في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 261

مهدور .

ومرسلة المفيد قال : روى عن الصادقين (عليهما السلام) قالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يغفر للمؤذِّن مدّ صوته وبصره ويصدقه كلّ رطب ويابس وله من كلّ من يصلّي بأذانه حسنة . والكلام فيه هو الكلام في مرسلة الصدوق الاُولى المتقدّمة .

ورواية سعيد الأعرج قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) وهو مغضب وعنده جماعة من أصحابنا وهو يقول : تصلِّون قبل أن تزول الشمس قال : وهم سكوت ، قال : فقلت : أصلحك الله نصلّي حتّى يؤذِّن مؤذِّن مكّة؟ قال : فلا بأس امّا انّه إذا أذّن فقد زالت الشمس الحديث . ويحتمل أن يكون لمؤذِّن مكّة خصوصية موجبة لاعتبار أذانه فلا يستفاد منها الامارية لمطلق الأذان فتدبّر .

وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إنّ ابن مكتوم يؤذِّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال . ودعوى اختصاصها بالصوم ممنوعة جدّاً خصوصاً مع تعليل الفرق بأنّ ابن اُمّ مكتوم إنّما يؤذِّن بليل كما لا يخفى .

وفي مقابل هذه الروايات رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) المتقدّمة في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري طلع أم لا غير انّه يظنّ لمكان الأذان انّه طلع قال : لا يجزيه حتّى يعلم انّه قد طلع .

والجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة بعد حمل مطلقها على مقيّدها وقصر الحكم على مورد التعليل الوارد في بعضها المقتضى لاختصاص الحكم بالاعتبار بأذان الثقة العارف كما سيجيء يقتضي حمل رواية علي بن جعفر على عدم كون المؤذِّن كذلك لو لم نقل بظهورها في نفسها في ذلك لأنّ موردها صورة سماع الأذان فقط من دون أن يكون خصوصية المؤذِّن من جهة الوثاقة والمعرفة بالوقت معلومة

الصفحة 262

وحصول الظنّ من الأذان كما هو المفروض في الرواية لا ينافي ذلك لظهورها في حصوله من ناحية نفس الأذان لا من جهة وصف المؤذِّن ففي الحقيقة مورد هذه الرواية الاعتماد على نفس الأذان بما هو أذان مفاد تلك الروايات اعتباره مع خصوصية في المؤذِّن فلا منافاة والحكم بعد الاجزاء في هذه الرواية إلى أن يعلم لا دلالة له على عدم اعتبار الأذان مطلقاً; لأنّ المراد من العلم هو الأعمّ منه ومن العلمي ولذا لا دلالة لها على عدم حجّية البيّنة في مسألة الوقت بحيث تكون الرواية مخصّصة لعمومات حجّية البيّنة كما هو ظاهر وقد يجمع بينها وبين الروايات باختصاص هذه بصلاة الصبح ولعلّ وجه الخصوصية عدم موافقة العامّة معنا في وقت الصبح فلا يكون أذانهم أمارة لدخول الوقت .

وكيف كان فالجمع الدلالي بين رواية علي بن جعفر وبين تلك الروايات في كمال الظهور إلاّ انّ الذي يوهن الأساس ما عرفت من عدم تعرّض الأصحاب لاعتبار الأذان بوجه وهو يكشف عن عدم حجّيته عندهم لكونه من المسائل التي تعمّ بها البلوى وقد وردت فيها روايات متكثّرة . وعليه فيقع الكلام في وجه عدم اعتمادهم على هذه الروايات وانّه هل كان ذلك لثبوت المعارض لها وقد عرفت إمكان الجمع بينه وبينها بل وضوحه أو كان لثبوت الخلل فيها للقرائن الموجودة عندهم الدالّة على عدم صدورها لبيان الحكم الواقعي ، بل صدرت تقية أو مثلها ولأجله ذكر الماتن ـ دام ظلّه ـ انّ الأحوط عدم الكفاية ، وعلى ما ذكرنا فالحكم في المسألة مشكل وللتوقّف فيها مجال .

ثمّ إنّك عرفت انّه على تقدير اعتبار الروايات المتقدّمة يكون مقتضى الجمع بينها هو اعتبار الأذان إذا كان المؤذِّن ثقة عارفاً بالوقت; لأنّ بعضها وإن كان ظاهراً في حجّية الأذان مطلقاً كإحدى مرسلتي الصدوق إلاّ انّ التعليل الوارد في صحيحة

الصفحة 263

ذريح المحاربي بقوله (عليه السلام)  : إنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت يقتضي قصر الحكم على ما إذا كان المؤذِّن ثقة وكان عارفاً بالوقت لأنّ شدّة المواظبة على الوقت تقتضي ذلك ، كما انّه حيث يكون موردها ومورد بعض الروايات الاُخر بل كثيرها أذان المخالفين فاللاّزم عدم اعتبار العدالة التي لا تكاد تجتمع مع عدم الايمان كما هو ظاهر .

وهل يعتبر إفادة أذانه للظنّ الفعلي بحيث يكون الحكم بالاعتبار دائراً مداره الظاهر العدم لعدم الدليل على اعتباره ، نعم لو قلنا بأنّ صحيحة ذريح إنّما تكون في مقام الإرشاد إلى ما هو مستمرّ عند العقلاء وقلنا باختصاص مورد السيرة بما إذا حصل الظنّ الفعلي بل الاطمئنان لكان اللاّزم الحكم باعتباره ولكن كلّ واحد من الأمرين خلاف الظاهر فتدبّر .

وممّا ذكرنا من عدم دوران الحكم بالاعتبار مدار الظنّ يستفاد بطلان استشهاد صاحب الحدائق بهذه الأخبار لكفاية الظنّ بدخول الوقت نظراً إلى أنّ غاية ما يفيد أذان المؤذِّن هو الظنّ وإن تفاوتت مراتبه شدّة وضعفاً باعتبار المؤذِّنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات وعدمها .

وجه البطلان انّ الحكم بكون الملاك في اعتبار أذان المؤذِّن الذي هو مفاد تلك الأخبار هو إفادته للظنّ ممّا لا يساعده دليل بل هو من مقولة قياس مستنبط العلّة الذي لا اعتبار به عندنا بوجه فإنّ جعل الأذان حجّة لا دلالة له على جعل الظنّ كذلك ، وقد عرفت انّه لا دلالة على حجّية الخبر القولي الصريح أيضاً لأنّه لم يعلم انّ الأذان إنّما جعل حجّة لأجل كونه خبراً بل الظاهر خلافه .

ثمّ الظاهر انّ حجّية البيّنة وكذا أذان الثقة وأخباره على تقدير اعتبارهما إنّما هو فيما إذا كان المخبر به حسيّاً لا يتطرّق فيه احتمال الخطإ احتمالاً عقلائياً كالاخبار في

الصفحة 264

المقام ببلوغ الفيء موضع كذا أو زيادة الظلّ بعد نقصانه أو ذهاب الحمرة المشرقية وتجاوزها عن قمّة الرأس أو حدسيّاً كذلك كقيام البيّنة على العدالة أو الاجتهاد أو ما يشابههما من الملكات المستكشفة من آثارها ، وامّا في غير هذه الصورة كما إذا اعتمد في زماننا على هذا على مثل الساعة فالظاهر عدم شمول أدلّة الحجّية لها كما لا يخفى .

المقام الثاني : في ذي العذر العامّ ، وقد أفتى في المتن بجواز التعويل على الظنّ فيه وهو المشهور ، بل عن التنقيح وغيره دعوى الإجماع عليه خلافاً لابن الجنيد فقال ـ على ما حكي عنه ـ ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلاّ عند تيقّنه الوقت ومال إليه صاحب المدارك .

ومستند المشهور روايات يستفاد منها ذلك عمدتها :

رواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ انّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأمطر ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب فقال : قد تمّ صومه ولا يقضيه .

ونوقش فيها بضعف السند من جهة الراوي عن أبي الصباح وهو محمّد بن الفضيل بن الكثير الضعيف ولكن يدفعها ـ مضافاً إلى أنّ استناد المشهور إليها سيما في الحكم الذي يكون مخالفاً للقاعدة لما عرفت من أنّ مقتضاها عدم جواز الاعتماد على غير العلم يكفي في انجبار الضعف ـ انّ مضمون هذه الرواية قد ورد في روايات معتبرة معمول بها عند الأصحاب كما يظهر بمراجعة الوسائل .

وامّا من حيث الدلالة فالظاهر انّ المراد من الظنّ هو معناه العرفي المقابل للشكّ والوهم واليقين واستعماله أحياناً بمعنى اليقين في الكتاب والسنّة كما في قوله تعالى :

الصفحة 265

}الذين يظنون انّهم ملاقوا ربّهم وإنّهم إليه راجعون{(1) . لا يوجب الحمل على خلاف ما هو ظاهر فيه مع عدم قرينة خصوصاً مع أنّ استعماله فيهما في مقابل العلم كثير جدّاً كما يظهر للمتتبّع فالمراد ما هو معناه الظاهر ، وامّا ورود الرواية في باب الصوم فلا دلالة له على الاختصاص لا لأجل عدم القول بالفرق ، بل لأجل انّ المستفاد من الرواية انّ الوظيفة فيما إذا كان هناك غيم هو الاعتماد على الظنّ وانّه طريق شرعي معتبر في هذه الصورة ولا فرق فيه بين أسباب حصوله ومقدّمات تحقّقه ، نعم لا ينبغي الارتياب في عدم اختصاص ذلك بخصوص ما إذا كان المانع العام هو الغيم ، بل يجري الحكم في جميع الأعذار العامّة كالرياح المظلمة ونحوها ، ودعوى انّ المستفاد من مثل الرواية هو اعتبار الظنّ مطلقاً ولو مع عدم ثبوت المانع أصلاً; لأنّ وروده في الغيم لا يقتضي الاختصاص كما عن صاحب المستند مدفوعة بعدم جواز التعدّي عن مورد الرواية خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا من كون الحكم على خلاف القاعدة ، نعم قد عرفت عدم كون خصوصية الغيم من بين الأعذار العامّة دخيلة في الحكم على ما هو المتفاهم عند العرف ، وامّا إلغاء خصوصية العذر مطلقاً فلا شاهد عليه أصلاً فالرواية على ذلك تامّة من حيث السند والدلالة .

وما رواه الصدوق باسناده عن سماعة بن مهران انّه سأله عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس والقمر ولا النجوم فقال : تجهد رأيك وتعتمد (تعمد) القبلة بجهدك . والظاهر انّ السؤال مسوق لبيان اشتباه الأوقات للصلوات المجعولة في الليل والنهار مع عدم رؤية الشمس والقمر والنجوم ولكنّه استظهر في محكي


(1) سورة البقرة  : 46  .

الصفحة 266

الحدائق أن يكون المراد هو الاجتهاد في القبلة وانّ العطف يكون تفسيرياً فلا تكون الرواية من المسألة في شيء .

أقول : ويبعد ما استظهره انّ المنساق من السؤال ليس إلاّ ما ذكرنا من اشتباه الأوقات عند عدم رؤية مثل الشمس والحمل على اشتباه القبلة يقتضي التخصيص بالسفر لأنّ تشخيص القبلة في الحضر لا يكون بسبب رؤية الشمس ونحوها لأنّ تشخيصها إنّما يكون غالباً بغيرها ولا يختلف فيه الرؤية وعدمها وحمل مورد السؤال على خصوص السفر في غاية البعد مع انّ الظاهر انّ مفروض السائل انّ ما كان معرفاً له من العلامات مفقودة وجواب الإمام (عليه السلام) على تقدير كون المراد اشتباه القبلة لا يناسب ذلك لعدم كون الاُمور المذكورة علامة لتشخيصها ، نعم يبقى الكلام في قوله (عليه السلام)  : وتعمّد القبلة بجهدك والظاهر انّ المراد انّ تحصيل الرأي للوقت ينبغي أن يكون بالتوجّه إلى جانب القبلة لكون الشمس واقعة في جانبها والموانع عامّة جائية من قبلها نوعاً كالغيم ونحوه كما لا يخفى مع أنّ الالتزام بكونه ناظراً إلى بيان حكم اشتباه القبلة الذي لم يكن مورد السؤال لا ينافي دلالة الرواية على بيان حكم اشتباه الوقت .

ويدلّ على ما ذكرنا من كون محطّ نظر السائل خصوص اشتباه الوقت وقوع هذا السؤال بعينه في رواية سماعة مع صراحة الجواب في كون المراد منه هو اشتباه الوقت وهي ما رواه قال : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر فقال : تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق يقال لها الديكة؟ قال : نعم ، قال : إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال : فصلّه .

ويستفاد من هذه الرواية انّ ارتفاع أصوات الديكة وتجاوبها علامة لزوال الشمس وأمارة شرعية على تحقّقه ويدلّ عليه أيضاً رواية الحسين بن المختار قال :

الصفحة 267

قلت للصادق (عليه السلام)  : إنّي مؤذِّن فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت فقال : إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة . والتخصيص بالزوال ليس لأجل اختصاص الحكم به فإنّ الظاهر عمومية الحكم وإنّ ارتفاع أصواتها علامة لدخول الوقت مطلقاً كما يدلّ عليه مرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : تعلّموا من الديك خمس خصال محافظته على أوقات الصلاة والغيرة والسخاء والشجاعة وكثرة الطروقة .

والمستفاد من مجموع الروايات الواردة في هذا المقام انّه مع ثبوت العذر العام يكون صياح الديك وارتفاع أصواتها أمارة شرعية على دخول الوقت والظاهر انّه لا فرق فيها بين حصول الظنّ منها وعدمه ، كما انّ مطلق الظنّ من أي طريق حصل يكون كذلك ، نعم رواية مهران الدالّة على وجوب الاجتهاد في تحصيل الوقت ظاهرة في تحصيل المراتب العالية مع إمكانها لأنّه معنى الجهد والاجتهاد فاللاّزم ـ حينئذ ـ الاقتصار على الظنّ القوي إن أمكن وإلاّ فما دونه .

المقام الثالث : في ذي العذر الخاص كالمحبوس والأعمى ونحوهما والظاهر انّه لا دليل فيه على جواز الاقتصار على الظنّ; لأنّ مورد الروايا المتقدّمة هو العذر العام وإلغاء الخصوصية بدعوى كون المراد مطلق العذر لم يقم عليه دليل ولا يساعده فهم العرف بعد كون الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للزوم تحصيل العلم بدخول الوقت وإحراز الشرط فلا يجوز له ترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخول الوقت . هذا تمام الكلام في مبحث الأوقات .

الصفحة 268

في اللباس المشكوك

قال الماتن ـ دام ظلّه العالي ـ

نعم لو شكّ في اللباس أو فيما عليه في أنّه من المأكول أو غيره أو من الحيوان أو غيره صحّت الصلاة فيه بخلاف ما لو شكّ فيما تحلّه الحياة من الحيوان انّه مذكى أو ميتة فإنّه لا يصلّي فيه حتّى يحرز التذكية ، نعم ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليه أو مع سبق يده مع احتمال انّ المسلم الذي بيده تفحص عن حاله بشرط معاملته معه معاملة المذكّى على الأحوط محكوم بالتذكية فتجوز الصلاة فيه 1 .

1 ـ أقول : تقدّم البحث في مشكوك التذكية في ذيل البحث عن اعتبارها وكذا تقدّم الكلام في اعتبار يد المسلم وسوق المسلمين هناك فالمهمّ الآن هو البحث عن المشكوك في أنّه من غير المأكول الذي اشتهر التعبير عنه باللباس المشكوك وقد صار معركة للبحث والنظر وألّف فيه الرسائل والكتب لشدّة الابتلاء به من جهة تداول الألبسة المصنوعة في البلاد غير الإسلامية المحمولة منها إلى البلاد الإسلامية فاللاّزم هو البحث فيه تفصيلاً اقتداء بهم واقتفاء لأثرهم ولاشتماله على المباحث العلمية المتكثّرة فنقول وعلى الله الاتكال : ينبغي قبل بيان الأدلّة والنظر فيها تقديم اُمور :

الأوّل : انّه لم يرد في هذه المسألة نصّ بالخصوص عن الأئمّة (عليهم السلام) وفتاوى الأصحاب ليس على نحو يكشف عن وجوده; لأنّ أكثر المتقدّمين لم يتعرّضوا لها في كتبهم على الظاهر وعلى تقدير التعرّض فقد ذكرت في الكتب الموضوعة لإيراد المسائل التفرعية لا الكتب المعدّة لنقل فتاويهم (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم حتّى يكون ذكرها فيها كاشفاً عن وجود النصّ كما هو الشأن في المسائل المذكورة

الصفحة 269

فيها ويؤيّد ما ذكر انّه لم يتخيّل أحد من أصحاب الأقوال وجود النصّ فيها حتّى يجعله دليلاً لمذهبه أو يرد به دليل خصمه فالمستند في المسألة إنّما هو الاُصول والقواعد الشرعية .

الثاني : انّه لا اخصتصاص لمورد النزاع بما يشكّ كونه من أجزاء الحيوان المأكول أو من أجزاء غيره ، بل يعمّ ما إذا احتمل كونه من غير أجزاء الحيوان بل من القطن والكتان لأنّ ما هو محطّ البحث إنّما هو احتمال كونه من أجزاء غير المأكول وسيأتي في نقل الأقوال قول بالتفصيل بين الفرضين .

الثالث : الظاهر انّه لا اختصاص لمورد البحث أيضاً بما إذا شكّ في ثبوت هذا المانع ، بل يعمّ ما إذا شكّ في ثبوت سائر الموانع ككونه حريراً محضاً للرجال أو ذهباً خالصاً لهم أو غيرهما من الموانع ، نعم في خصوص الميتة والشكّ فيها حكم تقدّم تفصيله .

الرابع : انّ المراد من جواز الصلاة في اللباس المشكوك وعدمه هو الجواز الذي يكون حكماً ظاهرياً ثابتاً في مورد الشبهة والشكّ في الحكم الواقعي كما في سائر الشبهات الموضوعية التي تكون أحكامها الواقعية الثابتة لموضوعاتها متيقّنة غير مشكوكة فالبحث في المقام إنّما هو بعد الفراغ عن ثبوت المانعية لاجزاء غير المأكول واقعاً وإن لم يعلم بكونها أجزاء له فالاستدلال للجواز بعدم دلالة أدلّة المانعية على ثبوتها في صورة الشكّ لظهورها أو انصرافها إلى خصوص صورة العلم بحيث كان العلم بالموضوع دخيلاً في ثبوت الحكم الواقعي خارج عمّا هو محطّ البحث فالمراد من الحكم في المقام هو الحكم الظاهري الثابت في موارد الشبهة بحيث لو قلنا بالجواز ثمّ انكشف الخلاف لكان الاجزاء وعدمه مبتنياً على مسألة اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء كما لا يخفى .

الصفحة 270

وأيضاً المراد بالجواز في المقام هو الجواز بالمعنى الوضعي المساوق للصحّة والاكتفاء به في مقام الامتثال لا الجواز بمعنى الحلّية في مقابل الحرمة كما انّ المراد بعدم الجواز هو عدمه بالمعنى المساوق للبطلان وعدم الاكتفاء به في مقام الامتثال .

الخامس : المشهور بين الأصحاب إلى زمان المقدس الورع الأردبيلي (قدس سره) هو البطلان وأوّل من تأمّل فيه المقدس المذكور في شرح الإرشاد وتبعه على ذلك تلميذه السيّد صاحب المدارك وقد اختار الصحّة المحقّق القمي والفاضل النراقي وشيخنا البهائي والمحدِّث المجلسي والمحقّق الخوانساري والفاضل السبزواري إلى أن انتهى الأمر إلى السيّد المجدّد الشيرازي (قدس سره) فاختار الصحّة في أواخر عمره وشيّد أركانها وانقلبت الشهرة إليها .

وفصّل في الجواهر بين اللباس وبين ماعليه من الفضلات والشعرات الملقاة والمحمول فحكم بالمنع في الأوّل دون الثاني بعد كون مختاره بالنظر إلى الحكم الواقعي هو عموم المنع وعدم الاختصاص باللباس واختاره في نجاة العباد أيضاً .

وهنا تفصيل آخر محكي عن جماعة من المتأخّرين عنه وهو المنع فيما إذا كان من أجزاء الحيوان وتردّد بين المأكول وغيره والجواز فيما إذا احتمل كونه من غير أجزاء الحيوان أيضاً كما إذا احتمل كونه من القطن والكتّان وقد أشرنا إلى هذا التفصيل في الأمر الثاني  ، فالأقول في المسألة أربعة على ما عرفت .

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انّه يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) ابتناء القول بالجواز في المسألة على مانعية غير المأكول والقول بالعدم على شرطية المأكول والأصل في هذا الأمر ما ذكره العلاّمة في محكي المنتهى من أنّه لو شكّ في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه لأنّها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه والشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط .

الصفحة 271

وقد أورد عليه صاحب المدارك بما حاصله انّ المستفاد من الأدلّة هو مانعية غير المأكول لا شرطية المأكول .

وأجاب عن هذا الايراد الوحيد البهبهاني (قدس سره) في حاشية المدارك بما يرجع إلى أنّه لا فرق بين الشرطية والمانعية في المقام من جهة اقتضاء البطلان لأنّه كما انّ وجود الأوّل يحتاج إلى الاحراز فكذا عدم الثاني لأنّه مع الشكّ فيه لا يتحقّق القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال .

وأورد على هذا الجواب صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ عدم المانع يمكن إحرازه بالأصل ولو لم يكن له حالة سابقة . والظاهر انّ مراده انّ أصالة العدم أصل عقلائي مستقلّ في مقابل الاستصحاب ولا يحتاج إلى حالة سابقة متيقّنة .

ثمّ اختار نفسه انّ المستفاد من الأدلّة ثبوت كلا الأمرين في المقام المانعية والشرطية معاً ، غاية الأمر اختصاص الشرط بخصوص اللباس وعمومية دائرة المانعية لما على اللباس والمحمول أيضاً فاللباس محلّ اجتماع الشرطية والمانعية معاً ولذا اختار فيه عدم الجواز في وصرة الشكّ ، وامّا غيره فحكم فيه بالجواز لثبوت المانعية فقط وعدم المانع محرز بالأصل .

والتحقيق في هذا الباب يقتضي البحث من جهات :

الجهة الاُولى : في أنّ المستفاد من الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول هل هي المانعية أو الشرطية أو هما معاً؟ فنقول : امّا ما يستفاد منه المانعية فعدّة تعبيرات واقعة في تلك الأدلّة :

منها : التعبير بفساد الصلاة في أجزاء غير المأكول كما في موثقة ابن بكير حيث إنّه وقع التعبير فيها في كلام النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله : فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد وفي كلام الإمام (عليه السلام) بقوله : وإن كان غير ذلك ممّا قد

الصفحة 272

نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد . . . فإنّ معنى الفساد يرجع إلى عدم تحقّق المأمور به وعدم انطباقه على ما أتى به بقصد حصوله وترتّب الأثر المترقّب منه فهو أمر عدمي مستند إلى أمر وجودي وهي ظرفية أجزاء غير المأكول للصلاة ضرورة انّ الظرفية أمر متحقّق ومن الواضح انّ استناد العدم إلى أمر وجودي لا ينطبق إلاّ على المانع لأنّه هو الذي بوجوده يمنع عن تحقّق المأمور به فالتعبير بالفساد مستنداً إلى الظرفية التي هي أمر وجودي لا يجتمع إلاّ مع المانعية .

ومنها : التعبير بعدم جواز الصلاة فيه كما في مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب : لا تجوز الصلاة فيه . فإنّ معنى عدم الجواز ـ بعد كون المراد منه هو عدم الجواز وضعاً لا تكليفاً ـ هو عدم الصحّة ومن الظاهر انّ المؤثر فيه هو ثبوت الظرفية للصلاة بالإضافة إلى غير المأكول فالأمر الوجودي صار موجباً للعدم وهو شأن المانع كما عرفت .

ومنها : التعبير بالنهي عن الصلاة فيه كما فيما رواه الصدوق باسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله)لعليّ (عليه السلام) قال : يا علي لا تصلِّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه . فإنّ النهي في مثله إنّما هو للإرشاد إلى المانعية كما انّ الأمر فيه للإرشاد إلى الجزئية والشرطية والسرّ انّ النهي إنّما هو للزجر عن الوجود وهو لا يجتمع إلاّ مع المانعية والأمر إنّما هو للبعث إلى الإيجاد وهو لا يلائم إلاّ مع الشرطية أو الجزئية .

فانقدح ظهور هذه التعبيرات في المانعية كما هو ظاهر المشهور في هذا المقام .

وامّا ما استند إليه للشرطية فروايات أظهرها روايتان :

الصفحة 273

إحداهما : موثقة ابن بكير بلحاظ قوله (عليه السلام) فيها : لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله لظهوره في إناطة القبول الذي هو بمعنى الصحّة بوقوع ظرفية وجوده الصلاة فيما أحلَّ الله أكله ومن المعلوم انّ تعليق الصحّة على أمر وجودي ظاهر في شرطية ذلك الأمر الوجودي وأظهر منه التعليق الواقع في كلام الإمام (عليه السلام) تفريعاً على كلام النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله (عليه السلام)  : فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكى وقد ذكّاه الذبح . . . فإنّ تعليق الجواز المساوق للصحّة على تحقّق الظرفية الوجودية ووقوع الصلاة في أجزاء المأكول بصورة القضية الشرطية ظاهر جدّاً في مدخلية الشرط في ترتّب الجزاء وشرطية تلك الظرفية للجواز والصحّة كما لا يخفى فالموثقة بلحاظ التعبيرين ظاهرة الدلالة على الشرطية .

وقد نوقش في هذا الاستدلال بوجهين :

أحدهما : ما أفاده في المستمسك من أنّ الظاهر من قوله : لا تقبل تلك . . . انّه خبر للصلاة بعد خبر ويكون بياناً لمضمون الخبر الأوّل أعني قوله (عليه السلام) : فاسدة بقرينة كون موضوعه اسم الإشارة الراجع إلى الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فكأنّه قال (عليه السلام) : الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فاسدة غير مقبولة وأين هو من الدلالة على الشرطية وإنّما تتمّ الدلالة لو قيل ابتداء : لا تقبل الصلاة إلاّ فيما يؤكل لحمه و ـ حينئذ ـ يكون الظاهر من قوله (عليه السلام)  : حتّى يصلّي في غيره انّ الوجه في القبول انتفاء المانع . وامّا قول الإمام (عليه السلام) في الذيل : فإن كان ممّا يؤكل لحمه . . . فالظاهر انّه إنّما سيق تمهيداً لبيان اعتبار التذكية وإناطة الجواز بها فيكون شرطاً لإناطة الجواز بالتذكية لا شرطاً للجواز كالتذكية فيكون مقيّداً للإطلاق المستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله)  : حتّى يصلّي في غيره ، فهو أجنبي عن الدلالة على الشرطية .

الصفحة 274

أقول : امّا ما أفاده بالإضافة إلى الذيل المشتمل على كلام الإمام (عليه السلام) فهو تام لا خدشة فيه لظهوره في أنّه لم يكن غرض الإمام (عليه السلام) مجرّد تكرار كلام النبي (صلى الله عليه وآله) أو توضيحه بأمر لا حاجة إلى التوضيح به بل غرضه بيان الحكم وتفسير مراد النبي وإنّ الحكم بالجواز فيما يحلّ له قيد آخر هو التذكية والحكم بعدم الجواز فيما لا يحلّ عام ثابت لصورة التذكية وعدمها فالذيل إنّما هو مسوق لإفادة إناطة الجواز بالتذكية التي لا يستفاد من كلام النبي لاطلاقه كما انّه مسوق لإثبات الإطلاق في ناحية غير المأكول .

وامّا ما أفاده بالإضافة إلى الصدر فيمكن المناقشة فيه بأنّ جعل الغاية هي الصلاة في غيره مع التصريح بقوله : ممّا أحلّ الله أكله ظاهر في الشرطية ضرورة انّه لم تكن حاجة إلى التصريح بهذا القول خصوصاً مع كونه موهماً للخلاف ، وامّا كون الموضوع اسم الإشارة الراجع إلى الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فلا دلالة له على المانعية ضرورة انّ تلك الصلاة مع وصف كونها واقعة فيما لا يؤكل لا يمكن أن تقع صحيحة من دون فرق بين المانعية والشرطية فاللاّزم الالتزام بكون مرجع الضمير هي الصلاة التي أراد المكلّف إتيانها في الخارج امتثالاً للأمر المتعلّق بها ، وعليه فلا فرق بين هذا التعبير وبين التعبير الذي اعترف بدلالته على الشرطية فتدبّر .

ثانيهما : ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) على ما في تقريرات بحث صلاته من أنّ قوله (صلى الله عليه وآله) في الموثقة : لا تقبل تلك الصلاة . . . مسوق لبيان حكم تأسيسي وهو عدم الاجزاء إذا وقعت الصلاة في غير المأكول نسياناً أو جهلاً نظراً إلى أنّ المشهور أفتوا بذلك في النسيان مع انّ حديث لا تعاد يقتضي الصحّة وليس لهم دليل ظاهر إلاّ هذا القول في الموثقة ووجه دلالته عليه مضافاً إلى أنّ التأسيس خير من التأكيد كلمة «تلك» الواقعة فيه لأنّ الظاهر كونها إشارة إلى الصلاة الواقعة في الخارج في غير

الصفحة 275

المأكول خصوصاً بقرينة قوله : حتّى يصلّي في غيره إذ لو لم تكن صلاة في الخارج لما كان التعبير بالإشارة وجه ولما كان الحكم بعدم القبول مغيّى بوقوعها في غير المأكول ، بل الحكم بعدم القبول أبدي ما لم ينسخ فالتعبير بـ «تلك» وجعل الوقوع في غير المأكول غاية لعدم القبول قرينتان على أنّه في مقام بيان حكم آخر وهو عدم اجزاء ما وقع في غير المأكول فالعموم المستفاد من حديث لا تعاد مخصّص بصورة النسيان في المقام .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ تفسير الرواية بذلك مخالف لما هو ظاهرها ـ إنّ فرض وقوع الصلاة في أجزاء غير المأكول نسياناً أو جهلاً إنّما يصحّ لو كان دليل المانعية واقعاً قبل ذلك بحيث كانت المانعية معلومة للمكلّف مبيّنة في برهة من الزمان وقد وقع التخلّف بعده للنسيان أو الجهل ، امّا لو كان دليل المانعية متّصلاً بهذا ولم يقع بينهما فصل زماني لا مجال لهذا الفرض أصلاً كما لا يخفى ، مع أنّ الصلاة في المأكول لا تصحّ أن تجعل غاية لعدم القبول للصلاة في غيره لأنّها على هذا التقدير فاسدة مطلقاً سواء أتى بصلاة صحيحة أم لا ، فالإنصاف انّ هذا التفسير ممّا لا يمكن الالتزام به بل الظاهر انّ هذا القول بيان للخبر الأوّل ، غاية الأمر انّ تفسير الصلاة في الغير بالصلاة فيما أحلّ الله أكله مشعر بل ظاهر في الشرطية كما عرفت .

ثانيتهما : رواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال : لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكياً ، قلت : أوليس الذكي ممّا (ما ـ ظ) ذكى بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال : لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم ، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب . وتقريب دلالتها على الشرطية بوجهين :

الصفحة 276

أحدهما : أن يقال : إنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الجواب الثاني : إذا كان ممّا يؤكل لحمه راجع إلى الجواب الأوّل ويكون تتمّة له حقيقة ، غاية الأمر انّ مبادرة الراوي إلى السؤال الثاني وعدم إمهاله الإمام (عليه السلام) لإتمام الجواب الأوّل أوجب وقوعه عقيب الجواب الثاني الذي هي كلمة «بلى» فقط وعليه فكما انّ الجواب الأوّل ظاهر في اشتراط التذكية التي هي أمر وجودي كذلك ظاهر في اشتراط المأكولية لعدم الفرق بينها وبين التذكية من هذه الجهة .

ثانيهما : أن يقال : إنّ ذلك القول تتمّة للجواب الثاني وظاهر في اعتبار المأكولية في مفهوم التذكية كاعتبار كونها بالحديد ، وعليه فكلّما له دخل في حقيقة التذكية تكون دخالته في الصلاة بنحو الشرطية لأنّ مدخلية التذكية تكون بهذه الصورة على ما دلّ عليه صدر الرواية .

ويرد على الوجه الأوّل وضوح كونه مخالفاً للظاهر لأنّ الظاهر كونه تتمّة للجواب الثاني مضافاً إلى أنّه على تقدير كونه مرتبطاً بالجواب الأوّل لكان اللاّزم ذكر كلمة العطف بدل «إذا» كما لا يخفى .

وعلى الوجه الثاني انّ لازمه عدم جريان التذكية في غير ما يحلّ أكل لحمه بوجه مع أنّه مخالف للفتاوى والنصوص الدالّة على ثبوت القابلية في غيره أيضاً اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المراد هو مدخلية المأكولية في التذكية التي يترتّب عليها جواز الصلاة ، وامّا سائر الآثار فلا دخل لها فيما تترتّب عليه ولكنّه أيضاً ارتكاب خلاف الظاهر مضافاً إلى أنّ المأكولية قد تكفي بمجرّدها من دون افتقار إلى التذكية كما في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة .

ثمّ لو قلنا بدلالة الرواية على الشرطية فذيلها المشتمل على تعليل عدم البأس بالصلاة في السنجاب ظاهر في المانعية لأنّ تعليل الصحّة بأمر عدمي وهو عدم

الصفحة 277

كون السنجاب آكلاً للّحم وممّا نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظاهر في مانعية وجود ذلك الأمر وإلاّ لكان اللاّزم التعليل بثبوت أمر وجودي كما هو شأن الشرائط .

وقد انقدح ممّا ذكرنا في هذه الجهة إشعار بعض الروايات بل دلالته على الشرطية ودلالة أكثرها على المانعية .

الجهة الثانية : في إمكان الالتزام بالشرطية وعدمه وتفصيله انّ القائل بالشرطية إن كان مراده انّه يعتبر في صحّة الصلاة أن يكون اللباس من أجزاء ما يؤكل لحمه بحيث كان اللاّزم تحصيل هذا الشرط فيدفعه قيام الإجماع بل الضرورة على جواز الصلاة في مثل القطن والكتان ممّا لا يكون من أجزاء الحيوان رأساً .

وإن كان مراده انّ المأكولية كناية عن أحد الأضداد الوجودية بمعنى انّه يشترط في لباس المصلّي أن يكون امّا من أجزاء ما يحلّ أكله من الحيوان ، وامّا من أجزاء غير الحيوان كالقطن والكتان ، فالشرطية هي الشرطية التخييرية والدليل على ثبوتها أدلّة الشرطية بضميمة الإجماع والضرورة المذكورة .

فيرد عليه انّ غاية مفاد الإجماع والضرورة ثبوت الجواز في القطن والكتان لا كونه عدلاً وطرفاً للشرطية التخييرية ومن المعلوم انّ الجواز أمر والشرطية أمر آخر فالصلاة في الألبسة المتعدّدة جائزة ولكن الشرط هو وجود الساتر .

وإن كان مراده هي الشرطية المعلّقة بمعنى انّه يعتبر في اللباس أن يكون من أجزاء المأكول إذا كان حيواناً كما حكى عن العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في منظومته ومن تبعه فيرد عليه انّ التقييد إنّما يصحّ في مورد يصحّ فيه الإطلاق وكذا العكس ، ومن الواضح عدم إمكان فرض الإطلاق في المقام ضرورة انّه لا يعقل تحقّق هذا الأمر مع عدم كونه من أجزاء الحيوان فلا يصحّ أن يقال باعتباره سواء كان من أجزاء الحيوان أم لم يكن ومع عدم إمكان الإطلاق لا معنى للتقييد فيرجع اعتباره إلى

الصفحة 278

اعتبار أمر خال عن التعليق ويرد عليه ـ حينئذ ـ ما ذكر من كونه مخالفاً للإجماع والضرورة كما مرّ فانقدح انّه لا يصحّ الالتزام بالشرطية في المقام .

الجهة الثالثة : في أنّه على تقدير إمكان الالتزام بالشرطية أيضاً فهل يمكن الجمع بينها وبين المانعية كما عرفت الالتزام به من صاحب الجواهر (قدس سره) أوّلاً والظاهر هو الثاني ، امّا أوّلاً فلأنّ رتبة الشرط إنّما تكون متقدّمة على رتبة المانع لأنّ الشرط له دخل في تأثير المقتضى والسبب والمانع ما يمنع ويحول بين المقتضى وأثره ففي مورد عدم تحقّق المقتضى ـ بالفتح ـ مع وجود المقتضي ـ بالكسر ـ بلاحظ أوّلاً انّ الشرط هل يكون موجوداً فإذا لم يكن موجوداً يكون العدم مستنداً إلى عدم تحقّق الشرط وإذا كان موجوداً تصل النوبة إلى وجود المانع واستناد العدم إليه فاستناد العدم إلى عدم الشرط ووجود المانع ليس في رتبة واحدة ، وعليه فمع فرض كون الاعتبار في المقام بنحو الشرطية ولازمه انتفاء المشروط مع انتفاء الشرط لا تصل النوبة إلى استناد العدم إلى وجود المانع أصلاً فجعل المانعية لا يترتّب عليه فائدة بوجه .

وامّا ثانياً فلأنّه على تقدير اتحاد الرتبة وعدم ثبوت التقدّم والتأخّر لا معنى أيضاً للجمع بين الاعتبارين لاستلزامه اللغوية وعدم ترتّب الأثر لأنّه مع أحد الاعتبارين يتحقّق ما هو المقصود في البين ولا يبقى حاجة إلى الاعتبار الآخر وتشريعه فالجمع بين الشرطية المانعية ممّا لا سبيل إليه .

الجهة الرابعة : في أنّه بعد عدم إمكان الجمع بين الشرطية والمانعية ولزوم الالتزام بأحد الاعتبارين لابدّ من ملاحظة انّ الروايات الواردة هل يكون ظهورها في المانعية أقوى أو العكس أو لا تكون اقوائية في البين والظاهر بعد ملاحظة ما عرفت هو الأوّل لأنّه ظهر لك انّ ظهور الروايات في المانعية غير قابل

الصفحة 279

للإنكار ، وامّا ظهورها في الشرطية فقابل للمناقشة بل المنع وبذلك تصير أدلّة المانعية أظهر من أدلّة الشرطية ولابدّ من الالتزام بالمانعية .

الجهة الخامسة : في أنّه بعد ثبوت المانعية لابدّ من ملاحظة انّ أدلّتها هل تكون ظاهرة في المانعية الواقعية مطلقاً من دون أن تكون مقيّدة بصورة العلم بالمانع وكون الشيء من أجزاء غير المأكول أو انّها تكون مقيّدة بذلك وقد ذكرنا في بعض المقدّمات انّ البحث المعروف في اللباس المشكوك إنّما يبتني على كون المانعية على تقديرها ثابتة بوصف الإطلاق لما مرّ من أنّ النزاع فيه إنّما هو في الحكم الظاهري وانّه هل هو الجواز أو العدم بعد الفراغ عن ثبوت الحكم الواقعي مطلقاً إلاّ انّه حيث يظهر من جماعة منهم المحقّق القمي والفاضل النراقي إنكار المانعية المطلقة واختصاصها واقعاً بصورة العلم لابدّ لنا من البحث في هذه الجهة أيضاً فنقول : عمدة الوجوه التي استند إليها لهذا القول ثلاثة :

الأوّل : ما عن المحقّق القمي (قدس سره) من انّ الأدلّة الدالّة على مانعية غير المأكول وإن لم تكن مقيّدة بصورة العلم من جهة دعوى الوضع أو الانصراف إلاّ انّ المستفاد من صحيحة عبد الرحمن الدالّة على عدم لزوم الإعادة على من صلّى في أجزاء غير المأكول جهلاً هو اختصاص المانعية بصورة العلم لعدم إمكان اجتماع المانعية المطلقة والاجزاء والصحّة في صورة الجهل فالصحيحة تقيد دائرة المانعية بغير صورة الاجزاء وتصير النتيجة اختصاصها بصورة العلم وهو المدعى .

أقول : مراده من الصحيحة ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب ، أيعيد صلاته؟ قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد .

وتقريب دلالتها انّ محطّ السؤال وإن كان هي حيثية النجاسة الثابتة في العذرة

الصفحة 280

المشتركة بين عذرات الإنسان والسنور والكلب لا حيثية غير المأكولية الثابتة في الأخيرين فقط لما عرفت من خروج الإنسان عن أدلّة مانعية غير المأكول نصاً وانصرافاً إلاّ انّه بعد ملاحظة أمرين يستفاد من الصحيحة حكم الحيثية الثانية أيضاً; الأوّل كون السؤال بلحاظ التعبير بالإعادة ظاهراً في أنّ المفروض وقوع صلاة في الخارج في شيء من العذرات المذكورة في الصحيحة ومن المعلوم انّ الصلاة الخارجية الواقعة في عذرة واحد من الأخيرين يكون الخلل فيها من كلتا الحيثيتين . الثاني : انّ الجواب دالّ على عدم وجوب الإعادة في صورة الجهل وعدم العلم والظاهرانّ الحكم بعدم الوجوب مرجعه إلى صحّة الصلاة الخارجية التي يكون الخلل فيها من جهتين وإن كان الخلل من إحداهما لا يكون مورداً لنظر السائل أصلاً لكنّه لا يستلزم عدم دلالة الرواية على حكم كلتيهما . نعم لو كان الجواب دالاًّ على وجوب الإعادة لا يستفاد من الرواية مدخلية كلتا الجهتين في إيجابها ، بل يمكن أن يقال بظهور مدخلية الحيثية التي هي مورد لنظر السائل ، وامّا الحكم بعدم الوجوب الراجع إلى الاجتزاء بالصلاة الواقعة في الخارج المتّصفة بما ذكر من الخلل من جهتين فلا يكاد يتمّ إلاّ على تقدير عدم كون شيء منهما مؤثِّراً في وجوب الإعادة كما لا يخفى .

ويرد على هذا الوجه انّه لا دلالة للصحيحة على ثبوت المانعية مع الجهل الذي هو مورد البحث في اللباس المشكوك; لأنّ موردها امّا الجهل المركّب أو الجهل البسيط مع الغفلة أو كليهما والتقييد بالغفلة إنّما هو لكون السؤال إنّما هو عن حكم الإعادة وجوباً ومن الظاهر انّ السؤال مع الالتفات لابدّ وأن يكون عن جواز الدخول في الصلاة ومشروعيته فالسؤال عن الإعادة ظاهر في الغفلة فلا دلالة للرواية على عدم المانعية في المقام والحكم بعدم الإعادة في مورد الرواية لا يلازم

<<التالي الفهرس السابق>>