في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة301)



لاختلاف هذا التعبير في الروايات وفي الفتاوي. فالإنصاف عدم دلالة الصحيحة على تعيّن الحلق على الصرورة.
ومنها: رواية سويد القلاء عن أبي سعيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد ورجل حج بدواً لم يحج قبلها ورجل عقص رأسه(1).
والرواية وان كانت ظاهرة الدلالة، إلاّ في سندها ـ على ما في التهذيب ـ أبو سعد، وهو مجهول. و ـ على ما في الوسائل ومحكي الوافي ـ أبو سعيد، وهو مردد بين قمّاط الثقة والمكاري الذي لم تثبت وثاقته. فلا يجوز الأخذ بها.
ومنها: رواية مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل برأسه قروح، فلا يقدر على الحلق، قال: إن كان قد حج قبلها فلينتجر شعره، وإن كان لم يحج فلابد له من الحلق. الحديث(2).
والرواية وإن كانت معتبرة ـ كما يظهر من التعبير عن رواية مصدق بالموثقة على ما في كلام الشيخ الأنصاري (قدس سره) ـ إلاّ أنه لا يمكن الالتزام بمفادها ومدلولها، لأنها تدل على وجوب الحلق. بالإضافة إلى بعض من لا يقدر عليه المفروض في سؤال السائل. مع أن قاعدة نفي الحرج تنفي الوجوب في صورة الحرج والشدة والمشقة. مع أن الحلق بالإضافة إلى من كان برأسه قروح مستلزم للإدماء الذي هو من محرمات الإحرام. فلا يمكن الالتزام بالرواية أصلا.
ومنها: رواية علي عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: على الصرورة أن يحلق

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح2.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح4.

(الصفحة302)



رأسه ولا يقصر، إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام(1).
والرواية فيها الإشكال من ناحية السند ومن جهة الدلالة معاً.
أما من جهة السند، فالراوي عن أبي بصير هو علي، وهو إن كان علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف ـ كما هو الظاهر ـ فلا يجوز الأخذ بروايته، وإن كان غيره الثقة فهو لم يثبت.
وأما من جهة الدلالة، فتدل أو تشعر بأن الصرورة هو خصوص من لم يحج حجة الإسلام، مع أن المراد به هو من لم يحج أصلا.
ومنها: رواية بكر بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس للصرورة أن يقصر وعليه أن يحلّق(2).
وهي ضعيفة ببكر بن خالد، فلا يجوز الالتزام بها.
ومنها: رواية سليمان بن مهران (في حديث) أنه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : كيف صار الحلق على الصرورة واجباً دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسماً بسمة الآمنين. ألا تسمع قول الله عزوجل: (... لَتَدخُلَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إنْ شاءَ اللهُ آمِنيِنَ مُحَلِّقيِنَ رُؤُوسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لاتَخافُونَ...(3)) .(4)
والرواية مضافاً إلى اشتمالها على المجاهيل في السند غير ظاهرة الدلالة بعد وقوع التقصير في الآية أيضاً، وإن كان أمراً غير ظاهر بخلاف الحلق ـ كما لا يخفى ـ فانقدح

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح5.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح10.
(3) سورة الفتح (48): 27 .
(4) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح14.

(الصفحة303)



أن الظاهر في هذه الطائفة هو الحكم بالتخيير الذي أفتى به المشهور، وإن كان الحلق أفضل، بل يكون استحبابه متأكداً ـ كما عرفت في عبارة الشرائع المتقدمة ـ .
وأما الطائفة الثالثة والرابعة: فهما الذكر الملبد والعاقص. والدليل على حكمهما أيضاً روايات. وإن كان المشهور قائلين بالتخيير فيهما أيضاً.
منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، بل في الطريق الآخر جعلها به في الوسائل الرواية الثامنة، وإن كان الظاهر اتحادها مع الرواية الاُولى المذكورة في الباب. لكنها معها روايتان متعددتان على ما في الوسائل. وتبعه عليه بعض الكتب الفقهية، ومتنها هكذا: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته، فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير. وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج، وليس في المتعة إلاّ التقصير»(1).
ومنها: صحيحة هشام بن سالم، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة، فقد وجب عليه الحلق(2).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على تعين الحلق فيهما أو في أحدهما، ولعله (قدس سره) لأجلها احتاط الماتن وجوباً بالحلق. ويمكن أن يقال: بأنه مع صحة أكثر الروايات الدالة على التعين، كيف ذهب المشهور إلى الخلاف وعدم التعين؟ وهل يعد ذلك إعراضاً عن الرواية، قادحاً في اعتبارها، وإن كانت من الصحة بمكان أو أن الفتوى على الخلاف لأجل الفهم ودركه وإن كان هذا بعيداً، فتدبر.

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح8.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح2.

(الصفحة304)



وأما الطائفة الخامسة: فهو الخنثى المشكل الذي لا تعلم ذكورته واُنوثته إثباتاً، وإن كان بحسب الواقع أحدهما ثبوتاً. بناءً على عدم كونه طبيعة ثالثة. وقد ذكر في المتن أنه إن لم يكن من أحد الطوائف الثلاثة الأخيرة، فاللازم عليه الاحتياط بالتقصير، لأن في دوران الأمر بين التعيين والتخيير يكون مقتضى الاحتياط، الأخذ بالمعين الذي هو في المقام عبارة عن التقصير، لأن الخنثى غير الصرورة ـ مثلا ـ إما أن يكون التقصير متعيناً عليه، بناءً على كونه اُنثى. وإما أن يكون مخيراً بينه وبين الحلق، بناءً على كونه ذكوراً. والمفروض أنه غير الطوائف الثلاث. فاللازم احتياطاً هو الأخذ بالمعين وهو التقصير.
وعلى تقدير كونه من الطوائف الثلاث يكون مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين التقصير وبين الحلق إحتياطاً ـ كما في سائر الموارد ـ .
وله علم آخر في هذه الصورة، وهو العلم بأنه إما أن يكون فعل الحلق عليه حراماً أو تركه، وإما أن يكون فعل التقصير عليه حراماً أو تركه. ففي كل من الأمرين يدور الأمر بين المحذورين. وإن كان الأمران بأجمعهما لا يدور الأمر فيهما بينهما لجواز وإمكان ترك الأمرين معاً.
وحيث إن الحكم في مورد الدوران هي إصالة التخيير، فإذا اختار الحلق فالتقصير في الوهلة الثانية إما أن يكون محلا بناءً على كونه أنثى، وإما أن يكون في حال الإحلال.
وإذا اختار الحلق في الوهلة الثانية، فإما أن يكون التقصير في المرتبة الاُولى إزالة الشعر في حال الإحرام، وهي إما أن يكون محرماً في حال الإحرام أو مع الكفارة

(الصفحة305)

في ما يكفي في التقصير

مسألة 28 ـ يكفي في التقصير قص شيء من الشعر أو الظفر بكل آلة شاء. والأولى قص مقدار من الشعر والظفر أيضاً، والأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه. ويجوز فيهما المباشرة والإيكال إلى الغير. وتجب فيهما النية بشرائطها ينوي بنفسه، والأولى نية الغير أيضاً مع الإيكال إليه . [1]


أيضاً، وإما أن يكون محلا، فلا وجه لحرمة الحلق بعده.
[1] في هذه المسألة فروع وأحكام:
الأول: أن الواجب في باب التقصير هو صدق عنوانه، والظاهر تحققه بما دون القبضة بل ما دون الأنملة، ولا يتوقف على صدق القبضة ـ كما ربما يحكى عن أبي علي ـ ولا على صدق الأنملة ـ كما لعله ربما يستظهر من عبارة الشرائع حيث قال: ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة كما في محكي القواعد والنافع والتهذيب وبعض الكتب الاُخر أيضاً ـ ولكن الظاهر ـ كما قلنا ـ كفاية المسمى وصدقه بما دونهما وعدم توقفه على شيء منهما.
الثاني: أن الظاهر كفاية القص من الشعر أو الظفر، ولكن الجمع بينهما هو الأولى لظهور بعض الروايات في وجوب الجمع. لكن حيث إن الضرورة والإجماع قائمان على عدم وجوب الجمع، فالظاهر هو الاستحباب ـ كما في صحيحة سعيد الأعرج ـ .
الثالث: أنه تجوز فيهما المباشرة، ويجوز الإيكال إلى الغير، لعدم قدرة غالب

(الصفحة306)



الناس على الحلق مباشرة بخلاف التقصير. فالتخيير بين الأمرين مع ذلك ظاهر في عدم وجوب المباشرة، وجواز الإيكال إلى الغير.
وحيث إنهما من العبادات، والعبادة مفتقرة إلى النية فاللازم وجوب النية، بالمباشرة، والأولى نية الغير أيضاً مع الإيكال إليه. لكن الكلام في الذابح من جهة الإمكان يجزي في هذه الصورة أيضاً في بعض الفروض.
الرابع: أن الأحوط وجوباً لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه ولا يقتصر على البعض بأن يحلق بعض الرأس فقط. وإن كان الحلق يصدق عليه أيضاً ـ كما في جانب التقصير ـ إلاّ أن ظاهر الأدلة في الحلق هو الجميع ـ كما في الآية ـ وقام الدليل على الإجزاء بالبعض في التقصير، مضافاً إلى استمرار السيرة ووجود إصالة الاشتغال، فالأحوط هو حلق الجميع، مع أنه لا يمكن في ناحية التقصير غالباً، وهو خلاف السيرة أيضاً.

(الصفحة307)

في إمرار الموسى على الرأس مع عدم الشعر

مسألة 29 ـ لو تعين عليه الحلق ولم يكن على رأسه شعر، يكفي إمرار الموسى على رأسه، ويجزي عن الحلق. ولو تخير من لا شعر له بينه وبين التقصير، يتعين عليه التقصير ولو لم يكن له شعر حتى في الحاجب والظفر، يكفي إمرار الموسى على رأسه . [1]


[1] في هذه المسألة أيضاً فروع:
الفرع الأول: ما لو تعين عليه الحلق، ولم يكن على رأسه شعر، فمقتضى النص والفتوى ثبوت البدل المجزي له عن الحلق، وهو إمرار الموسى على الرأس.
ففي رواية زرارة: إنّ رجلا من أهل خراسان قدم حاجاً، وكان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبي، فاستفتى له أبا عبدالله (عليه السلام) فأمر له أن يلبي عنه وأمر الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزي عنه(1). والرواية ضعيفة السند.
وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن رجل حلّق قبل أن يذبح، قال: يذبح ويعيد الموسى، لأن الله تعالى يقول: (... وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ...(2)) (3).
ورواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمّر الموسى على رأسه حين يريد أن

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الحادي عشر، ح3.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الحادي عشر، ح2.
(3) سورة البقرة (2): 196 .

(الصفحة308)

في الإشكال في الاكتفاء بقصر العانة والإبط

مسألة 30 ـ الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط مشكل. وحلق اللحية لا يجزي عن التقصير ولا الحلق . [1]


يحلّق(1).
الفرع الثاني: ما لو تخير من لا شعر له بينه وبين التقصير. والظاهر فيه تعين التقصير، لعدم ثبوت البدلية المطلقة لإمرار الموسى. والضابطة الكلية أنه إذا تعذر أحد فردي الواجب التخييري يتعين الفرد الآخر المفروض في المقام مكانه، وهو التقصير.
الفرع الثالث: ما لو يكن له شعر حتى في الحاجب ولم يكن له ظفر. وفي هذا الفرع أيضاً يكفي الإمرار لعدم ثبوت القدرة لا على الحلق ولا على التقصير، فيتعين الرجوع إلى البدل المستفاد من الأدلة. فالظاهر هي كفاية الإمرار في هذا الفرع أيضاً.
[1] أما الإشكال في الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط، فلأن الشعرين خارجان عند العرف. وإن كان يصدق عليهما الشعر.
وأمّا عدم إجزاء حلق اللحية عن التقصير فلأنهما ـ أي الحلق والتقصير ـ أمران متغايران عند العرف. مع أن الحلق لابد وأن يكون متعلقاً بالرأس. ولذا ورد في بعض الروايات المتقدمة إمرار الموسى على الرأس في مورد الأقرع الذي لا شعر

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الحادي عشر، ح 1.

(الصفحة309)

في زمان الحلق أو التقصير و مكانهما

مسألة 31 ـ الأحوط أن يكون الحلق والتقصير في يوم العيد، وإن لا يبعد جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق ومحلهما منى ولا يجوز اختياراً في غيره. ولو ترك فيه ونفر يجب عليه الرجوع إليه، من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي وغيره. ولو لم يمكنه الرجوع حلق أو قصر في مكانه، وأرسل شعره إلى منى لو أمكن، واستحب دفنه مكان خيمته . [1]


لرأسه.
وأما عدم إجزاء حلق اللحية عن الحلق الواجب، فلأن حلق اللحية إما أن يكون حراماً، وإما أن يكون مخالفاً للاحتياط الوجوبي. وعلى كلا التقديرين لا يجتمع مع العبادية التي يتصف بها جزء العبادة أيضاً، مضافاً إلى بعض ما ذكر.
[1] وقع البحث في هذه المسألة في زمان الحلق أو التقصير ومكانهما.
أما الزمان: فالظاهر أن جميع مناسك منى الثلاثة لابد وأن يقع يوم النحر، وهو ظاهر المحقق في الشرايع، بل لا خلاف ظاهراً في عدم جواز التقديم، إلاّ لبعض الطوائف ـ كالنساء والخائف ـ نعم لا دليل معتبراً ولا صريحاً في لزوم الوقوع يوم النحر، وإن وقع التعبير في بعض الروايات به، إلاّ أنه لا صراحة في اعتبار يوم النحر بحيث لو لم يفعلهما في يوم النحر لما تحقق الإجزاء. ولذا نفى البعد عن جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق.
وأما المكان: فالظاهر أنه منى. وأنه لا يجوز إيقاعهما اختياراً في غيره.

(الصفحة310)



والدليل على الأحكام المذكورة في المتن بعض الروايات والفتاوى، مثل:
رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: يرجع إلى منى حتى يلقى شعره بها، حلقاً كان أو تقصيراً(1).
ورواية مسمع، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر، قال: يحلق في الطريق أو أين كان(2).
ورواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقصر من شعره وهو حاج حتى ارتحل عن منى، قال: ما يعجبني أن يلقي شعره إلاّ بمنى، وقال: في قول الله عزوجل (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ...) (3) قال: هو الحلق وما في جلد الانسان(4).
ورواية أبي بصير التي رواها عنه علي بن أبي حمزة، قال: سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى، قال: فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره أو يقصره وعلى الصرورة أن يحلق(5).
وغير ذلك من الروايات الواردة. فالحكم هو ما في المتن.

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح2.
(3) سورة الحج (22): 29 .
(4) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح3.
(5) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح4.

(الصفحة311)

في ترتب أعمال منى

مسألة 32 ـ الأحوط تأخير الحلق والتقصير عن الذبح وهو عن الرمي. فلو خالف الترتيب سهواً لا تجب الإعادة لتحصيله، ولا يبعد إلحاق الجاهل بالحكم بالساهي، ولو كان عن علم وعمد. فالأحوط تحصيله مع الإمكان . [1]


[1] يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في أصل اعتبار الترتيب بين أفعال منى ومناسكه في الجملة.
والدليل عليه اُمور:
الأول: استمرار سيرة المتشرعة على ذلك عملا واعتقاداً.
أما العمل، فنرى بالوجدان التزام الحجاج في يوم النحر بهذه الأعمال مترتبة الرمي والذبح أو النحر والحلق أو التقصير. أما الاعتقاد، فلما نرى في بعض الروايات الآتية مما يدل على مفروغية هذا الأمر عندهم. وأن سؤالهم متفرع على هذا الأمر الاعتقادي مع تقرير المعصوم (عليه السلام) لهم بذلك، فانتظر.
الثاني: شهرة هذا الأمر بين الأصحاب. قال المحقق في الشرايع: وترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر، الرمي ثم الذبح ثم الحلق. وحكي ذلك عن النافع والقواعد والنهاية والمبسوط والاستبصار، بل نسبه غير واحد إلى أكثر المتأخرين.
الثالث: الروايات الدالة على ذلك:
منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إذا ذبحت أضحيتك فاحلق

(الصفحة312)



رأسك واغتسل ...(1)
والاشتمال على بعض المستحبات لا يقدح في الاستدلال بها على الوجوب فيما لم تدل قرينه على عدمه.
ومنها: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ...».
فإن القضية الشرطية وإن لم يكن لها مفهوم بحسب الظهور والقاعدة على ما بيناه في علم الاُصول، إلاّ أن دلالتها عليه في الجملة ومع القرينة مما لا مانع منه.
وبعبارة اُخرى، العرف ربما يستفيد منها في بعض المقامات ذلك، مع أنه ليس الكلام في وجوب التقصير عليهن مطلقاً، بل إنما هو في الترتب، فتدبر.
ومنها: صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً، ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه الناس يوم النحر، فقال بعضهم: يارسول الله إني حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي فلم تركوا شيئاً، كان ينبغي أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال: لا حرج.(2)
وفي رواية الشيخ والصدوق ذلك، إلاّ أنه قال: فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدموه إلاّ أخّروه. ولا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال (صلى الله عليه وآله) : لا حرج.

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الأول، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح4.

(الصفحة313)



والاشتمال على كلمة «لا ينبغي» لا دلالة له على أن المراد به نفي الاستحباب. لأنه مضافاً إلى أن هذه الكلمة في الروايات وكلمات الأئمة (عليهم السلام) تغاير ما هو المصطلح في كلمات الفقهاء من أن المراد به هو الاستحباب نفياً وإثباتاً. أن في الرواية قرينة بل قرائن على الخلاف، كالتفصيل بين صورتي النسيان وغيره وكالرجوع إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) والاستفتاء منه، وقوله (صلى الله عليه وآله) «لا حرج» وغير ذلك من القرائن الدالة على ذلك. فالرواية تدل على أصل اعتبار الترتيب في الجملة.
ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن علي، قال: لا يحلق رأسه ولا يزور حتى يضحي فليحلق رأسه ويزور متى شاء(1).
وأورد على سندها بأن موسى بن القاسم لا يمكن له ولا يروي عن المعصوم (عليه السلام) بلا واسطة، فلا يمكن تعقيب علي بقوله (عليه السلام) كما في محكي استبصار الشيخ.
وإن كان المراد من علي غير المعصوم، بل علي بن جعفر أو غيره ممن يسمّى بعلي ـ كما في الوسائل والتهذيب وغيرهما ـ فالرواية تكون مقطوعة حينئذ.
وبالجملة فالأدلة على الترتيب كثيرة. وإن كان تجري المناقشة في بعض رواياته سنداً أو دلالة، فتدبر.
وفي قبال هذه الأدلة بعض الروايات التي ربما يستفاد من ظاهرها العدم، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن وهب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا اشتريت اُضحيتك وقمطتها في

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح9.

(الصفحة314)



جانب رحلك فقد بلغ الهدي محلّه، فإن أحببت أن تحلق فاحلق(1).
قال في الوسائل بعد نقل الرواية: ورواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إذا اشتريت اُضحيتك ووزنت ثمنها وصارت في رحلك. وذكر مثله.
ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال إذا اشترى الرجل هديه وقمطّه في بيته فقد بلغ محله، فإن شاء فليحلق. وقد عمل بعض الأصحاب كالشيخ بظاهره ومال إليه في الحدائق، فلم يعتبروا في جواز الحلق الذبح.
أقول: أما ما ورد في سنده علي بن أبي حمزة فهو غير واجد للحجية والاعتبار، لضعف علي بن أبي حمزة البطائني المعروف. وأما ما لم يرد فيه هذا الشخص، بل ورد وهب بن حفص أو وهيب بن حفص فهو واجد لها لوثاقة وهيب، كما في نقل التهذيب بالوثاقة الخاصة، لتوثيق النجاشي إياه. ولوثاقة وهب، كما في الوسائل وغيره بالوثاقة العامة، لوقوعه في إسناد كتاب كامل الزيارات مع عدم قدح خاص بالإضافة له. فالرواية بهذه الكيفية معتبرة.
ولكن فيها إشعار بالآية الشريفة لاقتباسها منها، وهي قوله تعالى: (وَلاتَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيَ مَحِلَّهُ...) (2) والظاهر أن هذا التعبير كناية عن تحقق الذبح. لأن المفروض فيها صورة الإحصار، ولا يكفي فيها مجرد وصول الهدي إلى منى الذي هو محله. وفي التعابير الكنائية لا يلحظ المعنى الحقيقي. بل الملاك في الصدق

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح7.
(2) سورة البقرة (2): 196 .

(الصفحة315)



والكذب فيها هو المعنى المراد والمقصود. فإذا قيل: زيد مهزول الفصيل، لا يلزم أن يكون له فصيل أم يكون فصيله مهزولا. بل الملاك هو الجود وعدمه.
والظاهر أن المراد في الآية هو تحقق الذبح، بل لابد بلحاظ الفتاوى والحكم الوارد في المحصر ذلك.
وعليه فالرواية تدل على أن جواز الحلق إنما هو بعد الذبح، وإن كان السياق ربما ينافي ذلك. وعليه فلا دلالة لها على عدم اعتبار الترتيب ـ كما لا يخفى ـ .
المقام الثاني: في حكم مخالفة الترتيب. فاعلم أنها قد تكون عن سهو ونسيان، وقد تكون عن جهل بالحكم، وقد تكون مع العلم والعمد.
أمّا الساهي: فالحكم فيه الصحة. ويدل عليها قوله (عليه السلام) في صحيحة جميل بن دراج: إلاّ أن يكون ناسياً. حيث قال:
سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً، ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه اُناس من يوم النحر، فقال بعضهم: يارسول الله إني حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال: لا حرج(1).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت، فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه(2).
وغير ذلك من الروايات الدالة على الصحة، في صورة مخالفة الترتيب سهواً.

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح4.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح5.

(الصفحة316)



وأمّا الجاهل: فالحكم فيه أيضاً الصحة. ويدل عليه صحيحة جميل بن دراج المتقدمة، فإنها وإن وردت في مورد النسيان والتعبير فيها يدل على الحصر، إلاّ أن الظاهر ان المراد بالنسيان فيها ليس خصوص النسيان المقابل للجاهل وغيره، بل الأعم منه ومن الجاهل. والسر فيه اشتراكهما في عدم العلم في حال العمل، مع أن الأناس الذين أتوا النبي (صلى الله عليه وآله) للسؤال عن خلافهم، من البعيد أن يكون كلهم ناسين بالمعنى الاصطلاحي، بل الظاهر أن جلّهم بل كلهم كانوا جاهلين. والسر فيه مضافاً إلى أنه كان في حجة الوداع التي هي أول حج المسلمين مع نبيهم وآخره، وإلى أن الحج لا يتحقق إلاّ في الموسم وفي كل عام مرة، أن ابتلاء الاناس بالنسيان مع أنه قلما يتحقق ويتفق في الخارج ولا يعرض إلاّ لبعض الناس في بعض المواقع.
ولأجل ما ذكرنا لم يتحقق الاستفصال منه (صلى الله عليه وآله) أولا واستشهد الإمام (عليه السلام) بما وقع في عصره (صلى الله عليه وآله) ثانياً، مع أن السؤال منه (عليه السلام) كان عن صورة النسيان. فالصحيحة تدل على حكم الجاهل أيضاً. وإن لم يقع التعرض لحكمه بالخصوص في شيء من الروايات ـ فلا يبعد إلحاقه بالناسي ـ كما في المتن ـ .
وامّا العالم العامد: فالمعروف بينهم أيضاً هو الإجزاء والصحة، بل ربما ادعي الإجماع عليه نظراً إلى أن وجوب الترتيب تكليفي محض، ولا يترتب على مخالفته سوى المعصية وأحكامها، نظير ما ذكره بعض أساتيدنا في صلاة الجماعة، من أنّ وجوب متابعة المأموم للإمام لا يترتب على مخالفته بطلان الصلاة بل ولا بطلان الجماعة. لكن المحكي عن صاحب المدارك الخلاف. وأن الوجوب في الترتيب كوجوب سائر الاُمور المعتبرة في المركبات العبادية شرطي أو جزئي. وقد تبعه في

(الصفحة317)



ذلك صاحب الحدائق وبعض آخر.
وقد استدل للمشهور بروايات، لابد من النظر والدقة فيها.
منها: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك، ان رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر، وحلق قبل أن يذبح، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين، فقالوا: يارسول الله (صلى الله عليه وآله) ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح فلم يبق شيء مما ينبغي أن يقدموه إلاّ أخروه، ولا شيء مما ينبغي أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا حرج ولا حرج(1). نظراً إلى عدم التعرض فيها لصورة النسيان ـ كما في صحيحة جميل ـ .
ويرد عليها مضافاً إلى أن الراوي عن ابن أبي نصر هو سهل بن زياد، وفيه كلام واختلاف، انّ هذه لم تكن قصة اُخرى قد وقع السؤال فيها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل هي بعينها نفس القصة المحكية في صحيحة جميل. وقد ظهر أن التعبير فيها إنما هو بأداة الحصر، وأنه لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً، فلا وجه للاستدلال بها على مطلق المخالفة، وإن كانت عن علم وعمد ـ كما لا يخفى ـ .
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لا بأس وليس عليه شيء ولا يعودن(2). نظراً إلى ترك الاستفصال وإطلاق الجواب.
ويرد على الاستدلال بها أن الحكم بأنه «ليس عليه شيء» لا ينطبق ولا يشمل

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح6.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح10.

(الصفحة318)

في تقديم الطواف على الحلق أو التقصير عمداً

مسألة 33 ـ يجب أن يكون الطواف والسعي بعد التقصير أو الحلق، فلو قدمهما عمداً يجب أن يرجع ويقصر أو يحلق، ثم يعيد الطواف والصلاة والسعي وعليه شاة. وكذا لو قدم الطواف عمداً. ولا كفّارة في تقديم السعي، وإن وجبت الإعادة وتحصيل الترتيب، ولو قدمهما جهلا بالحكم أو نسياناً وسهواً فكذلك، إلاّ في الكفارة فإنها ليست عليه . [1]


العالم العامد بوجه. فإن المعصية أقل ما تحققت وفيها وجوب التوبة، فالحكم بأنه «ليس عليه شيء» لا ينطبق إلاّ على الناسي والجاهل، فمقتضى التأمل والقواعد هو ما ذكره صاحب المدارك والحدائق. إلاّ أن يكون إجماع على الخلاف. والظاهر عدم تحققه، فيجب على العالم العامد العود لرعاية الترتيب مع إمكانه ـ كما في المتن ـ .
[1] هذه المسألة، أي: لزوم الإعادة مطلقاً لدى الإمكان في صورة العلم والعمد وكذا في صورة النسيان والجهل بالحكم وإن كان مطابقاً للمشهور، بل قال في الجواهر: لا أجد فيه خلافاً، بل في محكي المدارك وغيره أيضاً ذلك. إلاّ أن الأدلة والروايات لا تساعدها. لأن العمدة ثلاث روايات:
إحديها: صحيحة جميل بن دراج المتقدمة الحاكية لجريان حجة الوداع المشتملة على الجواب عن سؤاله الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، بقوله: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً» مستشهداً بذلك الجريان، فإن قوله (عليه السلام) «لا ينبغي» ظاهر في عدم الجواز الشرطي. والاستثناء شاهد على أن مورده صورة العلم والعمد. والاستشهاد

(الصفحة319)



دليل على أن في صورة المستثنى لا تجب الإعادة أصلا.
ثانيتها: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة رميت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به، يقصر ويطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحلّ من كل شيء(1).
والظاهر أن المراد من الطواف الأخير هو طواف النساء، بقرينة عمومية الإحلال من كل شيء.
ثالثتها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: إن كان زار البيت قبل أن يحلق رأسه وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فإن عليه دم شاة(2).
ومقتضى الجمع بين الروايات اُمور:
الأول: الالتزام بلزوم العود، رعاية للترتيب في خصوص صورة العلم والعمد، لدلالة صحيحة جميل على عدم لزوم العود في صورة النسيان الشاملة للجهل، بمقتضى ما ذكرناه آنفاً; وصحيحة علي بن يقطين وإن كان مدلولها لزوم الإعادة مطلقاً، إلاّ أنها محمولة على خصوص صورة العلم والعمد، جمعاً بين المطلق والمقيد.
الثاني: ثبوت الكفارة مع الشرطين: أحدهما: العلم والعمد. وثانيهما: التقدم على الطواف ـ كما هو مقتضى صحيحة محمد بن مسلم، ولا دلالة لها على أزيد من ذلك ـ

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الرابع، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثاني، ح1.

(الصفحة320)



فتقديم السعي وحده لا يوجب الكفارة، ولو كان عن علم وعمد.
الثالث: عدم ثبوت الكفارة على الناسي والجاهل، لظهور صحيحة جميل في ذلك، ووجود القيد في كلام الإمام (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
وبعد ذلك يقع الكلام في أمرين:
الأول: أنه لم يتعرض الماتن لاعتبار الترتيب بين مناسك منى والطواف والسعي فيما يتعلق بمناسك منى، مع أن الترتيب شرط الأمر المتأخر واقعاً أو ذكرياً. فهل يمكن أن يقال بأن الترتيب من شرائط صلاة الظهر، أم لابد أن يقال بأنه من شرائط صلاة العصر؟
الثاني: أنه مع أن مقتضى الجمع بين الروايات ما ذكرنا من عدم لزوم العود حفظاً للترتيب في صورة النسيان بالمعنى الذي تقدم الشامل للجاهل، كيف التزم المشهور بل ربما ادعي الإجماع ـ كما عرفت ـ على أن غير العالم والعامد يجب عليه العود بعد زوال النسيان وارتفاع الجهل. خصوصاً مع عدم تضيق وقت الطواف والسعي بعد أعمال منى وبقائه إلى آخر ذي الحجة الذي هو آخر أشهر الحج، فهل بعد ذلك إعراضاً عن الرواية موجباً للقدح في اعتبارها وسقوطها عن الحجية، أم لا يعد ذلك إعراضاً كذلك؟
الذي ينبغي أن يقال ويقتضيه التأمل في الكلمات والعبارات، إن تلك الروايات كانت بمرئى منهم ومنظر، ولم يتحقق الإعراض عنها بوجه. غاية الأمر الاختلاف في الاستفادة منها. وفهم المراد منها فعن بعضهم حمل قوله: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً» على مجرد الحكم التكليفي وأن النسيان موجب لزوال التكليف حكماً، كما أنه

<<التالي الفهرس السابق>>