في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


تفصيل الشريعة

في

شرح تحرير الوسيلة



الاجاره


تأليف : الفقيه الأصولي
آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(دام ظلّه)


تحقيق و نشر : مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)


(الصفحة7)


كتاب

الإجــارة



[تعريف الإجارة]

وهي إمّا متعلّقة بأعيان مملوكة من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها، فتفيد تمليك منفعتها بالعوض . أو متعلّقة بالنفس ، كإجارة الحرّ نفسه لعمل، فتفيد غالباً تمليك عمله للغير باُجرة مقرّرة ، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله ، كإجارة المرضعة نفسها للرضاع لا الإرضاع 1 .


1 ـ الكلام في الإجارة تارةً في معناها اللغوي واُخرى في معناها الاصطلاحي :
أمّا الأوّل : فهي على ما صرّح به البعض بل الكثير بمعنى الاُجرة وكراء الأجير(1) ، وليست مصدراً ـ ثلاثياً أو مزيداً ـ وقد حكي عن الصحاح : أنّه اقتصر على ذكر الأجر مصدراً لأجَرَ ـ الثلاثي ـ وذكر الإيجار مصدراً لآجر ـ من باب الإفعال(2) ـ لكن المحكي عن نجم الأئمّة أنّه مصدر لأجر الثلاثي(3) ، وعليه فمعناه معنى الأجر الذي هو مصدر آخر له ، كالكتب والكتابة ، وكيف كان فلم يثبت كون الإجارة في اللغة بمعنى الإيجار الذي هو متعدّ . نعم ، ظاهر رواية تحف العقول المعروفة الواردة في أقسام المكاسب وأحكامها أنّها بهذا المعنى ، حيث قال : وأمّا

(1) معجم مقاييس اللغة : 1 / 63 ، قاموس المحيط : 1 / 376 ، لسان العرب : 1 / 43 ، مسالك الأفهام : 5/171 .
(2) الصحاح : 1 / 480 .
(3) شرح شافية ابن الحاجب : 3 / 54 .

(الصفحة8)



تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك(1) . . . كما أنّه ربما يستعمل في كلمات الفقهاء ـ رضي الله عنهم ـ أيضاً بهذا المعنى كما في عبارة المتن ، لكن الرواية غير ثابتة ، وعلى تقدير الثبوت لا تكون كاشفة عن كونه بحسب اللغة كذلك ; لأنّه ربما يرى في الروايات ألفاظ مستعملة على غير ماهو المذكور في اللغة ، مثل إستعمال الإجناب متعدّياً مع أنّه في اللغة لازم .
واستفادة صحّة استعمال الإجارة بمعنى الإيجار من كلمة «الأجير» التي يتداول استعمالها نظراً إلى كون المراد به هو من آجر نفسه للغير ، أو من قوله تعالى حكاية عن قصّة موسى (عليه السلام) : {عَلَى أَن تَأجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَج . . .}(2) نظراً إلى كون المراد به هو أخذه أجيراً واستئجاره لتلك المدّة، ممنوعة ، فإنّه ليس المراد بالأجير من آجر نفسه ، بل من خدم بعوض ، وكذلك معنى الآية الشريفة ، فلا يستفاد منهما كون الإجارة بمعنى الإيجار .
نعم ، لا ينبغي الإشكال ، في أنّ الاستعمال العرفي مساعد لذلك ، ولكنّه لا ينتج فيما يهمّنا من التمسّك بالإطلاق على فرض وجوده إلاّ بعد ثبوت كون الاستعمال العرفي في زمان صدور الإطلاق أيضاً كذلك ، ولا سبيل لنا إلى إثباته بعد عدم مساعدة اللغة .
فانقدح أنّه على فرض وجود الإطلاق وكون المستعمل لفظ الإجارة لا مجال للتمسّك به أصلاً ، فتدبّر .
وأمّا الثاني : ـ أي الإجارة بمعناها الاصطلاحي ـ فقد عرّف بتعاريف مختلفة :

(1) تحف العقول : 333 ، وسائل الشيعة : 17 / 85 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 ح1 .
(2) سورة القصص 28 : 27 .

(الصفحة9)



من تمليك المنفعة بعوض ـ كما هو المشهور(1) ـ أو التسليط على العين للانتفاع بها(2)أو جعل العين بالأُجرة(3) ، أو كونه عقداً ثمرته نقل المنفعة(4) ، ونحو ذلك .
والإنصاف أنّ جعل الإجارة بمعنى العقد المساوق في اصطلاح الفقهاء للإيجاب والقبول ممنوع جدّاً ، فإنّها ليست من مقولة اللفظ بل من المعاني الاعتبارية ، المتداولة بين العقلاء قبل أن يتديّنوا بدين أو يلتزموا بشريعة ، غاية الأمر أنّ الشارع قد اعتبرها وأمضاها من دون أن يتصرّف في حقيقتها ، فلا ريب في كونها من الاُمور الاعتبارية المتحقّقة باللفظ ومثله ، فهو أي اللفظ وما يشابهه له دخل في تحقّق ذلك الأمر الاعتباري وحصوله من دون أن يكون نفسه .
وأمّا سائر التعاريف فالظاهر أنّها ليست تعريفاً للإجارة ، بحيث يكون الحمل حملاً أوّلياً ذاتيّاً ، نظير حمل الحيوان الناطق على الإنسان ، أترى كون الإجارة مساوقة لتمليك المنفعة بعوض ، خصوصاً بعد إمكان انتقاضها بالعارية المعوّضة ـ بناءً على صحّتها ، كما ربما يحكى عن العلاّمة في بعض كتبه(5) ـ فالإنصاف عدم كون التعريفات المذكورة تعريفاً بالحدّ ، كما أنّ الظاهر أنّه لا يمكن التعبير بما هو حقيقتها إلاّ بنحو الإشارة المخرجة له عن التعريف .
و حينئذ ينقدح أنّ الأسلم من الجميع ما في الجواهر من أنّ الإجارة ما شرّع

(1) شرائع الإسلام : 2 / 179 ، اللمعة الدمشقية : 94 ، المهذّب البارع : 3 / 17 . وقال في التذكرة ج2 / 291 : «أطبق عليه الجمهور» .
(2) العروة الوثقى: 5 / 8.
(3) مستمسك العروة الوثقى : 12 / 4 ، وانظر حاشية كتاب المكاسب للآخوند الخراساني : 32 .
(4) قواعد الأحكام : 2 / 281 ، مناهج المتّقين : 307 .
(5) تذكرة الفقهاء : 2 / 211 .

(الصفحة10)



لنقل المنفعة بعوض(1) بعد ظهور أنّه لا يكون المراد بالتشريع هو التشريع من قبل الشارع ; لعدم كونها من الماهيات المجعولة الشرعية كما عرفت ، بل المراد به هو الاعتبار العقلائي الممضى في الشريعة .
و حينئذ فالإجارة هي التي يكون الغرض الأصلي منها هو نقل المنفعة بذلك ، ولا ينتقض بالعارية المعوّضة بعد وضوح كون الاعتبار الأوّلي في العارية هو النقل مجّاناً وفي الإجارة خلافه . نعم ، جعل الغرض من الإجارة خصوص نقل المنفعة مخدوش ، فإنّه ربما تكون فائدة الإجارة تمليك العمل ، كما في إجارة الحرّ نفسه للخياطة ونحوها ، فالأولى في التعريف ما أفاده سيّدنا المحقّق الاُستاذ البروجردي (قدس سره) في التعليقة على العروة ـ من أنّ الإجارة بمعناها الإسمي إضافة خاصّة يعتبرها العقلاء في العين المستأجرة بالنسبة إلى المستأجر ، مستتبعة لملكه ، أو استحقاقه لمنفعتها أو عملها ، أو لتسلّطه عليها بتلك الجهة ، ولذلك لا تستعمل إلاّ متعلّقة بالعين(2) .
وظاهر المتن الموافقة معه ، حيث إنّه بيّن في هذه العبارة الغرض المترتّب على الإجارة ، وصرّح في المسألة الأُولى بكونها عبارة عن الإضافة الخاصّة ، والفرق بينهما إنّما هو في أنّ ظاهر المتن الجزم بكون الفائدة هي الملكيّة . غاية الأمر أنّه قد يكون المملوك هي المنفعة ، وقد يكون هو العمل ، وظاهر عبارة التعليقة الترديد في أنّ الفائدة هل يكون هو الملكيّة ، أو يكون هو الاستحقاق، أو يكون هو التسلّط ، والأمر سهل .

(1) جواهر الكلام : 27 / 204 .
(2) العروة الوثقى : 5 / 7 ، التعليقة 1 .

(الصفحة11)

[عقد الإجارة]

مسألة  : عقد الإجارة: هو اللفظ المشتمل على الإيجاب ـ الدّال بالظهور العرفي على ايقاع إضافة خاصة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض ـ والقبول الدّال على الرضا به وتملّكهما بالعوض . والعبارة الصريحة في الإيجاب: «آجرتك أو أكريتك هذه الدار مثلاً بكذا». وتصحّ بمثل «ملّكتك منفعة الدار» مريداً به الإجارة ، لكنّه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها . ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يكفي كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود بأيّ لغة كان . ويقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع . والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأوّل منها ; وهو ما تعلّقت بأعيان مملوكة ، وتتحقّق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصداً تحقّق معنى الإجارة ـ أي الإضافة الخاصّة ـ وتسلّم الغير لها بهذا العنوان . ولا يبعد تحقّقها في القسم الثاني أيضاً بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان ، أو بالشروع في العمل كذلك 1 .


1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في جريان المعاطاة وصحّتها في الإجارة ، والظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال فيه كما في البيع وأمثاله ; ووجهه أنّ المعاملات كما مرّت الإشارة إليه إنّما هي الاُمور الاعتبارية المتداولة بين العقلاء قبل الشريعة ، والشرع إنّما هو ناظر إليها بالكيفية المتعارفة بينهم . غاية الأمر تصرّف الشارع أحياناً في بعض خصوصيّاتها ، فلا بدّ حينئذ من النظر في أنّ الأصل الأوّلي الملحوظ لدى العقلاء هل هو التوسّل بأغراضهم المختلفة في باب المعاملات من ناحية الفعل الخارجي ، أو أنّ الطريق عندهم في الأوّل كان هو اللفظ ؟
قد يقال كما قيل : بأنّ الفعل حيث يكون أقرب إلى الغرض ضرورة أنّ النقل

(الصفحة12)



الخارجي وإعطاء المبيع للمشتري مثلاً أقرب إلى ماهو الغرض في البيع ; من حصول التمليك والتملّك من التلفّظ بكلمة «بعتُ» التي لا ملائمة بينها وبين ذلك الغرض تكويناً  ، وكذلك سائر المعاملات ، فلذلك يكون الطريق الأوّلي عند العقلاء هو العمل والفعل بداعي الوصول إلى الغرض المقصود ، وأمّا الوصول إليه من ناحية اللفظ فيمكن أن يقال بعدم ثبوته بينهم وانحصار الطريق في العمل ، وعليه فيحتاج دعوى تحقّق الغرض في الشرع بإيجاد اللفظ بداعي حصوله إلى قيام الدليل عليه ، كما أنّه قام الدليل في النكاح ، فعلى هذا المبنى الاكتفاء باللفظ إنّما يفتقر إلى الدليل لا أنّه مسلّم ، وصحّة المعاطاة مشكوكة كما عليه الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ جلّهم لولا كلّهم ، وليس المراد بالعقود في آية وجوب الوفاء بها خصوص الألفاظ المركّبة من الإيجاب والقبول ، فإنّ المراد بالعقد هو العهد والقرار المرتبط بقرار آخر أعمّ ممّا إذا كان لفظاً ، بل يمكن أن يقال بالاختصاص بغير اللفظ ; لأنّ النظر في الآية إنّما هو إلى العقود المتعارفة بين العقلاء ، وقد عرفت أنّ المتعارف بينهم إنّما هو الوصول إلى الأغراض من طريق العمل الخارجي ، الذي هو أقرب إليها بل هو القريب دون اللفظ .
والظاهر أنّ دعوى اختصاص التعارف بغير اللفظ مجازفة ، فإنّ ما نراه بالوجدان أنّ الالتزامات اللفظية بين العقلاء شائعة جدّاً ، وليست في طول الأفعال الخارجية ، بحيث كان الانتقال إليها في مورد عدم التمكّن من الفعل لأجل اختلاف المكان ونحوه ، بل الظاهر كون الألفاظ في عرض الأفعال لا في طولها ، و حينئذ فلاحاجة في الاكتفاء باللفظ إلى إقامة دليل خاص عليه . نعم ، يبقى الإشكال على الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ على حاله ، حيث إنّ ظاهرهم التسلّم على كفاية اللفظ والاستشكال في كفاية الفعل .


(الصفحة13)



ودعوى أنّه يمكن أن يكون السرّ فيه أنّ دلالة اللفظ على المقصود أقوى من دلالة الفعل ; لأنّه يحتمل فيه ما لا يحتمل في اللفظ ، مدفوعة بأنّ ذلك خروج عن محلّ البحث ; لأنّ مورده ما إذا كان المقصود معلوماً غير محتمل الخلاف ، وحينئذ يشكل كون الحكم في الفعل أصعب من اللفظ .
ثمّ إنّه على تقدير لزوم إقامة الدليل على كفاية اللفظ في المعاملات نقول : إنّه بعد الفحص والتتبّع في الروايات الواردة في الإجارة لم يظهر من شيء منها دلالة على ذلك ، بل ولا إشعار . نعم ، هناك رواية واحدة مذكورة في الوسائل في باب الإيجاب والقبول من الإجارة ; وهي رواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يكتري الدابّة فيقول : إكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا فإن جاوزته فلك كذا وكذا زيادة ، ويسمّي ذلك قال : لا بأس به كلّه(1) . وربما تتوهّم دلالتها على ذلك ولكنّه مدفوع ، كما يظهر بالتأمّل فيها .
وكيف كان ، فلا إشكال في جريان المعاطاة في الإجارة كسائر المعاملات . غاية الأمر إنّه فيما إذا كان متعلّق الإجارة عيناً مملوكة كالدار وشبهها تكون كيفيتها بتسليط الغير على العين ، قاصداً تحقّق معنى الإجارة وتسلّم الغير لها بهذا العنوان ، كتسليط الغير على العين في باب البيع قاصداً تحقّق معناه . وأمّا فيما إذا كان متعلّقها هي النفس التي لا يمكن أن تكون مملوكة فيشكل جريان المعاطاة فيه ، وقد نفى البعد عن تحقّقها في هذا القسم في المتن ، بأن يجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان أو بالشروع في العمل كذلك ، والوجه فيه أنّ متعلّق الإجارة هي النفس ، فجعلها تحت اختيار الطرف مع قصد الإجارة

(1) الكافي : 5 / 289 ح2 ، التهذيب : 7 / 214 ح938 ، وسائل الشيعة : 19 / 111 ، كتاب الإجارة ب8 ح1 .

(الصفحة14)



يكفي في تحقّقها .
نعم ، على تقدير عدم الكفاية يمكن أن يقال بعدم كفاية الشروع في العمل ، بل اللازم إيجاده بتمامه حتّى يعدّ ذلك إعطاء للعمل ، كما أنّ ما ذكر مبنيّ على اعتبار التعاطي من الطرفين ، أو اعتبار الإعطاء من جانب الموجب ، وأمّا على تقدير الاكتفاء بالإعطاء من جانب القابل أيضاً فيمكن فرض المعاطاة في هذا القسم من ناحية الأُجرة إذا كانت عيناً .
المقام الثاني : في عقد الإجارة ، وليعلم أنّه قد وقع الخلاف في صيغ العقود على أقوال واحتمالات ستّة أوردها المحقّق الرشتي (قدس سره) في كتابه في الإجارة :
الأوّل : اعتبار الصراحة ; بمعنى اعتبار كون اللفظ موضوعاً لعنوان ذلك العقد لغة أو شرعاً ، فلا ينعقد بالمجازات ولو مع القرائن الصريحة ، ولا بالكنايات كذلك ، حكى هذا القول عن العلاّمة الطباطبائي في مصابيحه ، وأرجع إليه ما عن الفخر في الإيضاح(1) : من أنّ كلّ عقد مخصوص له صيغ مخصوصة شرعاً ، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن ، بناءً على أنّ ما عداه ليس منه .
الثاني : الاقتصار على خصوص ألفاظ الكتاب والسنّة في التعبير عن العقد في مقام بيان أحكام العقود ، قال : وهو محتمل الإيضاح(2) والمسالك(3) .
الثالث : عدم اعتبار الصراحة بشيء من احتمالاتها ، قال : ولم أجد مصرّحاً به ، لكن في كتاب الأُستاذ العلاّمة ـ رفع الله مقامه ـ أنّ المستفاد من النصوص في أبواب

(1) إيضاح الفوائد : 3 / 12 .
(2) إيضاح الفوائد : 2 / 291 .
(3) مسالك الأفهام : 5 / 172 .

(الصفحة15)



العقود ـ وقوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين(1)ـ الاكتفاء بكلّ لفظ له ظهور عرفيّ(2) ، ويمكن استفادته أيضاً من القول بجواز الإجارة بـ«أعرتك» كما عن الإرشاد(3) والروض(4) ومجمع البرهان(5) ، وبجواز البيع بالسلم كما عن الأكثر(6) ، وبجواز النكاح بالمتعة كما عن جماعة(7) ، خلافاً للمحكي عن الأكثر(8) ، ومن التوسّع في عقد القرض والرهن والمزارعة كما هو المعروف(9) ; لأنّها عقود لازمة .
أقول : اختار هذا الاحتمال المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في كتابه في الإجارة ، نظراً إلى عدم مدخلية شيء من القول والفعل في حقيقة العقد والعهد ، فضلاً عن اعتبار كونه من الحقائق أو الأعمّ منها ومن المجازات الشائعة . قال : ومنه تعرف أنّ التسبّب إلى حقيقة الإجارة بقوله : «أعرتك الدار شهراً بعوض كذا» لا مانع منه فضلاً عن «بعت سكنى الدار»(10) .

(1) كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 7 ـ 9 ، والمحدّث البحراني في الحدائق الناضرة : 18/ 350 ـ 351 ، والمحقّق النراقي في مستند الشيعة : 14 / 248 ـ 249 .
(2) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 3 / 120 .
(3) إرشاد الأذهان : 1 / 422 .
(4) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 74 .
(5) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 9 ، لكن قيّده بما إذا ضمّ إليه شيءٌ يدلّ على الإجارة .
(6) منهم: العلاّمة في قواعد الأحكام 2 : 44 ، والشهيد في الدروس الشرعية : 3 / 247 ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد : 4 / 207 ، ونسبه الشهيد الثاني إلى الأكثر في مسالك الأفهام : 3 / 405 .
(7) كالمحقّق في شرائع الإسلام : 2 / 273 ، والمختصر النافع : 271 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 3 / 9 وإرشاد الأذهان : 2 / 6 ، والشهيد في اللمعة : 109 .
(8) رياض المسائل : 6 / 339 .
(9) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 3 / 123 ـ 124 .
(10) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 8 .

(الصفحة16)



الرابع : مثل الثالث باستثناء المجازات بالمعنى الأعمّ الشامل للكناية بمعنى التعبير باللاّزم ، وقد استظهره من بعض مشايخه .
الخامس : مثل الثالث أيضاً باستثناء المجاز البعيد . قال : وقد سبق نقله(1) عن المحقّق الثاني في نكاح جامع المقاصد(2) ، وسَلَمِه(3) .
السادس : مثل الثالث أيضاً باستثناء التعويل على القرائن غير اللفظية(4) ، والظاهر أنّ الاقتصار على القدر المتيقن يقتضي اختيار الوجه الأوّل ، إلاّ أنّ ملاحظة ماهو المتعارف بين العقلاء بضميمة عدم نهوض دليل على اعتبار أمر زائد عليه تقتضي الاكتفاء بكلّ ما كان له ظهور عرفيّ في الغرض المقصود ، ولم يكن مستنكراً عندهم ، وعليه فالمجازات البعيدة كالتعبير في مقام الإجارة بالعارية ، وفي مقام البيع بالصلح ـ بناءً على كونه عقداً مستقلاًّ عند العقلاء في قبال سائر العقود ـ لاتكفي في تحقّق ذلك الغرض ; لعدم التعارف ووجود الاستنكار .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ التعبير في مقام الإجارة بقوله : «ملّكتك منفعة الدار» لا مانع منه أصلاً ، كما أنّه من جميع ما ذكرنا ظهر عدم اعتبار العربية ، وقيام الإشارة المفهمة من الأخرس مقام العقد .

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 34 .
(2) جامع المقاصد : 12 / 70 .
(3) جامع المقاصد : 4 / 207 ـ 208 .
(4) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 34 ـ 35 .

(الصفحة17)

[شرائط صحّة الإجارة]

مسألة  : يشترط في صحّة الإجارة أُمور: بعضها في المتعاقدين; أعني المؤجر والمستأجر ، وبعضها في العين المستأجرة، وبعضها في المنفعة ، وبعضها في الاُجرة .
أمّا المتعاقدان ، فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين : من البلوغ ، والعقل والقصد ، والاختيار ، وعدم الحجر لفلس أو سفه أو نحوهما .
وأمّا العين المستأجرة: فيعتبر فيها أُمور :
منها : التعيين ، فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ .
ومنها : المعلوميّة ، فإن كانت عيناً خارجيّة; فإمّا بالمشاهدة، وإمّا بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها . وكذا لو كانت غائبة أو كانت كلّية .
ومنها : كونها مقدوراً على تسليمها ، فلا تصحّ إجارة الدابّة الشاردة ونحوها .
ومنها : كونها ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصحّ إجارة ما لايمكن الانتفاع بها ، كما إذا آجر أرضاً للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها ولا ينفعها ، و(أو ـ ظ) لايكفيها ماء المطر ونحوه . وكذا مالا يمكن الانتفاع بها إلاّ بإذهاب عينها ، كالخبز للأكل، والشمع أو الحطب للإشعال .
ومنها : كونها مملوكة أو مستأجرة ، فلا تصحّ إجارة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته.
ومنها : جواز الانتفاع بها ، فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرة .
وأمّا المنفعة: فيعتبر فيها أُمور :


..........................................

(الصفحة18)

منها : كونها مباحة ، فلا تصحّ إجارة الدكّان لإحراز المسكرات أو بيعها ، ولا الدابّة والسفينة لحملها ، ولا الجارية المغنّية للتغنّي ونحو ذلك .
ومنها : كونها متموّلة يبذل بازائها المال عند العقلاء .
ومنها : تعيين نوعها إن كانت للعين منافع متعدّدة ، فلو استأجر الدابّة يعيّن أنّها للحمل، أو الركوب ، أو لإدارة الرحى وغيرها . نعم ، تصحّ إجارتها لجميع منافعها ، فيملك المستأجر جميعها .
ومنها : معلوميّتها ، إمّا بتقديرها بالزمان المعلوم، كسكنى الدار شهراً ، أو الخياطة ، أو التعمير والبناء يوماً . وإمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعيّن خياطة كذائية فارسية أو رومية ; من غير تعرّض للزمان إن لم يكن دخيلاً في الرغبات ، وإلاّ فلابدّ من تعيين منتهاه .
وأمّا الأُجرة: فتعتبر معلوميّتها، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العدّ في المكيل والموزون والمعدود ، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها . ويجوز أن تكون عيناً خارجيّة ، أو كلّيّاً في الذمّة ، أو عملاً ، أو منفعة ، أو حقّاً قابلاً للنقل ; مثل الثمن في البيع 1 .


1 ـ الكلام في هذه المسألة المفصّلة ـ بعد ملاحظة أنّ شرائط المتعاقدين في باب الإجارة هي الشرائط المتقدّمة في باب البيع ، ضرورة أنّ تلك الشرائط إنّما تعتبر في المتعاقدين بما هما كذلك ، ولا خصوصيّة للبيع في اعتبارها ـ يقع في مقامات ثلاثة :
المقام الأوّل : في الاُمور المعتبرة في العين المستأجرة ، وهي كثيرة :
الأوّل : التعيين ، فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ ، واعتباره زائداً على اعتبار المعلومية يعطي أنّ ملاك البطلان مع عدم التعيين ليس هو الجهل المقابل للعلم ، ولذا اعترض المحقّق الإصفهاني (قدس سره)على من استدلّ للبطلان مع عدم

(الصفحة19)



التعيين بالتجهّل بما يرجع إلى أنّ الجهل هو عدم العلم بنحو العدم المقابل للملكة ، فما لم يكن له واقع لا معنى للعلم به تارةً ، وللجهل به اُخرى ، وعدم العلم بعدم المعلوم لايكون من الجهل المقابل للعلم ، والمقام من هذا القبيل ; لعدم ثبوت الواقعية للماهية غير المتعيّنة بشيء من التعيّنات، فيستحيل أن تكون مقوّمة لصفة الملكيّة(1) .
ويرد عليه : أنّ ما أفاده من عدم ثبوت الواقعيّة مع عدم التعيّن بحسب الخارج ممنوع ; لأن واقعية كلّ شيء إنّما هي بحسبه ، فإذا كان الشيء من الموجودات الخارجية والاُمور الجزئية الشخصية فواقعيته مساوقة للتعين الخارجي ، ولا يعقل أن يكون غير متعيّن ، ولا أن يكون مقوّماً لصفة الملكيّة أو غيرها من الصفات الاُخر مع وصف عدم التعيّن ، فلا معنى لتعلّق العلم أو الجهل به مع هذه الصفة ، وأمّا إذا لم يكن الشيء من الموجودات الخارجية ، بل كان ظرف وجوده الذهن، فواقعيته إنّما تلاحظ بالإضافة إلى الذهن ، ولا يكون التردّد بحسب الخارج قادحاً في تعلّق العلم به بالنظر إلى واقعيته ، فإذا كانت العين المستأجرة إحدى الدارين المعلومتين من جميع الجهات ، والمتماثلتين في الصفات الموجبة لاختلاف الرغبات لكان اللاّزم تعلّق العلم بهذا العنوان المتعلّق للإجارة ; وهو عنوان أحدهما الذي لا يكون ظرف وجوده ووعاء تحقّقه إلاّ الذهن ، ومن الواضح إمكان تعلّق العلم بهذا العنوان وكذا الجهل .
وبالجملة : فما هو متعلّق الإجارة وطرف الإضافة الخاصّة هو عنوان أحدهما الذي يكون متحقّقاً في الذهن ، ومتّصفاً بوصف المعلوميّة لثبوت الواقعيّة له

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 76 .

(الصفحة20)



بالإضافة إلى ظرف وجوده ، وما لا يمكن تعلّق العلم به لأجل عدم ثبوت الواقعية له هو المردّد الخارجي ، وهو لايكون متعلّقاً للإجارة وطرفاً للإضافة ، فما أفاده (قدس سره)من قبيل الخلط بين المفهوم والمصداق الذي ربما يتّفق كثيراً .
ويدلّ على ما ذكرنا أنّه لا خلاف بينهم في أنّه يجوز أن تكون الأُجرة في الإجارة كليّة ، كما أنّه يجوز أن تكون جزئية شخصية مع جريان ما ذكره من الإشكال في الأُجرة الكليّة ، ضرورة أنّ ما هو المجعول اُجرة هو الأمر الكلّي الذي لايكون متعيّناً في الخارج ، ولايكون ظرف وجوده إلاّ الذهن ، وماهو الموجود في الخارج الذي يكون متعيّناً لم يجعل أُجرة ، فكما أنّ معلومية ذلك الأمر الكلّي الذي تلاحظ واقعيته بالإضافة إلى ظرف وجوده تكفي في جعله أُجرة ، ولا معنى لدعوى عدم امكان تعلّق العلم به كذلك عنوان أحدهما في المقام . غاية الأمر أنّ هذا العنوان لاتتجاوز مصاديقه عن اثنين ، وهذا لايكون فارقاً بل مؤيّد لتحقّق وصف المعلومية .
فانقدح ممّا ذكرنا أنّه لا مانع من كون متعلّق الإجارة مثل إحدى الدارين ; لما عرفت من أنّ عنوان «أحدهما» كسائر العناوين الكليّة له واقعية ، ويمكن تعلّق العلم به ، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك ، ومنه يظهر أنّه لو آجر العبد من العبدين المعلومين من حيث الصفات والخصوصيات يكون جائزاً بطريق أولى .
وأمّا لو آجر هذا أو ذاك مشيراً إليهما فربما يقال بعدم الجواز ، نظراً إلى أنّه لايكون متعلّق الإجارة حينئذ أمراً ذهنياً يكون ظرف وجوده ووعاء تحقّقه النفس ، كما لو جعل الاُجرة أو متعلّق الإجارة عنوان أحدهما ، بل هو أمر خارجيّ مردّد بين أمرين ، ولايكون له واقعية حتّى يتعلّق بها العلم تارة والجهل اُخرى ، ضرورة أنّ الموجود في الخارج متعيّن ، فالمردّد بما هو مردّد لايكون موجوداً في

<<التالي الفهرس السابق>>