في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة381)


لصحيحته في ذلك، لكنّ الـظاهر من الـجواب بيان كون الاغتسال با لـثلج و بماء الـنهر سواء، فهو في مقام بيان صحّـة الاغتسال به كالاغتسال بماء الـنهر، و أمّا لزومه أو جوازه فلا يفهم منه، لعدم كونه من هذه الـجهـة في مقام الـبيان، فهو كقوله ابتداءً: أنّ الـوضوء با لـثلج كا لـوضوء بماء الـنهر، لا يدلّ إلاّ على الـتسويـة بينهما، و أمّا مع حرجيته فيجوز أو يجب فلا يستفاد من مثله، مع أنّه على فرض تسليم شموله لحال الـحرج يكون إطلاقاً يجب تقييده بأدلّـة الـحرج الـحاكمـة على الـمطلقات، و دعوى كون الـمفروض حرجيـة الاغتسال ممنوعـة».
أقول: الـمهمّ في هذا الـباب أنّ الـسؤال في الـروايتين واحد، و هو الـرجل الـمجنب في الـسفر، و لا يجد إلاّ الـثلج، نعم في سؤال الـصحيحـة زيادة: «أو ماء جامداً» ولكنّ الـجواب فيها الـتيمّم لا الاغتسال، و بعد كون الـسؤال واحداً يقع الـكلام في أنّ الـمفروض في هذا الـسؤال إن كان حرجيـة الاغتسال فلا مجال للجواب بأنّه يغتسل با لـثلج، الـظاهر في الـتسويـة بينه و بين الاغتسال با لـنهر، الـمقتضي لتعيّنه مع عدم وجدان ماء الـنهر، كما هو الـمفروض في الـسؤال.
و إن كان الـمفروض فيه عدم الـحرجيـة فلا مجال للجواب بكونه بمنزلـة الـضرورة و يتيمّم، و حمل كلّ واحد من الـسؤا لـين على مورد خاصّ ينافيه وحدة الـسؤال و عدم الاختلاف فيهما أصلاً.
و ما أفاده دام ظلّه من أنّ الـروايـة إنّما هي في مقام بيان صحّـة الاغتسال با لـثلج كالاغتسال بماء الـنهر، و أمّا لزومه أو جوازه فلا يفهم منه.
فيرد عليه: أنّ نفس الـحكم با لـصحّـة و إفادة الـتسويـة بين الأمرين، يفيد الـتعيّن مع عدم إمكان الأمر الآخر، و عدم وجدان ماء الـنهر كما هو الـمفروض في


(الصفحة382)


ا لـسؤال، مع أنّ الـجواز فقط ينافي الـصحيحـة الـظاهرة في تعيّن الـتيمّم إلاّ على تقدير صحّـة الـتوجيه الـمتقدّم.
و با لـجملـة: فمع عدم صحّـة الـتوجيه الـمتقدّم، و كون الـسقوط في مورد الـحرج عزيمـة لا رخصـة، كيف يجمع بين الـروايتين؟! ولكنّ الـظاهر أنّه لا محيص عن حمل الـروايـة على صورة غير الـحرج، و حمل الـصحيحـة على صورة الـحرج الـتي هي ظاهرها، خصوصاً بلحاظ ذيلها الـدالّ على عدم جواز الـعود إلى الأرض الـتي توبق دينه، و عليه فلا يبقى مجال للتوجيه الـمتقدّم بوجه.


في حكم فاقد الـطهورين

بقي الـكلام في حكم فاقد الـطهورين مطلقاً، و فاقدهما مع وجدان الـثلج فقط، فنقول: أمّا فاقدهما مطلقاً فا لـكلام فيه قد يقع في الأداء، و قد يقع في الـقضاء.

في حكم الأداء

أمّا الأداء: فا لـمشهور كما عن «كشف الالتباس» و «ا لـرياض» سقوطه عن فاقد الـطهورين، و عن «روض الـجنان» و «ا لـمدارك» أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخا لـفاً، و عن «جامع الـمقاصد» أنّه ظاهر مذهب أصحابنا، و في «ا لـشرائع» حكي قولاً لم يسمّ قائله بوجوب الـصلاة و الإعادة، و مثله «ا لـتذكرة» ناسباً له إلى بعض الأصحاب، و عن جدّ الـمرتضى وجوب الأداء لا الـقضاء، و عن «رسا لـة» الـمفيد (قدس سره)إلى ولده و أبي ا لـعبّاس و بعض آخر وجوب الـذكر عليه مقدار الـصلاة، و الاكتفاء به عن الأداء و الـقضاء.


(الصفحة383)


هذا، و الـظاهر أنّ مقتضى الـقاعدة هو الـسقوط، و توضيحه أنّه قد تقرّر في محلّه أنّه لو علم بجزئيـة شيء أو شرطيته في الـجملـة، و دار الأمر بين أن يكون جزء أو شرطاً مطلقاً، وبين أن يكون كذلك في خصوص حال التمكّن وا لقدرة، فإن كان لدليل المركّب أو الـمشروط إطلاق فقط، يجب الإتيان به في صورة الـعجز عن ذلك الـشيء أيضاً، و إن كان لدليل ذلك الـشيء الـمشكوك إطلاق فقط، فا لـلازم سقوط الأمر با لـكلّ أو الـمشروط مع تعذّره، و لو كان لكلا الـدليلين إطلاق من غير ترجيح، أو لم يكن لواحد منهما إطلاق، فا لـلازم الـرجوع إلى الأصل و هو يقتضي الـبرائـة، كما حقّق في محلّه.
و في الـمقام نقول: مقتضى دليل الـشرط مدخليته في الـمأمور به، و هي الـصلاة مطلقاً من دون فرق بين مثل قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» بناء على اختصاصه با لـطهارة الـحدثيـة أو شموله لها، و بين الآيـة الـواردة في الـوضوء الـمبنيـة للاشتراط بنحو الأمر و الـتكليف.
أمّا الأوّل: فدلالته على الـشرطيـة الـمطلقـة واضحـة بعد كونه بنحو الإخبار أوّلاً، و بنحو نفي الـحقيقـة و الـماهيـة بدونه ثانياً.
و أمّا الـثاني: فقد نوقش في دلالته بقصور الأمر عن إثبات الـشرطيـة حال الـعجز لعدم إمكان توجيه الـخطاب إلى الـعاجز، و اُجيب عن هذه الـمناقشـة بأنّ مثل هذه الأوامر إرشاديـة لا يعتبر فيها الـقدرة على الـمأمور بها فيها، لأنّ مفادها مجرّد الإرشاد إلى مدخليـة الـمتعلّق في متعلّق الـخطاب الـنفسي من دون أن تكون متضمّنـة للبعث و الـتحريك.
ولكن قد حقّقنا في محلّه عدم صحّـة هذا الـجواب، فإنّ الأوامر الإرشاديـة كغيرها لا تستعمل إلاّ في الـبعث و الإغراء الـذي هو الـموضوع له لهيئـة إفعل، غايـة الأمر


(الصفحة384)


انتزاع الـنفسيـة و الـغيريـة و الـمولويـة و الإرشاديـة عن نفس هذا الـبعث باعتبار اختلاف الـموارد و الـمقامات، و إلاّ فا لـهيئـة في الـجميع مستعملـة في معناها الـذي ليس إلاّ الـبعث و الـتحريك.
و الـتحقيق في الـجواب عن الـمناقشـة ما حقّقه الاُستاذ الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في محلّه ممّا يرجع إلى أنّ الأوامر الـكلّيـة الـقانونيـة لا تنحلّ إلى خطابات شخصيـة و أوامر متعدّدة فرديـة، بحيث كان لكلّ مأمور خطاب مستقلّ مشروط بشرائطه، و الـوجه فيه لزوم مفاسد كثيرة مذكورة في محلّه، بل هي أمر واحد و قانون فارد ثابت على الـجميع، و لا يكون مشروطاً بثبوت الـقدرة لكلّ فرد فرد.
و عليه فا لـعجز في بعض الأفراد لا يوجب سقوط الأمر الـكلّي و ارتفاع الـقانون الـعامّ، و في الـمقام نقول آيـة الـوضوء و إن كانت بلسان الـتكليف إلاّ أنّ مقتضاها ثابت في حقّ الـعاجز عنه، و لازمه سقوط الـصلاة; لعدم إمكان تحصيل شرطها.
نعم، يبقى في الـمقام ملاحظـة دليل الـمشروط، و أنّه هل يكون له إطلاق، أم لا؟
و الـظاهر عدم ثبوت إطلاق معتدّ به في أدلّـة تشريع الـصلاة، و لم يثبت من طريقنا قوله: «ا لـصلاة لا تترك بحال»، و ما ورد في بعض الـروايات الـصحيحـة فى باب الـنفاس من قوله (عليه السلام): «و لا تدع الـصلاة على حال، فإنّ الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الـصلاة عماد دينكم»(1) لايرتبط با لـمقام، و ليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) علّـة يستكشف منها صحّـة الـصلاة في مورد الـشكّ في شرطيـة شيء لها أو جزئيته، كما لايخفى.
و الاستقراء و إن اقتضى تقدّم الـوقت من بين الـشرائط على غيره من الأجزاء و الـشرائط عند دوران الأمر بين رعايته و رعايـة غيره، إلاّ أنّه ليس بنحو يحصل منه


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الاستحاضـة، الـباب 1، الـحديث 5.


(الصفحة385)


ا لـقطع بثبوت هذا الـتقدّم بالإضافـة إلى جميع الـشرائط.
فالإنصاف: أنّه لابدّ في الـمقام من الـرجوع إلى إطلاق دليل الاشتراط من الآيـة و الـروايـة، و هي قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لكن ربّما يناقش في الـروايـة بأنّ صاحب «ا لـوسائل» (قدس سره) قد أوردها في أبواب مختلفـة بصور متعدّدة، فقد رواها في الـباب الأوّل من أبواب الـوضوء عن الـشيخ بإسناده عن الـحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) هكذا قال: «لا صلاة إلاّ بطهور».
و في الـباب الـرابع من أبواب الـوضوء، و كذا في الـباب الـرابع عشر من أبواب الـجنابـة بذلك الـسند عنه (عليه السلام) هكذا قال: «إذا دخل الـوقت وجب الـطهور و الـصلاة، و لا صلاة إلاّ بطهور» و حكي في الـبابين أنّ الـصدوق رواه مرسلاً.
و في الـباب الـتاسع من أبواب أحكام الـخلوة بذلك الـسند عنه (عليه السلام) هكذا قال: «لا صلاة إلاّ بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثـة أحجار، بذلك جرت الـسنّـة من رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمّا الـبول فإنّه لابدّ من غسله».
و الـظاهر خصوصاً مع وحدة الـسند أنّها لا تكون روايات متعدّدة، بل روايـة واحدة قطّعها صاحب «ا لـوسائل» كما هو دأبه في موارد كثيرة، حيث يقطّع الـروايـة الـمشتملـة على أزيد من حكم واحد، و يورد كلّ قطعـة في الـباب الـمناسب لها، فا لـروايـة واحدة، و عليه يكون ذيلها الـوارد في الاستنجاء و غسل الـبول شاهداً على أنّ الـمراد با لـطهور الـذي لا صلاة إلاّ به هي الـطهارة الـخبثيـة، لا الـحدثيـة الـمبحوث عنها في الـمقام، فلا مجال للاستدلال بها فيه.
و تندفع الـمناقشـة: بأنّ الـتذيّل بذلك الـذيل إن كان فيه شهادة فهي الـشهادة على دخول الـطهارة الـخبثيـة في قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لا خروج الـطهارة


(الصفحة386)


ا لـحدثيـة عنه، مع أنّ تلك الـشهادة ممنوعـة أيضاً; لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـذيل مشتملاً على حكم الـطهارة الـخبثيـة، و الـصدر مختصّاً بغيرها.
و كيف كان: لا دلالـة للذيل على الاختصاص بها، و يؤيّده الاستشهاد بهذا الـقول في الـطهارة الـحدثيـة كثيراً، و أنّ صاحب «ا لـوسائل» أوردها في مثل باب الـوضوء و الـجنابـة أيضاً.
وقد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ مقتضى القاعدة سقوط الأداء بالإضافة إلى فاقد الطهورين، بل ربّما يحتمل الحرمة النفسية في الدخول فيها جنباً، بل ومن غير وضوء لقوله تعا لى: (لاتَقْرَبُوا الـصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا)(1) بناء على أنّ الـمراد من الـصلاة نفسها لا محالّها، كما هو الأظهر في الآية.
و الـظاهر من الـتعبير بـ (لا تَقْرَبُوا) هي الـحرمـة الـذاتيـة، لا الإرشاد إلى الـمانعيـة، للفرق بين قوله: «لا تصلّ جنباً»، و بين قوله: «لا تقربوا الـصلاة جنباً»، فإنّ الـتعبير الـثاني ظاهر في الـمبغوضيـة، مثل قوله: «لا تقربوا الـزنا»، و لموثّقـة مسعدة بن صدقـة أنّ قائلاً قال لجعفر بن محمّد (عليهما السلام): جعلت فداك، إنّي أمرّ بقوم ناصبيـة، و قد اُقيمت لهم الـصلاة و أنا على غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الـصلاة قا لـوا ما شاؤا أن يقولوا، أفاُصلّي معهم ثمّ أتوضّأ إذا انصرفت و اُصلّي؟
فقال جعفر بن محمّد (عليه السلام): «سبحان اللّه، أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً»(2) .
و صحيحـة صفوان بن مهران الـجمّال، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «أقعد رجل من


(1) ا لـنساء / 43.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 2، الـحديث 1.


(الصفحة387)


الأحبار في قبره فقيل له: إنّا جا لـدوك مأة جلدة من عذاب اللّه عزّوجلّ.
فقال: لا اُطيقها، فلم يزا لـوا به حتّى انتهوا إلى جلدة واحدة.
فقال: لا اُطيقها.
فقا لـوا: ليس منها بدّ.
فقال: فيما تجلّدونيها؟
قا لـوا: نجلّدك أنكّ صلّيت يوماً بغير وضوء، و مررت على ضعيف فلم تنصره.
فجلّدوه جلدة من عذاب اللّه فامتلأ قبره ناراً»(1) .
ولكنّ الـظاهر عدم إفادة الآيـة و الـروايتين للحرمـة الـنفسيـة; و ذلك لأنّ الآيـة قد ورد في تفسيرها ممّن نزل في بيوتهم الـكتاب، و تكون آرائهم حجّـة بلا ارتياب، ما يدلّ على أنّ الـمراد با لـصلاة فيها هي الـمساجد الـتي هي مواضع الـصلاة لانفسها، ففي صحيحـة زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قالا: قلنا له: الـحائض و الـجنب يدخلان الـمسجد، أم لا؟
قال: «ا لـحائض و الـجنب لا يدخلان الـمسجد إلاّ مجتازين، إنّ اللّه تبارك و تعا لـى يقول: (وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا ...)»(2) .
و بعد ذلك لا مجال للتمسّك بظاهرها.
و أمّا الـروايتان، فا لـظاهر أنّ الـمراد من الـصلاة من غير وضوء فيهما هي الـصلاة مع إمكان الـوضوء، غايـة الأمر وجود الـتقيّـة أو غيرها، فلا تشملان ما إذا كان فاقداً للطهورين، هذا كلّه با لـنسبـة إلى الأداء.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 2، الـحديث 2.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 10.


(الصفحة388)



في حكم الـقضاء

و أمّا الـقضاء: ففي «ا لـجواهر» أنّ وجوبه هو الأشهر بين الـمتقدّمين و الـمتأخّرين، و عن «كشف الالتباس» أنّه الـمشهور، لعموم أدلّـة الـقضاء كقوله: «من فاتته فريضـة فليقضها كما فاتته»، و في الـنبوي الـمشهور كما في «ا لـرياض»: «من فاتته فريضـة فليقضها إذا ذكرها، فذلك وقتها»، و قد ورد أخبار مستفيضـة في أبواب متفرّقـة من طريق الإماميـة.
مثل صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الـرجل في كلّ ساعـة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها ...»(1) .
و صحيحـة الـحلبي قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل فاتته صلاة الـنهار متى يقضيها؟
قال: «متى شاء»(2) .
و صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): «و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها»(3) .
و صحيحـة الاُخرى عنه (عليه السلام): سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها.
قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعـة ذكرها»(4) .
و غير ذلك من الـروايات الـظاهرة في ثبوت الـقضاء.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب قضاء الـصلوات، الـباب 2، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـمواقيت، الـباب 39، الـحديث 7.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـمواقيت، الـباب 63، الـحديث 1.
(4) وسائل الـشيعـة، أبواب قضاء الـصلوات، الـباب 1، الـحديث 1.


(الصفحة389)


و دعوى أنّه مع عدم وجوب الأداء عليه كما عرفت كيف يجب عليه الـقضاء مع تبعيـة الـقضاء للأداء؟! مندفعـة، أوّلاً بعدم ثبوت الـتبعيـة، و ثانياً بأنّ الأداء أيضاً فريضـة، إمّا لما احتمله الـشهيد (قدس سره) من كون عنوان الـفريضـة اسماً لتلك الـصلوات، لا وصفاً لها، و إمّا لما اختاره الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه من كون وصف الـفريضـة ثابتاً لها با لـفعل، غايـة الأمر كون الـمكلّف معذوراً في الـترك، و هو لا يوجب انتفاء الـوصف.
كما أنّ دعوى عدم صدق الـفوت مع عدم وجوب الأداء غير مسموعـة أيضاً، بعد فوات الـمصلحـة، كما هو ظاهر.
هذا، ولكن في الـجميع نظر، بل منع:
أمّا الـنبوي الأوّل: فمع الـغضّ عن سنده يكون في مقام بيان حكم آخر، و هي مطابقـة الـقضاء للأداء، و الـظاهر أنّ الـمراد منها هي الـمطابقـة و الـمماثلـة في الـقصر و الإتمام، دفعاً لتوهّم كون الـمناط ملاحظـة زمان الـقضاء و إرادة الإتيان بها، كما هو الـمرتكز في أذهان كثير من الـعوام، فلا ارتباط له با لـمقام.
و أمّا الـنبوي الـثاني: فمع الـغضّ الـمذكور، و الـغضّ عن احتمال الاختصاص با لـناسي، كما يشعر به قوله (عليه السلام): «إذا ذكرها» فهو أيضاً في مقام بيان حكم آخر، و هو عدم ثبوت الـوقت للقضاء وسعـة دائرتها، بحيث يجوز الإتيان بها متى ذكرها، ليلاً كان أو نهاراً، و كذا لا فرق بين الـمواقع من جهات اُخر.
و هذا يجري في جميع الـروايات الـمرويـة من طرقنا، فإنّها أيضاً غير مسوقـة لإفادة إيجاب الـقضاء بنحو الإطلاق، حتّى يمكن الاستدلال بها في مثل الـمقام من موارد الـشكّ، بل مسوقـة لبيان حكم آخر، و هو عدم كون الـقضاء متوقّتـة، و عدم كون الأزمنـة مختلفـة من هذه الـجهـة، حتّى من حيث الـكراهـة أيضاً.


(الصفحة390)


فالإنصاف: بملاحظـة ما ذكرنا عدم وجوب الـقضاء أيضاً، بل ربّما يستدلّ لسقوطه با لـتعليل الـوارد في الـمغمى عليه، و هو أنّه كلّما غلب اللّه عليه فا للّه أولى با لـعذر، ولكنّه مع ورود تخصيصات كثيرة عليه كا لـناسي و الـنائم، لا مجال للأخذ بعمومه.
ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى الاحتياط الإتيان با لـقضاء، خصوصاً مع دعوى الـشهرة على وجوبها كما عرفت، و إن اختار الـعدم جماعـة من أساطين الـفقهاء، كا لـمحقّق و الـعلاّمـة و الـكركي و بعض آخر.
و أمّا الإتيان بالأداء احتياطاً، فمع انتفاء احتمال الـحرمـة الـنفسيـة فلا إشكال في رجحانه; لاحتمال الـوجوب و انتفاء احتمال الـحرمـة كما هو الـمفروض، و أمّا مع ثبوته فمقتضى ما ذكروه في مسأ لـة اجتماع الأمر و الـنهي ـ على الـقول بالامتناع من ترجيح جانب الـحرمـة لوجوه مذكورة في محلّه ـ هو ترجيح جانب احتمال الـحرمـة في مثل الـمقام الـمقتضي للترك، ولكن حيث إنّ الـوجوه الـمذكورة غير تامّـة، فا لـظاهر حينئذ أنّه يكون مخيّراً بين رعايـة احتمال الـوجوب، و بين رعايـة احتمال الـحرمـة، و لا مجال للاحتياط مع ذلك.
و من هذا بضميمـة ما ذكر في أوّل الـمسأ لـة من ذهاب جماعـة من الـقدماء إلى وجوب الـتيمّم با لـثلج، و من ظهور كلام الـمفيد (قدس سره) في الـوضوء با لـثلج مسحاً، يظهر أنّ فاقد الـطهورين الـواجد للثلج إذا أراد الاحتياط يجمع بين الـوضوء با لـثلج مسحاً، وبين التيمّم با لثلج، ثمّ يأتي با لصلاة مع ذلك أداءً، ثمّ يقضيها مع الـوضوء بعد الـتمكّن.
كما أنّ ممّا ذكرنا ظهر: أنّ الاحتياط بالأداء الـذي أفاده في الـمتن لا يتمّ، بناء على ما أفاده الـماتن دام ظلّه في «رسا لـة الـتيمّم» من نفي الـبعد عن الـحرمـة الـنفسيـة; نظراً إلى الآيـة و الـروايتين على ما عرفت، سواء قيل بترجيح جانب الـحرمـة، أم لا.


(الصفحة391)

مسأ لـة 8: يكره الـتيمّم با لـرمل، و كذا با لـسبخـة، بل لا يجوز في بعض أفرادها الـخارج عن اسم الأرض، و يستحبّ له نفض الـيدين بعد الـضرب، و أن يكون ما يتيمّم به من ربى الأرض و عوا لـيها، بل يكره أيضاً أن يكون من مهابطها1 .




في جملـة من الـمكروهات و الـمستحبّات

(1) في هذه الـمسأ لـة أحكام:
الأوّل: كراهـة الـتيمّم با لـرمل و هو الـمشهور، كما في «ا لـجواهر» و غيره، بل عن «ا لـمعتبر» و «ا لـمنتهى» دعوى الإجماع على جواز الـتيمّم به على كراهـة، و في «جامع الـمقاصد»: أمّا الـرمل فيجوز عندنا على كراهيـة، نعم عن الـحلبي الـعدم مع وجود الـتراب، و عن أبي عبيدة أنّ الـصعيد الـتراب الـذي لا يخا لـطه سبخ و لا رمل، و فيما رواه محمّد بن الـحسين أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي ا لـحسن الـهادي (عليه السلام)يسأ لـة عن الـصلاة على الـزجاج.
قال: فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت و قلت هو ممّا أنبتت الأرض، و ما كان لي أن أسأل عنـه.
قال: فكتب إلىّ: «لا تصلّ على الـزجاج و إن حدثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، ولكنّه من الـملح و الـرمل، و هما ممسوخان»(1) .
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّ ما عن أبي عبيدة لا يعارض ما عن غيره من أهل اللغـة على ما عرفت، و الـروايـة مع أنّها ضعيفـة و غير معمول بها في الـرمل، معارضـة بما عن الـحميري في «دلائل علي بن محمّد الـعسكري (عليهما السلام)» قال: و كتب إليه محمّد بن


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب ما يسجد عليه، الـباب 12، الـحديث 1.


(الصفحة392)


ا لـحسين بن مصعب ... إلى أن قال: «فإنّه من الـرمل و الـملح، و الـملح سبخ»(1) .
و الـظاهر اتّحاد الـروايتين و وحدة الـسؤال، و على تقدير الـتعدّد فمقتضى الـتعارض سقوط دليل الـمنع، كما لا يخفى.
فا لـظاهر حينئذ هو الـجواز، و أمّا الـكراهـة فمستندها الإجماع على ما عرفت، مضافاً إلى اقتضاء قاعدة الـشامح لها، بناء على شمول الـبلوغ الـمأخوذ فيها لفتوى الـفقيه أيضاً.
ا لـثاني: كراهـة الـتيمّم با لـسبخـة، و هي كما في «ا لـمجمع» أرض ما لـحـة يعلوها الـملوحـة، و الـشهرة الـمنقولـة عن «ا لـجواهر» و غيره جاريـة فيه، و كذا دعوى الإجماع الـمتقدّمـة، و في «ا لـمدارك» نسبته إلى علمائنا أجمع عدا ابن الـجنيد، و مستنده غير ظاهر، و منشأ الـكراهـة ما ذكر في الـرمل.
ا لـثا لـث: الـمنع في بعض أفراد الـسبخـة الـخارج عن اسم الأرض، و وجه الـمنع فيه ظاهر; لعدم كونه حينئذ من مصاديق الـصعيد الـمأخوذ في آيتي الـتيمّم.
ا لـرابع: استحباب نفض الـيدين بعد الـضرب، و في «ا لـمدارك»: أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخا لـفاً. و عن «ا لـمختلف» أنّه مذهب الأصحاب عدا ابن الـجنيد. و يظهر من «ا لـمقاصد الـعليـة» الـقول بوجوبه.
و يدلّ على الاستحباب روايات كثيرة ظاهرة في الـوجوب، محمولـة على الاستحباب جمعاً بينها و بين الـروايات الـواردة في كيفيـة الـتيمّم، الـدالّـة على عدم وجوب غير تلك الـكيفيـة.
منها: صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): «تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب ما يسجد عليه، الـباب 12، الـحديث 1.


(الصفحة393)


نفضـة للوجه، و مرّة لليدين ...»(1) .
و منها: غير ذلك من الـروايات الـواردة بهذا الـمضمون.
ا لـخامس: استحباب أن يكون ما يتيممّ به من ربى الأرض و عوا لـيها، و عن «ا لـخلاف» و غيره دعوى الإجماع عليه، و قد مرّ تفسير الـصعيد با لـمرتفع من الأرض، و الـطيّب با لـذي ينحدر عنه الـماء في الأخبار و في «ا لـفقه الـرضوي»، و يؤيّده كون الـعوا لـي أبعد من الـنجاسـة بالإضافـة إلى الـمهابط.
ا لـسادس: كراهـة أن يكون من الـمهابط، و يدلّ عليها دعوى الإجماع عليها في محكىّ «ا لـخلاف» و «ا لـمعتبر»، و يؤيّده الـنهي عن الـتيمّم بما يكون من أثر الـطريق، ففي خبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «نهى أميرا لـمؤمنين (عليه السلام) أن يتيمّم الـرجل بتراب من أثر الـطريق»(2) .
و في خبره الآخر: قال أميرا لـمؤمنين (عليه السلام): «لا وضوء من موطأ».
قال الـنوفلي: يعني ما تطأ عليه برجلك(3) .



(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 4.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 2.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 1.


(الصفحة394)




(الصفحة395)


ا لـقول في كيفيّـة الـتيمّم

مسأ لـة 1: كيفيـة الـتيمّم مع الاختيار ضرب باطن الـكفّين بالأرض معاً دفعـة، ثمّ مسح الـجبهـة و الـجبينين بهما معاً، مستوعباً لهما من قصاص الـشعر إلى طرف الأنف الأعلى و إلى الـحاجبين، و الأحوط الـمسح عليهما، ثمّ مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيمنى من الـزند إلى أطراف الأصابع بباطن الـكفّ الـيسرى، ثمّ مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيسرى بباطن الـكفّ الـيمنى، و ليس ما بين الأصابع من الـظاهر إذ الـمراد ما يمسّه ظاهر بشرة الـماسح، بل لا يعتبر الـتدقيق و الـتعمّق فيه.
ولا يجزي الـوضع دون مسمّى الـضرب على الأحوط وإن كانت الـكفايـة لا تخلو من قوّة، و لا الـضرب بإحداهما و لا بهما على الـتعاقب، و لا بظاهرهما و لا ببعض الـباطن، بحيث لا يصدق عليه الـضرب بتمام الـكفّ عرفاً، و لا الـمسح بإحداهما أو بهما على الـتعاقب، و يكفي في مسح الـوجه مسح مجموع الـممسوح بمجموع الـماسح في الـجبهـة و الـجبينين على الـنحو الـمتعارف، أي الـشقّ الأيمن با لـيد الـيمنى و الأيسر با لـيسرى، و في الـكفّين وضع طول باطن كلّ منهما على عرض ظاهر الاُخرى، و الـمسح إلى رؤوس الأصابع1 .



(1) قد وقع الـتعرّض في هذه الـمسأ لـة لكيفيـة الـتيمّم مع الاختيار، و ذكر لبيانها اُمور مترتّبـة:


الأوّل: ضرب باطن الـكفّين بالأرض معاً دفعـة

و هذا الأمر يتضمّن جهات متعدّدة:


(الصفحة396)



في اعتبار الـضرب

ا لـجهـة الاُولى: اعتبار الـضرب الـذي هو أخصّ مفهوماً من الـوضع، أو مباين له كما ربّما يحتمل، قد احتاط في الـمتن في عدم الاجتزاء با لـوضع و إن جعل الـكفايـة غير خا لـيـة عن الـقوّة.
و كيف كان: فهذه الـجهـة مورد للاختلاف، فعن «كشف اللثام» نسبـة اعتبار الـضرب إلى الـمشهور، و عن «ا لـذكرى» نسبته إلى معظم عبارات الأصحاب، و ظاهر الـمحقّق في «ا لـشرائع» و الـعلاّمـة في «ا لـقواعد» و الـمحكيّ عن جملـة من الأصحاب الاكتفاء با لـوضع.
نعم، قال في «جامع الـمقاصد»: «اختلاف الأخبار و عبارات الأصحاب في الـتعبير با لـوضع و الـضرب يدلّ على أنّ الـمراد بهما واحد، فلا يشترط في حصول مسمّى الـضرب كونه بدفع و اعتماد كما هو الـمتعارف».
ولكنّ الـظاهر أنّه مع ثبوت الاختلاف بين الـعنوانين و لو با لـعموم و الـخصوص لا مجال لما أفاده; لأنّه لا وجه لحمل الـنصّ أو كلام الـقائل بالأخصّ على الـمعنى الأعمّ من دون وجود قرينـة على ذلك، و لابدّ من ملاحظـة الـروايات.
فنقول: ظاهر طائفـة منها اعتبار الـضرب، ففي صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)في الـتيمّم قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك»(1) .
و في روايـة ليث الـمرادي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال: «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك»(2) .


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 7.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 2.


(الصفحة397)


و في روايـة اُخرى لزرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم، فضرب بيده على الأرض، ثمّ رفعها فنفضها، ثمّ مسح بها جبينه و كفّيه مرّة واحدة.(1)
و غير ذلك من الـروايات الـظاهرة في اعتبار الـضرب.
و طائفـة منها ظاهرة في الاكتفاء با لـوضع أو لزومه:
مثل: موثّقـة سماعـة قال: سأ لـته كيف الـتيمّم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه و ذراعيه إلى الـمرفقين.(2) ولكنّها بلحاظ ذيلها قد حملها الـشيخ (قدس سره) على الـتقيّـة.
و الـروايات الـمشتملـة على حكايـة قصّـة عمّار الـمعروفـة، الـمتضمّنـة لكيفيـة تيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام تعليم عمّار، أو لكيفيـة تيمّم الإمام (عليه السلام) بعد نقل قصّـة عمّار.
فمن الاُولى: صحيحـة زرارة قال: قال أبوجعفر (عليه السلام): «قال رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم لعمّار في سفرله: يا عمّار، بلغنا أنّك أجنبت فكيف صنعت؟ قال: تمرّغت يا رسول ا للّه في الـتراب.
قال: فقال له: كذلك يتمرّغ الـحمار، أفلا صنعت كذا، ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الـصعيد، ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى، ثمّ لم يعدّ ذلك».
(3)
نعم، في الـنقل الآخر الـذي رواه زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) بهذه الـكيفيـة


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 3.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 13، الـحديث 3.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 11، الـحديث 8.


(الصفحة398)


ا لـتعبير با لـضرب، حيث قال (عليه السلام): «أتى عمّار بن ياسر رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، إنّي أجنبت الليلـة فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) . فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الاُخرى، فمسح الـيسرى على الـيمنى و الـيمنى على الـيسرى»(1) .
فإنّ الـظاهر أنّ قوله: «ثمّ أهوى بيديه ...» في الـنقل الأوّل، و قوله: «فضرب بيديه ...» في الـنقل الـثاني من كلام أبي جعفر (عليه السلام)، و الـفاعل هو الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و ربّما يقال: إنّ وجه اختلاف الـحكايـة أنّ واقع فعل الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الـضرب، لكن لمّا كان الـعنوان الـمفيد للأمر الـزائد عن حقيقـة الـوضع غير دخيل في صحّـة الـتيمّم، و كان متقوّماً بمطلق الـوضع بأيّ نحو كان، ذكره أبوجعفر (عليه السلام) لإفادة عدم دخا لـة شيء غيره، و لمّا كان الـضرب وضعاً أيضاً مع قيد لا يكون الـنقل خلاف الـواقع، كما لو كان مجيء إنسان موضوعاً لحكم فجاء زيد مثلاً، فيصحّ أن يقال: جاء زيد، و أن يقال: جاء إنسان.
و با لـجملـة: حكى أبوجعفر (عليه السلام) تارة واقع الـقضيـة مع بعض الـخصوصيات غير الـدخيلـة في صحّـة الـتيمّم و كيفيته، كقوله (عليه السلام): «أهوى بيديه إلى الأرض»، و كقوله: «ضرب بيديه»، و اُخرى ما هو دخيل في الـحكم، كقوله (عليه السلام): «وضع يديه»، إفادة لعدم دخا لـة الـخصوصيـة الـزائدة، و ليس هذا من قبيل الـمطلق و الـمقيّد، بل


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.


(الصفحة399)


هو حكايـة قضيـة شخصيـة لابدّ في ترك الـقيد الـزائد الـذي اشتملت عليه من نكتـة، و الـمحتمل أن تكون ما ذكرت.
و يرد عليه: أوّلاً أنّه من الـواضح عدم تعدّد الـروايتين و كون الـروايـة واحدة، بمعنى أنّ زرارة قد حكى قول أبي جعفر (عليه السلام) في قصّـة عمّار و ما صنع رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)لبيان الـتيمّم مرّة واحدة، و أنّ الـحكايـة له كانت كذلك، غايـة الأمر اختلاف الـنقل عن زرارة، و لم يعلم أنّه كان على الـنحو الأوّل، أو على الـنحو الـثاني.
و با لـجملـة: لا تكون هنا روايتان مختلفتان لابدّ من ملاحظتهما و الـجمع بينهما بحمل الـمطلق على الـمقيّد، أو بذكر الـنكتـة للاختلاف، بل هنا روايـة واحدة، لم يعلم أنّ الصادر عن الإمام(عليه السلام) هل كان على الطريق الأوّل أو الثاني، فلا مجال حينئذ لما ذكر.
و ثانياً: أنّ الـجمع بين كون واقع فعل الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الـضرب، و بين عدم مدخليـة الـخصوصيـة الـزائدة عن الـوضع في صحّـة الـتيمّم ممّا لا يتمّ، بعد وضوح كون عمل الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما كان في مقام تعليم عمّار الـذي اشتبه في الـمراد من آيـة الـتيمّم، فإنّ الـضرب في هذا الـمقام ظاهر في الـمدخليـة، و ليس مثل الـمثال الـمذكور في الـكلام.
و الـعمدة: ما ذكر من عدم كون الـروايتين متعدّداً، و أنّ الـصادر عن الإمام (عليه السلام)في مقام الـحكايـة غير معلوم أنّه هل كان مشتملاً على كلمـة الـضرب، أو الـوضع؟!
و من الـثانيـة: صحيحـة أبي أيّوب الـخزاز، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم.
فقال: «إنّ عمّاراً أصابته جنابة فتمعّك كما تتمعّك الدابّة. فقال له رسول ا للّه(صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمّار، تمعّكت كما تتمعّك الـدابّـة. فقلت له: كيف الـتيمّم، فوضع يده على الـمسح،


(الصفحة400)


ثمّ رفعها فمسح وجهه، ثمّ مسح فوق الـكفّ قليلاً»(1) .
و صحيحـة داود بن الـنعمان قال: سأ لـت أباعبدا لله (عليه السلام) عن الـتيمّم.
فقال: «إنّ عمّاراً أصابته جنابـة فتمعّك كما تتمعّك الـدابّـة. فقال له رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يهزأ به: يا عمّار، تمعّكت كما تتمعّك الـدابّـة. فقلنا له: فكيف الـتيمّم؟ فوضع يديه على الأرض ثمّ رفعهما فمسح وجهه و يديه و فوق الـكفّ قليلاً»(2) .
وصحيحة زرارة قال: سمعت أباجعفر(عليه السلام) يقول: وذكر التيمّم وما صنع عمّار، فوضع أبوجعفر(عليه السلام) كفّيه على الأرض، ثمّ مسح وجهه و كفّيه و لم يمسح الـذراعين بشيء(3) .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه ربّما يقال: بأنّ الـنسبـة بين الـطائفتين من الـروايات الـواردة في الـباب هي الـنسبـة بين الـمطلق و الـمقيّد; لأنّ الـضرب أخصٍّ مفهوماً من الـوضع، لأنّه عبارة عن الـوضع مع الـدفع و اللطم، فا لـلازم حمل الـطائفـة الـثانيـة الـظاهرة في الاكتفاء با لـوضع على الـمقيّد، و هو الـضرب، كما في سائر موارد حمل الـمطلق على الـمقيّد.
ولكنّ الـظاهر عدم كون الـمقام من هذا الـقبيل، فإنّ الـمتفاهم الـعرفي من قول الـراوي في مقام حكايـة فعل الإمام (عليه السلام) الـواقع في مقام تعليم الـتيمّم: «وضع يده على الأرض» أنّه كان وضعها خا لـياً عن الـدفع و اللطم الـمذكور، و إلاّ كان على الراوي ذكر الخصوصيـة الـزائدة، خصوصاً مع أنّها من الاُمور الـخارجـة عن الـعادة، ولا تتحقّق نوعاً مع عدم تحقّق داع قويّ عقلائي.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 2.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 4.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 5.

<<التالي الفهرس السابق>>