في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة281)

[تلف العين المستأجرة وإتلافها]

مسألة  : لو تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة ، وكذا بعده بلا فصل معتدّ به أو قبل مجيء زمان الإجارة ، ولو تلفت في أثناء المدّة بطلت بالنسبة إلى بقيّتها ، ويرجع من الاُجرة بما قابلها; إن نصفاً فنصف، أو ثلثاً فثلث وهكذا . هذا إن تساوت اُجرة العين بحسب الزمان ، وأمّا إذا تفاوتت تلاحظ النسبة ، مثلاً لو كانت اُجرة الدار في الشتاء ضعف اُجرتها في باقي الفصول ، وبقي من المدّة ثلاثة أشهر الشتاء يرجع بثلثي الاُجرة المسمّـاة ، ويقع في مقابل ما مضى من المدّة ثلثها ، وهكذا الحال في كلّ مورد حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء المدّة بسبب من الأسباب . هذا إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها، ولو تلف بعضها تبطل بنسبته من أوّل الأمر أو في الأثناء بنحو ما مرّ1 .


1 ـ في هذه المسألة فروع لابدّ من التكلّم فيها :
الأوّل : تلف العين المستأجرة قبل إقباضها من المستأجر ، والظاهر أنّه موجب للبطلان ، وقد نفى صاحب الجواهر (قدس سره) وجدان الخلاف فيه(1) ، حاكياً للاعتراف به عن محكي التذكرة(2) ، وقد وقع الإشكال في الدليل على ذلك في باب الإجارة ; لأنّ النبويّ المعروف(3) وخبر عقبة بن خالد المعروف(4) في كتاب البيع قد ورد كلّ منهما في باب البيع ، فلا يبقى وجه للإلحاق إلاّ الفحوى أو تسالم الأصحاب .

(1) جواهر الكلام : 27 / 277 .
(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 322 .
(3) عوالي اللئالي : 3 / 212 ح59 ، مستدرك الوسائل : 13 / 303، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب9 ح1 .
(4) الكافي : 5 / 171 ـ 172 ح12 ، التهذيب : 7 / 21 ح89 وص230 ح1003 ، وسائل الشيعة : 18/23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب10 ح1 .

(الصفحة282)



نعم ، قال في الجواهر : قد يقال : إنّ الوجه في التعدية المزبورة مع اختصاص الدليل بالبيع هو بناء أمثال هذه العقود على المعاوضة الشرعية والعرفية التي هي بمعنى تبديل سلطنة بسلطنة ، بل لعلّ ذلك من مقوّماتها ، فتعذّره حينئذ يقتضي انتفاءها(1) .
وأورد على هذا الوجه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بما حاصله : أنّه إن كان الغرض أنّ عقد البيع بمدلوله المطابقي يقتضي الاستيلاء الاعتباريّ والخارجي معاً ففيه : أنّ مدلول البيع تسبيبيّ يتسبّب إليه بالعقد الإنشائي ، والسلطنة الفعلية الخارجية تستحيل أن توجد بسبب انشائيّ ، وإن كان الغرض أنّ حصول الملكيّة الشرعية يتوقّف على حصول السلطنة الفعلية المتحقّقة بالقبض فهو أمر معقول ، إلاّ أنّه لادليل عليه إلاّ في باب الصرف والسلم فقط ، ولا دليل على اعتبار القبض في غيرهما من أنواع البيع فضلاً عن سائر المعاوضات ، مع أنّ مقتضى ذلك عدم تماميّة المعاوضة قبل القبض ، والمعروف في التلف قبل القبض انفساخ العقد بالتلف بعد انعقاده وتأثيره(2) .
أقول : يمكن الجواب عنه بأنّه هنا احتمال ثالث ; وهو أنّ الغرض الأصلي والمطلوب الأوّلي في باب المعاملات المعاوضية هو تحقّق السلطنة والاستيلاء الخارجي ، من دون أن يكون ذلك مدلولاً مطابقياً للعقد حتّى يمنع ذلك ، نظراً إلى استحالة تحقّق السلطنة الخارجية بسبب إنشائيّ ، ومن دون أن يكون حصول الملكيّة الاعتبارية متوقّفاً على حصول السلطنة في الخارج حتّى يمنع ذلك ; لأجل

(1) جواهر الكلام : 27 / 277 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 171 .

(الصفحة283)



عدم الدليل عليه في غير الصرف والسلم ، بل من جهة كون بناء المعاملة والمعاوضة على حصول ذلك ، ولأجله يقال بوجوب التسليم والتسلّم ; لما عرفت من أنّه من مقتضيات نفس المعاملة لا الملكيّة المترتّبة عليها، وحينئذ يصحّ أن يقال : إنّه مع امتناعه وتعذّره لا يبقى مجال لبقاء المعاملة واستمرارها .
وكيف كان ، فقد وقع الإشكال والخلاف في وجه الحكم ببطلان الإجارة ، الظاهر في الانفساخ بعد الانعقاد فيما إذا تلفت العين قبل القبض ، ولكن جماعة من المحقّقين تصدّوا لبيان الوجه لذلك بما لاينتج الانفساخ ، بل عدم الانعقاد من رأس ، منهم : المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ، حيث قال ما ملخّصه : إنّ المملوك بالبيع هي العين ، وهي موجودة قارّة حال تأثير العقد في تمليكها المشتري ، فعند عروض التلف له يكون ملكاً للمشتري ، فتلفها من مال البائع بانفساخ العقد قبل التلف آناً ما حتّى يكون تالفاً من مال البائع لا محالة يتوقّف على دليل خاصّ ، بخلاف المملوك بعقد الإجارة ، فإنّها المنفعة وهي تدريجية ، فإذا لم يكن في المدّة المضروبة منفعة لفرض تلف العين فلا شيء حتّى يملك أو يملّك .
نعم ، هذا في التلف الحقيقي ، وأمّا في التلف التنزيلي فحال الإجارة حال البيع في كون الانفساخ على خلاف القاعدة(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم إفادة هذا الوجه لإثبات الحكم المشهور ; وهو الانفساخ قبل التلف آناً ما ـ : أنّ مقتضى ذلك عدم جواز تقدير المنفعة حال العقد ، والحكم بثبوت ملكيتها بسبب العقد ، ضرورة أنّه إذا كانت

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 172 ، وراجع جواهر الكلام : 27 / 278 ، وكتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 233ـ234 .

(الصفحة284)



المنفعة المعدومة حال العقد قابلة لفرض وجودها وتقديرها حينه مقدّمة لاعتبار الملكيّة ، كما أفادوه في مقام الردّ على أبي حنيفة(1) القائل بتوقّف الملكيّة على وجود المنفعة في الخارج ، فمع تقديرها والحكم بعروض الملكيّة لها بسبب العقد لا مجال لجعل التلف قبل القبض كاشفاً عن عدم انعقاد الإجارة من رأس ، بحيث يكون مرجعه إلى أنّ من شرائط تأثير الإجارة في حدوث الملكيّة ، وحصول أصل النقل والانتقال بقاء متعلّقها الذي هو العين إلى زمان تحقّق القبض .
وهذا ـ مع أنّه لا دليل عليه ـ ممّا لايساعده العرف والعقلاء . بل غاية الأمر أنّ التلف قبل القبض عندهم مانع عن استمرار أثر الإجارة ودوام تأثيرها ، فهل الإجارة في هذه الصورة عندهم بمنزلة وقوع البيع على عين شخصية بتخيّل وجودها في الخارج مع انكشاف تلفها حال البيع ؟ ومن الواضح أنّه لا مشابهة بين المقامين عند العقلاء ، بل الظاهر عندهم عدم انعقاد الثاني بخلاف الأوّل ، فإنّه انعقد صحيحاً ولم يستمرّ .
هذا ، مضافاً إلى أنّه من البعيد جدّاً خفاء هذا المعنى على المحقّقين من الفقهاء ، حتّى يحكموا من أجله بالبطلان حين التلف الظاهر في الانفساخ ، دون عدم الانعقاد من رأس على ما هو مقتضي هذا الوجه ، فلابدّ حينئذ من التفحّص عن وجه حكمهم بذلك في هذا المقام ، بل الظاهر عدم اختصاص اتّحاد هذا المقام مع باب البيع بخصوص هذا الحكم ، كما استظهره صاحب الجواهر أيضاً ، حيث قال : ظاهر الأصحاب في المقام اتّحاد الحكم في المقامين ، وأنّ المنفعة هنا بمنزلة المبيع والاُجرة هنا بمنزلة الثمن ، ومن هنا يتّجه جريان جميع ما تقدّم هناك في المقام ، كالبحث عن

(1) الخلاف : 3 / 489 مسألة 3 ، المغني لابن قدامة : 6 / 13 ، المبسوط للسرخسي : 15 / 109 .

(الصفحة285)



تلف الثمن المعيّن ، وعن التلف بغير الآفة السماوية ، كتلف الأجنبي والبائع والمشتري ، وعن تقييد الحكم بما إذا لم يكن عدم القبض من امتناع المستحقّ أو بسؤاله البقاء في يد البائع ، وغير ذلك ممّا تقدّم هناك ، فلاحظ وتأمّل(1) .
والظاهر أنّ مقتضى إمعان النظر وإعمال الدقّة هو أنّ الوجه في التعدية ليس إلاّ إلغاء الخصوصية من الدليل الوارد في باب البيع ، بضميمة استفادتهم من ذلك الدليل الانفساخ كما ذكروا هناك(2) . نعم ، يقع الإشكال حينئذ في أنّ الحكم الذي يكون على خلاف القاعدة لا مجال لإلغاء الخصوصية عن مورده ، بل لابدّ من الاقتصار على خصوص محلّه .
ويمكن دفع الإشكال بأنّ المراد من القاعدة التي يكون الحكم بالانفساخ مخالفاً لها إن كان هي قاعدة كون التلف من مال مالكه ، فمع كونه ملكاً للمشتري عند التلف لامجال للحكم بكونه من مال البائع مع فرض تماميّة العقد وتأثيره في حصول الملكيّة التامّة ، ففيه : أنّ مرجع الحكم بالانفساخ إلى اشتراط بقاء العين إلى زمان القبض في بقاء أثر العقد واستمرار تأثيرها ، وإلاّ فلا يعقل الحكم بالانفساخ أصلاً ، فمع فقدان هذا الشرط لا سبيل إلاّ للحكم بالانفساخ ، ولا يكون على خلاف القاعدة .
اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مرجع الاشتراط ليس إلى الانفساخ الذي هو مرادهم ، فإنّ اشتراط بقاء العين إلى زمان القبض في بقاء أثر العقد واستمرار صحّته ، معناه أنّه مع فقد هذا الشرط لم تكن الإجارة من أوّل الأمر مؤثِّرة في البقاء ، لا أنّها كانت

(1) جواهر الكلام : 27 / 277 .
(2) رياض المسائل : 5 / 127 ، مفتاح الكرامة : 4 / 596 ، كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 6 / 270 .

(الصفحة286)



من حيث التأثير تامّة ثمّ عرض لها الانفساخ ، كما لا يخفى .
وإن كان المراد هو الإطلاق الذي يكون الاشتراط مخالفاً له ففيه : أنّ الاشتراط والحكم باعتبار شيء في تأثير العقد حدوثاً أو بقاءً ليس من الخلاف بوجه حتّى لا يجوز إلغاء الخصوصية من مورده إلاّ مع بيّنة قويّة ، كما هو ظاهر .
فالإنصاف أنّ حكمهم بثبوت الملكيّة التامّة بالنسبة إلى المنفعة والاُجرة معاً بمجرّد العقد ـ كما اشبعنا الكلام فيه فيما تقدّم(1) ـ دليل على أنّ العقد كامل من حيث حدوث التأثير ، ولا يتوقّف على ملاحظة بقاء العين إلى زمان القبض ، فالتلف قبله لابدّ من أن يكون موجباً للانفساخ لا البطلان من رأس ، فتدبّر .
ويؤيّد الانفساخ أنّه فيما إذا كانت المنفعة عيناً من الأعيان كما في إجارة الأشجار ذات الثمرة ـ بناءً على صحّة إجارتها ـ لا مجال لدعوى كون التلف كاشفاً عن عدم ملكيّة المنفعة لعدم ثبوتها ، ضرورة أنّ المنفعة فيها تكون من الأعيان الموجودة في الخارج ، والتلف لا يكشف عن عدم دخولها في ملك المستأجر ، بل تكون حينئذ كالمبيع في باب البيع ، فدعوى البطلان من رأس على فرض تماميتها لاتجري في مثل هذا الفرض .
الثاني : تلف العين المستأجرة بعد العقد والقبض بلا فصل ، وظاهرهم الانفساخ في هذه الصورة أيضاً ، وأنّها متّحدة مع الصورة الاُولى في الحكم . قال في الجواهر في مقام التعليل للإتّحاد : إنّ المنفعة هي التي بمنزلة المبيع ، ولا ريب في تحقّق تلفها قبل قبضها ، وإن كان بعد قبض العين التي تستوفى منها ، وليس في الأدلّة ما يقضي بأنّ قبض العين قبض للمنفعة بالنسبة إلى ذلك ، وإن كان هو كذلك بالنسبة إلى

(1) في ص235 و 242 .

(الصفحة287)



استحقاق تسليم الاُجرة ونحوه(1) . وتبعه في هذا المحقّق الرشتي (قدس سره)(2) .
وأورد على كليهما المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بأنّ القبض الذي يستحقّ به الأُجرة قبض المنفعة ، وقبض العين مقدّمة له ، وحيث لا منفعة فلا قبض لأحد طرفي المعاوضة ، بل اللاّزم إبقاء العين تحت يده في تمام المدّة حتى يكون إقباضاً لتمام المنفعة حتّى يستحقّ مطالبة الأُجرة تماماً(3) .
وأنت خبير بأنّ الحكم بتوقّف استحقاق مطالبة تمام الأُجرة على كون العين تحت يده في تمام المدّة المضروبة مخالف لما هو الثابت عندهم ; من ثبوت استحقاق مطالبة تمام الأُجرة بمجرّد تسليم العين ، كما عرفت الكلام فيه فيما تقدّم(4) .
الثالث : تلف العين المستأجرة بعد القبض في أثناء المدّة المضروبة ، والمشهور(5)أنّه يصحّ فيما مضى ويبطل في الباقي ، معلّلاً له في الجواهر بأنّه كتلف بعض المبيع ـ يعني قبل القبض ـ وعليه فيرجع من الأُجرة بما قابل المتخلّف من المدّة(6) ، وظاهر المشهور أنّ المراد بالبطلان هو الانفساخ الذي حكموا به في الفرعين المتقدّمين ، ويؤيّده تعبير بعضهم بذلك كالعلاّمة(7) فيما حكي عنه ، ومرجعه إلى أنّ العقد كان صحيحاً تامّاً ، وبالتلف في الأثناء يعرض له الانفساخ ، كالتلف قبل القبض أو بعده بلا فصل ، ولكن بناءً على مبنى الجماعة المتقدّمة في الفرع الأوّل لابدّ أن يقال : بأنّ

(1) جواهر الكلام : 27 / 278 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 235 .
(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 172 ـ 173 .
(4) في ص251ـ 254 .
(5) المبسوط : 3 / 223 ، شرائع الإسلام : 2 / 183 ، مسالك الأفهام : 5 / 196 .
(6) جواهر الكلام : 27 / 278 ـ 279 .
(7) تذكرة الفقهاء : 2 / 322 .

(الصفحة288)



المراد من البطلان في الباقي عدم انعقاد الإجارة بالإضافة إليه من أوّل الأمر ; لعدم ثبوت هذا المقدار من المنفعة في وعاء ثبوته ، فلا معنى لتعلّق التمليك به بالعقد .
وعلى هذا المبنى لا يحتاج الحكم بالبطلان إلى تكلّف إقامة الدليل ، بخلاف مبنى المشهور ، مضافاً إلى جريان المناقشة في إمكانه على ما عرفت في الفرع الأوّل ، فإنّ الحكم بالانفساخ لابدّ وأن يكون مسبّباً عن خلل فيما يشترط في تأثير عقد الإجارة بقاءً ; ضرورة أنّه مع تماميّة الجهات المعتبرة في التأثير حدوثاً وبقاءً لايبقى موقع للحكم بالانفساخ وعروض البطلان ، فالحكم به يكشف عن الخلل في شيء من الاُمور المعتبرة في التأثير بقاء ، ومع وجود هذا الخلل لابدّ من الحكم بعدم تأثير الإجارة من أوّل الأمر في البقاء ، لا التأثير ثمّ الانفساخ .
وبالجملة : فالانفساخ بالمعنى الذي أفتى به المشهور تصوّره لايخلو عن الإشكال ، إلاّ أن يقال : بإمكان تصوّره في خصوص باب الإجارة ، من جهة أنّ قوام الإجارة إنّما هو بوجود العين المستأجرة ، فمع فرض تلفها بعد الإجارة وقبل انقضاء مدّتها لا مجال لاعتبار بقائها عند العقلاء ، من دون أن يكون ذلك من جهة الخلل في شرائط التأثير .
وكيف كان ، فقد وقع الإشكال في مدرك حكم المشهور بالانفساخ في التلف في الأثناء ، وما يمكن أن يكون وجهاً له أحد اُمور :
أوّلها : ما أفاده في الجواهر : من أنّ التلف في الأثناء بمنزلة تلف بعض المبيع الذي يوجب الانفساخ بالإضافة إلى خصوص التالف(1) ، ومنشأ هذا الوجه ما تقدّم(2)

(1) جواهر الكلام : 27 / 278 ـ 279 .
(2) في ص285 .

(الصفحة289)



من إلغائهم الخصوصية عن الدليل الوارد في البيع ، ولكن دعوى عدم تحقّق القبض بالنسبة إلى المنفعة الباقية ممنوعة ، فتدبّر .
ثانيها : ما حكي عن بعض أجلّة السادة(1) من أنّ بطلان الإجارة في المقام مستند إلى تعذّر التسليم ، ضرورة أنّه مع عدم ثبوت هذا المقدار من المنفعة كيف يمكن تعلّق التسليم به على ماهو ظاهر .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ لازم ذلك البطلان من رأس لا الانفساخ العارضـ : ما أورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) من أنّ مقسم القدرة والعجز هو تسليم الملك ، وحيث لا ملك فلا موضوع للتسليم حتّى يوصف بالقدرة عليه تارةً وبالعجز عنه اُخرى(2) .
ثالثها : إنحلال الإجارة بحسب النوع والغالب إلى إجارات متعدّدة حسب تعدّد المطلوب ، فإنّ من يستأجر داراً مثلاً سنة لا يكون له مطلوب واحد وهو سكنى الدار في مجموع السنة ، بحيث لو نقص عنها شهر مثلاً لم يتحقّق المطلوب بوجه أصلاً ، وعليه فمرجع الانفساخ إلى بطلان الإجارة التي تعلّقت بالمدّة الباقية ، وصحّة الإجارة المتعلّقة بالمدّة الماضية ، وعلى هذا الوجه لا مجال للحكم بذلك إلاّ في موارد تعدّد المطلوب ، مضافاً إلى أنّ مقتضى ذلك هو البطلان من رأس .
رابعها : ما قيل من دلالة طائفة من النصوص عليه :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : إنّي كنت عند قاض من قضاة المدينة ، وأتاه رجلان فقال أحدهما : إنّي اكتريت من هذا دابّة

(1) الحاكي هو المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 175 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 175 .

(الصفحة290)



ليبلغني عنها من كذا وكذا إلى كذا وكذا بكذا وكذا ، فلم يبلغني الموضع ، فقال القاضي لصاحب الدابّة : بلغته إلى الموضع ؟ فقال : لا ، قد أعيت دابّتي فلم تبلغ ، فقال له القاضي : ليس لك كراء إذا لم تبلغه إلى الموضع الذي اكترى دابّتك إليه ، قال : فدعوتهما إليّ ، فقلت للذي اكترى : ليس لك يا عبد الله أن تذهب بكراء دابّة الرجل كلّه ، وقلت للآخر : يا عبد الله ليس لك أن تأخذ كراء دابّتك كلّه ، ولكن اُنظر قدر ما بقي من الموضع وقدر ما أركبته ، فاصطلحا عليه ففعلا(1) . ودلالتها على ثبوت التقسيط بالنسبة إلى الاُجرة المسمّـاة والكراء المعيّن ـ الذي هو لازم التفكيك من حيث الصحّة فيما مضى والبطلان فيما بقي ـ واضحة لا مجال للخدشة فيها ، إلاّ أنّه لا دلالة لها على خصوص الانفساخ الذي هو مذهب المشهور كما هو غير خفي ، وإن كان لا يترتّب على هذه الجهة ثمرة مهمة .
ومنها : رواية أبي شعيب المحاملي الرفاعي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن رجل قبل رجلاً حفر بئر عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر قامة ثمّ عجز ، فقال : له جزء من خمسة وخمسين جزءاً من العشرة دراهم(2) . وبطريق آخر عنه قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قبل رجلاً أن يحفر له عشر قامات بعشرة دراهم، فحفر له قامة ثمّ عجز ، فقال : تقسّم عشرة على خمسة وخمسين جزءاً ، فما أصاب واحداً فهو للقامة الاُولى ، والإثنان للثانية ، والثلاثة للثالثة ، وعلى هذا الحساب إلى العشرة(3) .
ودلالتها أيضاً على تقسيط الاُجرة المسمّـاة ممّا لا خفاء فيه . غاية الأمر أنّها

(1) الفقيه : 3 / 21 ح57 ، وسائل الشيعة : 19 / 115 ، كتاب الإجارة ب12 ح1 .
(2) الكافي : 7 / 422 ح3 ، وسائل الشيعة : 19 / 159 ، كتاب الإجارة ب35 ح1 .
(3) الكافي : 7 / 433 ح22 ، وسائل الشيعة : 19 / 159 ، كتاب الإجارة ب35 ح2 .

(الصفحة291)



تدلّ على التقسيط بالنسبة ; لعدم تساوي أجزاء العمل ، ولكنّه ذكر المحقّق في الشرائع : أنّ هذه الرواية مهجورة(1) . وقال صاحب الجواهر (قدس سره) : إنّها مع عدم معرفة طريق الشيخ إلى سهل ، وجهالة الرفاعي غير أنّه من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، لم يعمل بها أحد من الأصحاب إلاّ ما حكي عن ابن سعيد في الجامع(2) ، ومخالفته للضوابط من وجوه ، فوجب طرحها ـ إلى أن قال :ـ ويمكن حملها وإن بعد على ما إذا تناسبت القامات على وجه تكون نسبة القامة الاُولى إلى الثانية أنّها بقدر نصفها في المشقّة والاُجرة وهكذا ، ثمّ احتمل بعد ذلك التعدّي عن مورد الرواية إلى غيره(3) .
ومنها  : بعض الروايات الواردة في موت الأجير النائب في الحجّ(4) ، ولكن الظاهر أنّه لا دلالة لشيء منها على الجهة المبحوث عنها في المقام ، بل هي واردة في مقام بيان صورة الإجزاء عن المنوب عنه وصورة عدمه ، أو مع بيان حكم مالو أفسد الأجير الحجّ وأنّه يلزم عليه الإعادة من ماله ، من دون تعرّض لحكم الاُجرة في صورة الموت قبل الإتمام ، فراجع .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الحكم بالانفساخ كما هو المشهور ـ مضافاً إلى ثبوت الشبهة فيه من حيث الثبوت ـ لا دليل عليه في مقام الإثبات أيضاً ; لأنّ غاية مفاد الأدلّة تقسيط الاُجرة ، وهو لا ينافي الحكم بالبطلان في المدّة الباقية من رأس ، بل ليس مقتضى بعض الوجوه إلاّ هذا المعنى كما عرفت .

(1) شرائع الإسلام : 2 / 185 .
(2) الجامع للشرائع : 297 .
(3) جواهر الكلام : 27 / 292 .
(4) وسائل الشيعة : 11 / 185 ـ 186 ، كتاب الحج، أبواب النيابة في الحجّ ب15 .

(الصفحة292)



الرابع : ما إذا تلفت العين المستأجرة بعد انتهاء مدّة الإجارة وقبل قبضها ، والذي حكاه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) عن بعض أجلّة السادة(1) أنّه مورد الحكم بانفساخ الإجارة أيضاً ، ثمّ أورد عليه بأنّه إن اُريد أنّه بعنوان التلف قبل القبض فهو عجيب ; إذ لا مملوك للمستأجر بعد انتهاء مدّة الإجارة حتّى ينفسخ العقد ويعود إلى المؤجر ويعود ما بإزائه إلى المستأجر ، وإن اُريد رجوع ما مضى من المنفعة غير المقبوضة التي لم يعرضها التلف ولم يستوفها المستأجر فلا موجب له شرعاً ولا عقلاً ، ومجرّد عدم قبض المنفعة المملوكة لا يوجب الانفساخ ، فشرط الاندراج تحت عنوان التلف قبل القبض أمران : أحدهما : ثبوت منفعة مملوكة ، والآخر : عروض التلف ، ولا ملك بعد انتهاء المدّة وإن عرض التلف ، ولا تلف بالإضافة إلى مالم يقبضه وإن كان مملوكاً(2) .
أقول : إنّ تأخير القبض إلى انتهاء مدّة الإجارة تارة يكون مستنداً إلى المؤجر وامتناعه عن الإقباض ، واُخرى يكون مستنداً إلى المستأجر فيرجع إلى امتناعه عن التسلّم وإن كان المؤجر باذلاً للعين في كلّ حين . وهنا فرض ثالث ; وهو امتناع المؤجر بالفعل وامتناع المستأجر على تقدير بذل المؤجر . وفرض رابع ; وهو ما كان التأخير مستنداً إلى الظالم الغاصب مثلاً .
أمّا الفرض الأوّل، الذي كان التأخير ناشئاً عن امتناع المؤجر فالظاهر أنّه لامجال فيه للحكم بالانفساخ ; لعدم جريان قاعدة التلف قبل القبض هنا ; إمّا لأنّ جريانها في المقام يتوقّف على اتّصاف العين بكونها مستأجرة كاتّصافها بكونها

(1) حكى عنه في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 175 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 175 ـ 176 .

(الصفحة293)



مبيعة في باب البيع ، ومن الواضح عدم ثبوت هذا الوصف لها في حال التلف ; لخروجها عن كونها مستأجرة قبله كما هو المفروض ، وإمّا لما أفاده المحقّق المتقدّم من أنّ المنفعة بالإضافة إلى مالم يقبضه لم يعرض لها التلف ، فكيف يشمله دليل القاعدة .
وربما يورد على هذا الوجه بأنّه كما تفرض المنفعة المعدومة حال الإجارة موجودة معروضة للملكية ، كذلك لا مانع من فرض المنفعة المتحقّقة الماضية قبل التلف معدومة ، إذ كما يجوز فرض وجود المعدوم ، كذلك يجوز فرض عدم الموجود من دون فرق بينهما .
ولكنّ الظاهر أنّه لا موقع لهذا الإيراد ; إذ ليس الكلام في الإمكان والاستحالة ، بل في شمول دليل التلف وعدمه ، ولا مجال لدعوى الشمول . نعم ، يمكن الإيراد على الوجه الأوّل بأنّ قضية التعدّي عن البيع في الدليل الوارد فيه ليست إلاّ مقايسة المنفعة بالمبيع لا العين المستأجرة به ، ومن الواضح أنّ المنفعة المملوكة قد انقضت والتلف عارض بعد انتهاء المدّة ، فلا وجه لتوهّم الشمول ، بخلاف ما لو كان الموضوع هي العين المستأجرة ، فإنّه يمكن دعواه بناءً على كون المشتقّ حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ أيضاً .
وكيف كان ، فالحكم في هذا الفرض بعد عدم جريان دليل التلف هو ثبوت الخيار من أجل امتناع المؤجر الذي هو بحكم التعذّر الموجب للخيار ، فتدبّر .
وأمّا الفرض الثاني ، الذي كان التأخير مسبّباً عن امتناع المستأجر من قبض العين فالحكم فيه كالفرض المتقدّم من عدم شمول دليل التلف ، بل عدم الشمول هنا ثابت بطريق أولى ، كما لا يخفى .
وأمّا من جهة ثبوت الخيار فالظاهر عدمه ، بل يثبت عليه الاُجرة المسمّـاة ،

(الصفحة294)



ولايجديه التلف بعد الانقضاء بوجه أصلاً .
وأمّا الفرض الثالث : فالحكم فيه إنّما هو كالفرض الأوّل ; لأنّ التأخير لا يستند فعلاً إلاّ إلى المؤجر كما هناك ، ومجرّد امتناع المستأجر على تقدير غير محقّق الوقوع لايغيّر الحكم كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه لو كان التلف في هذه الفروض الثلاثة في أثناء مدّة الإجارة لا بعد انقضائها ، ففي الفرض الأوّل تنفسخ الإجارة بالإضافة إلى المدّة الباقية بعد التلف من الأصل ، أو من حين التلف على الخلاف المتقدّم ، وأمّا بالنسبة إلى المدّة الماضية فالحكم فيه ثبوت الخيار للمستأجر ، بناءً على عدم كون الخيار على الفور ، وفي الفرض الثاني يكون الحكم من حيث الانفساخ كالفرض الأوّل ، وأمّا من جهة الخيار فالظاهر عدم ثبوته ; لعدم امتناع المؤجر على ماهو المفروض ، وأمّا الفرض الثالث فالحكم فيه كالفرض الأوّل من كلتا الجهتين .
هذا تمام الكلام في الفروض الثلاثة .
وأمّا الفرض الرابع، الذي يكون التأخير مسبّباً عن أجنبيّ ظالم فصوره كثيرة ; لأنّ التلف فيه قد يتّفق في أثناء مدّة الإجارة ، وقد يتّفق بعد انتهائها ، وعلى التقديرين فتارةً يكون عدم تحقّق القبض لأجل تعلّق الغصب بنفس العين ، واُخرى لأجل منع الظالم المؤجر من الإقباض ، وثالثة لأجل منعه المستأجر من القبض .
أمّا إذا كان التلف في الأثناء وكان السبب لعدم تحقّق القبض غصب الظالم للعين ، فالحكم فيه من جهة ما بعد التلف من المنافع الباقية الفائتة يظهر ممّا تقدّم ; وهو الانفساخ أو البطلان من رأس ، وأمّا بالإضافة إلى المنافع الفائتة تحت يد الغاصب ، سواء استوفاها الغاصب أم لم يستوفها ، فمقتضى ما ذكروه ـ في منع الظالم في غير

(الصفحة295)



صورة التلف ـ أنّ المستأجر مخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرة ، وبين الرجوع إلى الظالم بعوض ما فات .
والوجه في ثبوت خيار الفسخ له هو تعذّر التسليم بسبب الغصب وهو يوجب الخيار ، إلاّ أنّ ثبوت الخيار في المقام بعد تحقّق التلف مبنيّ على عدم كونه على الفور ، أو فرض جهل المستأجر بذلك ، فتدبّر .
وأمّا الوجه في الرجوع إلى الظالم مع عدم الفسخ فواضح بعد ضمان الغاصب للمنافع أيضاً، وربما يحتمل جواز الرجوع إلى المؤجر أيضاً ; لأنّه يجب عليه ردّ المنافع وتسبيلها بالإضافة إلى المستأجر ، ومع عدم الإمكان يكون ضامناً ، ولكنّه بعيد ، وأبعد منه دعوى جواز الرجوع إلى الغاصب والمؤجر معاً . ثمّ على تقدير جواز رجوعه إلى المؤجر هل يجوز له الرجوع إلى الغاصب ؟ فيه إشكال ; لعدم كون المنفعة الفائتة مملوكة للمؤجر ، والضمان ضمان للمالك ، هذا كلّه إذا كانت العين مغصوبة .
وأمّا إذا كان التأخير ناشئاً عن منع الظالم المؤجر من الإقباض فالحكم فيه من جهة ما بعد التلف ، كما في الفرض السابق ، وأمّا من جهة المنافع الفائتة قبل التلف في أثناء مدّة الإجارة ، فالظاهر ثبوت الخيار له أيضاً بين الفسخ والرجوع بالاُجرة المسمّـاة ، وبين الرجوع إلى الظالم ; لاستناد فوات المنفعة إليه ، فتشمله قاعدة من أتلف ، بناءً على شمولها للمنافع ، ويحتمل جواز الرجوع إلى المؤجر أيضاً لما ذكرناه في الفرض المتقدّم .
وأمّا إذا كان التأخير لأجل منع الظالم المستأجر من الإقباض ، فربما يقال : بأنّه لا وجه للحكم بتحقّق الانفساخ حينئذ ; لعدم شمول دليل التلف قبل القبض لهذا الفرض بعد ثبوت التمكين التامّ من قبل المؤجر ، وكون النقص من طرف المستأجر

(الصفحة296)



وناحيته ، ولكنّ الظاهر الشمول ، بل مورد خبر عقبة بن خالد(1) الدالّ على هذه القاعدة من هذا القبيل ، فليراجع . فالحكم فيه من جهة الانفساخ كالفرضين الأوّلين ، وأمّا من جهة المنافع الفائتة قبل التلف فالظاهر أنّه ليس له الخيار بين الفسخ والإمضاء ، بل يتّعين عليه الإمضاء والرجوع إلى الظالم بعوض ما فات ، بناءً على ما تقدّم ، هذا كلّه في التلف في الأثناء .
وأمّا التلف بعد انتهاء مدّة الإجارة في الفروض الثلاثة فيظهر حكمه ممّا قدّمناه في التلف بعد الانتهاء سابقاً ، منضمّاً إلى ما ذكرناه هنا من حكم الفروض ، فتأمّل جيّداً .
بقي الكلام في فروع :
الأوّل : إتلاف الحيوانات ، فقد قال في العروة بعد الحكم بأنّ التلف السماوي موجب للبطلان : ومنه إتلاف الحيوانات(2) ، ولكن الظاهر أنّ إتلاف الحيوانات إنّما يماثل التلف من جهة الحكم بالانفساخ أو البطلان ، وأمّا من الجهات الاُخر التي منها جواز الرجوع إلى مالك الحيوان في بعض الموارد فالمماثلة غير متحقّقة كما هو ظاهر .
الثاني : إتلاف العين المستأجرة بسبب الإنسان ، فقد قال في العروة أيضاً :
إنّ إتلاف المستأجر بمنزلة القبض ، وإتلاف المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ ، وإتلاف الأجنبي موجب لضمانه(3) .
وربما يورد على الفرق بين صورتي التلف والإتلاف بالحكم بالبطلان في الاُولى

(1) الكافي : 5 / 171 ح12 ، التهذيب : 7 / 21 ح89 وص230 ح1003 ، وسائل الشيعة : 18/23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب10 ح1 .
(2 ، 3) العروة الوثقى : 5 / 51 مسألة 13 .

(الصفحة297)



وبعدمه في الثانية بأنّه لا وجه لهذا الفرق ، لثبوت الملاك للحكم بالبطلان في صورة الإتلاف أيضاً ; لأنّه كما عرفت(1) سابقاً ليس الوجه فيه إلاّ انكشاف عدم ثبوت المنفعة حال العقد ، وعدم ثبوتها في علم الله إلاّ بمقدار بقاء العين واقعاً ، وهذا الوجه يجري في صورة الإتلاف أيضاً ، لعدم الفرق من جهة عدم ثبوت المنفعة بتبع عدم العين بين المقامين ومجرّد كون السبب في الاُولى آفة سماوية غير اختيارية ، وفي الثانية إتلافاً صادراً عن الإنسان مع كونه اختيارياً غالباً لا يصلح فارقاً فيما هو الملاك للحكم بالبطلان من عدم وجود المنفعة في الواقع ونفس الأمر ، ولذا حكي عن سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره)احتمال الحكم بالبطلان في إتلاف المستأجر وإن قوّى خلافه ، نظراً إلى أنّ المستأجر بسبب إتلافه العين إنّما أتلف ماله الذي هي المنفعة بيده واختياره ، ومرجعه إلى أنّ العرف يرى الفرق بين التلف السماوي ، وبين الإتلاف من جهة أنّ التلف يكشف عن عدم وجود المنفعة في الواقع ، والإتلاف كأنّه إعدام للمنفعة الثابتة في محلّها ، ولكنّه ربما يستشكل في ذلك أيضاً بأنّ التلف السماوي إن كان مثل الموت وشبهه فالفرق بينه وبين الإتلاف مسلّم عند العرف ، وإن كان مثل الصاعقة وشبهها فلا فرق بينه وبين الإتلاف ، خصوصاً لو عمّ التلف لإتلاف الحيوانات للعين المستأجرة أيضاً ، ولكنّ الإشكال كما ترى .
وكيف كان ، فمع قطع النظر عن ثبوت الفرق عند العقلاء بين المقامين يكون مقتضى حكمهم بالبطلان في صورة التلف مستنداً إلى الوجه المذكور ثبوت البطلان في صورة الإتلاف أيضاً . نعم ، لو قلنا بالانفساخ في التلف نظراً إلى دليل التلف قبل

(1) في ص285 ـ 286.

(الصفحة298)



القبض لا يبقى موقع لإيراد عدم الفرق ; لأنّه يمكن أن يقال : إنّ دليل التلف منصرف عن صورة الإتلاف ، فلا يشملها دليله .
وكيف كان ، فلابدّ من التكلّم في كلّ واحد من الفروض الثلاثة للإتلاف المذكورة في العروة(1) ، فنقول :
أمّا إتلاف المستأجر للعين المستأجرة فقد تقدّم أنّ المذكور فيها أنّه بمنزلة القبض ، فإن أراد من ذلك أنّه بمنزلة القبض في انتقال الضمان من المؤجر إلى المستأجر بحيث كان مرجعه إلى عدم شمول دليل التلف قبل القبض ، الدالّ على الانفساخ على ماهو المشهور لصورة إتلاف المستأجر ، نظراً إلى أنّ إتلافه بمنزلة القبض فلايتصوّر فيه الإتلاف قبل القبض حتّى يشمله دليل التلف ، ففيه : أنّه لم يدلّ على إثبات هذه المنزلة دليل ، خصوصاً مع كون المراد من الإتلاف أعمّ ممّا كان بعمد واختيار ، وما كان صادراً عن خطأ واشتباه ، فإنّه يمكن دعوى ثبوت المنزلة عند العرف في الصورة الاُولى ، مع التوجّه إلى كون المتلف هي العين المستأجرة ، بخلاف غيرها من الصور ، وبالجملة دعوى أنّ إتلاف المستأجر بمنزلة القبض بهذا التقريب لايساعدها دليل ولا برهان .
وإن أراد من ذلك انصراف دليل التلف قبل القبض عن صورة الإتلاف خصوصاً إذا كان من المشتري في باب البيع ومن المستأجر هنا فلابدّ من الرجوع إلى القاعدة المقتضية لثبوت الضمان على من أتلف ، وإلى القاعدة الموجبة لصحّة الإجارة وعدم انفساخها ، المستلزم لثبوت الاُجرة المسمّـاة على المستأجر ، فيرد عليهـ مضافاً إلى إمكان منع الانصراف ; لأنّ دليل التلف قد علّق فيه الحكم على

(1) العروة الوثقى : 5 / 51 مسألة 13 .

(الصفحة299)



تحقّق التلف ، من دون تعرّض لخصوص السبب الموجب له ، فأيّ فرق بين ما إذا كان السبب مثل الصاعقة والزلزلة ، وبين ما إذا كان السبب هو الإنسان أو الحيوان المتلف له ، كما سيجيء في إتلاف المؤجر ـ أنّ قوام الإجارة واعتبارها عند العقلاء إنّما هو بالعين ، فمع تلفها ولو بإتلاف المستأجر لا يبقى مجال لاعتبارها عندهم ، فهل ترى بقاء كلّ واحد من المؤجر والمستأجر بهذا الوصف مع عدم وجود العين المستأجرة أصلاً ؟
ومن هنا يتّضح الفرق بين المقام وبين باب البيع ، فإنّه يمكن أن يقال هناك : بأنّه بعد انصراف دليل التلف عن صورة إتلاف المشتري يكون إتلافه إتلافاً لمال نفسه ، ولا يعتبر بقاء هذا العنوان بعد كون المتعلّق من الاُمور القارّة غير التدريجية ، وأمّا هنا فلابدّ من فرض ثبوت المنفعة المحدودة بالزمان الذي هو من الاُمور التدريجية ، وهي تابعة لوجود العين ، فكيف يمكن بقاء شيء من عنواني المؤجر والمستأجر مع عدم العين ولو كان بإعدام المستأجر ، ولذا قد تقدّم احتمال البطلان في هذه الصورة عن سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) وإن قوّى خلافه ، كما عرفت .
ويمكن أن يقال هناك أيضاً : بأنّه بعد تلف المبيع يختلّ ما هو الركن في البيع وبه قوامه ، فلا يبقى مجال لعنواني البائع والمشتري حتّى يترتّب عليهما أحكامهما التي منها الإقالة في البيع ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، فالاحتمالات الجارية في إتلاف المستأجر قبل القبض كثيرة :
أحدها: أن يقال بأنّ الإتلاف يكشف عن بطلان الإجارة بسبب عدموجود المنفعة بحسب الواقع وفي علم الله تعالى ، وقد عرفت أنّ مقتضى الحكم بالبطلان في صورة التلف جريان هذا الحكم في الإتلاف أيضاً ; لعدم الفرق فيما هو الملاك ، ولكنّ الظاهر عدم التزامهم بذلك هنا ، ولعلّه كما مرّ من جهة ثبوت الفرق عند العقلاء ، فتدبّر .


(الصفحة300)



ثانيها : القول بالانفساخ الذي لازمه رجوع الاُجرة المسمّـاة إلى المستأجر ، وثبوت ضمانه بالنسبة إلى العين والمنفعة معاً ، أمّا العين فواضح ، وأمّا المنفعة فلأنّها بعد التفكيك بالإجارة تعدّ مالاً مستقلاًّ فتكون مضمونة ، كما إذا تلفت العين المستأجرة لدى الغاصب ، فإنّه يضمن العين للمؤجر والمنفعة للمستأجر .
ومنشأ هذا الاحتمال إمّا جريان دليل التلف قبل القبض وشموله لصورة الإتلاف بضميمة أنّ مقتضاه هو الانفساخ كما فهمه المشهور(1) ، وإمّا ما ذكرنا من أنّ بقاء العين من أركان اعتبار بقاء الإجارة ولا قوام لها عند العقلاء بدونه ، فمع انعدامه ولو بإعدام المستأجر لا مجال لاعتبارها عندهم ، كما عرفت .
ثالثها : الصحّة واللزوم كما اختاره صاحب العروة ، حيث إنّه الظاهر من قوله : إتلاف المستأجر بمنزلة القبض(2) ، وقد عرفت منشأ هذا القول وما يمكن أن يورد عليه .
رابعها : الصحّة والخيار، أمّا الصحّة فلعدم ثبوت ما يقتضي البطلان أو الانفساخ ، وأمّا الخيار فلتعذّر التسليم بسبب الإتلاف وهو يوجب الخيار . غاية الأمر ضمانه للعين والمنفعة معاً مع الفسخ وللاُولى فقط مع عدمه .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الأقرب بمقتضى الحكم بالبطلان في صورة التلف الحكم به هنا ، ودونه في القرب الحكم بالانفساخ للوجه الثاني من الوجهين المتقدّمين ، ولكنّ الإنصاف أنّ المسألة بعد مشكلة تحتاج إلى مزيد التأمّل .
وأمّا إتلاف المؤجر للعين المستأجرة فالمحكيّ عن سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره)أنّه

(1) راجع العروة الوثقى: 5 / 49 مسألة 11.
(2) العروة الوثقى : 5 / 51 مسألة 13 .
<<التالي الفهرس السابق>>