في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة401)


و احتمال الـغفلـة ممّا لا يعتنى به، خصوصاً مع تعدّد الـناقل، و كون الـناقلين مثل زرارة و الـخزاز و أشباههما، فإذا كان عمل الـمعصوم (عليه السلام) في مقام الـتعليم هو الـوضع الـذي لا ينطبق عليه عنوان الـضرب، فكيف يمكن حمله على الـضرب؟! و ليس الـفعل مثل الـقول له إطلاق قابل للحمل على الـمقيّد، خصوصاً مع أنّه يحتمل في الـمقام ثبوت الـمباينـة بين الـضرب و الـوضع، بحيث كان الـخلوّ عن الـخصوصيـة الـزائدة مأخوذاً في معنى الـوضع، فإنّه حينئذ كيف يمكن دعوى الـحمل با لـنحو الـمذكور؟! فلا محيص إمّا عن الالتزام بأنّ للتيمّم كيفيتين إحداهما وضع الـيد، و الاُخرى ضربها كما احتمله الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»، غايـة الأمر أنّ الـضرب له رجحان و مزيّـة للأمر به في الـروايات الـمتقدّمـة، و إمّا عن الـقول بثبوت الـتعارض بين الـطائفتين، و عدم إمكان الـجمع بينهما، و لزوم الـرجوع إلى الـمرجّحات، و حيث إنّ أوّل الـمرجّحات هي الـشهرة الـفتوائيـة على ما يستفاد من مقبولـة ابن حنظلـة كما حقّق في محلّه، و هي مطابقـة للطائفـة الـظاهرة في تعيّن الـضرب، فا لـلازم الأخذ بها و الـحكم بتعيّنه، و عدم الاكتفاء با لـوضع، و هذا هو الـظاهر.
بقي الـكلام في هذه الـجهـة في أنّ اعتبار الـضرب أو الـمسح هل يكون على نحو الـجزئيـة كا لـمسح على الـوجه مثلاً، فيكون من أجزاء الـتيمّم، أو يكون على نحو الـشرطيـة لحصول الـمسح، نظراً إلى اعتبار حصول الـمسح با لـيد فيه؟ وجهان:
ظاهر الآيـة الـواردة في الـتيمّم هو الـثاني، فإنّ قوله تعا لـى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)مع الـتفريع عليه بقوله تعا لـى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) ظاهر في أنّ قصد الـصعيد إنّما هو لأجل الـمسح و الـتوصّل إليه، و إلاّ لم يكن وجه لتفريع الـمسح، خصوصاً بعد كون الـعطف في غيره با لـواو.


(الصفحة402)


و بعبارة اُخرى: لو كان قصد الـصعيد ضرباً أو وضعاً من أجزاء الـتيمّم كسائر الأجزاء، لم يكن وجه لتخصيص عطف الـمسح عليه با لـفاء، و جعل الـعطف في غيره با لـواو، بل كان مقتضى ظاهر الـسياق الاتّحاد كما في الـوضوء الـذي عطفت أجزائه بعضه على بعض با لـواو، فا لـتفريع دليل على خروج الـقصد عن أجزاء الـتيمّم.
و أمّا الـروايات: فما كان منها مثل قوله (عليه السلام): «ا لـتيمّم ضربـة للوجه و ضربـة للكفّين»(1) ، و قوله: «مرّتين مرّتين للوجه و الـيدين»(2) ، فظاهره الـشرطيـة أيضاً; لظهوره في أنّ الـضربـة أو مرّتين إنّما هي بلحاظ الـوجه، و كذا الـكفّين بمعنى أنّه الـغايـة الـمقصودة، و مرجعه إلى الـشرطيـة، كما لا يخفى.
و ما كان منها بلسان قوله: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك»(3) . أو بلسان الـبيان و حكايـة فعل الإمام (عليه السلام)، فربّما يقال بظهوره في الـجزئيـة; لدلالته على الأمر با لـضرب كالأمر با لـمسح، أو على فعله كفعله.
ولكنّ الـظاهر خلاف ذلك، فإنّها بصدد بيان كيفيـة الـتيمّم الـصحيح من غير نظر إلى أنّ اعتباره هل هو على نحو الـجزئيـة أو الـشرطيـة؟ بل يمكن أن يقال: إنّ الـروايات بلحاظ ورودها في مقام تفسير الآيـة الـواردة في الـتيمّم لا دلالـة لها على الـجزئيـة بوجه، بل لها دلالـة على الـشرطيـة، لظهور الآيـة فيها، كما عرفت.
و أمّا الـثمرة بين الـوجهين ففي اُمور:
منها: الـموالاة بناء على الـجزئيـة نظراً إلى ظهور الأوامر الـمتعلّقـة با لـمركّبات


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 3.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 1.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 2.


(الصفحة403)


في إتيان أجزائها متوا لـيـة، و قد استدلّوا بذلك في اعتبار الـتوا لـي بين الأجزاء، و الـتحقيق في صحّـة هذا الاستدلال و بطلانه يأتي في مسأ لـة اعتبار الـموالاة إن شاء اللّه تعا لـى، ولكنّه على فرض الـصحّـة يختصّ بالأجزاء، و لا يجري في الـشرائط.
و منها: أنّه على الـشرطيـة لا دليل على لزوم قصد الـتقرّب و الـتعبّد به، بخلافه على الـجزئيـة، فإنّ الـقدر الـمتيقّن من الإجماع على عباديـة الـتيمّم هي عباديـة أجزائه الـتى يتركّب منها ماهيته، لا أعمّ منها و من الـشرائط، إلاّ أن يقال: إنّ مقتضى ارتكاز الـمتشرّعـة عباديـة الـضرب أيضاً، ولكنّه لا يدلّ على الـجزئيـة لإمكان أن يكون خصوص هذا الـشرط عبادة، فتدبّر.
و منها: جواز تأخير الـنيّـة على الـشرطيـة دون الـجزئيـة.
و اُورد على ترتّب هذه الـثمرة: بأنّه لو قيل با لـشرطيـة، فا لـظاهر أنّه شرط تعبّدي، يعتبر في تحقّقه قصد الـغايـة بأن يكون إتيانه بداعي الـمسح الـذي اُريد به الـتيمّم، لأنّ هذا هو الـمتبادر من الأمر بضربـة للوجه و ضربـة للكفّين، و على هذا تنتفي هذه الـثمرة، لأنّه على تقدير الـجزئيـة أيضاً لا يعتبر أزيد من هذا الـقصد، بل ليس له إيجاده إلاّ بهذا الـوجه الـذي هو وجه وجوبه، و لا أثر لتشخيص الـجزئيـة و الـشرطيـة في مقام الإطاعـة.
و منها: عدم الاختلال با لـحدث الـواقع بين الـضرب و الـمسح على الـشرطيـة، و الاختلال على الـجزئيـة.
و اُورد عليه أيضاً: بعدم الـتزام أحد ممّن يقول با لـشرطيـة بعدم الاختلال الـمذكور; إذ لا ينسبق إلى الـذهن من الأدلّـة إلاّ إرادة إيجاد الـضرب، كأجزاء الـتيمّم بعد الـحدث الـذي يتطهّر منه، فهذه الـثمرة منتفيـة أيضاً.


(الصفحة404)



في اعتبار كون الـضرب با لـباطن

ا لـجهـة الـثانيـة: في اعتبار كون الـضرب بباطن الـكفّين، و قد صرّح به جماعـة منهم الـمفيد و الـمرتضى و الـحلّي، بل عن بعض الـمحقّقين أنّه وفاقي، و عليه عمل الـمسلمين في الأعصار و الأمصار من دون شكّ.
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه الـمغروس في أذهان الـمتشرّعـة ـ أنّه الـمتبادر من الأمر بضرب الـيد على الأرض و مسح الـجبهـة بها، خصوصاً من مثل موثّقـة زرارة: «ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى»(1) ، حيث تعرّض للظهر في جانب الـممسوح، و من الـمعلوم أنّ مخا لـفـة الـماسح و الـممسوح مرتكزة، نعم عند الـتعذّر ينتقل إلى الـظاهر، كما سيأتي الـبحث فيه إن شاءا لله تعا لـى.

في اعتبار كون الـضرب بمجموع الـباطن

ا لـجهـة الـثا لـثـة: في اعتبار كون الـضرب بمجموع الـباطن، و أنّه لا يكفي الـضرب با لـبعض الـذي لا يصدق عليه الـضرب با لـكفّ بعد كونه اسماً للمجموع، فظاهر الـضرب با لـكفّ الـمأمور به في الـتيمّم هو الـضرب با لـمجموع، نعم في صورة الـنقص كلام يأتي في محلّه.

في اعتبار مجموع الـكفّين

ا لـجهـة الـرابعـة: في اعتبار مجموع الـكفّين و عدم كفايـة إحداهما مطلقاً و لو انضمّ إليه جزء من الاُخرى، للتعبير با لـتثنيـة في الـروايـة الـواردة في بيان الـتيمّم


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.


(الصفحة405)


و كثير من الـروايات الـبيانيـة، و من الـواضح ظهوره في الـمجموع.

في اعتبار كون الـضرب أو الـوضع دفعـة

ا لـجهـة الـخامسـة: في اعتبار كون الـضرب أو الـوضع دفعـة، و عن «جامع المقاصد» وغيره التصريح به، و في «ا لـحدائق» نسبته إلى ظاهر الأخبار و الأصحاب.
ولكنّه ربّما يناقش في اعتبار هذه الـجهـة: بأنّه لا دليل عليه إلاّ مجرّد الانسباق الـذي هو بدوي، لا يقف عنده الـذهن بعد الالتفات إلى إطلاق الآيـة، و كذا الأخبار، و لو كانت الـدفعـة معتبرة في الـتيمّم يلزم بيانه و الـتصريح به.
و اُجيب عنها: بأنّه لو سلّم قصور دلالـة كلّ واحدة من الـروايات على اعتبار الـمعيّـة، فلا أقلّ من إشعارها بذلك، فإذا اعتضد بعضها ببعض فلا تقصر عن مرتبـة الـدلالـة، مع أنّ إنكار ظهور مثل قوله (عليه السلام): «فوضعهما على الـصعيد» أو «ضربهما على الأرض» في مقام حكايـة الـفعل في الـمعيّـة مكابرة، خصوصاً بملاحظـة قضاء الـعادة بأنّه لو وقع مترتّباً لوقع الـتصريح به ولو في بعض الأخبار الـحاكيـة له.
و الإنصاف: منع ظهور الـروايات في اعتبار الـمعيّـة، و اجتماع الإشعارات لا يوجب الـبلوغ مرتبـة الـدلالـة، نعم لا يبعد أن يكون استمرار الـعمل الـخارجي من الـمتشرّعـة على رعايـة الـمعيّـة و الـتزامهم بها كاشفاً عن اعتبارها، فتدبّر.

في اعتبار كون الـضرب بالأرض

ا لـجهـة الـسادسـة: في كون الـضرب بالأرض، و قد تقدّم معنى الـصعيد الـمأخوذ في آيـة الـتيمّم مفصّلاً، و الـمقصود هنا أنّه لا يعتبر اتّصال الـتراب و نحوه بالأرض، و لا كونه موضوعاً عليها، بل يجزي لو كان على غيرها ولو بدن غيره.


(الصفحة406)


و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الـسيرة الـقطعيـة، و قوله: «ا لـتراب أحد الـطهورين» ـ الآيـة; لأنّ الـظاهر من قوله تعا لـى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) إلى قوله: (منه) أنّ ما هو دخيل فيه هو محلّ الـضرب و وقوع الـيد، و أمّا سائر أجزاء الأرض الـتي لا تقع الـيد عليها لا دخا لـة لها في الـمسح.
و عليه فما في الـروايات الـبيانيـة من ضرب الأرض محمول على الـمثال، بل في «ا لـجواهر» لو كان على وجهه تراب صا لـح فضرب عليه و مسح أجزء، كما في «ا لـذكرى» و غيرها، لصدق الامتثال، و عدم ما يصلح للمعارضـة، ولكنّه قد قيّد الإجزاء بما إذا لم تتحقّق حيلولـة الـتراب حين الـمسح بين الـماسح و الـممسوح. هذا تمام الـكلام في الأمر الأوّل.


الأمر الـثاني: مسح الـجبهـة و الـجبينين بهما معاً

مستوعباً لهما من قصاص الـشعر إلى طرف الأنف الأعلى و إلى الـحاجبين، و قد احتاط با لـمسح عليهما، و الـلازم الـبحث في هذا الأمر أيضاً في جهات متعدّدة:

في اعتبار كون مسح الـجبهـة با لـيدين

الاُولى: في أنّه بعد وضوح لزوم كون الـمسح بما يضرب على الأرض، أو يوضع عليها نصّاً و فتوى بداهـة، عدم جواز الـمسح بغيره، و بعد وضوح عدم إمكان كون مسح الـيدين با لـيدين لاستحا لـته، وقع الـكلام في أنّه هل يعتبر أن يكون مسح الـوجه با لـيدين، أو يكفي الـمسح بيد واحدة؟
فعن «ا لـمختلف» و «ا لـذكرى» و «كشف اللثام» أنّ الأوّل هو الـمشهور، ولكنّه


(الصفحة407)


عن «ا لـتذكرة» احتمال الـثاني، كما أنّه عن الـمحقّقين الأردبيلي و الـخوانساري استظهاره، نظراً إلى إطلاق الآيـة و بعض الأخبار، و عن ثانيهما أنّه قال: كما يجوز حمل الـمطلق على الـمقيّد يجوز الـقول بكفايـة الـمطلق و حمل الـمقيّد على أنّه أحد أفراد الـواجب.
أقول: الـكلام تارة يقع فيما يستفاد من الآيـة، و اُخرى فيما هو مفاد الـروايات الـواردة في الـباب:
أمّا الأوّل: فقد ذكر الـمحقّق الـهمداني (قدس سره) في مقام الإشكال على الاستدلال بإطلاق الآيـة: أنّه قد ثبت كون الآيـة من الـمتشابهات الـتي يجب الـرجوع فيها إلى تفسير أهل الـبيت (عليهم السلام)، و ربّما يدعّى عدم ثبوت الإطلاق لها، لكونها في مقام أصل الـتشريع، لا في مقام بيان الـكيفيـة.
ولكنّ الـظاهر عدم كون الآيـة متشابهـة و لا مجملـة; لأنّ استدلال رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)بها في قصّـة عمّار لإثبات خطائه و اشتباهه في وقوعه على الـصعيد و تمعّكه فيه في مقام الـتيمّم بدلاً عن غسل الـجنابـة، شاهد على وقوع الآيـة في مقام الـبيان، كما أنّ استدلال الإمام (عليه السلام) بها، و الاستفادة من الـتعبيرات الـواقعـة فيها في صحيحـة زرارة الـمعروفـة(1) ، الـتي وقع فيها الـسؤال عن أنّه من أين علم الإمام (عليه السلام)و قال: إنّ الـمسح ببعض الـرأس و بعض الـرجلين، حيث تعرّض الإمام (عليه السلام) في مقام الـجواب لآيـة الـتيمّم أيضاً، و ما يستفاد منها أيضاً شاهد على صلاحيتها للاستدلال، كما أنّ وقوعها في ذيل آيـة الـوضوء الـتي هي صا لـحـة للاستدلال بلا إشكال شاهد ثا لـث على ذلك.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 13، الـحديث 1.


(الصفحة408)


نعم، الإشكال إنّما هو من جهـة ورود تقييدات كثيرة عليها، لكنّها ليست من الـكثرة بحدّ يوجب الاستهجان حتّى يجب الالتزام بالإهمال، أو بقيام الـقرائن الـحا لـيـة غير الـواصلـة إلينا.
فالإنصاف: صلاحيـة الآيـة للاستدلال، و مقتضى إطلاقها عدم اعتبار كون مسح الـوجه بكلتا الـيدين.
و أمّا الـثاني: فالأخبار من هذه الـجهـة على ثلاث طوائف:
الاُولى: ما وقع فيه الـتعبير با لـيد بصورة الـمفرد، و الـظاهر أنّ هذه الـطائفـة هو الـمراد من «بعض الأخبار» الـذي استدلّ به على جواز الاكتفاء بيد واحدة، و هي مثل صحيحـة زرارة أو موثّقته قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم، فضرب بيده على الأرض، ثمّ رفعها فنفضها، ثمّ مسح بها جبينه و كفّيه مرّة واحدة.(1)
و خبر أبي أيّوب الـخزّاز الـمتقدّمـة، الـمشتملـة على قوله ـ حكايـة لفعل أبي عبدا للّه (عليه السلام): فوضع يده على الـمسح، ثمّ رفعها فمسح وجهه ....(2)
و غيرهما ممّا وقع فيه الـتعبير بصورة الـمفرد.
هذا، و الـظاهر أنّه لا مجال للاستدلال بهذه الـطائفـة; لأنّ الـكلام في الـمقام إنّما هو بعد الـفراغ عن اعتبار كون الـواجب ـ جزءً أو شرطاً ـ هو الـضرب، أو الـوضع با لـيدين، و أنّه لا يكفي الـضرب بيد واحدة فقط.
و عليه فا لـلازم حمل هذه الـطائفـة على كون الـمراد با لـيد الـمضافـة إلى الـضمير جنسها الـصادق على الـواحد و الـمتعدّد، لا الـفرد غير الـمعيّن، و حينئذ


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 3.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 2.


(الصفحة409)


يمكن أن يقال بأنّ ظهور سياق هذه الـطائفـة ـ في كون مسح الـجبهـة أيضاً واقعاً با لـيد الـمضروبـة على الأرض، و الـفرض أنّه متعدّد ـ دليل على كون مسح الـجبهـة واقعاً با لـيدين، كما لا يخفى، و لا أقلّ من عدم ظهورها في الاكتفاء بيد واحدة.
ا لـثانيـة: ما يكون من قبيل موثّقـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الـتيمّم الـمتقدّمـة، قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك».(1)
و صحيحـة ليث الـمرادي الـمتقدّمـة أيضاً، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال: «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك».(2)
و قد ادّعي ظهور هذه الـطائفـة، بل صراحتها في كون مسح الـوجه با لـيدين، ولكنّه ذكر الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» أنّه يمكن إنكار ظهورها فضلاً عن صراحتها، و ملخّص ما أفاده: «أنّ محتملات قوله: «و تمسح بهما وجهك و يديك» أو «و ذراعيك»، كثيرة، بحسب بادي الـنظر:
أحدها: أن يكون الـمراد تمسح بهذه و هذه وجهك و يدك الـيمنى و يدك الـيسرى، جموداً على ظاهر علامـة الـتثنيـة من تكرير مدخولها و ظاهر الـضمير الـراجع إلى طبيعـة الـيدين من غير اعتبار الاجتماع في الـمدخول و الـمرجع، فإنّه يحتاج إلى مؤونـة زائدة، ولازم هذه الاحتمال لزوم مسح كلّ يد جميع الجبهة أو هي مع الجبينين، وكذا مسح كلّ من الـيدين الـماسحين كلّ واحد من الـممسوحين، و هو غير ممكن في الـثاني، و لم يلتزموا به في الأوّل، فهذا الاحتمال مدفوع لذلك.
ثانيها: أن يكون الـمراد تمسح بمجموعهما وجهك و كلّ واحد من يديك، و لازمه


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 7.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 2.


(الصفحة410)


لزوم مسح كلّ من الـيدين بمجموعهما، و هو أيضاً مدفوع لامتناعه.
ثا لـثها: أن يكون الـمراد تمسح بمجموعهما وجهك و مجموع الـيدين، و لازم ذلك ما هو الـمشهور.
رابعها: أن يكون المراد تمسح بمجموعهما مجموع الـوجه و اليدين، أي بمجموع هذين مجموع الـثلاثة، ولازم ذلك جواز مسح الـوجه بيد واحدة كما اختاره المحقّقان الـمتقدّمان، و لا ترجيح لأوّل الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما; لأجل ارتكاز العرف بأنّ الـمسح لإيصال أثر الأرض ولو أثرها الاعتباري من غير دخا لـة مجموع الـيدين في ذلك، و ضرب الـيدين إنّما هو لتحصيل الـمسحات الـثلاث، لا لمسح الـوجه بهما، فيوافق إطلاق الآيـة، و مع تساويهما أو الـترجيح الـظنّي للأوّل لا يترك الإطلاق; لعدم ظهور معتدّ به، و عدم كون الـظنّ مستنداً إلى ظهور اللفظ حتّى يكون حجّـة».
أقول: الـظاهر أنّه بعد لزوم ضرب الـيدين أو وضعهما أوّلاً، خصوصاً بعد اعتبار الـمعيّـة و الـدفعـة كما عرفت، و بعد الارتكاز الـمزبور الـذي أفاده دام ظلّه من كون الـمسح لإيصال أثر الأرض، و بعد ملاحظـة أنّ الـوجه شيء واحد لا تعدّد فيه، و أنّ اليدين مع ثبوت التعدّد فيهما لايعقل مسحهما بكلّ واحد من الـماسحين، يصير الفرق بين الـوجه وا لـيدين بحسب المتفاهم الـعرفي واضحاً، فإنّ الـوجه حيث يكون واحداً وا لمفروض لزوم مسحه با لـيدين الـمضروبتين على الأرض كما هو ظاهر هذه الطائفة، فا لـلازم مسحه بكلّ واحدة منهما، لا بمعنى مسح كلّ جزء منه بكلّ واحدة منهما لما عرفت من الارتكاز الـمزبور، وأمّا الـيدين من جهـة الـممسوحية فلمّا يكونان متعدّداً فا لـلازم أن تمسح كلّ واحدة منهما بواحدة فقط، لعدم الـمعقوليـة، و للارتكاز.
فالإنصاف: ظهور هذه الـطائفـة في اعتبار كون مسح الـوجه بجموع الـيدين.


(الصفحة411)


ا لـطائفـة الـثا لـثـة: ما يكون من قبيل صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)ا لـحاكيـة لقصّـة عمّار الـمشتملـة على قوله (عليه السلام): «ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الـصعيد، ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى، ثمّ لم يعدّ ذلك»(1) .
و موثّقته الـحاكيـة لهذه الـقصّـة الـمشتملـة على قوله (عليه السلام): «فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى»(2) .
و روايـة الـكاهلي الـتي رواها عنه صفوان قال: سأ لـته عن الـتيمّم قال: فضرب بيده على الـبساط فمسح بهما وجهه، ثمّ مسح كفّيه إحداهما على ظهر الاُخرى(3) . و غيرها من الروايات التي وقع فيها التعبير بهذه الـكيفيـة، الظاهرة في أنّ مسح الـوجه و الـجبين قد وقع بعين ما ضرب على الأرض أو الـبساط، و لولا ذلك لكان الـلازم في مقام الـنقل و الـحكايـة أن يقال: ثمّ مسح بإحداهما وجهه أو جبينه، كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ذلك: أنّه مع ملاحظـة الـروايات لابدّ من تقييد إطلاق الآيـة و الـحكم بكونها مقيّدة، بلزوم كون الـمسح بالإضافـة إلى الـوجه بكلتا الـيدين.

في تحديد الـممسوح من الـوجه

ا لـجهـة الـثانيـة: في تحديد الـممسوح من الـوجه.
فنقول: أمّا الـفتاوى و آراء الأصحاب رضي اللّه عنهم فا لـمشهور بين الـمتقدّمين،


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 8.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 1.


(الصفحة412)


و كذا بين الـمتأخّرين، هو وجوب مسح الـجبهـة و الـجبينين، و قد حكي ذلك عن «جامع الـمقاصد» و «مجمع الـبرهان» و «ا لـمدارك» و «شرح الـمفاتيح» و «منظومـة الـطباطبائي» و «فوائد الـشرائع» و «حاشيـة الإرشاد» و «شرح الـجعفريـة» و «حاشيـة الـميسي» و «ا لـروضـة» و «ا لـمسا لـك» و «رسا لـة صاحب الـمعا لـم»، و عن «مجمع الـبرهان»: أنّه الـمشهور، بل عن «شرح الـمفاتيح»: لعلّه لا نزاع فيه بين الـفقهاء. بل في الـجبهـة على ما في «ا لـجواهر»: إجماعاً محصّلاً و منقولاً مستفيضاً، بل متواتراً. و في «ا لـمستند»: هو محلّ الـوفاق بين الـمسلمين، بل هو ضروري الـدين. و نحوه ما عن «ا لـمصابيح». و عن «رسا لـة علي بن بابويه» الالتزام باستيعاب مسح الـوجه و الـذراعين.
و أمّا الأدلّـة: فمقتضى إطلاق الآيـة جواز مسح بعض الـوجه، أيّ بعض كان، لكون الـباء فيها تبعيضيـة على ما شهدت به الـروايـة و الأدبيـة.
أمّا الرواية: فقوله(عليه السلام) في صحيحـة زرارة الـمعروفة الـمتقدّمـة: «فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الـماء أثبت بعض الغسل مسحاً; لأنّه قال: (بوجوهكم ...)»(1) .
و أمّا الأدبيـة: فقال الـسيّد الـمرتضى (قدس سره) و هو من أهل الـخبرة في هذه الـصناعـة: إنّ الـباء إذا لم يكن لتعديـة الـفعل إلى الـمفعول فلابدّ له من فائدة و إلاّ كان عبثاً، و لا فائدة بعد ارتفاع الـتعديـة به إلاّ الـتبعيض.
و أمّا الـروايات: فا لـتعبيرات الـواقعـة فيها مختلفـة، ففي بعضها ـ و هي الأكثر ـ عنوان «ا لـوجه»، و منها ما عبّر فيه با لـجبينين، و منها ما عبّر فيه با لـجبين مفردة.
و أمّا الـجبهـة: فعن «كشف اللثام»: ادّعى الـحسن تواتر الأخبار بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)حين


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 13، الـحديث 1.


(الصفحة413)


علّم عمّاراً مسح بهما جبهته، ولكنّه اعترض عليه بأنّه لم توجد روايـة متضمّنـة للجبهـة، نعم روايـة زرارة الـمتقدّمـة ـ الـمردّدة بين كونها صحيحـة أو موثّقـة ـ قد رواها الـكليني كما تقدّم من الـتعبير فيه با لـجبين، و رواها الـشيخ (قدس سره)، عن الـكليني كذلك، و عن الـمفيد، لكنّه ذكر فيه بدل «ا لـجبين» «ا لـجبهـة».
و في روايـة زرارة الـمحكيّـة عن «تفسير الـعياشي» قد عبّر با لـمسح من بين الـعينين إلى أسفل الـحاجبين.
و في روايـة «فقه الـرضا» وقع الـتعبير بموضع الـسجود من مقام الـشعر إلى طرف الأنف، و روى فيه مسح الـوجه من فوق الـحاجبين، و بقي ما بقي.
أقول: الـروايات الـتي قد عبّر فيها با لـوجه ظاهرها لزوم الاستيعاب; لأنّ الأمر با لـمسح على الـوجه أو حكايته ظاهران في تحقّق الاستيعاب، ولكنّه لا محيص من الـتصرّف في هذا الـظهور، لأنّه مضافاً إلى دلالـة روايات كثيرة على عدم وجوب الاستيعاب، قد عرفت ظهور الآيـة، بل صراحتها بلحاظ كلمـة الـباء في الـتبعيض و عدم لزوم الاستيعاب، مضافاً إلى أنّه لم ينقل الـقول به من أحد غير الـرسا لـة الـمذكورة، فلابدّ من الـتصرّف فيها بوجه، إمّا برفع الـيد عن ظهورها في وجوب الاستيعاب با لـحمل على الاستحباب، أو رفع الـيد عن ظهورها في الاستيعاب با لـحمل على إرادة مسح الـوجه في الـجملـة ولو بمسح بعضه، أو با لـحمل على الـتخيير كما يظهر من «ا لـمعتبر» حيث قال با لـتخيير بين استيعاب الـوجه و مسح بعضه، بشرط عدم الاقتصار على أقلّ من الـجبهـة.
هذا، مضافاً إلى ما أفاده الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» من أنّ الـشأن في صلاحيـة هذه الـروايات الـمتجاوزة عن الـعشر لإثبات الـوجوب في نفسها


(الصفحة414)


للمناقشـة فيها سنداً أو دلالـة أو جهـة، نعم إلاّ الـنادرة منها، و هي صحيحـة زرارة قال: سمعت أباجعفر (عليه السلام)يقول: و ذكر الـتيمّم و ما صنع عمّار، فوضع أبوجعفر (عليه السلام) كفّيه على الأرض، ثمّ مسح وجهه و كفّيه و لم يمسح الـذراعين بشيء.(1)
وهي أيضاً قابلة للمناقشة; لعدم تفصيل الـقصّة فيها حتّى يعلم كون أبي جعفر (عليه السلام)في مقام بيان أيّـة جهـة من جهات الـتيمّم، و كون الـمذكور فيها عمله، و يصحّ لمن يرى مسح يده على جبهته أو جبينه أن يقول مسح يده على وجهه من غير تسامح و تجوّز، مع أ نّه لا تبعد دعوى الـفرق بين قوله «اغسل وجهك»، و بين قوله «امسح وجهك بيدك»، بأنّه يفهم الاستيعاب في الأوّل دون الـثاني، فتدبّر.
و كيف كان: فلا شبهـة في عدم وجوب الاستيعاب في الـوجه، لما عرفت.
و أمّا مسح الـجبهـة: فلا دليل من الـروايات على وجوبه لعدم اشتمال شيء منها عليه، نعم قد عرفت أ نّه رويت رواية زرارة الـمتقدّمة في «ا لـتهذيب» عن الـمفيد (قدس سره)، مشتملـة على كلمـة «ا لـجبهـة» مكان «ا لـجبين»، ولكنّها لم تثبت، مضافاً إلى أ نّه ربّما يقال بأنّ الـظاهر أ نّها كانت في الأصل «جبينه» و اشتبهت في الـنسخ لغايـة شباهتهما في الـخطّ الـعربي، سيّما في الـخطوط الـقديمـة، خصوصاً مع خلوّ سائر الـروايات عن ذكر الـجبهـة، و اشتما لـها على الـجبين مفردة أو مثناة، نعم حكي عن «ا لـوافي» أ نّه رواها عن «ا لـكافي» مشتملـة على «ا لـجبهـة»، فيظهر من ذلك أنّ نسخ «ا لـكافي» أيضاً مختلفـة.
كما أ نّه عرفت من «فقه الـرضا» الـتعبير بموضع الـسجود الـمنطبق على الـجبهـة، ولكنّه عرفت مراراً عدم حجيـة «ا لـفقه الـرضوي» بوجه، و كما أ نّه ذكر


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 5.


(الصفحة415)


ا لـمحقّق في «ا لـنافع»: و هل يجب استيعاب الـوجه و الـذراعين با لـمسح؟ فيه روايتان أشهرهما اختصاص الـمسح با لـجبهـة. فإنّ ظاهره كون الـمسح با لـجبهـة أشهر و أكثر من حيث الـروايـة، مع أ نّه من الـواضح كون روايات الـوجه و الـجبين أكثر، فلابدّ من أن يكون مراده هي الأشهريـة من حيث الـفتوى، لأ نّه من الـواضح أ نّه لم تصل إلى الـمحقّق (قدس سره)روايات اُخر غير واصلـة إلينا، فتدبّر.
هذا، و ربّما يقال بأنّ صحيحـة زرارة و موثّقته، عن أبي جعفر (عليه السلام)، الـحاكيتين لفعل رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تعليماً لعمّار، كا لـصريح في كفايـة مسح الـجبينين من دون لزوم مسح الـجبهة، فإنّ قوله (عليه السلام): «ثمّ مسح ـ أي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) جبينيه بأصابعه»، أو «ثمّ مسح بجبينيه» في مقام بيان الـحكم و إفادة ماهيـة الـتيمّم ظاهر، بل كا لـنصّ في أنّ ما هو الـدخيل في هذه الـماهيـة من جهـة الـوجه هو مسحهما فقط دون غيرهما، ضرورة أنّ نقل الإمام (عليه السلام)في مقام بيان الـحكم ليس كنقل أحد من الـرواة حتّى يجري فيه احتمال الـخطأ، أو يقال أنّ ترك ذكر الـجبهـة كان لأجل توهّم ملازمـة مسحها لمسحهما مع عدم ثبوت الـملازمـة واقعاً.
و حينئذ يشكل الأمر في مسح الـجبهـة، و لولا الإجماع بل الـضرورة على وجوبه ـ على ما عرفت ـ لأمكن الالتزام با لـعدم بملاحظـة ما ذكر، لكنّه بعد تحقّقهما لامناص من الالتزام بوجوبه كوجوب مسح الـجبينين الـذي هو مفاد الأخبار الـكثيرة، و لابدّ من تأويل الـروايات على ما تنطبق عليه، بدعوى أنّ مسح جبينيه بتمام أصابعه يلازم عادة مسح الـجبهـة، و أولى منه ما وقع فيه الـتعبير بلفظ الـجبين مفردة، فإنّ إطلاق الـجبين على تمام الـقطعـة الـتي فوق الـحاجبين غير بعيد، بل شايع في مثل قولهم: بكدّ الـيمين و عرق الـجبين، و في الـحديث «إذا مات الـمؤمن عرق منه الـجبين»،


(الصفحة416)


و الـمراد منه الـسطح الـمشتمل على الـجبهـة و الـجبين، و هذا الإطلاق و لو كان مجازاً إلاّ أنّه لا محيص عنه بعد ملاحظـة ما ذكرنا.
و قد انقدح ممّا ذكرنا: أنّ لزوم مسح الـجبينين ـ مضافاً إلى الـجبهـة ـ ممّا لا إشكال فيه، لدلالـة روايات كثيرة عليه، و اشتمال الـموثّقـة على بعض طرق نقلها على خصوص الـجبهـة، و كذا «ا لـفقه الـرضوي»، و مرسلـة الـعياشي عن زرارة الـتي مرّت الإشارة إليها، لا يصلح لإثبات الاكتفاء بخصوص مسح الـجبهـة و عدم وجوب الزائد عليه، لعدم ثبوت نقلها بهذا الـوجه، وعدم حجّيـة «فقه الـرضا»، و كذا الـمرسلة.
ولكنّه قد يجمع بينها، و بين الـروايات الـدالّـة على مسح الجبينين فقط، برفع اليد عن ظاهر كلّ من الـطائفتين بصريح الاُخرى، فإنّ الـطائفـة الاُولى نصّ في اعتبار الـجبهـة، و ظاهر في عدم اعتبار غيرها من جهـة الـسكوت في مقام الـبيان، و الـطائفـة الاُولى عكس ذلك، فيأوّل الـظاهر با لـنصّ، فيحكم باعتبارهما.
ولكنّ الـظاهر أنّه لو وصلت الـنوبـة إلى الـجمع لكان مقتضاه الـحكم با لـتخيير بين الأمرين، لا وجوب الـجمع بينهما، كما لا يخفى.
و الـحقّ: أنّه لا تصل الـنوبـة إليه لما ذكر، بل الـلازم هو ضمّ مسح الـجبينين إلى الـجبهـة، كما هو الـمشهور على ما مرّ.

بقي الـكلام في هذه الـجهـة في أمرين:

الأوّل: أنّه قد حدّد الـوجه الـذي يجب مسحه بقصاص الـشعر إلى طرف الأنف، و الـظاهر أنّ الـمراد به هو الـطرف الأعلى، كما صرّح به الـعلاّمـة في محكىّ «ا لـمنتهى»، و قال: إنّه الـمراد في عبارات الـمفيد و الـشيخ و الـسيّد و ابن حمزة و أبي ا لـصلاح، و هو ظاهر من قال بمسح الـجبينين و الـحاجبين، كا لـصدوق في


(الصفحة417)


«ا لـفقيه»، بل في «ا لـجواهر»: صرّح بذلك بنوحمزة و إدريس و سعيد و الـعلاّمـة و الـشهيدان و غيرهم، و عن ابن إدريس الإرزاء ببعض الـمتفقّهـة، حيث ظنّ أنّه الأسفل.
و الـظاهر أنّ مقتضى الأدلّـة عدم لزومه، لعدم إشعار شيء منهما بلزوم مسح الـزائد على الـجبهـة و الـجبين، بعد حمل أخبار الـوجه على خلاف ظاهره الـذي هو الاستيعاب.
ا لـثاني: حكي عن الـصدوق وجوب مسح الـحاجبين، حيث قال في محكيّ «الأما لـي»: و قد روي أن يمسح الـرجل جبينه و حاجبيه، و عليه مضى مشائخنا.
ويظهر ممّا في «ا لمنتهى» من قوله: إنّه لايجب مسح ما تحت الحاجبين، أنّ وجوب مسحهما مسلّم، وعليه فدعوى الشهرة على العدم كما في محكيّ «ا لـكفايـة» ممنوعة.
و يؤيّد ما ذكر: أنّ الـمسح إلى طرف الأنف الأعلى مستلزم لمسح الـحاجبين أيضاً; لأنّ هذا الـطرف أسفل من الـحاجبين، كما لا يخفى.
نعم، ظاهر الـروايات الـبيانيـة الـحاكيـة لتيمّم الـمعصوم (عليه السلام) خلافه، لعدم دلالـة شيء منها على مسح الـحاجبين، و مرسلـة الـصدوق غير معتبرة، و مع ذلك يشكل الـحكم با لـعدم بعد الـشهرة الـمحقّقـة، بل الـتسلّم الـمستفاد من كلام «ا لـمنتهى»، و الأخبار الـبيانيـة كانت خا لـيـة من ذكر الـجبهـة أيضاً، و الـملازمـة الـمذكورة هناك جاريـة هنا أيضاً، فالأحوط ـ كما في الـمتن ـ مسح الـحاجبين أيضاً.

في اعتبار كون مسح الـوجه دفعـة

ا لـجهـة الـثا لـثـة: أنّه هل يجب مسح الـوجه با لـيدين دفعـة، أم يجوز تدريجاً؟


(الصفحة418)


مقتقضى إطلاق الآيـة و بعض الـروايات ـ كروايتي زرارة و الـمرادي الـمتقدّمتين ـ هو الـثاني، لكنّ الـروايات الـبيانيـة غير خا لـيـة عن الإشعار، بل الـدلالـة على أنّ عمل الـمعصوم (عليه السلام) كان بنحو الـدفعـة، نعم يمكن الـمناقشـة في استفادة اللزوم منها بأنّ تعارف الـدفعـة يوجب عدم الـظهور في الـتعيين، و ليس هذا مثل سائر الـخصوصيات الـمعمولـة كا لـضرب با لـيدين لا بيد واحدة، لعدم جريان هذا الـتعارف فيها، بل تكون رعايتها من دون مدخليـة بلا وجه، كما أنّ الـسيرة الـمستمرّة على الـدفعـة لا تدلّ إلاّ على صحّتها لا تعيّنها، إلاّ أن يقال بأنّ الـتزام الـمتشرّعـة في مقام الـعمل يكشف عن اعتبارها، كما ذكرناه في اعتبار الـمعيّـة في الـضرب أو الـوضع على الأرض.

في اعتبار كون الـمسح بجميع الـكفّ

ا لـجهـة الـرابعـة: أنّه هل يعتبر كون الـمسح بجميع الـكفّ، أم لا؟
و نقول: الـوجوه الـمتصوّرة في مسح الـجبهـة با لـيدين خمسـة، كما ذكره بعض:
الأوّل: أن يمرّ كلّ جزء من الـكفّين بكلّ جزء من الـممسوح.
ا لـثاني: أن يمرّ تمام كلّ منهما على تمام الـممسوح.
ا لـثا لـث: أن يمرّ تمام أحدهما على بعضه، و تمام الآخر على الـباقي.
ا لـرابع: أن يمرّ كلاًّ من الـكفّين في الـجملـة ولو بعضاً من كلّ منهما على جميع أجزاء الـممسوح.
ا لـخامس: أن يمرّ كلاًّ من الـيدين في الـجملـة و لو بعض كلّ منهما على بعض الـممسوح، بحيث لا يبقى منه جزء إلاّ و قد مرّ عليه بعض الـماسح.


(الصفحة419)


أمّا الأوّل: فمضافاً إلى أنّه لم يقل به أحد يكون متعذّراً أو متعسّراً، لأنّه يتوقّف على إمرار كلّ من الـيدين مرّات متعدّدة بتعدّد الـخطوط الـطوليـة للممسوح.
و أمّا الـثاني: فقد نسب إلى ظاهر «ا لـمدارك» و غيرها، و اُورد عليه بأنّه يتوقّف على ظهور الأدلّـة في استيعاب الـماسح، و على ظهورها في لزوم مسح تمام أجزاء الـممسوح بكلّ منهما، و هما معاً غير ثابتين، بل الأوّل منهما خلاف قول الـباقر (عليه السلام) في صحيحـة زرارة: «ثمّ مسح جبينه بأصابعه». و يتوقّف حصوله على الـمسح بكلّ من الـيدين تدريجاً، و هو غير ظاهر منها لو لم يكن الـظاهر منها الـدفعـة.
أقول: منشأ توهّم ظهور الأدلّـة في استيعاب الـماسح هو لزوم الاستيعاب في الـضرب أو الـوضع، فإنّه مع كون الـواجب فيهما هو ضرب جميع الـكفّ أو وضعه، و من الـظاهر أنّه بلحاظ الـمسح يكشف ذلك عن لزوم استيعاب الـماسح، و وصول جميع أجزائه إلى الـممسوح.
و يندفع: بظهور الأدلّـة في أنّ ضرب الـيد على الأرض إنّما هو لإيصال أثرها ولو اعتباراً إلى الـممسوح، و ليس للكفّين إلاّ سمـة الآليّـة للمسح منها، فإذا حصل ببعض الـكفّ سقط الـتكليف.
و يمكن أن يقال: إنّ منشأ الـتفكيك هو عدم ثبوت الـخصوصيـة لبعض أجزاء الـماسح على الـبعض الآخر، و ثبوت الـتخيير بين أبعاضه، و لا يتحقّق ذلك إلاّ بالاستيعاب في مقام الـضرب أو الـوضع، لأنّه مع عدمه يتعيّن خصوص الـبعض الـمضروب أو الـموضوع للمسح، مع أنّه لا تعيّن له بوجه.
هذا، مع أنّ صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة صريحـة في عدم لزوم الاستيعاب، فإنّ الاقتصار في مقام الـنقل الـذي يكون الـغرض منه بيان الـحكم على خصوص الأصابع


(الصفحة420)


ا لـتي هي بعض الـكفّ، صريح في عدم لزوم الاستيعاب و إلاّ لم يجز هذا الـتعبير كما هو ظاهر.
و بهذا يجاب عن الاحتمال الـثا لـث الـمنسوب إلى ظاهر الـنراقي في «ا للوامع».
و أمّا الاحتمال الـرابع الـمنسوب إلى بعض، فيرد عليه أنّ لازمه تكرار الـمسح، بمعنى عدم تحقّقه دفعـة واحدة، لأنّ وصول الـكفّين ولو ببعض أجزائهما على جميع أجزاء الممسوح لايتحقّق دفعـة واحدة، مع أنّ ظاهر الـنصوص الـبيانية تحقّقه كذلك، و لا أقلّ من إمكان تحقّقه كذلك، فيتعيّن الاحتمال الـخامس الـذي أفاده في الـمتن.


الأمر الـثا لـث: في مسح الـيدين

مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيمنى من الـزند إلى أطراف الأصابع بباطن الـكفّ الـيسرى، ثمّ مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيسرى بباطن الـكفّ الـيمنى. و في هذا الأمر أيضاً جهات من الـكلام:

في أصل الـوجوب

الاُولى: في أصل وجوب مسح الـيدين في الـجملـة، و اعتباره في الـتيمّم، و الـظاهر أ نّه إجماعي بين الـمسلمين، و يدلّ عليه الـكتاب و الـسنّـة.

في تحديد الـممسوح

ا لـثانيـة: في تحديد الـممسوح، و الـمشهور بين الأصحاب بل عليه تكرّر نقل الإجماع هو وجوب مسح الـكفّين من الـزند ـ و هو الـمفصل بين الـساعد و الـكفّ ـ

<<التالي الفهرس السابق>>