في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة61)



والثالث من شرائط الإجارة بحسب عبارة الشرائع(1) ، والظاهر أنّ مراده بهذا الشرط هو اعتبار كون المنفعة لها إضافة ملكيّة إلى مالك ، كاعتبار ملكيّة العين في باب البيع ، من دون فرق بين أن يكون المالك هو المؤجر أو غيره ، وعليه فيخرج بهذا الشرط إجارة المباحات الأصليّة ، التي يتساوى نسبتها بأعيانها ومنافعها إلى الجميع ، من دون ترجيح لأحد على آخر ، وليس المراد بملكية المنفعة هي ملك التصرّف فيها حتّى يكون المخرج بهذا الشرط تصرّف الفضولي والغاصب ، وإن كان يؤيّده تفريع بطلان الفضولي عليه في آخر كلام الشرائع(2) لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ لازم هذا المعنى التخصيص بالمؤجر ، مع أنّه ليس في العبارة إشعار بالاختصاص به ـ يرد عليه أنّ تصرّف الفضولي والغاصب قد خرج باعتبار كون المتعاقدين جائزي التصرّف ، فلا حاجة إلى إخراجه ثانياً بهذا القيد ، كما أنّه ليس المراد بمملوكية المنفعة كونها متموّلة قابلة لأن يبذل المال بإزائها ; لأنّه ـ مضافاً إلى بعد هذا المعنى في نفسه ; إذ لا وجه للتعبير عن المتموّلة بالمملوكة ; ولذا جعل العلاّمة في القواعد(3) ومحكي التذكرة(4) كلاًّ من المتموّل والملكيّة شرطاً مستقلاًّ ، واحترز بالثاني عن إجارة الغاصب والفضولي ، وبالأوّل عن إجارة التفّاح للشمّ ونحو ذلك ـ ينافيه تفريع الفضولي بعد ذلك كما عرفت .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ المراد بهذا الشرط ما في الجواهر بعد ذكر عبارة الشرائع من قوله : للمؤجر أو لمن هو فضول عنه كما ستعرف ، أو

(1 ، 2) شرائع الإسلام : 2 / 182 .
(3) قواعد الأحكام : 2 / 286 و287 .
(4) تذكرة الفقهاء : 2 / 290 و294 .

(الصفحة62)



نائب عنه لوكالة أو ولاية(1) ، والظاهر عدم مساعدة الدليل عليه ; لأنّ اللاّزم مجرّد خروجها عن حدّ التساوي لا اعتبار الملكيّة ، ضرورة صحّة إجارة الحرّ نفسه كما سيأتي .
ثمّ إنّه استدلّ في الجواهر على اعتبار هذا الشرط بعد نفي وجدان الخلاف فيه بقوله : بل هو من الواضحات ، ضرورة عدم تحقّق المعاوضة في غير المملوكة التي يكون المؤجر والمستأجر فيها على حدٍّ سواء ، كمنافع الأعيان المباحة(2) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) بأنّ معنى كون البيع معاوضة والإجارة معاوضة ليس لزوم قيام كلّ من العوضين مقام الآخر فيما له من إضافة الملكيّة حتّى يلزم كون كلّ منهما مملوكاً قبلاً ، ضرورة صحّة بيع الكلّي الذمّي مع أنّه غير مملوك قبلاً للبائع ، وصحّة تمليك الحرّ لعمله بالإجارة ، مع أنّ عمله غير مملوك له قبلاً ، بل لمكان سلطنة الإنسان على نفسه له أن يتعهّد بكلّي في ذمّته أو بعمل على نفسه ، بل معنى كون البيع والإجارة معاوضة، صيرورة كلّ من العوضين ملكاً للآخر بإزاء صيرورته ملكاً له ، فلا يلزم سبق إضافة الملكيّة للمملّك(3) .
أقول : لم يظهر لي دلالة عبارة الجواهر على اعتبار سبق إضافة الملكيّة في تحقّق المعاوضة ، حتّى يورد عليه بما ذكر ، بل غاية مفادها عدم تحقّق المعاوضة في مثل منافع الأعيان المباحة ممّا يكون الطرفان فيه على حدٍّ سواء ، وأمّا كون الوجه فيه اعتبار السبق فلا ، فيمكن أن يكون الوجه فيه مجرّد تساوي النسبة وعدم وجود مرجّح في البين ، بل الظاهر

(1 ، 2) جواهر الكلام : 27 / 257 .
(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 106 ـ 107 .

(الصفحة63)



أنّ مراد صاحب الجواهر هو هذا الوجه ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ المنفعة تارةً تكون مملوكة بتبع ملك العين ، واُخرى بالاستقلال والانفراد ، وفي هذه الصورة قد يكون المالك لها مالكاً للعين أيضاً ، كما إذا استأجر داراً في مدّة معيّنة ثمّ اشتراها من المؤجر قبل انقضاء مدّة الإجارة ، فإنّه يكون في المدّة الباقية مالكاً للعين والمنفعة معاً ، من دون أن تكون المنفعة مملوكة بتبع ملك العين ; لما عرفت سابقاً من عدم التنافي بين البيع والإجارة ، وقد يكون المالك لها غير مالك للعين ، كما إذا أوصى له بمنفعتها أو كانت العين موقوفة بالوقف العام ، بناءً على كون العين فيه ملكاً لله تعالى ، أو يقال بعدم ثبوت مالك للعين فيه أصلاً ، ومن هذا القبيل ملك المستأجر ، فإنّه لا يكون مالكاً إلاّ للمنفعة غالباً . [انتهى الكلام من كتاب الإجارة الثاني].
***

المقام الثالث : في الاُمور المعتبرة في الأُجرة ، والبحث فيها من جهة اعتبار المعلومية ، وكذا التعيين فيما إذا كانت الأُجرة جزئية شخصية ، الذي كان ينبغي للماتن بيان اعتباره هنا أيضاً ; لعدم اختصاص اعتباره بالعين المستأجرة فإنّ الملاك في الاعتبار على تقديره واحد هو البحث في العين المستأجرة من جهة الكبرى . غاية الأمر أنّه حيث تكون الأُجرة مكيلة أو موزونة أو معدودة أحياناً فطريق رفع الخطر وانتفاء الغرر إنّما هو الكيل والوزن والعد ، ولا يكفي مجرّد المشاهدة أو الوصف . نعم ، لا يبعد الاعتماد على إخبار المستأجر بأحد المذكورات ، كما يعتمد على إخبار البائع به في باب البيع ، وإن وقع الخلاف بينهم في ذلك ، حيث إنّهم بين من صرّح بعدم كفاية المشاهدة في المذكورات ، كالمحكي عن السرائر(1) وكشف

(1) السرائر : 2 / 459 .

(الصفحة64)



الرموز(1)والتذكرة(2) وجامع المقاصد(3) وجمع آخر(4)، وبين من استشكل في الاكتفاء بها ، كالعلاّمة في القواعد(5) والشهيد في بعض كتبه(6) وبين من صرّح بكفايتها أو استحسنها ،كالشيخ في المبسوط(7) ، والمحكي عن المرتضى(8) والمحقّق في الشرائع(9)والأردبيلي في مجمع البرهان(10) والسبزواري في الكفاية(11) ، وحكي عن حواشي الشهيد أنّ به رواية حسنة(12) ، ولكن ذكر في المفتاح أنّه بعد التتبّع الوافي في مظانّه لم يظفر بها ، ولو كانت ما عدل القوم عنها ولطفحت عباراتهم بها(13) .
أقول : بعد البناء على اعتبار معرفة الأُجرة ومعلوميّتها كما هو المفروض ، إن كان الوجه في عدم الاكتفاء بالمشاهدة أو الاستشكال فيه عدم كون المشاهدة رافعة للجهالة ، ومحقّقة للمعرفة المعتبرة في الأُجرة ، نظراً إلى أنّ المشاهدة لا تجدي في

(1) كشف الرموز : 2 / 31 .
(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 291 .
(3) جامع المقاصد : 7 / 103 .
(4) منهم: فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد : 2 / 247 ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع : 2 / 261 ، وابن فهد الحلّي في المقتصر : 205 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 5 / 178 والروضة البهية : 4 / 333 ، والطباطبائي في رياض المسائل : 6 / 20 .
(5) قواعد الأحكام : 2 / 284 ، وكذا في تحرير الأحكام : 3 / 80 ، وإرشاد الأذهان : 1 /424 .
(6) غاية المراد : 2 / 312 ـ 313 .
(7) المبسوط : 3 / 223 .
(8) مسائل الناصريات : 370 مسألة 175 .
(9) شرائع الإسلام : 2 / 180 .
(10) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 26 .
(11) كفاية الأحكام : 124 .
(12) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 103 .
(13) مفتاح الكرامة : 7 / 103 .

(الصفحة65)



حصول هذا الغرض ، فمع تسليم الصغرى لا مجال للمناقشة في ذلك ، بل لابدّ من الجزم بعدم كفايتها ولزوم كون الاعتبار بمثل الوزن أو الكيل ، وإن كان الوجه فيه عدم الاكتفاء بها . ولو ارتفعت الجهالة بسببها وتحقّقت المعلومية بها فلا وجه له ، لأنّ مرجع ذلك إلى مدخلية حصول المعرفة من سبب خاصّ ، وكما أنّ أصل اعتبار المعرفة لو شك فيه يكون مرفوعاً بحديث الرفع(1) ، كذلك مدخلية سبب خاصّ بعد الفراغ عن اعتبار المعرفة مرفوعة; لعدم قيام الدليل عليها .
اللهمّ إلاّ أن يقال ـ بعد الاستناد في باب اعتبار المعلومية إلى حديث النهي عن الغرر ، بناءً على عموميّته وصلاحيّته للاستناد ، وعدم الاستشكال في الاستدلال بهـ : إنّ طريق رفع الغرر مختلف في نظر العرف ، ولا يرتفع الخطر عندهم في المكيل والموزون إلاّ بالكيل والوزن; لأنّ الأغراض النوعيّة كما أنّها مختلفة من حيث الذات والحقيقة ومن حيث الكيف والصفة ، كذلك تختلف من حيث المقدار والكمّية ، وطريق رفع الخطر من هذه الحيثية منحصر بمثل الكيل والوزن .
وبالجملة: فما لا تكون المشاهدة فيه طريقاً للمعلومية في عرض الطرق الاُخر ورتبتها، بل لو اكتفى بها العقلاء في بعض الموارد فإنّما هو لأجل كونها طريقاً إلى الطريق الأصلي، لا لأجل كونهاطريقاً في رتبته، فالظاهرعدم الإكتفاءفيه بالمشاهدة، وليس هذاإسراءلأدلّة اعتبارالكيل والوزن في المقام ، حتّى يقال باختصاصها بالبيع وأنّه لاموجب للإسراءإلى غيره، مضافاً إلى ما في دعوى اختصاص تلك الأدلّة بالبيع من المنع ; لأنّ كونها بصدد إفادة أمر زائد على ماهو المعتبر عند العقلاء بعيد جدّاً .
بقي الكلام في الأُجرة في أنّه يجوز أن تكون الأُجرة عيناً خارجية ، أو كليّاً في

(1) الكافي : 2 / 463 ح2 ، الخصال : 2 / 417 ح9 ، وسائل الشيعة : 15 / 369 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب56 ح1 .

(الصفحة66)

مسألة  : لو استأجر دابّة للحمل لابدّ من تعيين جنس مايحمل عليها; لاختلاف الأغراض باختلافه ، وكذا مقداره ولو بالمشاهدة والتخمين ، ولو استأجرها للسفر لابدّ من تعيين الطريق وزمان السير من ليل أو نهار ونحو ذلك ، بل لابدّ من مشاهدة الراكب أو توصيفه بما يرفع به الجهالة والغرر .

مسألة  : ما كانت معلوميّة المنفعة بحسب الزمان لابدّ من تعيينه يوماً أو شهراً أو سنة أو نحو ذلك ، فلا تصحّ تقديره بأمر مجهول1 .


الذمّة ، أو عملاً ، أو منفعة ، أو حقّاً قابلاً للنقل ; مثل الثمن في البيع ، وذلك لأنّ العبرة فيها بأن تكون متّصفة بالمالية حتّى يصحّ وقوعها بإزاء المنفعة والعمل ، وفي جميع الفروض تكون هذه الصفة موجودة .
وأمّا العين المستأجرة فقد ظهر ممّا ذكرناه في بيان حقيقة الإجارة لزوم كونها عيناً . غاية الأمر أنّه لا فرق بين أن تكون جزئيّة أو كليّة ، فالفرق بين الأُجرة وطرف إضافة الإجارة من هذه الجهة موجود .

1 ـ قد ظهر البحث في هذه المسألة والمسألة المتقدّمة ممّا تقدّم; وحاصله : أنّ تشخيص الموضوع غير المستنبط لا يكون على عهدة الفقيه ، بل اللاّزم الإرجاع إلى العرف ، فكلّ ما يكون ترك التعرّض له موجباً لحصول الغرر والخطر من الجهات المختلفة ، التي لها دخل في اختلاف الأغراض وتفاوت المالية فاللازم التعرّض ، وربّما يختلف ذلك باختلاف الأمكنة والأزمنة أيضاً ، فبيان الضابط في الصغريات ممّا لا وجه له أصلاً .


(الصفحة67)

[لو قال: كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار
أو قال: إن خطت هذا الثوب فارسيّاً فلك درهم وروميّاً فدرهمان]


مسألة  : لو قال : كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار مثلاً بطل إن كان المقصود الإجارة ، وصحّ ظاهراً لو كان المقصود الإباحة بالعوض ، والفرق أنّ المستأجر مالك للمنفعة في الإجارة دون المباح له ، فإنّه غير مالك لها ، ويملك المالك عليه العوض على تقدير الاستيفاء ، ولو قال : إن خطت هذا الثوب فارسياً فلك درهم ، وإن خطته رومياً فلك درهمان بطل إجارة وصحّ جعالة1 .



1 ـ في هذه المسألة فرعان :
الفرع الأوّل : ما لو قال : كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار مثلاً ، فتارةً يكون المقصود الإجارة ، واُخرى يكون غيرها ، فالكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل : ما إذا كان المقصود الإجارة ، والكلام فيه يقع تارةً في الأقوال والآراء الواردة فيه ، واُخرى في الفروض المتصوّرة وبيان حكمها :
أمّا الأوّل : فالظاهر أنّها عبارة عن القول بما جعله المحقّق في الشرائع أشبه ; وهي الصحّة في الشهر وثبوت اُجرة المثل في الزائد إن سكن(1) ، كما عن المقنعة(2)والنهاية(3) ومجمع البرهان(4) والكفاية(5) . غاية الأمر التصريح في الأوّل بماإذا لم يبيّن

(1) شرائع الإسلام : 2 / 181 .
(2) المقنعة: 642.
(3) النهاية : 444 ، وكذا المبسوط : 3 / 223 .
(4) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 23 ـ 24 .
(5) كفاية الأحكام : 125 .

(الصفحة68)



ابتداء المدّة ولا آخرها . والقول بالصحّة مطلقاً حتّى في الشهر الثاني والثالث وهكذا ، كما عن الغنية(1) والإسكافي(2) والخلاف(3) . والقول بالبطلان مطلقاً ، كما عن العلاّمة في كثير من كتبه(4) وجماعة من المتأخّرين عنه(5) . والقول المنسوب في محكي مفتاح الكرامة(6) إلى الحلّي(7) ; وهو التفصيل بين صورة الإطلاق وعدم تعيين الابتداء ، وبين صورة التعيين بالفساد في الأوّل والصحّة في الثاني ، فالأقوال في المسألة أربعة .
وأمّا الثاني : أي الفروض المتصوّرة ، فقد قال المحقّق الإصفهاني (قدس سره) : إنّ الوجوه المتصوّرة في تمليك منفعة الدار كثيرة :
منها : أن يكون المراد من قولهم : «آجرتك الدار كلّ شهر بدرهم» تمليك المقدار الذي يختاره المستأجر خارجاً ، فإنّه لا محالة متعيّن مع فرض الاستيفاء ، فيكون محذوره جهالة المنفعة والاُجرة حال العقد ، وهذا أحسن وجه لمن يختار الصحّة ويوافق تعليل القائل بالبطلان بلزوم الجهالة .
ومنها : أن يكون المراد تمليك المنفعة الأبدية أي الماهية بشرط شيء بنحو

(1) غنية النزوع : 286 .
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 6 / 106 مسألة 5 .
(3) الخلاف : 3 / 490 مسألة 5 .
(4) قواعد الأحكام : 2 / 285 ، تحرير الأحكام : 3 / 86 ، مختلف الشيعة : 6 / 106 مسألة 5 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 317 .
(5) كولده في إيضاح الفوائد : 2 / 249 ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع : 2 / 269 ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد : 7 / 109 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 5 / 182 .
(6) مفتاح الكرامة : 7 / 111 .
(7) السرائر : 2 / 461 .

(الصفحة69)



الاستغراق ، فيكون قوله : «كلّ شهر بدرهم» ميزاناً للأُجرة ، وهذا أيضاً محذوره الجهالة حال العقد ، إلاّ أنّه غير مفروض المسألة ، فإنّ فرض صحّته فرض ملكية المنفعة الأبديّة ، ولا يقولون بخروج المنفعة عن ملكه أبداً ، ولا يكون المستأجر ملزماً بذلك .
ومنها : أن يكون المراد تمليك المنفعة الملحوظة لابشرط من حيث المدّة طولاً وقصراً ، ومقتضاه استحقاق طبيعي المنفعة القابلة لتطبيقها على شهر أو أكثر ، ولازمه وحدة الأُجرة لا كلّ شهر بدرهم كما هو مفروض المسألة .
ومنها : أن يكون المراد تمليك المنفعة في الشهر الأوّل بدرهم وما زاد بحسابه ، وهذا يصحّ في الشهر الأوّل دون بقيّة الأشهر ، إلاّ أنّه أيضاً خلاف مفروض هذه العبارة .
وأمّا ملاحظة المنفعة من دون التعيّن اللاّبشرطي ولا التعيّن بشرط شيء ، عموماً أو خصوصاً ولو بملاحظة ما يختاره المستأجر ، فلا يجدي شيئاً لما عرفت من أنّ الماهية غير المتعيّنة بأحد التعيّنات لا واقعية لها ، فتستحيل أن تكون مقوّمة لصفة الملكيّة ، وهذا هو الوجه في عدم صحّة مثل هذه الإجارة ، لا لزوم جهالة الأُجرة والمنفعة(1) .
أقول : أمّا خروج الفرض الأخير عن مفروض المقام فلا ينبغي الارتياب فيه ، ولذا تعرّض له العلاّمة في محكي القواعد(2) مستقلاًّ ، واختار الصحّة فيه بعدما كان مختاره في المقام البطلان ، ونحن أيضاً نتعرّض له بعد الفراغ عن هذا الفرض

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 78 .
(2) قواعد الأحكام : 2 / 285 .

(الصفحة70)



إن شاء الله تعالى .
وهكذا لاريب في خروج الفرض الثاني ، وهو تمليك المنفعة الأبدية لما أفاده (قدس سره)في وجهه .
وأمّا الفرض الثالث : وهو تمليك المنفعة الملحوظة لا بشرط من حيث المدّة فلم يعلم المراد منه ; لأنّه إن كان تطبيق طبيعي المنفعة ، القابل للتطبيق على شهر أو أكثر بيد المستأجر فمرجعه إلى الفرض الأوّل ; وهو تمليك المقدار الذي يختاره المستأجر خارجاً ، وإن لم يكن التطبيق بيده بل كان الانطباق متحقّقاً قهراً فلازمه ملكيّة آن من أوّل زمان المنفعة فقط ، وإن لم يكن محتاجاً إلى التطبيق ولم يتحقّق الانطباق قهراً فاللاّزم ملكيّة المنفعة إلى آخر الأبد ، ويرجع هذا الفرض إلى الفرض الثاني مع اختلاف في أنّ الدوام في الفرض الثاني قد وقع مورداً للتعرّض ، وفي هذا الفرض هو مقتضى الإطلاق وأخذ المنفعة بلا شرط .
وكيف كان ، فلا إشكال في خروج هذا الفرض أيضاً لو لم يرجع إلى الفرض الأوّل عن المسألة المفروضة في المقام .
إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أنّ ما يمكن أن يكون وجهاً للقول بالبطلان في مفروض المقام اُمور تستفاد من كلام المحقّق الرشتي (قدس سره) .
منها : الجهالة ، قال في تقريبها : إنّ الجهالة المانعة في المعاوضات اللاّزمة ليست هي خصوص الإبهام كمّاً أو كيفاً ، كالصبرة المجهولة الوزن أو الشيء المجهول الطعم مثلاً ; بل ما يعمّ ذلك والكلّي غير المعيّن ، كأحد هذين أو شاة من هذه الشياه ، وغير ذلك ممّا لايرجع إلى كلّي موصوف ، وقد يطلق الإبهام على هذا أيضاً .
ومنها : أنّ المنفعة شيء معدوم لا يقبل التمليك إلاّ بعد التحديد أوّلاً وآخراً حتّى تنزّل منزلة الموجود ، فبدونه باق تحت العدم البحت لا يحكم عليه شيء

(الصفحة71)



ولا به على شيء .
ومنها : أنّه على تقدير القول بالصحّة لو مات المستأجر فأيّ شيء ينتقل إلى الوَرَثَة من منفعة الدار؟ لا سبيل إلى تعيّن شهر واحد لعدم المرجّح ، ولا على جميع الشهور كما لايخفى . وأيضاً لو قيل بالصحّة ففي أيّ وقت يستحقّ الأُجرة ، أو أيّ مقدار منها يملكها ؟(1)
والكلام في تماميّة هذه الوجوه وعدمها سيأتي في توجيه القول بالصحة .
وأمّا التفصيل كما هو مختار الشيخين والمحقّق وبعض آخر ، فالوجه فيه أنّ الشهر الأوّل الذي هو مرادهم ـ وإن وقع التعبير بالشهر في عبارة المحقّق(2) بنحو النكرة ـ يكون معلوماً تفصيلاً ; لأنّ الشكّ فيما زاد عنه من الشهور المتأخّرة عنه ، فالإجارة بالنسبة إليه لامانع عن صحّتها وبطلانها بالإضافة إلى الشهور المتأخّرة ، لأجل الجهالة لايقتضي البطلان من رأس ; لأنّ التفكيك في العقد الواحد كثير ، كضمّ غير المملوك إلى المملوك في البيع ، حيث إنّه يصحّ بالنسبة إلى الثاني ويبطل بالإضافة إلى الأوّل .
واُجيب عنه تارةً بأنّ أدلّة الجهالة تقتضي فساد العقد بمجرّد الجهالة في مورده ولو في الجملة ، وليست هي كضمّ غير المملوك إلى المملوك .
واُخرى بأنّ نسبة الإجارة إلى الواحد كنسبتها إلى الإثنين ، فتعيين شهر واحد إن جاء من جانب الإجارة فالمفروض خلافه ، إذ الكلام فيما إذا آجرها من غير تعيين شهر أو شهرين ، وإن جاء من الاقتراح فهو تحكّم .

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 106 .
(2) شرائع الإسلام : 2 / 181 .

(الصفحة72)



ويدفع الأوّل : منع كون الجهالة في مورد العقد ولو في الجملة موجباً للفساد ; لأنّ المسلّم هوفساد العقد بالنسبة إلى ما هو موصوف بالجهالة ، ولا وجه لاقتضائها الفساد رأساً ، ولو بالنسبة إلى ماهو خارج عن دائرة الجهالة . وبالجملة : لا يرى فرق بين المقام وبين ما إذا ضمّ غير المملوك إلى المملوك ، ويدفع الثاني منع تساوي النسبتين بعد كون الشهر الأوّل معلوماً تفصيلاً وما بعده من الشهور مشكوكاً .
والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّه إن كان المراد من قوله : «آجرتك كلّ شهر بدرهم» إنّ الشهر الأوّل بتمامه هو أقلّ الأزمنة المتصوّرة ، بحيث كان مرجع ذلك إلى الفرض الآتي ; وهو إجارة الدار مثلاً شهراً بكذا ومازاد فبحسابه ، فالظاهر أنّه لامناص عن الحكم بالصحّة في الشهر الأوّل ، ولكن الظاهر أنّه خلاف ما يظهر من هذه العبارة .
وإن كان المراد من ذكر الشهر تعيين ميزان الأُجرة ، والحكم بوقوع كذا من الأُجرة بإزاء شهر تامّ ، من دون فرق بين كون السكنى والانتفاع شهراً أو أقلّ أو أكثر ، بحيث كان الأقل من الشهر أيضاً داخلاً في مورد الإجارة . غاية الأمر إنّه توزّع أُجرة الشهر عليه بالنسبة ، فلا مجال للحكم بالصحّة بالإضافة إلى الشهر الأوّل ; لعدم كونه معلوماً تفصيلاً ، كما مرّ في بيان وجه هذا القول ، والظاهر دلالة هذه العبارة على الاحتمال الثاني .
وأمّا وجه القول بالصحّة مطلقاً فهو أنّه لامانع من الحكم بها في المقام عدا الوجوه المتقدّمة المذكورة في كلام المحقّق الرشتي (قدس سره) ، والظاهر عدم تماميّة شيء منها .
أمّا الوجه الأوّل : فيرد عليه أنّه لم يدلّ دليل على قدح هذا النحو من الجهالة في المعاوضة ، خصوصاً الإجارة التي هي والجعالة متقاربتان ; لأنّ المسلّم من الجهالة المانعة هي التي توجب مجهولية العوضين أو أحدهما من حيث المالية ، التي هي

(الصفحة73)



الغرض الأصلي في المعاوضات ، أو من حيث الصفات والخصوصيات التي تختلف فيها الرغبات ، والمفروض في المقام انتفاؤها .
وبالجملة : فاللاّزم على القائل بالبطلان مستنداً إلى هذا الوجه إقامة الدليل على لزوم رفع مثل هذا النحو من الجهالة في الإجارة وما يشبهها ، ومع عدم الدليل فالقاعدة تقتضي الصحّة كما مر .
وأمّا الوجه الثاني : الذي هي شبهة ثبوتية ، فمرجعه إلى امتناع تمليك المنفعة بدون التحديد أوّلاً وآخراً ; لأنّها بدونه باقية تحت العدم البحت ، وقد قرّرها المحقّق الإصفهاني (قدس سره) أيضاً ، قال : حيث إنّها تدريجية الوجود فهي محدودة بالزمان ، فالمنفعة غير المتعينة من حيث الزمان بوجه مفهوم لا مطابق له(1) . نعم ، خالف المحقّقَ الرشتي (قدس سره)في أمرين :
أحدهما : كون المنفعة موجودة بوجود العين ، فإنّه صرّح المحقّق الرشتي (قدس سره)بأنّ المنفعة بدون التحديد عدم محض ، وبه تنزل منزلة الموجود(2) ، ولكنّه يقول : بأنّ المنفعة في ذاتها حيثية وجودية للعين موجودة بوجودها . غاية الأمر إنّ التدرّج في الوجود اقتضى كونها محدودة بالزمان(3) .
ثانيهما : اختصاص هذا المعنى بالمنفعة ، فإنّ ظاهر كلام الرشتي (قدس سره)ذلك ، ولكنّه صرّح هو بعدم الاختصاص ; نظراً إلى أنّ الأعيان المتكممة بالمقادير من حيث المنّ والوزن وأشباه ذلك أيضاً كذلك . قال : فكما لا واقعية للمنفعة في قولهم : «آجرتك الدار كلّ شهر بكذا» كذلك لا واقعية للعين في قولهم : «بعتك كلّ منٍّ من هذه

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 77 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 106 .
(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 77 .

(الصفحة74)



الصبرة بكذا»(1) .
وكيف كان ، فهما (قدس سرهما) مشتركان في أنّ المنفعة لابدّ وأن تكون محدودة بالزمان وبدونه لايمكن تمليكها .
ويرد عليهما : أنّ لزوم التحديد بالزمان إن كان لأجل كونها بدونه عدماً بحتاً كما يقول به الأوّل ، فيرد عليه : أنّ العدم البحت ، كيف يقبل التحديد ، وإن كان لأجل اقتضاء التدرّج في الوجود له ، كما يقول به الثاني فيرد عليه : منع اقتضاء مجرّد التدرّج للمحدودية بالزمان .
وإن كان مرادهما من المحدودية هو التقوّم ; بمعنى أنّ المنفعة متقوّمة بالزمان ، فيدفعه أنّ التقوّم إن كان بالنسبة إلى ماهية المنفعة فمرجعه إلى مدخلية الزمان في حقيقة سكنى الدار مثلاً مفهوماً، ومن المعلوم خلافه، ضرورة أنّ تصوّر سكنى الدار بمفهومه لا يلازم تصوّر الزمان أصلاً ، فيكشف ذلك عن عدم دخالته في الحقيقة والماهية ، وإن كان بالإضافة إلى وجودها وتحقّقها في الخارج ، فهو وإن كان كذلك إلاّ أنّه لايقتضي التقدير حال العقد الذي هو حال ملاحظة المفهوم قبل أن يوجد في الخارج ، خصوصاً لو كان بناء المتعاقدين على التعيين اللفظي بعد العقد الذي هو خارج عن مفروض المقام ; لأنّ محلّ البحث هنا مالو اقتصر على مجرّد إجارة الدار كلّ شهر بكذا من دون تعيين الزمان قبل العقد ، وبناء العقد عليه أو البناء على التعيين بعد العقد ، بل المراد تمليك ما يختاره المستأجر عملاً في الخارج ، كما عرفت .
وبالجملة : فهذا الوجه أيضاً لا مجال للاتّكال عليه في الحكم بالبطلان .
وأمّا الوجه الثالث : ففيه أنّه لا مانع من أن يقال : بأنّه ينتقل إلى ورثة

(1) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 77.

(الصفحة75)



المستأجر ـ على تقدير عدم كون المراد استيفاءه بنفسه ـ حقّ استيفاء المنفعة من الدار كلّ شهر بكذا ، الذي كان ثابتاً لنفس المستأجر بعد صحّة الإجارة على ماهو المفروض ، فما يكون ثابتاً له فهو يعدّ من متروكاته وينتقل إلى ورثته .
وأمّا وقت استحقاق المؤجر للأُجرة فهو عبارة عن وقت العقد ، ولا يلزم أن يكون مقدار الأُجرة ـ المملوك حينه ـ معلوماً بعد معلومية اُجرة كلّ شهر .
فانقدح من جيمع ماذكرناه عدم تماميّة شيء من الوجوه الثلاثة ، فالظاهر بمقتضى القاعدة حينئذ الصحّة .
المقام الثاني : في أنّه على تقدير القول بالبطلان في المقام الأوّل فهل يمكن التصحيح من طريق آخر ؟ ونقول : إنّ الطرق المتصوّرة بعد الإجارة ثلاثة :
أحدها : المعاطاة ، قال المحقّق الرشتي (قدس سره) بعد الحكم بجريان المعاطاة في الإجارة أيضاً ، وأنّ شروط العقد ليست شرطاً فيها أصلاً ، خلافاً لمن خالف . ويمكن تصحيح المسألة بطريق المعاطاة ولو في ضمن الصيغة الفاسدة ، لكن بناءً عليه لا أثر لها إلاّ بعد حصول المعاطاة من جانب أو جانبين على الاحتمالين أو القولين في المعاطاة ، والله العالم(1) .
ويرد عليه: منافاة ماذكره هنالما أفاده آنفاً ; من أنّ المنفعة بدون التحديد بالزمان أوّلاً وآخراً لاتكون قابلة للتمليك ، فإنّها إذا لم تكن قابلة له بسبب العقد والصيغة فكيف تتّصف بالقابليّة في المعاطاة ، ومجرّد عدم اشتراط شروط العقد في المعاطاة لايوجب صيرورة المستحيل جائزاً ; لأنّ هذه شبهة ثبوتية كما عرفت ، ولافرق فيها بين كون السبب قولاً أو فعلاً . نعم ، قد عرفت اندفاعها وعدم تماميتها بوجه .

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 107 ـ 108 .

(الصفحة76)



وحينئذ ، يقع الكلام في جريان المعاطاة في مفروض المسألة ، ولأجل كونها بهذا النحو متداولاً في هذه الأزمنة في مثل الفنادق والخانات ، بل ربما يتّفق كثيراً في مثل إجارة الدار وأشباهها ، ويتداول أيضاً في الإجارة على الأعمال في الخادم والخادمة وأمثالهما ، فلابدّ من البحث عن حكمها ليتّضح الحال .
فنقول وعلى الله الاتّكال : تارةً يقال باشتراط شروط العقد في المعاطاة كما هو الظاهر(1) ، ولعلّه المشهور ، واُخرى بعدمه ، كما اختاره المحقّق الرشتي (قدس سره)على ما عرفت آنفاً ، وعلى التقديرين قد يقال بكفاية الإعطاء من جانب واحد . وقد يقال بلزوم التعاطي من الطرفين .
فإن قلنا بكفاية الإعطاء من جانب واحد ، وعدم اشتراط شروط العقد في المعاطاة ، ففي إجارة الأعيان كالدار والفندق ونحوهما تتحقّق المعاطاة بإعطاء الأُجرة أوّلاً ، ويقع بإزائها ما يقابلها من المنفعة على طبق ما تقاولا عليه ، كما أنّها تتحقّق بتسليم العين إلى المستأجر وتسليطه عليها ، والجهل لايقدح على ماهو المفروض ، وفي الإجارة على الأعمال كالخادم والخادمة أيضاً تتحقّق بإعطاء الأُجرة ، كما أنّها تتحقّق بتسليم العمل إلى المستأجر ، فأيّ مقدار من العمل سلّمه الأجير إلى المستأجر يصير مستحقّاً لما يقع بإزائه من الأُجرة .
وإن قلنا في هذا الفرض باشتراط شروطه فيها ، فلا إشكال في تحقّقها بإعطاء الأجرة أوّلاً في إجارة الأعيان والإجارة على الأعمال ، كما أنّه لا إشكال في تحقّقها بتسليم العمل إلى المستأجر في الثاني ; لأنّ العمل بعد التسليم لايكون مجهولاً بوجه ، فيستحقّ العامل بعده ما يقع بإزائه من الأُجرة ، وأمّا تحقّقها بتسليم العين

(1) راجع كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 3 / 68 ـ 71 .

(الصفحة77)



والتسليط عليها في الأوّل ، فإن كان المراد حصولها بنفس التسليم فالظاهر عدم الجواز بعد فرض الجهل بالزمان ومدخلية العلم في صحّة المعاطاة أيضاً .
وإن كان المراد حصولها تدريجاً ، نظراً إلى أنّه كما أنّ المنفعة تدريجيّة الوجود كذلك اعطاؤها ـ المتحقّق بإعطاء العين ـ أيضاً تدريجيّ ، وعليه فتمامية المعاطاة تتوقّف على تماميّة استيفاء المستأجر المنفعة ، فإن كانت مدّته شهراً فالمعاطاة تتمّ رأس الشهر وتتحقّق بالنسبة إليه ، وهذا كما في الإجارة على الأعمال ، فإنّه كما أنّ المعاطاة فيها تتحقّق بتسليم العمل ولا يكفي مجرّد التلبس به على ماهو الظاهر ، كذلك المعاطاة في المقام تحصل باستيفاء المنفعة .
وكيف كان ، فيرد على ذلك أنّه إذا كانت المعاطاة متحقّقة تدريجاً وبمضيّ الزمان ، فاللاّزم حينئذ عدم جواز الاستيفاء قبل تماميّة المعاطاة ، إذ بها تحصل الملكيّة ويتبعها جواز الانتفاع والاستيفاء ، ولامجال لقياس ذلك بالأعمال ، فإنّ العمل هناك باختيارالعامل، ولا معنى لعدم جوازه بالنسبة إليه، ولو كان مستلزماً للتصرّف في مال المستأجر كخياطة ثوبه ، فإنّه يكفي فيه مجرّد الإذن المستفاد من التسليط عليه ، وهذا بخلاف الأعيان ، فإنّ التسليط فيها إنّما هو في قبال الاُجرة ، والمفروض أنّ تماميّة المعاطاة تتوقّف على مضيّ زمان الاستيفاء ، فلا وجه للحكم بالجواز .
وممّا ذكرنا يظهر حكم مالو قلنا بلزوم التعاطي من الطرفين في المعاطاة على التقديرين ، فتأمّل جيّداً .
تنبيه :
قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ العمدة في وجه القول بالبطلان في فرض الإجارة هو جهالة المنفعة المستلزمة لجهالة الأُجرة ، فما هو المجهول أوّلاً وبالذات إنّما هي المنفعة ،

(الصفحة78)



وعليه فينبغي تعليل البطلان بها لابتجهل الأُجرة كما في عبارة الشرائع(1) ، ولكنّه ذكر المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في مقام الاعتذار عنه بأنّ ذكر الفرع في أحكام الاُجرة يناسب التعليل بلزوم الخلل في الاُجرة ، وأورد على المحقّق الرشتي (قدس سره) ، حيث ذكر في توجيه ذلك : إنّ المنفعة لا مالية لها إلاّ بلحاظ بذل الأُجرة بإزائها ، وإلاّ فمع قطع النظر عن الأُجرة وعن مالية المنفعة بلحاظها لا أثر للعلم والجهل بما لا مالية له ، وحيث إنّ مالية المنفعة متقوّمة بالاُجرة ، فلابدّ من تعليل عدم قبول المنفعة للملكية بلزوم الخلل في ماليتها ، من جهة الخلل في الأُجرة(2) بما حاصله منع ذلك ، نظراً إلى أنّ مالية المنفعة على حدّ مالية الأعيان ليست بلحاظ بذل المال فعلاً بإزائها في المعاملة ، بل بملاحظة قابليتها للمقابلة بالمال ، وإلاّ يلزم محذور الدور فيما كانت الاُجرة أيضاً عملاً من الأعمال(3) .
ثانيها : الجعالة ، قال في الجواهر : أمّا لو فرض بوجه يكون كالجعالة ; بأن يقول الساكن مثلاً : «جعلت لك على كلّ شهر أسكنه درهماً» لم يبعد الصحّة ; لعدم اعتبار العلم فيها أزيد من ذلك(4) .
ويظهر من العروة(5) جواز الجعالة بنحو يكون الجاعل هو مالك العين ، ولذا اعترض عليه سيّدنا المحقّق الأُستاذ البروجردي (قدس سره) في الحاشية ; بأنّه لامعنى للجعالة هنا ، فإنّ الجعالة هي جعل شيء على نفسه لمن يعمل عملاً له ، وها هنا

(1) شرائع الإسلام : 2 / 181 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 108 .
(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 79 .
(4) جواهر الكلام : 27 / 235 ـ 236 .
(5) العروة الوثقى : 5 / 17 مسألة 10 .

(الصفحة79)



جعل شيئاً لنفسه على من يستوفي منفعة ملكه(1) .
وكيف كان ، فقد أورد على صاحب الجواهر أيضاً بخروج ماذكره عن عنوان الجعل على عمل ; فإنّ مقتضى الجعالة أنّ الجعل للعامل ; وهو هنا الساكن المستأجر ، مع أنّ الأُجرة للمؤجر(2) .
وحكى المحقّق الإصفهاني (قدس سره) عن بعض الأعلام(3) جريان الجعالة ; بأن يجعل المستأجر الاُجرة في قبال إسكان المالك . ودفعه بأنّ الجعاله هي جعل شيء على عمل له ماليّة ، والإسكان لا مالية له بل متعلّق بما له المالية ; وهي سكنى الدار ، ثمّ قال : لابدّ في الجعالة من أن يكون هناك عمل لمن يأخذ الجعل ، بحيث تكون له مالية ، فمع انتفاء أحد الأمرين لا جعالة(4) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لم يقم دليل على اشتراط ما ذكر في حقيقة الجعالة ، ومجرّد ملاحظة مصاديقها الظاهرة لا يقتضي التخصيص بها ، فلنا أن نقول بجريان الجعالة في مثل المقام ـ : أنّه يمكن تصويرها بنحو آخر غير النحو المذكور في الجواهر ، بحيث لايرد عليه الإشكال ، بأن يقول المؤجر : «من دفع إليَّ درهماً من المال فله استيفاء منفعة داري شهراً» مثلاً فإنّه في هذا النحو جعل شيئاً على نفسه بإزاء عمل له مالية ، فتأمّل .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ للجعالة عند العرف والشرع موارد معيّنة لاتتجاوزها عندهم ، وأنّه لاتكون الجعالة في مثل المقام معهودة لديهم ، فالحكم بجوازها فيه

(1) الحواشي على العروة الوثقى: 136.
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 79 .
(3) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 107 .
(4) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 79 .

(الصفحة80)



مشكل جدّاً .
ثالثها : الإباحة بالعوض ، قال في الجواهر بعد نفي البعد عن صحّة الجعالة في كلامه المتقدّم : كما أنّه لم تبعد الصحّة لو جعل من قبيل الإباحات بأعواض معلومة تلزم بالتلف ، كما في نظائره من الأعيان والمنافع(1) . وتبعه بعض المتأخّرين كصاحب العروة(2) وبعض المحشين(3) .
ولكن حكي عن المحقّق الرشتي (قدس سره) أنّه أورد على الجواهر أوّلاً: بأنّ اللفظ لايساعدها . وثانياً: بأنّ الإباحة بالعوض إن صحّت فهي من المعاوضات التي لاتقبل الغرر لعموم دليله . وثالثاً: بأنّ الإباحة مشروطة بشروط المعاوضة ، كما ذكروه في المعاطاة . ورابعاً: بأنّ الإباحة لا تتعلّق بالكلّي بل بالعين الخارجية ، والاُجرة أعم منها . وخامساً: بعدم دليل على صحّتها ; لخروجها من المعاوضات المتعارفة واختصاص «أوفوا بالعقود»(4) بالمتعارف(5) .
أقول : العمدة من هذه الإيرادات هي الإيراد الثاني والخامس ; لأنّ الإيراد الأوّل مدفوع بأنّه ليس الكلام في مساعدة اللفظ ، بل في إمكان تصحيح هذا النحو من المعاوضة والمعاملة بأيّ لفظ أمكن . والإيراد الثالث مرجعه إلى الثاني كما هو غير خفي ، والرابع مدفوع ـ مضافاً إلى أنّ ظاهره كون المباح هي الأُجرة بإزاء المنفعة ،

(1) جواهر الكلام : 27 / 236 .
(2) العروة الوثقى : 5 / 17ـ 18 مسألة 10 ، وكذا المامقاني في مناهج المتّقين : 308 ، والسيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى : 12 / 18 .
(3) كالإمام الخميني والسيّد الخوئي ، راجع تعليقات العروة الوثقى : 5 / 18 . وكذا السيّد محمّد الحجة الكوه كمري في حواشيه على العروة الوثقى : 100 .
(4) سورة المائدة 5 : 1 .
(5) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 107 .
<<التالي الفهرس السابق>>