في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة121)


لكن حيث إنّ هذا الـمبنى ـ و إن كان ظاهر الأصحاب، و مقتضى الـنصوص، باعتبار عدم الـتعرّض بعد الـرأس لغير الـجانبين ـ قابل للخدشـة، لاحتمال كونها عضواً مستقلاًّ، أو كونها من الـجانب الأيمن أو الأيسر، فالأولى أن يغسل تمامها مع كلّ من الـطرفين.
ثمّ إنّ لزوم استيعاب الـغسل في الأعضاء الـثلاثـة قد مرّ الـبحث فيه في غسل ظاهر الـبشرة، لأنّ لزوم الاستيعاب فيه إذا انطبق على الـغسل الـترتيبي، فلا محا لـة يكون استيعاب الـغسل في الأعضاء الـثلاثـة واجباً.
نعم، لافرق في تحقّقه بين أن يكون بصبّـة واحدة، أو أكثر، كما أنّه لافرق بين الـفرك و الـدلك و نحوهما.


(الصفحة122)

مسأ لـة 5: لاترتيب في الـعضو، فيجوز غسله من الأسفل إلى الأعلى، و إن كان الأولى الـبدئـة بأعلى الـعضو فالأعلى.
كما أنّه لاكيفيـة مخصوصـة للغسل هنا، بل يكفي مسمّاه، فيجزي رمس الـرأس با لـماء، ثمّ الـجانب الأيمن، ثمّ الأيسر، و يجزيه أيضاً رمس الـبعض، و الـصبّ على آخر.
ولو ارتمس ثلاث ارتماسات ناوياً بكلّ واحد غسل عضو صحّ، بل يتحقّق مسمّاه بتحريك الـعضو في الـماء، على وجه يجري الـماء عليه، فلا يحتاج إلى إخراجه منه، ثمّ غمسه فيه1 .



حول الترتيب في العضو و كيفية الغسل

(1) أمّا عدم الـترتيب في الـعضو، و جواز الـغسل من الأسفل إلى الأعلى، فهو الـمشهور، بل ظاهر محكي «ا لـمهذّب الـبارع» الإجماع عليه.
ولكنّه قد حكي الـخلاف عن الـحلبي، و ظاهر «ا لـغنيـة» و «الإشارة» و «ا لـسرائر» و لعلّ منشأه صحيحتا زرارة الـمتقدّمتين:
إحداهما: ما اشتملت على قوله (عليه السلام): «ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك»، بدعوى ظهورها في تعلّق الـظرف با لـغسل، و أنّ الـمراد لزوم الـبدئـة بالأعلى.
ثانيتهما: ما اشتملت على قوله (عليه السلام): «ثمّ على منكبه الأيمن مرّتين، و على منكبه الأيسر مرّتين»، بدعوى ظهورها في لزوم الـصبّ على الـمنكب، الـذي هو أعلى الـعضو من الـجانبين.
ولكنّ الـظاهر عدم دلالـة الـصحيحتين على ذلك أصلاً:


(الصفحة123)


أمّا الاُولى: فا لـظاهر أنّ الـظرف متعلّق با لـجسد، و الـغرض إفادة الاستيعاب، وا لـتعبير بذلك إنّما هو لتعارف هذا الـنحو من الـتعبير في مقام إفادته، و إلاّ فا لـقرن ـ با لـفتح و الـسكون ـ ليس هو أعلى الـرأس، بل هو في الـحيوان عبارة عن الـزيادة الـعظيمـة، الـتي تنبت في رؤوس بعض أنواعه، و في الإنسان موضعه من رأسه.
فا لـتعبير إنّما يكون دالاًّ على الاستيعاب، لا لأجل اللغـة، بل للعرف، و با لـجملـة فهذه الـروايـة لا دلالـة لها على لزوم الـبدئـة بالأعلى.
و أمّا الـثانيـة: فا لـظاهر أنّ الـصبّ على الـمنكب إنّما هو لما عرفت من أنّ الـتعارف في الـغسل إنّما هو بالابتداء به من الأعلى; لأنّ الـماء يسري إلى ما تحته، ولايسري إلى ما فوقه، مع أنّه ليس الـمراد با لـمنكبين ما هو معناهما لغـة، ضرورة أنّه لايكتفى في الـغسل بصبّ الـماء عليهما بمجرّده، بل الـمراد بهما الـجانبان الأيمن و الأيسر كما عرفت، مع أنّ ذكر كلمـة «مرّتين»، الـدالّـة على التعدّد، قرينـة على كون الأمر بصبّ الـماء على الـمنكبين إنّما هو للاستحباب.
و إن كان يرد على هذا الـكلام عدم تعدّد الأمر با لـنسبـة إلى أصل الـصبّ، و بالإضافـة إلى الـمنكبين و الـتعدّد حتّى يبقى الأوّل على الـوجوب، و يحمل الـثاني على الاستحباب، بقرينـة كون الـتعدّد من الآداب، بل ليس هنا إلاّ أمر واحد، و بعث فارد، و متعلّقه صبّ الـماء على الـمنكبين مرّتين; فإمّا أن يكون مفاده الـوجوب في الـمتعلّق بجميع قيوده، و إمّا أن يكون مفاده الاستحباب كذلك.
إلاّ أن يقال: بأنّه ينحلّ إلى أوامر متعدّدة حسب انحلال الـمتعلّق إلى الـمتعدّد.
و يرد عليه حينئذ: أنّه لامزيـة لحمل الأمر الـثاني على الاستحباب بقرينـة الأمر الـثا لـث، فلِمَ لايبقى على ظاهره من الـوجوب بقرينـة الأمر الأوّل، الـذي لامحيص


(الصفحة124)


عن الالتزام بدلالته على الـوجوب؟ فتدبّر.
هذا، مضافاً إلى أنّ الـروايـة لا دلالـة لها على لزوم الـبدئـة بالأعلى في الـرأس أصلاً، و إلى أنّ الـمنكب ـ كما مرّ في الـقرن ـ ليس هو أعلى الـجانب، بل بعض أعلاه; لأنّ الـمنكب مجتمع رأس الـكتف و الـعضد.
إلاّ أن يقال: بأنّ الـمنكب كما يستعمل في اللغـة بهذا الـمعنى الـمعروف، كذلك يستعمل فيها بمعنى الـناحيـة و الـجانب، يقال: سرنا في منكب من الأرض، أي في ناحيـة منها، فلامجال لهذا الإشكال.
و كيف كان: فلا يستفاد من هذه الـروايـة أيضاً ذلك، سواء كان الـمراد با لـمنكب معناه الـمعروف، أو كان الـمراد به الـجانب و الـناحيـة.
و أمّا عدم ثبوت كيفيـة مخصوصـة للغسل هنا، فلأنّ الـواجب هو عنوان الـغسل بأيّ نحو تحقّق ولو كان بنحو الـرمس، و الـظاهر الاتّفاق عليه، و الـتعبير با لـصبّ و نحوه في عبارات جماعـة من الـقدماء ـ تبعاً للروايات الـكثيرة الـمعبّرة بذلك ـ ليس لأجل خصوصيـة فيه، بحيث لم يجز الـتعدّي عن عنوانه، كما قد حكي عن الـفاضل الـنراقي في «ا لـمستند»، بل لأجل كونه طريقاً متعارفاً في الـغسل.
و قد ورد هذا الـتعبير في الـنصوص الـبيانيـة في الـوضوء، مع إطلاق الـغسل في الـكتاب و الـسنّـة، و عدم اعتبار الـصبّ فيه إجماعاً.
كما أنّ قولهم في نصوص الـمقام بعد الأمر با لـصبّ: «ما جرى عليه الـماء فقط طهر»، أو «فقد أجزأه»، أو «كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته»، قرينـة على كون الـمراد مجرّد جريان الـماء على الـجسد و مماسّته معه، مع أنّ حمل الـصبّ على الـغسل أولى من حمل الـغسل الـمذكور في مثل صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة على الـصبّ، فتدبّر.


(الصفحة125)


و على ما ذكرنا يجزي رمس الـرأس با لـماء، ثمّ الـجانب الأيمن، ثمّ الـجانب الأيسر، كما أنّه يجزي رمس الـبعض، و الـصبّ على آخر.
ولو ارتمس في الـماء ثلاث مرّات: مرّة بقصد غسل الـرأس، و مرّة بقصد غسل الأيمن، و ثا لـثـة بقصد غسل الأيسر كفى; لتحقّق الـغسل، و حصول الـترتيب بلا إشكال.
ولو ارتمس في الـماء مرّة واحدة، و حرّك بدنه تحت الـماء ثلاث مرّات بقصد غسل الأعضاء الـثلاثـة، فا لـظاهر كفايته لما ذكر من تحقّق الـغسل، و حصول الـترتيب.
إنّما الإشكال فيما إذا لم يتحقّق الـتحريك أيضاً، و أنّه هل يكتفى بعد الارتماس بمجرّد الـنيّـة و قصد وقوع غسل الأعضاء مرتّباً، أم لا؟
و منشأ الإشكال أحد اُمور أربعـة:
الأوّل: أنّ الـمأمور به هو الـغسل و الـجريان الـفعلي، أو ما هو بمنزلته، كا لـتحريك داخل في مفهومه; لعدم تحقّقه بدونه.
و الـجواب: ما عرفت في مبحث الـوضوء أنّ الـغسل لايعتبر في تحقّق مسمّاه مفهوم الـجريان، أو ما هو بمنزلته، بل معناه استيلاء الـماء على الـموضع الـمغسول، من دون اعتبار شيء آخر فيه.
ا لـثاني: دلالـة الـنصوص الـخاصّـة، الـظاهرة في اعتبار الـجريان في الـمقام، مثل ما عرفت من قوله (عليه السلام): «ما جرى عليه الـماء فقد طهر» أو «فقد أجزأه»، ومن الـواضح عدم تحقّق الـجريان بدون الـتحريك، بل يمكن أن يقال بعدم تحقّقه مع الـتحريك أيضاً، فتدبّر.


(الصفحة126)


و الـجواب: ما عرفت من دلالـة الـنصوص على كون الـمأمور به مجرّد الـغسل، الـراجع إلى استيلاء الـماء على الـجسد، و قد عرفت أنّ الـتعبير با لـصبّ إنّما هو للتعارف، و إلاّ فا لـمراد به و با لـجريان هو وصول الـماء إلى الـجسد، و مماسّته معه، كما يدلّ عليه قوله (عليه السلام): «كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته».
ا لـثا لـث: دعوى أنّ ظاهر أوامر الـغسل كون الـمأمور به فعلاً وجودياً، و إذا كان في داخل الـماء ونوى الـغسل و لم يتحرّك، لم يتحقّق منه فعل وجودي غير الـنيّـة، فلزوم الـتحريك إنّما هو لأجل تحقّق هذا الـمعنى.
و اُجيب عنه: بأنّ نفس الـمكث في داخل الـماء حال الـنيّـة فعل وجودي، صادر من الـمكلّف باختياره، و لاحاجـة إلى الـتحريك.
ا لـرابع: أنّ الاكتفاء بمجرّد الـنيّـة من دون الـتحريك، يوجب الإخلال با لـترتيب، الـمأمور به في الـغسل الـترتيبي; لأنّ استقلال غسل كلّ عضو با لـفرديـة حتّى يصحّ اتّصاف غير الـعضو الأوّل بوقوعه متأخّراً عنه، أو عنه و عمّا قبله، لايكاد يتحقّق بمجرّد الـنيّـة، بل لابدّ من الـتحريك، أو الـدلك، أو نحوهما، و مجرّد إرادة وقوعه مرتّباً لايؤثّر في صيرورته كذلك.
و يمكن الـجواب عنه: بأنّه لو كان استقلال غسل كلّ عضو با لـفرديـة متوقّفاً على مثل الـتحريك، لكان الـلازم تحقّقه بالإضافـة إلى جميع أجزاء كلّ عضو، مع أنّه لايمكن تحقّق الـتحريك أو الـدلك با لـنسبـة إليها، كما لايخفى، و مع عدمه كيف يصير غسل بعض الـعضو الـذي لم يتحقّق الـدلك با لـنسبـة إليه، متّصفاً بما يعتبر فيه من الـترتيب و الـتأخّر عن الـعضو الـمتقدّم.


(الصفحة127)

مسأ لـة 6: الـظاهر حصول الارتماسي با لـغمس في الـماء تدريجاً، و الـلازم على الأحوط أن يكون تمام الـبدن في الـماء في آن واحد، فلو خرج بعض بدنه عن الـماء قبل أن ينغمس الـبعض الآخر لايتحقّق الارتماس.
نعم، لايضرّ دخول رجله في الـطين يسيراً عند انغماسه للغسل، ففي الأنهار و الـجداول الـتي تدخل الـرجل في الـطين يسيراً يجوز الارتماسي، و إن كان الأحوط اختيار الـترتيبي، و الأحوط أن يكون الـغمس با لـدفعـة الـعرفيـة1 .



فمن هذا يستكشف عدم توقّف الـترتيب على مثله، و تحقّقه بمجرّد الـنيّـة، لكنّ الاحتياط لايجوز أن يترك في ذلك، و إن كان الـمستفاد من الـمتن أنّ اعتبار الـتحريك إنّما هو لتوقّف تحقّق الـغسل عليه، و لذا وصف الـتحريك بوجه يجري الـماء عليه، وجعله محقّقاً لمسمّى الـغسل، مع أنّه على تقدير اعتباره له دخل في الـترتيب، لا في تحقّق مسمّى الـغسل، فتأمّل.

كيفيـة الـغسل الارتماسي

(1) ا لـكيفيـة الـثانيـة: الـغسل الارتماسي، و الـدليل على ثبوت هذه الـكيفيـة أيضاً للغسل كثبوت الـترتيبي له، هو الـنصّ و الإجماع.
ففي ذيل صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، الـدالّـة على لزوم الغسل من القرن إلى القدم: «ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الـماء ارتماسـة واحدة، أجزأه ذلك، و إن لم يدلك جسده».(1)
و في صحيحـة الـحلبي، أو حسنته قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول: «إذا ارتمس


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 5.


(الصفحة128)


ا لـجنب في الـماء ارتماسـة واحدة، أجزأه ذلك من غسله».(1)
و في روايـة الـسكوني، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: الـرجل يجنب، فيرتمس في الـماء ارتماسـة واحدة و يخرج، يجزيه ذلك من غسله.(2)
و في مرسلـة الـحلبي الـتي رواها الـصدوق، بإسناده عنه، قال: حدّثني من سمعه يقول: «إذا اغتمس الـجنب في الـماء اغتماسـة واحدة، أجزأه ذلك من غسله».(3)
و هذه الـروايات حاكمـة على ما دلّ على اعتبار الـترتيب في الـغسل، خصوصاً مع ملاحظـة الـجمع بين الـكيفيتين في صحيحـة زرارة، بعد حمل الاُولى منهما على الـترتيب بقرينـة نصوصه، و إن كان ربّما يبعّده أنّ ظاهر قوله: «و إن لم يدلك جسده» أنّ الـفرق بينهما إنّما هو من هذه الـجهـة.
لكنّ الـتأمّل فيها يقضي بخلافه; لأنّ الـغسل الـمذكور في الـكيفيـة الاُولى أيضاً لايعتبر فيه الـدلك بوجه، فا لـفرق إنّما هو من جهـة الارتماس و عدمه، الـمحمول على الـترتيب بقرينـة أدلّته.
و كيف كان: فلاينبغي الإشكال في ثبوت هذه الـكيفيـة أيضاً للغسل، خصوصاً مع الـتعبير بالإجزاء به عنه، كما لايخفى.
ثمّ إنّ الـظاهر أنّ توصيف الارتماس أو الانغماس با لـوحدة في الـنصوص الـمتقدّمـة، إنّما يراد به الارتماس الـواحد في مقابل الـمتعدّد، لأجل رمس كلّ عضو على حدة، أو لأجل رمس الـمجموع ارتماسات متعدّدة.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 12.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 13.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 15.


(الصفحة129)


أمّا في غير صحيحـة زرارة فواضح; لأنّ الـعرف لايكاد يفهم من وحدة الارتماس إلاّ ما يقابل الـمتعدّد.
و أمّا فيها فبعد حمل الـكيفيـة الاُولى فيها على الـترتيب، يصير الـمراد با لـوحدة في الـثانيـة أيضاً كذلك; لأنّ الـترتيب مستلزم لتعدّد الـغسل، خصوصاً مع عدم كون الـمفروض فيه حصوله با لـرمس و الـغمس.
نعم، يقع الـكلام بعد ذلك في أصل حقيقـة الارتماس، و أنّه هل يعتبر فيه أن يكون دفعـة واحدة عرفيـة، أو يمكن تحقّقه تدريجاً أيضاً؟
فنقول: الـقدر الـمتيقّن منه ما إذا كان خارج الـماء بجميع أعضائه، ثمّ نوى الـغسل و ارتمس في الـماء دفعـة، فإنّه لا إشكال في تحقّق الارتماس بذلك.
ولكنّ الـظاهر عدم الاختصاص به; لعدم لزوم أن يكون خارج الـماء كذلك، بل يكفي أن يكون بعض الأعضاء أو تمامها داخلاً في الـماء.
و لايقدح ذلك في صدق الارتماس بوجه، و لاحاجـة إلى الـتحريك في الـثاني أيضاً، إلاّ بناء على أكثر الـوجوه الـمتقدّمـة، الـتي قد مرّ الـجواب عن جميعها، فراجع.
كما أنّ الـظاهر أنّ الارتماس، الـذي يتحقّق بالأخذ في الـرمس إلى أن يتحقّق الـتغطيـة و مستوريـة الـجسد، يكون مجموعه غسلاً، و يكون الـشروع فيه ـ الـذي يعتبر فيه الـمقارنـة للنيّـة ولو ارتكازاً ـ هو أوّل الأخذ في الـرمس.
فما حكي عن بعض من أنّه إذا ارتمس في الـماء، و استوعب الـماء على جميع بدنه، تحقّق الـغسل دفعـة في هذا الـحين، و مقتضاه بطلان الـغسل لو نواه بوقوعه في الـماء، لا ببقائه، أو با لـمجموع من الأمرين، ضعيف.
كما أنّ ما حكي عن «ا لـجواهر» من قوّة احتمال أن يكون ابتداء الـغسل أوّل آنات


(الصفحة130)


ا لـتغطيـة، و مستوريـة الـجسد في الـماء، و آخره آخر جزء الـغسل في تلك الـتغطيـة، فلا عبرة بما يغسل قبلها، كما لاعبرة بما يغسل بعدها، و إنّما الـعبرة بانغسال جميع الـجسد في تلك الـتغطيـة، طا لـت مدّته أم قصرت.
و مقتضاه كون الـغسل دفعي الـحصول إن لم يكن في بدنه مانع، بحيث يصل الـماء إلى كلّ جزء منه عند صيرورته مغطّى، و تدريجي الـحصول إن لم يكن كذلك، فله الاشتغال بإزا لـة الـمانع في تلك الـتغطيـة، ما لم يتحقّق الـفراغ منها، و إن طا لـت مدّتها.
قد أورد عليه في «ا لـمصباح» بأنّ مستنده هو أنّ الارتماس مأخوذ من الـرمس، و هو الـتغطيـة و الـكتمان، فمادام لم يستتر با لـماء لم يتحقّق الارتماس، و مهما ستره الـماء فهو مرتمس إلى أن يخرج، فا لـموجود الـخارجي مصداق واحد لطبيعـة الارتماس، طال زمانه أم قصر.
مع أنّ الـمتفاهم من الأدلّـة إنّما هو كفايـة انغسال الـجسد با لـكيفيّـة الـتي تسمّى ارتماساً، و ابتداء زمان حدوث الـفعل ليس إلاّ أوّل آنات الـشروع فيه، لا أوّل آنات تحقّق الـرمس; إذ ليس الارتماس إلاّ كا لـتكلّم في عدم توقّف جزئيـة الـجزء الأوّل على تحقّق الـوصف الـعنواني.
و الـمنساق إلى الـذهن من قوله (عليه السلام): «إذا ارتمس الـجنب في الـماء ارتماسـة واحدة» إنّما هو إرادة غسل الـجسد دفعـة واحدة بالارتماس، كما يشهد لذلك فهم الأصحاب، لا مطلق غسله في تغطيـة واحدة. كيفما اتّفق، بحيث عمّ ما لو كان على جسده حاجب فأزا لـه في الـماء بعد فصل معتدّ به.
أقول: الـظاهر أنّه لامجال لإنكار كون ابتداء زمان حدوث الـفعل هو أوّل آنات


(الصفحة131)


ا لـشروع فيه، ولاينافيه كون الارتماس مأخوذاً من الـرمس، وهو الـتغطية و الـكتمان; لصدق عنوان الـمستوريـة ولو بالإضافـة إلى بعض الأجزاء، غايـة الأمر أنّه يلزم تحقّقها بالإضافـة إلى جميع الـجسد في الـغسل.
و بعبارة اُخرى: حدوث الـمستوريـة با لـنسبـة إلى آخر الأجزاء الـذي به يتحقّق وصف الانغماس للمجموع، لايكون انضمامه مع بقائها في الأجزاء الـواقعـة قبله مؤثّراً في تحقّق الـوصف الـمذكور، بل الـذي يوجب حصوله إنّما هو الـحدوث و الـبقاء معاً فيها، و خصوص الـحدوث في آخر الأجزاء، فا لـمجموع متّصف بذلك.
و أمّا بقاء الارتماس إلى أن يخرج، طال زمانه أم قصر، فا لـحقّ فيه مع صاحب «ا لـجواهر»، لابمعنى كون الـخروج دخيلاً في حقيقـة الارتماس، بحيث لو لم يخرج لم تتحقّق تلك الـحقيقـة أصلاً; لأنّ الـخروج لا دخل له في حقيقته، بل بمعنى أنّه ما لم يخرج لايحدث وجود آخر للارتماس، بل هو بقاء للوجود الأوّل.
و لايمنع وجود الـحاجب، و إزا لـته في الـماء بعد فصل معتدّ به عن تحقّقه أصلاً، لما عرفت من أنّ الـوحدة الـمأخوذة وصفاً للارتماس، لايراد بها إلاّ ما يقابل الـمتعدّد، و ليس الـمراد بها هي الـدفعـة حتّى تحمل على الـعرفيـة; لتعذّر الـحقيقيـة.
و منه يظهر صحّـة ما نسب إلى بعض متأخّري الـمتأخّرين، من الاجتزاء بما لونوى الـغسل، فوضع رجله ـ مثلاً ـ ثمّ صبر ساعـة بحيث نافي الـدفعـة الـعرفيـة، فوضع عضواً آخر، و هكذا إلى أن ارتمس أجزائه.
و لاوجه لما اُورد عليه: من أنّ الـمتبادر من الارتماسـة الـواحدة ليس إلاّ الـوقوع في الـماء دفعـة، لاتدريجاً، لما عرفت من كون عنوان الـدفعـة أجنبياً عمّا هو الـمتفاهم من الـروايات.


(الصفحة132)


ثمّ إنّ الـظاهر أنّه لاخلاف في أنّه يعتبر في الارتماس أن يكون تمام الـبدن تحت الـماء ولو في آن واحد، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس الـبعض الآخر، كما إذ اُخرجت رجله قبل أن يدخل رأسه في الـماء، أو با لـعكس، لايكفي.
و الـوجه فيه: أنّ الـمستفاد عرفاً من الـروايات الـواردة في الـغسل الارتماسي هو اعتبار استيلاء الـماء على جميع الـبدن في آن واحد، خصوصاً مع توصيف الارتماس با لـوحدة، الـظاهر في حصول الاستيلاء كذلك مرّه واحدة، بحيث تمّ الـغسل بهذا الارتماس.
و أمّا عدم قدح كون الـرجل في الـطين يسيراً، كما هو الـمتداول في الـغسل في الأنهار و الـجداول; فلأجل أنّه لايفهم الـعرف من تلك الـروايات عدم إمكان الـغسل فيها، مع شدّة الابتلاء بها، و تحقّق الـغسل الارتماسي فيها نوعاً.
ولكنّ الأحوط مع ذلك اختيار الـترتيبي، أو الارتماسي بنحو لايقع الـرجل في الـطين أصلاً، بوضع مثل حجر عليه، و جعل الـرجل على الـحجر، و سيأتي في الـمسأ لـة الآتيـة ما له نفع با لـمقام، فانتظر.


(الصفحة133)

مسأ لـة 7: لو تيقّن بعد الـغسل عدم انغسال جزء من بدنه، وجبت إعادة الـغسل في الارتماسي، و أمّا في الـترتيبي فإن كان ذلك الـجزء من الـطرف الأيسر، يكفي غسل ذلك الـجزء ولو طا لـت الـمدّة حتّى جفّ تمام الأعضاء، و لايحتاج إلى إعادة الـغسل، و لا إعادة غسل سائر أجزاء الأيسر، و إن كان من الأيمن يغسل خصوص ذلك الـجزء، و يعيد غسل الأيسر، و إن كان من الـرأس يغسل خصوص ذلك الـجزء، و يعيد غسل الـطرفين1 .



لو تيقّن بعد الـغسل عدم انغسال جزء

(1) إذا اغتسل ارتماساً، و بقيت من جسده لُمعـة لم يصل إليها الـماء، و تيقّن ذلك بعد الـغسل، ففيه احتمالات، بل أقوال:
أحدها: ما عن «ا لـقواعد» و «ا لـمستند» من الاجتزاء بغسل اللمعـة مطلقاً، من دون أن تجب الإعادة، و قد علّله في الـثانى بترك الاستفصال الـمفيد للعموم في صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، الـواردة في من ترك بعض ذراعه، أو بعض جسده من غسل الـجنابـة.(1)
و ربّما يستشهد له أيضاً بعموم قوله (عليه السلام) في صحيحـة اُخرى لزرارة الـمتقدّمـة أيضاً: «و كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته».(2)
و يرد عليه: ـ مضافاً إلى ما عرفت في الـروايـة الاُولى من الاضطراب و الـتشويش ـ أنّ مورد كليهما هو الـغسل الـترتيبي، لا سيّما مع كونه هو الـشايع الـمتعارف في تلك الأزمنـة، فالاكتفاء بغسل الـجزء الـمتروك فيه لا يدلّ على الاكتفاء


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 41، الـحديث 2.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 5.


(الصفحة134)


بغسله في الارتماسي أيضاً.
ثانيها: ما نسب إلى ظاهر الـمحقّق الـثاني و غيره، من الـتفصيل بين طول الـزمان و قصره، با لـحكم بوجوب الإعادة في الأوّل، و الاكتفاء بغسل خصوص الـجزء الـمتروك في الـثاني، و كأنّه لما تقدّم عن بعض من منافاة طول الـزمان مع صدق الارتماس، دون قصره.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم مدخليـة الـزمان طولاً و قصراً في ذلك ـ أنّه قد مرّ أنّ الـمتفاهم عند الـعرف من الـروايات الـواردة في كيفيـة الـغسل الارتماسي، هو أن يكون تمام أجزاء الـبدن تحت الـماء ولو في آن واحد، فإذا لم يتحقّق هذا الأمر، لايتحقّق الـغسل الارتماسي، ففي صورة قصر الـزمان أيضاً لابدّ من الإعادة، لحصول هذا الأمر.
و ثا لـثها: ما عن بعض من جريان حكم الـغسل الـترتيبي، فيغسله فقط إن كان في الأيسر، و يغسله و يعيد على الأيسر إن كان في الأيمن، و يغسله و يعيد على كلا الـجانبين إن كان في الـرأس، ولايقدح طول الـزمان، لما سيأتي من عدم اعتبار الـموالاة في الـغسل الـترتيبي.
و مبنى هذا الـقول: هو الـقول با لـترتيب الـحكمي في الـغسل الارتماسي، كما حكي عن بعض أصحابنا، و احتمله الـشيخ (قدس سره) في محكيّ «الاستبصار» في مقام الـجمع بين الأخبار الـدالّـة على اعتبار الترتيب في الغسل، و الأخبار الدالّـة على كفايـة الارتماس موصوفاً با لـوحدة، و يترتّب عليه الـثمرة في الـمقام، و فيما لو نذر الـغسل الـترتيبي، أو حلف عليه، فإنّه يجزيه الارتماس على هذا الـتقدير.
و يرد عليه: منع الـمبنى، لما عرفت من حكومـة أخبار الارتماس على ما دلّ على


(الصفحة135)


اعتبار الـترتيب، خصوصاً مع الـتعبير فيه بالإجزاء، و مع الـجمع بين الـكيفيتين في بعض الـروايات الـمتقدّمـة، بل لو قطعنا الـنظر عن ذلك، يمكن أن يقال بأنّ دلالـة أخبار الارتماس على عدم اعتبار الـترتيب، أقوى من دلالـة أخبار الـترتيب على اعتباره; لاحتمال ورودها مورد الـغا لـب، لعدم إمكان الارتماس نوعاً في تلك الأزمنـة و الأمكنـة، فتدبّر.
رابعها: ما اختاره في الـمتن تبعاً لجماعـة من أعاظم الـفقهاء، كا لـعلاّمـة في «ا لـمنتهى»، و الـشهيد في جمع من كتبه ـ على ما نسب إليه ـ ، و الـسيّد في «ا لـعروة»، من لزوم إعادة الـغسل من رأس.
و الـوجه فيه: ما عرفت من أنّ الـمستفاد من أخبار الارتماس اعتبار استيلاء الـماء على جميع الـبدن ولو في آن واحد، فإذا لم يتحقّق هذا الأمر، لايتحقّق الـغسل الارتماسي بوجه.
و من الـمعلوم أنّ غسل خصوص الـجزء الـمتروك، لايوجب تحقّقه، و ما مرّ من الاكتفاء با لـغسل في الأنهار و الـجداول إنّما هو لأجل وصول الـماء إليه قبل الـدخول في الـطين، غايـة الأمر عدم اشتراكه مع سائر الأجزاء في حال الإحاطـة و الاستيلاء، بضميمـة وضوح صحّـة الـغسل فيها، و إلاّ فلو فرض إخراج جزء من الـرجل من الـماء بعد وصول الـماء إليه، ثمّ غمس سائر الأجزاء في الـماء، لايكفي ذلك بوجه، فلا موقع لاستفادة حكم الـمقام منه.
و بعبارة اُخرى: يختصّ الـحكم با لـصحّـة بخصوص مثل الـرجل و الـطين، و لايستفاد منه حكم كلّي جارّ في جميع الـموارد، كما هو ظاهر.


(الصفحة136)

مسأ لـة 8: لا تجب الـموالاة في الـترتيبي، فلو غسل رأسه و رقبته أوّل الـنهار، و الأيمن في وسطه، و الأيسر في آخره صحّ1 .



عدم اعتبار الـموالاة في الـترتيبي

(1) لا خلاف ظاهراً في عدم وجوب الـموالاة في الـغسل الـترتيبي، بل عن جماعـة دعوى الإجماع عليه.
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإطلاقات ـ : الـروايـة الـمتقدّمـة الـواردة في قصّـة اُمّ إسماعيل.(1)
و كذا روايـة حريز الـمتقدّمـة أيضاً، الـمشتملـة على قوله: قلت: و إن كان بعض يوم. قال: «نعم».(2)
و كذا روايـة إبراهيم بن عمر الـيماني، عن أبي عبدا لله (عليه السلام) قال: «إنّ علياً (عليه السلام) لم ير بأساً أن يغسل الـجنب رأسه غدوة، و يغسل سائر جسده عند الـصلاة».(3)
و ما رواه صاحب «ا لـمدارك» نقلاً من كتاب «عرض الـمجا لـس» للصدوق بن بابويه، عن الـصادق (عليه السلام) قال: «لا بأس بتبعيض الـغسل، تغسل يدك و فرجك و رأسك، و تؤخّر غسل جسدك إلى وقت الـصلاة، ثمّ تغسل جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثاً من بول، أو غائط، أو ريح، أو منيّ، بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك، فأعد الـغسل من أوّله».(4)
و كما لا تجب الـموالاة با لـنسبـة إلى الأعضاء الـثلاثـة، كذلك لا تجب الـموالاة


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 29، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 29، الـحديث 2.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 29، الـحديث 3.
(4) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 29، الـحديث 4.


(الصفحة137)

مسأ لـة 9: يجوز الـغسل تحت الـمطر، و تحت الـميزاب ترتيباً، لا ارتماساً1 .



في أجزاء عضو واحد; لعدم الـدليل عليه بعد وجود الإطلاقات، مضافاً إلى دلالـة صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة الـواردة فيمن ترك بعض ذراعه، أو بعض جسده من غسل الـجنابـة على الـصحّـة، و إن كانت مشوّشـة كما مرّ.
ثمّ إنّه قد يعرض ما يوجب رعايـة الـموالاة، كما في غسل الـمستحاضـة و الـمسلوس و الـمبطون، حيث تجب الـمبادرة إليه و إلى الـصلاة بعده، من جهـة خوف خروج الـحدث، و قد تقدّم تفصيل الـكلام في الأخيرين، و سيأتي الـبحث في الأوّل إن شاء اللّه تعا لـى. ثمّ إنّ الموالاة و إن لم تكن واجبـة إلاّ أنّه يمكن الالتزام باستحبابها، لما في «ا لـحدائق» من أنّ الأصحاب صرّحوا باستحبابها، و ربّما يستدلّ له بمواظبـة الـسلف و الـخلف من الـعلماء و الـفقهاء، بل الأئمّـة (عليهم السلام) كما أنّه يستدلّ له بعموم آيات الـمسارعـة و الاستباق إلى الـخيرات، و في كليهما مناقشـة واضحـة، فتدبّر.

ا لـغسل تحت الـمطر و الـميزاب

(1) أمّا جواز الـغسل تحت الـمطر و تحت الـميزاب ترتيباً، فمضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه، كما حكي عن «ا لـمستند» و غيره، و إلى الإطلاقات و الـنصوص الـبيانيـة، حتّى ما كان منها مشتملاً على الـتعبير با لـصبّ، لما عرفت من عدم خصوصيـة الـصبّ، و الـمناط هو الـغسل كما وقع الـتعبير به في كثير من تلك الـنصوص، يدلّ عليه الـروايات الـخاصّـة الـدالّـة على الجواز، كصحيحـة علي بن جعفر المرويـة في كتابه، عن أخيه موسى (عليهما السلام) أنّه سأ لـه عن الـرجل يجنب، هل يجزيه من غسل الـجنابـة أن يقوم في الـمطر حتّى يغسل رأسه و جسده، و هو يقدر على ما سوى ذلك؟


(الصفحة138)


فقال: «إن كان يغسله اغتسا لـة با لـماء أجزأه ذلك، إلاّ أنّه ينبغي له أن يتمضمض و يستنشق، و يمرّ يده على ما نا لـت من جسده».
قال: و سأ لـته عن الـرجل تصيبه الـجنابـة، و لا يقدر على الـماء، فيصيبه الـمطر، أيجزيه ذلك، أو عليه الـتيمّم؟
فقال: «إن غسله أجزأه، و إلاّ تيمّم».(1)
و مرسلـة محمّد بن أبي حمزة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في رجل أصابته جنابـة، فقام في الـمطر حتّى سال على جسده، أيجزيه ذلك من الـغسل؟
قال: «نعم».(2)
فإنّ الـقدر الـمتيقّن منهما صورة رعايـة الـترتيب، غايـة الأمر قيام الـمطر مقام الـماء الـخارجي، و إن كان في الـصحيحـة شيء، و هو أنّه بعد الـحكم بجواز الـغسل في الـمطر عند الـقدرة على ما سوى ذلك، لا مجال للسؤال عن الـجواز عند عدم الـقدرة عليه، فإنّه لو كان جائزاً مع وجود الـقدرة، يكون الـجواز مع عدمها بطريق أولى.
ا للهمّ إلاّ أن يقال: بكون الـسؤا لـين قد وقعا في موقعين، و الـجمع بينهما إنّما وقع في الـكتاب.
و كيف كان: فلا إشكال في جواز الـغسل الـترتيبي في الـمطر و شبهه، و لا حاجـة فيه إلى إقامـة دليل خاصّ أصلاً.
و أمّا الـغسل الارتماسي فجوازه في مثل الـمطر محلّ خلاف، فا لـمحكيّ عن الـحلّي و الـمحقّق في «ا لـمعتبر» و غيرهما الـمنع، و قد اختاره في الـمتن.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 10 و 11.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 14.


(الصفحة139)


و عن الـشيخ و الـعلاّمـة و الـشهيدين و غيرهم الـجواز.
نعم، ظاهرهم أنّه ملحق في سقوط الـترتيب بالارتماس، لا أنّه من مصاديقه، و إن اختلفوا من جهـة أنّ الـشيخ أ لـحق الـجلوس تحت الـمجرى و الـمطر فقط، و الـعلاّمـة في «ا لـتذكرة» أ لـحق الـميزاب و شبهه به أيضاً، و عن بعض إلحاق الـصبّ بالإناء دفعـة به أيضاً.
و يرد عليهم: أنّه إن كان مستندهم في ذلك تنقيح الـمناط، بدعوى الـقطع بعدم مدخليـة الـرمس في الـماء في صحّـة الـغسل، و إنّما الـمناط إحاطـة الـماء با لـبدن دفعـة عرفيـة، فا لـجواب ما اُفيد من أنّه ـ مضافاً إلى منع تحقّق الإحاطـة دفعـة في مثل الـمطر و نحوه، إلاّ إذا كان الـمطر غزيراً، فجرى على جميع الـبدن، ثمّ نوى الـغسل ـ يرد عليه أنّ دعوى الـقطع بذلك في مثل هذه الأحكام الـتعبّديـة، تكون عهدتها على مدّعيها، و لا يمكن لنا الـجزم بذلك.
و إن كان مستندهم الـروايات الـخاصّـة الـمتقدّمـة، فيرد عليهم ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم كون الـمطر مستولياً على جميع الـبدن، و محيطاً به إلاّ أن يقال: بأ نّه على هذا الـتقدير لا مجال لاعتبار الإحاطـة دفعـة ـ أنّ الـظاهر عدم كون الـروايات مسوقـة إلاّ لبيان كفايـة الـمطر عن الـماء، و لا دلالـة لها على مطلوبهم أصلاً.
و لو سلّم فأدلّـة الـترتيب مقيّدة لإطلاقها، إلاّ أن يقال: بأنّ الـنسبـة حينئذ عموم من وجه، و لا مرجّح لأدلّـة الـترتيب في مادّة الاجتماع.
و الـجواب: أنّ ظهورها في اعتبار الـترتيب أقوى من ظهور هذه الـروايات في نفيه. نعم، لو كان بينهما الـتساوي في الـظهور لكان الـمرجع حينئذ إطلاق الـنصوص، الـخا لـيـة عن الـتعرّض للترتيب.


(الصفحة140)


ثمّ لو كان مفاد الـروايات سقوط الـترتيب في الـمطر، كما في الارتماس، فهل يجوز الـتعدّي عن الـمطر إلى غيره، كا لـمجرى و الـميزاب، أو لايجوز، فلا يسقط فيهما فضلاً عن الـصبّ بالإناء دفعـة واحدة؟
ا لـظاهر أنّه لا وجه للتعدّي; لأنّ سقوط الـترتيب في الـمطر يمكن أن يكون لأجل خصوصيـة فيه غير موجودة في الـميزاب و نحوه، فلا وجه للإلحاق الـذي اختاره الـشيخ و الـعلاّمـة، فضلاً عمّا اختاره بعض آخر.
و يمكن أن يوجّه الإلحاق بأنّ أصل اعتبار الـترتيب لم يثبت من الأدلّـة اللفظيـة، بل الـدليل عليه إنّما هو الإجماع، و الـقدر الـمتيقّن من معقده غير الـمطر و شبهه، فلا دليل على اعتبار الـترتيب في مثله.
و يحتمل أن يقال بعدم اعتبار الـترتيب رأساً; لأنّ الأخبار الـدالّـة عليه جاريـة مجرى الـعادة، أو محمولـة على بيان أفضل الأفراد، و عليه فلا فرق بين أنواع غسل الـجسد أصلاً.
ولكنّك عرفت فيما تقدّم بطلان كلا الاحتما لـين; لأنّ الـترتيب لا ينحصر دليله بالإجماع، بل الـعمدة في دليله هى الـروايات الـواردة فيه، الـدالّـة عليه، و لا مجال لحملها على كونها جاريـة مجرى الـعادة، بعد ظهورها في اعتبار الـترتيب.
كما أنّك عرفت أنّ روايات الـغسل في الـمطر لا تفي بسقوط الـترتيب فيه، فلا مجال للغسل الارتماسي في الـمطر، مع عدم إحاطـة الـماء بجميع الـبدن في آن واحد.
نعم، لوكان غزيراً بحيث أحاط بجميعه كذلك، لامانع من الـغسل تحته، كما أنّه في الميزاب وا لمجرى إذا كانا كذلك، لايقدح الـغسل الارتماسي تحتهما; لصدق الارتماس فيها، فيدلّ على حكمها نصوص الارتماس، من دون حاجـة إلى نصّ خاصّ، كما لايخفى.

<<التالي الفهرس السابق>>