في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة561)


و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الـخمر.
قال: «تغسله ثلاث مرّات».
سئل أيجزيه أن يصبّ فيه الـماء؟
قال: «لا يجزيه، حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات»(1) .
و مقتضى الـجمع هو حمل الاُولى على الاستحباب. و يؤيّده اشتما لـها على الـكلب الـذي لا يجب فيه الـسبع كما عرفت، و يؤيّده أيضاً موثّقته الـثا لـثـة(2) ا لـمتقدّمـة الـواردة في مطلق الإناء الـقذر، الـدالّـة على وجوب الغسل ثلاث مرّات.

في الآنيـة الـتي باشرها الـكلب

ا لـخامس: الآنيـة الـتي باشرها الـكلب من دون ولوغ، و يستحبّ فيه الـغسل سبع مرّات; لموثّقـة عمّار الـمتقدّمـة آنفاً، الـمشتملـة على تشبيه الـكلب بشرب الـنبيذ، الـمحمولـة على الاستحباب; جمعاً بينها و بين الـموثّقتين الاُخريين له. و الـواجب فيه هو الـغسل ثلاثاً كما في سائر الـنجاسات.

حكم الآنيـة الـتي تنجس بسائر الـنجاسات

ا لـسادس: سائر الـنجاسات، و الـحكم فيه من جهـة الـتطهير با لـماء الـقليل، هو لزوم الـغسل ثلاثاً; لدلالـة موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة الـواردة في مطلق الـقذر، الـدالّـة على لزوم الـغسل ثلاث مرّات.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 51، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.


(الصفحة562)


و لاينافيها إطلاقات أوامر الـغسل الـظاهرة في جواز الاكتفاء با لـمرّة; لأنّها ـ على تقدير كونها في مقام الـبيان من جهـة الـوحدة و الـتعدّد أيضاً، و عدم كونها مسوقـة لإفادة مجرّد الـنجاسـة; و لزوم الـغسل في الـجملـة ـ محمولـة على الـتعدّد; لصلاحيـة الـموثّقـة لتقييدها بعد ورودها في مطلق الإناء الـقذر، و احتمالِ كون الإناء له حكم خاصّ في الـتطهير; من جهـة كونه معدّاً للأكل و الـشرب، كما عرفت في الـولوغ، فا لـلازم فيها الـغسل ثلاث مرّات بلا إشكال.



(الصفحة563)

مسأ لـة 3: تطهير الأواني الـصغيرة و الـكبيرة، ضيقـة الـرأس و واسعته، با لـكثير و الـجاري واضح; بأن توضع فيه حتّى يستولي عليها الـماء، و لاينبغي ترك الاحتياط با لـتثليث كذلك.
و أمّا با لـقليل، فبصبّ الـماء فيها و إدارته حتّى يستوعب جميع أجزائها بالأجزاء الـذي يتحقّق به «ا لـغسل» ثمّ يراق منها، يفعل بها ثلاثاً.
و الأحوط الـفوريـة في الإدارة عقيب الـصبّ فيها، و الإفراغ عقيب الإدارة على جميع أجزائها. هذا في الأواني الـصغار و الـكبار الـتي يمكن فيها الإدارة و الإفراغ عقيبها.
و أمّا الأواني الـكبار الـمثبتـة، وا لـحياض و نحوها، فتطهيرها بإجراء الـماء عليها حتّى يستوعب جميع أجزائها، ثمّ يخرج حينئذ ماء الـغسا لـة الـمجتمع في وسطها مثلاً بنزح و غيره، من غير اعتبار الـفوريّـة الـمزبورة.
و الأحوط اعتبار تطهير آلـة الـنزح إذا اُريد عودها إليه، و لا بأس بما يتقاطر فيه حال الـنزح، و إن كان الأحوط خلافه1 .



في كيفيـة تطهير الأواني با لـماء الـقليل

(1) أمّا تطهير الأواني الـصغيرة و الـكبيرة غير الـمثبتـة با لـكثير و الـجاري، فقد عرفته سابقاً في أوّل مبحث الـمطهّرات; و أنّه يتحقّق باستيلاء الـماء عليها، و لا يحتاج إلى الـتعدّد و إن كان أحوط، فراجع.
و أمّا تطهيرهما با لـقليل، فيدلّ على كيفيته موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سئل عن الـكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟


(الصفحة564)


قال: «يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الـماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ ذلك الـماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه و قد طهر ...» الـحديث(1) .
و ظاهرها لزوم تحريك الـماء و إدارته في الإناء.
و هل له خصوصيـة في مقام الـتطهير; بحيث لا يتحقّق بدونها، أو أنّ الـغرض منه إيصال الـماء إلى جميع أجزاء الإناء; بحيث لو وصل إليها من دون تحريك، كفى في تطهيره، كما إذا ملأه ماء، ثمّ فرّغ منه ثلاث مرّات؟
يظهر من صاحب «ا لـجواهر» (قدس سره) الاستشكال في الاكتفاء بغير الـتحريك، و لعلّ منشأه الـجمود على ظاهر الـروايـة.
ولكن الـمتفاهم عند الـعرف من الإدارة وا لـتحريك هو وصول الـماء إلى جميع أجزاء الإناء، و ليس محلّ الـكلام فيما إذا كانت الـعين باقيـة قطعاً أو احتمالاً، بل محلّ الـكلام صورة زوال الـعين، و لا فرق في هذه الـصورة بين الـتحريك و غيره; ممّا يقوم مقامه في وصول الـماء إلى جميع الأجزاء.
و منه يظهر: أنّه لا فرق بين أن يكون الإناء مستقرّاً فيه الـماء; على نحو يمكن تحريكه، و بين ما لايستقرّ فيه الـماء، و لا يمكن الـتحريك فيه، كما إذا كانت له ثقبـة; بحيث لا يبقى الـماء فيه، و هل يمكن دعوى عدم استفادة حكم الـصورة الـثانيـة من الـموثّقـة، أو دعوى إمكان تطهيره با لـقليل؟!
كما أنّ ممّا ذكرنا ظهر: أنّه لو كان الـصبّ بحيث يجري بسببه الـماء على جميع أجزاء الإناء، لا يحتاج معه إلى الـتحريك بوجه، كما لا يخفى. و أمّا ما في الـمتن: من أنّ

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.


(الصفحة565)


الأحوط الـفوريـة في الإدارة عقيب الـصبّ، و الإفراغ عقيب الإدارة، فمنشأه ظاهراً انصراف الإطلاق إليها، و إلاّ فا لـفوريـة غير معتبرة في مفهوم الـغسل، و الانصراف أيضاً غير ظاهر، و الـعطف بـ «ا لـفاء» في الـتحريك عقيب الـصبّ، لا دلالـة له على الاتّصال، و إلاّ فا لـلازم تخصيص الاحتياط به; لأنّ عطف الإفراغ إنّما وقع بكلمـة ثمّ فالاحتياط على هذا الـتقدير استحبابي، لاوجوبي.
و أمّا تطهير الأواني الـكبار الـمثبتـة و الـحياض، فقد ذكروا: أنّه يمكن بوجوه:
أحدها: أن تملأ ماءً، ثم تفرغ ثلاث مرّات.
ثانيها: أن يجعل فيها الـماء، ثمّ يدار إلى أطرافها بإعانـة الـيد أو غيرها، ثمّ يخرج منها ماء الـغسا لـة ثلاث مرّات.
ثا لـثها: أن يدار الـماء إلى أطرافها مبتدءً بالأسفل إلى الأعلى، ثمّ يخرج الـغسا لـة الـمجتمعـة ثلاث مرّات.
رابعها: أن يدار كذلك، لكن من أعلاها إلى الأسفل، ثمّ يخرج ثلاث مرّات.
و لا يشكل: بأنّ الابتداء من الأعلى، يوجب اجتماع الـغسا لـة في أسفلها قبل أن يغسل، و مع اجتماعها لا يمكن إدارة الـماء في أسفلها، و ذلك لأنّ الـمجموع يعدّ غسلاً واحداً، فا لـماء الـذي ينزل من الأعلى يغسل كلّ ماجرى عليه إلى الأسفل، و بعد الاجتماع يعدّ الـمجموع غسا لـة.
و الـدليل على كفايـة جميع الـوجوه الـمذكورة، موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة، بعد عدم كون الـتحريك الـوارد فيها له موضوعيـة و خصوصيـة; لما عرفت من أنّ الـمتفاهم الـعرفي منه هو وصول الـماء إلى جميع أجزاء الإناء، و هو يتحقّق بكلّ واحد من الـوجوه الأربعـة.


(الصفحة566)


و لا مجال للمناقشـة: بعدم كون الـحياض من الأواني، فلا تشملها الـموثّقـة; لوضوح عدم الـفرق بينها و بين الأواني الـمثبتـة.
ثمّ إنّه أفاد في الـمتن: عدم اعتبار الـفوريـة الـمذكورة في الأواني الـكبيرة هنا، و لم يظهر لي وجه الـفرق; فإنّه إن كان وجه الاعتبار، انصراف إطلاق الـموثّقـة إلى الـفوريـة، فلا فرق بين الـصورتين.
و يمكن أن يقال: بعدم كون الـحكم في هذه الـصورة مستفاداً من الـموثّقـة; لكون موردها الأواني الـتي يمكن تحريك الـماء فيها بتحريكها، فالأواني الـكبيرة الـمثبتـة خارجـة عن مورد الـموثّقـة. و يؤيّد هذا الاحتمال عطف الـحياض على الأواني مع أنّها لاتكون منها كما عرفت. و الـلازم بناءً على هذا الاحتمال الاكتفاء با لـمرّة، و عدم اعتبار الـتثليث، كما يأتي في الـتنّور.
إلاّ أن يقال: بعدم ظهور عبارة الـمتن في لزوم الـتثليث في هذه الـصورة ولكنّ ظاهرهم ـ كما عرفت ـ الاعتبار فتدبّر.

في تطهير آلـة الـنزح

ثمّ إنّه هل يعتبر تطهير آلـة الـنزح إذا أراد عودها إليه لإخراج بعض كلّ من الـغسلتين، أو لإخراج الـغسا لـة الـثانيـة؟
احتاط في الـمتن في اعتباره، و منشأه أنّ الآلات الـمستعملـة لإخراج الـغسا لـة الـثانيـة، تصير متنجّسـة بسبب ملاقاة الـغسا لـة، و هي نجسـة في غير الـغسلـة الأخيرة الـمتعقّبـة بطهارة الـمحلّ، فلابدّ من تطيهرها كلّ مرّة قبل إدخا لـها الإناء، و قد صرّح باعتباره جماعـة، منهم الـشهيد الـثاني (قدس سره) في «ا لـروضـة».


(الصفحة567)


ولكنّه ربّما يقال ـ كما في «ا لـعروة» ـ : بعدم لزوم تطهير الآلـة. و ما يمكن أن يكون و جهاً له أحد اُمور ثلاثـة:
الأوّل: إطلاق موثّقـة عمّار الـتي هي الـعمدة في الـباب، الـدالّـة على الطهارة با لـغسل ثلاث مرّات، من دون اعتبار تطهير الآلـة في حصول الـطهارة الـمذكورة.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى ما أورده عليه في «ا لـجواهر»: من أنّ الـموثّقـة غير مسوقـة لبيان ذلك، و إنّما وردت لبيان أنّ الإناء الـنجس، تحصل طهارته بغسله ثلاث مرّات ـ أنّ موردها الإناء الـذي لا يحتاج الـتفريغ فيه إلى الآلـة; لما عرفت من أنّ موردها الأواني الـتي يمكن تحريك الـماء فيها بتحريكها، غايـة الأمر استفادة حكم سائر الأواني منها بإلغاء الـخصوصيـة، و عليه فلامحلّ للإطلاق فيها با لـنسبـة إلى هذه الأوانى فتدبّر.
ا لـثاني: أنّ الـغسا لـة لا تكون منجّسـة لما غسل بها.
و أجيب عنه: بأنّ الـغسا لـة و إن لم تكن موجبـة لتنجّس الـمغسول بها مطلقاً ـ سواء قلنا: بطهارتها، أو بنجاستها ـ لأنّ الإيجاب الـمذكور يستلزم تعذّر تطهير الـمتنجّسات مطلقاً، فا لـلازم ـ بناء على نجاستها ـ تخصيص ما دلّ على منجّسيـة الـمتنجّسات با لـنسبـة إلى الـغسا لـة، إلاّ أنّ ذلك إنّما هو حال الـغسل با لـماء و إجرائه على الـمغسول، و أمّا بعد الـغسل و الإخراج فلا فرق بينها و بين غيرها، و عليه فا لـلازم تطهير آلـة إخراج الـغسا لـة.
ا لـثا لـث: أنّ مقتضى الارتكاز الـعرفي في كيفيـة الـتطهير، عدم تطهير الآلـة الـمستعملـة في مقام الـتطهير.
و الـجواب: أنّ الارتكاز الـعرفي في تطهير الـقذارات الـعرفيـة، تطهير الآلـة مع


(الصفحة568)

مسأ لـة 4: لو تنجّس الـتنّور، يطهر بصبّ الـماء في الـموضع الـنجس من فوق إلى تحت، و لا يحتاج إلى الـتثليث، فيصبّ عليه مرّتين في الـتنجيس با لـبول، و يكفي مرّة في غيره1 .



اشتما لـها على الـقذارة. مع أنّه ليس بنحو موجب الـتخصيص في أدلّـة منجّسيـة الـمتنجّسات.
نعم، يمكن الاتّكاء على هذا الارتكاز بالإضافـة إلى الـقطرات الـمتقاطرة حال الـنزح، و لأجله ذكر في الـمتن: أنّه لابأس به.

في تطهير الـتنّور

(1) عدم الاحتياج إلى الـتثليث في تطهير الـتنّور، إنّما هو لعدم كونه من مصاديق الإناء، و مقتضى الـموثّقـة وجوب الـتثليث في الأواني.
و الـفرق بين الـتنّور و بين الـحياض: أنّه يمكن دعوى كون الـحياض من الأواني; بلحاظ الـظرفيـة للماء، و على تقدير الـعدم يمكن دعوى إلغاء الـخصوصيـة و الـشمول لمثل الـحياض. مع أنّك عرفت إمكان الـمناقشـة في استفادة حكم الـحياض من الـموثّقـة; و أنّه يحتمل عدم وجوب الـتثليث فيها. و كيف كان فا لـحكم في الـتنّور واضح.
ولكنّ الـغسا لـة الـمجتمعـة من غسل الـتنّور محكومـة با لـنجاسـة على تقدير نجاسـة الـغسا لـة، و هي تقتضي نجاسـة موضعها، فلابدّ من إخراج الـغسا لـة عن ذلك الـمكان، و طمّ الـموضع با لـتراب.
و الأولى أن يحفر فيه حفيرة يجتمع الـغسا لـة فيها، و طمّها بعد ذلك با لـطين الـطاهر.


(الصفحة569)

مسأ لـة 5:لو تنجّس ظاهر الأرُز و الـماش و نحوهما، يجعلها في شيء، و يغمس في الـكرّ أو الـجاري فيطهر، و كذا يطهر بإجراء الـماء الـقليل عليها.
و إن نفذ فيها الـرطوبـة الـنجسـة، فتطهيرها با لـقليل غير ميسور، و كذا في الـكرّ و الـجاري.
نعم، لا يبعد إمكان تطهير الـكوز الـذي صنع من الـطين الـنجس; بوضعه في الـكثير أو الـجاري إلى أن ينفذ الـماء في أعماقه، و لا يحتاج إلى الـتجفيف. و لو شكّ في وصول الـماء بنحو يصدق عليه الـغسل في أعماقه، يحكم ببقاء نجاسته1 .



في كيفيـة تطهير الأرزّ و الـماش

(1) إذا تنجّس ظاهر مثل الأرُز و الـماش، يمكن تطهيره با لـغمس في الـكرّ أو الـجاري، أو بإجراء الـماء الـقليل عليه.
و لو نفذ فيه الـرطوبـة الـنجسـة، فقد عرفت عدم إمكان تطهير باطنه أصلاً; لفرض عدم وصول الـماء إليه حتّى يتحقّق غسله، و مرّ تفصيل الـقول فيه فراجع.
و أمّا الـكوز الـذي صنع من الـطين الـنجس، فمع نفوذ الـماء في أعماقه يطهر بوضعه في الـكثير و الـجاري، ولكن الإشكال في ذلك; لأنّه ليس مثل الـعجين الـنجس الـذي يصنع خبزاً; لأنّ الـتصاق بعض الأجزاء ببعض، مانع عن نفوذ الـماء في جميع أجزائه، بخلاف الـخبز; إذ ليس الـتصاق أجزائه كذلك.
و با لـجملـة: إذا اُحرز الـنفوذ يحصل له الـطهارة، و مع الـشكّ يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الـنجاسـة.


(الصفحة570)

مسأ لـة 6: اللحم الـمطبوخ با لـماء الـنجس يمكن تطهيره في الـكثير و الـقليل، لو صبّ عليه الـماء، و نفذ فيه إلى الـمقدار الـذي نفذ فيه الـماء الـنجس، مع بقاء إطلاقه، و إخراج الـغسا لـة. و لو شكّ في نفوذ الـماء الـنجس إلى باطنه، يكفي تطهير ظاهره1 .



في كيفيـة تطهير اللحم الـمطبوخ

(1) قد ورد في تطهير اللحم الـمطبوخ الـمتنجّس روايتان:
الاُولى: روايـة زكريّا بن آدم قال: سأ لـت أباا لـحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم كثير، و مرق كثير.
قال: «يهراق الـمرق، أو يطعمه أهل الـذمّـة، أو الـكلب، و اللحم اغسله و كله».
قلت: فإنّه قطر فيه الـدم.
قال: «ا لـدم تأكله الـنار إن شاء اللّه ...» الـحديث.(1)
ا لـثانيـة: روايـة الـسكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام): «أنّ عليّاً (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت، و إذاً في الـقدر فأرة.
قال: يهرق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل».(2)
هذا، و ظاهر الـروايـة الاُولى تنجّس ظاهر اللحم با لـنجاسـة الـواقعـة في الـمرق; لأنّ الـمفروض فيه وقوع الـنجاسـة بعد الـطبخ، و عليه فمفادها إمكان الـغسل، و جواز الأكل بعده.
و اشتما لـها على عدم حصول الـنجاسـة بوقوع قطرة الـدم ـ مع أنّه لا فرق بينه، و

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 38، الـحديث 8.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـماء الـمضاف، الـباب 5، الـحديث 3.


(الصفحة571)


بين الخمر وا لنبيذ أصلاً ـ لايقدح في الاستدلال با لرواية لما هو المقصود في المقام، خصوصاً بعد عدم كون الحكم الـمذكور فيها على خلاف الـقاعدة من هذه الـجهـة.
و أمّا الـروايـة الـثانيـة، فموردها ما إذا تنجّس باطن اللحم أيضاً; لأنّ الـمفروض فيها وجود الـفأرة في الـقدر حين الـطبخ، فا لـمرق الـمتنجّس حينئذ قد نفذ في اللحم الـمطبوخ.
إلاّ أن يقال: بأنّ ظاهرها أنّ وجود الـفأرة في الـقدر، بعد تحقّق طبخه; بحيث لم يكن موجوداً حينه.
و كيف كان: فعلى الـتقدير الأوّل ربّما يقال: بأنّ ظاهر الـروايـة أنّ غسل الـظاهر، يكفي في حصول الـطهارة للباطن ولو تبعاً، فإنّ جواز الأكل بمجرّد الـغسل الـظاهر في غسل الـظاهر، لا يتحقّق إلاّ مع الالتزام بحصول الـطهارة للباطن، من دون اشتراط نفوذ الـماء فيه، فهو يطهر تبعاً، أو الالتزام بعدم شرطيـة طهارته في جواز الأكل، بل الـطهارة شرط في خصوص الـظاهر.
و اُجيب عن هذا الـقول: بأنّ اللحم قد يكون جافّاً، كما هو الـمتعارف في بعض الـبلاد، و مثله إذا طبخ نفذ الـماء في جوفه، فلو كان الـماء متنجّساً لأوجب نجاسـة الـباطن أيضاً.
لكنّ هذا الـفرض خارج عن منصرف الـروايـة; لأنّ ظاهرها إرادة اللحم غير الـجافّ الـمتعارف، و هو إذا وضع على الـنار انكمش كانكماش الـجلد، و به تتّصل أجزائه الـمنفصلـة، و تنسدّ خلله و فرجه، و يندفع ما في جوفه من الـماء و الـرطوبات إلى خارجه، و لا ينفذ الـماء في أعماقه لينجس جوفه و باطنه، و حينئذ فمجرّد الـغسل با لـماء الـطاهر، يحكم بطهارته لا محا لـة.


(الصفحة572)

مسأ لـة 7: لو غسل ثوبه الـمتنجّس، ثمّ رأى فيه شيئاً من الأشنان و نحوه، فإن علم بعدم منعه عن وصول الـماء إلى الـثوب، فلا إشكال.
و في الاكتفاء بالاحتمال إشكال، بل في الـحكم بطهارة الأشنان لابدّ من الـعلم بانغسا لـه، و لايكفي الاحتمال على الأحوط1 .



ولكنّ الـصحيح في الـجواب بعد تسليم كون مورد الـروايـة نجاسـة الـباطن أيضاً: أنّ مفادها مجرّد بيان الـفرق بين الـمرق و اللحم; و أنّ الأوّل غير قابل للتطهير و الاستفادة في الأكل، و الـثاني قابل للتطهير بسبب الـغسل، و أمّا أنّ كيفيـة تطهيره ماذا؟ فلا تعرّض للروايـة لبيانها أصلاً، لو لم نقل: بظهور الأمر با لـغسل في لزوم غسل كلّ جزء اتّصف با لـنجاسـة ظاهراً و باطناً، و عليه فا لـروايتان لا دلالـة لهما على حكم مخا لـف للقاعدة، و لأجله لا يقدح ضعفهما بحسب الـسند.
و با لـجملـة: فمع تنجّس الـباطن يحصل له الـطهارة بنفوذ الـماء فيه، مع بقاء إطلاقه، و إخراج الـغسا لـة، كما في سائر الـموارد. و لو شكّ في أصل نفوذ الـماء الـنجس في الـباطن، يكفي غسل الـظاهر في ترتّب الأحكام الـمشروطـة با لـطهارة، و لاحاجـة إلى غسل الـباطن; لاقتضاء الاستصحاب ذلك.

فيما لو رأى في ثوبه الـمغسول أشناناً

(1) وجه عدم الإشكال مع الـعلم بعدم الـمنع واضح; لتحقّق الـغسل با لـنسبـة إلى الـمحلّ الـمتنجّس، و لاينافي ذلك اتّصاف الأشنان با لـتنجّس لأجل الـملاقاة ـ على تقدير عدم انغسا لـه بغسل الـثوب أو عدم الـعلم بانغسا لـه بناءً على اعتبار الـعلم ـ و ذلك لأنّ المفروض زوال الـتنجّس الحاصل للثوب قبل تطهيره، وقبل استعمال الأشنان


(الصفحة573)


ونحوه فيه، و هو قد زال بسبب تحقّق الـغسل.
نعم، لابدّ من الـعلم بعدم الـمنع، و أمّا مع الـشكّ فالاكتفاء به يبتني على جريان أصا لـة عدم الـمانع في مثله الـذي كان الـشكّ في مانعيـة الـموجود، لا في وجود الـمانع، و جريانها فيه غير ثابت. هذا بالإضافـة إلى الـثوب.
و أمّا با لـنسبـة إلى الأشنان الـمتنجّس با لـملاقاة، فلابد في الـحكم بطهارته من الـعلم بانغسا لـه; فإن لم تعلم إلاّ نجاسـة ظاهره فقط، فيكفي انغسال الـظاهر.
و إن علم بنفوذ الـرطوبـة الـمتنجّسـة إلى جوفه; و صيرورة باطنه نجساً أيضاً، فلابدّ في الـحكم بطهارته من الـعلم بنفوذ الـماء على إطلاقه فيه، كما ربّما يدّعى أنّه الـمتعارف، و إلاّ فتطهير باطنه غير ميسور، كما عرفت في نظائره.
و هل يكفي احتمال الانغسال في الـحكم بطهارة الأشنان; نظراً إلى أنّه ليس شيئاً مستقلاًّ في عرض الـثوب الـمتنجّس حتّى يحتاج إلى تطهير مستقلّ، بل يكفي في طهارته انغسال الـثوب، و وصول الـماء إلى جميع أجزائه; لأنّه يصير طاهراً با لـتبع أو أنّه لا يكفي بعد كونه عنواناً مستقلاًّ حصل له الـتنجّس، و يحتاج إلى الـتطهير. و الأحوط ـ لو لم يكن أظهر ـ هو الـثاني.


(الصفحة574)

مسأ لـة 8: لو أكل طعاماً نجساً، فما يبقى منه بين أسنانه باق على نجاسته، و يطهر با لـمضمضـة مع مراعاة شرائط الـتطهير.
و أمّا لو كان الـطعام طاهراً، و خرج الـدم من بين أسنانه، فإن لم يلاقِه الـدم ـ و إن لا قاه الـريق الـملاقي له ـ فهو طاهر، و إن لا قاه فالأحوط الـحكم با لـنجاسـة1 .



فيما لو أكل طعاماً نجساً

(1) أمّا طهارة ما يبقى من الـطعام الـنجس بين الأسنان بسبب الـمضمضـة; فلعدم مدخليـة كونه خارج الـفم في حصول الـطهارة له، بل هو قابل للتطهير في داخل الـفم أيضاً، فإذا تمضمض ـ بحيث وصل الـماء إلى جميع أجزاء ذلك الـطعام ـ يصير طاهراً; لتحقّق الـغسل بالإضافـة إليه، غايـة الأمر لزوم مراعاة جميع شرائط الـتطهير، حتّى الـتعدّد فيما إذا تنجّس با لـبول، كما هو ظاهر.
و أمّا لوكان الـطعام طاهراً، وخرج الـدم من أسنانه، فمع عدم الـملاقاة مع الـدم و إن لاقاه الـريق الـملاقي له فهو طاهر; لأنّ الـريق لا يتنجّس بذلك الـدم، و مع عدم الـتنجّس لايتنجّس الـطعام بوجه.
و أمّا مع الـملاقاة لنفس الـدم، ففي الـحكم بنجاسته إشكال، منشأه أنّه لم يقم دليل على كون الـنجاسات في الـباطن، منجّسـة لملاقياتها، من دون فرق بين ما إذا كان الـملاقي في الـباطن، كأجزاء الـبدن الـملاقيـة للدم الـموجود في الـباطن، و بين ما إذا كان الـملاقي أمراً خارجيّاً، غايـة الأمر حصول الـتلاقي في الـباطن.
لكن الأحوط الاجتناب; لأنّ الـقدر الـمعلوم هو الـفرض الأوّل، و أمّا الـفرض الـثاني فلا، فلو كان في أنفه نقطـة دم، لا يوجب ذلك تنجّس باطن الأنف و الـرطوبات الـموجودة فيه، و أمّا إذا أدخل إصبعه فلاقته، فإنّ الأحوط غسله و إن خرجت خا لـيـة.


(الصفحة575)

ثانيها: الأرض فإنّها تطهّر ما يماسّها من الـقدم; با لـمشي عليها، أو با لـمسح بها; بنحو يزول معه عين الـنجاسـة إن كانت، و كذا ما يوقى به الـقدم كا لـنعل.
ولو فرض زوا لـها قبل ذلك، كفى في الـتطهير حينئذ الـمماسّـة على إشكال، و الأحوط أقلّ مسمّى الـمسح أو الـمشي حينئذ. كما أنّ الأحوط قصر الـحكم با لـطهارة; على ما إذا حصلت الـنجاسـة من الـمشي على الأرض الـنجسـة.
و لا فرق في الأرض بين الـتراب و الـرمل و الـحجر، أصليّاً كان، أو مفروشـة به. و يلحق به الـمفروش بالآجر و الـجصّ على الأقوى، بخلاف الـمطلّى با لـقير و الـمفروش با لـخشب. و يعتبر جفاف الأرض و طهارتها على الأقوى1 .



ا لـثاني: في مطهّريـة الأرض

(1) يقع الـكلام في مطهّريـة الأرض في مقامات، و قبل الـتعرّض لها نقول: إنّه وقع الـتعبير با لـتراب مكان الأرض في محكي الـمقنعـة و الـتحرير و في الـشرائع تبعاً للنبويّين الآتيين، خلافاً لما وقع الـتعبير به في أكثر الـفتاوى و معقد الإجماع الـمحكىّ عن غير واحد و هو الأرض.
و الـظاهر أنّ الـغرض من الـتراب هو الأرض و الـتعبير عنها به; إمّا لشيوع هذا الـتعبير، و إمّا لكون الـمقصود بيان مطهّريـة الـتراب في الـجملـة، و إفادة الـتوسعـة بعد ذلك.


(الصفحة576)


و كيف كان فنقول:
ا لـمقام الأوّل: في مطهّريـة الأرض في الـجملـة

و الـظاهر أنّه لاخلاف فيها عدا ما حكي عن «خلاف» الـشيخ (قدس سره) ممّا يظهر منه الـمخا لـفـة، حيث قال: إذا أصاب أسفل الـخفّ نجاسـة، فدلكه في الأرض حتّى زا لـت، تجوز الـصلاة فيه عندنا.
ثمّ قال: دليلنا أنّا بيّنا فيما تقدّم: أنّ ما لا تتمّ الـصلاة فيه بانفراده، جازت الـصّلاة فيه و إن كانت فيه نجاسـة، و الـخفّ لا تتمّ الـصلاة فيه بانفراده، و عليه إجماع الـفرقـة.
فإنّ ظاهره عدم ارتفاع نجاسـة الـخفّ با لـدلك في الأرض، ولكنّها معفوّ عنها; لأجل كون الـخفّ ممّا لا تتمّ الـصلاة فيه وحده.
ولكن قد تصدّى لتأويله كلّ من تعرّض لنقل كلامه، حتّى أنّ الـوحيد الـبهبهاني (قدس سره)في «حاشيـة الـمدارك» قال: الـظاهر أنّ استدلاله فيه غفلـة منه.
و يؤيّده: أنّه لو كان جواز الـصلاة في الـخفّ الـذي أصابته الـنجاسـة، مستنداً إلى كونه ممّا لا يتمّ، لما كان وجه لأخذ الـقيود الـمأخوذة فيه; من إصابـة الـنجاسـة أسفل الـخفّ، و من زوا لـها، و من كون الـزوال بسبب الـدلك في الأرض، فإنّ هذه الـقيود لادخا لـة لها في الـعفو عمّا لا تتمّ كما هو ظاهر.
مع أنّ مخا لـفته في الـخفّ، لا تقدح فيما نحن بصدده; من مطهّريـة الأرض في الـجملـة و لو بالإضافـة إلى الـرجل و الـقدم، كما لا يخفى.
و يدلّ على الـمطهّريـة الـنصوص الـكثيرة الـواردة في الـمقام، الـتي سنتعرّض لها في الـمقامات الآتيـة، فا لـحكم في هذا الـمقام واضح لا ريب فيه.


(الصفحة577)



ا لـمقام الـثاني: في الاُمور الـتي يتحقّق لها الـطهارة بسبب الأرض

و قد اختلف ظاهر الـعبارات في بيان هذه الاُمور، ولكنّ الـظاهر أنّه لا اختلاف واقعاً، بل ذكر بعض الاُمور دون بعض قد جرى مجرى الـتمثيل، و يؤيّده ما عن «جامع الـمقاصد» من دعوى الإجماع على باطن الـخفّ، و أسفل الـقدم وا لـنعل، مع إضافـة: «كلّ ما يتنعّل به عادة، كا لـقبقاب و نحوه».
ولكن مع ذلك لابدّ في الـتوسعـة و الـتضييق، من ملاحظـة الـنصوص الـواردة في الـمقام، فنقول:
منها: صحيحـة زرارة بن أعين قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل وطأ على عَذِرة، فساخت رجله فيها، أينقض ذلك وضوئه، و هل يجب عليه غسلها؟
فقال: «لا يغسلها إلاّ أن يقذّرها، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها و يصلّي»(1) .
و ظاهرها إرادة الـرجل الـظاهرة في نفس الـبشرة، كما أنّ ظاهر قوله: «يمسحها» هو الاختصاص بأسفل الـرجل الـزائل أثره با لـمسح; لعدم معهوديـة الـمسح في أعلاه الـذي هو ظاهره، و عدم الـتعرّض في الـجواب لانتقاض الـوضوء بسببه، يكشف عن عدم الانتقاض.
و با لـجملـة: فا لـروايـة تامّـة سنداً و دلالـة، ولكن موردها باطن الـرجل.
و منها: صحيحـة الـمعلّى بن خنيس، أو حسنته قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـخنزير يخرج من الـماء، فيمرّ على الـطريق، فيسيل منه الـماء، أمرّ عليه حافياً؟
فقال: «أ لـيس ورائه شيء جافّ؟»
(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 7.

(الصفحة578)


قلت: بلى.
قال: «فلا بأس; إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(1) .
و هي كا لـسابقـة في الـدلالـة; من جهـة ورودها مورد الـرجل.
و منها: ما رواه محمّد بن إدريس في آخر «ا لـسرائر» نقلاً من «نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر» عن الـمفضّل بن عمر، عن محمّد الـحلبي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال قلت له: إنّ طريقي إلى الـمسجد في زقاق يبال فيه، فربّما مررت فيه و ليس عليّ حذاء، فيلصق برجلي من نداوته.
فقال: «أ لـيس تمشي بعد ذلك في أرض يابسـة؟»
قلت: بلى.
قال: «فلا بأس; إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً».
قلت: فأطأ على الـروث الـرطب.
قال: «لا بأس، أنا ـ و اللّه ـ ربّما وطأت عليه ثمّ اُصلّي و لا أغسله»(2) .
و الـظاهر أنّ نفي الـبأس عن الـوطي على الـروث الـرطب، إنّما يكون مقيّداً با لـمشي بعده في أرض يابسـة، كما يدلّ عليه سؤال الإمام (عليه السلام) في مقام الـجواب عن الـسائل في الـسؤال الأوّل. و هذه الـروايـة أيضاً واردة في أسفل الـرجل.
و منها: ما رواه إسحاق بن عمّار، عن محمّد الـحلبي قال: نزلنا في مكان بيننا و بين الـمسجد زقاق قذر، فدخلت على أبي عبدا للّه (عليه السلام) فقال: «أين نزلتم؟».
فقلت: نزلنا في دار فلان.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 3.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 9.


(الصفحة579)


فقال: «إنّ بينكم وبين الـمسجد زقاقاً قذراً» أو قلنا له: إنّ بيننا و بين الـمسجد زقاقاً قذراً.
فقال: «لا بأس; إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً».
قلت: و الـسرقين الـرطب أطأ عليه؟
فقال: «لايضرّك مثله»(1) . و هذه الـروايـة غير واردة في خصوص الـقدم، بل مقتضى، إطلاقها أنّ الأرض تطهّر باطن الـقدم و الـخفّ، و غيره ممّا يتنعّل به عادة.
ولكنّه ربّما يورد: بعدم كونها روايـة مستقلّـة في مقابل الـروايـة الـمتقدّمـة; لأنّ الـراوي في كلتيهما هو محمّد الـحلبي، و الـظاهر أنّ الـقضيـة واحدة، غايـة الأمر الاختلاف في الـنقل من جهـة الـرجل، و من غيرها من الـجهات الاُخر، و منشأه إمّا الـحلبي، و إمّا الـرواة عنه بلا واسطـة، أو معها، و عليه فاشتمال أحد الـنقلين على خصوص الـرجل، يمنع عن الأخذ بإطلاق الـنقل الآخر، بعد عدم الـعلم بصدوره عن الإمام (عليه السلام)، و عدم قيام حجّـة عليه.
إلاّ أن يقال: بعدم الاستبعاد في تعدّد الـواقعـة، و عدم كون الـقضيـة واحدة، فأيّ مانع من أن يكون الـراوي سأ لـه (عليه السلام) عن مسأ لـة واحدة مطلقـة تارة، و مقيّدة با لـرجل اُخرى، حتّى يطمئنّ بحكمها؟! فإنّ الـمشي حافياً لا يناسب الـحلبيّ، و لايصدر عن مثله إلاّ نادراً، فسأ لـه عن حكمه مرّة ثانيـة حتّى يطمئنّ به، فهما روايتان، و عليه فلا مانع من الأخذ بإطلاق الـروايـة الـمطلقـة.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى ذلك، كون الـسؤال عن الـمطلق متأخّراً عن الـسؤال عن الـمقيّد، بعد فرض كونه الـقدر الـمتيقّن من الـمطلق، لا كون الـسؤال عن

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 4.


(الصفحة580)


ا لـرجل متأخّراً ـ أنّ ذلك لا يوجب الـطمأنينـة للنفس با لـتعدّد، و لا يمنع عن استظهار الـوحدة كما لا يخفى.
ثمّ إنّ هذه الـروايات الـثلاث الأخيرة، مشتملـة على الـتعليل بـ «أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» و محتملاته متكثّرة; للاختلاف في تفسيره:
فا لـمحكيّ عن الـمحدّث الـكاشاني (قدس سره): أنّ هذا الـتعليل ناظر إلى أمر عادي; و هو انتقال الـقذارة من الـموضع الـمتنجّس من الأرض إلى الـموضع الآخر منها; بوضع الـقدم و رفعها، حتّى لا يبقى على الأرض شيء من الـنجاسـة.
و عن الـوحيد الـبهبهاني تفسيره: بأنّ بعض الأرض ـ أي الـطاهرة منها ـ يطهّر بعض الـمتنجّسات كا لـنعل; لأنّ «بعضاً» في الـروايـة نكرة.
و عن غير واحد تفسيره: بأنّ الأرض يطهّر بعضها ما ينجس من ملاقاة بعض آخر منها; لأنّ نجاسـة الـقدم أو الـخفّ أو غيرهما، إنّما حصلت من الأرض، كما اُشير إليه في بعض الـروايات بقوله: إنّ طريقي إلى الـمسجد في زقاق يبال فيه. فصحّ أن يقال: إنّ الأرض الـطاهرة تطهّر الأرض الـنجسـة; بمعنى أنّها تطهّر الأثر الـمترشّح من الأرض الـقذرة; و هو الـنجاسـة.
و اُورد على الأوّل ـ مضافاً إلى أنّ لازمه حمل الـتعليل على ما ليس بيانه وظيفـة للشارع; لماعرفت من كونه بناءً على هذا، ناظراً إلى أمرعادي، وهو خلاف ظاهر الرواية ـ بأ نّه مخا لـف لمورد الـتعليل في الـروايات; لأنّ مورده هي رطوبـة الـبول و نداوته، أو الـماء الـمنفصل من الـخنزير على الأرض، و من الـمعلوم أنّ زوال الـرطوبـة عن الـرجل، لايتوقّف على الـمشي على الأرض، ولم يكن مورد الـسؤال صورة وجودهما الـعيني، بل صورة أثرهما الـحكمي، فتفسير الـتعليل بذلك لا يجتمع مع مورده أصلاً.

<<التالي الفهرس السابق>>