في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

أحكام التخلّي والوضوء

تأليف: آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني دام ظلّه

فصل في أحكام التخلّي

مسألة 1 : يجب في حال التخلّي كسائر الأحوال ستر العورة عن الناظر المحترم رجلاً كان أو امرأة حتى المجنون والطفل المميّزين ، كما يحرم النظر إلى عورة الغير ولو كان المنظور مجنوناً أو طفلاً مميّزاً ، نعم لا يجب سترها عن غير المميز كما يجوز النظر إلى عورة الطفل غير المميز ، وكذا الحال في الزوجين والمالك ومملوكته ناظراً ومنظوراً ، وأمّا المالكة ومملوكها فلا يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر بل إلى سائر بدنه أيضاً على الأظهر ، والعورة في المرأة هنا القبل والدبر وفي الرجل هما مع البيضتين ، وليس منها الفخذان والاليتان بل ولا العانة والعجان ، نعم في الشعر النابت أطراف العورة الأحوط الاجتناب ناظراً ومنظوراً ، ويستحب ستر السرّة والركبة وما بينهما1  .

1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في وجوب ستر عورة النفس وحرمة النظر إلى عورة الغير وثبوت الحكمين في حال التخلّي كسائر الأحوال ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، بل ربّما يعدّ من المسائل الضروريّة ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذلك ـ من الكتاب قوله

الصفحة 6

تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)(1) الآية بتقريب أنّ المراد من غضّ البصر ليس هو غضّه عن كلّ شيء ، كما أنّه ليس المراد غضّ البصر عن المحرّمات بمعنى غمض العين والاجتناب عنها ، بل المراد منه غضّ البصر عن فروج الغير كما يدلّ عليه ذكر الفروج بعده ، وعليه فيكون المراد من قوله تعالى : (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) هو حفظ الفرج من أن ينظر إليه بملاحظة السياق ، فالآية الشريفة بظاهرها تدلّ على كلا الحكمين من دون حاجة ـ في مقام الاستدلال بها ـ إلى ما ورد في تفسيرها وهو ما رواه الصدوق من أنّه سأل الصادق(عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لهم ، فقال : كلّ ما كان في كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ من حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع فانّه للحفظ من أن ينظر إليه .

وما عن تفسير العمّاني عن علي(عليه السلام) في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكى لَهُمْ) ، معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه ، ثمّ قال : قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ; أي ممّن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج ، فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا وغيره .

ولا يخفى أنّه لو لم نقل بظهور الآية بنفسها في ذلك فإثبات الحكم بها ولو بمعونة ما ورد في تفسيرها مشكل; لكون الروايتين مرسلتين لا يجوز الاعتماد عليهما ، وإن كان يمكن الاعتماد على الاُولى لكونها غير مسندة إلى الرواية بل إلى الإمام(عليه السلام)فتدبّر .


(1) سورة النور : الآية 30  .

الصفحة 7

ودعوى أنّ المراد من حفظ الفرج في الآية هو حفظه عن كلّ ما يترقّب منه من الاستلذاذات . والاستلذاذ به قد يكون بلمسه وقد يكون بالنظر إليه وقد يكون بغير ذلك من الوجوه; لأنّ حفظ الفرج فيها غير مقيّد بجهة دون جهة ، مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّ وجوب ستر العورة لا يختصّ بما إذا كان النظر مشتملاً على لذّة وريبة ، بل هو ثابت مطلقاً ، والآية على هذا التقدير لا تفي بإثباته ـ بأنّ الآية على ما ذكر لا تثبت كلا الحكمين لأنّه لا دلالة لها على حرمة نظر الغير فتدبّر .

ويدلّ على الحكمين المذكورين من السنّة الأخبار الكثيرة المستفيضة التي جمعها في «الوسائل» في الباب الأوّل من أبواب أحكام الخلوة ومنها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي قال : إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته ، وقال : لا يدخل أحدكم الحمّام إلاّ بمئزر ، ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم ، وقال : من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك ، ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة ، وقال : من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمّداً أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس ، ولم يخرج من الدنيا حتّى يفضحه الله إلاّ أن يتوب .

وقد ورد في جملة من الأخبار : «عورة المؤمن على المؤمن حرام» ولو نوقش فيها بأنّ المراد بالعورة هي الغيبة كما يؤيّده جملة من النصوص الواردة في تفسيرها ، وأُغمض عن إمكان الجواب بأنّ تفسيرها بذلك لا يدلّ على كون المراد منها في جميع الموارد ذلك ، كيف وقد جمع في بعض الروايات بين هذا التعبير وبين التطبيق على مسألة النظر ، ولكن مثل رواية حسين لا تجري فيه هذه المناقشة بوجه للمسبوقية بالنهي عن دخول الحمّام إلاّ بمئزر والاشتمال على كلمة النظر الظاهرة في

الصفحة 8

الرؤية ، كما أنّ التعبير بـ «النهي» أوّلاً والاخبار بلعن سبعين ألف ملك ثانياً ظاهر ، بل صريح في كون المراد هو النهي التحريمي ، وعليه فلا يبقى مجال لاحتمال مجرّد الكراهة الذي احتمله بعض متأخّر المتأخّرين لو لم يكن مخافة خلاف الإجماع كما نقله صاحب المصباح(قدس سره) ، والظاهر أنّ منشأ احتماله رواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)  : أيتجرّد الرجل عن صبّ الماء ترى عورته أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة الناس؟ قال : كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد .

وفيه : وضوح أنّ المراد بالكراهة ليست هي الكراهة المصطلحة المقابلة للحرمة لأنّه اصطلاح فقهي حادث ، والظاهر منها هي المبغوضية والحرمة عند عدم وجود القرينة على الخلاف ، ولو سلم ظهورها في الكراهة المصطلحة فأظهرية روايات الحرمة فيها قرينة على عدم كون المراد بها ما هو معناها الظاهرة فيه كما هو ظاهر .

ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على الحكمين الإطلاق بالإضافة إلى الجميع والشمول لهم فلا فرق بين الرجل والمرأة والبالغ وغيره ، نعم في غير المميّز من الطفل والمجنون الظاهر عدم الشمول لأنّه لا يفهم عرفاً من وجوب التستّر إلاّ وجوبه عمّن له إدراك وشعور ، ولذا لا يفهم وجوبه عن البهائم والحيوانات ، كما أنّ الظاهر عدم حرمة النظر إلى عورة غير المميّز ـ مجنوناً كان أو طفلاً ـ لما ذكر من أنّه لا يفهم عرفاً منها إلاّ ذلك . وأمّا المميّز فيجب التستّر منه ويحرم النظر إلى عورته وإن لم يكن مكلّفاً لصغر أو جنون لإطلاق الأدلّة وعدم الملازمة بين كونه غير مكلّف وبين عدم الوجوب والحرمة كما هو واضح .

وامّا الزوجان فيجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر مطلقاً; لأنّه يدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّ النظر من اللوازم العادية للوطئ الجائز شرعاً ـ وإلى ما دلّ على جواز الاستمتاع له منها بكلّ شيء ، وكذا العكس; إلاّ ما استثنى . ومن الواضح أنّ

الصفحة 9

النظر إلى العورة من مصاديق الاستمتاع ، وإلى جريان اسيرة القطعية المتّصلة من المتشرّعة بذلك ما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : للزوج ما تحت الدرع وللابن والأخ ما فوق الدرع ولغير ذي محرم أربعة أثواب درع وخمار وجلباب وإزار . وغير ذلك ممّا يدلّ عليه .

وامّا الاستدلال للجواز في الزوجين باستثناء الأزواج وما ملكت أيمانهم في الآية الآمرة بالتحفّظ على الفرج فيرد عليه انّ الآية الدالّة على حفظ الفرج من النظر الذي هو المقصود في المقام لا يكون مشتملاً على هذا الاستثناء ، والآية المشتملة على الاستثناء لا يكون المقصود من حفظ الفرج فيها ما هو المنظور في المقام ، بل المراد حفظه من الزنا ونحوه ، ويؤيّده ـ مضافاً إلى كون الظاهر منها ذلك عرفاً ـ الروايتان المتقدّمتان في تفسير الآية التي استدللنا بها في المقام .

وأمّا المالك فيجوز له النظر إلى عورة مملوكته لأولويّة النظر من الوطء الجائز شرعاً وكون الأوّل من اللوازم العادية للثاني ، نعم لابدّ من التقييد بما إذا لم تكن مزوّجة ولا في العدّة وإلاّ فمقتضى الروايات الواردة فيه عدم جواز النظر إلى عورتها من دون فرق في ذلك بين ما إذا كانت مدخولاً بها لزوجها وعدمه .

كما أنّه إذا كان الأمَة محلّلة للغير لابدّ من الاقتصار في جواز النظر إلى عورتها على مورد يجوز له وطئها وهو ما إذا لم تكن حاملاً من المحلّل له أو موطوءته ولم تسستبرأ; لأنّه مع عدم جواز الوطء والمفروض عدم دليل على جواز النظر غير جواز الوطء يكون مقتضى الأدلّة المتقدّمة ثبوت الحكمين بالإضافة إليها أيضاً . ومنه يعلم انّ كلّ مورد لا يجوز للمالك وطء المملوكة لا يجوز النظر إلى عورتها وهذه الموارد كثيرة وقد تعرّض لها صاحب الوسائل في الباب الثامن عشر من أبواب نكاح العبيد والإماء ، وعليه فالحكم بالجواز مطلقاً ـ كما في المتن ـ غير تامّ .

الصفحة 10

وامّا المالكة فلا يجوز لها النظر إلى عورة مملوكها ولا مملوكتها; لعدم الدليل على الجواز بعد اقتضاء الأدلّة المتقدّمة الحرمة ، كما انّه لا يجوز لهما النظر إلى عورتها لذلك ، بل لا يجوز فيما إذا كان مملوكاً النظر إلى سائر بدن المالكة وبالعكس; لعدم استفادة الجواز من شيء من الأدلّة وعدم اقتضاء الملكية ، لذلك فإنّ مقتضى الأدلّة جواز الوطء بالإضافة إلى المالك والمملوكة فقط في غير ما استثنى ولازم جواز الوطء جواز النظر أيضاً للأولوية وللملازمة العادية من ناحية الوطء كما لا يخفى .

ثمّ إنّه يستفاد من إطلاق المتن أنّه لا فرق في حرمة النظر إلى عورة الغير ووجوب الستر عنه بين المسلم والكافر ومقتضى إطلاق الأدلّة المتقدّمة أيضاً ذلك ، إلاّ أنّه ربّما يستشكل في خصوص حرمة النظر إلى عورة الكافر ، بل ربّما يقال بالجواز كما هو المحكي عن الصدوق وتبعه الوسائل والحدائق(قدس سرهم) .

وجه الاستشكال المناقشة في إطلاق الأدلّة المتقدّمة نظراً إلى أنّ الأخبار الواردة في ذلك مقيّدة بالمؤمن أو المسلم أو الأخ ، والآية أيضاً لا دلالة لها على المدّعي ، امّا أوّلاً; فلأنّ الظاهر منها أنّها ناظرة إلى الجامعة الإسلامية ومتكفّلة لبيان وظيفة بعضهم بالإضافة إلى بعض آخر فلا إطلاق لها حتّى تشمل غير المسلمين ، وامّا ثانياً فلأنّها على تقدير إطلاقها لابدّ من تقييدها بالروايات المشتملة على الأخ أو المؤمن أو المسلم ، والسرّ فيه انّ تقييد موضوع الحكم بوصف أو بغيره من القيود يدلّ على أنّ الحكم في القضية لم يترتّب على الطبيعة بإطلاقها وإنّما ترتّب على الحصّة المتّصفة بذلك الوصف أو القيد لأنّه لولا ذلك لكان التقييد لغواً وهذا أمر متوسّط بين القول بالمفهوم وبين إنكاره; لعدم اقتضائه نفي الحكم عن غير مورد القيد رأساً ولا مدخليته في ثبوت الحكم كذلك ، وعليه فالتقييد في المقام يدلّ على أنّ الحرمة لم تترتّب على النظر إلى عورة طبيعي البشر

الصفحة 11

وإنّما هي خاصّة بحصّة معيَّنة وهذا يكفينا في الحكم بجواز النظر إلى عورة الكافر .

وامّا وجه الفتوى بالجواز فهو روايتان :

إحداهما : مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار .

ثانيتهما : مرسلة الصدوق التي رواها في الفقيه قال : وروي عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال : إنّما أكره النظر إلى عورة المسلم ، فامّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار .

وربّما يناقش في الاستدلال بهما من جهتين :

إحداهما : إنّهما ساقطتان عن الاعتبار لضعفهما من حيث السند بالإرسال .

ثانيتهما : إعراض الأصحاب عنها لإطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلى عورة الغير ـ من دون أن يقيّد بمثل المسلم .

وأُجيب عن الاُولى بأنّه وإن كان لا يتفاوت في المراسيل بين ابن أبي عمير وغيره من جهة عدم اعتبار شيء منها إلاّ أنّ روايته في المقام عن غير واحد معناه انّ الرواية وصلت إليه من جماعة من الرواة لعدم صحّة هذا التعبير فيما إذا رواها واحد أو اثنان ، وتلك الجماعة نطمئن بوثاقة بعضهم على الأقلّ لأنّه من البعيد أن يكون كلّهمن غير موثّقين .

وعن الثانية ـ مضافاً إلى أنّ كبرى سقوط الرواية عن الحجّية بإعراض الأصحاب لا يمكن الالتزام بها ـ انّ إعراضهم عن الرواية لم يثبت بوجه لأنّه من المحتمل أن يستندوا في الحكم بحرمة النظر مطلقاً إلى ترجيح الأدلّة المعارضة وتقديمها على رواية الجواز كما ربّما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري(قدس سره) ، فتركهم العمل على طبقها من جهة مخالفة الرواية لإطلاق الآية والروايات .

الصفحة 12

والجواب امّا عن الاستشكال امّا بالإضافة إلى الآية الكريمة فهو أنّه لا ريب في عدم اختصاص الحكم المذكور فيها بالمسلم وإن كان النبي(صلى الله عليه وآله) واسطة في تبليغ الحكم إليهم ضرورة أنّ التكاليف والأحكام مشتركة بين المسلم والكافر فهل يرتضي أحد بالقول بأنّه يجوز للكافر النظر إلى عورة الغير ولا يكون مكلّفاً بهذا الحكم أصلاً ، فالتكليف الذي تتضمّنه الآية مشترك بين المسلم والكافر ولا مجال لدعوى كونها ناظرة إلى الجامعة الإسلامية ومتكفّلة لبيان تكليف بعضهم بالإضافة إلى بعض فقط .

وامّا الروايات الواردة في هذا الباب فهي وإن كانت مشتملة على التقييد بالأخ أو المسلم أو المؤمن إلاّ أنّ الظاهر انّ القيد المذكور فيها كالقيد المذكور في الآية الشريفة ولا دلالة لشيء منها على تضيق دائرة التكليف ، فكما أنّه يحرم للكافر النظر إلى عورة المسلم بمقتضى الأدلّة كذلك لا يجوز للمسلم النظر إلى عورة الكافر بمقتضى تلك الأدلّة وإلاّ فاللاّزم قصر الحكم على المسلم ناظراً ومنظوراً ولا يرتضي به أحد .

وامّا عن الاستدلال : فرواية ابن أبي عمير وإن كانت معتبرة مع الإرسال أيضاً بخلاف مرسلة الصدوق ـ على تقدير كونها رواية اُخرى مغايرة لرواية ابن أبي عمير ـ لأنّها منسوبة إلى الإمام(عليه السلام) بطريق الرواية والنقل ولا تكون حال الرواية معلومة فلا وجه لاعتبارها إلاّ أنّ الظاهر إعراض الأصحاب عنها واحتمال كون إطلاق الفتاوى ناشئاً عن ترجيح الأخبار المعارضة من غرائب الاُمور فهل يحتمل في حقّهم ثبوت المعارضة عندهم بين المطلق والمقيّد المتنافيين خصوصاً مع ثبوت القيد في الأدلّة المطلقة أيضاً ، فلو كانت مرسلة ابن أبي عمير معمولاً بها لديهم لم يكن محيص من تخصيص الحرمة بخصوص عورة المسلم والحكم بالجواز

الصفحة 13

بالإضافة إلى عورة الكافر فاحتمال ثبوت المعارضة وترجيح أخبار الحرمة لا مجال له أصلاً فلا يبقى إلاّ الإعراض ومهجورية الرواية وقد تقرّر في محلّه انّ الإعراض يكشف عن وجود الخلل في الرواية وفتوى الصدوق ـ فقط ـ بالخلاف المستفاد من مجرّد نقل الرواية لا يقدح في تحقّق الإعراض وثبوته فالأحوط لو لم يكن أقوى لزوم الاجتناب عن النظر إلى عورة الكافر أيضاً .

المقام الثاني : في المراد من العورة التي يجب سترها ويحرم النظر إليها فنقول : لا إشكال في كون القبل والدبر عورة في المرء والمرأة وهما مع البيضتين في المرء فقط لدلالة العرف عليه وكون المتفاهم لديه من الأدلّة الواردة في الباب من الآية والرواية المعبّرة فيهما بالفرج أو العورة هو هذا المقدار دون الزائد عليه مع وجود روايات مشتملة على تفسير العورة :

مثل مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام)قال : العورة عورتان ، القبل والدبر ، والدبر مستور بالاليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة . ويظهر منها انّ لفظ «القبل» شامل للبيضتين أيضاً .

ورواية الميثمي عن محمد بن حكيم قال : لا أعلمه إلاّ قال : رأيت أبا عبدالله(عليه السلام)أو من رآها متجرّداً وعلى عورته ثوب فقال : إنّ الفخذ ليست من العورة .

ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق(عليه السلام)  : الفخذ ليس من العورة .

وإسناد الصدوق الحكم المذكور إلى الإمام(عليه السلام) من دون أن يروى عنه ، يشعر بل يدلّ على اعتماده على الرواية وكونها معتبرة عنده ، ففي الحقيقة يصير ذلك بمنزلة الشهادة على صدورها لكون رواتها موثقة بنظره فلا موقع للإشكال عليها بمثل الإرسال ، لأنّ هذا النحو من الإرسال ـ في قبال ما إذا أسنده إلى الرواية كما في مرسلة الصدوق المتقدّمة آنفاً لا يضرّ بالاعتماد عليها كما لا يخفى .

الصفحة 14

ويؤيّد ما ذكر ما رواه الصدوق باسناده عن عبيدالله المرافقي انّه دخل حمّاماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمّام أنّ أبا جعفر(عليه السلام) كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثمّ يلف إزاره على أطراف إحليله ويدعوني فأُطلي سائر بدنه .

وقد يستدلّ على أنّ العورة ما بين السرّة والركبة بما رواه بشير النبال قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الحمّام فقال : تريد الحمّام؟ قلت : نعم ، فأمر بإسخان الماء ثم دخل فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه وسرّته إلى أن قال : ثمّ قال : هكذا فافعل . وفيه ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ ما لا يخفى من عدم الدلالة .

وبما رواه الحسين بن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه أنّه قال : إذا زوّج الرجل أمَته فلا ينظرن إلى عورتها ، والعورة ما بين السرّة والركبة . وفيه ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ انّه لا دلالة لها على انّ العورة مطلقاً بهذا المعنى المذكور فيها بل ظاهرها انّ المراد بعورة الأمَة المزوّجة من الغير التي يحرم النظر إليها هو ما بين السرّة والركبة غايتها أن يكون المراد بعورة النساء هو ما ذكر لا أن تكون العورة مطلقاً بهذا المعنى . ويؤيّد ما ذكر تطبيق العورة على جميع بدن المرأة في بعض الروايات ، لكن من الواضح انّ العورة بالمعنى المقصود في المقام تغاير العورة بالمعاني المقصودة في غيره فلا ينبغي الاختلاط بين المقامات .

ثمّ إنّه على تقدير دلالة الروايتين على كون المراد بالعورة مطلقاً هو ما بين السرّة والركبة يكون مقتضى الجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة الدالّة كثير منها على نفي كون الفخذ من العورة هو حملهما على الاستحباب والحكم باستحباب ستر هذا المقدار ، كما انّه يحمل عليه أيضاً حديث الأربعمائة ، المروي في الخصال عن علي(عليه السلام)إذا تعرّى أحدكم (الرجل خ ل) نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا ، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه ويجلس بين قوم . وعليه فيتّضح الوجه في استحباب

الصفحة 15

ستر السرّة والركبة وما بينهما المذكور في المتن في آخر المسألة بعد البناء على التسامح في أدلّة السنن .

بقي الكلام في الشعر النابت أطراف العورة التي احتاط فيه بالاجتناب في المتن ناظراً ومنظوراً ولعل الوجه فيه احتمال كونه من العورة ، ولكن يرد عليه انّ مجرّد الاحتمال مع عدم دلالة شيء من الروايات الواردة في تفسير العورة على كونه منها لا يكفي في لزوم الاحتياط وستر القضيب والبيضتين لا يلازم ستر الشعر النابت أطرافها كما لا يخفى . ثمّ إنّه لا إشكال في وجوب التّستّر فيما لو علم وجود الناظر بالفعل ، كما انّه لا إشكال أيضاً في الوجوب فيما لو علم بتجدّده على تقدير كشفها كما لو علم بوجود الناظر في الحمّام فدخله مكشوف العورة ، والظاهر أيضاً حرمة الدخول فيه إذا علم بأنّه يقع نظره إلى عورة الغير على تقدير الدخول فيه ، وذلك لأنّه يصدق عليه انّه فعل ذلك اختياراً وإن كان شيء من النظر وعدم التستّر لا يكون في نفسه أمراً اختيارياً .

وفي مورد الشكّ في وجود الناظر أو في وقوع النظر على عورة الغير فقد قوى المحقّق الهمداني(قدس سره) الجواز بعد الاستشكال في الحكم من جهة انّ الأصل براءة الذمّة عن التكليف كغيره من الشبهات الموضوعية ، ومن جهة أنّه لو بنى على إعمال هذا الأصل لوقع المكلّف غالباً في مفسدة مخالفة الواقع .

وقد أورد عليه بعض الأعلام بأنّ دقيق النظر يقتضي عدم جريان البراءة في المقام نظراً إلى أنّ الأمر في قوله تعالى : (ويحفظوا فروجهم) انّما تعلّق بالمحافظة وقد أخذ في مفهوم «المحافظة» احتمال ينافي صدقها بحيث لو لم يعتن بالاحتمال صدق ترك المحافظة لدى العرف ، وإذا لم يستر عورته في موارد الشكّ في وجود الناظر صدق عدم التحفّظ على عورته .

الصفحة 16

وفيه ـ مع أنّ مقتضى هذا الإيراد الفرق بين الحكمين بوجوب التستّر مع احتمال وجود الناظر وعدم حرمة النظر في مورد الشكّ لأنّ عنوان «المحافظة» إنّما يكون مأخوذاً في موضوع الحكم الأوّل دون الثاني ـ انّ كلمة «الحفظ» لا يراد بها إلاّ التستّر والإخفاء ويؤيّده استعمال هذه الكلمة في موارد اُريد بها التحفّظ عن الزنا ونحوه كما عرفت في الرواية الواردة في تفسير الآية . ومن المعلوم أنّه لا يمكن الالتزام بلزوم الاجتناب ورعاية الاحتياط في موارد إمكان الزنا واحتماله إذا كان مقتضى الأصل وشبهه عدم كونه كذلك كما لا يخفى ، فالظاهر ما قوّاه المحقّق المذكور وإن كان الأحوط خلافه .

الصفحة 17

مسألة 2 ـ يكفي الستر بكل ما يستر ولو بيده أو يد زوجته ـ مثلاً ـ 1  .

1 ـ لأنّ الواجب في باب ستر العورة بمقتضى الآية والروايات المتقدّمة إنّما هو إخفائها عن الغير بثوب أو يد ـ أعمّ من يده ويد زوجته ـ مثلاً ـ أو غيرهما من الأشياء الحائلة بينها وبين النظر لأنّ الغرض إنّما هو حفظها عن الناظرين وهو يحصل بكل ما يوجب اختفائها عن نظر الغير ولو كان لأجل الظلمة أو البُعد المفرط أو شبههما ولا يكون بين تلك الأشياء الحائلة اختلاف من حيث المرتبة في السّتر في هذا المقام الذي يكون متعلّقاً للتكليف النفسي وإن كان بينها فرق ـ احتمالاًـ في الستر الصلاتي الذي هو من شرائط الصلاة واللاّزم تحصيله ولو فيما لا يكون هناك ناظر أصلاً كما إذا كان الرجل في البيت وحده وصلّى فيه حيث إنّه ذهب المشهور إلى جواز التستّر بكل شيء يتحقّق به السّتر حتّى الطلي بالطين ونحوه اختياراً من غير فرق بين الثوب والحشيش والورق والطين وغيره ، والتزم بعض بالترتيب بين الثوب وغيره فلم يجوز السّتر بما عدى الثوب لدى التمكّن منه وعند تعذّره أجاز الستر بكلّ شيء حتّى الطين ، وعن بعضهم انّه جعل الطين متأخّراً عن غيره في الرتبة مع التزامه بتقدّم الثوب على ما عداه من الحشيش ونحوه ، وصاحب الجواهر(قدس سره) لم ير الطلي بالطين من مصاديق الستر المعتبر في الصلاة أصلاً ، إلاّ انّ ذلك كلّه إنّما يكون مرتبطاً بالستر الصلاتي ، وامّا السّتر في المقام فلا خفاء ولا خلاف في تحقّقه بكلّ ما يتحقّق الستر به من دون مزية لبعض المصاديق على الآخر من هذه الجهة .

ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة إنّما هو أنّ المحرم وجوب ستر العورة وحرمة النظر إليها ، ومن المعلوم انّ المراد منها هو نفسها وعينها ، وعليه فلا يلزم ستر الحجم ولا مانع من النظر إليه لعدم صدق النظر إلى العورةـ حينئذـ نعم لو كان الحاجب رقيقاً في الغاية

الصفحة 18

بحيث لا يصدق عليه السّتر بنظر العرف أصلاً يكفي ذلك في السّتر الواجب .

الصفحة 19

مسألة 3ـ لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الزجاج ، بل ولا في المرآة والماء الصافي1  .

1ـ امّا عدم جواز النظر إلى عورة الغير من وراء الزجاج فلأنّ الزجاج لا يكون مانعاً عن رؤية الشيء أصلاً بحجمه ولونه ، وبعبارة اُخرى بتمام خصوصيّاته التي تظهر بالنظر والرؤية ، وإنّما يكون مانعاً عن اللمس ، فإذا كان الحكم مترتّباً على الرؤية والنظر كما في المقام فالزجاج لا يقدح في ترتّبه والأدلّة غير قاصرة عن إفادة ثبوته ، نعم لو كان الحكم مترتّباً على اللمس ونحوه فمجرّد لمس الزجاج لا يوجب ثبوته وتحقّقه لعدم كون لمس الزجاج لمساً لما ورائه وهذا واضح جدّاً ، وامّا عدم الجواز في المرآة والماء الصافي مع أنّ ما في المرآة والماء الصافي ليس هو نفسها بل صورتها ولأجله يتحقّق الفرق بينه وبين ما وراء الزجاج فإنّه هو بعينه بخلاف ما في المرآة مثلاً فإنّه صورته فللصدق العرفي وإن كان هناك فرق بنظر العرف من حيث المرتبة بين النظر إلى العين والنظر إلى الصورة في المرآة إلاّ انّه لا يكون خارجاً عن النظر إلى العين أيضاً ، بل يعدّ مرتبة من النظر إليها وهذا بخلاف النظر إلى الصورة المنقوشة منها في الجدار أو القرطاس فإنّ الظاهر انّه لا يكون عند العرف من النظر إلى العورة ، فالفارق هو العرف والحاكم بالاشتراك أيضاً هو العرف ولا يبتني ذلك على مسألة انّ الرؤية هل تكون بخروج الشعاع أو بالانطباع فإنّ الاختلاف على تقديره لابدّ وأن يكون ملحوظاً بالإضافة إلى المرئي لا بلحاظ الرؤية فتدبّر .

نعم يمكن المناقشة من جهة أنّ النظر إلى ما في المرآة والماء الصافي لا يكون من مصاديق النظر إلى العورة بوجه ولا يعدّ عند العرف منها ، ولكن هي مندفعة بالمراجعة إليهم .

الصفحة 20

مسألة 4ـ لو اضطرّ إلى النظر إلى عورة الغيرـ كما في مقام العلاج ـ فالأحوط أن ينظر إليها في المرآة المقابلة لها إن اندفع الاضطرار بذلك ، وإلاّ فلا بأس1  .

1ـ إن قلنا بجواز النظر إلى ما في المرآة وشبهه اختياراً فلا شكّ في تعيّنه في حال الاضطرار إلى النظر إلى العورة مع اندفاع الاضطرار بذلك ، كما إذا أمكنت المعالجة معه ، وذلك لعدم تحقّق الاضطرار إلى المحرّم ، المسوغ له على ما هو المفروض .

وامّا إن لم نقل بذلك بل قلنا بالحرمة اختياراً كما هو المختار ، فمع اندفاع الاضطرار بالنظر إلى ما في المرآة يكون الوجه في تعيَّنه ولو احتياطاً ما عرفت من حكم العرف بضعف مرتبة النظر إلى ما في المرآة بالإضافة إلى النظر إلى العين وإن كان كلّ منهما من مصاديقه لكن اختلافهما في المرتبة لا يكاد ينكر ، وعليه فالأمر يدور بين التساوي بينهما من حيث الحكم وبين كون الحكم في العين آكد وأقوى لاقوائية مرتبته إذ لا مجال لاحتمال إقوائية النظر إلى ما في المرأة أصلاً ، ومع ثبوت الاحتمالين لا يتحقّق الاضطرار إلى ارتكاب ما هو آكد وأقوىـ احتمالاًـ فلا وجه لتسويغه ارتكابه ، وامّا النظر إلى ما في المرآة فهو جائز بمقتضى الاضطرار على كلا التقديرين سواء كان هناك التساوي من حيث الحكم أم لم يكن ، فجوازه مسلّم وجواز الآخر مشكوك ، ومقتضى الاحتياط اللاّزم في مثل المقام عدم التعدّي في حال الاضطرار عن المرتبة الضعيفة إلى المرتبة الشديدة فتدبّر .

مضافاً إلى بعض الروايات الواردة في أخبار الخُنثى المروية في أبواب ميراث الخُنثى الدالّة على تعيّن الكشف في المرأة لينظر العدول أو العدلان أنّها هل تبول من فرج الذكر أو الاُنثى لكنّها ضعيفة من حيث السَّند ولأجله لا تصلح للدلالة بل للتأييد فقط .

<<التالي الفهرس السابق>>