في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة261)



الاحتمالين المتقدمين في كلام الشيخ ، وعليه فما يمكن أن يقال عليه منع هذا البناء ; لعدم الفرق عند العقلاء بين الموارد أصلاً ، لأنّ المناط عندهم في ثبوت حقّ المطالبة مجرّد الفراغ من العمل المستأجر عليه ، من دون فرق بين الموارد ، ويؤيّد ما ذكرنا ما أفاده المحقّق الرشتي (قدس سره)بعنوان التأييد أو الدليل ; من أنّه لو استؤجر على خياطة ثوب مغصوب مثلاً غير مقدور على تسليمه صحّ بلا  إشكال ، مع أنّ إمكان الإقباض الذي هو شرط صحّة العقد مفقود هنا ، وعلى مذهب الشيخ لا تصح هذه الإجارة(1) .
هذا ، مضافاً إلى ما يمكن أن يقال من أنّ يد الأجير يد أمانيّة بمنزلة يد المستأجر ، وعليه فوقوعه في يده بمنزلة التسليم إلى المستأجر ، فالتسليم في جميع الموارد متحقّق ، كما إذا أمر المستأجر بالتسليم إلى شخص آخر .
ثمّ إنّه حكى في المفتاح عن الحواشي أنّ المنقول وجوب تسليم الأُجرة في الحجّ ـ أي قبل الشروع فيه ـ وإن لم يعط الأُجرة وتعذّر الحجّ إلاّ بها كان له الفسخ ، وما عدا الحجّ يجوز حبس الأُجرة إلى بعد العمل ، وحكى عن مجمع البرهان(2) أنّه نقل قولاً بأنّه لايجوز للوصي تسليم الأُجرة للأجير في العبادات إلاّ مع إذن الموصي صريحاً أو فحوى ، إلاّ أن يكون العمل موقوفاً عليه كالحجّ ، فلو امتنع كان للأجير فسخه بل هو يفسخ بنفسه(3) .
واستشكل في الجواهر(4) في جواز الفسخ للأجير ، نظراً إلى إقدامه على الإجارة

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 112 .
(2) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 17 .
(3) مفتاح الكرامة : 7 / 116 .
(4) جواهر الكلام: 27 / 245.

(الصفحة262)



التي مقتضاها ذلك .
هذا ، والظاهر أنّه لافرق بين الحجّ وبين غيره ، ومجرّد توقّف مثله على المؤونة لا يوجب ثبوت الاستحقاق قبل العمل ، وتعارف التسليم قبله منقوض بعدم تعارف تسليم تمام الأُجرة في إجارة الأعيان مطلقاً ، بل ربما تكون مطالبتها مورداً لتقبيح أهل العرف والعقلاء ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه يترتّب على ماذكرنا من كون التسليم في مثل خياطة الثوب إنّما هو بإتمام العمل لا بتسليم مورده ، أنّه لو تلف الثوب بعد تمام العمل على نحو لا ضمان عليه ، كما إذا لم يكن هناك تعدّ ولا تفريط ولم يكن شرط الضمان بناءً على صحّته ، لا شيء عليه ، بل تستحق مطالبة الأُجرة لفرض تماميّة العمل .
نعم ، لو تلف مضموناً عليه ضمنه بوصف المخيطية لا بقيمته قبلها على كلا الوجهين حتى الوجه الثاني ; لأنّ الوصف مملوك لمالك العين تبعاً لها ، وبعد الخروج عن عهدة الموصوف مع وصفه تكون له المطالبة بالأُجرة المسمّـاة لتسليم العمل ببدله ، كما هو ظاهر .


(الصفحة263)

[امتناع المؤجر من تسليم العين المستأجرة]

مسألة  : لو بذل المستأجر الأُجرة، أو كان له حقّ أن يؤخّرها بموجب الشرط وامتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه ، وإن لم يمكن إجباره فللمستأجر فسخ الإجارة والرجوع إلى الأُجرة ، وله إبقاء الإجارة ومطالبة عوض المنفعة الفائتة من المؤجر . وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة ، لكن في الثاني لو فسخها تنفسخ بالنسبة إلى ما بقي من المدّة فيرجع إلى ما يقابله من الأُجرة1 .


1 ـ قد تعرّض لهذه المسألة المحقّق في الشرائع بعنوان منع المؤجر المستأجر من استيفاء المنفعة ، وقال في حكمها : «سقطت الأُجرة ، وهل له أن يلتزم ويطالب المؤجر بالتفاوت ؟ فيه تردّد والأظهر نعم»(1) .
وكيف كان ، فللمسألة صور ; فإنّ المنع تارةً يكون قبل إقباض العين المستأجرة واُخرى بعده ، كما أنّه في الصورة الاُولى تارةً لا يكون المستأجر متمكِّناً من الإجبار حتّى تمضي المدّة بأسرها ، واُخرى يكون ولكن لم يفعل ، كما أنّه تارةً يستوفي المؤجر المنفعة ، واُخرى لا يستوفي هو أيضاً بل تتلف تحت يده .
ففيما إذا كان المنع قبل الإقباض ولم يتمكّن المستأجر من الإجبار وكان هو المستوفي للمنفعة وجوه ، بل أقوال :
أحدها : انفساخ الإجارة قهراً ، الذي عبّر عنه في العبارة المتقدّمة بسقوط الأُجرة ، وقد حكي هذا القول عن الشيخ(2) والفاضل في محكي التذكرة(3) .

(1) شرائع الإسلام : 2 / 186 .
(2) النهاية : 444 .
(3) تذكرة الفقهاء : 2 / 326 .

(الصفحة264)



ثانيها : لزوم العقد وبقاؤه على حاله واستحقاق المستأجر اُجرة مثل المنفعة وكون المؤجر ضامناً لها .
ثالثها : تخيير المستأجر بين الفسخ وإرجاع الأُجرة المسمّـاة ، وبين الإمضاء والرجوع بالتفاوت ; وهو الذي استظهره المحقّق في عبارته المتقدّمة . وإن كان الجمع بين الجزم بالانفساخ كما هو ظاهر العبارة وبين احتمال التخيير ثمّ استظهاره ممّا لا يناسب كما هو غير خفي ، ولكنّ صريح المتن اختيار هذا الوجه .
وكيف كان ، فقد استدلّ للقول الأوّل بأنّ ذلك بمنزلة التلف قبل القبض المقتضي للانفساخ ; لتعذر تحقّق المعاوضة حينئذ .
وبعبارة اُخرى : قاعدة التلف قبل القبض عامّة شاملة للتلف الاختياري أيضاً ، من دون فرق بين ما إذا كان مستنداً إلى الأجنبي أو إلى البائع أو المؤجر .
ويرد عليه : أنّ هذه القاعدة وإن لم تكن مختصّة بباب البيع ، بل تجري في مثل الإجارة أيضاً لإلغاء الخصوصية عن دليلها الوارد في مورد البيع(1) ، وإن ناقشنا سابقاً(2) في إلغاء الخصوصية بعد كون الحكم مخالفاً للقاعدة ، إلاّ أنّ الظاهر إختصاصها بالتلف القهري ، ولا يشمل التلف الاختياري الصادر من البائع أو المؤجر . نعم ، رواية عقبة بن خالد المعروفة الواردة في مورد سرقة المتاع من البائع(3) وإن كان موردها السرقة التي هي أمر اختياريّ ، إلاّ أنّ الحكم بالانفساخ فيها إنّما هو لأجل حصول التلف من البائع قهراً ، لا لأجل حصول السرقة من

(1) عوالي اللئالي : 3 / 212 ح59 ، مستدرك الوسائل : 13 / 303 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب9 ح1 .
(2) في ص223 ـ 228.
(3) الكافي : 5 / 171 ح12 ، التهذيب : 7 / 21 ح89 وص230 ح1003 ، وسائل الشيعة : 18 / 23 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب10 ح1 .

(الصفحة265)



السارق اختياراً .
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في اختصاص القاعدة بالتلف القهري ، وعدم شمولها للتلف الاختياري من البائع أو المؤجر في المقام .
واستدلّ للقول الثاني بعموم قاعدة الإتلاف ، فإنّ المنفعة التي استوفاها المؤجر مال للمستأجر قد أتلفه عليه ، فلا محيص من أن يكون ضامناً له يجب عليه الخروج عن العهدة بأداء أُجرة المثل مع قبض الأُجرة ، أو التفاوت مع عدم القبض والاتّحاد من حيث الجنس وكونها كليّة لا شخصيّة . نعم ، كون المنفعة مالاً للمستأجر دون المؤجر يتوقّف على عدم جريان قاعدة التلف قبل القبض ، الحاكمة بالانفساخ هنا ; لما مرّ من اختصاصها بالتلف القهري من البائع أو المؤجر ، ضرورة أنّه مع جريانها لامجال للرجوع إلى قاعدة الإتلاف ، التي يكون موضوعها مال الغير .
وبالجملة : فأدلّة لزوم العقد بضميمة كون مقتضى القاعدة عدم الانفساخ ، وبضميمة قاعدة الإتلاف أيضاًتحكم ببقاء الإجارة على حالها واستحقاق المستأجر أُجرة مثل المنفعة المستوفاة على المؤجر .
وأمّا القول الثالث ، فقد استدلّ له بوجهين :
أحدهما : أنّه اجتمع في المقام قاعدتان : قاعدة التلف قبل القبض ـ بناءً على عدم اختصاصها بالتلف القهري وشمولها لمثل المقام ـ وقاعدة الإتلاف ، ومقتضى الاُولى كون المؤجر ضامناً بالضمان المعاوضي ، ومرجعه إلى رجوع الأُجرة المسمّـاة إلى المستأجر ، ومقتضى الثانية كونه ضامناً بالضمان الواقعي، ومرجعه إلى ثبوت اُجرة المثل عليه ، وحيث إنّه لا يمكن للمستأجر إعمال القاعدتين لتضادّ المقتضيين ، ولا مرجّح في البين ، ولا موجب لرفع اليد عن كلا الأمرين ، فلا محالة يكون مخيّراً

(الصفحة266)



في إعمال السببين ، فله الأخذ بالقاعدة الاُولى ومطالبة الأُجرة المسمّـاة ، وله الأخذ بالقاعدة الثانية ومطالبة الأُجرة الواقعية .
ويرد على هذا الوجه ـ مضافاً إلى منع المبنى ; وهو شمول قاعدة التلف لمثل المقام كما عرفت ، ومضافاً إلى أنّه على تقدير تماميته لايثبت به تخيير المستأجر كما هو المدّعى ، ومن الممكن أن يكون التخيير ثابتاً للمؤجر أو للحاكم كما لا يخفى ـ أنّه لايعقل التزاحم بين القاعدتين ; لأنّ موضوع قاعدة الإتلاف مال الغير وجريان قاعدة التلف ـ بناءً على الشمول كما هو المفروض ـ ينفي كونه مال الغير ، ضرورة أنّه مع جريان هذه القاعدة لا تكون المنفعة إلاّ مالاً للمؤجر قد استوفاها وأتلفها ، فلم يقع الإتلاف على مال الغير ، فمع جريان قاعدة التلف لا يبقى موضوع لقاعدة الإتلاف ، وهذا بخلاف العكس ، ضرورة أنّ جريان قاعدة الإتلاف لا ينفي موضوع قاعدة التلف ولا يزيله ، فإنّ موضوعها كون العين مبيعة أو مستأجرة ، وهذا لايزول بجريان قاعدة الإتلاف .
وبالجملة : قاعدة التلف موضوعها محقّق على كلا التقديرين ، وجريانها لايبقى موضوعاً لقاعدة الإتلاف أصلاً ، فلا محيص عن الأخذ بها والحكم بالانفساخ ، وتحقّق الضمان المعاوضي .
ثانيهما : ثبوت خيار تعذّر التسليم هنا ، فإن اختار فسخ العقد يرجع إلى الأُجرة المسمّـاة بعد تحقّق الفسخ ، وإن اختار الإمضاء تكون المنفعة المستوفاة ملكاً له قد أتلفها المؤجر ، فهو ضامن نظراً إلى قاعدة الإتلاف .
وقد تنظّر في هذا الوجه المحقّق الرشتي (قدس سره) بقوله : «وفيه نظر ; لأنّ تعذّر التسليم ليس من أسباب الخيار المنصوصة ، بل من قاعدة نفي الضرر ، وهي إنّما تجري إذا لم يكن هناك مغرم وإلاّ فلا ضرر ، ولأجل ذلك علّل الخيار في الإتلاف بعض أهل

(الصفحة267)



النظر من المعاصرين (قدس سره) بوجه آخر ; وهو أنّ وجود المغرم إنّما ينفع في جبران ضرر المالية ، وأمّا الغرض المتعلّق بالخصوصية في المعوّض المتلف فلا ينجبر به ، وهي صفة مقصودة فوتها سبب للخيار ، كفوات سائر الأوصاف المقصودة في العوضين ، وفيه نظر ; لأنّ خصوصية العين ليست من الصفات الزائدة على عنوان المبيع مثلاً ، فلامعنى لإجراء قاعدة تخلّف الوصف عند الإتلاف ، بل لابدّ من إجراء قاعدة التلف قبل القبض إن عمّ دليله ، وإلاّ تعذّر التسليم»(1) .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأوفق بالقواعد من الوجوه الثلاثة المتقدّمة هو الوجه الثاني الذي مرجعه إلى لزوم العقد وبقائه على حاله ، ورجوع المستأجر إلى المؤجر بالاُجرة الواقعية لقاعدة الإتلاف ، والظاهر عدم كون المسألة إجماعية حتّى يخاف مخالفة الإجماع ويحكم بغير ما تقتضيه القواعد . هذا كلّه فيما لو كان فوات المنفعة على المستأجر باستيفاء المؤجر .
وأمّا لو فاتت المنفعة تحت يد المؤجر من غير تصرّف واستيفاء ، كما إذا امتنع من تسليم العين المستأجرة ولم يستوف هو أيضاً المنفعة أصلاً ، فالظاهر أنّ الحكم فيه أيضاً هو ضمان أُجرة مثل المنفعة . غاية الأمر أنّ سبب الضمان في الصورة المتقدّمة كان هو الإتلاف ، وفي هذه الصورة قاعدة اليد ، فالافتراق بين الصورتين إنّما هو في سبب الضمان ، بل يمكن أن يقال بشمول دليل الإتلاف(2) لهذه الصورة أيضاً ، نظراً إلى أنّه لا فرق في تحقّق معنى الإتلاف بين أن يكون بإعدام الموجود أو بالمنع من الوجود .

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 299 ـ 300 .
(2) راجع القواعد الفقهية للمؤلّف دام ظلّه : 1 / 45 .

(الصفحة268)



وكيف كان ، فلا خفاء في ثبوت ضمان أُجرة مثل المنفعة الفائتة تحت يد المؤجر .
وأمّا قاعدة التلف ، فقد عرفت عدم شمولها لمثل المقام من التلف الاختياري ، ولأجله يشكل الحكم فيما لو فاتت المنفعة من دون أن يكون تحت يد المؤجر، كما إذا آجر دابّة مرسلة خارجة عن يد المؤجر ، ثمّ حبس المستأجر القادر على أخذها والتسلّط عليها ، ومنعه عن استيفاء المنفعة إلى آخر المدّة ، أو آجر الدابّة الشاردة المتمكّن من إعادتها فأهمل في إعادتها حتّى مضت المدّة .
وجه الإشكال أنّه لا تجري هنا قاعدة الإتلاف كما هو المفروض ، ولا قاعدة اليد كما هو أيضاً كذلك ، ولا قاعدة التلف الحاكمة بالانفساخ لعدم كون التلف قهرياً ، وهو المأخوذ في موضوعها كما مرّ ، وليس مجرّد عدم قبض المنفعة بقبض العين في تمام المدّة موجباً للحكم بالانفساخ وملاكاً له ، كما يظهر من المحقّق الإصفهاني (قدس سره)(1) ، فإنّ الانفساخ كما عرفت إنّما يكون على خلاف القاعدة ، وإذا فرض عدم شمول دليله لمورد فلأيّ شيء يحكم بالانفساخ فيه ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، كما أنّه يرد عليه أيضاً أنّه ـ بعد الإعتراف بأنّ دليل التلف يختص بالتلف القهري ، ولا يشمل التلف الاختياري ـ لا يبقى مجال للبحث في أنّ دليل التلف هل يشمل التلف تحت اليد العادية أم لا ؟ كما لا يخفى .
والإنصاف أنّ هذه الصورة من المسألة مشكلة ، واللاّزم التأمّل فيها وفي كلمات الأعلام سيّما المحقّق المذكور والمحقّق الرشتي (قدس سرهما)(2) ; لعدم خلوّ كلامهما عن التهافت فراجع .

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 258 ـ 259 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 301 .

(الصفحة269)



بقي في المسألة فرعان آخران :
الأوّل : لو استوفى المؤجر المنفعة في بعض المدّة وسلّم العين المستأجرة بعده إلى المستأجر ، فبالإضافة إلى المنفعة الفائتة الماضية تجري الوجوه الثلاثة المتقدّمة ; من الانفساخ ، وثبوت اُجرة المثل ، والخيار . نعم ، يمتاز المقام عن المسألة المتقدّمة بما أفاده المحقّق الرشتي (قدس سره) ; من أنّه على الانفساخ يثبت له خيار تبعّض الصفقة في الباقي(1) ، وظاهره إختصاص ثبوت خيار التبعّض بمبنى الانفساخ فقط ، وأمّا على المبنيين الآخرين فلا وجه لثبوت هذا الخيار أصلاً ، وذلك لأنّ التبعّض في أثر العقد وهو الملك إنّما تحقّق في خصوص المبنى الأوّل ، فإنّ المعقود عليه ملك المجموع ، فإذا انفسخ في البعض منه يلزم التبعّض في الملك ، فله الخيار ، بخلاف ما إذا قلنا بثبوت اُجرة المثل على عهدة المؤجر ، فإنّه لم يتحقّق التبعّض في أثر العقد حينئذ ، بل ثبوت ملك الاُجرة مؤكّد لبقاء أثر العقد ، وكذا إذا قلنا بثبوت خيار تعذّر التسليم ، فإنّه لاينافي أثر العقد بل مؤكّد لبقائه .
ولكنّه ذكر المحقّق الإصفهاني أنّ هذا مبنيّ على قصر خيار التبعّض على التبعّض في الملك ، وأمّا إذا كان أعمّ منه ومن التبعّض في الغرض المعاملي ; وهو الانتفاع بالمجموع ، فالتبعّض في الغرض كما يجري على مبنى الانفساخ كذلك على مبنى التغريم ، فإنّ الملاك فوات الانتفاع بالمجموع مع تعلّق الغرض المعاملي به ، فلزوم العقد وقصر الانتفاع على التبعّض ضرر لاينجبر إلاّ بالخيار في فسخ العقد رأساً . قال : ومنه تبيّن أنّ خيار التعذّر في الفائت لا يكون جبراً لهذا الضرر ، ثمّ استشهد على كون الموجب للخيار هو التبعّض في الغرض المعاملي بما حقّق في البيع ; من أنّه

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 300 .

(الصفحة270)



إذا تعذّر تسليم بعض المبيع دون بعض كان له الخيار بفسخ العقد رأساً ، مع أنّ تعذّر البعض لا يوجب خروجه عن الملك، بل لا يوجب إلاّ التبعّض في الغرض المعاملي(1) .
ويمكن أن يناقش فيما أفاده بأنّ ما حقّق في البيع إنّما هو ثبوت الخيار عند تعذّر تسليم بعض المبيع ، وأمّا أنّ هذا الخيار هو خيار التبعّض فلم يتحقّق ، بل الظاهر أنّه هو خيار تعذّر التسليم . غاية الأمر أنّه يكفي في ثبوت هذا الخيار تعذّر تسليم بعض المبيع أيضاً ، فلا دلالة له على كون الملاك في خيار التبعّض هو التبعّض في الغرض المعاملي ، وإن لم يحصل التبعّض في أثر العقد أصلاً ، وقد اعترف هو (قدس سره) بمثله في المقام، حيث صرّح في ابتداء كلامه بأنّه بالإضافة إلى المنفعة الفائتة في بعض المدّة يجري جميع ماذكر في تمام المدّة(2) ، مع أنّه من جملة ما ذكر في تمام المدّة خيار تعذّر التسليم ، فيظهر منه ثبوت هذا الخيار مع تعذّر تسليم البعض كما هو ظاهر .
وكيف كان ، فظاهر الأصحاب أنّه على تقدير ثبوت خيار تعذّر التسليم في المقام ـ كما هو أحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة ـ إمّا أن يفسخ العقد كلاًّ أو يلتزم به كذلك ، وقد حكي عن جامع المقاصد(3) والمسالك(4) احتمال صحّة الفسخ في خصوص الماضي ، وإن اقتضى تبعّض العقد على المؤجر ; لأنّه ضرر لحقه بفعله وعدوانه ، بل صرّح المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بأنّه إذا كان الخيار لأجل التعذّر فلابدّ من قصر الفسخ على خصوص المتعذّر وهو الفائت ، ولا يصغى إلى دعوى وحدة العقد ، فإمّا أن

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 259 ـ 260 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 259 .
(3) جامع المقاصد : 7 / 146 .
(4) مسالك الأفهام : 5 / 219 .

(الصفحة271)



يبقى أو ينحلّ كما عن بعض أعلام السادة(1) . غاية الأمر أنّه إذا التزم بالعقد فقد تحمّل الضرر بنفسه ، وأمّا إذا فسخ العقد في الفائت لزمه تبعّض الملك في الباقي ، وهو على الفرض ضرر ، فله إعمال الخيار في الباقي ، وليس هذا إقداماً منه على الضرر ; لأنّ مجرّد تبعّض الملك مع عدم لزومه ليس ضرراً مستقراً لا يتمكّن من دفعه ، فاستقرار الضرر وعدم التخلّص عنه مستند إلى حكم الشارع بلزوم العقد في الباقي لا إلى إعمال الفسخ في الماضي ، فله رفعه بإعمال الفسخ في الباقي فتدبّر(2) .
أقول : سنذكر في مسألة تلف بعض العين المستأجرة أنّ الإجارة وإن كانت تنحلّ إلى إجارات متعدّدة حسب تعدّد الأبعاض ، إلاّ أنّه لا منافاة بينه وبين ثبوت الخيار في جميع أبعاضه مع تلف البعض فقط ، المستلزم للبطلان أو الانفساخ في خصوص ذلك البعض ; لأنّ الملاك فيه تعدّد المطلوب مع التوصّل إليه بعقد واحد ، وعليه فلا مجال لقصر الفسخ في خيار التعذّر على خصوص الفائت المتعذّر ، بل له أن يفسخ في المجموع ، بل ليس له الفسخ في البعض أصلاً ; لأنّه بعد ثبوت الخيار في المجموع لا وجه لتبعّضه أصلاً ، فلا تصل النوبة إلى البحث عن ثبوته للمؤجر بعد حصول التبعّض بالإضافة إليه في جانب الأُجرة ، أو ثبوته بالإضافة إلى الباقي لحصول التبعّض للمستأجر بالنسبة إليه ، كما أنّه لو وصلت النوبة إلى هذين الأمرين يكون مقتضى القاعدة ثبوته للمؤجر ، وعدوانه وظلمه لا يرفع الحكم الوضعي الثابت له .
كما أنّ مقتضى القاعدة عدم ثبوته للمستأجر بالإضافة إلى الباقي ; لأنّ إعمال

(1) راجع العروة الوثقى : 5 / 47 مسألة 10 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 260 .

(الصفحة272)



الخيار منه في الماضي فقط إقدام منه على الضرر عرفاً ، وما أفاده من أنّ التبعّض مع عدم اللزوم لا يكون ضرراً مستقراً لا يتمكّن من رفعه مخدوش ; بأنّ المفروض أنّ عدم اللزوم إنّما يراد إثباته من طريق الضرر ، فكيف يدفع به ، فتأمّل .
مضافاً إلى النقض بما إذا أقدم المغبون على المعاملة الغبنية مع العلم والالتفات إلى أصل الضرر ومقداره ، فإنّه بناءً على ما أفاده لا يكون مثل هذا الإقدام مانعاً عن ثبوت خيار الغبن الذي يكون مستنده قاعدة نفي الضرر ; لأنّ مجرّد المغبونية لا يوجب تحقّق عنوان الضرر إلاّ مع ضمّ اللزوم الذي هو حكم الشارع ، ومع العلم بالغبن أيضاً يكون الضرر مستنداً إلى حكم الشارع ، ضرورة أنّه مع عدم اللزوم لا يكون في البين ضرر مستقرّ لا يتمكّن من دفعه ، فتدبّر .
الثاني : لو كان منع المؤجر بعد إقباض العين المستأجرة فالمحكي عن المحقّق والشهيد الثانيين (قدس سرهما)(1) لزوم العقد وعدم ثبوت الخيار للمستأجر ; نظراً إلى استقرار العقد بالإقباض المعتبر في المعاوضة وحصول براءة الذمّة للمؤجر ، كما إذا استردّ البائع المبيع بعد إقباضه ، فإنّ تلفه حينئذ لا يوجب الانفساخ ، ولا تجري فيه قاعدة التلف قبل القبض ، فالمقام نظير ما إذا منعه الأجنبيّ بعد القبض أو غصبه الغاصب كذلك ، فكما أنّه لا خيار فيه للمستأجر كذلك فيما نحن فيه .
هذا ، ولكن الظاهر ثبوت الفرق بين باب الإجارة وباب البيع ، فإنّه هناك يتحقّق قبض المبيع بإقباض البائع ، ولا يكون استرداده منافياً لتحقّق القبض المانع عن الانفساخ ، والموجب لخروج البائع عن ضمان المبيع ، وأمّا هنا فقبض المنافع وإن كان يتحقّق بقبض العين ، إلاّ أنّه حيث تكون المنافع تدريجية الوجود لا يكفي

(1) جامع المقاصد : 7 / 148 ، مسالك الأفهام : 5 / 219 ، الروضة البهية : 4 / 352 .

(الصفحة273)

مسألة  : لو آجر دابّة من زيد فشردت بطلت الإجارة ، سواء كان قبل التسليم أو بعده في أثناء المدّة إن لم يكن بتقصير من المستأجر في حفظها1 .


إقباض العين في زمان في إقباض المنافع مطلقاً ، بل يحتاج إقباض المنافع في جميع مدّة الإجارة إلى قبض العين وإبقائها تحت يد المستأجر في تلك المدّة ، فاستردادها يمنع عن تحقّق إقباض المنفعة بعده ، وعليه فيكون منع المؤجر بعد الإقباض مساوياً من حيث الحكم لمنعه قبله ، فتجري فيه الوجوه الثلاثة المتقدّمة ; وهي الانفساخ وثبوت اُجرة المثل والتخيير بين الأمرين ، وقد عرفت منّا الإشكال في جريان قاعدة التلف لمثل هذه الفروض ، ولكن ربما يشكل جريانها من ناحية اُخرى ; وهي أنّ مورد قاعدة التلف إنّما هو البيع ، ولحوق الإجارة به إنّما كان مستنداً إلى الإجماع ، ومع ثبوت الاختلاف في هذه الفروض لا إجماع ، فلا مجال لقاعدة التلف أصلاً .
ولكن يمكن دفع هذا الإشكال بأنّه لا منافاه بين الأمرين ، فإنّ الإجماع انعقد على عدم اختصاص قاعدة التلف بباب البيع ، ولا خلاف في هذه الجهة بينهم ، ومنشأ الاختلاف في هذه الفروض اُمور ترجع إلى مقام التطبيق من جهة كون المنع بعد الإقباض هل يكون تلفاً بعده ، أو تلفاً قبل القبض لاختلاف المنفعة والعين في القبض ، ومن بعض الجهات الاُخر ؟ فهذه الاختلافات لا تنافي الإجماع على أصل الإلحاق ، كما هو ظاهر .

1 ـ الظاهر أنّ حكم الدابّة الشاردة حكم تلف العين المستأجرة الذي سيأتي الكلام فيه مفصّلاً ، كما أنّ حكم ما إذا كان هناك تقصير من المستأجر في حفظها حكم إتلافهابلحاظ بقاء الإجارة وعدمه، وسيأتي الكلام فيه كذلك إن شاء الله تعالى.


(الصفحة274)

[لو انقضت المدّة ولم يستوف المستأجرُ المنفعةَ بعد التسليم]

مسألة  : لو تسلّم المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف المنفعة حتّى انقضت مدّة الإجارة ، كما إذا استأجر داراً مدّة وتسلّمها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة ، فإن كان ذلك باختيار منه استقرّت عليه الاُجرة . وفي حكمه ما لو بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنع المستأجر عن تسلّمها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت . وهكذا الحال في الإجارة على الأعمال ، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل وامتنع المستأجر عن تسلّمه ـ كما إذا استأجر شخصاً يخيط له ثوباً معيّناً في وقت معيّن وامتنع من دفعه إليه حتّى مضى الوقت ـ فقد استحقّ عليه الاُجرة ، سواء اشتغل الأجير في ذلك الوقت مع امتناعه بشغل آخر لنفسه أو غيره أو بقي فارغاً ، وإن كان ذلك لعذر بطلت الإجارة ، ولم يستحقّ المؤجر شيئاً من الأُجرة إن كان ذلك عذراً عامّاً لم تكن العين معه قابلة لأن تستوفى منها المنفعة ، كما إذا استأجر دابّة للركوب إلى مكان فنزل ثلج مانع عن الاستطراق ، أو انسدّ الطريق بسبب آخر ، أو داراً للسكنى فصارت غير مسكونة; لصيرورتها معركة أو مسبعة ونحو ذلك. ولو عرض مثل هذه العوارض في أثناء المدّة بعد استيفاء المستأجر مقداراً من المنفعة بطلت الإجارة بالنسبة . وإن كان عذراً يختصّ به المستأجر ـ كما إذا مرض ولم يتمكّن من ركوب الدابّة المستأجرة ـ ففي كونه موجباً للبطلان وعدمه وجهان ، لايخلو ثانيهما من رجحان . هذا إذا إشترط المباشرة بحيث لم يمكن له استيفاء المنفعة ولو بالإجارة ، وإلاّ لم تبطل قطعاً1 .


1 ـ أمّا استقرار الأُجرة في الفرض الأوّل فلفرض تحقّق التسليم من المؤجر

(الصفحة275)



والتسلّم من المستأجر ، وصلاحيّة العين للانتفاع بها في مدّة الإجارة ، وكون عدم استيفاء المنفعة مستنداً إلى اختيار المستأجر من دون أن يكون هناك مانع عن الاستيفاء ، وكذا في الفرض الثاني الذي بذل المؤجر العين المستأجرة وامتنع المستأجر من تسلّمها واستيفاء المنفعة ، فإنّ الملاك في التسليم ما يرتبط بعمل المؤجر وبذله، ولا دخل لتسلّم المستأجر فيه أصلاً .
وهكذا في الإجارة على الأعمال ، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل وجعلها باختيار المستأجر لكنّه امتنع عن تسلّمه يكون الأجير مستحقاً للاُجرة ، وإن كان العمل المستأجر عليه غير متحقّق في الخارج ، فإنّ عدم تحقّقه يكون مستنداً إلى المستأجر الذي امتنع من دفع الثوب مثلاً إليه لا إلى الأجير ، ولا فرق في استحقاق الأجير بين أن يبقى فارغاً غير شاغل بشغل أو يشتغل بأمر آخر لنفسه أو غيره ، كما لا يخفى .
وأمّا إذا كان عدم الاستيفاء لأجل ثبوت العذر فتارةً يكون العذر عامّاً واُخرى يكون خاصّاً .
فإن كان العذر عامّاً بحيث تخرج العين معه عن قابلية استيفاء المنفعة كالأمثلة المذكورة في المتن ، فإن كان ذلك بالإضافة إلى تمام مدّة الإجارة فالقاعدة تقتضي بطلان الإجارة ; لعدم كون العين واجدة لجميع الشروط المعتبرة فيها ; لأنّ من جملة الشروط إمكان استيفاء المنفعة منها ، فلا محيص عن الحكم ببطلان الإجارة من رأس .
وإن كان ذلك بالإضافة إلى بعض المدّة ، كما لو عرض مثل هذه العوارض في الأثناء بعد استيفاء المستأجر مقداراً من المنفعة أو إمكانه وإن لم يستوف ، فتتبعّض الإجارة وتصير باطلة في المدّة الباقية بعد العروض ، وفي ثبوت الخيار وعدمه ما

(الصفحة276)

[لو منع الغاصب المستأجر عن استيفاء المنفعة]

مسألة  : إذا غصب العين المستأجرة غاصب ومنع المستأجر عن استيفاء المنفعة ، فإن كان قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالأُجرة المسمّـاة على المؤجر لو أدّاها، وبين الرجوع إلى الغاصب باُجرة المثل ، وإن كان بعد القبض تعيّن الثاني1 .


مرّ ويأتي مفصلاً .
وإن كان العذر خاصّاً فتارةً تكون المباشرة مشروطة في الإجارة واُخرى لاتكون كذلك .
ففي الصورة الاُولى ربما يحتمل البطلان ، نظراً إلى أنّه لا يمكن للمستأجر استيفاء المنفعة بوجه ; لفرض ثبوت العذر وأخذ قيد المباشرة ، ولكنّ الأرجح كما في المتن هو عدم البطلان ; لأنّ عدم الإمكان للمستأجر لا يخرج العين المستأجرة عن صلاحية الاستفادة واستيفاء المنفعة بوجه ، والملاك في صحّة الإجارة هي صلاحية العين لذلك عرفاً وقابليتها عند العقلاء ; وهي موجودة في الفرض .
وفي الصورة الثانية لا مجال لاحتمال البطلان أيضاً ; لأنّه يمكن للمستأجر الاستيفاء ; بأن يؤجرها من آخر لفرض عدم كون المباشرة مشروطة .

1 ـ أقول : قال المحقّق في الشرائع : ولو منعه ظالم قبل القبض كان بالخيار بين الفسخ والرجوع على الظالم باُجرة المثل ، ولو كان بعد القبض لم تبطل وكان له الرجوع على الظالم(1) .
والظاهر أنّه ليس مراده من الفسخ هو الفسخ بخيار التعذّر ، بل مراده منه هو

(1) شرائع الإسلام : 2 / 186 .

(الصفحة277)



الانفساخ الذي عبّر عنه في عبارته المتقدّمة فيما لو منعه المؤجر من استيفاء المنفعة بسقوط الأُجرة ، وعليه فالتخيير في هذا الفرع عين التخيير في الفرع السابق ، ويؤيّد ما ذكرنا ـ من أنّ مراده بالفسخ هو الانفساخ ـ حكمه بعدم البطلان ، الظاهر في عدم الانفساخ فيما لو كان منع الظالم بعد القبض ، فإنّه مشعر بل ظاهر في أنّ المراد بالفسخ في الصورة الاُولى ـ وهي مالو كان قبل القبض ـ هو البطلان بمعنى الانفساخ ، وعليه فالظاهر جريان الوجوه الثلاثة المتقدّمة في هذا الفرع أيضاً .
نعم ، يمتاز هذا الفرع بأمرين :
أحدهما : أنّه احتمل في مفتاح الكرامة(1) وفاقاً للمسالك(2) جواز الرجوع باُجرة المثل على المؤجر في الصورة الاُولى أيضاً ، لكونه ضامناً للمنفعة ما دام لم يسلّم العين .
ولكنّه مدفوع بأنّه إن اُريد بالضمان ضمان المعاوضة فالمفروض أنّ الرجوع بالاُجرة ـ أعني اُجرة المثل ـ إنّما هو مع عدم الانفساخ الموجب لضمان المؤجر ، ضرورة أنّه معه لايرجع إلاّ بالاُجرة المسمّـاة . وإن اُريد به ضمان اليد فلا وجه لثبوته في حقّ المؤجر أصلاً ، كما هو واضح لا يخفى .
ثانيهما : أنّه ربما يقال : بأنّ تعيّن الانفساخ هنا أظهر من الفرع السابق ; لأنّ السرقة إذا كانت منزّلة منزلة التلف الموجب للانفساخ كان إتلاف الأجنبي أولى بذلك ; لأنّ التلف في سرقة الأجنبي إنّما هو لعدم رجاء عوده عادةً ، والإتلاف موجب لامتناع عوده عقلاً ; لأنّ المنفعة المحدودة بزمان خاصّ يستحيل عودها

(1) مفتاح الكرامة : 7 / 158 .
(2) مسالك الأفهام : 5 / 218 .

(الصفحة278)



بعد فواتها ، لاستحالة إعادة المعدوم ، وهذا لايوجب أن يكون إتلاف المؤجر كذلك ; لأنّ التلف من البائع إذا كان مقصوراً على القهري ، فهذا الإتلاف بالنسبة إلى البائع أو المؤجر اختياري لا قهري ، بخلاف سرقة الأجنبي أو إتلافه ، فإنّهما بالنسبة إلى البائع قهري ، وقد يقال: بأنّ وجه التخيير هنا أيضاً أقوى من الفرع السابق ; نظراً إلى أنّ صدق التعذّر هنا أوضح من ذلك الفرع ، فإنّه إذا كان الإتلاف من الأجنبي الظالم يتحقّق عنوان التعذّر الموجب للخيار ، وهذا بخلاف ما إذا كان الإتلاف من البائع أو المؤجر ، فإنّه لا يصدق عنوان التعذّر كما هو ظاهر .
ولكنّه مندفع بما اُفيد من أنّه كذلك إذا كان المدار على عنوان التعذّر بدليل لفظي ، وأمّا إذا كان المدار على ضررية لزوم البيع من جهة عدم إمكان التسليم فالميزان هو الضرر الناشئ من التعذّر من دون فرق بين أسبابه .
وقد تبيّن ممّا ذكرنا أنّ الأوفق بالقواعد في هذا الفرع هو تحقّق الانفساخ ، وتعيّنه لدلالة رواية عقبة(1) على ذلك بطريق أولى كما ذكرنا ، وإن كان الأوفق بها في الفرع المتقدّم هو تعيّن الرجوع إلى المؤجر باُجرة المثل ، ومقتضى الانفساخ في المقام ضمان المؤجر للمستأجر بضمان المعاوضة ، وضمان الأجنبي للمؤجر بضمان اليد ، فتدبّر .
هذا كلّه فيما لو كان منع الظالم قبل القبض . وأمّا لو كان المنع بعده ، فقد عرفت أنّ عبارة الشرائع صريحة في تعيّن الرجوع إلى الظالم باُجرة مثل المنفعة .
وربّما يشكل الفرق بين هذا المقام الذي فصّل فيه في الشرائع بين القبض وعدمه ، وبين المقام المتقدّم ; وهو منع المؤجر الذي أطلق فيه الحكم ، وجه

(1) الكافي : 5 / 171 ح12 ، التهذيب : 7 / 21 ح89 وص230 ح1003 ، وسائل الشيعة : 18 / 23 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب10 ح1 .

(الصفحة279)



الإشكال أنّه إن كان قبض العين كافياً في قبض المنافع مع تدرّجها في الوجود ، ولم يكن قبض العين في كلّ زمان قبضاً لمنفعتها في ذلك الزمان ، بل كان قبضها فيه قبضاً للمنفعة في جميع المدّة ، فاللاّزم التفصيل في المقام المتقدّم أيضاً بين صورتي القبض وعدمه وإن لم يكن قبض العين كافياً في قبض المنفعة في جميع المدّة ، بل كان قبضها في كلّ زمان قبضاً لمنفعتها في ذلك الزمان ، فاللاّزم أن لا يفصّل في هذا المقام أيضاً بين الصورتين ; لأنّ منع الظالم ولو كان بعد القبض يمنع عن تحقّق القبض بالإضافة إلى المنفعة فيما بعد المنع من المدّة ، فالجمع بين الإطلاق في ذلك المقام والتفصيل في هذا المقام لا وجه له .
وقد أجاب عن هذا الإشكال المحقّق الرشتي (قدس سره) بما هذه عبارته : «إنّ ما تقدّم في منع المؤجر بعد القبض ـ من عدم كفاية قبض العين في قبض المنافع لكونها تدريجيةـ لا يأتي في المقام ; لأنّه إنّما لا يكفي إذا انتزع العين هو من يد المستأجر ، فإنّ انتزاعه ينافي القبض المعتبر في المنفعة المستقبلة ، لأنّ القبض هو التخلية التامّة ، وهي لاتحصل مع الغصب بعد القبض ، وأمّا إذا كان الغاصب غير المؤجر فمن جانبه حصل التخلية التامّة والإقباض الكامل ، فيلزم العقد»(1) .
ويظهر من هذه العبارة أنّ الفارق بين المقامين حصول القبض وعدمه، نظراً إلى أنّه عبارة عن التخلية التامّة ، المنافية لمنع المؤجر وغير المنافية لمنع الغاصب الأجنبي ، ففي الحقيقة منع المؤجر وغصبه مانع عن أصل تحقّق القبض بخلاف منع الأجنبي .
وأورد على هذا الجواب المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بما يرجع إلى أنّ التخلية وإن كانت

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 302 .

(الصفحة280)



تامّة كاملة لا تكفي في الخروج عن ضمان المعاوضة ، والدليل عليه رواية عقبة بن خالد المشتملة على أنّه اشترى المتاع وتركه عنده ، فإنّ الظاهر أنّ تمكين البائع مفروض ، والمشتري أبقاه على حاله بالاختيار، ومع ذلك حكم بالضمان بسرقة المتاع(1) .
والحقّ كما أفاده من أنّ وجه الفرق بين المقامين ينشأ من الفرق بين حدوث القبض وبقائه ، فانّ الإقباض حدوثاً إيجاد الاستيلاء على العين ، وبقاءً إدامته على حاله بعدم استرداده ، فمنع المؤجر في الأثناء مضادّ للإدامة ، فينافي تحقّقه بقاءً ، بخلاف منع الأجنبي ، فإنّ المؤجر لم يتحقّق منه ما يضادّ إدامة العين تحت يده ، ولا يجب عليه التحفّظ على ما أقبضه بمنع الظالم للمستأجر ، فلا وجه لانفساخ العقد ، بل لابدّ من رجوع المستأجر إلى الغاصب لأخذ اُجرة المثل لأنّه ضامن .

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 264 .
<<التالي الفهرس السابق>>