في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة321)



موجب لزوال العلم موضوعاً.
وحمل قوله (صلى الله عليه وآله) «لا حرج» ـ واحداً كما في صحيحة جميل، أو متعدداً كما في بعض الروايات الاُخر ـ على مجرد رفع الحرج من جهة الحكم التكليفي، من دون الدلالة على صحة حجهم رأساً. وأنت خبير بأن ذلك خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية جواباً واستشهاداً، وحتى سؤالا من السائل لظهور كلها في الحكم الوضعي الراجع إلى الصحة والبطلان ـ كما في سائر الموارد والمقامات ـ ومراده (صلى الله عليه وآله) من نفي الحرج أيضاً ذلك، وإلاّ كان اللازم عليه إيجاب الإعادة وبيانها مع كون الناس جاهلين، لئلا يكون حجهم غير مطابق للمأمور به.
ومن الغريب أن صاحب الرياض (قدس سره) حمل دليل وجوب الكفارة على الاستحباب. مع أن التعبير في دليلها مع التقييد بصورة العلم إنما هو بكلمة «عليه» لا بصيغة «افعل» المستعملة في الاستحباب كثيراً.
ولو نوقش في دلالة هذا التعبير على الوجوب، لجرت المناقشة في أصل دلالة آية وجوب الحج عليه، لرواية وجوب الصيام عليه. وغير ذلك من الموارد. والغرض من ذلك كله عدم الاستيحاش من مخالفة المشهور، وحملها على الاعراض القادح. بل إنما هي لأجل الاستفادة وفهم المراد من الرواية نوعاً. نعم ربما يتفق الاعراض ـ كما في بعض المسائل الآتية ـ فلا وجه للحمل المذكور بوجه.
وعليه فمقتضى القاعدة في المقام ما ذكرنا. ولا يكون إجماع تعبدي كاشف على خلافه. بل لابد من الالتزام بمفاد الروايات والاستفادة منها على نحو يفهمه العرف، فتأمل.

(الصفحة322)

في ما لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي

مسألة 34 ـ لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي، فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب. ولو كان عليه الحلق عيناً يمرّ الموسى على رأسه احتياطاً . [1]


[1] الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة مع عدم كونه موجباً للتعدد، إنما هو في تحقق الحلق أو التقصير بعد الطواف أو السعي هنا، وعدم تحقق شيء منهما في المسألة السابقة.
ويرد على الماتن (قدس سره) ما أشرنا إليه من أن الترتيب على فرض اعتباره، إنما يكون شرطاً للأمر المتأخر لا للأمر المتقدم ـ كما في الظهرين ـ فإنّ ترتب العصر على الظهر، يقتضي وقوع العصر بعد الظهر، ولا تكون صلاة الظهر مشروطاً من هذه الناحية بشيء. فإذا اقتصر الشخص على صلاة الظهر، ولو كان عن علم وعمد، لا يوجب ذلك بطلان صلاة الظهر بوجه، من جهة عدم وقوع العصر بعدها، بل غايته عدم صحة صلاة العصر في مورد عدم وقوعها متأخرة عن الظهر.
وعليه فالترتيب المعتبر في المقام على تقديره إنما هو بالإضافة إلى الطواف أو السعي. فإذا قدم شيئاً منهما أو كليهما على الحلق والتقصير، ثم قصر أو حلق، يصير الطواف وما بعده غير واجد للشرط الذي هو الترتيب، ولا يلزم الخلل فيهما لا في النية ولا في شيء آخر، بل تلزم إعادة الطواف والسعي. وعليه فلا وجه لإعادة الحلق، ولو كان متعيناً عليه، لأن يحصل الترتيب. وعليه فلا وجه للاحتياط بإمرار الموسى بعد عدم لزومه بوجه. وإنما هو أي: إمرار الموسى في موارد وجوب الحلق

(الصفحة323)

في مدخلية الحلق أو التقصير في التحلل

مسألة 35 ـ يحل للمحرم بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير كل ما حرّم عليه بالإحرام إلاّ النساء والطيب. ولا تبعد حلية الصيد أيضاً. نعم يحرم الصيد في الحرم للمحرم وغيره لاحترامه . [1]


كذلك.
والذي ينبغي أن يقال إنه كان ينبغي له ترك التعرض لهذه المسألة بعدالمسألة المتقدمة، خصوصاً مع ثبوت الفتوى أو الفتاوى هناك، والانتقال إلى الاحتياط الوجوبي هنا. نعم الاحتياط في مسألة إمرار الموسى له وجه لو قيل بالتعدد، بناءاً على أن رواياته إنما وردت في مورد الحلق الابتدائي ـ على ما عرفت ـ وشمولها للحلق الثانوي محل إشكال، وإن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما لا يخفى ـ .
[1] يقع الكلام في هذه المسألة تارة في غيرالصيد واُخرى فيه. فالكلام يقع في أمرين:
الأول: غير الصيد من محرمات الإحرام ـ مِن النساء والطيب ـ فنقول: إن المشهور حكموا بتوقف حليته على آخر أعمال منى، وهو الحلق أو التقصير بعد وقوعهما بعدها. وعن الصدوقين حصول التحلل بمجرد الرمي الذي هو أول أعمال منى. ودليلهما فقه الرضا الذي لم يثبت كونه رواية، فضلا عن الصحة والاعتبار. وقد ذكرنا هذه الجهة مراراً، ولذا لم يرو صاحب الوسائل عنه شيئاً أصلا. ويدل على المشهور روايات كثيرة:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق

(الصفحة324)



فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب، فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة، فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد(1) والكلام الآن في غير الصيد.
والرواية ظاهرة في الترتب على الحلق بعد الذبح ومدخلية الحلق في الحلية المذكورة، وأن لا تكون للقضية الشرطية مفهوم ـ كما حققناه في محله الذي هو بحث المفاهيم من علم الاُصول ـ .
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق، ولكن لا تقربوا النساء والطيب(2). وغير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.
وفي مقابل هذه الروايات، روايتان:
إحديهما: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) إنه كان يقول: إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شيء حرم عليك إلاّ النساء(3).
ثانيتهما: موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) جعلت فداك، رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة ولم يحلق، قال: لا بأس... .(4)
لكن هاتين الروايتين مهجورتان، ولم يقل بمفادهما حتى الصدوقين. لعدم قولهما

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح6.
(3) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح11.
(4) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح12.

(الصفحة325)



بتوقف الطيب على رمي الجمرة، وأنه يحل به. بل يقولان بعدم تحقق حليته به كالنساء المتوقفة حليتهن على طواف النساء عندنا بلا خلاف ولا إشكال ـ كما لا يخفى ـ . وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إن هنا روايات اُخر يوهم ظاهرها الخلاف، مثل:
صحيحة سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع، قال: إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال: نعم، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلاّ النساء رددها على مرتين أو ثلاثاً، قال: وسألت أبا الحسن (عليه السلام) عنها، قال: نعم، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلاّ النساء(1).
والشيخ (قدس سره) حملها على من حلق وزار البيت. وأنه لم ينقل مع كون النقل عن الكليني قبل أن يزور البيت. وهو وإن كان أضبط من الشيخ لكنه أفقه منه. وقد حكم في الدروس بأنه متروك.
وعلى أي حيث إنه لم يعلم أن ذلك قبل زيارة البيت لايجوز العمل بها.
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل ابن عباس هل كان رسول الله يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور(2).
ولكنها في مورد حج غير التمتع الذي لا يتوقف عليه الطيب على أمر بعد الحلق أو التقصير. لأنه لم يحج حج التمتع على ما مر مراراً.

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح7.
(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الرابع عشر، ح2.

(الصفحة326)



ورواية يونس مولى علي (أي: علي بن يقطين وهو ثقة بلا كلام، كما اُفيد) عن أبي أيوب الخزاز، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) بعد ما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمشك (مسك خل) وزار البيت وعليه قميص وكان متمتعاً(1).
ولكن ورودها في حج التمتع ممنوع على نقل وكان متقنعاً، وعلى التقدير الآخر حيث إنه مشكوك، فلا ينهض في مقابل الروايات الواردة في التمتع.
وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: ولد لأبي الحسن (عليه السلام) مولود بمنى، فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران، وكنا قد حلقنا، قال عبدالرحمن: فأكلت أنا وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا منه، وقالا: لم نزر البيت، فسمع أبو الحسن (عليه السلام) كلامنا، فقال: لمصادف، وكان هو الرسول الذي جائنا به: في أي شيء كانوا يتكلمون؟ فقال: أكل عبدالرحمان وأبى الآخران، فقالا: لم نزر البيت، فقال: أصاب عبدالرحمان. ثم قال: أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم، فأكلت أنا منه وأبى عبدالله (أي عبدالله بن جعفر الأفطح ظاهراً) أن يأكل منه، فلما جاء أبي حرشه عليّ، فقال: ياأبه إن موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعد، فقال: هو أفقه منك، أليس قد حلقتم رؤوسكم؟(2)
ولكن الشيخ أيضاً حمله على الحاج غير المتمتع الذي يحل عليه الطيب أيضاً بمجرد الحلق أو التقصير؟.
ورواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه،

(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الرابع عشر، ح3.
(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح10.

(الصفحة327)



ما يحل له؟ فقال: كل شيء إلاّ النساء(1). ولكنها قابلة للتخصيص كما أفاده صاحب الجواهر.
الأمر الثاني: في الصيد. وهو على قسمين: لأنه تارة يكون إحرامياً محرّماً للمحرم سواء في الحرم أو في الحل. واُخرى حرمياً يكون محرّماً في محدودة حرم الله تبارك وتعالى. سواء كان محرماً أم لم يكن كذلك. والكلام الآن في الصيد الإحرامي الذي حرّمه الإحرام. وأمّا الصيد الحرمي فالكلام فيه إنما هو في أحكام الحرم ولا تختص بالمحرم بوجه.
فنقول: مقتضى بعض الروايات الصحيحة والفتاوى أن الصيد الإحرامي يتحقق التحلل من الحرمة الإحرامية الحاصلة بالإضافة إليه ـ كسائر محرمات الإحرام ـ بالحلق أو التقصير، ونفى عنه البعد في المتن أيضاً، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء وإذا طاف طواف النساء، فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد(2).
وحمل الصيد على الحرمي كما ادعى وضوحه صاحب الجواهر (قدس سره) يدفعه أن الكلام في الرواية ليس في الصيد الحرمي بوجه، بل المراد هو الصيد الإحرامي الذي نشأت حرمته من الإحرام. مع أن لازمه كون الاستثناء منقطعاً. وهو وإن لا يكون

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح8.
(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح1.

(الصفحة328)



محالا، إلاّ أنه خلاف الظاهر، لا يصار إليه مع عدم وجود الدليل والقرينة على الخلاف.
كما أن حمل الصيد على الإحرامي ينافيه صدر الصحيحة الدال على عموم التحلل بالحلق أو التقصير ما عدى النساء والطيب. ولأجل عدم الالتفات إلى الصدر ذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) أنه لابد من الحمل على الصيد الإحرامي، مع أن لازمه التناقض في رواية واحدة.
فلا محيص إلاّ عن الحمل على الصيد الحرمي، وإن كان خارجاً عن سياق الرواية.
نعم هنا بعض الروايات الدالة على عدم حصول التحلل من الصيد الإحرامي، إلاّ عند زوال الشمس من اليوم الثالث عشر الذي هو النفر الثاني، مثل:
صحيحة حماد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول. ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس. وهو قول الله ـ عزوجل ـ : (... فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقى...) (1)قال: اتقى الصيد(2).
ورواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) من نفر في النفر الأول متى يحلّ له الصيد؟ قال: إذا زالت الشمس من اليوم الثالث(3).
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

(1) سورة البقرة (2): 203 .
(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح3.
(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح4.

(الصفحة329)



وإن كان بينها اختلاف من جهة تفسير الإتقاء الوارد في الآية. وأن المراد به هو إتقاء الصيد فقط، أو إتقاء الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه، أو إتقاء الله ـ عزوجل ـ أو إتقاء الكبائر، ومن الجهات الاُخر أيضاً.
وكيف كان، فإن كنّا نحن والروايات فقط، لكان اللازم الحكم بتأخر تحقق التحلل عن الصيد الإحرامي إلى زوال اليوم الثالث عشر الذي هو النفر الثاني.
ولذا ذكر بعض الأعلام (قدس سره) بعد الإشارة إلى الروايات المتقدمة المعارضة بعد حمل رواية معاوية الاُولى على الصيد الإحرامي أنه حيث لا قائل بمضمون هذه الروايات ـ أي الدالة على تأخر تحلل الصيد الإحرامي ـ حتى أن صاحب الجواهر (قدس سره) قال: لم نجد أحداً أفتى بذلك من أصحابنا، بل ولا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك. فلذا يكون الحكم بالحرمة وعدم التحلل منه إلى الظهر من يوم الثالث عشر مبنياً على الاحتياط.

(الصفحة330)


(الصفحة331)

القول في ما يجب بعد أعمال منى

وهو خمسة: طواف الحج وركعتيه، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف النساء وركعتيه.
مسألة 1 ـ كيفية الطواف والصلاة والسعي كطواف العمرة وركعتيه والسعي فيها بعينها إلاّ في النية، فتجب هيهنا نية ما يأتي به . [1]


[1] الواجب بعد أعمال منى خمسة مذكورة في المتن.
الأول والثاني: طواف الحج المعروف بطواف الزيارة وزيارة البيت والركعتان. والتعبير عنهما بما في المتن إمّا بتقدير كلمة أعني وإمّا بجعل الواو بمعنى مع. وكلاهما خلاف الظاهر لا داعي إليه.
وهو بعينه كطواف العمرة والركعتين. ولا اختلاف أصلا إلاّ في مجرد النية. وإلاّ فالكيفية والكمية والماهية والحقيقة واحدة.
والدليل على الوحدة اُمور:
منها: ارتكاز المتشرعة ورويتهم الطواف والركعتين في الحج والعمرة واحداً من دون اختلاف أصلا.

(الصفحة332)

في وقت طواف الحج

مسألة 2 ـ يجوز بل يستحب بعد الفراغ عن أعمال منى، الرجوع يوم العيد إلى مكة للأعمال المذكورة; ويجوز التأخير إلى يوم الحادي عشر. ولا يبعد جوازه إلى آخر الشهر، فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه . [1]


ومنها: الروايات الواردة في الفرق بين حج التمتع، بلحاظ كون العمرة جزءاً منه، وبين حجي القران والإفراد، بلحاظ كون العمرة خارجة منه. من جهة أن فيه ثلاثة أطواف وفيهما طوافان. فإن ظاهره أن الفرق إنما هو باعتبار العدد لا باعتبار الماهية والحقيقة. وكذا الروايات الواردة في بيان الشروط والخصوصيات من دون التعرض لشيء من أنواع الأقسام الثلاثة للحج.
ومنها: الرواية الخاصة، وهي صحيحة معاوية بن عمار المعروفة المفصلة الدالة على أنه: ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ـ إلى أن قال: ـ ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة... (1).
[1] في المسألة أقوال مختلفة بالإضافة إلى حج التمتع الذي نحن فيه.
الأول: ما حكي عن المشهور من عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر.
الثاني: ما ذهب إليه جماعة من جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق. وقد جعله صاحب الحدائق غاية ما يستفاد من الروايات، ونسب إلى المحقق ـ عليه الرحمة ـ لكنه ذكر في الشرايع: إذا قضى مناسكه يوم النحر، فالأفضل المضي إلى مكة للطواف

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.

(الصفحة333)



والسعي ليومه، فإن أخره فمن غده. ويتأكد ذلك في حق المتمتع، فإن أخّر أثم ويجزيه طوافه وسعيه. ومن المعلوم عدم مساعدة هذه العبارة للنسبة.
الثالث: ما عن جماعة منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف والسيد صاحب المدارك وبعض الأعلام من جواز التأخير إلى طول ذي الحجة. لأن الحج أشهر معلومات، وآخر الأشهر ذو الحجة. فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه، وقد نفى عنه البعد في المتن.
والروايات أيضاً مختلفة، فمن بعضها يستفاد تعين يوم النحر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر(1). بناءاً على دلالتها على التعين، لا إفادة أصل المشروعية ـ كما لا يخفى ـ .
ويستفاد من بعضها جواز التأخير إلى ليلة الحادي عشر.
كما في صحيحة منصور بن حازم: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت(2). بناءاً على جواز تأخير المبيت إلى النصف الثاني من الليل ـ كما سيأتي ـ .
وصحيحة عمران الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، ولا يؤخر ذلك اليوم.(3)
ويستفاد من البعض جواز التأخير أزيد من ذلك.
كرواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أخّر الزيارة إلى يوم

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح5.
(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح6.
(3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح7.

(الصفحة334)



النفر، قال: لا بأس ولا يحلّ له النساء حتى يزور البيت ويطوف طواف النساء(1).
ولكن في دلالته على الجواز في حج التمتع إشكال. وإطلاق النفر يشمل النفر الثاني الذي هو اليوم الثالث عشر.
وصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر. إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض(2).
وصحيحة عبيدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق; ولكن لا تقرب النساء والطيب(3).
ومثلها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق; إلاّ أنك لا تقرب النساء ولا الطيب(4).
واشتمالهما على النهي عن الطيب قبل طواف الزيارة دليل على أن المراد خصوص حج التمتع، لأنه في غيره يحل الطيب بمجرد تمامية أعمال منى ومناسكه.
نعم لا وجه لتخصيص الحكم بصورة النسيان بعد تعليله (عليه السلام) بأنه ربما يؤخره كذلك، ولا مجال لفرض النسيان في الإمام (عليه السلام) كما أن ذهاب أيام التشريق يغاير كمالها وتمامها، ويصدق بمضي يوم أو أيام إلى آخر شهر ذي الحجة.
نعم هنا رواية أو روايتان لمعاوية بن عمار، أوردهما صاحب الوسائل في باب

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح11.
(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح9.
(3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح2.
(4) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح3.

(الصفحة335)



واحد بعنوان روايتين. ومن المستبعد جداً التعدد، بعد كون الراوي واحداً، والمروي عنه وهو الامام المعصوم (عليه السلام) أيضاً كذلك، ومورد السؤال أيضاً واحداً.
أحدهما: ما رواه الكليني عن علي عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير وصفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في زيارة البيت يوم النحر، قال: زره فإن شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، ولا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر; وموسع للمفرد أن يؤخره...(1).
وثانيهما: ما رواه الشيخ في الكتابين بإسناده عن موسى بن القاسم عن حماد بن عيسى وفضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا بسواء موسع عليهما(2).
والرواية بالكيفية الثانية ظاهرة سؤالا وجواباً.
وأما بالكيفية الاُولى فيحتمل أن يكون قوله «زره» بالذال المعجمة، كما رواه في الجواهر كذلك، وإن كان يبعده عدم مناسبة هذا التعبير مع كون المفعول هو البيت لا محالة، كما ان قوله (عليه السلام) زره لا يناسب الجواب إلاّ بعد كونه أمراً في مقام توهم الخطر، وهو أيضاً بعيد، بعد كون الأفضل أو المتعين الإتيان بها يوم العيد. كما أن قوله «من يومك» لا يعرف المراد به هل المراد من اليوم يوم النحر، أو اليوم الحادي عشر الذي

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح1.
(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح8.

(الصفحة336)



لا تعين فيه من جهة اليومية؟
نعم لا يكون المراد من الكراهة هي الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة; بل الأعم منها ومن الحرمة.
وكيف كان فالرواية بهذه الكيفية مشكلة جداً.
والتحقيق في مقام الجمع بين الروايات من جهة تصريح بعضها بجواز التأخير عن اليوم الحادي عشر، من دون أن يكون هناك إثم، فضلا عن عدم الإجزاء; ومن جهة تصريح بعضها بحكم استحباب التعجيل، وأنها عبارة عن مخافة الأحداث والمعاريض; ومن جهة دلالة بعضها على أن الإمام (عليه السلام) ربما يؤخره عامداً اختياراً، هو ما نفى عنه البعد في المتن من الجواز طول ذي الحجة حتى آخر يوم منه; لقوله تعالى: (الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ...) (1) وآخرها آخر ذي الحجة، وإن كان الأفضل التعجيل ـ كما لا يخفى ـ .

(1) سورة البقرة (2): 197 .

(الصفحة337)

في عدم جواز تقديم المناسك الخمسة على منى

مسألة 3 ـ لا يجوز تقديم المناسك الخمسة المتقدمة على الوقوف بعرفات والمشعر ومناسك منى اختياراً; ويجوز التقديم لطوائف:
الاُولى: النساء إذا خفن عروض الحيض أو النفاس عليهن بعد الرجوع، ولم تتمكن من البقاء إلى الطهر.
الثانية: الرجال والنساء إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع لكثرة الزحام أو عجزوا عن الرجوع إلى مكة.
الثالثة: المرضى إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع للازدحام أو خافوا منه.
الرابعة: من يعلم أنه لا يتمكن من الأعمال إلى آخر ذي الحجة . [1]


[1] يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في أنه هل يجوز للمتمتع تقديم المناسك الخمسة أو بعضها على الوقوفين أو الوقوف بعرفات فقط أو الوقوف بالمشعر كذلك أو مناسك منى، كما يجوز للقارن والمفرد، أم لا يجوز للمتمتع التقديم اختياراً؟
المشهور بين الفقهاء هو الثاني. وذكر في الجواهر: أن الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر عن الفاضلين نسبته إلى إجماع العلماء كافة; لكن السيد صاحب المدارك استقرب الجواز مطلقاً، وتوقف فيه صاحب الحدائق.
والروايات في هذا المجال مختلفة، فمن طائفة منها يستفاد الجواز، بل عدم ثبوت الأفضلية للتأخير أيضاً، مثل:

(الصفحة338)



الرواية الصحيحة التي رواها محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن ابن أبي عمير عن حفص بن البحتري عن أبي الحسن (عليه السلام) في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال: هما سواء، أخّر ذلك أو قدمه، يعني المتمتع(1).
ولو لم يكن مراده خصوص المتمتع باعتبار نفس السؤال، فإن القارن والمفرد لا إشكال في جواز تقديمهما، لكان مقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب، هو الشمول لحج التمتع; خصوصاً بعد أفضليته من ساير أنواع الحج.
وصحيحة ابن بكير وجميل جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج، فقال: هما سيان قدمت أو أخرت(2).
وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يتمتع ثم يحلّ (يهلّ ظ) بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى، قال لا بأس(3).
وقد روى عبدالرحمن مثله عن علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) إلاّ أنه قال (عليه السلام) لا بأس به(4).
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنه من المستبعد جداً ان عبدالرحمن يروي لصفوان تارة بلا واسطة عن موسى بن جعفر (عليه السلام) واُخرى مع واسطة علي بن يقطين; فذكر علي بن يقطين في إحدى الروايتين زائد، أو ناقص في الخبر الآخر.

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح3.
(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح1.
(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح2.
(4) الوسائل: أبواب أقسام الحج الباب الثالث عشر، ح3.

(الصفحة339)



ويرفع الاستبعاد، ان المطلب المنقول عن إحدى الشخصيات سيما مثل الإمام (عليه السلام) خصوصاً إذا كان المطلب مخالفاً للفتاوى ـ كما في المقام ـ يكون الإنسان طالباً للسؤال عنه، لترتفع الشبهة ويزول الإبهام بالمرة، وعليه فذكر علي بن يقطين لا يكون زائداً ولا ناقصاً في الخبر الآخر; بل التعدد باق بحاله من دون أن يكون موجب للوحدة.
لكن بإزاء هذه الروايات، روايات اُخرى، ظاهرة في عدم كون الجواز بنحو الإطلاق; بل له قيد. فلا يكون المتمتع مختاراً في جواز التقديم على الوقوف بعرفات.
منها: صحيحة حماد والحلبي جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض، قبل أن تخرج إلى منى(1).
وذكر «قبل الخروج إلى منى» إما باعتبار ثبوت المناسك المتعددة لها واستمرار أيامها ولياليها نسبة، فيخرج الوقوفان بهذا اللحاظ مع كونهما مقصودين. وإما باعتبار ثبوت الاستحباب للبيتوتة فيها ليلة عرفة قبل الوقوف بعرفات.
وعليه فالمراد قبل الخروج من مكة إلى منى، ليلة عرفة. ونحن وإن لم نقل بثبوت المفهوم حتى القضية الشرطية الواقعة في رأس المفاهيم، إلاّ إنا نقول بمدخلية القيد الراجعة إلى عدم ثبوت الحكم للمطلق، خصوصاً إذا كان القيد في كلام الإمام (عليه السلام) العارف بالعربية والأدبية جداً.
فإذا قال «في الغنم السائمة زكاة» يستفاد عدم ثبوت الزكاة لمطلق الغنم. وإلاّ كان ذكر القيد لغواً لا يترتب عليه أثر. وأمّا كون العلة المنحصرة لثبوت الزكاة هو

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح4.

(الصفحة340)



السوم، على ما هو مقتضى المفهوم، فلا نقول به في شيء من القضايا. ففرق بين القول بمدخلية القيد وبين القول بثبوت المفهوم ـ كما لا يخفى ـ .
وعليه فيستفاد من الصحيحة أن الحكم بجواز تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، لا يكون ثابتاً بنحو الإطلاق.
ومنها: خبر إسماعيل بن عبدالخالق، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحج، قبل أن يخرج إلى منى(1).
ومنها: موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى، فقال: نعم من كان هكذا يعجّل...(2).
فإن قوله (عليه السلام) يفيد أنّ جواز التعجيل منحصر بموارد مخصوصة، ولا يكون ثابتاً على نحو الإطلاق; وإلاّ لا يبقى لقوله (عليه السلام) «من كان هكذا» مجال أصلا; مضافاً إلى أن نفس السؤال قرينة على عدم الثبوت بنحو الإطلاق.
ومنها: ما رواه في الوسائل في أبواب الطواف في بابين هكذا: الشيخ بإسناده عن موسى ابن القاسم عن صفوان بن يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج، ففرغت من طواف العمرة، فخافت الطمث قبل يوم النحر، أيصلح لها أن يعجل طوافها طواف الحج، قبل أن تأتي منى؟ قال: إذا خافت

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح6 .
(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح7.

<<التالي الفهرس السابق>>