا خلاف فيه، دلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن إدرك المشعر قبل طلوع الشمس إدراك للحجّ أو أن إدراكه قبل زوال الشمس موجب لإدراكه ولا يعارضها في هذه الجهة شيء. وفي رواية محمد بن فضيل المتقدمة في الجواب عن سؤال الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج. قال (عليه السلام) : إذا أتى جمعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد ادرك الحج ولا

(الصفحة152)

11 و 12- في درك اضطراري المشعر فقط

الحادي عشر: درك اضطراري المشعر النهاري فقط. فبطل حجّه. [1]
الثاني عشر: درك اضطراريه الليلي فقط، فإن كان من أولى الأعذار ولم يترك وقوف عرفة متعمّداً صحّ على الأقوى، وإلاَّ بطل. [2]


عمرة له. الحديث.(1) ومن الظاهر خصوصاً بملاحظة السؤال عدم تقييده بما إذا ادرك الوقوف بعرفة، فمقتضاه إن إدراك الإختياري من المشعر يكفي لإدراك الحج. فلا شبهة في هذا القسم.
[1] قد مرّ البحث عن هذا القسم في شرح البحث عن القسم السابع وتقدم انّ الظاهر فيه الصحة، خلافاً لما في المتن الموافق للمشهور. فراجع.
[2] الصحّة فيما إذا كان من أولى الأعذار ولم يترك وقوف عرفة متعمداً، فلأجل أنّه لا يكون ترك الوقوف بعرفة مستنداً إلى التعمد حتى يستلزم البطلان. والمفروض من أولى الأعذار الذين رخص لهم النفر قبل طلوع الفجر من المشعر، وعليه فمنشأ البطلان لا بد وأن يكون إمّا عدم الترخيص والفرض خلافه لأنه من أولى الأعذار ولا مجال لاحتمال كون الترخيص مختصّاً بمن ادرك الوقوف بعرفة فانه خلاف اطلاق ادلة الترخيص مع ورودها في مقام البيان وعدم اشعار في شيء منها بصورة ادراك عرفة. وإمّا عدم كون الترخيص مستلزماً للصحة. ومن الظاهر ثبوت الإستلزام، فإنه لا يكون الترخيص الخالي عن الحكم بالصحة ممّا له وجه. فلا بد من الإلتزام باستلزام الترخيص للحكم بالصّحة، فلا شبهة فيه مع وجود هذين القيدين.

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح 3 .

(الصفحة153)



وإمّا مع عدم واحد منهما، فإن كان قد ترك وقوف عرفة متعمّداً، فلا شبهة في بطلان الحج بمقتضى ما مرّ من ركنيّته كركنيّة الوقوف بالمشعر. والمفروض كون الإخلال به ناشياً عن التعمّد. ففي هذه الصورة لا مجال للإشكال في البطلان.
وأمّا إذا كان ترك وقوف عرفة عن غير تعمد واختيار ولم يكن من الطوائف المعذورين الذين رخصّ لهم النّفر من المشعر قبل طلوع الفجر، كما إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر جاهلاً. فالمحكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) الصّحة. ولكنه تردد فيها صاحب المدارك. والوجه في الصحة أحد أمرين:
الأوّل: الأولويّة بالاضافة إلى الإضطرار اليومي للمشعر بناءاً على كون إدراكه فقط موجباً لإدراك الحج وصحته. وجه الاولوية انّ الاضطراري الليلي فيه شائبة الاختيار ولذا يجوز للمرأة اختياراً ومن دون عذر. فإذا كان الاضطراري اليومي كافياً في الصحة فالاضطراري الليلي بطريق أولى. فإذا افاض قبل طلوع الفجر جاهلاً، يكفي ذلك في صحة الحج.
ويرد على هذا الامر مضافاً إلى عدم كون الصحة هناك مسلّمة وإن اخترناها فيه منع الأولوية بعد عدم وضوح الملاكات لنا بوجه، خصوصاً بعد ثبوت الإختلاف في الموارد المشابهة، فإنك قد عرفت أن اختياري كلا الوقوفين ركن، مع أن الاكتفاء بإدراك الوقوف الإختياري للمشعر كاف في صحة الحج بلا كلام. والاكتفاء بإدراك الوقوف الإختياري بعرفة محل خلاف. وإن اختار المشهور ذلك. ومثل ذلك يرشدنا إلى عدم وضوح الملاكات حتى يكون هنا مقايسة أو أولوية، فتدبر.
الثاني: رواية مسمع عن أبي ابراهيم ( عبدالله خ ل ) في رجل وقف مع الناس

(الصفحة154)



بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: أن كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة.(1)
ولا مجال للتشكيك في سند الرواية ـ كما يظهر من الجواهر ـ فإنه صحيح بنفسه أولاً وعلى تقدير وجود الخلل فيه يكون استناد المشهور إلى الرواية خصوصاً في حكم لم يقع التعرض له في غير هذه الرواية، وهي صحة الحج لو أفاض قبل الفجر عامداً عالماً يكفي في الإنجبار. ونحن وان منعنا ما استفاده المشهور من دلالة الرواية وقلنا: بأن مورد كلتا الشرطيتين هو الجاهل. والإختلاف إنّما هو في الإفاضة قبل طلوع الشمس والإفاضة قبل طلوع الفجر. إلاَّ انّ جبر الضعف على تقديره بالإستناد لا يكاد يصلح للمنع، فالرواية من جهة الحجيّة والإعتبار لا مناقشة فيها.
وأمّا من جهة الدلالة، فان قلنا بثبوت الإطلاق في موردها وانّ المراد منه هو الرجل الذي أدرك الوقوف بالمشعر، ولكنه أفاض قبل إفاضة الناس أعم ممّا إذا كانت الإفاضة قبل طلوع الشمس. وما إذا كانت قبل طلوع الفجر من دون مدخليّة قيد درك الوقوف بعرفة، فاللازم الحكم بالصحة في مفروض المقام لدلالة الرواية على كفاية درك الوقوف الإضطراري الليلي، وان لم يدرك الوقوف بعرفة. والفرض كون الرجل جاهلاً وهو لا يكون من الطوائف المتقدمة.
وإن لم نقل بثبوت الإطلاق في موردها، فلا دلالة لها على الصحة في المقام. بل القدر المتيقن صورة درك وقوف عرفة أيضاً. والظاهر من الرواية هو الثاني لما عرفت سابقاً من ثبوت الفرق بين الحكم بالصحة وبين الحكم بالبطلان في الأعمال

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السّادس عشر، ح 1 .

(الصفحة155)

القول في واجبات منى
1- رمي جمرة العقبة

وهي ثلاثة: الأوّل رمى جمرة العقبة بالحصى، والمعتبر صدق عنوانها، فلا يصحّ بالرّمل ولا بالحجارة ولا بالخزف ونحوها. ويشترط فيها ان تكون من الحرم فلا تجزى من خارجه، وأن تكون بكراً لم يرم بها ولو في السنين السّابقة، وأن تكون مباحة فلا يجوز المغصوب، ولا بما حازها غيره بغير إذنه، ويستحبّ أن تكون من المشعر. [1]


المركبة المشتملة على الاجزاء والشرائط، من جهة أنّ البطلان حكم مطلق لا يكون اضافيّاً وحيثيّاً. والصحة تكون خلافه، وعليه فمراد الرواية أن الوقوف الكذائي المفروض فيها يكفي من ناحية الوقوف بالمشعر، ويتصف الحج بالصحة من هذه الحيثية. ولا ينافي أن يكون الحج باطلاً لجهة أخرى مؤثرة فيه كترك الوقوف بعرفة في المقام. وعليه فغاية مفاد الرواية الصحة. بالاضافة إلى موردها ولااطلاق لها يشمل كلتا الصورتين فلا يستفاد منها الصحة في المقام.
ومن جميع ما ذكرنا ظهر أن الحكم بالبطلان في هذه الصورة لو لم يكن أقوى ـ كما في المتن فلا أقل من أن يكون أحوط لعدم ثبوت الترخيص، وعدم وجود دليل على الصحة. فتدبر. هذا تمام الكلام في الوقوفين.
[1] قال في الجواهر في وجه تسمية منى: « سمّيت بذلك لما يمنى بها من الدعاء ولما عن ابن عباس أن جبرئيل (عليه السلام) لما أراد أن يفارق آدم (عليه السلام) قال له: تمنّ، قال: اتمنّى الجنّة. فسمّيت بذلك، لامنيّة آدم. وفي خبر ابن سنان المروي عن العلل عن الرّضا (عليه السلام) لما سأل عن ذلك قال: لأن جبرئيل (عليه السلام) قال هناك لإبراهيم (عليه السلام) تمنّ على

(الصفحة156)



ربكّ ما شئت، فتمنى أن يجعل الله مكان ولده اسماعيل كبشاً يأمره بذبحه فداء له، فأعطاه الله مناه».
وكيف كان فأوّل واجبات منى ومناسكها يوم النحر رمي جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى أو العظمى أو القصوى على الإختلاف في تعابير الروايات الناشئ عن الخصوصيات المتعددة الموجودة فيها.
ولا شبهة في وجوبه، وعن المنتهى والتذكرة لا نعلم فيه خلافاً. ومنشأ توهّم وجود الخلاف في الوجوب أحد أمرين:
الأوّل: تعبير الشيخ الطوسي (قدس سره) في محكي كتاب الجمل بأن الرّمي مسنون فربما يتخيل أن مراده من قوله: «مسنون» أنه مستحبّ لا واجب. ولذا ذكر ابن حمزة في محكي الوسيلة أن الرمّي واجب عند أبي يعلى ـ صاحب المراسم ـ مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر (قدس سره) .
ولكنّه أبطل هذا التخيل صاحب السّرائر بقوله: « لا خلاف فيه ـ أي في الوجوب ـ بين أصحابنا ولا أظنّ أحداً من المسلمين يخالف فيه وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنه مسنون غير واجب لما يجده من كلام بعض المصنفين وعبارة موهمة أوردها في كتابه ويقلّد المسطور بغير فكر ولا نظر. وهذا غاية الخطأ وضدّ الصواب. فإن شيخنا قال في الجمل: «والرمي مسنون»، فظنّ من يقف على هذه العبارة انّه مندوب وإنّما أراد الشيخ بقوله: «مسنون» أن فرضه علم من السنّة لأن القرآن لا يدل على ذلك». ويؤيده بل يدل عليه ما مرّ من بعض الروايات الدالة على أن المشعر فريضة، وعرفة سنة، مع وضوح وجوب الوقوف بعرفات كوجوب

(الصفحة157)



الوقوف بالمشعر. والإختلاف بينهما فيما ذكر.
ثانيهما: أن المفيد (قدس سره) في المقنعة والشيخ في المبسوط قد اهملا ذكر الرّمي في تعداد فرائض الحج. فربما يتوهم منه عدم الوجوب. ولكن يدفعه تصريحهما بلزوم إتيان الجمرة التي عند العقبة. أو بأن مناسك منى يوم النحر ثلاثة، أوّلها: رمي الجمرة الكبرى. فيدل ذلك على أن المراد بالفرائض ما يستفاد وجوبها من القرآن. وإن كان يبعده عدم دلالة الكتاب على بعض الفرائض، فتدبر. وكيف كان فيدل على وجوب الرّمي روايات كثيرة، مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها وتقول والحصى في يدك. الحديث.(1)
ورواية عليّ بن أبي حمزة عن أحدهما (عليه السلام) قال: أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام بليل فلا بأس، فليرم الجمرة، ثم ليمض، وليأمر من يذبح عنه وتقصر المرأة ويحلق الرّجل، الحديث.(2)
وصحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك، معنا نساء فافيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قلت: نعم، قال: افض بهنّ بليل، ولا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، الحديث.(3)

(1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث ح1.
(2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الأوّل، ح2.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح2.

(الصفحة158)



والروايات الكثيرة الآتية ـ ان شاء الله ـ الدالة على أنه يرمي عن المريض والمغمى عليه والكسير والمبطون الظاهرة في وجوب الاستنابة ولازمها وجوب الرمي، وكذا الروايات الحاكية لحجة الوداع الصادرة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغيرها، فلا شبهة في اصل الحكم. ثم إنه يعتبر فيما يرمي به أمور:
الأوّل: أن يصدق عليه عنوان الحصى. وفرّع عليه في المتن عدم صحة الرّمي بالرمل ولا بالحجارة ولا بالخزف ونحوها ولكنّه ذكر المحقق في الشرايع: «أنه يشترط فيهأن يكون مما يسمّى حجراً». وقال الشهيد الثاني في شرحه: « احترز باشتراط تسميتها حجراً عن نحو الجواهر والكحل والزرنيخ والعقيق فإنّها لا تجزي خلافاً للخلاف. ويدخل فيه الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفاً. وممّن اختار جواز الرّمي به الشهيد في الدّروس. ويشكل بأنّ الأوامر الواردة انّما دلّت على الحصاة، ولعلّ المصنف أراد بيان جنس الحصى، لا الإجتزاء بمطلق الجنس، ومثله القول في الصغيرة جدّاً، بحيث لا يقع عليها اسم الحصاة. فإنّها لا تجزي أيضاً وأن كانت من جنس الحجر».
وقال سبطه في المدارك: «الأجود تعين الرّمي بما يسمّى حصاة، فلا يجزي الرّمي بالحجر الكبير الذي لا يسمّى حصاة. خلافاً للدّروس وكذا الصغير جدّاً بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة ».
ويدل على اعتبار عنوان الحصى الذي يعتبر فيه أمران: كونه من جنس الحجر وكونه غير كبير ولا صغير جدّاً الروايات التي يأتي التعرض لجملة منها ان شاء الله.
الثاني: أن يكون من الحرم لا من خارجه ـ كما هو المشهور ـ بل كما في الجواهر:

(الصفحة159)



لا أجد فيه خلافاً محقّقاً إلاَّ ما سمعته من الخلاف، ومراده منه تجويزه الرمي بمثل البرام والجواهر مع بُعد حرمتيهما. ويدل على اعتبار هذا الأمر أيضاً بعض النصوص الآتية وفي بعضها استثناء المسجدين: المسجد الحرام ومسجد الخيف. كما عن الأكثر وعن القواعد. والجامع استثناء جميع المساجد.
الثالث: أن يكون بكراً لم يرم به الجمار رمياً صحيحاً، ولو في الأزمنة السابقة والسنين الماضية. وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر بل حكى عن الخلاف والغنية والجواهر الإجماع عليه، ويدل عليه بعض الروايات الآتية:
وامّا النصوص، فمنها:
صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: حصى الجمال إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال وقال: لا ترم الجمار إلاَّ بالحصى.(1)فإن ذيلها ظاهر بل صريح في عدم جواز رمي الجمار إلاَّ بالحصى. وقد عرفت اعتبار امرين في صدق عنوانه. وصدرها دالّ أيضاً على اعتبار أن يكون من الحرم. وأنه لا يجزي الحصى المأخوذ من غير الحرم بوجه. والتعبير بالجمار بصيغة الجمع شامل للجمرة العقبة ومقتضى الإطلاق أنه لا فرق بين ما إذا انفردت بالرمي ـ كما في يوم النحر ـ وبين ما إذا كانت مع الجمرتين الآخرتين ـ كما في اليومين أو الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ـ وعليه فلا إشكال في دلالة الرواية في المقام.
ومنها: رواية حنّان التي رواها الكليني والصدوق مع اختلاف يسير في المتن. ولأجله جعلها في الوسائل روايتين. والظاهر اتحادهما. فقد روى عن أبي

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 1 .

(الصفحة160)



عبدالله (عليه السلام) أنه قال: يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلاَّ من المسجد الحرام، ومسجد الخيف.(1) والظاهر أنه لا يجوز التعدي من المسجدين إلى جميع ما في الحرم من المساجد، وإن كان ربما يستدل عليه بأنّ إخراج الحصى من المسجد منهي عنه، وهو يقتضي الفساد.
ولكنه يمنع أوّلاً بأن من أحكام المساجد كراهة الإخراج لا الحرمة، وثانياً أن حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمّي إلاَّ بناء على مسألة الضد إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له.
ومنها: مرسلة حريز عمن اخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: لاتأخذ من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار، ولابأس بأخذه من سائر الحرم.(2) وهي تدل على أن أخذ حصى الجمار من حصى الجمار ومعناه الأخذ من الحصى الذي لا يكون بكراً، بل مستعملاً قبلاً في الرمي غير جايز، وإرسالها منجبر باستناد المشهور إليها.
ثم أن الظاهر استحباب التقاط الحصى من المشعر، لدلالة روايات متعددة عليه وفي بعضها استحباب أخذها من منى بعد المشعر، ولم يوجد من نص عليه.
الرابع: أن تكون الحصيات مباحة، فلا يجوز الرمي بما لا يجوز التصرف فيه، لعدم إذن صاحبه. والوجه فيه أنه حيث يكون الرمّي عبادة ويعتبر فيها قصد القربة. فلا يجتمع ذلك مع المبغوضية المتحققة في الحرام، وهو التصرف في مال الغير، إلاَّ بناءً

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح2.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح3.

<<التالي الفهرس السابق>>