في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 301

يكون الموصول في قوله (عليه السلام)  : رفع ما لا يعلمون إشارة إلى خصوص الموضوعات الخارجية التي تعلّق الجهل بها بعناوينها التي تكون بها متعلّقات للأحكام اللزومية الشرعية فيختصّ بالشبهات الموضوعية ولا يعمّ الشبهات الحكمية فكلّ موضوع كان عنوانه المتعلّق للحكم مجهولاً فهو مرفوع ، واسناد الرفع إليه مع ظهور قوله (صلى الله عليه وآله) : «رفع عن اُمّتي» في الرفع التشريعي وعدم معقولية اسناده إلى الموضوعات الخارجية إنّما هو باعتبار الأثر المترتّب على المرفوع في صورة الجهل ، وفي المقام نقول : مانعية هذا اللباس الذي لا يعلم كونه من أجزاء غير المأكول مرفوعة بلسان رفع موضوعها وهو اللباس فتصحّ الصلاة فيه لعدم كونه مانعاً ومبطلاً لها وهذا من دون فرق بين أن نقول بانحلال المانعية المجعولة في المقام إلى مانعيات متعدّدة حسب تعدّد أجزاء غير المأكول وافراده ـ كما اختاره بعض الأعلام واستظهرناه من بعض أدلّة الباب على ما مرّ ـ وبين أن نقول بعدم الانحلال بلحاظ كون بعض الروايات بصورة النهي وهو تكليف واحد له إطاعات متعدّدة وعصيانات متكثّرة من دون فرق بين أن يكون نفسياً أو غيرياً وذلك لأنّه على تقدير عدم الانحلال يكون مرجع رفع الموضوع الذي يكون عنوانه مجهولاً إلى رفع أثره وعدم كونه عصياناً لذلك النهي فتدبّر .

الثاني : تعميم الموصول لكلتا الشبهتين الموضوعية والحكمية نظراً إلى أنّ الموصولات موضوعة للإشارة إلى جميع ما ثبتت له الصلة فكلّ شيء كان مجهولاً بنفسه أو بعنوانه الموضوع للحكم فهو مرفوع برفع نفسه أو رفع آثاره وأحكامه فباعتبار شمول الموصول للشبهات الموضوعية يصحّ الاستدلال بالحديث لرفع المانعية في المقام بالتقريب المتقدّم في الوجه الأوّل ومبنى هذا الوجه عدم كون وحدة السياق مقتضية للاختصاص بالشبهات الموضوعية ، بل كون وحدته موجبة

الصفحة 302

للحمل على العموم لأنّ عدم تحقّق الاضطرار في الأحكام وكذا الإكراه ومثله لا يوجب تخصيص ما لا يعلمون ، بل مقتضى السياق إرادة العموم من هذا الموصول كإرادته من اخواته ، غاية الأمر انّ عموم الموصول إنّما يكون بملاحظة سعة متعلّقه وضيقه فقوله : «ما اضطروا إليه» اُريد منه كلّ ما اضطرّ إليه في الخارج ، غاية الأمر انّه لا يتحقّق الاضطرار بالإضافة إلى الحكم بوجه فمقتضى اتحاد السياق أن يراد من قوله : «ما لا يعلمون» أيضاً كلّ فرد من أفراد هذا العنوان ألا ترى انّه لو قيل : ما يرى وما يؤكل في قضية واحدة لا يوجب انحصار أفراد الثاني في الخارج ببعض الأشياء وتضيق دائرته تخصيص الأوّل أيضاً بذلك البعض كما هو ظاهر .

الثالث : دعوى اختصاص الموصول بما إذا كان الحكم مجهولاً غاية الأمر تعميم الحكم بالإضافة إلى الأحكام الكلّية المجعولة المجهولة في الشبهات الحكمية والأحكام الجزئية المجهولة في الشبهات الموضوعية .

ومبنى هذه الدعوى ـ مضافاً إلى أنّ اسناد الرفع إلى الحكم اسناد إلى ما هو له والحديث ظاهر في الاسناد إلى نفس الموصول ـ انّ حمل الموصول على الموضوع الخارجي بلحاظ اتحاد السياق يقتضي ارتكاب خلاف ظاهر السياق من جهة اُخرى فإنّ الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون هو ما كان بنفسه معروضاً لوصف عدم العلم كما في غيره من العناوين كعنواني الاضطرار والاكراه فإنّهما يتعلّقان بنفس الفعل ويوجبان اتصافه بوصفي المضطرّ إليه والمكره عليه مع أنّ تخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية ينافي هذا الظهور لعدم كون الفعل بنفسه معروضاً للجهل وإنّما المعروض له هو عنوانه و ـ حينئذ ـ يدور الأمر بين حفظ السياق من هذه الجهة بحمل الموصول فيما لا يعلم على الحكم المشتبه وبين حفظه من جهة اُخرى بحمله على إرادة الفعل ولا ريب انّ الترجيح مع الأوّل بنظر العرف .

الصفحة 303

وعلى هذا الوجه يصحّ الاستدلال بالحديث للمقام بلحاظ كون المانعية الجزئية الثابتة لهذا اللباس على تقديرها مرفوعة لأجل كونها بنفسها مجهولة وهذا إنّما يتمّ على تقدير الانحلال ، وامّا على تقدير عدمه فليس لنا أحكام جزئية مجهولة حتّى يتعلّق بها الرفع ، بل الثابت إنّما هو الأحكام الكلّية والمفروض في الشبهات الموضوعية كونها معلومة غير مجهولة .

وقد ناقش سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) في شمول الحديث لمثل المقام من الشبهات الموضوعية نظراً إلى أنّ الظاهر من الحديث عرفاً هو رفع التكاليف المجهولة التي توجب تضييقاً على المكلّف إذا علم بها لا رفع الأحكام الجزئية أو الموضوعات التي يرجع رفعها إلى رفع أحكامها بعد العلم بأصل الحكم الكلّي الذي صدر من الشارع .

وبعبارة اُخرى انّ المكلّف بعدما علم بحرمة الخمر الواقعي المقتضي لوجوب الاجتناب عن الافراد المعلومة وكذا المشكوكة لعدم جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية فقد علم بما يوجب التضييق عليه فإذا فرض انّ الشارع جوّز له الاقتحام في الافراد المشكوكة فلابدّ أن يبيّن ذلك بدليل يكون كالحاكم على دليل حرمة شرب الخمر الواقعي نظير الأدلّة الدالّة على حلّية كلّ شيء فيه حلال وحرام إلى أن تعرف الحرام منه بعينه وما يدلّ على طهارة المياه أو جميع الأشياء إلى أن يعلمانّها قذر أو نجس ، وغيرهما ممّا يكون دالاًّ على جواز الاقتحام في الشبهات الموضوعية وحيث لم يبيّن ذلك بمثل ما ذكر فلا يمكن رفع اليد عمّا يقتضيه الدليل على التحريم الظاهر في حرمة الفعل بعنوانه الواقعي . وبالجملة فلم يثبت ظهور حديث الرفع في رفع الأحكام الجزئية المشكوكة في الشبهات الموضوعية .

وتندفع المناقشة ـ مضافاً إلى ما مرّ من جريان البراءة العقلية وقاعدة قبح

الصفحة 304

العقاب من دون حجّة ـ بأنّه ما الفرق بين قوله : رفع ما لا يعلمون وبين مثل قوله : رفع ما اضطروا إليه فكما انّ الثاني حاكم على الأدلّة الأوّلية كذلك الأوّل فإنّ مفاده عدم ثبوت الحرمة الواقعية في مورد الشكّ والجهل فالإنصاف تمامية الاستدلال بحديث الرفع للمقام .

جريان أصالة الحلّية في المقام

ومن الاُصول التي اعتمد عليها في المقام لإثبات الصحّة والجواز اصالة الحلّية التي تدلّ عليها روايات كثيرة :

منها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال  : كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه .

ومنها : موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة .

ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة عليها والظاهر عدم اختصاصها بالشبهات الموضوعية لشمول مثل الموثقة للشبهات الحكمية وامتيازها عن أصالة البراءة الشرعية إنّما هو في اختصاصها بالشبهات التحريمية وعدم شمولها للشبهات الوجوبية دون البراءة الشرعية ودعوى رجوع الثانية إلى الاُولى لأنّ ترك الواجب حرام مدفوعة بمنع حرمة ترك الواجب بحيث كان هناك تكليفان تعلّق أحدهما بالفعل والآخر بالترك ، بل الواجب ما تعلّق البعث بإيجاده والحرام ما تعلّق الزجر به من دون أن يرجع أحدهما إى الآخر بوجه وكذا تمتاز اصالة الحلّية بأنّ مفادها

الصفحة 305

جعل الحكم الاثباتي في مرحلة الظاهر فيترتّب على الحلّية جميع الآثار المترتّبة عليها ، وامّا البراءة الشرعية المدلول عليها بحديث الرفع فمرجعها إلى رفع الحكم الواقعي المجهول في الظاهر من دون أن يكون مفادها وجود حكم اثباتي ولو في مرحلة الظاهر فتدبّر .

وكيف كان فالمنقول عن صاحب المدارك (قدس سره) التمسّك بأصالة الحلّية في المقام وتبعه على ذلك المحقّق القمي (قدس سره) واختار جريانها أيضاً السيّد المجدّد الشيرازي (قدس سره)وتقريب الاستدلال بها من وجوه :

الأوّل : أن يكون المراد من الحلّية والحرمة هي التكليفية منهما ـ كما هو الظاهر من إطلاقهما ـ وجريانه في المقام مع أنّ الشكّ فيه إنّما هو في الحلّية والحرمة الوضعيتين إنّما هو بأن يقال : إنّ الشكّ في صحّة الصلاة فيما لم يعلم كونه من أجزاء غير المأكول مسبّب عن الشكّ في حلّية لحم الحيوان المأخوذ منه ذلك اللباس ، وحرمته فإذا حكمنا بحلّيته لاصالتها تترتّب عليها صحّة الصلاة فيه كما لا يخفى .

وأورد عليه سيّدنا الاستاذ (قدس سره) :

أوّلاً : انّ الشكّ في كون الحيوان المأخوذ منه هذا اللباس محرم الأكل أو غيره ـ تارة ـ بنحو يكون الحيوان المزبور مشخصاً معلوماً والشبهة في حكمه شبهة حكمية راجعة إلى ثبوت الجهل بالحكم الكلّي الإلهي ـ واُخرى ـ بنحو يكون كذلك لكن الشبهة موضوعية والشكّ والترديد إنّما كان لأجل اشتباه الأمر الخارجي من دون أن يكون راجعاً إلى الحكم الكلّي ـ وثالثة ـ بنحو لا يكون الحيوان المزبور مشخصاً أصلاً بمعنى أنّه لم يعلم انّ اللباس من أيّ حيوان أخذ ، هل أخذ من شاة أو من الثعلب ـ مثلاً ـ ولا يكون في الخارج حيوان مشتبه الحكم بالشبهة الحكمية أو الموضوعية أصلاً ففي الأوّلين وإن كان لا مانع من جريان أصالة الحلّية بناء على

الصفحة 306

عدم اختصاصها بالشبهات الموضوعية إلاّ انّهما من الفروض النادرة في محلّ البحث وفي الأخير الذي هو محلّ الابتلاء نوعاً لكثرة وقوعه وتحقّقه لا مجال لإجراء أصالة الحلّية في لحم الحيوان بعدما لم يكن هنا حيوان مشكوك اللحم أصلاً ولا يكون لحمه على تقديره مورداً للابتلاء بوجه .

وبعبارة اُخرى ليس في الخارج حيوان شكّ في حلّية لحمه بإحدى الشبهتين حتّى يجري فيه أصالة الحلّية فتدبّر .

وثانياً : انّ ظاهر الأدلّة انّ الحكم ببطلان الصلاة وفسادها في أجزاء غير المأكول إنّما يكون مترتّباً على الحيوان المحرم بعنوانه الأوّلي كالأسد والأرنب والثعلب وغيرها لا على الحيوان بوصف كونه محرم الأكل والتعبير عن ذلك العنوان بهذا الوصف في بعض الأخبار إنّما هو للإشارة إلى ذوات الموصوفات مع قطع النظر عن الوصف ويؤيّده ما في بعض الروايات من أنّ الصلاة في الثعالب والأرانب فاسدة فعبّر عن موضوع الحكم بنفس ذلك العنوان الأوّلي من دون أخذ قيد التحريم فيه أصلاً .

وبالجملة : بطلان الصلاة في أجزاء الحيوانات المحرمة ليس حكماً مترتّباً على تحريمها بحيث لو لم يجعل التحريم لكان جعل هذا الحكم لغواً ، بل إنّما هو حكم في عرض الحكم بالتحريم من دون ترتّب وطولية بينهما أصلاً .

ودعوى انّه لا مجال للعدول عن ظاهر العنوان المأخوذ في الدليل فإن جعل وصف التحريم في الموضوع في مثل موثقة ابن بكير المتقدّمة ظاهرة في المدخلية والترتّب بحيث يكون الحكم بالفساد مترتّباً على وصف التحريم ولا وجه للحمل على الإشارة إلى الذوات بعناوينها الأوّلية بعد كونها خلاف الظاهر .

مدفوعة بأنّه إذا كان التعرّض للذوات بتلك العناوين مع أنّه موجب للتطويل

الصفحة 307

بلا طائل لعدم ترتّب فائدة عليه فالطريق يكون منحصراً في الإشارة إليها بعنوان جامع لا دخالة له في الحكم أصلاً مضافاً إلى ما عرفت من التعبير في هذا الحكم بنفس العناوين الأوّلية في بعض الروايات وإلى اشتمال بعضها على التعليل بكون أكثرها مسوخاً أو كونها دابة تأكل اللحم ومع الحمل على موضوعية عنوان الحرمة يلزم رفع اليد عن التعليل فتدبّر .

فالظاهر ـ حينئذ ـ ما ذكر وعليه فالأصل الجاري في أثر الحلية لا يثبت الأثر الآخر المشكوك إلاّ على القول بالأصل المثبت وهو خلاف التحقيق .

وثالثاً : سلّمنا الترتّب وكون الحرمة واسطة في ثبوت البطلان والفساد لكن المراد منها ومن الحلّية المترتّبة عليها الصحّة ليست الحرمة والحلية الفعليتين وإلاّ لزم جواز الصلاة في أجزاء ما يحلّ أكله فعلاً للاضطرار ونحوه ولو كان محرماً ذاتاً وعدم جوازه في أجزاء ما لا يحلّ أكله كذلك كما إذا كان مغصوباً ولم يرض المالك بالتصرّف في خصوص لحمه فإنّ وبره ـ حينئذ ـ يصير من أجزاء الحيوان الذي لا يحلّ أكل لحمه وإن كان محلّلاً ذاتاً ومن المعلوم انّه لا يمكن الالتزام بذلك فالمراد منهما هي الحرمة والحلية المتعلّقتان بذوات الحيوانات بعناوينها الأوّلية مع قطع النظر عن حدوث ما يوجب تغيير الحكم المتعلّق به أولاً كالاضطرار والغصب ونحوهما ، ومن المعلوم انّ أصالة الحلّية لا تجدي في إثبات الحلّية الواقعية ـ كما هو الشأن في غيرها من الاُصول الشرعية ـ فهذا الوجه من التقريب غير تامّ .

الوجه الثاني : ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) ممّا ملخّصه انّ الشرطية إنّما تنتزع من تقييد المأمور به بوجود شيء والمانعية منتزعة من تقيّده بعدمه وكلا التقييدين يكونان من أجزاء المأمور به فكما انّ الصلاة ـ مثلاً ـ لها أجزاء من الأفعال والأقوال المخصوصة كذلك لها أجزاء هي مجموع التقييدات بمعنى انّ كلّ تقيّد جزء

الصفحة 308

مستقلّ ، غاية الأمر انّه جزء اعتباري ولكنّه يشترك مع الاجزاء الحقيقية في الجهات والأحكام فكما انّ الأمر المتعلّق بمثل الصلاة من المركّبات الاعتبارية مع كونه واحداً حقيقة له أبعاض كثيرة يتعلّق كلّ بعض منه بجزء من أجزاء متعلّقه كذلك يتعلّق بعضه بالتقييد الذي هو جزء للمأمور به على ما عرفت وحيث إنّه لا وجود للتقيّد إلاّ بوجود القيد بل هو عينه فيكون نفس الشرط وعدم المانع معروضاً لذلك البعض فظهر انّ عدم المانع الذي هو محلّ البحث والكلام في هذا المقام يكون كسائر الأجزاء متعلّقاً لبعض الأمر بالكلّ وحيث إنّ النهي ليس إلاّ طلب الترك فيكون وجود المانع منهياً عنه لأنّ المفروض كون عدمه متعلقاً للطلب ، غاية الأمر انّ النهي المتعلّق بوجود المانع نهي ضمني لا استقلالي ولكن ذلك لا يقدح في اتصاف المانع بالحرمة بعد تعلّق النهي به فاللباس له فردان فرد حلال حقيقة وهو ما علم عدم كونه من أجزاء محرم الأكل وفرد حرام حقيقة وهو ما علم كونه كذلك وفرد مشكوك يجري فيه قوله (عليه السلام)  : كلّ شيء فيه حلال وحرام . . .

ودعوى انّ الظاهر منه لزوم كون المنع المشكوك حكماً مستقلاًّ ناشئاً عن المبغوضية الذاتية فيختصّ اعتبار هذا الأصل بالشبهات التحريمية النفسية واضحة الفساد إذ لا دليل على صرف لفظ الحلال والحرام إلى بعض أفرادهما .

ويشهد لذلك أي لعمومية لفظ الحلال والحرام وعدم اختصاصهما بالنفسيين الاستعمالات الكثيرة في ألسنة الرواة وأجوبة الأئمّة (عليهم السلام)  .

منها : مكاتبة محمد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إن

الصفحة 309

شاء الله .

ومنها : مرسلة موسى بن أكيل النميري عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الحديد انّه حلية أهل النار ، والذهب انّه حلية أهل الجنّة ، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه .

ومنها : غير ذلك من الروايات الواردة في الموارد الكثيرة التي يستفاد منها عموم لفظ الحلال والحرام انتهى .

ويرد عليه أوّلاً انّ انتزاع المانعية من التقيّد بالعدم ممنوع; لأنّ العدم ليس بشيء حتى يمكن تقيد المأمور به بل المانعية حكم شرعي مجعول مستفاد من دليلها وموضوعها الوجود لتضادّه مع المأمور به .

وثانياً : انّ الحكم بتبعّض الأمر وانبساطه واختصاص كلّ جزء من أجزاء المأمور به ببعضه أمر لا يساعده العرف والعقلاء ولعلّ منشأ الالتزام به ملاحظة انّ الأمر بالكلّ يكفي في الداعوية إلى الاجزاء من دون افتقار إلى شيء آخر مع أنّ الكفاية لا تستلزم التبعّض فإنّ الداعي إلى الاجزاء كما عرفت هو الأمر المتعلّق بالكلّ بعين داعويته إليه ولا يلزم من ذلك أن يكون الأمر داعياً إلى غير متعلّقه لأنّ الأجزاء هي نفس الكلّ فالتبعّض ممّا لا يساعده العقلاء ، وعلى تقديره فتوسعة دائرة الانبساط بحيث تشمل الاجزاء الاعتبارية العقلية ممنوعة فتدبّر .

وثالثاً : انّه على تقدير التبعّض في المقام أيضاً فالأمر المتعلّق بالتقيّد لا يكاد يسري من متعلّقه إلى غيره ومجرّد كون وجود التقيّد عين وجود القيد لا يسوغ التسرية لعدم كون الأمر متعلّقاً بالوجود بل بالمفهوم والماهية والعينية في الوجود فضلاً عن الاتحاد والملازمة والمقارنة لا توجب سراية الأمر من متعلّقه إلى غيره ممّا هو عينه أو متّحد أو مقارن أو ملازم له مع أنّ لازم ذلك كون الشرائط متعلّقة

الصفحة 310

لبعض الأمر النفسي فلا يبقى مجال للاتصاف بالوجوب الغيري فيها أيضاً كما لا يخفى .

ورابعاً : انّ تعلّق الأمر بالتقيّد بالعدم في باب الموانع لا يستلزم تعلّق النهي بها لعدم كون حقيقة النهي عبارة عن طلب الترك ، بل هي كما عرفت عبارة عن الزجر عن الوجود كما انّ معنى الأمر هو البعث إلى إيجاد الفعل المأمور به وكما انّ تعلّق بعض الأمر إلى وجود الشرط لا يقتضي تعلّق النهي بعدمه كذلك تعلّقه إلى عدم المانع لا يوجب تعلّق النهي بوجوده .

وخامساً : انّه على تقدير صحّة دعوى تعلّق النهي بالمانع نقول : إنّ مناط جريان أصالة الحلّية في المقام هو تحقّق عنواني الحلال والحرام لا ثبوت النهي وعدمه ولا ملازمة بين تعلّق النهي بالمانع وثبوت عنوان التحريم بالإضافة إليه واستعمال العنوانين في الروايات في الموارد الكثيرة في باب الشروط والموانع وإن كان ممّا لا مجال لإنكاره إلاّ انّ كون الوجه فيه هو ثبوت الأمر والنهي التكليفيين بالنحو الذي أفاده لم يقم عليه دليل لاحتمال أن يكون الوجه فيه هو كون المراد بالحلية والحرمة فيها هي الحلة والحرمة الوضعيتين كما عليه يبتني الوجه الثالث من وجوه الاستدلال بأصالة الحلية ـ على ما يأتي ـ فلا دلالة لتلك الروايات على ما أفاده (قدس سره)وقد تحصّل ممّا ذكرنا انّ هذا الوجه أيضاً غير تامّ .

الوجه الثالث ما يظهر من المحقّق القمّي (قدس سره) من أنّ المراد من الحلية والحرمة في قوله (عليه السلام) في رواية ابن سنان : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال . . .» ليس خصوص الحلّية والحرمة التكليفيتين أي ما يكون مبغوضاً بنفسه لأجل المفسدة الملزمة الباعثة على الزجر عنه لنفسه أو غير مبغوض كذلك ، بل يعمّ الحلّية والحرمة الوضعيتين أي ما يكون مبغوضاً لكونه مانعاً ـ مثلاً ـ عن حصول مطلوب

الصفحة 311

المولى أو غير مبغوض كذلك فكما انّه إذا تردّد مائع بين كونه خمراً أو ماءاً يكون مقتضى الرواية جواز شربه وعدم وجوب الاجتناب عنه فكذا إذا تردّد أمر الثوب بين صحّة الصلاة الواقعة فيه لعدم كونه من أجزاء غير المأكول وبين بطلانها فيه لكونه من أجزائه يكون مدلول الرواية حلية الصلاة فيه لكون الثوب أيضاً شيئاً فيه حلال باعتبار عدم كونه مانعاً عنها وحرام باعتبار كونه مانعاً فالصلاة فيه حلال إلى أن تعرف الحرام منه بعينه فتدعها .

ونفى البعد عن الاعتماد على هذا الوجه سيّدنا الاستاذ (قدس سره) مع تتميمه بأن يقال : إنّ التتبّع والاستقراء في كلمات العرب واستعمالاتهم لفظي الحلال والحرام في النثر والنظم يقضي بأنّ هذه المادّة أي مادّة «حرم» في ضمن أيّة صيغة كانت يراد منها الممنوعية والمحدودية الثابتة للشيء بتمام الجهات أو بعضها كما يظهر بالتدبّر في قولهم : حرم الرجل ، حريم البيت أو القرية أو البلد ، المسجد الحرام ، الشهر الحرام ، محرومية الرجل في مقابل مرزوقيّته ، كونه محترماً وصالحاً للاحترام ، المحرم في مقابل المحلّ ، وفي الشرعيات كثير كقوله تعالى : }أحلّ الله البيع وحرّم الربوا {وقوله (صلى الله عليه وآله) : المسلم محرم عن المسلم والتعبير عن تكبيرة الافتتاح بتبكيرة الاحرام وعن التسليم الذي هو آخر أفعال الصلاة بالتحليل فإنّ المراد في جميع هذه الموارد هو نحو من الممنوعية والمحدودية الثابتة للشيء ببعض الجهات أو الآتية من قبله ، وفي مقابلها : الحلال والحلّ والمحلّ وأشباهها ممّا أخذت فيه مادّة هذه الصيغ فإنّ معناها هو الإطلاق والإرسال وعدم المحدودية الثابت له .

ويؤيّده الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة الدالّة على حرمة الصلاة في الحرير أو فيما لا يؤكل لحمه أو في الذهب وقد تقدّم نقل بعضها في كلام المحقّق النائيني (قدس سره) و ـ حينئذ ـ فلا يبعد التمسّك بقوله (عليه السلام)  : كلّ شيء فيه حلال وحرام . . . . لأنّ اللباس

الصفحة 312

أيضاً شيء فيه حلال باعتبار عدم محدوديته وإطلاقه بالنسبة إلى الصلاة فيه وحرام باعتبار خلافه والمشكوك منه يكون كالمائع المردّد بين الخمر والماء .

ودعوى انّ إطلاق الحلال والحرام على الثوب باعتبار صحّة الصلاة فيه وبطلانها خلاف المتعارف إذ إطلاقهما على اللباس ينصرف إلى جواز لبسه وعدمه ولا يفهم منه جواز الصلاة فيه وعدمه .

مدفوعة بأنّه وإن كان خلاف المتعارف لكن اختصاص الحكم في أدلّة أصالة الحلية بما لا يكون كذلك ممنوع لأنّ المتفاهم منها عرفاً إثبات الحلّية الظاهرية في المشتبه من دون فرق بين مورد تعارف الإطلاق وعدمه أصلاً .

ويؤيّد ما أفاده سيّدنا الاستاذ وضوح عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للّفظين وإن إطلاقهما في الشريعة إنّما هو على طبق ما هو معناهما بحسب اللغة والعرف ، غاية الأمر انّ المحدودية في لسان الدليل الشرعي ظاهرة في المحدودية الشرعية من دون أن يكون هذا الوصف داخلاً في المعنى بوجه وقد عرفت انّ اللغة والعرف متطابقان على كون معناهما نحواً من المحدودية وعدمه ، والظاهر انّ الأخبار المذكورة ناظرة إلى هذا الوجه لا إلى الوجه الذي اختاره المحقّق المزبور وإلاّ لكان المناسب جعل الحرمة متعلّقة فيها باللباس مع انّها ظاهرة في تعلّقها بالصلاة فيه فتدبّر .

في التمسّك بأصالة العدم في المقام

قد تقدّم انّ صاحب الجواهر (قدس سره) بنى الحكم بالصحّة وعدمها في مسألة اللباس المشكوك على الشرطية والمانعية نظراً إلى أنّه على تقدير الشرطية لابدّ من إحراز الشرط ولا يكفي احتماله في مقام الامتثال ، وامّا على تقدير المانعية فيكفي أصالة عدم المانع ولو لم يكن له حالة سابقة .

أقول : لابدّ من ملاحظة الدليل على اعتبار هذا الأصل وما يمكن أن يستدلّ به

الصفحة 313

أحد اُمور :

الأوّل : استمرار سيرة العقلاء عليه وانّ بنائهم على العدم عند الشكّ من دون لحاظ الحالة السابقة .

والجواب عنه منع الصغرى والكبرى معاً لعدم ثبوت السيرة على ما ذكر وإن قيل بثبوتها في بعض الموارد النادرة كما في باب الأنساب وعدم حجّيتها على تقدير ثبوتها لاحتياجها إلى دليل الإمضاء وهو لم يثبت .

الثاني : كون العدم أولى بالماهية من الوجود لأنّه يكفي في استمراره وعدم انقطاعه عدم حدوث علّة الوجود فالعدم أولى .

والجواب عنه واضح لأنّ تساوي نسبة الممكن وماهيته إلى طرفي الوجود والعدم وعدم ثبوت مزية لأحدهما بوجه تمنع عن ثبوت الأولوية ومجرّد كون علّة العدم هي عدم علّة الوجود لا توجب ثبوتها كما هو ظاهر .

الثالث : تنزيل أدلّة الاستصحاب على هذا الأصل لا عليه بتقريب أن يقال : إنّ المراد من الشكّ في قوله (عليه السلام)  : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت» ليس الشكّ الذي تعلّق بما تعلّق به اليقين وهي الطهارة ، بل المراد هو الشكّ في وجود الحدث الناقض لها ، فالمعنى ـ حينئذ ـ انّه لا يضرّ الشكّ في وجود الحدث لأنّه يبنى على عدمه فيؤخذ بمقتضى اليقين السابق فهو ـ أي اليقين السابق ـ ليس له دخل في جريانه ، بل الرجوع إليه من باب انّه إذا وجب البناء على عدم حدوث الحادث فالواجب الرجوع إلى الحالة السابقة .

والجواب عنه ما حقّق في محلّه من ظهور النهي عن نقض اليقين بالشكّ في مدخلية اليقين وركنيته في الحكم وهو لا ينطبق إلاّ على الاستصحاب .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ أصالة العدم لاتكون أصلاً مستقلاًّ معتبراً ، بل

الصفحة 314

المعتبر في جريانها وجود شرائط الاستصحاب وعمدتها ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة فالحكم بابتناء المسألة على الشرطية والمانعية كما عرفت من الجواهر غير تامّ .

وامّا الاستصحاب فلابدّ قبل البحث عن جريانه من ملاحظة مقدّمة وهي انّ المانعية الشرعية المجعولة بالإضافة إلى أجزاء غير المأكول وهي كما عرفت أمر وجودي ووصف ثبوتي من دون أن يرجع إلى قيدية العدم ومدخليته في المأمور به كمدخلية وجود الشرائط فيه هل يكون موضوعها ثبوت حالة للمصلّي في ظرف الصلاة وهو كونه لابساً لأجزاء غير المأكول ، فالمانع وصف المصلّي في ظرفها كاعتبار كون المصلّي طاهراً من الحدث والخبث في مسألة شرطية الطهارة .

أو انّ موضوعها ثبوت وصف للّباس بمعنى انّ اتصاف اللباس بكونه من أجزاء غير المأكول مانع شرعاً عن الصلاة وصحّتها نظير الشرائط المعتبرة فيها من جهة الزمان والمكان الراجعة إلى كون ما يصلّى فيه أو عليه يلزم فيه كذا وكذا .

أو انّ موضوعها ثبوت وصف لنفس الصلاة بمعنى انّ اتصاف الصلاة بكونها واقعة في غير المأكول بحيث كان غير المأكول ظرفاً لها مانع عن تحقّقها واتصافها بالصحّة .

فإن كانت المانعية المجعولة في المقام بالنحو الأوّل فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه; لأنّ المصلّي قبل لبسه لهذا اللباس المشكوك كان غير لابس لأجزاء غير المأكول قطعاً وبعد لبسه له يشكّ في انتفاء هذه الصفة ومقتضى الاستصحاب بقائها فالآن كما كان من عدم كونه لابساً لشيء من أجزائها ، نعم يعتبر في جريان هذا الاستصحاب ـ مضافاً إلى القول بجريان الاستصحاب في الأحكام العدمية كجريانها في الأحكام الثبوتية لأنّ مجرّد كون الحكم بالثبوت

الصفحة 315

باختيار الشارع وبيده يكفي في جريانه بالإضافة إلى العدم ـ عدم اختصاص جريانه بما إذا كان المستصحب موضوعاً للأثر مستقلاًّ بل يجري فيما إذا كان جزء لموضوعه أو دخيلاً فيه ولو بنحو المانعية فالاستصحاب على هذا النحو ممّا لا مانع منه .

وإن كانت المانعية بالنحو الثاني وهو ما كان موضوعها خصوصية في اللباس فلا مجال لجريان الاستصحاب لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة فإنّ اللباس من أوّل وجوده كان مشكوكاً فيه ، نعم يجري الاستصحاب بناء على هذا الوجه في بعض فروع المسألة وهو ما إذا شكّ في تلطّخ لباسه غير المشكوك بأجزاء غير المأكول ومصاحبته معها ـ بناء على بطلان الصلاة في صورة التلطّخ بها كما قوّيناه سابقاً ـ فإنّه يجري ـ حينئذ ـ استصحاب عدم التلطخ وعدم المصاحبة كما لايخفى .

وإن كانت المانعية بالنحو الثالث فلا مجال أيضاً لجريان الاستصحاب فيه لما ذكر من عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة والظاهر انّ المستفاد من أدلّة المانعية في المقام هو هذا النحو فإنّ موثقة ابن بكير المتقدّمة الدالّة على فساد الصلاة في وبر كلّ ما يحرم أكله وكذا في سائر أجزائه ظاهرة في أنّ الفساد ناش من وقوع الجزء المذكور ظرفاً للصلاة فاتصافها بكون ظرفها وبر غير المأكول موجب للفساد ومانع عن الصحّة وكذا ما يدلّ على النهي عن الصلاة في جلد غير المأكول ظاهر في أنّ المانع هو اتصاف الصلاة بوقوعها في جلده فالمانع بحسب ظاهر الأدلّة هو الوصف والخصوصية المتحقّقة في الصلاة وهو ليس له حالة سابقة لعدم العلم بهذا الوصف بالإضافة إلى الصلاة المشكوكة في زمن من الأزمنة ، نعم ربّما يقرّر الاستصحاب بناء على هذا الوجه بوجوه :

الأوّل : أن يقال إنّ الصلاة حينما لم تكن موجودة لم تكن في أجزاء غير المأكول

الصفحة 316

فهذه القضية السالبة بانتفاء الموضوع المستلزم لانتفاء المحمول كانت متيقّنة قد شكّ في بقائها بعد تحقّق الموضوع فلا مانع من استصحابها ويترتّب عليه انتفاء المحمول وهو المطلوب .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا تبعد دعوى انّ القضية السالبة بانتفاء الموضوع مغايرة عرفاً للقضية السالبة بانتفاء المحمول ومجرّد اتحادهما لفظاً وصورة لا يوجب اتحادهما حقيقة ومع المغايرة لا مجال للاستصحاب للزوم اتحاد القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة ـ انّ استصحاب الحالة الصادقة مع انتفاء الموضوع وان كان صحيحاً من حيث وجود الحالة السابقة إلاّ انّ تطبيق تلك الحالة على الحالة اللاّحقة المشروطة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل فيصير ـ حينئذ ـ من الاُصول المثبتة التي لا نقول بها .

الثاني : انّ العدم النعتي وإن كان موضوعاً في أدلّة غير المأكول إلاّ انّه لا ينافي جريان الاستصحاب بالنسبة إلى العدم الأزلي وتوضيحه يتوقّف على بيان مقدّمتين :

الاُولى : انّ معنى أخذ العام موضوعاً للحكم هو ملاحظته مع جميع الحالات الطارئة فمرجع قوله : أكرم العلماء إلى قوله : أكرم العلماء سواء كانوا عدولاً أم لا ، وسواء كانوا هاشميين أم لا ، وسواء كانوا كذا وكذا أم لا ، فكلّ واحد من هذه الصفات ملحوظة مع نقيضها في مقام الحكم .

الثانية : انّه إذا دلّ الدليل على خروج بعض تلك العوارض عن حكم العام تكون بقية العوارض والعناوين داخلة فيه بلا لزوم تعنونه بعنوان كونه غير ذلك العنوان الخاص الخارج عنه فإذا شكّ في صدق عنوان الخاص على فرد ولم تكن له حالة سابقة وكان لبعض العناوين الباقية حالة سابقة يستصحب ذلك العنوان ويحكم

الصفحة 317

عليه بحكم العام ففي مثل قوله : «كلّ امرأة ترى دم الحيض إلى خمسين» يكون مفاده ثبوت هذا الحكم على جميع العناوين سواء كانت المرأة قرشية أو كانت غير قرشية على نحو مفاد كان الناقصة أو كانت المرأة التي لم توجد بينها وبين قريش نسبة أو لم توجد بينها وبين غير قريش نسبة على نحو مفاد ليس التامّة فإنّ نقيض كلّ شيء رفعه ورفع مفاد كان الناقصة ليس خصوص ليس الناقصة بل أعمّ منها ومن ليس التامّة فإذا دلّ الدليل على خروج القرشية وانّها ترى الدم إلى ستّين لم يكن خروجها موجباً لتعنون العام ، بل مقتضاه خروج هذا العنوان وبقاء البقية تحت العام فإذا شكّ في كون المرأة قرشية أم لا فإنّه وإن لم تكن له حالة سابقة على نحو مفاد كان الناقصة إلاّ انّه لا ينافي إحراز عدم القرشية على نحو «ليس التامّة» باستصحاب العدم الأزلي والمفروض بقاء هذا العنوان تحت العام فيشمله حكمه وهكذا الكلام في المقام .

ويرد على هذا الوجه ـ مضافاً إلى إمكان منع كلتا المقدّمتين لأنّ مرجع العموم إلى ملاحظة جميع الأفراد بعنوان كونها من مصاديق العام فقط لا إلى ملاحظة جميع العناوين والحالات الطارئة فالعالم العادل ملحوظ بما انّه عالم وكذا العالم الهاشمي لا بما انّهما عالم عادل وعالم هاشمي ، بل يمكن دعوى عدم معقولية ملاحظة الحالات المتضادّة في موضوع الحكم بحيث كان لكلّ حالة مدخلية في ترتّب الحكم وثبوت الأثر وكذا مرجع التخصيص إلى تعنون العام بعنوان كونه غير ذلك العنوان الخاصّ فإنّه وإن لا يكون مستلزماً للمجازية الموجبة لاستعمال العام من الأوّل في غير نوان المخصّص إلاّ انّ تصرّفه في الإرادة الجدّية وقصرها فيما عدى ذلك العنوان ممّا لا مجال لإنكاره فالإرادة الجدّية متعلّقة بعنوان كونه غيره ـ  .

انّه على تقدير تسليم كلتا المقدّمتين نقول : إنّ عدم تحقّق النسبة بنحو ليس

الصفحة 318

التامّة لا يكون له حالة سابقة لأنّ النسبة من الاُمور ذات الإضافة ومتقوّمة بالمنتسبين وحينئذ نقول : إنّ عدم تحقّق النسبة إن كان المراد به هو عدم تحقّقها بنحو كلّي لا مضافة إلى مرأة خاصة فهو وإن كان له حالة سابقة إلاّ انّ انتقاض تلك الحالة مسلّم ولا شكّ فيه أصلاً وإن كان المراد به هو عدم تحقّقها بالإضافة إلى مرأة خاصة وقع الشكّ في قرشيتها فهو ليس له حالة سابقة بوجه فهذا الوجه أيضاً غير تامّ .

الثالث : الاستصحاب التعليقي بأن يقال : إنّ المصلّي كان قبل لبس المشكوك بحيث لو صلّى لم تكن صلاته واقعة في غير المأكول وبعد لبسه يشكّ في بقاء هذه القضية التعليقية فتستصحب ويحكم ببقائها .

والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ جريان الاستصحاب التعليقي محلّ خلاف وإشكال ـ انّ مورده ما إذا كان التعليق واقعاً في لسان الدليل الشرعي مثل قوله : العنب إذا غلا يحرم سواء قلنا بأنّ مفاده جعل الحرمة على نحو الواجب المشروط بأن يكون المجعول هو الحكم على تقدير تحقّق المعلّق عليه أو قلنا بأنّ مفاده جعل الملازمة بين الغليان والحرمة أو سببيّة الأوّل لثاني .

وامّا إذا كان التعليق غير واقع في لسان الدليل الشرعي كالتعليق الاختراعي في مثل هذا الوجه فلا مجال لدعوى جريان استصحابه أصلاً كما لا يخفى .

ثمّ إنّه ربّما يقال : بأنّه لا مانع من جريان الاستصحاب بناء على الوجه الأخير الذي عرفت انّه هو الظاهر من أدلّة المانعية في المقام لكن لا في جميع فروض المسألة بل في خصوص ما إذا شرع في الصلاة في اللباس مع العدم بعدم كونه من أجزاء غير المأكول ثمّ ألقى عليه بعد الشروع ما يشكّ في كونه من أجزائه فإنّه يصدق انّ الصلاة لم تكن في أجزاء غير المأكول قبل إلقاء المشكوك عليه والآن تكون كما

الصفحة 319

كانت فالحالة السابقة المتيقّنة موجودة في هذه الصورة بناء على أن تكون الصلاة عبارة عن الحالة الخاصة العبادية المتحقّقة بأوّل جزء منها والمستمرّة إلى آخر أجزائها والأفعال والأقوال المخصوصة إنّما هي الاُمور التي يجب أن يشتغل بها في حالها ويؤيّده التعبير بالفراغ عنها بعد تحقّق الجزء الآخر وكذا توصيفها بأنّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وغير ذلك من التعبيرات الظاهرة في عدم توقّف تحقّق عنوانها على تحقّق الجزء الآخر أيضاً كما هو الشأن في المركّبات حيث إنّه لا تحقّق لها بوجه قبل تحقّق أجزائها بأسرها فبناء على الوجه الأوّل يصدق انّ الصلاة لم تكن في أجزاء غير المأكول ولا مانع من استصحاب هذه الخصوصية والحكم ببقائها من دون لزوم إحراز كون اللباس من غير المأكول حتّى يصير مثبتاً لأنّ المفروض هو الوجه الثالث ، نعم لو كانت الصلاة عبارة عن مجموع الأفعال والأقوال المخصوصة بحيث كان تحقّقها متوقّفاً على الإتيان بالجزء الآخر أيضاً لما كانت الحالة السابقة المتيقّنة متحقّقة كما هو ظاهر .

وأورد على ذلك سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) بأنّه على هذا التقدير أيضاً لا مجال لجريان الاستصحاب لأنّها وإن كانت متحقّقة بمجرّد الشروع والمفروض العلم بعدم وقوعها في اللباس المشكوك إلاّ انّ المستفاد من أدلّة المانعية انّه يعتبر أن لا تكون من أوّل حدوثها إلى آخر بقائها واقعة في شيء من أجزاء غير المأكول والمفروض الشكّ في ذلك فاليقين بوجود الحالة السابقة منتف كما في غير هذه الصورة .

ويمكن دفع الايراد بأنّا لا ننكر انّ المستفاد من أدلّة المانعية ما أفاده (قدس سره) وإلاّ لم تكن حاجة إلى الاستصحاب ، بل كان وقوع ركعة منها ـ مثلاً ـ في المأكول كافياً وإن لم تكن البقية كذلك ، بل نقول : إنّ مفاد تلك الأدلّة قادحية الوقوع في غير

الصفحة 320

المأكول ولو كان ذلك بالإضافة إلى لحظة منها فالمانع هذه الخصوصية ونحن لا ننكرها ولكنّه لا يمنع عن جريان الاستصحاب فإنّ الصلاة كانت واقعة في المأكول قطعاً وبضميمة الاستصحاب يثبت وقوع باقيها فيه أيضاً وبذلك يتحقّق ما هو المعتبر فيها وهو أن لا تكون من أوّل حدوثها إلى آخر بقائها واقعة في أجزاء غير المأكول .

وبعبارة اُخرى وقوع الصلاة بحسب الاستدامة في اللباس المشكوك لا يمنع عن وقوعها حقيقة خالية عن المانع كما انّه لو فرض العلم بوقوع جزء منها في غير المأكول لا يمنع ذلك عن العلم بوقوعها حقيقة بلا مانع فإنّ الصلاة على هذا التقدير تصير كالطبيعة المتّصفة بالوجود والعدم معاً في آن واحد بلحاظ وجود بعض الافراد وعدم البعض الآخر ، غاية الأمر انّ اتصافها بعدم الوقوع في غير المأكول لا يجدي ، بل اللاّزم إحراز عدم القادح وهو الوقوع في غير المأكول واستصحاب الحالة السابقة المتيقّنة يكفي في إحرازه والحكم بعدم تحقّق الصلاة في جزء غير المأكول الموجب لفسادها بمقتضى الموثقة ونحوها فالإنصاف تمامية الاستصحاب في هذه الصورة كما اختاره المحقّق النائيني (قدس سره) أيضاً ، نعم فيما إذا كان الشكّ في أصل الوجود كما إذا شكّ في أنّه هل بال الخفاش محاذياً للمصلّي بحيث لو بال لوقع عليه أو على ثوبه قطعاً ربّما يقال بجريان استصحاب عدم الوجود وعدم البول في المثال ولكن الظاهر انّه مثبت لأنّ استصحاب عدم البول لا يثبت الخصوصية في الصلاة المعتبرة بحسب ما هو المفروض فإنّ ثبوت الخصوصية لازم عقلي لعدم الوجود فتدبّر .

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا في مسألة اللباس المشكوك انّ الأظهر فيها هو القول بالجواز في جميع فروض المسألة لجريان البراءة العقلية والنقلية واصالة

<<التالي الفهرس السابق>>