في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة361)



وأمّا مع التقديم على السعي نسياناً وسهواً أو جهلا بالحكم، فقد نسب إلى جماعة، منهم المحقق النائيني (قدس سره) الإجزاء، واختاره الماتن (قدس سره) بل قيل إنه لا خلاف فيه.
والدليل عليه ـ مع كونه مخالفاً لقاعدة الإجزاء المفروضة فيما إذا أتى بالمأمور به على وجهه; والفرض أنه لم يأت بطواف النساء بعد الحج الذي يكون السعي جزءاً منه. لو لم يكن هناك إجماع تعبدي، كما هو الظاهر ـ أمران:
أحدهما: صحيحتا جميل ومحمد بن حمران، الواردتان فى من قدم ما حقه التأخير وأخّر ما حقه التقديم، في أعمال منى ومناسكه في حجة الوداع، الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه مرّة أو مرتين: «لا حرج» فإنه قد جعل بعض العلماء ذلك أصلا وقاعدة متبعة، وضابطة عامة في باب أجزاء الحج; من دون اختصاص بمناسك منى.
والجواب عنه: أولا: الإشكال في صحة الجعل المذكور. فإن المستفاد من الروايتين كونه ضابطة كلية في أعمال منى ومناسكه، لا في جميع أجزاء الحج وأعماله، أعم من أعمال منى لعدم ثبوت الدليل على الأصل المذكور في أبواب الحج وأجزائه كلية.
وثانياً: أنه لو سلم صحة الجعل المذكور والأصل الكلي في جميع أجزاء الحج، لكن المفروض عدم كون طواف النساء من أجزاء الحج وشرائطه. فالضابطة الكلية على تقدير صحتها لا تشمل طواف النساء بوجه.
ثانيهما: موثقة سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: لا يضره،

(الصفحة362)



يطوف بين الصفا والمروة، وقد فرغ من حجه(1).
وقد حملها الشيخ (قدس سره) على الناسي، ويلحق به الجاهل بالحكم; لأنه مع العمد والعلم لم يجز قطعاً ـ كما عرفت ـ .
وأورد على الاستدلال به بعض الأعلام (قدس سره) بما حاصله أن الرواية مطلقة ولم يذكر فيها النسيان، فظاهرها جواز التقديم مطلقاً، وهذا مقطوع البطلان، مع أنها غير ناظرة إلى صحة طواف النساء وعدمها، من حيث وقوعها قبل السعي وبعده; وإنما يكون نظرها إلى صحة طواف الحج، باعتبار الفصل بينه وبين السعي بطواف النساء. فكان السائل احتمل في صحة طواف الحج، عدم الفصل بينه وبين السعي بطواف النساء، فأجاب (عليه السلام) بأنه لا يضر الفصل المذكور، بل يأتي بالسعي بعده.
ويؤيده أن الوقوع بعد السعي إنما يكون معتبراً في طواف النساء لا في طواف الحج. فإنه يكون مقدّماً عليه لا محالة. ولا مجال للسؤال بالإضافة إليه.
أقول: حمل الرواية المطلقة على خصوص الناسي كما فعله الشيخ (قدس سره) وإن كان لا دليل عليه مع عدم إشعار فيها بالحمل المذكور، فضلا عن الدلالة. إلاّ أن جعل مورد السؤال فيها ما أفاده ممنوع. فترى في بعض الروايات الأخر، وإن كانت فاقدة للحجية والاعتبار السؤال المذكور، مع كون المراد هو تقديم طواف النساء على السعي. وقد حكم الإمام (عليه السلام) فيها بعدم الجواز.
ففي مرسلة أحمد بن محمد عمن ذكره، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك، متمتع زار البيت فطاف طواف الحج، ثم طاف طواف النساء ثم سعى، قال: لا يكون

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس والستون، ح1.

(الصفحة363)

في نسيان طواف النساء

مسألة 11 ـ لو ترك طواف النساء سهواً ورجع إلى بلده، فإن تمكن من الرجوع بلا مشقة يجب; وإلاّ استناب فيحلّ له النساء بعد الإتيان . [1]


السعي إلاّ من قبل طواف النساء، فقلت: أفعليه شيء؟ فقال: لا يكون السعي إلاّ قبل طواف النساء(1).
ويحتمل قوياً اتحاد الروايتين، كما أن من ذلك يظهر الوجه في أن الأحوط إعادة طواف النساء على ما أفاده الماتن (قدس سره) إلاّ أن يستند في ذلك إلى حديث الرفع، بالإضافة إلى فقرتين «ما لا يعلمون، الخطأ والنسيان» فتدبر.
[1] قد عرفت فيما مرّ أن طواف النساء وإن لا يكون من الحج لا جزءاً ولا شرطاً، إلاّ أنه مأمور به بالأمر الوجوبي المستقل وشرط لحلية النساء.
فاعلم أنه لو تركه إمّا عمداً وإمّا سهواً، وذكر السهو في المتن ليس لأجل اختصاص الحكم به، ولذا ذكرنا في التعليقة، وكذا عمداً بل لأجل وقوع الترك نوعاً كذلك، وإلاّ فالحاج الذي قد امتثل أمر المولى لا يكون بصدد ترك طواف النساء عمداً، وإن لا يكون من الحج. فالترك الحاصل يكون نوعاً مستنداً إلى السهو.
والوجه في الحكم المذكور في المتن أنه مع إمكان الرجوع إلى مكة وتدارك طواف النساء بالمباشرة من دون أن يكون هناك حرج ومشقة، موجب لرفع الحكم; بل

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس والستون، ح1.

(الصفحة364)



عدم جعله كما يستفاد من آية نفي الحرج، لابد من الرجوع والتدارك بالمباشرة. ومع عدم التمكن منه كذلك لابد من الاستنابة.
فإنه تجري النيابة في طواف النساء; لأنه ـ مضافاً إلى عدم كونه أهم من طواف الزيارة الذي تجري فيه النيابة، كما عرفت وسيأتي أيضاً إن شاء الله تعالى، وإن كانت النيابة على خلاف القاعدة، على ما مرّ في بحث النيابة، ومرجعه إلى سقوط قيد المباشرة مع عدم الإمكان في أجزاء الحج وأبعاضه، ـ لابد في المقام إما من القول بسقوط طواف النساء الذي لابد من إتيانه، حتى يقضي عنه وليه لو مات مع الترك، وإما من القول بالاستنابة في فرض عدم التمكن من المباشرة على ما هو المفروض في المقام.
ومن الواضح أن الترجيح مع الثاني، خصوصاً مع النصوص الواردة في مثله من طواف الزيارة على ما يأتي بعضها.
وبالجملة، الطواف له مراتب ثلاثة، لا ينتقل إلى كل مرتبة إلاّ بعد عدم التمكن من المرتبة السابقة.
الأولى: الطواف مباشرة. الذي يعبر عنه بأن يطوف.
الثانية: الطواف به. كما في الطفل غير المميز ومن لا يتمكن من المباشرة. لكنه يقدر على الطواف مع السرير ونحوه.
الثالثة: الطواف عنه. كما في موارد الاستنابة، مثل الحيض، والترك مع عدم التمكن من الرجوع والإتيان مباشرة; فتدبر.

(الصفحة365)

في ما لو نسي وترك الطواف

مسألة 12 ـ لو نسي وترك الطواف الواجب من عمرة أو حج أو طواف النساء، ورجع وجامع النساء، يجب عليه الهدي، ينحره أو يذبحه في مكة. والأحوط نحر الإبل، ومع تمكنه بلا مشقة يرجع ويأتي بالطواف. والأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء، ولو لم يتمكن استناب . [1]


[1] نسب إلى أكثر الفقهاء (قدس سرهم) في الفرض المذكور وجوب بدنة، وذهب جماعة منهم المحقق وصاحب الجواهر إلى أنه كفارة عليه، واحتمل المحقق أن القائلين بالكفارة إنما أرادوا وجوبها فيما إذا كانت المجامعة بعد التذكر. وأمّا إذا واقع وهو لم يرتفع نسيانه بعد، بل في حال استمرار النسيان السابق، فلا شيء عليه. فإذاً يرتفع الخلاف بين النافين للكفارة والمثبتين لها.
والأصل في هذه المسألة رواية علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء، كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي إن كان تركه في حج، بعث به في حج; وإن كان تركه في عمرة، بعث به في عمرته; ووكلّ من يطوف عنه ما تركه من طوافه(1).
قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ بإسناده عن علي بن جعفر، ورواه الحميري في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن ـ أي: العلوي ـ عن جده

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح1.

(الصفحة366)



علي بن جعفر، إلاّ أنه قال: فبدنة في عمرة.
ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله; ثم قال: أقول حمله الشيخ على طواف النساء، لما مضى ويأتي.
وفي حاشية الوسائل ـ المطبوع حديثاً ـ عن البحار الذي يروي الرواية عن الشيخ ذكر البدنة مقام الهدي و إسناد الحميري في قرب الإسناد إلى علي بن جعفر غير صحيح، لأن فيه عبدالله بن الحسن العلوي. ونسخ التهذيب أيضاً مختلفة من جهة «الهدي» أو «هديه» وإن اتفقت من جهة عدم البدنة. وكيف كان فالكلام في المسألة يقع من جهات:
الاُولى: قد عرفت أن ترك طواف النساء ـ ولو كان عمداً ـ لا يوجب بطلان الحج ولا العمرة بوجه لعدم كونه جزءاً و شرطاً. غاية الأمر توقف حلية النساء على الإتيان به. كما إنك عرفت أن ترك الطواف غير النساء في الحج وكذا في العمرة يوجب البطلان، إذا كان عمداً وعن علم واختيار. لأنه مقتضى الجزئية والركنية.
والكلام هنا في ترك الطواف نسياناً، وأنه يوجب البطلان. فالمحكي عن الشيخ (قدس سره) في كتابي الأخبار والحلبي هو البطلان; وعن غيرهما هو العدم. بل عنه في الخلاف وعن الغنية الإجماع عليه.
والدليل عليه مضافاً إلى رواية علي بن جعفر ـ المتقدمة ـ صحيحة هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبدالله عمن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه(1).

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح4 .

(الصفحة367)



وعن الشيخ حمل الطواف فيها على طواف الوداع، لرواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال: يأمر من يقضي عنه. فإن توفى قبل أن يطاف عنه، فليقض عنه وليه أو غيره(1).
مع أن إطلاق الزيارة على طواف النساء بقرينة اختصاص السؤال به، لا دلالة له على أن إطلاق طواف الزيارة محمول على طواف النساء. ولذا ترى صاحب الوسائل يعقد أبواباً بعد الحلق أو التقصير بعنوان أبواب زيارة البيت. وغرضه المهم طواف الزيارة في مقابل طواف النساء.
الثانية: في وجوب الكفارة ومقداره.
فاعلم أن ظاهر رواية علي بن جعفر التي هي صحيحة على بعض طرقها هو الوجوب، وعليه المشهور; فنفيه في غير محله.
وأمّا مقدار الكفارة، فالظاهر إنه لم يقم دليل على ثبوت البدنة، لاختلاف نسخ الرواية مع أن رجوع الضميرين المذكرين إلى البدنة غير مناسب لشأن الإمام (عليه السلام) لعدم الموجب للإرجاع المذكور بوجه، فلم يثبت خصوصية للهدي الثابت بعنوان الكفارة; مع أن الأمر دائر بين الأقل والأكثر.
والحق فيه جريان البراءة كما إذا دار أمر الرقبة التي يجب عتقها، بين الرقبة المطلقة وبين خصوص الرقبة المؤمنة. لعدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بباب

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح3. وليعلم أن صاحب الوسائل (قدس سره) أورد في هذا الباب روايات كثيرة لمعاوية بن عمار، مع اختلاف يسير بينها; ويحتمل قوياً اتحادها وعدم التعدد.

(الصفحة368)



الإجزاء ـ كما قد قرر في محله ـ فليس في المقام كفارة إلاّ الهدي، والاحتياط بنحر الإبل إن كان وجوبياً لا وجه له أصلا.
الثالثة: في مدخلية المواقعة في ترتب الكفارة المزبورة وعدمها.
ظاهر رواية علي بن جعفر ـ المتقدمة ـ مدخلية المواقعة في ثبوت الكفارة المذكورة. حيث إن ظاهرها تحقق المواقعة في حال استمرار النسيان وبقاءه. لاتحققها بعد زواله وارتفاعه. وإن كان يبعّده عدم استمرار النسيان المذكور نوعاً. لكن ظهور لفظ السؤال يأبى من الحمل على ذلك. فإذن المواقعة دخيلة في ثبوت الكفارة.
فلا مجال للجمع بين الكلمات الذي احتمله صاحب الشرايع في متنها مما تقدم; فإنه لا يتجاوز عن مجرد الاحتمال، من دون أن يكون في البين ما يؤيده; فتدبر.
الرابعة: في أن الحكم لا يكون منحصراً بمسألة الكفارة. بل الواجب على الناسي المذكور إعادة الطواف بنفسه أو بالاستنابة، بعد كون الحج بأجمعه قابلا للنيابة; فضلا عن إجزاءه. ولذا كان سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي (قدس سره) يحكم بحجية الظن في أفعال الصلاة، من طريق قيام الدليل على الحجية في نفس الركعة المركبة من أجزاء مختلفة من الركن وغيره. هذا مع دلالة الروايات على جريان الاستنابة في المقام; فلا إشكال فيها من هذه الجهة.
الخامسة: ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) ـ المتقدمة ـ في حج، هو البعث في زمان الحج، «وفي عمرة هو البعث في زمانه. فالرواية متعرضة للزمان فقط.
وأمّا من جهة المكان، فلا دلالة لها عليه. وظاهرها أن المكان هي مكة، كما صرح به الماتن (قدس سره) لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) : «في حج» هي منى. وبقوله: «في

(الصفحة369)

في ترك الطواف جهلا

مسألة 13 ـ لو ترك طواف العمرة أو الزيارة جهلا بالحكم ورجع، تجب عليه بدنة وإعادة الحج . [1]


عمرة» هي مكة. ويؤيده مضافاً إلى أن الأمر في الكفارات يكون كذلك، أنه لا وقت للعمرة المفردة، وعمرة التمتع لا تكون مستقلة عن الحج.
السادسة: إن البحث في إعادة السعي في غير طواف النساء قد تقدم، ولا حاجة إلى الإعادة.
[1] قد وقع الخلط في بعض الكلمات بين صورتي الجهل والنسيان، مع أن الظاهر عرفاً واستعمالا مغايرتهما، حتى في مثل حديث الرفع. فترى الشيخ الطوسي (قدس سره) في محكي الاستبصار عنون الباب هكذا: «باب من نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله» ثم أورد الروايتين الآتيتين الواردتين في الجاهل. وكذا استدل في محكي التهذيب على حكم الناسي بالروايتين المشار إليهما; مع اختلاف المسألتين موضوعاً، وعدم ثبوت الإعادة، أي: إعادة الحج على الناسي إجماعاً. وما في محكي كشف اللثام، من أن الجهالة تعم النسيان، لا يخفى عليك ما فيه. وأمّا الروايتان:
فالاُولى: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: إن كان على وجه جهالة في الحج، أعاد وعليه
بدنة(1).

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس والخمسون، ح1.

(الصفحة370)



والثانية: رواية علي بن أبي حمزة، قال: سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله، قال: إذا كان على وجه الجهالة، أعاد الحج وعليه بدنة(1).
قال في الوسائل بعد نقل هذا الخبر: ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) إلاّ أنه قال: سهى أن يطوف. والظاهر أن كاشف اللثام إنما تبع هذا النقل مع عدم كون السند صحيحاً.
وحيث إن الرواية الاُولى صحيحة، فلا محيص إلاّ عن الالتزام بها، والحكم بثبوت الكفارة على تارك الطواف جهلا بالحكم. وإن لم يرجع إلى أهله، فضلا عن تحقق المواقعة وثبوت الجماع، وأشدية حكم الجاهل من العالم التارك للطواف; حيث لا تكون الكفارة ثابتة في حقه، ولا يجب عليه إلاّ إعادة الحج. وإن كانت مستبعدة إلاّ أنه بعد ورود الرواية الصحيحة المزبورة فيه، لا محيص إلاّ عن الالتزام بها ولا مانع منه.
ثم إن إتيان الأهل والرجوع إليه لا يكون مذكوراً في هذه الرواية. فلا مجال لاحتمال المراد به هي المواقعة، بعد عدم وروده أصلا. ومقتضى إطلاق الصحيحة ثبوت الحكمين مطلقاً، وإن لم تتحقق المواقعة أصلا.
ثم إن الحكم بإعادة الحج في الصحيحة يمكن أن يكون قرينة على أن المراد بالعمرة، هي عمرة التمتع التي تكون مرتبطة بحجه. وإلاّ فالعمرة المفردة مستقلة لا ارتباط لها بالحج، ولا وقت لها أصلا، وإن كانت في بعض الأشهر مستحبة بالخصوص.

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس والخمسون، ح2.

(الصفحة371)



ثم إن إطلاق عنوان الزيارة على مطلق الحج ـ كما في المتن ـ مما لا يساعده اللغة، ولا كلمات الفقهاء (قدس سرهم) فإن زيارة البيت قد تطلق على طواف الحج الذي يؤتى به بعد مناسك منى وأفعاله. وأمّا نفس الحج فلا يطلق عليه عنوان الزيارة.
ثم إن ما ورد في باب الحج في بعض الروايات المتقدمة من أن «أيما امرء ركب أمراً بجهالة، فلا شيء عليه» إنما هو عام قابل للتخصيص بمثل الصحيحة. ولم يدل دليل على عدم قابليته للتخصيص. مع أن مورده ما إذا تحقق الفعل الذي لا ينبغي تحققه ناشياً عن الجهالة.
وأما في مثل المقام يكون الترك مستنداً إلى الجهل، كما أنه مما ذكرنا ظهر أن حديث الرفع الدال على رفع ما لا يعلمون، قابل للتخصيص. لو لم نقل بعدم دلالته رأساً على ارتفاع الأحكام التي تكون موضوعاتها هذه العناوين. فلا دلالة له على ارتفاع حكم سجود السهو، عن السهو الموجب له في الصلاة; ولا على ارتفاع حكم الخطأ عن القتل الصادر خطأً; ولا وجوب إعادة الطواف والإتيان به على تاركه الناسي. وأمثال ذلك من الموارد.
ومنه يظهر عدم صحة التمسك بحديث رفع الخطأ والنسيان في المسألة السابقة; فتدبر.
هذا تمام الكلام في البحث عن المناسك الخمسة الواجبة بعد أعمال منى.

(الصفحة372)

القول في المبيت بمنى

مسألة 1 ـ إذا قضى مناسكه بمكة، يجب عليه العود إلى منى للمبيت بها ليلتي الحادية عشرة والثانية عشرة.والواجب من الغروب إلى نصف الليل . [1]


[1] في هذه المسألة جهات من الكلام:
الاُولى: أن الواجب على تقديره هو المبيت بمنى الليلتين المذكورتين. وأمّا عنوان العود المتوقف على الخروج من منى ثم العود إليها، فلا دليل على وجوبه; خصوصاً مع تعليقه على قضاء المناسك بمكة. فإن من لم يرجع عن منى يوم النحر أصلا حتى يعود إليها، يجب عليه المبيت أيضاً. وفي الحقيقة يكون الواجب هو المبيت الليلتين المذكورتين، سواء تحقق عنوان العود أم لا.
الثانية: في وجوب المبيت أو استحبابه. فالمحكي عن تبيان الشيخ الطوسي (قدس سره) هو الاستحباب. وحكى صاحب الجواهر عن تفسير مجمع البيان ـ الذي هو ملخص التبيان ـ القول باستحباب جميع مناسك منى المتقدمة والمتأخرة.
والدليل على الوجوب ـ مضافاً إلى بعض النصوص الآتية ـ استمرار سيرة

(الصفحة373)



المسلمين أعم من الشيعة على الالتزام العملي به، والمعاملة معه معاملة الواجب. وفي الحقيقة رؤيتهم له رؤية الواجب، والالتزام العملي به. وهذه السيرة متصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) وقد استدللنا على وجوب بعض أجزاء الحج بهذه السيرة; من دون أن يكون هناك دليل لفظي أصلا.
الثالثة: في أنه وإن كان واجباً، بل في تركه ثبوت الكفارة أيضاً ـ كما سيأتي بعض النصوص الدالة عليه ـ إلاّ أنه لا يكون جزءاً من أجزاء الحج، بحيث إذا تحقق الإخلال به عمداً، يوجب ذلك الخلل في الحج. بل حكمه من هذه الجهة حكم طواف النساء.
و الدليل عليه بعض ما ورد مما يدل على تمامية الحج أو مناسكه بطواف الزيارة والسعي. فالمبيت بمنى وإن كان واجباً وفي تركه بالإضافة إلى كل ليلة شاة، إلاّ أنه لا يكون من أجزاء الحج.
الرابعة: أنه قد وقع التسالم والاتفاق على عدم وجوب بيتوتة تمام الليل. وإن كان ظاهر اللفظ مقتضياً لذلك، لكنه قد وقع الاختلاف على أن الواجب هو البيتوتة من أول الليل إلى نصفه، وبعده يجوز له الخروج من منى; أو أن الواجب هو أحد النصفين، فهو مخير بين النصف الأول، وبين النصف الأخير.
فالمشهور على الأول. كما عن الرياض: إن ظاهر الأصحاب انحصار المبيت في النصف الأول. والحلبي على الثاني; وهو الأقوى.
لصحيحة بن عمار ـ التي هي عمدة ما ورد في هذا الباب، وقد رواها صاحب الوسائل في الباب الأول من أبواب العود إلى منى في موضعين ـ منه عن أبي

(الصفحة374)



عبدالله (عليه السلام) قال: لا تبت ليالي (أيام خل، وهو خلاف الظاهر) التشريق إلاّ بمنى، فإن بتّ في غيرها، فعليك دم; فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ وأنت في منى، إلاّ أن يكون شغلك نسكك، أو قد خرجت من مكة، وإن خرجت بعد نصف الليل، فلا يضرك أن تصبح بغيرها(1).
فإن فرض القضيتين الشرطيتين، بالإضافة إلى خروج أول الليل والخروج بعد نصف الليل، ظاهر في جواز كلا الخروجين. وهو لا ينطبق إلاّ على التخيير بعد النهي عن البيتوتة ليالي التشريق في غير منى.
وهذه الرواية دليل لفظي على وجوب أصل المبيت. إلاّ أن يقال بعدم انطباقها على المدعى. لأن المدعى هو وجوب المبيت بمنى، والصحيحة دالة على النهي في غير منى والجواز فيها; فتدبر.
ومثلها: صحيحة جعفر بن ناجية عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: إذا خرج الرجل من منى أول الليل، فلا ينتصف له الليل إلاّ وهو بمنى، وإن خرج بعد نصف الليل، فلا بأس أن يصبح بغيرها(2).

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح8 .
(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح2 .

(الصفحة375)

في الطوائف الذين يجب عليهم المبيت ليلة الثالث عشر

مسألة 2 ـ يجب المبيت ليلة الثالثة عشرة إلى نصفها على طوائف:
منهم: من لم يتق الصيد في إحرامه للحج أو العمرة. والأحوط لمن أخذ الصيد ولم يقتله، المبيت. ولو لم يتق غيرهما من محرمات الصيد كأكل اللحم والإراءة والإشارة وغيرهما، لم يجب. [1]


[1] يجب المبيت ليلة الثالث عشر بالنحو المذكور في الليلتين على طوائف:
أمّا الوجوب على الطائفة الاُولى ـ وهم من لم يتق الصيد ـ فللروايات الواردة في تفسير الآية المشتملة على قوله تعالى: (... لِمَنِ اتَّقى...) (1) باتقاء الصيد. وهذه الروايات كثيرة، عمدتها:
صحيحة حماد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، ومن نفر في النفر الأول، فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس. وهو قول الله عزوجل: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقى) (2) فقال: اتقى الصيد(3).
والراوي عن حماد وإن كان هو محمد بن يحيى، وهو مردد في نفسه بين محمد بن يحيى الخزاز الثقة، وبين محمد بن يحيى الخثعمي الذي هو ثقة أيضاً، وبين محمد بن يحيى الصيرفي الذي لم يوثق; إلاّ أن إطلاقه ينصرف إلى الأول الذي هو أشهرهم.

(1) سورة البقرة (2): 203 .
(2) نفس المصدر.
(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح3 .

(الصفحة376)

ومنهم: من لم يتق النساء في إحرامه للحج أو العمرة وطأً، دبراً أو قبلا، أهلا له أو أجنبية، ولا يجب في غير الوطي ـ كالتقبيل واللمس وغيرهما ـ .
ومنهم: من لم يفض من منى يوم الثاني عشر وأدرك غروب الثالث عشر . [1]


فالرواية صحيحة من حيث السند لاخدشة فيها.
وأمّا من حيث الدلالة، فاشتمالها على تذييل الجملة الاُولى بقوله: (... لِمَنِ اتَّقى...) (1) مع أن الآية تشتمل على تذييل الجملة الثانية به، لا يقدح بعد احتمال الاشتباه في النقل أو في الكتابة أو كون مقصود الإمام (عليه السلام) النقل بالمعنى.
وكيف كان فالصحيحة تدل على أن المراد في قوله تعالى من الإتقاء، هو إتقاء الصيد، فمن لم يتق الصيد لا يكون مخيّراً بين التعجيل والتأخير; بل يجب عليه التأخير معيناً. والقدر المتيقن من عدم إتقاء الصيد هو من أصابه. وأمّا من أخذه ولم يقتله فقد احتاط الإمام في المتن وجوباً بالمبيت ليلة الثالث عشر. ولكن شمول العنوان له محل ترديد. وأمّا أكل اللحم ـ أي: لحم الصيد ـ أو مجرد إراءته والإشارة إليه فلا ينافي الإتقاء بوجه. فالأمر يدور مدار هذا العنوان.
[1] وأمّا الطائفة الثانية: فقد استشكل في وجوب المبيت الليلة المذكورة، نظراً إلى أن الإجماع لم يعلم تماميته، والدليل اللفظي عليه ضعيف.
وهي رواية محمد بن المستنير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أتى النساء في إحرامه

(1) سورة البقرة (2): 203 .

(الصفحة377)



لم يكن له أن ينفر في النفر الأول.(1)
ومحمد بن المستنير لا يوجد في الرواة، ولا يكون له رواية أصلا،ولا يكون مذكوراً في الكتب الرجالية، حتى مثل رجال الشيخ (قدس سره) المشتمل على عدّ الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) .
أقول: الرواية وإن كانت ضعيفة، لكن لا شبهة في موافقة فتوى المشهور لها واستنادهم إليها. وهو جابر لضعف سند الرواية، وإن كانت نفس الشهرة غير حجة.
وأمّا الطائفة الثالثة: فيدل على حكمهم النصوص:
منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من تعجل في يومين، فلا ينفر حتى تزول الشمس. فإن أدركه المساء بات ولم ينفر.(2) أي: في النفر الأول، لا مطلقاً.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا نفرت في النفر الأول، فإن شئت أن تقيم بمكة وتبيت بها فلا بأس بذلك. قال: وقال: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح(3).
ثم إن ظاهر المتن عدم وجوب المبيت ليلة الثالث عشر على غير هذه الطوائف، لكنه حكي عن بعض العلماء وجوبه على الضرورة أيضاً. كمن لم يتق الصيد في إحرامه. لكنه لا يعرف له شاهد ولا رواية ضعيفة. وحكى بعض الأعلام (قدس سره) عن شيخه المحقق النائيني أن الأحوط الأولى المبيت الليلة المذكورة أيضاً لكل من اقترف كبيرة من الكبائر. وإن لم تكن من محرمات الإحرام. وقد اعترف بأنه أيضاً

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح1.
(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر ح1.
(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح2.

(الصفحة378)



لا يعرف له وجه ولا قائل به من الفقهاء.
ونسب إلى ابن سعيد: إن من لم يتق مطلق تروك الإحرام، وإن لم يكن فيه كفارة; يجب عليه البيتوتة الليلة المذكورة. وربما يستدل له بما رواه في الوسائل عن الفقيه عن محمد بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال في تفسير الآية المتقدمة (لمن اتقى) : الرفث والفسوق والجدال، وما حرم الله عليه في إحرامه(1).
وفي الفقيه على ما في حاشية الوسائل المطبوعة، سلام بن المستنير، وهو الحق. لما عرفت من أنه لا يوجد في الرواة محمد بن المستنير. فقد وقع في الوسائل اشتباه. وسلام بن المستنير وإن كان ثقة بالتوثيق العام في محكي تفسير القمي وليس في مقابله قدح خاص، إلاّ أن الظاهر أنه لا يجوز العمل بروايته هذه. لأن صريح روايات الصيد جواز ترك المبيت هذه الليلة إذا اتقى الصيد; فتحمل على الاستحباب. مع أن السيرة العملية قائمة على النفر الأول.
وحملها على خصوص من لم يأت بشيء من محرمات الإحرام، لا في حجه ولا في عمرته، بعيد جداً; وحمل على الفرد النادر. فاللازم الالتزام بعدم الوجوب واستحباب المبيت في هذه الصورة أيضاً; فتدبر.

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح7.

(الصفحة379)

في عدم وجوب المبيت على أشخاص

مسألة 3 ـ لا يجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص:
الأول: المرضى والممرضين (الممرضون ظ) لهم; بل كل من له عذر يشق معه البيتوتة.
الثاني: من خاف على ماله المعتد به; من الضياع أو السرقة في مكة.
الثالث: الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل.
الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة.
الخامس: من اشتغل في مكة بالعبادة إلى الفجر; ولم يشتغل بغيرها إلاّ الضروريات ـ كالأكل والشرب بقدر الاحتياج وتجديد الوضوء وغيرها ـ . ولا يجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكة; حتى بين طريقها إلى منى على الأحوط . [1]


[1] قد تعرض في هذه المسألة لمن لا يجب عليه المبيت في الليالي المذكورة، وهم أشخاص وطوائف:
الأول: كل من له عذر يشق معه البيتوتة ـ كالمريض والممرض له ـ .
والدليل عليه قاعدة نفي الحرج الحاكمة على أدلة التكاليف الواجبة. خصوصاً مع عدم كون المبيت جزءاً للحج ولا شرطاً له; بل واجب مستقل بعد تمامية أفعال الحج ومناسكه. يسقط مع وجود المشقة والحرج.
الثاني: من خاف على ماله المعتد به بالنحو المذكور في المتن. والدليل عليه قاعدة

(الصفحة380)



نفي الضرر بالنحو المعروف. لحكومته على الأدلة الأولية، وشمولها للضرر المالي المعتد به.
وأمّا على مبنى شريعة الاصفهاني من كون مفادها النهي عن الضرر. وكذا على مبنى سيدنا الاُستاذ الماتن، الإمام (قدس سره) الذي هو مختارنا أيضاً، من كون النفي فيها مربوطاً بحكومة الإسلام; ولا ارتباط لها بالأحكام الفقهية أصلا.
فالدليل مذاق الشرع الحاكم بعدم حكم الشارع بتحمل الضرر المالي المعتد به، لأجل فعل الواجب كما في الوضوء ونحوه.
الثالث: الرعاة بالشرط المذكور. والدليل على عدم وجوب مبيتهم، أحد الأمرين المتقدمين.
الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة. والدليل أيضاً أحد الأمرين; مضافاً إلى بعض النصوص. مثل:
رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) إن العباس استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبيت بمكة ليالي منى; فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أجل سقاية الحاج(1).
الخامس: من اشتغل بمطلق العبادة، وإن لم تكن من أجزاء الحج في خصوص مكة; وإن لم يكن في مسجد الحرام.
والدليل عليه استثناءه من الروايات الناهية عن البيتوتة في غير منى. وهذه الروايات كثيرة، كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.
لكن الكليني في نقله زاد قوله: «وسألته عن الرجل زار عشاءاً، فلم يزل في

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح21.

<<التالي الفهرس السابق>>