في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة301)


بين الـوضوء و الـغسل، و الـتعرّض لخصوصه فيها إنّما هو لأجل غلبـة الـخوف فيه، كما لايخفى.
ا لـثاني: أنّه ربّما يمكن أن تتوهّم الـمعارضـة بين هذه الـطائفـة، و بين بعض الروايات الـظاهر في الـرخصـة، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام)عن الـرجل يكون به الـقرح و الـجراحـة يجنب.
قال: «لابأس بأن لايغتسل، يتيمّم».(1)
فإنّ نفي الـبأس عن ترك الـغسل ظاهر في الـجواز و ثبوت الـرخصـة، ولكنّ الـظاهر أنّ مفاد الـجملـة الاُولى إنّما هو الـترخيص; لرفع توهّم عدم جواز الـترك و إن كان به الـقرح و الـجراحـة، و الـجملـة الـثانيـة الآمرة با لـتيمّم ظاهرة في تعيّنه و عدم جواز تركه، مع أنّه كثيراً ما يعبّر بعدم البأس في موارد الـتعيّن أيضاً، كقول أبي جعفر (عليه السلام)في روايـة زرارة: «إذا كنت في حال لاتجد إلاّ الـطين، فلابأس أن يتيمّم به»،(2) مع أنّ الـتيمّم با لـطين عند عدم وجدان غيره لازم.
مع أنّ نقل صحيحـة ابن مسلم مختلف، فقد روى الـصدوق بإسناده عنه أنّه سأل أباجعفر (عليه السلام) عن الـرجل يكون به الـقروح و الـجراحات فيجنب.
فقال: «لا بأس بأن يتيمّم، و لايغتسل».(3)
و لعلّ ظهورها في الـرخصـة ـ على تقديره ـ أقوى من ظهور الـنقل الـمذكور.
و روى الـشيخ (قدس سره) بإسناده عنه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـجنب به


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 5.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 3.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 11.


(الصفحة302)


ا لـجرح فيتخوّف الـماء إن أصابه.
قال: «فلا يغسله إن خشى على نفسه».(1)
و ليس فيه الأمر با لـتيمّم، بل ظاهره نفي وجوب غسل الـجرح با لـماء، و مع ذلك فكيف يمكن الاعتماد على مثلها في استفادة الـرخصـة، و رفع الـيد عن الـروايات الـمتقدّمـة الـظاهرة في الـعزيمـة؟!
ا لـطائفـة الـثانيـة: ما وردت في مورد خوف الـعطش، كموثّقـة سماعـة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يكون معه الـماء في الـسفر فيخاف قلّته.
قال: «يتيمّم با لـصعيد و يستبقى الـماء، فإنّ اللّه عزّوجلّ جعلهما طهوراً: الـماء و الـصعيد».(2)
و روايـة محمّد الـحلبي قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): الـجنب يكون معه الـماء الـقليل، فإن هو اغتسل به خاف الـعطش، أيغتسل به أو يتيمّم؟
فقال: «بل يتيمّم، و كذلك إذا أراد الـوضوء».(3)
و دلالـة الـروايتين على تعيّن الـتيمّم، بملاحظـة الأمر به الـظاهر في الـتعيّن، و كذا بملاحظـة شمول خوف الـعطش لصورة خوف الـهلاك قطعاً، خصوصاً في تلك الأزمنـة و تلك الأسفار، و من الـواضح أنّه لايمكن الـترخيص في هذه الـصورة، واضحـة جدّاً.
و صحيحـة عبدا للّه بن سنان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه قال في رجل أصابته جنابـة


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 42، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 3.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 2.


(الصفحة303)


في الـسفر، و ليس معه إلاّ ماء قليل، و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش.
قال: «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم با لـصعيد، فإنّ الـصعيد أحبّ إليّ».(1)
و روايـة ابن أبي يعفور قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب و معه من الـماء قدر ما يكفيه لشربه، أو يتيمّم أو يتوضّأ به؟
قال: «يتيمّم أفضل، ألاترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الـطهور».(2)
و يمكن أن يقال: إنّ صحيحـة ابن سنان و إن كانت ظاهرة في تعيّن الـتيمّم من جهـة الـنهي عن إهراق قطرة من الـماء، و الأمر با لـتيمّم الـظاهر في الـتعيّن، لكنّ الـتعليل بأنّ الـصعيد أحبّ له ظهور أقوى في بقاء الـمحبوبيـة في الـغسل أيضاً، كما هو مقتضى ظاهر صيغـة الـتفضيل، و روايـة ابن أبي يعفور صريحـة في أفضليـة الـتيمّم، فهاتان الـروايتان لاتجتمعان مع الـسابقتين الـظاهرتين في الـعزيمـة، كما عرفت.
و الـجواب عنه: أنّ الـتعبير بالأحبّيـة لاينافي الـتعيّن، كما يدلّ عليه ملاحظـة موارد استعمالاتها، مثل قوله (عليه السلام) في الإفطار تقيّـة: «أي وا للّه أفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي».(3)
مع أنّ شمول خوف الـعطش لصورة خوف الـهلاك قطعاً، يمنع عن كون الـمراد ذلك، و منه يظهر عدم دلالـة روايـة ابن أبي يعفور على الـرخصـة، خصوصاً مع ملاحظـة أنّ محطّ الـسؤال فيها إنّما هو أنّ الـمتعيّن هل هو الـتيمّم أو الـوضوء؟


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 4.
(3) وسائل الـشيعـة، الـصوم، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 57، الـحديث 4.


(الصفحة304)


و مع ملاحظـة الـتعليل بأنّه إنّما جعل عليه نصف الـطهور، الـظاهر في أنّ الـمجعول هو خصوص الـتيمّم، و لايجتمع ذلك مع كونه أفضل فردي الـواجب الـتخييرى، كما هو ظاهر، هذا تمام الـكلام في الـمقام الأوّل.
ا لـمقام الـثاني: في أنّه لو خا لـف من كان فرضه الـتيمّم على نحو الـتعيّن و الـعزيمـة فتوضّأ أو اغتسل، فهل تكون طهارته باطلـة مطلقاً، أم لا كذلك، أو فيه تـفصيل؟
و الـكلام فيه يقع تارة فيما هو مقتضى الـقواعد الـعامّـة، و اُخرى فيما تقتضيه الأدلّـة الـخاصّـة، فا لـبحث يقع من جهتين:
أمّا من الـجهـة الاُولى فنقول: لاينبغي الإشكال في الـصحّـة إذا كان الـتعيّن لأجل الـتوقّف على مقدّمـة محرّمـة منحصرة، كطيّ طريق مغصوب أو مخوف، فإنّه مع الـمخا لـفـة و الـعصيان و سقوط الـنهي، تجب عليه الـطهارة الـمائيـة، و تصير مأموراً بها، فلا مانع من صحّتها أصلاً، كما لايخفى.
و أمّا إذا كان الـمحرّم من الـعناوين الـمتّحدة مع الـطهارة الـمائيـة، فربّما يقال فيه با لـبطلان، و الـوجه فيه أحد اُمور:
الأوّل: امتناع تعلّق الأمر و الـنهي با لـفعل الـواحد الـشخصي; إمّا للتضادّ بين الـحكمين الـموجب للامتناع الـذاتي لاستحا لـة اجتماع الـضدّين، و إمّا لتعذّر الامتثال الـمستلزم لثبوت الامتناع الـعرضي في الـبين، و على أيّ تقدير فلا مجال لاجتماع الـتكليفين.
و الـجواب: أنّا قد حقّقنا في محلّه بما لامزيد عليه أنّه يجوز اجتماع الأمر و الـنهي، و لايلزم الامتناع الـذاتي و لاا لـعرضي بوجه; لأنّ متعلّقهما هو الـماهيات


(الصفحة305)


و الـطبائع و هي متعدّدة في مثل الـمقام، فإنّ ماهيـة الـوضوء و الـغسل و طبيعتهما تغاير ماهيـة الـغصب و الـتصرّف في مال الـغير مثلاً.
و أمّا الـوجود الـعنواني لها كعنوان وجود الـوضوء و وجود الـغصب و كذا الـوجود الـخارجي، فلا يكون شيء منهما متعلّقاً للحكم أصلاً; لعدم مدخليـة الـوجود في معاني الألفاظ الـواقعـة متعلّقـة للأحكام، مع أنّه على تقديره يكون هنا عنوانان; أحدهما وجود الـوضوء، و الآخر وجود الـغصب.
و أمّا الـوجود الـخارجي فلا يعقل أن يتعلّق به الـحكم; لأنّ الـخارج ظرف الـسقوط لا الـثبوت، لاستلزامه تحصيل الـحاصل، أو الـزجر عنه.
و من هنا يظهر: أنّه لامجال لأن يقال إنّ الـماهيات إنّما تتعلّق بها الأحكام بما أ نّها مرآة للمصاديق و الـوجودات الـخارجيـة، و ذلك لأ نّه مضافاً إلى ما عرفت من امتناع كون الـوجود الـخارجي متعلّقاً للحكم ولو كان واحداً، يدفعه أنّ الـمرآتيـة ممتنعـة، فإنّ اللفظ الـموضوع للطبيعـة لايكاد يحكي إلاّ عن نفسها، و لايعقل أن يكون مرآتاً للوجود الـخارجي، و على تقديره فا لـمحكيّ به إنّما هو مصداقها بما هو كذلك، لا الـمقارنات و الـمتّحدات، كما هو ظاهر.
و ممّا ذكرنا يظهر: بطلان دعوى الامتناع عرضاً لتعذّر الامتثال، فإنّه بعد اختلاف الـمتعلّقين، و تغاير الـماهيتين، و ثبوت الـمندوحـة في الـبين لإمكان الـتيمّم على ما هو الـمفروض، لا يتعذّر الامتثال.
ا لـثاني: أنّ تعلّق الـنهي بشيء يكشف عن قبح ذلك الـشيء بلحاظ مفسدته، و مع اتّصافه با لـقبح يمتنع تعلّق الأمر به; لأنّ الأمر بما هو قبيح قبيح، كما هو واضح.
وا لجواب: ما ذكرنا من أنّ الأمر لم يتعلّق بما تعلّق به الـنهي حتّى يلزم ما ذكر، لما


(الصفحة306)


عرفت من تغاير الـمتعلّقين، لأنّ الـمتعلّق هي الـطبيعـة و الـماهيـة، فلا وجه لذلك.
ا لـثا لـث: أنّ الـفرد الـخارجي إنّما يعرضه صفـة الـحسن أو الـقبح باعتبار جهته الـقاهرة، فما يوجده الـمكلّف ليس من حيث صدوره عنه إلاّ حسناً أو قبيحاً على سبيل مانعـة الـجمع، لامتناع توارد الـوصفين الـمتضادّين على الـفعل الـخاصّ، الـصادر من الـمكلّف من حيث صدوره منه، فا لـفرد الـخارجي من الـصلاة الـذي يتحقّق به الـغصب الـمحرّم على الإطلاق، يمتنع أن يطلبه الـشارع، ضرورة أنّ الأمر بشيء في الـجملـة ينافي الـنهي عنه على الإطلاق.
و الـجواب: أنّه إن كان الـنظر إلى اجتماع الـحكمين ولو في مورد، فقد عرفت أنّ الـحكمين لايجتمعان بوجه; لاختلاف الـمتعلّقين دائماً لأجل تغاير الـحقيقتين، و إن كان الـنظر إلى امتناع عروض صفتي الـحسن و الـقبح معاً على الـفرد الـخارجي، لأنّهما وصفان متضادّان.
فيرد عليه: أنّ الـحسن و الـقبح ليسا من الأعراض الـخارجيـة الـحالّـة في الـموضوع، كا لـسواد و الـبياض حتّى لايكفي اختلاف الـجهـة في رفع الـتضادّ بينهما، ضرورة أنّ قبح الـظلم مثلاً لايكون له صورة خارجيـة حالّـة فى الـجسم، بل هو أمر اعتباري عقلي، و كذا حسن الـعدل مثلاً.
و عليه فيمكن أن يكون شيء واحد ذا عناوين حسنـة و قبيحـة، و لايسري الـقبح من عنوانه إلى عنوان الـحسن، فإنّ الـجهات في الاُمور الـعقليـة تقييديـة، فتكون الـحيثيات بما هي موضوعـة للحسن و الـقبح.
و ممّا ذكرنا يظهر: الـنظر فيما قيل من وقوع الـكسر و الانكسار، في الـجهات الـمقتضيـة، و تمحّض الـفعل في الـجهـة الـقاهرة، فا لـفعل الـواحد الـصادر من


(الصفحة307)


ا لـمكلّف لايكون إلاّ حسناً أو قبيحاً على الـنحو الـمذكور، و هو منع الـجمع.
وجه الـنظر: ما عرفت من أنّ الـفعل الـخارجي مجمع الـعناوين الـمتعدّدة، و مع فرض كون بعضها قبيحاً، و الـبعض الآخر حسناً، و فرض قاهريـة أحد الأمرين على الآخر، لايلزم خروج الـجهـة الـمقهورة عن وصفها الاُولى، فإنّ مرجع الـقاهريـة ليس إلى الـسرايـة و فناء وصف الـمقهور، بل إلى الأهمّ و الـمهمّ، فلا يعقل أن تكون نتيجـة الـكسر و الانكسار إعدام الـجهـة الـمقهورة، بل هي باقيـة على ما كانت و إن كان مقتضى حكم الـعقل هو لزوم الأخذ با لـجهـة الـقاهرة; لأنّها أهمّ.
ا لـرابع: امتناع كون شيء واحد شخصي مقرّباً و مبعّداً معاً، و ذا مصلحـة و مفسدة كذلك، فلامحيص إلاّ من ثبوت إحدى الـجهتين.
و الـجواب يظهر ممّا ذكرنا، فإنّ الـمقرّبيـة و إن كانت من لوازم الـوجود الـخارجي، إلاّ أنّ اتّصاف الـوجود الـخارجي بها إنّما هو لأجل كونه مصداقاً لعنوان كذلك، فلا ينافي ثبوت عنوان الـمبعّديـة لذلك الـوجود باعتبار كونه مصداقاً لعنوان آخر، و ليست الـمقرّبيـة و الـمبعّديـة كالأعراض الـخارجيـة الـمتضادّة حتّى لايكفي اختلاف الـعنوان في الـجمع بينهما.
و من هنا يورد على بعض الأعاظم (قدس سره) حيث جمع بين الـقول بجواز اجتماع الأمر و الـنهي، و بين الـقول ببطلان الـمجمع إذا كان عبادة كا لـصلاة في الـدار الـمغصوبـة; نظراً إلى امتناع كون شيء واحد مقرّباً و مبعّداً، فإنّه مع الالتزام باختلاف الـمتعلّقين، و جواز اجتماع الـحكمين، لاوجه للإشكال في صحّـة الـعبادة بعد ثبوت وصف الـمقرّبيـة لها بما هي صلاة و إن كانت مبعّدة بما هي غصب، فتدبّر.
هذا كلّه فيما إذا كان الـمحرّم من الـعناوين الـمتّحدة مع الـطهارة الـمائيـة. و أمّا


(الصفحة308)


إذا توقّف فعلها على مقدّمـة مقارنـة محرّمـة، فالأمر فيه أوضح لعدم كونه متّحداً مع الـمحرّم حتّى يجري فيه بعض الاُمور الـمذكورة.
نعم، ربّما يقال هاهنا: بأنّ الأمر بما يتوقّف على الـقبيح قبيح كالأمر با لـقبيح، بل هو هو، فإنّ الأمر با لـشيء يقتضي إيجاب ما يتوقّف عليه، و لاأقلّ من أنّه يقتضي جوازه، و الـمفروض حرمـة الـمقدّمـة، فيمتنع أن يكون ما يتوقّف عليه واجباً.
و فيه: أنّه إن اُريد بالامتناع ما يرجع إلى امتناع اجتماع الأمر و الـنهي، فيرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى الـتحقيق عدم وجوب الـمقدّمـة ـ ما عرفت من منع الـمبنى و جواز الاجتماع، و إن اُريد به قبح نفس تعلّق الأمر بما يتوقّف على مقدّمـة محرّمـة، فيرد عليه منع الـقبح على فرض، و منع الـتعلّق على فرض آخر، يتّضح با لـتأمّل فيما ذكرناه.
و قد يقال: بعدم إمكان تصحيح الـوضوء الـمتوقّف على الاغتراف من الآنيـة الـمغصوبـة; لاشتراط تحقّقه في الـخارج بقصد حصول عنوانه بداعي الـتقرّب، فيكون الـقصد الـمحصّل لعنوانه من مقوّمات ماهيـة الـمأمور به، فيشترط فيه عدم كونه مبغوضاً للشارع، فغسل الـوجه إنّما يقع جزء من الـوضوء إذا كان الآتي به بانياً على إتمامه وضوءً، و هذا الـبناء ممّن يرتكب الـمقدّمـة الـمحرّمـة قبيح، يجب هدمه، و الـعزم على ترك الـوضوء بترك الـغصب، فلايجوز أن يكون هذا الـعزم من مقوّمات الـعبادة، بل الـعزم على ذي الـمقدّمـة عزم على إيجاد مقدّمته إجمالاً ولدى الـتحليل، لا أنّه موقوف عليه.
و فيه: أنّ ما هو الـقبيح هو الـعزم على الـغصب، لا الـعزم على إتمام الـوضوء، و حكم الـعقل بلزوم ترجيح جانب الـغصب و هدم الـعزم، ليس لأجل كون الـوضوء أو عزمه قبيحاً أو حراماً، بل لأجل ترجيح الأهمّ، فما هو من مقوّمات ماهيّـة الـوضوء هو


(الصفحة309)


ا لـعزم على الـوضوء متقرّباً به إلى اللّه، و ما هو قبيح هو الـعزم على الـمعصيـة و الـتصرّف في الآنيـة الـمغصوبـة.
مع أنّ ما ذكره أخيراً: من كون الـعزم على ذي الـمقدّمـة عزم على إيجاد مقدّمته، ممّا لايمكن الـمساعدة عليه، فإنّ الـعزم و الإرادة من الأوصاف ذات الإضافـة، و يكون تشخّصها بمتعلّقها، و مع تعدّد الـمتعلّق لاتعقل وحدة الـصفـة، مضافاً إلى أنّ الإرادة تتوقّف على مبادئ مخصوصـة، و الـمبادئ فيهما مختلفـة، و مع اختلاف الإرادتين لايبقى مجال للقول بقبح الـعزم على إتمام الـوضوء.
و بما ذكرنا ظهر: فساد ما ربّما يقال من أنّه لايعقل الأمر با لـوضوء مع الـمقدّمـة الـمحرّمـة الـمنحصرة، للزوم الأمر بما يلازم الـحرام و هو قبيح، بل محال مع بقاء الـنهي على فعليته، كما هو الـمفروض، لما عرفت من تعلّق الأمر و الـنهي با لـعناوين، و لايسري حكم عنوان إلى آخر و إن اتّحد الـعنوانان في الـخارج، و الـحاكم في مقام الامتثال من جهـة كيفيته، و ترجيح الـراجح على الـمرجوح إنّما هو الـعقل، ولو فرض ورود حكم من الـشارع بلحاظ هذا الـمقام، فلابدّ أن يكون إرشاداً إلى حكم الـعقل، نعم إذا كان بين الـعنوانين تلازم، فلا مجال لجعل الـحكمين الـمتضادّين عليهما، ولكنّه خارج عن محلّ الـبحث.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّه لا حاجـة في إثبات الأمر با لـوضوء مع مزاحمته بالأهمّ إلى الـتشبّث بذيل مسأ لـة الـترتّب الـمعروفـة، بناء على صحّته في نفسه; لثبوت الإطلاق لدليل الـمتزاحمين الـشامل لحال الـتزاحم من غير تقييد، و إنّما يحكم الـعقل بلزوم الأخذ بالأهمّ و ترك الـمهمّ مع كونه مأموراً به، و يكون الـمكلّف معذوراً في ترك الـمهمّ، إذا اشتغل بالأهمّ، و مع الـعكس أتى با لـمأمور به و يثاب عليه، ولكنّه لايكون معذوراً


(الصفحة310)


في ترك الأهمّ، كما أنّه إذا تركهما يستحقّ الـعقوبـة على كليهما.
هذا كلّه بناء على احتياج صحّـة الـعبادة إلى الأمر، ولكنّ الـحقّ خلافه، بل لايبعد الـقول با لـصحّـة مع الالتزام بكون الأمر با لـشيء يقتضي الـنهي عن ضدّه; لعدم اقتضاء الـنهي الـغيري للفساد، كما هو ظاهر، و على أيّ تقدير لاإشكال في صحّـة الـوضوء في الـفرض الـذي هو مورد الـبحث با لـنظر إلى الـقاعدة الـعقليـة.
و أمّا من الـجهـة الـثانيـة: فيقع الـكلام تارة في الـبطلان في الـموارد الـتي سقط الـتكليف الأوّلي بدليل الـعسر و الـحرج، و اُخرى فيه في الـموارد الـتي دلّت على الـسقوط فيها الـروايات الـخاصّـة، فهنا مقامان:
الأوّل: في الـبطلان في موارد جريان دليل الـعسر و الـحرج، و قد حقّق الـكلام في هذا الـمقام الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» بما لامزيد عليه، و ملخّصه مع تقريب و تقديم و تأخير منّا: «أنّ الأقرب هو الـبطلان، للتعليل الـمستفاد من الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـصوم، قال اللّه تعا لـى: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَ بَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).(1) فإنّه يجري فيه احتمالات:
أحدها: أن يكون متعلّق الـتكليف هو نفس عنوان صوم الـمريض و الـمسافر، فهو بهذا الـعنوان موضوع للحرمـة، و إرادة الـيسر أو عدم إرادة الـعسر يكون واسطـة في ثبوت الـحكم لموضوعه.
ثانيها: أن يكون الـمتعلّق للحكم هو عنوان إبقاء الـيسر و عدم هدمه، فا لـحكم


(1) البقرة / 185.


(الصفحة311)


ا لـمتحقّق في الـمقام هو الـحكم الـوجوبي الـثابت على هذا الـعنوان، و لايكون شيء آخر متعلّقاً للحكم، و لايكون هنا حكم آخر أصلاً.
ثا لـثها: أن يكون الـحكم هو الـحرمـة، و متعلّقها عنوان إيقاع الـعسر على الـنفس، من دون أن يكون متعلّقاً بشيء آخر، أو يكون هنا حكم آخر.
و الـثمرة تظهر في بطلان الـعبادة و عدمه، فعلى الأخيرين لا يلزم الـبطلان; لعدم كون الاتّحاد مع الـعنوان الـمحرّم أو الـمضادّة للواجب الأهمّ موجباً للبطلان بوجه، و على الأوّل تبطل; لتعلّق الـحرمـة بنفس عنوان الـعبادة.
و أقرب الاحتمالات هو الأوّل لأحد الأمرين:
الأمر الأوّل: مفهوم قوله تعا لـى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، بناء على ثبوت الـمفهوم أوّلاً، و كون الـمفهوم في مثله ممّا كان الـجزاء هي الـهيأة الـدالّـة على الـبعث هي الـهيأة الـدالّـة على الزجر ثانياً، و كلا الأمرين و إن كانت فيهما مناقشـة مذكورة في محلّه، إلاّ أ نّه لايبعد دعوى مساعدة الـعرف عليهما في مثل الآيـة ممّا كان الـجزاء من قبيل الـهيأة دون الـمعنى الاسمي، فا لـمفهوم في الـمقام: و من لم يشهد منكم الـشهر فلا يصمه.
و تؤيّده، بل تدلّ عليه في الـمورد روايـة عبيد بن زرارة ـ الـتي لايبعد أن تكون حسنـة على روايـة الـصدوق ـ قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): قوله عزّوجلّ: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
قال: «ما أبينها، من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه».(1)
و روايـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، الـتي رواها في «مجمع الـبيان»، أ نّه قال لمّا


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 8.


(الصفحة312)


سئل عن هذه الآيـة: «ما أبينها لمن عقلها قال: من شهد شهر رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر»، و مع الأمر بالإفطار في هذه الـروايـة كالأمر با لـصيام، لايبقى مجال لتوهّم أنّ الـنهي عن الـصوم ـ كما في الـروايـة الـسابقـة ـ لعلّه وارد مورد توهّم الـوجوب، فلا دلالـة له على أزيد من نفي الـوجوب، فتدبّر.
الأمر الـثاني: إطلاق قوله تعا لـى: (وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)، حيث يدلّ على أنّ نفس الـمرض و الـسفر توجب عدّة من أيّام اُخر، من غير دخا لـة شيء آخر من إفطار أو غيره فيه، و لاشبهـة في أنّ هذه الـعدّة بدل و قضاء لشهر رمضان; لأنّ الـمستفاد من الـكريمـة أنّ الـواجب الأصلي هو صوم الـشهر، فإذا وجب الـقضاء بمجرّد طروّ أحد الـعنوانين مطلقاً، فلابدّ و أن يكون صومهما في الـشهر باطلاً، و إلاّ يلزم أن يكون وجوب الـقضاء مقيّداً بعدم الـصوم فيه، و هو خلاف إطلاق الآيـة، فتدبّر.
و يدلّ على ثبوت الإطلاق ـ مضافاً إلى ظهور الآيـة في نفسها ـ روايـة الـزهري، عن علي بن الـحسين (عليهما السلام) في حديث قال: «و أمّا صوم الـسفر و الـمرض، فإنّ الـعامّـة قد اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لايصوم، و قال قوم: إن شاء صام و إن شاء أفطر، و أمّا نحن فنقول: يفطر في الـحا لـين جميعاً، فإن صام في حال الـسفر أو في حال الـمرض فعليه الـقضاء، فإنّ اللّه عزّوجلّ يقول: (وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ) فهذا تفسير الـصيام».(1) فإنّ الاستشهاد بالآيـة، سيّما في مقابل الـعامّـة، يدلّ على دلالتها على الـبطلان في نفسها من دون إعمال تعبّد.
و يدلّ على بطلان الـصوم في الـسفر روايات كثيرة بتعابير مختلفـة، كتسميـة


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 2.


(الصفحة313)


ا لـصائم فيه عاصياً، أو أنّه لايصلّي على من مات صائماً في الـسفر، أو أنّ الـصوم فيه ليس من الـبرّ، أو أنّ الـصائم في شهر رمضان في الـسفر كا لـمفطر فيه في الـحضر، و مثل ذلك من الـتعبيرات الـظاهرة في كونه بنفسه محرّماً و باطلاً.
هذا بالإضافـة إلى الـصوم و أمّا الـتطبيق على الـمقام فمن وجهين:
ا لـوجه الأوّل: اشتراك الآيتين في الـتعبيرات و بيان الـحكم، فإنّ قوله تعا لـى في آيـة الـتيمّم: (وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر) إلى قوله: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، إنّما هو كقوله تعا لـى في آيـة الـصوم: (وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)فكما أنّ مقتضى إطلاقه وجوب الـقضاء ولو مع الـصوم في الـشهر، فكذلك مقتضى إطلاقه وجوب الـتيمّم ولو مع الـوضوء، و هذا لايجتمع مع صحّـة الـوضوء، كما لايخفى.
مع أنّ تمسّك الأئمّـة (عليهم السلام) بآيـة الـصوم للحرمـة تارة بمفهوم قوله تعا لـى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) كما في روايـة الـزهري، و اُخرى بقوله تعا لـى: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)كما في روايتي زرارة و ابنه، مع كونها في مقام الامتنان، و سياقها كسياق آيـة الـتيمّم دليل على بطلان ما ذكره الـمتأخّرون من أنّ الـرفع في مقام الامتنان لا دلالـة له على الـعزيمـة و الـبطلان على فرض الـتخلّف، ضرورة أنّه معه لا موقع للتمسّك، فيدلّ ذلك على أنّ جعل الـتيمّم بدل الـوضوء أيضاً يكون كذلك.
ا لـوجه الـثاني: أنّ الـقضايا الـمشتملـة على الـتعليل الـمعمّم لاظهور لها في أنّ موضوع الـحكم حقيقـة إنّما هو حيثيـة الـعلّـة، بحيث لايكون مااُخذ في ظاهر الـقضيّـة موضوعاً عنواناً للموضوع أصلاً، بل الـظاهر بحسب نظر الـعرف كون الـموضوع هو نفس ذلك الـعنوان، غايـة الأمر أنّ حيثيـة الـعلّـة واسطـة في ثبوت


(الصفحة314)


ا لـحكم لموضوعه، فقوله: «ا لـخمر حرام لأنّه مسكر» ظاهر عرفاً في أنّ موضوع الـحرمة هو الـخمر، وأنّ الـمسكريـة واسطـة لثبوت الـحكم على نفس عنوان الخمر.
و لاينافي ذلك كون الـعلّـة معمّمـة; لأنّ معنى الـتعميم لايرجع إلى ثبوت الـحكم لنفس حيثيـة الـعلّـة، بل يرجع إلى ثبوتها في جميع موارد تحقّقها و إن كان الـموضوع هي الـعناوين الـتي تكون الـعلّـة ثابتـة في مواردها، كما لايخفى.
و عليه فيصير الـمتفاهم من الآيـة: أنّ صوم الـمريض و الـمسافر حرام بعنوانه، لأجل إرادة الـيسر، و مقتضى تعميم الـعلّـة أنّ جميع ما يلزم منه الـحرج و الـعسر بعنوانه حرام، فا لـوضوء الـحرجي بعنوانه حرام، فيكون باطلاً، و كذا الـغسل الـحرجي.
و مثله الـكلام في عنوان ردّ الـصدقـة، الـذي تدلّ عليه روايـة يحيى بن أبي ا لـعلاء، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «ا لـصائم في الـسفر في شهر رمضان كا لـمفطر فيه في الـحضر».
ثمّ قال: «إنّ رجلا ً أتى الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، أصوم شهر رمضان في الـسفر؟
فقال: لا.
فقال: يا رسول اللّه، إنّه عليّ يسير.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ اللّه تصدّق على مرضى اُمّتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أيحبّ أحدكم لو تصدّق بصدقـة أن تردّ عليه صدقته».
(1)
و الـظاهر منها هي حرمـة عنوان الـصوم لعلّـة كونه ردّ الـصدقـة، فيجري في


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 5.


(الصفحة315)


جميع موارد ثبوت الـعلّـة كا لـمقام.
و ليعلم أنّ هاهنا نكتـة اُخرى في باب الـتكا لـيف الـحرجيـة، و هي أنّه لو سلّم عدم دلالـة دليل نفي الـحرج على بطلان متعلّقات الـتكا لـيف الـنفسيـة الـحرجيـة، لدعوى بقاء الـجواز، بل الـرجحان مع رفع الإلزام، أو دعوى كفايـة ما يقتضي الـطلب و محبوبيـة الـفعل لصحّته، لكن لا يسلّم ذلك فيما إذا كان شرط الـمأمور به أو جزئه حرجياً; لأنّ مرجع نفي الـحرج فيه إلى نفي الـجزئيـة و الـشرطيـة، فيكون الـمأمور به هو الـفاقد لهما، ولو بدل الـشرط أو الـجزء بالآخر يكون الـمأمور به فعلاً هي الـطبيعـة الـمتقيّدة با لـبدل أو الـمشتملـة عليه، فالإتيان به مع الـجزء الـساقط زيادة في الـمأمور به الـفعلي، و الاكتفاء به مع فرض الـتبديل غير مجز عن الـواقع، و مجرّد الاقتضاء لايوجب عدم الـزيادة وجواز الاكتفاء بما فيه الاقتضاء، فا لصلاة الـمشروطة با لـتيمّم أو الـطهارة الـحاصلـة منه هي الـمأمور بها فعلاً، فالآتي بها مع الـوضوء أو الـغسل آت بغير شرطها، و كذا في تبديل الـجزء.
و دعوى حصول الـطهارة الـكاملـة با لـمائيـة غير متّضحـة، و الأكمليـة في تحصيل الـغرض لاتوجب الـوحدة واقعاً; لاحتمال كونهما صنفين أحدهما أفضل من الآخر، مع أنّ في أصل الـدعوى كلاماً لقوّة احتمال أن يكون الـطهور عبارة عن نفس الـوضوء و الـغسل و الـتيمّم، لا الأمر الـحاصل منها، مع أنّه أقرب بظواهر الأدلّـة و كلمات الأصحاب.
فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى دليل نفي الـحرج رفع شرطيـة الـطهارة الـمائيـة، و مقتضى جعل الـتيمّم بدلاً اشتراط الـصلاة به فعلاً، و قضيتهما بطلان الـصلاة مع الاكتفاء با لـمائيـة.


(الصفحة316)


ولو قلنا: بأنّ مقتضى دليل نفي الـحرج رفع سببيـة الـوضوء و الـغسل للطهارة، و مقتضى جعل الـبدل جعل الـسببيـة له، لكان الـبطلان أوضح، و إن كان الـشرط حينئذ هو الأمر الـحاصل منها.
ا لـمقام الـثاني: في ملاحظـة حال سائر الأدلّـة الـدالّـة على سقوط الوضوء أو الـغسل، مثل ما ورد في الـقرح و الـجرح و الـخوف على الـنفس، كصحيحتي الـبزنطي و ابن سرحان و غيرهما ممّا تقدّم، و ما ورد في مورد خوف الـعطش، كصحيحـة ابن سنان و موثّقـة سماعـة و غيرهما كذلك، و ما ورد في الـركيّـة و فرض إفساد الـماء، كصحيحـة عبدا للّه بن أبي يعفور، و ما ورد في مورد خوف فوات الـوقت، كصحيحـة زرارة بناء على دلالتها عليه كما استفدنا. و الـظاهر عدم دلالـة شيء منها على بطلان الـمائيـة مكان الـترابيـة.
أمّا ما لم يتعلّق الـنهي فيها بنفس عنوان الـغسل، بل تعلّق بعنوان خارج كإفساد الـماء على الـقوم أو إهراقه فظاهر، لعدم تعلّق الـنهي با لـعبادة، و ظهور كون الأمر با لـتيمّم إنّما هو لترجيح أحد الـمتزاحمين على الآخر، فالأمر به ليس لأجل تبديل الـكامل به، بل للمزاحمـة الـواقعـة بين الأهمّ و الـمهمّ.
و أمّا ما تعلّق الـنهي فيها بظاهر الـدليل بنفس عنوان الـغسل، فهو أيضاً كذلك; لأنّ الـمتفاهم من مجموعها أنّ الـنهي عنه ليس لأجل كونه مبغوضاً، بل للإرشاد إلى الأخذ بأهمّ الـتكليفين، فسبيل قوله (عليه السلام) في فرض الـقروح و الـجروح و الـمخافـة على الـنفس: «لايغتسل و يتيمّم»، سبيل قوله: «لاتقع في الـبئر و لاتفسد على الـقوم مائهم»، و قوله (عليه السلام): «إن خاف عطشاً فلايهريق منه قطرة و ليتيمّم با لـصعيد» حيث لايفهم مبغوضيـة الـغسل بعنوانه، بل الـظاهر أنّ الـمبغوض هو هلاك الـنفس، أو أنّ


(الصفحة317)


ا لـواجب هو حفظها، فلا دلالـة له على الـبطلان، بل مقتضى الـقاعدة الـصحّـة.
و لايخفى أنّ ما ذكر من الـصحّـة بمقتضى الـقاعدة أو بحسب سائر الأدلّـة إنّما هو حيثي، بمعنى أنّه إذا انطبق على مورد عنوان آخر موجب للبطلان يحكم به فيه، كما إذا انطبق عنوان الـحرج على مورد الـضرر أو الـخوف على الـنفس; لأنّ مقتضى أدلّـة نفي الـحرج هو الـبطلان على ما عرفت، و عليه فا لـلازم هو الـتفصيل بين ما إذا انطبق على مورد عنوان الـحرج، و بين ما إذا انطبق عليه عنوان محرّم كا لـغسل في آنيـة الـذهب و الـفضّـة ارتماساً لا اغترافاً، فيحكم با لـبطلان في الأوّل دون الـثاني. و هذا هو الـمراد من الـتفصيل الـمذكور في الـمتن في الـفرع الأوّل من فروع الـمسأ لـة، و به يتمّ الـكلام في هذا الـفرع.

في الـوضوء في ضيق الـوقت


ا لـفرع الـثاني: لو أتى با لـطهارة الـمائيـة في مقام ضيق الـوقت، فا لـظاهر صحّتها، من دون فرق بين أن يكون قصده امتثال الأمر الـمتعلّق به من ناحيـة هذه الـصلاة على وجه الـتقييد، أو الـكون على الـطهارة، بناء على مغايرتها مع الـطهارات و حصولها بها، أو الـغايات الاُخر كمسّ كتابـة الـقرآن، لما ذكرنا سابقاً من أنّ ملاك عباديـة الـطهارات الـثلاث ليس هو الأمر الـغيري الـمتعلّق بها من ناحيـة الأمر با لـصلاة مثلاً; لعدم وجوب الـمقدّمـة أوّلاً، و عدم كون الأمر الـغيري موجباً للعباديـة و ملازماً لها ثانياً، و أنّ الـعباديـة مقدّمـة على تعلّقها ثا لـثاً، لأنّ الأمر الـغيري لايكاد يتعلّق إلاّ بما هو عبادة، فا لـعباديـة في الـرتبـة الـمتقدّمـة على تعلّق الأمر، فلا محيص من الالتزام بأنّ الـعباديـة إنّما هي لأجل تعلّق الأمر الاستحبابي الـنفسي بها، و لا منافاة


(الصفحة318)


بينه و بين تعلّق الأمر الـغيري على تقديره; لاختلاف الـعنوان.
و الـوجه في الـصحّـة في هذا الـفرع، ما عرفت من أنّ الـسقوط إنّما هو لأجل الـمزاحمـة مع ما هو أهمّ، و قد مرّ أنّ مقتضى الـقاعدة في موارد الـمزاحمـة هي الـصحّـة، و لافرق فيما ذكر بين فرض الـعلم و الـجهل، فإنّه في صورة الـجهل و إن قصد الأمر الـغيري أو الـتقرّب به إلاّ أنّ قصده لغو و عبادته صحيحـة; لعدم اعتبار شيء فيها إلاّ الـرجحان الـذاتي، و قصد كونه للّه.
نعم، لو كان من قصده عدم الـتعبّد إلاّ بالأمر الـغيري، يقع باطلاً ولو في سعـة الـوقت; لعدم وجوده، و عدم كونه مقرّباً على فرض الـوجود، و عليه يحمل ما يشعر به الـمتن من الـبطلان في صورة قصد الـصلاة الـتي ضاق وقتها و إن كان الـحمل عليه بعيداً في نفسه، فتدبّر.

فيما لو كان الـممنوع مقدّمات الـطهارة


ا لـفرع الـثا لـث: لو خا لـف و دفع ثمناً عن الـماء مضرّاً بحا لـه، أو تحمّل الـمنّـة و الـهوان في تحصيله، و نحو ذلك ممّا كان الـممنوع منه مقدّمات الـطهارة لانفسها، فطهارته الـمائيـة صحيحـة أيضاً.
أمّا في صورة الـضرر فواضح، و أمّا في مثل تحمّل الـمنّـة و الـهوان ممّا كان الـدليل على الـسقوط فيه هو دليل نفي الـحرج، مع أنّك عرفت أنّ الـطهارة الـمائيـة في موارد الـسقوط لدليل الـحرج باطلـة، فلأنّ الـمفروض أنّها بنفسها لاتكون حرجيـة، بل مقدّماتها تكون كذلك، و عليه فلاتكون الـعبادة متعلّقـة للنهي حتّى تبطل، و هذا بخلاف ما إذا كانت بنفسها كذلك، كما تقدّم تحقيقه.


(الصفحة319)



فيما لو كان الـضرر على الـغير

ا لـفرع الـرابع: لو كان الـضرر أو الـحرج على الـغير فخا لـف و تطهّر، فقد نفى في الـمتن الـبعد عن الـصحّـة فيه، و الـسرّ فيه ما عرفت من أنّ اقتضاء دليل نفي الـحرج للبطلان إنّما هو فيما إذا كان الـحرج موجباً لتعلّق الـنهي با لـعبادة، و صيرورتها مبغوضـة، فا لـملاك في الـحقيقـة في بطلان الـعبادة هو تعلّق الـنهي بها.
و أمّا إذا كان الـنهي متعلّقاً بما هو متّحد معها، فقد عرفت أنّه لاينافي الـصحّـة، فضلاً عمّا إذا كان متعلّقاً بما لايكون متّحداً معها، و في الـمقام أيضاً لايكون الـنهي متعلّقاً بعنوان الـعبادة، فلاتكون باطلـة.


(الصفحة320)

مسأ لـة 18: يجوز الـتيمّم لصلاة الـجنازة و الـنوم مع الـتمكّن من الـماء، إلاّ أنّه ينبغي الاقتصار في الأخير على ما كان من الـحدث الأصغر، و لا بأس بإتيانه رجاءً للأكبر أيضاً، كما أنّ الأولى فيه الاقتصار على صورة الـتذكّر لعدم الـوضوء بعد الـدخول في فراشه، و في غيرها يأتي به رجاءً، كما أنّ الأولى في الأوّل قصد الـرجاء في غير صورة خوف فوت الـصلاة1 .



(1) يجوز الـتيمّم مع الـتمكّن من استعمال الـماء في موضعين:

في الـتيمّم لصلاة الـجنازة


أحدهما: صلاة الـجنازة، فيجوز الـتيمّم لها مع الـتمكّن من الـوضوء أو الـغسل على الـمشهور مطلقاً، بل في «ا لـذكرى» نسبته إلى الأصحاب، و يظهر من محكيّ «ا لتذكرة» الإجماع عليه، بل عن الشيخ في «ا لخلاف» دعوى الإجماع عليه صريحاً.
و استدلّ له ـ مضافاً إلى الإجماع الـمحكيّ ـ بموثّقـة سماعـة الـمضمرة، قال: سأ لـته عن رجل مرّت به جنازة و هو على غير وضوء، كيف يصنع؟
قال (عليه السلام): «يضرب بيده على حائط اللبن فليتيمّم».(1)
و مرسل حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «ا لـطامث تصلّي على الـجنازة; لأنّه ليس فيها ركوع و لاسجود، و الـجنب يتيمّم و يصلّي على الـجنازة».(2)
و قيّد الـجواز ابن ا لـجنيد بصورة خوف فوت الـصلاة، و عن ظاهر الـمرتضى في «ا لـجمل»، و الـشيخ في جمع من كتبه، و أبي علي، و سلاّر، و الـقاضي، و الـراوندي، وا لـشهيد في «ا لـدروس» الـموافقـة له، و عن الـمحقّق في «ا لـمعتبر» تقويته، فإنّه بعد


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب صلاة الـجنازة، الـباب 21، الـحديث 5.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب صلاة الـجنازة، الـباب 22، الـحديث 2.

<<التالي الفهرس السابق>>