في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 21

ثبوت كون مطلق الميعان علّة حتّى يلزم من الاشتراك فيها ذلك» مدفوع بما ذكرنا في تعريف الماء المضاف من أنّه ليس من أقسام الماء وأفراده بل هو خارج عن حقيقته كسائر المايعات كاللبن والخل، والفرق بينه وبينها إنّما هو في إطلاق لفظ «الماء» عليه مع إضافته إلى شيء آخر دونها لا في كونه من أنواع الماء وأقسامها بخلافها.

وبالجملة: فإنّ هنا شيئين: الماء المطلق وسائر المائعات التي لكلّ منها حقيقة مستقلّة وماهية خاصّة ومنها الماء المضاف ولذا لا يكون الحكم في المقام والنزاع فيه منحصراً بالماء المضاف، بل إنّما هو في مطلق المائعات فكذلك لا مجال للخدشة في شمولها للماء المضاف أيضاً، فالرواية إنّما وردت في بعض فروع المقام ولا ينبغي الارتياب في أنّ المناط مجرّد الذوبان والميعان فتجري في غير الأمرين.

والإنصاف انّ هذه الرواية وحدها كافية في إثبات المطلوب ـ وهو انفعال جميع المايعات عدى الماء بمجرّد الملاقاة مطلقاً قليلة كانت أو كثيرة ـ لما عرفت من صحّة السند وتمامية الدلالة وبطلان المناقشة.

نعم هنا بعض الروايات الاُخر غير الخالية عن الدلالة على المطلوب وإن كان في دلالة بعضها أو سنده نظر وإشكال مثل رواية جابر الجعفي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: أتاه رجل فقال: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال: فقال أبو جعفر(عليه السلام) : لا تأكله فقال له الرجل: الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها، قال: فقال أبو جعفر(عليه السلام) : إنّك لم تستخف بالفأرة، وإنّما استخففت بدينك، إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء.

وفيه ـ مضافاً إلى ضعف سند الرواية ـ انّه يحتمل فيها ـ قويّاً ـ أن يكون مورد السؤال هو وقوع الفأرة في الطعام بحيث تفسّخت فيه وانبثت أجزائها فحرمة أكل

الصفحة 22

الطعام إنّما هي من حيث استلزامه لأكل الميتة لا أنّ أكله بمنزلة أكلها في الحرمة، والدليل على ذلك انّه جعل ترك الاجتناب عن الطعام استخفافاً بتحريم الميتة، ومن المعلوم انّه لم يقل أحد بأنّ حرمة شيء تستلزم حرمة ما يلاقيه، وحمل الحرمة في الرواية على النجاسة ـ مضافاً إلى أنّه خلاف الظاهر من دون قرينة وبيّنة على الخلاف ـ لا دليل عليه أصلاً، والقول بأنّ الطباع تتنفّر من أكل الطعام الذي صارت أجزاء الميتة مخلوطة بأجزائه منبثّة فيها فلا ينبغي حمل مورد السؤال عليه، ويدفعه قول السائل: الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي لأجلها، خصوصاً بعد ملاحظة حال الأعراب في صدر الإسلام، وبالجملة فدلالة الرواية على نجاسة الطعام غير تامّة.

ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه(عليهما السلام) انّ عليّاً(عليه السلام) سُئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة قال: يهرق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل. ودلالتها على النجاسة ظاهرة ولكنّه ربّما يستبعد الشمول لما إذا كان المرق كثيراً وإن كان في الاستبعاد نظر خصوصاً بعد ملاحظة انّ العرب في مضايفهم ربّما يطبخون بعيراً في القدور، ومن الواضح انّ المرق في مثل هذه القدور لا يكون أقلّ من الكرّ.

وموثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس. الحديث.

والدن كما في «المنجد» الراقود العظيم لا يقعد إلاّ أن يحفر له. ولا يبعد أن يقال بإمكان كونه ظرفاً للمايع الكثير كما هو الغالب في الظروف المتداولة في ذلك الزمان المعدّة للماء ونظائره. وغير ذلك من الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها للمقام.

ثمّ إنّه قد يتمسّك لتعميم الحكم بالإضافة إلى القليل والكثير بقاعدة المقتضى

الصفحة 23

والمانع ـ كما عن الشيخ الأنصاري(قدس سره) بتقريب انّ المستفاد من أدلّة اعتصام الكثير المطلق انّ الكرية عاصمة وإلاّ فالمقتضى للانفعال في الكثير أيضاً موجود كما يشهد بذلك استناد عدم الانفعال إلى الكرية فهي مانعة; لأنّ استناد عدم الشيء إلى وجود شيء آخر دليل على مانعية الشيء الآخر وثبوت المقتضى للشيء الأوّل، والقول بأنّه يحتمل أن تكون القلّة شرطاً يدفعه انّها من الاُمور العدمية غير القابلة للتأثير والتأثّر، فاللاّزم أن تكون الكرية مانعة، وـ حينئذ ـ فمع الشكّ في المانعية كما في المقام يكون مقتضى الأصل عدمها فيكون تأثير المقتضى بلا مزاحم.

وأنت خبير بأنّ مثل هذه الكلمات لا يرتبط بباب الشرعيات فإنّها ليست من قبيل المقتضى بحيث يكون الموضوع مقتضياً لحكمه كالاقتضاء الثابت في التكوينيات بل إنّما هي أحكام مترتّبة على موضوعاتها، ويمكن أن يكون لبعض القيود العدمية مدخلية فيها.

ثمّ لو سلم ذلك فالحكم بثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ متوقّف على ثبوت المقتضي وإحراز عدم المانع ومجرّد الشكّ في المانع لا يكفي في الحكم بذلك، وما أفاده من أنّ مقتضى الأصل العدم إن كان المراد به هو الأصل الشرعي الذي هو عبارة ـ في المقام ـ عن الاستصحاب، فعدم ثبوت وصف المانعية للكرية لا تكون له حالة سابقة متيقنة، واستصحاب عدم ثبوت طبيعة المانع لا يثبت عدم مانعيتها، وإن كان المراد به هو الأصل العقلائي الذي هو عبارة عن بنائهم على ثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ ولو مع الشكّ في وجود المانع فنحن لم نتحقّق هذا البناء أصلاً، وعلى تقديره فمورده ما إذا شكّ في وجود المانع الذي تكون مانعيته محرزة لا فيما إذا شكّ في مانعية الموجود ـ كما في المقام ـ .

والإنصاف انّ الحكم في المسألة بحيث لا يحتاج إلى هذه الاُمور العقلية غير

الصفحة 24

التامّة كما عرفت.

الجهة الرابعة: في الاستدراك الذي أفاده في المتن بقوله: «نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة ولاقى أسفله النجاسة تختص بموضوع الملاقاة وما دونه ولا تسري إلى الفوق» ومثاله ما إذا صبّ الجلاب من ابريق على يد كافر فلا ينجس ما في الابريق وإن كان متصلاً بما في يده.

والمستفاد من المتن انّ عدم السراية في مورد الاستدراك إنّما هو لثبوت أمرين: أحدهما الجريان من العالي إلى السافل ولو بنحو الانحدار، والثاني هو الدفع بقوّة.

ولكنّه ربّما يقال: إنّ الملاك في عدم السراية إنّما هو تعدّد الماء بالنظر العرفي واتصافه بكونه مائين أو أكثر ولا وقع لكون الماء عالياً أو سافلاً أو متساوياً; لأنّ الميزان في عدم سراية النجاسة والطهارة من أحد طرفي الماء إلى الآخر إنّما هو جريان الماء بالدفع فإنّ السيلان والاندفاع يجعلان الماء متعدّداً بالنظر العرفي فسافله غير عاليه وهما ماءان فلا تسري النجاسة من أحدهما إلى الآخر كما في الفوارات والأنابيب المستعملة فعلاً.

والظاهر انّ الملاك هو السراية وعدمها، والدفع بقوّة لا يوجب تعدّد الماء ولو بالنظر العرفي بل إنّما يمنع عن تحقّق السراية التي هي المناط في الحكم بالنجاسة فعدم ثبوت النجاسة في مثل الفوارات ليس إلاّ لعدم تحقّق السراية لا لثبوت التعدّد والخروج من الوحدة، وعليه فكلّما كانت السراية هناك موجودة يحكم بالنجاسة فيه وإلاّ فلا، سواء كان جارياً من العالي إلى السافل أو العكس أو مساوياً.

ومن هنا يمكن أن يقال كما قيل بعدم ثبوت السراية في الكثرة المفرطة في المضاف الراكد وشبهه فيسهل الأمر في عيون النفط المستخرج في عصرنا المعلوم غالباً مباشرة الكافر بالرطوبة المسرية وإن كان في المثال تأمّل نظراً إلى أنّ المباشرة

الصفحة 25

غير معلومة غالباً لا في حال الاستخراج ولا بعده.

وبالجملة الملاك هو السراية وعدمها والدفع بقوّة يمنع عن تحقّق السراية ولا يوجب التعدّد أصلاً.

الصفحة 26

مسألة 2 ـ الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن الإطلاق، نعم لو مزج معه غيره وصعد ربّما يصير مضافاً كماء الورد ونحوه، كما أنّ المضاف المصعد قد يكون مضافاً; والمناط هو حال الاجتماع بعد التصعيد، فربما يكون المصعد الاجزاء المائية وبعد الاجتماع يكون ماءً مطلقاً وربّما يكون مضافاً1.

1 ـ والمراد بالتصعيد هو جعله بخاراً وانقلاب البخار ماء ثانياً امّا مطلقاً أو مضافاً وقد أجاد ـ دام ظلّه ـ في جعل المناط هو حال الاجتماع بعد التصعيد وعدم الحكم بنحو الإطلاق بكون المصعد من أحد المائين يتبع الماء قبل التصعيد في الإطلاق والإضافة ـ كما في العروة ونحوها ـ فإنّ إطلاق الحكم محلّ نظر والمدار على الصدق عند العرف فربما يكون المصعد من الماء المطلق مضافاً وربما يكون بالعكس فلابدّ من ملاحظة حال الاجتماع بعد التصعيد، ومنه يظهر انّ ما يحصل بالتصعيد ويتحقّق بعده موجود آخر فرد ثان ربما لا يشترك مع الأوّل في الحقيقة والماهية بل يجري عليه حكم سائر أفراد هذه الطبيعة التي هو فرد لها، وعليه فتمكن المناقشة في موردين كما قد نوقش:

الأوّل: انّ الماء المطلق بعد التصعيد لا دليل على طهوريته بناء على اختصاص الطهورية بالماء النازل من السماء; لأنّ المفروض انّ التصعيد موجب للاستحالة وانعدام الفرد الأوّل ووجود الفرد الآخر والمفروض عدم نزول هذا الفرد من السماء والفرق بين البخار والغبار واضح لأنّ الغبار عين التراب عرفاً لأنّ الغبار هو التراب المتشتّت والتراب هو الغبار المجتمع وأين هذا من البخار لأنّه أمر مغاير للماء لفقدانه للسيلان المأخوذ في مفهوم الماء عرفاً.

الثاني: الماء المصعد من الأعيان النجسة كالمصعد من الخمر والبول والكلب فإنّ لازم ما ذكر الحكم بطهارته مع أنّه لم يعلم الالتزام به فيما إذا لم ينطبق عليه العنوان

الصفحة 27

النجس.

والجواب عن المناقشة الاُولى منع المبنى لما عرفت من عدم اختصاص الطهورية بالماء النازل من السماء بل الموضوع هو طبيعة الماء المطلق في ضمن أي فرد تحقّقت هذا مضافاً إلى وقوع الخلط في الكلام لأنّه ليس الكلام في البخار وملاحظته مع الماء الأوّل بل الكلام في الماء المتحصّل من البخار وهو واجد للسيلان المأخوذ في مفهوم الماء عرفاً فإثبات المغايرة من هذه الجهة غير تام والظاهر انّ الملاك فيها هو العرف الحاكم بعدم ثبوت المغايرة بين التراب والغبار وثبوتها في المقام خصوصاً بعد ملاحظة ما ذكرنا من تحقّق الاختلاف بينهما في الإضافة والإطلاق أحياناً.

وعن المناقشة الثانية انّه لا مانع من الالتزام بالطهارة فيما إذا لم يكن من الأعيان النجسة ولا منطبقاً عليه شيء من العناوين الموجبة للحكم بالنجاسة فتدبّر.

الصفحة 28

مسألة 3 ـ إذا شكّ في مايع انّه مطلق أو مضاف فإن علم حالته السابقة يبني عليها إلاّ في بعض الفروض كالشبهة المفهومية والشكّ في بقاء الموضوع، وإن لم يعلم حالته السابقة فلا يرفع حدثاً ولا خبثاً، وإذا لاقى النجاسة فإن كان قليلاً ينجس قطعاً، وإن كان كثيراً فالظاهر انّه يحكم بطهارته1.

1 ـ للمسألة صور متعدّدة:

الاُولى: ما إذا شكّ في ماء انّه مطلق أو مضاف من جهة الشبهة الموضوعية التي مرجعها إلى كون الشكّ في الخارج لا في المفهوم فإن كانت حالته السابقة الإطلاق يحكم ببقائه لاستصحابه كما أنّه لو كانت الحالة السابقة الإضافة يكون مقتضى الاستصحاب بقائها فيترتّب عليه أحكام المضاف، نظير القلّة والكثرة المستصحبتين فيما لو شكّ في بقائهما بهذا النحو من الشكّ فيجري استصحاب الكرية في الماء الكر الذي أخذ منه مقدار قليل لا يضرّ ببقاء الموضوع بنظر العرف الذي يكون هو المرجع في تعيين موضوع الاستصحاب، ويجري استصحاب القلّة في الماء القليل الذي زيد عليه مقدار كذلك وإن بلغ ذلك المقدار الذي يجري فيه استصحاب الكرية في الفرض الأوّل.

ومن هنا ربما يتولّد علم إجمالي، كما أنّه ربّما يتولّد من العلم الإجمالي علم تفصيلي كما إذا خرج المكلّف من بلده بقصد السفر وبلغ إلى حدّ يشكّ في كونه حدّ الترخّص، فإنّ تكليفه ـ حينئذ ـ هو الإتمام لجريان استصحاب عدم البلوغ إلى حدّ الترخّص فصلّى صلاة الظهر تماماً ثمّ سافر ورجع في اليوم إلى ذلك المكان المشكوك كونه حدّ الترخّص يقضي بوجوب القصر فصلّى صلاة العصر قصراً فإنّه ـ حينئذ ـ يعلم إجمالاً ببطلان إحدى الصلاتين.

لأنّه لا يخلو في الواقع من أحد الأمرين: امّا أن يكون بالغاً إلى حدّ الترخّص،

الصفحة 29

وامّا أن لا يكون كذلك، فعلى الأوّل تكون صلاة الظهر فاسدة كما أنّه على الثاني تكون صلاة العصر باطلة. وعلى أي تقدير فيعلم تفصيلاً ببطلان صلاة العصر امّا من ناحية نفسها أو من جهة بطلان صلاة الظهر المستلزم لبطلان صلاة العصر أيضاً فيجب عليه الاحتياط بالجمع بين الإتمام والقصر في خصوص صلاة العصر.

الثانية: ما إذا كان الشكّ في الإطلاق والإضافة من جهة الشبهة الحكمية وإن كانت الحالة السابقة معلومة كما إذا أضيف منّ من الحليب إلى منّ من الماء أو العكس وشكّ في أنّ المركب هل ينطبق عليه عنوان الماء أم لا للشكّ في حدود المفهوم وقيوده والظاهر عدم جريان الاستصحاب أصلاً كما في نظائره كالغروب إذا لم يتحقّق انّه هو استتار قرص الشمس بمجرّده أو ذهاب الحمرة المشرقية.

امّا عدم جريان الاستصحاب الحكمي فلأنّ جريانه مشروط ببقاء الموضوع والمفروض الشكّ فيه فلا يجري استصحاب وجوب الصلاة والصيام في المثال كما انّه لا يجري استصحاب المطهرية من الحدث والخبث في المقام فيما إذا كانت الحالة السابقة الإطلاق أو الانفعال بمجرّد الملاقاة فيما إذا كان في السابق مضافاً كثيراً، وذلك للشكّ في بقاء الموضوع فإنّ المطهرية من آثار الإطلاق الذي يكون بقائه مشكوكاً كما انّ الانفعال من آثار الإضافة مع الكثرة وهي مشكوكة وليس الإشكال في ذلك ناشئاً عن الإشكال في الاستصحاب التعليقي حتى لا يكون هناك مانع من جريانه على تقدير جريان الاستصحاب التعليقي وحكومته على الاستصحاب التنجيزي المعارض كما في ـ المستمسك ـ فتدبّر.

وامّا عدم جريان الاستصحاب الموضوعي فلأنّه لا شكّ لنا في الخارج أصلاً لأنّ استتار القرص معلوم الوجود وذهاب الحمرة معلوم العدم فالشكّ إنّما هو في مجرّد مفهوم «النهار» وانّ الموضوع له هذا اللفظ هل على نحو يبقى بعد الاستتار أم

الصفحة 30

لا؟

وبعبارة اُخرى المقام يكون من الشبهة الموضوعية لدليل «لا تنقض» والتمسّك به فرع إحراز كون رفع اليد عن الحالة السابقة نقضاً لليقين بالشكّ فلا مجال له مع الشكّ كما في سائر الأدلّة فلا يجوز التمسّك بدليل «لا تكرم الفاسق» مع الشكّ في كون إكرامه إكراماً للفاسق والتفصيل في محلّه. ثمّ إنّه يجري على المشكوك في هذه الصورة من الأحكام ما يجري على المشكوك في الصورة الثالثة.

الثالثة: ما إذا شكّ في الإطلاق والإضافة مع عدم العلم بالحالة السابقة أو عدم وجودها فيقع الكلام فيه تارة من جهة كونه رافعاً للحدث والخبث أم لا؟ واُخرى من جهة نجاسته وانفعاله بمجرّد الملاقاة مع فرض الكثرة بداهة انّه في صورة القلّة يتحقّق الانفعال مطلقاً سواء كان مطلقاً أو مضافاً بناء على القول بتنجّس الماء القليل بالانفعال كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ فهنا جهتان:

الجهة الاُولى: هي الرافعية ولا شبهة في المقام في عدمها; لأنّ مقتضى استصحاب بقاء النجاسة في الثوب المغسول بمثله وبقاء الحدث مع التوضّي به بقائهما وعدم ثبوت الرفع أصلاً بعد عدم إحراز كونه ماء مطلقاً وتوقف حصول الرافعية على كونه كذلك.

الجهة الثانية: هي الانفعال وعدمه وقد أفاد في المتن انّه يحكم بطهارته في هذا الفرض وذلك لاستصحاب الطهارة أو قاعدتها، ولكن القول بالانفعال يمكن أن يكون مستنده أحد اُمور:

الأوّل: ما أفاده الشيخ الأعظم(قدس سره) في كتاب الطهارة حيث قال: «إنّ الأصل في ملاقي النجس النجالسة ولذا استدلّ في الغنية على نجاسة الماء القليل بالملاقاة بقوله تعالى: (والرجز فاهجر) لأنّ المركوز في أذهان المتشرّعة اقتضاء النجاسة في ذاتها

الصفحة 31

للسراية كما يظهر بالتتبّع في الأخبار مثل قوله(عليه السلام) في الرد على من قال: لا أدع طعامي من أجل فأرة ماتت فيه: «إنّما استخففت بدينك انّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء» فإنّ أكل الطعام المذكور لا يكون استخفافاً بحكم الشارع بحرمة الميتة يعني نجاستها إلاّ من جهة ما هو المركوز في الأذهان من استلزام نجاسة الشيء لنجاسة ملاقيه، ويدلّ عليه أيضاً انّ المستفاد من أدلّة كرية الماء انّها عاصمة من الانفعال، فعلم انّ الانفعال مقتضى نفس الملاقاة فإذا شكّ في إطلاق مقدار الكر وإضافته لم يتحقّق المانع عن الانفعال والمفروض وجود المقتضى له نظير الماء المشكوك في كريته مع جهالة حالته السابقة، ومن جميع ما ذكرنا يظهر ضعف التمسّك في المقام بأصالة عدم الانفعال»:

أقول: قد مرّ التحقيق في معنى الرواية وموردها وانّها أجنبية عن مثل المقام كما انّ أدلّة اعتصام الماء الكر لا يستفاد منها انّ الملاقاة مقتضية والكرية مانعة وعلى تقديره فقد ذكرنا انّ ثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ يتوقّف على وجود المقتضي وإحراز عدم المانع لا مجرّد الشكّ فيه والمفروض عدم إمكان إحرازه في الفرض، فالاستناد في الحكم بالانفعال إلى هذا الأمر غير تام.

الثاني: ما يظهر من المحقّق الخراساني(قدس سره) صاحب الكفاية في مثل المقام من التمسّك بالاستصحاب الذي هو عبارة في المقام عن استصحاب عدم ثبوت الإطلاق والمائية وإنّما خرج عنها عنوان «الماء المطلق الكر» فهنا عام قد خصّص بعنوان وجودي والكرية محرزة بالوجدان والمائية مشكوكة ومقتضى الاستصحاب عدم الاتصاف بها كما في استصحاب عدم القرشية ونظائره وبعد إجراء الاستصحاب يترتّب الانفعال الذي هو مقتضى عموم الحكم.

هذا ولكن التحقيق كما ثبت في محلّه عدم جريان هذا النحو من الاستصحابات

الصفحة 32

لعدم وجود الحالة السابقة ووضوح كون القضية ليست بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.

الثالث: ما حكي عن المحقّق النائيني(قدس سره) من أنّ الاستثناء إذا علق على عنوان وجودي وكان المستثنى منه حكماً إلزامياً أو ملزوماً له ـ كما في المقام ـ فلابد من إحراز ذلك العنوان الوجودي في الخروج عن الإلزام أو ملزومه ـ مثلاً ـ إذا نهى السيد عبده عن أن يأذن لأحد في الدخول عليه إلاّ لأصدقائه فلا يجوز له الإذن في الدخول إلاّ بعد إحراز صداقته، وفي المقام يكون المستثنى من الحكم بالانفعال عنوان وجودي وهو الماء الكر فلابدّ من إحرازه في الحكم بعد الانفعال وبدونه كما هو المفروض لا سبيل إلى الحكم بعدم الانفعال أصلاً كما لا يخفى.

الصفحة 33

مسألة 4 ـ الماء المطلق بجميع أقسامه يتنجّس فيما إذا تغيّر بسبب ملاقاة النجاسة أحد أوصافه: اللون والطعم والرائحة، ولا يتنجّس فيما إذا تغيّر بالمجاورة كما إذا كان قريباً من جيفة فصار جائفاً، نعم إذا وقعت الجيفة خارج الماء ووقع جزء منها في الماء وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجس1.

1 ـ إثبات أصل الحكم وهو إيجاب التغيّر لحصول النجاسة في جميع أقسام الماء المطلق كأنّه لا يحتاج إلى تكلّف إقامة الدليل لكونه كالبديهي والضروري وفي الجواهر: إجماعاً محصلاً ومنقولاً كاد يكون متواتراً. والروايات الواردة في الباب الدالّة على هذا الحكم كثيرة ومن حيث الدلالة ظاهرة بل صريحة ولا حاجة إلى نقلها إلاّ من جهة بعض الفروع الآتية ومن جهة التيمّن أيضاً فنقول:

منها: النبوي المعروف الذي وصفه في محكي السرائر بأنّه اتفق على روايته، وابن أبي جمهور الاحسائي في محكي درر اللئالي العمادية بأنّه متواتر عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) وصاحب الذخيرة بأنّه عمل به الأمّة وقبلوه وهو قوله(صلى الله عليه وآله) : خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته.

ومنها: صحيحة حريز بن عبدالله عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب.

والمراد بقوله: «فإذا تغيّر الماء» يحتمل أن يكون هو مطلق التغيّر فيشمل التغيّر باللون أيضاً، وعليه فيكون عطف قوله: «وتغيّر الطعم» من قبيل عطف الخاص على العام، ويحتمل أن يكون المراد به هو التغيّر بالريح فقط بقرينة الصدر وهو الأظهر، وعليه فلابدّ من استفادة حكم تغيّر اللون من دليل آخر مثل رواية شهاب

الصفحة 34

ابن عبد ربّه المنقولة في الباب التاسع من أبواب الماء المطلق من الوسائل وفيها: «قلت: وما التغيّر؟ قال: الصفرة».

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) انّه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب؟ فقال: إنّ تغيّر الماء فلا تتوضّأ منه وإن لم تغيّره أبوالها فتوضأ منه، وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه.

ودلالة ذيل الرواية على أصل الحكم ظاهرة من جهة عطف قوله: «وأشباهه» على الدم الظاهر في عموم الحكم لجميع النجاسات، ومن جهة جعل الموضوع هو عنوان الماء الشامل لجميع أقسامه وإن كان مورد السؤال هو الماء النقيع الذي هو بمعنى الماء النازح المجتمع في الغدران البالغ كراً، ومن جهة تعليق الحكم على عنوان التغيّر الشامل للأوصاف الثلاثة، فيشمل التغيّر باللون أيضاً على أنّ التغيّر الحاصل بالدم ليس عرفاً إلاّ التغيّر باللون، إلاّ أنّ صدر الرواية ظاهر في نجاسة أبوال الدواب ولعلّه محمول على التقية.

ومنها: ما ورد في البئر كصحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضا(عليه السلام) قال: ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادّة.

نعم هنا رواية موهمة للخلاف وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الماء الاجن يتوضّأ منه إلاّ أن تجد ماء غيره فتنزه منه.

قال في المجمع: «اجن الماء من باب قعد وضرب تغيّر لونه وطعمه فهو آجن». وقد حملها الشيخ(قدس سره) على حصول التغيّر من نفسه أو بمجاورة جسم طاهر واستحسنه صاحب الوسائل(قدس سره) .

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّه لا مجال للمناقشة في أصل الحكم فاللاّزم هو التكلّم في

الصفحة 35

الفروع وقد تعرّض في هذه المسألة لفرعين منها:

الفرع الأوّل: ما إذا كان التغيّر بسبب المجاورة لا الملاقاة وقد حكم فيه بعدم ثبوت التنجس للماء لأنّ المتبادر عرفاً من الدليل الدال على حصول النجاسة بسبب التغيّر انّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان التغيّر حاصلاً بسبب ملاقاة الماء مع النجس نظير ما دلّ على انفعال الماء القليل فإنّ المتفاهم منه عند العرف تحقّق الانفعال بالملاقاة لا بالمجاورة وشبهها على أنّ أكثر الروايات الواردة في هذا الحكم موردها صورة الملاقاة ومثل رواية ابن بزيع الواردة في البئر وإن لم تكن واردة في مورد الملاقاة إلاّ أنّ المتفاهم منها عرفاً ذلك ضرورة انّ المراد بالشيء الذي لا يفسد البئر في جانب المستثنى منه ليس مطلق ما يصدق عليه هذا العنوان بل ما من شأنه أن يكون كذلك.

ولذا لا ينبغي توهّم شمول هذا العنوان للأشياء الطاهرة والحكم بأنّه إذا تغيّر الماء بسبب تلك الأشياء أيضاً يتصف بالفساد، فكما انّه لا مجال لتوهّم الشمول لغير النجاسات من الأشياء فكذلك لا ينبغي توهّم الشمول لمثل المجاورة في الأشياء النجسة في المقام وكذلك في أدلّة انفعال الماء القليل فالحكم في هذا الفرع هو عدم التنجّس.

الفرع الثاني: ما إذا كان التغيّر مستنداً إلى مجموع الجزء الملاقي وغيره كما إذا وقعت الجيفة خارج الماء ووقع جزء منها في الماء وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج وقد حكم فيه بالتنجس نظراً إلى أنّ الملاقاة متحقّقة ومدخلية الجزء الملاقى في حصول التغيّر مفروضة ولا دليل على لزوم اتصافه بوصف التمام بحيث يكون الجزء الملاقي مستقلاًّ في حصول التغيّر مضافاً إلى أنّ الجيفة الواقعة في الماء يكون في الغالب بعض أجزائها خارجاً عن الماء ومدخلية الجزء الخارج أيضاً لا

الصفحة 36

مجال لإنكاره، نعم لو علم كون التغيّر مستنداً إلى خصوص الجزء الخارج بحيث لم يترتّب عن الملاقاة شيء من التأثير أصلاً فاللاّزم الحكم بعدم الانفعال وفرضه إنّما هو فيما إذا كان الجزء الملاقى ممّا لم يتسرّع إليه الفساد بخلاف الجزء الخارج كما إذا لاقى الماء شعر الميتة أو عظمها وكان اللحم خارج الماء، وامّا إذا كان التغيّر معلوم الاستناد إلى كلا الجزئين فلا تنبغي المناقشة في تحقّق الانفعال بسبب حصول التغيّر.

ولكنّه ربّما يناقش في ذلك بل يستظهر عدم الانفعال في هذا الفرع نظراً إلى أنّ الملاقي لم يوجب التغيّر وما أوجبه لم يلاق الماء ويعتبر في انفعال الماء استناد التغير إلى ملاقاة النجس الذي يوجب التغيّر وهذا العنوان لم يحصل في المقام وهو نظير ما إذا ألقى مقدار من دم وصبغ أحمر على ماء واستند تغيّره إليهما بحيث لو كان الدم وحده لما تأثّر به الماء فإنّه لا يوجب الانفعال.

هذا والظاهر بطلان المناقشة; لأنّه يصدق عرفاً أن يقال: إنّ الماء لاقى نجساً يوجب التغيّر والملاك في الصدق العرفي هو وحدة الجيفة وكونها معدودة عندهم شيئاً واحداً ولذا لو تفرّقت أجزائها خارجاً ووقع بعضها في الماء والبعض الآخر خارجه وتغيّر الماء بسبب المجموع من الداخل والخارج لا نحكم فيه بالنجاسة وتحقّق الانفعال.

ومن هنا يعلم انّ تنظير المقام بما إذا ألقى مقدار من الدم والصبغ الأحمر في غير محلّه فإنّ الدم والصبغ أمران متغايران وحصول التغيّر بسبب المجموع لا يكفي في الانفعال بخلاف المقام الذي تكون الجيفة أمراً واحداً ملاقياً للماء موجباً لتغيّره ولا ينتقض بما إذا علم عدم مدخلية الجزء الملاقي في حصول التغيّر بوجه كما في مثال الشعر والعظم المتقدّم ضرورة انّه هناك كان التغيّر مسبّباً عن المجاورة ولم يتحقّق

الصفحة 37

التأثير من ناحية الملاقاة أصلاً.

وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ الملاقاة الموجبة لحصول التغيّر متحقّقة كما هو المفروض ولم يقم دليل على اعتبار الاتصاف بالتمامية في العلّية والتأثير لو لم نقل بقيام الدليل وهو ترك الاستفصال أو كون الجيفة الواقعة في الماء يكون في الغالب بعض أجزائها خارجاً من الماء، ومن المعلوم مدخلية الجزء الخارج في حصول التغيّر أيضاً فالحقّ ما في المتن من الحكم بالتنجّس في هذا الفرع فتدبّر.

الصفحة 38

مسألة 5 ـ المعتبر تأثّر الماء بأوصاف النجاسة لا المتنجّس، فإذا احمر الماء بالبقم المتنجّس، لا ينجس إذا كان الماء ممّا لا يتنجّس بمجرّد الملاقاة كالكر والجاري1.

1 ـ وقع الخلاف في أنّه هل يعتبر أن يكون التغيّر بأحد أوصاف النجاسة خاصة أو انّه يكفي في الحكم بالانفعال التغيّر بأوصاف المتنجّس أيضاً؟ وقد نسب إلى الشيخ الطوسي (قدس سره) الثاني واستدلّ عليه بعموم الموصول في النبوي المعروف: «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» وبالإطلاق في مثل رواية ابن بزيع المتقدّمة الواردة في البئر فإنّ مقتضى العموم والإطلاق عدم الاختصاص بالأعيان النجسة ولا ينافيهما ورود بعض الروايات في مثل الجيفة والدم وغيرهما من الأعيان النجسة كما لا يخفى.

والظاهر ما في المتن من الاختصاص فإنّ المتفاهم العرفي من الموصول ليس إلاّ خصوص الأعيان النجسة فإنّها هي الصالحة للتنجيس والقابلة للتأثير، فكما انّه لا مجال للأخذ بالعموم وتوهّم الشمول للأشياء الطاهرة غير المتنجّسة إذا أوجبت التغيّر فكذلك لا ينبغي توهّم الشمول لغير الأعيان النجسة من المتنجسات أيضاً وهكذا الحال في مثل رواية ابن بزيع مع أنّه ربّما يقال بأنّ فيها قرينة واضحة على عدم الشمول وهو قوله(عليه السلام) في الذيل: «فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه» فإنّ هذا التعبير إنّما هو فيما إذا كانت الريح كريهة والطعم خبيثاً غير طيّب وهذان الوصفان إنّما هما متحقّقان فيما إذا كان التغيّر مستنداً إلى شيء من الأعيان النجسة ضرورة انّ المتنجسات ربما تكون ريحها في أعلى مرتبة الطيب كما في العطور المتنجّسة وكذا الطعم كما في الدبس المتنجس فالذيل قرينة على أنّ المراد خصوص ما يوجب الانتقال والتغيّر إلى الريح الكريهة والطعم غير الطيب فتدبّر.

الصفحة 39

مسألة 6 ـ المناط تغيّر أحد الأوصاف الثلاثة بسبب النجاسة وإن كان من غير سنخ وصف النجس فلو اصفر الماء ـ مثلاً ـ بوقوع الدم فيه تنجّس1.

1 ـ خلافاً لصاحب الجواهر (قدس سره) نظراً إلى جريان استصحاب الطهارة بعد الاقتصار على القدر المتيقّن، ولكنّ الظاهر ما في المتن من عدم الاختصاص بالتغيّر بوصف النجس الذي يعبّر عنه بالتغيّر بالانتشار والشمول للتغيّر بوصف آخر الذي يعبّر عنه بالتغيّر بالتأثير وذلك لاقتضاء إطلاق الأخبار الحكم بالنجاسة في الفرضين ودعوى الانصراف ممنوعة مضافاً إلى الاقتصار على الصفرة في جواب السؤال عن التغيير في بعض الروايات من دون أن يتعرّض لكونه لون النجاسة، وإلى عدم العلم بطعم بعض النجاسات وإلى أنّه ربّما يكون التأثير مستنداً إلى أزيد من نجاسة واحدة ولا محالة يحصل له ـ حينئذ ـ وصف مغاير لكلّ واحد.

نعم ناقش في «المستمسك» في الإطلاق بأنّ الارتكاز العرفي يساعد على اعتبار ظهور وصف النجاسة في الماء لاختصاص الاستقذار العرفي بذلك، وطروء وصف أجنبي أو زوال وصف الماء لا يوجب النفرة قال: «ويعضده ظهور جملة من النصوص في ذلك ففي صحيح شهاب الوارد في الجيفة تكون في الغدير قال(عليه السلام): «إلاّ أن يغلب الماء الريح فينتن... إلى أن قال: قلت: فما التغيّر؟ قال: الصفرة» وفي موثق سماعة: «إن كان النتن الغالب على الماء فلا يتوضّأ ولا يشرب» وفي خبر العلاء: «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» وفي صحيح ابن بزيع: «حتّى يذهب الريح ويطيب الطعم» فإنّ ظاهر الجميع اعتبار التغيّر بوصف النجاسة في الجملة ولو كان ثبوته لها في حال الملاقاة للماء».

والظاهر انّه لا مجال للمناقشة في الإطلاق والارتكاز العرفي إنّما يساعد على مجرّد كون التأثير مستنداً إلى ملاقاة النجاسة، وامّا ظهور مثل وصفها أو سنخه

الصفحة 40

كالتغير بالصفرة في مثل الدم الأحمر أو وصفه بعد ملاقاة الماء نظير الحناء التي وصفها الخضرة وبالملاقاة للماء يتغيّر إلى الحمرة فلا دليل على اعتباره ودعوى اختصاص الاستقذار بذلك بعد العلم بالملاقاة وحصول التغيّر بسببها ممنوعة.

كممنوعية الاستظهار من جملة النصوص المذكورة فإنّ رواية ابن بزيع لا دلالة لها إلاّ على مجرّد حصول الريح الكريهة والطعم غير الطيب ومدخليتها في الحكم بالانفعال ولا دلالة لها على أنّ تلك الريح وذلك الطعم هي الريح الثابتة للنجاسة الملاقية وكذا الطعم كما لا يخفى.

ورواية العلاء على خلاف مطلوبه أدلّ فإنّ مقتضاها انّ المناط في عدم الانفعال غلبة لون الماء على لون البول فإذا كان الغالب هو البول أو كان اللونان متساويين ولا محالة يحصل للماء ـ حينئذ ـ لون ثالث مغاير للّونين فاللاّزم هو الحكم بالتنجس والانفعال، ورواية الصفرة قد عرفت كونها مؤيّدة لما ذكرنا وموثق سماعة مطلق لا اختصاص له بخصوص النتن الذي هو وصف النجس فالحق انّ مطلق التغيّر موجب لانفعال الماء.

<<التالي الفهرس السابق>>