في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة541)


و عن «الانتصار» و «ا لـخلاف» إطلاق الـقول بأنّه يغسل ثلاث مرّات، إحداهنّ با لـتراب، و كذا حكي عن الـصدوق في «ا لـفقيه» و هو ظاهر عبارة «ا لـمنتهى» الـمذكورة الـمشتملـة على الـنسبـة إلى علمائنا أجمع.
و يدلّ على ما اختاره الـمشهور صحيحـة أبي ا لـعبّاس الـبقباق قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن فضل الـهرّة و الـشاة ... إلى أن قال: فلم أترك شيئاً إلاّ سأ لـته عنه.
فقال: «لا بأس به».
حتّى انتهيت إلى الـكلب.
فقال: «رجس نجس، لا تتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الـماء، و اغسله با لـتراب أوّل مرّة، ثم با لـماء مرّتين»(1) .
كذا رواها في «ا لـمعتبر» و حكي ذلك عن كثير من الـكتب الـفقهيـة.
لكن قال في «ا لـمدارك» بعد ما رواها خا لـيـة عن لفظ «ا لـمرّتين»: كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث، و نقله كذلك الـشيخ (قدس سره) في مواضع من «ا لـخلاف» و الـعلاّمـة في «ا لـمختلف» إلاّ أنّ الـمصنّف نقله في «ا لـمعتبر» بزيادة لفظ «ا لـمرّتين» بعد قوله: «ثمّ با لـماء» و قلّده في ذلك من تأخّر عنه، و لا يبعد أن يكون ذلك من قلم الـناسخ، و مقتضى إطلاق الأمر با لـغسل، الاكتفاء با لـمرّة الـواحدة بعد الـتعفير، إلاّ أنّ ظاهر «ا لـمنتهى» و صريح «ا لـتذكرة» انعقاد الإجماع على تعدّد الـغسل با لـماء، فإن تمّ فهو الـحجّـة، و إلاّ أمكن الاجتزاء با لـمرّة; لحصول الامتثال بها.
ولكن ربّما يقال: إنّ استدلال الـمحقّق و غيره بها ممّا يمنع من احتمال سهو الـقلم،

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 1، الـحديث 4، و أبواب الـنجاسات، الـباب 70، الـحديث 1 من دون لفظ «مرّتين».


(الصفحة542)


بل لعلّ عدم تعرّض الـمحقّق لاختلاف الأصل الـذي روى عنه مع أصل الـشيخ، يشهد بكونها في «ا لـتهذيبين» كذلك، و احتمال كون روايـة الـمحقّق لها با لـزيادة الـمذكورة من جهـة الاتّفاق على الـتثليث، بعيد.
ولكن مع ذلك، لو نوقش في هذا الـنقل نقول: يدلّ على لزوم الـتعدّد إطلاق موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة، عن أبي عبدا للّه(عليه السلام) قال: سئل عن الـكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل؟ و كم مرّة يغسل؟
قال: «يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الـماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ ذلك الـماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ منه و قد طهر».
إلى أن قال: «اغسل الإناء الـذي تصيب فيه الـجُرَذ ميّتاً سبع مرّات»(1) .
فإنّ مقتضى إطلاقها أنّه لافرق بين أن يتنجّس بشيء من الأعيان الـنجسـة، أو الـمتنجّسات، و به يرفع الـيد عمّا يكون مقتضى إطلاقه جواز الاكتفاء بأقلّ من الـثلاث كا لـصحيحـة، بناءً على نقل غير الـمحقّق.
و كصحيحـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـكلب يشرب من الإناء.
قال: «اغسل الإناء».
و عن الـسنّور.
قال: «لا بأس أن تتوضّأ من فضلها; إنّما هي من الـسباع»(2) .
(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 2، الـحديث 3.


(الصفحة543)


بناءً على عدم كون محطّ الـسؤال مجرّد الـنجاسـة و عدمها، كما ربّما يؤيّده الـسؤال عن الـسنّور.
و با لـجملـة: فالإطلاق في الـصحيحتين مقيّد با لـثلاث للموثّقـة; لوضوح عدم إمكان إخراج الـكلب من الـموثّقـة، و الـحكمِ بثبوت الـتثليث في غيره; لنصوصيتها بالإضافـة إلى الـكلب، لأنّه الـقدر الـمتيقّن منها، فا لـموثّقـة من هذه الـجهـة مقيّدة لإطلاق الـصحيحتين.
كما أنّك عرفت شمولها بل اختصاصها، با لـتطهير با لـماء الـقليل; من جهـة فرض صبّ الـماء في الـكوز و الإناء; و من الـمعلوم أنّ الـماء الـمصبوب فيهما يكون قليلاً; لندرة فرض كون الـكوز و الإناء بحيث يسعان لمقدار الـكرّ.
نعم، ظاهر الـموثّقـة كون الـغسلات الـثلاث با لـماء من تعرّض للتعفير; و كون الـغسلـة الاُولى با لـتراب. ولكن صحيحـة الـبقباق تصلح لتقييد الـموثّقـة من هذه الـجهـة; و الـحكم بأنّ الـغسلـة الاُولى لابدّ و أن تكون با لـتراب.
و دعوى أنّ الـغسل با لـماء يغاير الـغسل با لـتراب، فكيف يحمل الـغسل با لـماء على الـغسل با لـتراب؟! مدفوعـة بعدم الـمغايرة; لما سيجىء من أنّ الـمراد من الـغسل با لـتراب هو الـغسل با لـماء مع ضمّ الـتراب، فا لـمغايرة إنّما هي بنحو الإطلاق و الـتقييد. و يؤيّده الـتعبير با لـغسل في الـتراب أيضاً، دون الـمسح.
وأمّا ماحكي عن ابن ا لجنيد: من أنّه يغسل سبعاً اُولاهنّ بالتراب، فمستنده روايتان:
إحداهما: موثّقـة عمّار: عن الإناء يشرب فيه الـنبيذ.
فقال: «تغسله سبع مرّات، و كذلك الـكلب»(1) .
(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 30، الـحديث 2.


(الصفحة544)


و اُجيب عنها: بأنّه يأتي في محلّه أنّ الإناء إنّما يغسل من الـنبيذ ثلاث مرّات، و لا يجب فيه الـسبع، بل الأمر به محمول على الاستحباب، فكيف يجب في الـكلب، مع أنّه قد شبّه في الـموثّقـة با لـنبيذ؟!
مضافاً إلى أنّ الـموثّقـة خا لـيـة عن الـدلالـة على الـتعفير، فإنّ ظاهرها كفايـة الـغسل با لـماء سبع مرّات.
مع أنّ صحيحـة الـبقباق الـمتقدّمـة أخصّ من هذه الـموثّقـة; لاختصاصها با لـولوغ من جهـة الـتعبير بقوله: «لا تتوضّأ بفضله» و الـموثّقـة أعمّ من ذلك. و إن كان يرد على هذا الـجواب: وضوح عدم كون حكم الـولوغ أخفّ من حكم غيره فتدبّر.
و كيف كان: لا مجال للاستدلال بهذه الـموثّقـة بعد ملاحظـة ما عرفت.
ثانيتهما: الـنبويّ: «إذا ولغ الـكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعاً: اُولاهنّ با لـتراب»(1) .
و اُورد عليه: بأنّه ـ مضافاً إلى أنّه نبوىّ ضعيف الـسند ـ معارض با لـنبويّين الآخرين: «إذا ولغ الـكلب في إناء أحدكم، فليغسله ثلاث مرّات» مع زيادة «أو خمساً أو سبعاً» في الآخر فإنّ مقتضى الـتحديد با لـثلاث كما في أحدهما، و الـتخييرَ بين الأقلّ و الأكثر في الآخر، كون الـزائد مستحبّاً; لأنّه لا معنى للتخيير في تطهير الـمتنجّس بين الأقلّ و الأكثر، فلابدّ من الـحمل على استحباب الـزيادة.
ثمّ إنّ صحيحـة الـبقباق، صريحـة في تعيّن كون الـغسلـة الاُولى با لـتراب، كما هو الـمشهور، و لا معارض لها في ذلك، فما تقدّم من الـمفيد لم يعرف له مستند، كما

(1) حكى عن كنز الـعمّال، 5 : 89.


(الصفحة545)


اعترف به غير واحد عدا ما حكي عن «ا لـخلاف» من نسبته إلى الـروايـة، و كذا ما عن «الانتصار» و غيره.
نعم، يدلّ عليه «ا لـفقه الـرضويّ»: «إن وقع الـكلب في الـماء أو شرب منه اُهريق الـماء، و غسل الإناء ثلاث مرّات: مرّة با لـتراب، و مرّتين با لـماء، ثمّ يجفّف». ولكنّه ـ كما تقدّم غير مرّة ـ لا حجّيـة فيه أصلاً، فالأقوى في الـمسأ لـة ما ذهب إليه الـمشهور.
بقي في هذا الـمقام جهات:
الاُولى: صرّح الـمفيد (قدس سره) في ذيل عبارته الـمتقدّمـة; بلزوم الـتجفيف بعد الـغسلات الـثلاث، و عن الـصدوقين أيضاً الـتصريح بذلك و عن جملـة من متأخّري الـمتأخّرين اختياره.
و الـشاهد له عبارة «ا لـفقه الـرضويّ» الـمتقدّمـة آنفاً، و حيث إنّه لا حجّيـة له، و الـروايات الـواردة في الـتطهير من نجاسـة ولوغ الـكلب كلّها خا لـيـة عن اعتبار هذا الأمر، فلا يبقى مجال لاعتباره.
ا لـثانيـة: أنّه هل الـحكم بلزوم الـتثليث، و كون الاُولى با لـتراب، يختصّ بما إذا ولغ الـكلب في الإناء الـذي كان فيه ماء، أو يعمّ غير الـماء من سائر الـمايعات أيضاً؟
و الـظاهر هو الـثاني; لأنّ صحيحـة الـبقباق و إن كان يظهر من ذيلها أنّ موردها الـماء; حيث قال: «و اصبب ذلك الـماء» إلاّ أنّه حيث كان محطّ الـسؤال في الـروايـة ـ صدراً و ذيلاً ـ هو عنوان الـفضل الـمضاف إلى الـحيوانات، فا لـحكم أيضاً يجري على هذا الـعنوان، و من الـواضح عدم اختصاصه بخصوص ما يبقى من الـماء; لأنّه بمعنى ما يبقى من الـطعام و الـشراب و الـنهي عن الـتوضّي بفضله، و الـحكم بوجوب صبّ الـماء، لا يوجب قصر حكم الـتطهير بخصوص فضل الـماء، كما لا يخفى.


(الصفحة546)


نعم لابدّ أن يكون الـمايع بنحو يكون شربه منه موجباً لصدق اسم «ا لـولوغ» و «ا لـفضل» كما هو الـمصرّح به في الـمتن; لعدم ترتّب الـحكم بدونه.
ا لـثا لـثـة: أنّه لابدّ في الـغسلـة الاُولى الـتراب، و لا يقوم مقامه الـرماد و الأشنان و الـنورة و الـصابون و نحو ذلك; لا في حا لـة الاختيار ـ و إن حكي عن ابن ا لـجنيد و أبي ا لـعبّاس كفايته ـ و لا في حا لـة الاضطرار، و إن حكي عن جمع من الـكتب الـفقهيـة الاكتفاء به حينئذ; كلّ ذلك لورود الـغسل با لـتراب في الـصحيحـة الـتي هي عمدة الـمستند في هذا الـباب، و لم يحصل لنا الـقطع بعدم الـفرق بين الـتراب و غيره، خصوصاً بعد ما اشتهر في هذه الأزمنـة: من أنّ (ميكروبات) فم الـكلب و لسانه، لا تزول و لا تموت إلاّ با لـتراب، و مقتضى إطلاق الـصحيحـة أنّه لا فرق بين حا لـتي الاختيار و الاضطرار.
نعم، لاتبعد دعوى كفايـة الـرمل، و إن حكي عن «كشف الـغطاء» الـمنع; لمنع كونه تراباً، نظراً إلى أنّه من الـتراب عرفاً، ولكنّه يمكن منعه; لكون الـرمل في مقابل الـتراب. و جواز الـتيمّم با لـرمل، لا دلالـة له على أنّه منه إلاّ بعد تخصيص ما يتيمّم به بخصوص الـتراب الـخا لـص أوّلاً; فإنّ الـحكم با لـجواز دليل على كونه منه.
مع أنّه يمكن أن يقال: بأنّ الاشتراك في الـحكم لأجل قيام الـدليل عليه، لا دلالـة على كونه من مصاديق الـتراب، و با لـجملـة فا لـمسأ لـة مشكلـة.
ا لـرابعـة: قد احتاط في الـمتن باعتبار كون الـتراب طاهراً ـ يعني قبل الاستعمال ـ في تطهير الإناء، و قد نسب اختياره إلى الـمشهور، بل لم يحكَ الـخلاف فيه إلاّ من الأردبيلي و بعض ممّن تبعه.
و قد يقال في وجه ذلك: إنّ الـعمدة فيه دعوى انصراف الـنصّ إليه، بنحو يوجب


(الصفحة547)


تعيّنه، لا بنحو يوجب رفع الإطلاق.
و اُورد عليه: بأنّه من الـفساد بمكان; لعدم الـفرق بين الـنجس و الـطاهر فيما هو الـمستفاد من الـنصّ، لو لم يدّع أنّ الـغا لـب في الـتعفير هو الـتعفير با لـتراب الـنجس.
و يدفع الإيراد: أنّ استفادة عدم الـفرق فرع ثبوت الإطلاق و تماميته، مع أنّ الـمدّعى الانصراف إلى خصوص الـتراب الـطاهر، و ليس وجه الانصراف غلبـة الـتعفير با لـتراب الـطاهر حتّى يدّعى ثبوت الـغلبـة في خلافه.
مع أنّه ممنوع جدّاً، بل وجهه هو ارتكاز كون الـتراب في الـروايـة كا لـماء الـمذكور فيها، فكما أنّه يعتبر في الـثاني الـطهارة بلا إشكال، يستفاد منها اعتبار طهارة الأوّل أيضاً، و هذا من دون فرق بين أن يكون الـمراد من قوله (عليه السلام) في الـصحيحـة: «اغسله با لـتراب أوّل مرّة ...» هو مسح الإناء با لـتراب من دون اعتبار مزجه با لـماء، كما هو أحد الـمحتملين في معنى الـغسل با لـتراب، أو كان الـمراد به هو الـغسل حقيقـة باستعانـة الـتراب، كما في مثل الـغسل با لـصابون و نحوه.
و من هنا يظهر: أنّ ما جعله الـمورد هو الـصحيح في الـمقام من الـفرق بين الاحتما لـين ممّا لايتمّ، قال في وجهه ما ملخّصه: أنّ الـغسل با لـتراب إن اُريد به الاحتمال الأوّل، فلامانع من اعتبار الـطهارة في الـتراب حينئذ; إمّا لأجل ما هو الـمرتكز في الأذهان: من عدم الاكتفاء با لـمتنجّس في الـتطهير غسلاً أو مسحاً; للقاعدة الـمعروفـة: و هي أنّ معطي الـشيء لا يمكن أن يكون فاقداً له، و إمّا لأجل أنّ الـتراب طهور للإناء، و قد مرّ أنّ الـطهور هو ما يكون طاهراً في نفسه، و مطهّراً لغيره.
و إن اُريد به الاحتمال الـثاني، فلا وجه لاعتبار الـطهارة في الـتراب; لأنّ الـتراب


(الصفحة548)


ليس بطهور للإناء حينئذ، و إنّما مطهّره الـماء; لأنّ الـتراب الـذي يصبّ في الإناء، و يصبّ عليه مقدار من الـماء، ثمّ يمسح به الإناء، لابدّ من أن يزال أثره با لـماء بعد الـمسح; لوضوح أنّ مجرّد مسح الإناء با لـطين ـ أي با لـتراب الـممتزج با لـماء ـ من غير أن يزال أثره با لـماء، لا يسمّى تعفيراً و غسلاً با لـتراب.
و عليه فهب أنّ الـتراب متنجّس، و الـماء الـممتزج به أيضاً قد تنجّس بسببه، إلاّ أنّ الإناء يطهر بعد ذلك با لـماء الـطاهر، الـذي لابدّ من صبّه على الإناء لإزا لـة أثر الـتراب عنه، و هو جزء متمّم للتعفير، ثمّ يغسل با لـماء مرّتين، فا لـمطهّر هو الـماء، و هو طاهر في الـغسلات الـثلاث.
و هذا الـكلام عجيب جدّاً; فإنّه على الاحتمال الـثاني أيضاً لاخفاء في مدخليـة الـتراب في الـمطهّريـة، فإنّه لو قيل: اغسل يدك با لـصابون مثلاً، فهل يحتمل عدم مدخليـة الـصابون في زوال الـقذارة الـمتحقّقـة في الـيد، و كون الـغسل با لـماء لا يوجب اختصاص هذا الـوصف به، و عدم مدخليـة الـصابون فيه أصلاً؟! بل هو دخيل في الـوصف، فكما أنّ الـماء لابدّ و أن يكون طاهراً، كذلك الـتراب الـذي له دخل فيه، من دون فرق بينه و بين الـماء.
و دعوى حصول الـطهارة للإناء; في فرض نجاسـة الـتراب با لـماء الـطاهر، الـذي لابدّ من صبّه على الإناء لإزا لـة أثر الـتراب، مدفوعـة بأنّه أوّل الـكلام; لأنّه على الـقول باعتبار الـطهارة في الـتراب لا تتحقّق الـطهارة للإناء في الـفرض الـمزبور و لو غسل با لـماء أ لـف مرّة.
فالإنصاف: أنّه بناءً على هذا الاحتمال أيضاً، لابدّ من ثبوت وصف الـطهارة للتراب.


(الصفحة549)


كما أنّه على الاحتمال الأوّل، يكون الـوجه في الاعتبار هو الارتكاز فقط، و أمّا عنوان الـطهوريـة فلم يدلّ دليل عليه في الـمقام، حتّى يقال: بأنّه الـطاهر في نفسه، الـمطهّر غيره، بل الـطهوريـة الـثابتـة للتراب، إنّما هي في باب الـتيمّم، كما يدلّ عليه قوله (عليه السلام): الـتراب أحد الـطهورين; يكفيك عشر سنين. و أمّا في الـمقام فلم يظهر من دليل ثبوت هذا الـعنوان له، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لو شكّ في اعتبار الـطهارة في الـتراب، فاستصحاب مطهّريـة الـتراب الـثابتـة له قبل عروض الـنجاسـة له يجري، و نتيجته حصول الـطهارة للإناء مع الـتعفير با لـتراب الـنجس، و لا يعارضه استصحاب نجاسـة الإناء الـمتحقّقـة قبل الـتطهير به; لأنّه حاكم عليه، لأنّ منشأ الـشكّ في بقاء الـنجاسـة هو الـشكّ في بقاء مطهّريـة الـتراب، و مع جريان الاستصحاب فيها، لا يبقى مجال لاستصحاب الـنجاسـة.
كما أنّ استصحاب الـمطهّريـة، لا يكون من قبيل الاستصحاب الـتعليقي بوجه; لأنّ الـمطهّريـة حكم تنجيزي ثابت له قبل عروض الـنجاسـة شكّ في بقائها بعده، كا لـمطهّريـة الـثابتـة للماء; فإنّ ثبوت هذا الـحكم لا يتوقّف على استفادة الـتطهير منه خارجاً. مع أنّ الـمراد من الاستصحاب الـتعليقي هو ما كان الـتعليق في لسان الـشرع، كما في مثل قوله: «ا لـعنب إذا غلى يحرم» و مثل ذلك لا يكون متحقّقاً في الـمقام.
فالإنصاف: أنّه مع وصول الـنوبـة إلى الاستصحاب، يكون مقتضاه عدم اعتبار الـطهارة في الـتراب. لكن عرفت أنّ الـظاهر عدم وصول الـنوبـة إليه، فالأحوط ـ لو لم يكن أقوى ـ هو الاعتبار.
ا لـخامسـة: هل يعتبر مزج الـتراب با لـماء أم لا؟ قولان:


(الصفحة550)


حكي أوّلهما عن الـحلّي و الـراوندي، و عن الـعلاّمـة في «ا لـمنتهى» و «كاشف اللثام».
و نسب إلى الـمشهور الـقول بعدم اعتباره، لكنّهم ـ على ما في محكيّ «ا لـحدائق» ـ بين ساكت عن حكم الـمزج، و بين مصرّح بجوازه و إجزائه، كا لـشهيد في «ا لـدّروس» و «ا لـبيان» و هو ظاهر الـشهيد الـثاني في «ا لـمسا لـك» أيضاً، إلاّ أنّه اشترط أن لايخرج الـتراب با لـمزج من اسمه.
قال ابن إدريس مستدلاًّ على الاعتبار: الـغسل با لـتراب غسل بمجموع الأمرين منه و من الـماء، لايفرد أحدهما عن الآخر; إذ الـغسل با لـتراب لا يسمّى غسلاً; لأنّ حقيقته جريان الـمايع على الـجسم الـمغسول، و الـتراب وحده غير جار.
و مرجعه إلى أنّ الـمستفاد من قوله (عليه السلام) في الـصحيحـة: «اغسله با لـتراب أوّل مرّة» لزوم تحقّق عنوانين:
أحدهما: عنوان الـغسل الـذي حقيقته جريان الـمايع على الـجسم الـمغسول.
و ثانيهما: عنوان الـتراب و الـجمع بينهما لا يتحقّق بغير الـمزج، و اختلاطِ الـمايع با لـتراب.
ولكنّه ربّما يجعل الـتراب قرينـة على أنّ الـمراد من الـغسل ليس هو الـغسل بمعناه الـحقيقي، بل الـمراد به هو الـمسح، و قد استعمل فيه الـغسل مجازاً; بجامع الـمدخليـة في الـتطهير و زوال الـنجاسـة، و عليه فا لـلازم إمّا عدم الـمزج، و إمّا الـمزج بنحو لا يخرج الـتراب عن اسمه، كما عرفت من «ا لـمسا لـك».
و يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ لازمه الـغسل با لـماء بعده ثلاث مرّات; لأنّ تقديم الـصحيحـة على الـموثّقـة الـحاكمـة بلزوم الـغسلات الـثلاث، إنّما كان لأجل


(الصفحة551)


ا لـحكم بكون الاُولى مبيّنـة للثانيـة، و حاكمـة بتقييد الـغسل الأوّل با لـتراب، و أمّا مع حمل الـغسل على الـمسح، فا لـصحيحـة و إن كانت مقدّمـة على الـموثّقـة حينئذ أيضاً، إلاّ أنّ وجه تقديمها، هو حكمها بلزوم الـمسح با لـتراب زائداً على الـغسلات الـثلاث، فتدبّر ـ أنّ عطف قوله (عليه السلام)بعد ذلك: «ثمّ با لـماء» لايجتمع مع حمل الـغسل على الـمسح; لأنّ الـمسح با لـماء غير كاف قطعاً، بل لابدّ من الـغسل به.
و عليه، فلامناص من أن يكون الـمراد من الـغسل با لـتراب هو الـغسل با لـماء باستعانـة الـتراب، فا لـباء في الـروايـة للاستعانـة، كما في قولهم: اغسل رأسك با لـصابون، أو الـسدر، أو الـخطمي فإنّ الـمراد منه ليس هو مسح الـرأس بأحدها، بل معناه الـغسل با لـماء، لكن لا بوحدته، بل بضمّ شيء آخر معه.
و ليس مرجع ذلك إلى الـغسل با لـماء غير الـصافي الـمشتمل على بعض أجزاء ترابيـة، كما في تغسيل الأموات با لـسّدر و الـكافور; و ذلك لأنّ حفظ عنوان الـتراب يقتضي عدم الاكتفاء بمثل ذلك، بل لابدّ من أن لا يخرج الـتراب با لـمزج عن صدق اسمه، و لايلازم ذلك خروج الـغسل عن حقيقته.
و هذا بخلاف تغسيل الأموات، فإنّ الـلازم هناك الـماء الـذي كان له إضافـة إلى الـسدر وا لـكافور، و يكفي في تحقّق الإضافـة الاشتمال على أجزائهما، فا لـتعبير في الـمقامين لا يكون على نحو واحد.
و با لـجملـة: فا لـجمع بين الـحقيقتين في الـمقام ـ على ما هو الـمتفاهم عند الـعرف ـ هو الـمزج با لـكيفيـة الـمذكورة.
و أمّا الاحتياط الـمذكور في الـمتن، فمنشأه إجمال الـصحيحـة، و عدم وضوح الـمراد من الـغسل الـمذكور فيها، و قد حكي لزومه عن الـوحيد و «ا لـرياض».


(الصفحة552)


ولكن بملاحظـة ما ذكرنا ظهر: أنّه لا إجمال في الـروايـة; و أنّ الـمراد هو امتزاج الـماء با لـتراب على نحو لا يخرج با لـمزج عن صدق اسم الـتراب و اللّه أعلم، و الاحتياط حسن على كلّ حال.

ا لـمقام الـثاني: في موضوع الـحكم

و قد ادّعى في «ا لـجواهر»: أنّ الـمشهور شهرة كادت تبلغ الإجماع، قصر الـحكم على الـولوغ، و هو الـشرب كما عن «ا لـمصباح» أو بزيادة «طرف لسانه» كما عن «ا لـصحاح» أو هو ذلك، أو «إدخال لسانه في الإناء و تحريكه» كما في «ا لـقاموس».
و قد ظهر لك خلوّ الـروايات عن هذا الـتعبير، إلاّ الـنبويّان الـمتقدّمان الـضعيفان، و إنّما الـوارد في الـصحيحـة الـتي هي الـعمدة في الـباب، عنوان الـفضل و ظاهره الـباقي من الـطعام و الـشرب.
نعم، الـحكم بعدم جواز الـتوضّي بفضله، يختصّ با لـماء الـباقي من الـشراب، لكن قد عرفت عدم الـفرق بين الـماء و غيره من الـمايعات، بل في «ا لـجواهر»: ينبغي الـقطع به.
و أمّا اللطع، فا لـظاهر عدم صدق عنوان الـفضل عليه، كوضوح عدم صدق عنوان الـولوغ.
و يظهر منهم أنّ اللطع يكون عندهم بمعنى الـولوغ; قال في محكيّ «ا لـمعا لـم»: «و الـمشهور بين الأصحاب قصر الـحكم على الـولوغ، و ما في معناه و هو اللطع ... لكن عن الأردبيلي منع الـتعديـة إلى اللطع أيضاً».
و دعوى: أنّ اللطع لايفقد شيئاً ممّا يتضمّنه الـولوغ; من الاُمور الـمناسبـة


(الصفحة553)


للتنجيس أو الـتعفير، مدفوعـة بعدم الـعلم بمناطات الأحكام الـشرعيـة، و ليس لنا قطع بعدم الـفرق.
كما أنّ ما ذكرنا: من أنّ الـتعفير إنّما هو لأجل ما اشتهر: من كون فم الـكلب و لسانه مشتملاً على (ميكروبات) لا تموت إلاّ با لـتراب، فإنّما هو حكمـة للحكم بعد ثبوته، و ليس ذلك بمقطوع حتّى يدور الـحكم مداره.
كما أنّ دعوى الأولويـة ـ من جهـة أنّ الـنجاسـة مع اللطع، إنّما تسري من الـفم إلى الإناء من دون واسطـة، فهي أولى من الـنجاسـة الـساريـة إلى الإناء بتوسّط الـمايع ـ ممنوعـة; لأنّ الـكلام ليس في أصل نجاسـة الإناء، بل في الـنجاسـة الـخاصّـة الـتي يترتّب عليها الـتعفير و الـغسلتان بعده، و لم يعلم ثبوتها في اللطع، كيف، و لازم هذه الـدعوى، ثبوت الـحكم فيما إذا باشر الإناء ـ من دون واسطـة ـ بسائر أعضائه مع الـرطوبـة فيه، أو في الإناء؟! و من الـمعلوم وضوح بطلان هذه الـدعوى فيه.
بل الـظاهر عدم الاشتراك في الـحكم; لعدم تحقّق عنوان الـولوغ و لا عنوان الـفضل الـمأخوذ في الـصحيحـة بوجه. و ممّا ذكرنا يظهر، عدم جريان الـحكم في اللعاب أيضاً.
و دعوى: أنّ الإنصاف أنّ اللعاب، لايقصر عن سائر الـمايعات في سرايـة الأثر بواسطـة من الـفم أو اللسان إلى الإناء، فإلحاق الـمايعات با لـماء دون اللعاب غير ظاهر.
مدفوعـة: بأنّ إلحاق الـمايعات به إنّما هو لصدق عنوان الـفضل فيها أيضاً و هو غير متحقّق في اللعاب، و قد عرفت عدم معلوميـة الـمناط في مثل هذه الأحكام، و لا يجوز الـتعدّي عمّا هو الـموضوع في الـنصّ الـدالّ على الـحكم.


(الصفحة554)


نعم، في الـشرب بلا ولوغ ـ كما إذا كان مقطوع اللسان أو ممنوعاً من تحريك لسانه ـ لاتبعدد دعوى جريان الـحكم; لصدق عنوان الـفضل بل الـولوغ بناءً على كونه مطلق الـشرب، كما عرفته عن «ا لـمصباح».
و أمّا مطلق الـمباشرة و لو بغير اللسان من سائر الأعضاء، فقد استقرب الـعلاّمـة في محكيّ «ا لـنهايـة» لحوقه با لـولوغ، مستدلاًّ بأنّ فمه أنظف من غيره، و لهذا كانت نكهته أطيب من غيره من الـحيوانات; لكثرة لهثه.
ولكنّه في «ا لـمنتهى» نقل عن الـصدوقين الـتسويـة بين الـوقوع و الـولوغ، ثمّ أجاب بأنّه تكليف غير معقول، فيقف على الـنصّ، و هو إنّما دلّ على الـولوغ.
و الـظاهر أنّ مستند الـصدوقين قدّس سرّهما، ما ورد في «ا لـفقه الـرضوي» الـمتقدّم نقله من قوله: «إن وقع الـكلب في الـماء أو شرب منه ...».
ولكن قد عرفت: أنّه لا حجّيـة فيه، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: بأنّ الـمراد من «وقوع الـكلب في الـماء» هو وقوعه بتمام جسده الـملازم لمباشرة لسانه نوعاً، فلا دلالـة له أيضاً على مباشرة بعض أعضائه فقط، فتدبّر.


(الصفحة555)

مسأ لـة 1: لو كانت الآنيـة الـمتنجّسـة با لـولوغ، ممّا يتعذّر تعفيرها با لـتراب با لـنحو الـمتعارف; لضيق رأسه، أو غير ذلك، فلا يسقط الـتعفير بما يمكن، ولو بوضع خرقـة على رأس عود، و إدخا لـها فيها، و تحريكها تحريكاً عنيفاً; ليحصل الـغسل با لـتراب و الـتعفير. و في حصوله بإدخال الـتراب فيها، و تحريكها تحريكاً عنيفاً، تأمّل.
ولو شكّ في حصوله يحكم ببقاء الـنجاسـة، كما لو فرض الـتعذّر أصلاً بقيت على الـنجاسـة.
و لا يسقط الـتعفير با لـغسل با لـماء الـكثير و الـجاري و الـمطر، و لا يترك الاحتياط با لـتعدّد أيضاً في غير الـمطر، و أمّا فيه فلا يحتاج إليه1 .



(1) في هذه الـمسأ لـة فروع:

فيما لو تعذّر تعفير الآنيه با لـنحو الـمتعارف

الأوّل: إذا كانت الآنيـة الـمتنجّسـة با لـولوغ ممّا يتعذّر تعفيرها با لـنحو الـمتعارف; لضيق رأسها، أو غيره، فبناءً على ما اخترناه: من أنّ الـلاّزم في الـمرّة الاُولى هو الـمزج با لـماء; و أنّه معنى قوله (عليه السلام) في الـصحيحـة: «اغسله با لـتراب ...» فا لـلاّزم إيصال الـماء الـممتزج با لـتراب إلى جميع أطراف الإناء، و هو ممكن غا لـباً، و لا يحتاج إلى وضع مثل الـخرقـة على رأس الـعود و نحوه كما في الـمتن.
و أمّا بناءً على كون الـلازم هو الـمسح; لدلالـة الـنصّ عليه، أو إجما لـه و لزوم الاحتياط، فا لـلاّزم إيجاد الـمسح با لـكيفيـة الـمذكورة في الـمتن، و لا يتحقّق بمجرّد إدخال الـتراب في الآنيـة و لو مع الـتحريك الـعنيف، و مع الـشكّ يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الـنجاسـة.


(الصفحة556)


نعم، لو كان الـمراد من الـمسح هو مجرّد وصول الـتراب إلى الآنيـة، يكفي ذلك، ولكنّه محلّ تامّل.

لو تعذّر الـتعفير ولو بغير الـمتعارف

ا لـثاني: الـصورة الـمفروضـة مع تعذّر الـتعفير و لو بغير الـنحو الـمتعارف، و إن كان هذا الـفرض لا واقع له; لعدم اجتماع فرض ولوغ الـكلب في الآنيـة مع عدم إمكان الـتعفير أصلاً إلاّ إذا لم يكن منشأه ضيق الـرأس، بل كان منشأه الـرقّـة، أو كونه ممّا يفسده الـتعفير.
و ربّما يحتمل في هذه الـصورة الاجتزاء في الـتطهير با لـغسل با لـماء; نظراً إلى لزوم تعطيل الإناء، و هو ضرر منفيّ بدليل نفيه.
ولكنّه ـ مضافاً إلى الـنقض بما إذا كان الـغسل با لـماء أيضاً متعذّراً; ضرورة أنّه لا يقول أحد بصيرورته طاهراً بدونه ـ يرد عليه ما عرفت: من عدم دلالـة حديث نفي الـضرر على ارتفاع الـحكم الـضرري; لعدم كونه مسوقاً لبيان هذه الـجهـة، بل هو حكم صادر من شخص الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنّه وليّ و حاكم، كما مرّ.
و دعوى: قصور ما دلّ على اعتبار الـتعفير عن شمول مثل الـفرض; فإنّ الـمتبادر من مثل قوله (عليه السلام): «اغسله با لـتراب أوّل مرة ...» ليس إلاّ إرادته با لـنسبـة إلى ما أمكن فيه ذلك، كما هو الـغا لـب فيما يتحقّق فيه الـولوغ، فالأواني الـتي ليس من شأنها ذلك، خارجـة عن مورد الـروايـة.
مدفوعـة: بأنّ مثل هذه الأوامر مسوقـة لبيان الاشتراط، و لا يختصّ موردها بصورة الـتمكّن من الـشرط; فإنّ مفادها الإرشاد إلى طريق الـتطهير، و مع عدم


(الصفحة557)

مسأ لـة 2:يجب غسل الإناء سبعاً لموت الـجُرَذ، و لشرب الـخنزير، و لا يجب الـتعفير. نعم هو أحوط في الـثاني قبل الـسبع.
و ينبغي غسله سبعاً أيضاً لموت الـفأرة، و لشرب الـنبيذ، بل مطلق الـمسكر فيه، ومباشرة الـكلب، و إن لم يجب ذلك، و إنّما الـواجب غسله با لـقليل ثلاثاً، كسائر الـنجاسات1 .



ا لـتمكّن يبقى على الـنجاسـة إلى الأبد، فما عن الـشيخ (قدس سره) و جماعـة: من سقوط الـتعفير، و حصول الـطهارة با لـغسل مرّتين، ضعيف.
ا لـثا لـث: تطهير الآنيـة الـمتنجّسـة بولوغ الـكلب با لـماء الـمعتصم من الـكرّ و الـجاري و الـمطر، و قد مرّ الـبحث في هذا الـفرع من جهـة اعتبار الـتعفير، و من جهـة الـتعدّد; في أوّل الـبحث عن الـمطهّرات فراجع، و لا حاجـة إلى الإعادة.

في موارد غسل الإناء سبعاً

(1) في هذه الـمسأ لـة فروع أيضاً:

في الآنيـة الـتي مات فيها الـجرذ

الأوّل: الآنيـة الـتي مات فيها الـجُرذ، و الـواجب فيه غسل الإناء با لـماء سبعاً، من دون لزوم الـتعفير، و مستنده ذيل موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة الـواردة في ولوغ الـكلب، حيث قال: «و اغسل الإناء الـذي تصيب فيه الـجُرَذ ميّتاً سبع مرّات»(1) .
و ظهوره في وجوب الـغسل سبعاً مطلقاً ـ سواء كان با لـماء الـقليل أو بغيره ـ لا خفاء فيه.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.


(الصفحة558)


و لا ينافيها إطلاق صدرها الـوارد في مطلق الـقذر، الـدالّ على عدم لزوم الـزائد على الـثلاث; لوضوح كون الـذيل مقيّداً لإطلاق الـصدر.

في الآنيـة الـتي شرب منها الـخنزير

ا لـثاني: الآنيـة الـتي شرب منها الـخنزير، و يجب فيها الـغسل با لـماء سبعاً أيضاً; لصحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـرجل يصيب ثوبه خنزير، فلم يغسله، فذكر و هو في صلاته، كيف يصنع به؟
قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله».
قال: و سأ لـته عن خنزير يشرب من إناء، كيف يصنع به؟
قال:«يغسل سبع مرّات»(1) .
و دعوى استبعاد الـفرق بين الـثوب و الإناء; بالاكتفاء في الأوّل بمجرّد الـغسل مرّة، لزوال أثر الـخنزير، و لزوم الـسبع في الـثاني. مع أنّ إزا لـة الأثر من الـثوب، لعلّها أصعب من إزا لـته من الإناء.
مدفوعـة بعدم جريان مثل هذه الاستبعادات في الأحكام الـشرعيـة الـتعبّديـة. مع أنّ الإناء لأجل كونه معدّاً للأكل و الـشرب، يحتمل أن يكون له خصوصيـة، لأجلها اهتمّ الـشارع بشأنه.
و بعبارة اُخرى: يمكن أن يكون أثر الـخنزير، مرتبطاً مع الأكل و الـشرب، بمثابـة لا يكون مرتبطاً با لـثوب بتلك الـمثابـة، كما هو الـحال في الـكلب أيضاً، حيث إنّ

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 13، الـحديث 1.


(الصفحة559)


وجوب الـتعفير بل و الـتعدّد، يختصّ بالإناء كما عرفت.
هذا، ولكن الـمحكيّ عن الـشيخ (قدس سره) في «ا لـخلاف» إلحاق الـخنزير با لـكلب، مستدلاًّ عليه بتسميته كلباً لغةً.
و يرد عليه: منع صدق الاسم حقيقـة، و على تقدير الـتسليم فلا ينصرف إليه الإطلاق عرفاً، و عليه فلا يجب الـتعفير في ولوغ الـخنزير.
و على تقدير الـوجوب لأجل كونه كلباً، فا لـلازم جريان حكم الـكلب عليه; و هو كون الـتعفير قبل الـغسلتين، لا قبل سبع غسلات، فا لـجمع بين الـحكم با لـتعفير، و بين لزوم الـغسلات الـسبع، لا وجه له.
و دعوى: أنّ مقتضى الـجمع بين هذه الـصحيحـة و صحيحـة الـبقباق الـمتقدّمـة الـواردة في الـكلب ـ بعد كون الـخنزير كلباً ـ هو الـحكم بلزوم الـتعفير قبل الـغسلات الـسبع.
مدفوعـة: بأنّ مقتضى الـجمع حينئذ هو جعل الـغسلـة الاُولى من الـغسلات الـسبع غسلاً با لـتراب، لا الـتعفير قبل الـغسلات الـسبع، كما لا يخفى.
فهذا الـحكم لا أرى له وجهاً أصلاً. لكن عرفت عدم صحّـة استدلال الـشيخ (قدس سره); و أنّ الـلازم في الـمقام هو الـعمل على طبق صحيحـة علي بن جعفر (عليه السلام).
نعم، حكي عن الـمحقّق في «ا لـمعتبر» حملها على الاستحباب; نظراً إلى قلّـة الـعامل بظاهرها. و مرجعه إلى إعراض الأكثر عن ظاهرها.
و لعلّ منشأ الإعراض ما عرفت من الاستبعاد، و حيث انقدح لك أنّه لا يجري مثله في الأحكام الـتعبّديـة، فلا محيص عن الأخذ بظاهر الـصحيحـة; من الـحكم بوجوب الـغسل سبع مرّات، و عدم لزوم الـتعفير.


(الصفحة560)


نعم، الاحتياط با لـتعفير يوجب الـخروج عن الـمخا لـفـة لـ «الخلاف» فينبغي رعايته.

في الآنيـة الـتي ماتت فيها الـفأرة

ا لـثا لـث: الآنيـة الـتي ماتت فيها الـفأرة، و قد حكي عن الـشيخ (قدس سره) أنّه قال: يغسل الإناء من الـخمر سبعاً، و روي مثل ذلك في الـفأرة إذا مات في الإناء.
ولكن حيث إنّها روايـة مرسلـة مجرّدة عن الـجابر لا تصلح دليلاً على الـوجوب. نعم تحمل على الاستحباب; للتسامح في دليله.

في الآنيـة الـتي شرب فيها الـنبيذ

ا لـرابع: الآنيـة الـتي شرب فيها الـنبيذ، بل مطلق الـمسكر، و قد وردت فيه روايتان:
إحداهما: موثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): عن الإناء يشرب فيه الـنبيذ.
فقال: «تغسله سبع مرّات، و كذلك الـكلب».(1)
و ثانيتهما: موثّقته الاُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـدن يكون فيه الـخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ، أو ماء كامخ، أو زيتون؟
قال: «إذا غسل فلابأس».
و عن الإبريق و غيره، يكون فيه خمر، أيصلح أن يكون فيه ماء؟
قال: «إذا غسل فلابأس».
(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 30، الـحديث 2.

<<التالي الفهرس السابق>>