في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة341)



أن تضطر إلى ذلك، فعلت(1).
وذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) : أن في العبارة سقطاً. والصحيح صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق; لأن صفوان بن يحيى الأزرق لا وجود له في الرواة، ويحيى الأزرق وإن كان مردداً بين الثقة والضعيف، لكنه ينصرف إلى الثقة لاشتهاره.
أقول: إذا كانت لفظة «ابن» غلطاً ومحرفاً عن «عن» كما في بعض نسخ التهذيب، يرتفع الاشكال; خصوصاً بعد عدم وجود مثل ذلك في الرواة، وعدم اقتصار مثل صفوان إلى ذكر أبيه أصلا.
ومثلها: ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد (محمد بن عيسى خل) عن الحسن بن علي عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول: لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفاً(2).
ومنها: رواية علي بن حمزة ـ البطائني الكذاب المعروف ـ قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل يدخل مكة ومعه نساء، قد أمرهن فمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، فخشي على بعضهن الحيض، فقال: إذا فرغن من متعتهن وأحللن، فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض، فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحج من مكانها، ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن حدث بها شيء قضت بقية المناسك وهي

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح5.
(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح1.

(الصفحة342)



طامث...(1).
والتحقيق في مقام الجمع بين الروايات أن يقال: إمّا أن تكون الروايات من باب حمل المطلق على المقيد بأن يكون ما يدل على الجواز مطلقاً; وما يدل على عدمه مقيداً بصورة عدم الاضطرار، فيحمل الاُولى على الثانية، كما ربما يظهر من الشيخ ومن صاحب الجواهر (قدس سرهما) .
وعليه فالمقام يكون خارجاً عن موضوع أدلة المتعارضين، كالمقبولة ونحوها ـ لأن موضوعها الخبران المختلفان أو المتعارضان ـ والجمع بين المطلق والمقيد بحمل الأول على الثاني على ما هو المفروض فعلا، جمع دلالي خارج عن موضوع التعارض في مقام التقنين العقلائي، وإن كان داخلا فيه منطقاً; لأن نقيض الموجبة الكلية هي السالبة الجزئية، ونقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية; والمطلق والمقيد بهذا اللحاظ من المتعارضين ـ كما أن العام والخاص أيضاً كذلك ـ والتحقيق موكول إلى محله في المباحث الاُصولية.
وإمّا أن يقال بثبوت التعارض ولزوم الرجوع إلى المرجحات وإعمال قواعد باب التعارض.
والوجه فيه عدم التعبير في أخبار الجواز بالجواز وأشباهه، بل التعبير بقوله (عليه السلام) : «هما سيان قدمت أو أخرت» الظاهر في التسوية حتى في مقام الفضيلة. والتعبير في أخبار الضرورة بقوله: «لا بأس» مع دلالتها على عدم كون نفي البأس ثابتاً بنحو الإطلاق. بل مع وجود القيد ـ كما عرفت تقريبه ـ غاية الأمر عدم ثبوت دلالة لها

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح2.

(الصفحة343)



على المفهوم، كما أشار إليه صاحب المدارك الذي حكي عنه فقط القول بالجواز مطلقاً.
وعليه فالطائفتان متعارضتان; والترجيح مع أخبار الضرورة; لأن أول المرجحات على ما استفدنا من المقبولة، هي الشهرة الفتوائية، ومن المعلوم أن التفصيل موافق للشهرة إن لم نقل بالإجماع، وإن رفعنا اليد عن هذا المرجح تصل النوبة إلى موافقة الكتاب الذي هو أعم من السنة، لا مقابلا لها.
ومن الواضح أيضاً أن السنة القولية والعملية قامت على التأخير، سيما صحيحة سعيد الأعرج التي أشرنا إليها سابقاً، حيث قال الصادق (عليه السلام) فيها: «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن ويمضين إلى مكة في وجوههن فيطفن بالبيت...»
فالظاهر حينئذ هو ما اختاره في المتن من عدم الجواز اختياراً.
المقام الثاني: أنه بعد ما ثبت عدم جواز التقديم للمتمتع في حال الاختيار وعدم الاضطرار، يقع الكلام في الطوائف الذين يجوز لهم التقديم; فنقول:
قد ذكر الماتن (قدس سره) أربع طوائف في هذا المقام، والروايات المتقدمة لا دلالة لها على بعضها بالخصوص، لكن المستفاد منها ـ ولو بمعونة تناسب الحكم والموضوع ـ أن الجامع لهذه الطوائف يجوز له التقديم:
وهو من لم يتمكن تكويناً أو تشريعاً من الطواف الصحيح بعد العود والرجوع عن منى إلى مكة، إما لكون الطائف امرأة تخاف الحيض والطهارة شرط للطواف، وإما لوجود الهرم والشيخوخة التي لا تجتمع عرفاً مع إمكان الطواف لوجود

(الصفحة344)



الزحام، وإما لوجود المرض كذلك، وإما لأنه لا يتمكن من الرجوع إلى مكة أصلا، لأن الجمال لا يقيم، أو لثبوت العدو له في مكة، وإمّا لجهة اُخرى.
وقد ذكرنا عدم ثبوت المفهوم حتى للقضية الشرطية ـ فضلا عن المقام ـ وأن ذكر القيد دليل على عدم ثبوت الحكم للمطلق. ومن الممكن قيام قيد مقام آخر. فإذا قال: إن جاءك زيد فأكرمه، فهو دليل على أن وجوب الإكرام لم يترتب على صرف وجود زيد; بل يفتقر إلى قيد، ولو كان ذلك القيد هو تسليمه الثابت بدليل آخر. ـ كما لا يخفى ـ .
نعم في خصوص الطائفة الرابعة كلام، يأتي في ذيل المسألة الرابعة.
بقي الكلام في أمرين:
أحدهما: أن المشهور عطفوا السعي على الطواف; وحكموا بجواز تقديمه في موارد جواز تقديم الطواف. مع أن السعي يغاير الطواف من جهة عدم ثبوت الزحام فيه نوعاً، وإن كان الزحام موجوداً في هذه الأزمنة ومن جهة عدم اشتراط الطهارة فيه، وعدم كون المسعى من أبعاض المسجد الحرام، وعدم كون السعي بنفسه من المستحبات. بخلاف الطواف الذي يستحب، بل الإكثار والتعدد فيه أيضاً كذلك.
وذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) ما حاصله أن ما ذكروه إنما يتم بناءاً على كون الجمع بين الأخبار بنحو المطلق والمقيد. لأنه حينئذ تتقيد الأخبار المجوزة مطلقاً بصورة الاضطرار، ويحكم بالجواز فيها، وفيها جواز تقديم السعي أيضاً. وأمّا إذا قلنا بثبوت التعارض وترجيح الأخبار المانعة، فلا دليل على جواز تقديم السعي. لأن المذكور في الأخبار خصوص الطواف.

(الصفحة345)



ثانيهما: أن المستفاد من المتن جواز تقديم طواف النساء أيضاً. وقد صرح به العلامة وبعض آخر; بل في كشف اللثام أنه المشهور. لعموم ما تقدم ولرواية أبي الحسن (عليه السلام) المتقدمة التي وصفها صاحب الجواهر بالصحة أو انجبار ضعفها.
لكن المحكي عن الحلي عدم الجواز لاتساع وقته، باعتبار عدم كونه من أجزاء الحج أصلا، حتى يشمله قوله تعالى: (الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ...) (1) والرخصة في الاستنابة فيه.
وخصوص رواية علي بن أبي حمزة ـ التي تقدم نقل بعضها، والباقي قوله ـ : فقلت أليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى،قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن يقيم عليها والرفقة، قال: ليس لهم ذلك تستعدى عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها.
لكن ـ مضافاً إلى الإشكال في الرواية سنداً، بل ودلالة ـ هنا رواية صحيحة اُخرى، تدل على تمامية حجها وإن لم تأت بطواف النساء.
وهي رواية أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل، فقال: أصلحك الله، إن معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء، فأبى الجمال أن يقيم عليها، قال: فاطرق وهو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن

(1) سورة البقرة (2): 197 .

(الصفحة346)

في ما لو انكشف الخلاف

مسألة 4 ـ لو انكشف الخلاف فيما عدا الأخيرة، كما لو لم يتفق الحيض والنفاس أو سلم المريض أو لم يكن الازدحام بما يخاف منه، لا تجب عليهم إعادة مناسكهم; وإن كان أحوط. وأمّا الطائفة الأخيرة فإن كان منشأ اعتقادهم المرض أو الكبر أو القلة تجزيهم الأعمال المتقدمة; وإلاّ فلا تجزيهم. كمن اعتقد أن السيل يمنعه، أو أنه يحبس فانكشف خلافه . [1]


أصحابها ولا يقيم عليها جمالها، تمضي فقد تم حجها(1). وهي وإن كانت محمولة على الاستنابة، إلاّ أن الظاهر في المقام جواز تقديم طواف النساء أيضاً، خصوصاً بعد عدم كونها جزء للحج; بل واجباً مستقلا.
ويحتمل أن يكون واجباً شرطياً ـ كما سيأتي البحث عنه مفصلا إن شاء الله تعالى ـ وبعد كونه مشروطاً بالطهارة كطواف الزيارة، فالظاهر جواز تقديمه أيضاً.
[1] الحكم بالإجزاء في الطوائف الثلاثة الاُولى مبني على قاعدة الإجزاء المستفادة في المقام من الأدلة الدالة على الجواز. فإن مقتضى دليله أنه كما يجوز التقديم، كذلك يجزي التقديم. والمفروض أن انكشاف الخلاف لا يوجب تبدل العنوان.
فالمرأة التي كانت تخاف الحيض أو النفاس لا يكون انكشاف خلافه موجباً

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والثمانون، ح13.

(الصفحة347)



لتبدل العنوان بمعنى عدم كونها خائفة حين التقديم; بل هو يرجع إلى عدم ثبوت ما يخاف منه. فإذا خاف المكلف على نفسه الصوم ـ مثلا ـ فهو باق على حاله ولا يكون انكشاف الخلاف موجباً لعدم كونه حائضاً أصلا. فالعنوان باق، والدليل يدل على الإجزاء كما يدل على الجواز.
وأمّا الطائفة الرابعة الأخيرة فقد فصل فيها التفصيل المذكور في المتن. والوجه فيه اجتماع أمرين:
الأول: عدم كون القطع أو ما ينزل منزلته. وهو الاطمئنان الذي يعد علماً عرفاً موجباً للإجزاء ـ كما حققوه في المباحث الاُصولية ـ فإذا قطع بأن الواجب في يوم الجمعة خصوص صلاة الجمعة دون الظهر، فصلى كذلك مكرّراً ـ مثلا ـ ثم انكشف الخلاف، وأن الواجب هي صلاة الظهر في يوم الجمعة أيضاً دون صلاة الجمعة، لا يكون انكشاف الخلاف موجباً للإجزاء المسقط لوجوب قضاء صلاة الظهرة أيضاً. لأنه في صورة القطع المخالف; وإن كان القطع حجة، إلاّ أن معنى الحجية لا يرجع في صورة المخالفة، إلاّ إلى المعذرية الموجبة لعدم جواز عقابه على ترك الواجب، وهي صلاة الظهر. وأما كونه مسقطاً للقضاء فلا.
والثاني: عدم استفادة الجواز فيه من الروايات الواردة في المقام، وإلاّ فمقتضاها الإجزاء; مضافاً إلى الجواز. ويرد على الأمر الثاني أنه مع عدم استفادة الجواز من الروايات، كيف جعلها في عداد الطوائف الاُخر؟
إلاّ أن يقال: إن وجود العلم المذكور أولا، وانحصار أعمال الحج بأشهره التي آخرها شهر ذي الحجة، والاستفادة من الروايات انه يجوز التقديم بالإضافة إلى

(الصفحة348)



بعض الأعمال في الجملة، أوجب الحكم بالجواز; ولا يترتب عليه غير ذلك من الإجزاء.
ولذا ذكرنا في التعليقة على المرض أن الظاهر أن المراد به هو حدوث المرض بعد الرجوع، كما تقتضيه المقابلة مع الطائفة الثالثة. وحينئذ بعد عدم الحدوث، الظاهر عدم الإجزاء.
وكيف كان، فيرد على سيدنا الاُستاذ الماتن (قدس سره) أن المستفاد في جواز تقديم الطائفة الرابعة إن كانت هي الأدلة وبعض الروايات ـ كما يظهر من إطلاق الخوف في بعضها، وإن تردد صاحب الجواهر في سندها لتوصيفه لها بالصحيحة أو الخبر ـ فاللازم الحكم بالإجزاء فيها أيضاً، كما في سائر الطوائف; لعدم الفرق بينهما أصلا.
وإن كان المستند هو ما ذكرنا بعد عدم دلالة الروايات عليه، فيمكن الإيراد عليه بعدم ثبوت الجواز فيها، فضلا عن الإجزاء وكون الحج أشهراً معلومات، لا يقتضي جواز التقديم; بل يمكن إجراء حكم النسيان عليه. والمسألة بعد تحتاج إلى مزيد تحقيق وتأمل.

(الصفحة349)

في مواطن التحلل

مسألة 5 ـ مواطن التحلل ثلاثة:
الاُول: عقيب الحلق والتقصير، فيحل من كل شيء إلاّ الطيب والنساء والصيد ظاهراً; وإن حرم لاحترام الحرم.
الثاني: بعد طواف الزيارة وركعتيه والسعي، فيحل له الطيب.
الثالث: بعد طواف النساء وركعتيه، فيحل له النساء . [1]


[1] مرّ البحث عن الموطن الأول في مسألة الحلق أو التقصير. وقلنا: بثبوت التحلّل بعده، خلافاً للصدوقين، القائلين بثبوت التحلل بعد الرمي في منى يوم النحر، أو ما يقوم مقامه. كما أنه مر البحث عن الصيد المحرم بالإحرام أو للحرم، فلا نعيد. وسيأتي البحث عن طواف النساء وما يترتب عليه وعلى ركعتيه من النساء.
إنما الكلام هنا في الموطن الثاني، وهي حلية الطيب; وأنها هل تتوقف على طواف الزيارة وركعتيه والسعي الواقعة بعد أعمال منى ومناسكه ـ كما حكي عن المشهور في خلاف الشيخ ومختلف العلامة ـ ؟ أو تحصل بطواف الزيارة وركعتيه أو بنفس طواف الزيارة، وإن لم تتحقق الركعتان بعده ـ كما احتمله كاشف اللثام، مستنداً إلى بعض الروايات ـ ؟ وجهان:
يدل على المشهور صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق (أي: يوم النحر) فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه، إلاّ النساء والطيب. فإذا أراد البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كل شيء

(الصفحة350)



أحرم منه، إلاّ النساء. وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه، إلاّ الصيد(1).
وصحيحة منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل رمى وحلق، أيأكل شيئاً فيه صفرة؟ قال: لا، حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة; ثم قد حلّ له كل شيء إلاّ النساء، حتى يطوف بالبيت طوافاً آخر; ثم قد حلّ له النساء(2). وبعض الروايات الاُخر.
لكن في مقابلها ما رواه سعد بن عبدالله في محكي بصائر الدرجات عن القاسم بن الربيع ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن سنان جميعاً عن مياح المدائني عن المفضل بن عمر عن أبي عبدالله (عليه السلام) في كتابه إليه المشتمل على قوله (عليه السلام) : ثم ترمي الجمرات وتذبح وتغتسل، ثم تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك أحللت;...(3).
لكنها لا تقاوم الروايات المتقدمة الصحيحة، خصوصاً بعد ظهورها في وجوب رمي الجمرات الثلاثة يوم النحر، وعدم التعرض للحلق أو التقصير; ودلالتها على وجوب الاغتسال ـ سواء كان بمعنى الغسل بالضم، أو بمعنى الغسل بالفتح ـ ومن جهة كونها مكاتبة. والعمدة عدم دلالتها على خصوص طواف الزيارة حتى يشمل الإطلاق عدم الصلاة بعده. والظاهر أن عدم حصول الحلية قبل الطواف، لا حصولها بعده بمجرده. فالعمدة الروايات المتقدمة، خصوصاً بعد كونها موافقة لفتوى المشهور ـ على ما عرفت ـ فالأظهر حينئذ ما أفاده في المتن.

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير الباب الثالث عشر، ح2.
(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح30.

(الصفحة351)

في عدم حلية الطيب بمجرد الطواف المتقدم

مسألة 6 ـ من قدم طواف الزيارة والنساء لعذر ـ كالطوائف المتقدمة ـ لا يحلّ له الطيب والنساء، وإنما يحل المحرمات جميعاً بعد التقصير أو الحلق . [1]


[1] قد عرفت أن المتمتع لا يجوز له تقديم الطواف وما بعده اختياراً على الوقوفين أو أحدهما أو مناسك منى وأعماله، وإنما يجوز التقديم للطوائف الأربعة المتقدمة; لدلالة الدليل عليه.
فاعلم أن ما قام عليه الدليل هو مجرد جواز التقديم للطوائف المذكورة. نعم يجوز تقديم السعي المترتب على الطواف وركعتيه، وكذا طواف النساء وركعتيه. وأما ترتب أثرها عليها ـ ولو مع التقديم ـ فلا.
ولذا لا يحل الطيب معها، لو قدمت جوازاً. وكذا لا تحل النساء بمجرد طواف النساء وركعتيه ـ ولو مع التقديم ـ . بل الظاهر توقف الخروج عن الإحرام مطلقاً. وإطلاق التحلل على الحلق أو التقصير ـ كما في العمرة ـ .

(الصفحة352)

في عدم اختصاص طواف النساء بالرجال

مسألة 7 ـ لا يختص طواف النساء بالرجال; بل يعم النساء والخنثى والخصي والطفل المميز. فلو تركه واحد منهم لم يحل له النساء، ولا الرجال لو كان امرأة; بل لو أحرم الطفل غير المميز وليه، يجب على الأحوط أن يطوفه طواف النساء حتى يحل له النساء . [1]


[1] أقول: أمّا عدم اختصاص طواف النساء بالرجال، ولزوم هذا الطواف في حج النساء، بالإضافة إلى الرجال، فقد صرّح به علي بن بابويه القمي في الرسالة، وغير واحد من المتأخرين، لإطلاق قوله تعالى: (... فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ...) (1) وفي النص الصحيح تفسير الرفث بالجماع ـ كما مرّ في بحثه ـ وإضافة الجماع بعد كونه صيغة المفاعلة إلى الطرفين ظاهرة، مضافاً إلى دلالة بعض النصوص عليه.
والظاهر لزوم الركعتين بعده وعدم تحقق الحلية بدونهما. نعم في محكي كشف اللثام تبعاً للهداية والاقتصاد «صلّى له أم لا» لإطلاق النصوص.
ويدل على بطلان احتماله أو مذهبه صحيحة معاوية بن عمار الطويلة، المشتملة على قول الصادق (عليه السلام) : ثم اخرج إلى الصفا واصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة فاصعد عليها، وطف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء أحرمت منه إلاّ النساء، ثم

(1) سورة البقرة (2): 197 .

(الصفحة353)



ارجع إلى البيت وطف به أسبوعاً آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثم قد أحللت من كل شيء وخرجت من حجك كلّه، وكل شيء أحرمت منه(1).
فإن ظهورها في توقف حصول التحلل مطلقاً على طواف النساء، لا مجرد المدخلية في حصول الفراغ وتحقق مطلق الخروج واضح، لا خفاء فيه. ويدل على أصل المطلب، وهو عدم الاختصاص بالرجال، روايات كثيرة:
منها: رواية علاء بن صبيح وعبدالرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب وعبدالله بن صالح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت، ثم سعت بين الصفا والمروة، ثم خرجت للحج إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها، ثم طافت طواف الحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء يحلّ منه المحرم إلاّ فراش زوجها، فإذا طافت طوافاً آخر، حل لها فراش زوجها(2).
وقد تكلمنا سابقاً في هذا الفرع المذكور في الرواية، إلاّ أن دلالتها على ما نحن بصدده واضحة ظاهرة. ثم إنه يدل على لزوم اتيان الخناثى والخصيان بطواف النساء. مضافاً إلى عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة; بل الظاهر عدم الخروج من الطبيعتين ـ الواجب على كلتيهما طواف النساء، كما عرفت ـ وإلى عدم اشتراط وجود القوى الشهوية في الوجوب.

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والثمانون، ح1.

(الصفحة354)



صحيحة حسين بن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخصيان والمرأة الكبيرة، أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلهم(1).
وغير ذلك من الروايات التي يستفاد منها هذا الأمر.
وأمّا الثبوت على الطفل المميز الذي أحرم بنفسه بإذن الولي، فإنه وإن كانت التكاليف الالتزامية مرفوعة عنه حتى يبلغ، كما هو المسلّم بينهم، ومقتضى قوله (عليه السلام) «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» أي: يخرج منه المني ولو في حال اليقظة، إلاّ أن الظاهر لابدية الإتيان بطواف النساء، لا لأجل لزومه.
فإن أصل الحج وكذا إتمامه وكذا الإتيان به ليس شيء منها واجباً في حقه أصلا، لفرض كونه غير بالغ مرفوعاً عنه قلم التكليف الالزامي، بل لأجل كون عباداته شرعية ـ كما حققناه في محله وفي قواعدنا الفقهية ـ والحج المشروع لا يكون خالياً عن طواف النساء ولا تكون لابدية الإتيان به على المكلف البالغ لأجل لزوم إتمام الحج; وإن كان أصل الشروع مستحباً.
والوجه فيما ذكرنا: أن طواف النساء ـ كما سيأتي ـ لا يكون جزءاً للحج أو شرطاً له متأخراً عنه; بل نظر الشارع إلى الإتيان به في ظرف مخصوص، وهو بعد الحج في المقام.
فكما أن الصبي المميز لا يجوز الاقتصار في الصلاة على ركعة واحدة أو بعض أجزائها أو كلّها بدون الطهارة، ولا يجوز لشيء من المكلفين الإتيان بصلاة الليل بعنوانها في ست ركعات، وإن كانت مستحبة; كذلك الشرعية لا تقتضي الاقتصار في

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثاني، ح1.

(الصفحة355)



المقام على الإتيان بالحج بدون طواف النساء; وإن كان أمراً مستقلا خارجاً عن الحج جزءاً وشرطاً. وليس فيه إلاّ الحكم التكليفي بالوجوب.
إن قلت: بعد رفع الحكم الإلزامي، وهو الوجوب في المقام عن الصبي وإن كان مميزاً، كيف يحكم عليه باللابدّية؟
قلت: الحكم الإلزامي وإن كان مرفوعاً عنه، إلاّ أنه ليس فيه حكم إلزامي فقط; بل يترتب عليه حلية النساء. والسببية حكم وضعي لا يختص بالمكلفين; بل يجري في مثل هذا الصبي ـ كإتلاف مال الغير الذي يكون سبباً لضمانه، وإن كان عن الصبي مرفوع الحرمة ـ حتى أن الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ. هذا في الطفل المميز.
وأمّا الطفل غير المميز الذي أحرمه الولي، فالذي قطع به الشهيد هي الحرمة، بدون طواف النساء. واحتمله في كشف اللثام. ويمكن أن يكون الوجه فيه هي الاستفادة من أدلة مشروعية إحرام الولي به، واستحبابه عليه هو أن يفعل به جميع أفعال الحج وما يعمله الحاج من الأعمال والمناسك وطواف النساء، مضافاً إلى ما أشرنا إليه من دلالة النصوص على توقف حلية النساء المحرمة بالإحرام، بمعنى لزوم تركها على طواف النساء.
فالحكم فيه ـ كما في المتن ـ من اقتضاء الاحتياط الوجوبي له. وإن كان يغاير الطفل المميز في عدم الوضوح ـ كما ذكرنا ـ .

(الصفحة356)

في وجوب طواف النساء

مسألة 8 ـ طواف النساء وركعتيه واجبان، وليسا ركناً. فلو تركهما عمداً، لم يبطل الحج به; وإن لا تحل له النساء. بل الأحوط عدم حلّ العقد والخطبة والشهادة على العقد له . [1]


[1] قد مرّت الإشارة إلى أن طواف النساء وكذا الصلاة بعده وإن كانا واجبين إلاّ أنهما ليسا بركنين. فلا يوجب الإخلال به ـ ولو عمداً ـ لبطلان الحج. غاية الأمر عدم تحقق الحلية ـ أي: حلية النساء ـ بدونه.
والوجه في عدم كونه جزءاً للحج أو شرطاً متأخراً عنه، ما ورد في الروايات الكثيرة من جعله بعد الحج وخارجاً عنه; فإن عنوان البعدية لا يتحقق مع الجزئية. مثل:
صحيحة معاوية بن عمار: «وعليه طواف بالبيت» ـ إلى أن قال: ـ «وطواف بعد الحج وهو طواف النساء»(1). وغير ذلك من الروايات المتعددة.
ويدل على الصحة ـ ولو مع الترك ـ صحيح الخزاز المتقدم الوارد في الحائض التي لم تطف طواف النساء ولا ينتظرها جمالها، فقال: تمضي فقد تم حجها.
ثم إن المترتب على طواف النساء، هل هو حلية جماعهن فقط، وإلاّ فسائر الاُمور المرتبطة بهن يقع إحلالها قبله، أم تترتب حلية المجموع عليه، فلا يحل شيء من استمتاعهن قبله؟ وجهان:

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح6 ـ 12 ـ 1.

(الصفحة357)



ربما يستفاد الوجه الأول من بعض الروايات، مثل:
صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقربوا النساء والطيب(1).
فإن المنهي عنه قبل طوافي الزيارة والنساء، هو المقاربة بمعنى الجماع، كما في قوله تعالى: (... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ...) (2) وعليه فسائر الاُمور المرتبطة بهن غير المقاربة والجماع تزول حرمتها بما تزول به حرمة سائر محرمات الإحرام. أعني بعد الحلق أو التقصير الذي هو آخر مناسك منى وأعماله.
ولكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده(3).
فإن ثبوت الكفارة ووجوبها وإن كان تدل بالملازمة العرفية على الحرمة غير المصرح بها في الرواية، كما استكشفنا حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق وجود الكفارة فيها ـ على ما مر في بحث تروك الإحرام ـ إلاّ أنه حكي عن صاحب الجواهر (قدس سره) أنه ذكر في ذيل الرواية التي يكون سندها صحيحاً معتبراً أنه لم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب; لأن الفرض كونه قد أحلّ فلا شيء عليه إلاّ الإثم لو كان.

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح2.
(2) سورة البقرة (2): 222 .
(3) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثامن عشر، ح2.

(الصفحة358)



وفي مختلف العلامة: قال المفيد وسلاّر من قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء وهي لم تطف وهو يكره لها، فعليه دم. فإن كانت مطاوعة، فالدم عليها دونه. ولم يذكر الشيخ (قدس سره) ذلك، ولم نقف في ذلك على حديث مروي.
أقول: لا مجال لحمل الرواية على صورة الإكراه، بعد عدم إشعار فيها بخصوص هذه الصورة، والحكم بثبوت الكفارة عليه لا عليها، لا دلالة له على ذلك أصلا.
كما أن ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) من أن دلالة الرواية بالإطلاق. لأنه لم يرد فيها أنها طافت طواف الحج أو قصّرت، بل ورد فيها أنها لم تطف طواف النساء. وذلك مطلق من حيث إنها قصرت أم لا؟ أو طاف طواف الحج أم لا؟
يدفعه أن المستفاد من الرواية عرفاً، أنها بعد ما قضت المناسك كلها وفعلت الأعمال كذلك. غاية الأمر أنها لم تطف طواف النساء، قبّلها زوجها، ولا مجال لإطلاق الرواية من هذه الجهة.
والذي دعاه إلى ذلك مبناه الكلي، وهو عدم قدح إعراض المشهور عن الرواية في حجيتها وصحتها. وعليه فلابد له من دعوى الإطلاق في الرواية.
وأمّا بناءاً على مبنانا من القادحية، فالأمر سهل، والرواية مطروحة. غاية الأمر أنه لم يثبت كون المقاربة في صحيحة الحلبي بمعنى الجماع، خصوصاً بعد كونها في مقام بيان أمر آخر، وبعد عطف الطيب على النساء. فالأحوط حينئذ ما أفاده في المتن; فتدبر.

(الصفحة359)

في ترتيب المناسك الخمسة

مسألة 9 ـ لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة ولا على صلاته اختياراً، ولا تقديم طواف النساء عليهما ولا على السعي اختياراً، فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه . [1]


[1] أقول: قد تقدم حكم تقديم السعي على الطواف ـ أي: طواف الزيارة ـ أو صلاته اختياراً في المسائل المتقدمة، ولا فائدة في الإعادة ـ خصوصاً بعد عدم التناسب مع البحث ـ .
والمهم هنا البحث في طواف النساء، وأنه هل يجوز تقديمه على طواف الحج وسعيه أو على السعي فقط، أم لابد من التأخير عنهما؟
ولابد بقرينة المسألة العاشرة الآتية إن شاء الله تعالى من فرض البحث في العالم العامد المختار، فنقول:
الظاهر هو لزوم التأخير وعدم جواز التقديم، لأنه ـ مضافاً إلى دلالة الروايات البعدية، أي: الروايات الدالة على أن طواف النساء بعد الحج. فإن عنوان البعدية، كما أنه يدل على أن طواف النساء لا يكون مرتبطاً بالحج; بمعنى كونه جزءاً أو شرطاً له، كذلك يدل على أن وقت الإتيان به هو بعد الحج; والفراغ من أعماله ومناسكه التي منها السعي بين الصفا والمروة، فيدل على تأخر طواف النساء عن السعي، ـ يدل عليه خصوص صحيحة معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة، المشتملة على أن طواف النساء إنما يؤتى به بعد الفراغ عن الأعمال وبعد تمامية السعي.(1)

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.

(الصفحة360)

في جواز تقديم طواف النساء على السعي

مسألة 10 ـ يجوز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة ـ كالخوف عن الحيض وعدم التمكن من البقاء إلى الطهر ـ لكن الأحوط الاستنابة لإتيانه، ولو قدمه عليه سهواً أو جهلا بالحكم، صحّ سعيه وطوافه; وإن كان الأحوط إعادة الطواف . [1]


وعليه فلو خالف الترتيب في فرض العلم والعمد والإختيار، يجب عليه الإعادة بما يوجب الترتيب.
نعم الظاهر عدم كونه موقتاً بذي حجة الحرام الذي هو آخر أشهر الحج، والحج أشهر معلومات; لأن المفروض خروجه عن الحج جزءاً وشرطاً.
وحكي عن المحقق النائيني (قدس سره) التفصيل بين الحكم الوضعي والتكليفي; وأنه يتحقق الإثم والعصيان بالتأخير، وإن كان يترتب عليه حلية النساء معه. ويرد عليه أنه لا دليل على التفصيل المذكور بل الظاهر عدم تحقق الإثم بالتأخير أيضاً، لعدم الدليل عليه.
[1] أقول: أمّا جواز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة ـ كالخوف المذكور، مع القيد المذكور ـ فقد تقدم الكلام فيه. ولكنه احتاط وجوباً بالاستنابة لإتيانه.
والظاهر ـ كما ذكرناه في التعليقة ـ أن المراد به هو الجمع بين التقديم وبين الاستنابة التي ستجيء في مورد عدم الإتيان بطواف النساء نسياناً أو غيره.

<<التالي الفهرس السابق>>