في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة321)



أيضاً كذلك لما عرفت(1) من بطلان الإجارة زمن الفوات ، فلا وجه للخيار إلاّ من جهة تبعّض الصفقة ، فتأمّل .
وبالجملة : فلم يظهر لنا مستند للحكم بثبوت الخيار بنفس الانهدام حتّى يتكلّم في بقائه مع الإعادة بسرعة وعدمه .
ويمكن أن يكون مستند الخيار تخلّف الوصف ; نظراً إلى أنّ الإعادة وإن لم تكن موجبة لتحقّق المغايرة بنظر العرف ، إلاّ أنّها توجب تخلّف الوصف لأجل تبدّل الخصوصيّة ، ومن الممكن أن يكون غرض المستأجر متعلّقاً بالخصوصية المنتفية لأجل الانهدام ، فالخيار حينئذ خيار تخلّف الوصف كما اشار إليه الشيخ الأعظم (قدس سره)في عبارته المتقدّمة(2) ، ولكنّ الظاهر أنّه أيضاً لا ينتج الخيار في جميع الموارد ، إذ قد لا تكون الإعادة مستلزمة لتخلف الوصف الذي هو غرض المستأجر بوجه ، مع أنّ ظاهرهم أنّ الانهدام بعنوانه موجب للخيار ، فتدبّر .
ثمّ إنّه وقع الخلاف بين القائلين بثبوت الخيار بمجرّد الانهدام في بقائه بعد إعادة المالك ، فمقتضى العبارتين المتقدمتين ـ بناء على كون المراد منهما أمراً واحداً ; وهو ثبوت الخيار بانهدام المسكن ـ أنّ إعادة المالك مسقطة للخيار ، وظاهر إطلاقهما عدم الفرق بين ما إذا كانت الإعادة بسرعة أو مع التراخي ، ولكن قال المحقّق في الشرائع بعد حكمه بفسخ الإجارة إلاّ أن يعيده صاحبه ويمكنه معه : وفيه تردّد(3) .
وقد خصّ تردّده في محكي المسالك بما إذا أعاده بسرعة ، بحيث لا يفوت شيء

(1) في ص316.
(2) في ص314 ـ 315.
(3) شرائع الإسلام : 2 / 186 .

(الصفحة322)



من المنافع وإن قلّ ، قال : وإلاّ بقي الخيار بغير تردّد(1) .
وقال العلاّمة (قدس سره) في القواعد : فإن بادر المالك إلى الإعادة فالأقرب بقاء الخيار(2) ، واستفاد من هذه العبارة صاحب الإيضاح(3) وجامع المقاصد(4) أنّ المراد من المبادرة هي المسارعة بحيث لا يفوت شيء من النفع . وقال الفاضل العميدي بالتفصيل بين ما إذا لم يفت شيء من النفع فلا خيار ، وإلاّ كان مستمرّاً(5) . والمحكي عن الروضة أنّه قوّي بقاء الخيار إذا أعاده بسرعة بحيث لا يفوت عليه شيء معتدّ به(6) .
قال في المفتاح : وهو خلاف صريح جامع المقاصد والمسالك وظاهر الإيضاح ، ثمّ قال : وقد يلوح القول ببقاء الخيار من السرائر(7) والنافع(8) ومجمع البرهان(9) ، وفي الكفاية(10) التردّد كالشرائع ، وجزم في المفاتيح(11) بما في المسالك(12) .
والمحكي عن الرياض أنّه إن ثبت الخيار بنفس الانهدام من حيث هو اتّجه العمل

(1) مسالك الأفهام : 5 / 219 .
(2) قواعد الأحكام : 2 / 289 .
(3) إيضاح الفوائد : 2 / 254 .
(4) جامع المقاصد : 7 / 141 .
(5) كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد: 2 / 14.
(6) الروضة البهية : 4 / 353 .
(7) السرائر : 2 / 457 .
(8) المختصر النافع : 248 .
(9) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 60 ـ 61 .
(10) كفاية الأحكام : 126 .
(11) مفاتيح الشرائع : 3 / 102 .
(12) مفتاح الكرامة : 7 / 154 .

(الصفحة323)



بالاستصحاب ، ولكنّه غير معلوم إذ لا دليل إلاّ نفي الضرر وقد زال ، أو الإجماع وضعفه أظهر لمكان الخلاف(1) .
وأورد عليه في المفتاح أوّلاً : بأنّ الإجماع معلوم ومنقول في ظاهر الغنية(2) ، وثانياً : بأنّ لهم أن يقولوا : إنّا وإن قلنا بثبوت الخيار بنفس الانهدام نمنع جريان الاستصحاب بما ذكروه في توجيه خياري الغبن والرؤية(3) .
وأجاب عنه المحقّق الرشتي (قدس سره) بما حاصله : أنّ الإجماع المنقول في ظاهر الغنية إنّما هو فيما قبل الإعادة والكلام فيما بعدها ، كيف وقد نقل هو خلاف جماعة في ذلك ، والكلام ليس في فورية الخيار والتراخي حتّى يمنع جريان الاستصحاب بما ذكروه في الخيارين(4) .
ولعلّ نظره (قدس سره) إلى أنّ البحث هنا ليس في الفورية والتراخي ، لأجل أنّ الكلام في إسقاط الإعادة للخيار وعدمه بعد تسلّم بقائه مع عدم الإعادة وإن طال الزمان ; لأنّ هذه الجهة مفروغ عنها عند القائلين بثبوت الخيار بمجرّد الانهدام ، لأجل النصّ أو الاجماع أو غيرهما ، وعليه فمنع جريان الاستصحاب في الخيارين اللّذين يكون البحث فيهما عن الفورية والتراخي لا يلازم المنع هنا بعد كون الشكّ في مسقطية الإعادة للخيار الثابت مع عدمها ، كما لا يخفى .
نعم ، ربما يخدش في ذلك بأنّ الظاهر كون الخيارات عند المشهور مبنيّة على
الفورية ، وعليه فكيف يجتمع ذلك مع القول ببقاء الخيار هنا فيما إذا لم يعد ، وإن

(1) رياض المسائل : 6 / 32 ـ 33 .
(2) لاحظ غنية النزوع : 287 .
(3) مفتاح الكرامة : 7 / 155 .
(4) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 304 .

(الصفحة324)



طال الزمان فهل في المقام خصوصية مقتضية لذلك مع أنّ الظاهر عدم ثبوتها ؟ كما يظهر بالتأمّل .
ويمكن الجواب عن هذه الخدشة ـ مضافاً إلى أنّ دعوى كون جميع الخيارات عند المشهور مبنية على الفورية ممنوعة جدّاً ـ بأنّه يمكن أن يكون الخيار عندهم في المقام أيضاً كذلك ، وفرض الشكّ في البقاء مع اتّصاف الخيار بالفورية إنّما يتصوّر فيما إذا كان علم المستأجر بالانهدام متحقّقاً بعد الإعادة ، ضرورة أنّ الفورية في مواردها إنّما هي بعد العلم بسبب الخيار لا بعد ثبوت السبب واقعاً ، وإن لم يعلم به صاحب الخيار ، ففي هذا الفرض يكون الشكّ في الخيار بعد العلم شكّاً في بقاء الخيار المتحقّق بالانهدام واقعاً ، وعلى تقدير ثبوته لا يكون إلاّ فوريّاً على ما هو المفروض ، ولكنّ الظاهر أنّه ليس محلّ كلامهم في الشكّ في البقاء خصوص هذه الصورة ، بل أعمّ منها وممّا إذا كان العلم بالانهدام متحقّقاً قبل الإعادة ، وعليه فالظاهر عدم ذهابهم إلى الفوريّة في المقام ، فتدبّر جيّداً .


(الصفحة325)

[حكم الإجارة الفاسدة]

مسألة  : كلّ موضع كانت الإجارة فاسدة تثبت للمؤجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة، أو تلفت تحت يده أو في ضمانه . وكذلك في إجارة النفس للعمل ، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله . والظاهر عدم الفرق في ذلك بين جهل المؤجر والمستأجر ببطلان الإجارة وعلمهما به . نعم ، لو كان البطلان من ناحية الإجارة بلا اُجرة أو بما لا يتموّل عرفاً لا يستحقّ شيئاً ; من غير فرق بين العلم ببطلانها وعدمه . ولو اعتقد تموّل ما لا يتموّل عرفاً فالظاهر استحقاقه اُجرة المثل1 .


1 ـ قال في الشرائع : وكلّ موضع يبطل فيه عقد الإجارة يجب فيه اُجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو بعضها ، سواء زادت عن المسمّى أو نقصت عنه(1) . وفي الجواهر بعد ذلك : بلا خلاف أجده في شيء من ذلك ، بل قد يظهر من إرسالهم ذلك إرسال المسلّمات أنّه من القطعيّات(2) .
والظاهر أنّ مورد عدم الخلاف بل ظهور كونه من القطعيات إنّما هو أصل المسألة بنحو الإجمال ، وإلاّ فهي قابلة للملاحظة بالنظر إلى حدودها وبعض الاختلافات الواقعة فيها ، ولتوضيح الحال لابدّ من بيان صورة المسألة والقيود المأخوذة فيها وموارد وقوع الاختلاف ، فنقول : الظاهر من قوله : «وكلّ موضع يبطل فيه عقد الإجارة» إنّ البطلان إنّما يعرض للعقد بعدما وقع متّصفاً بالصحّة حدوثاً واقعاً ، وعليه فلابدّ من فرض الكلام فيما إذا عرض له البطلان بعد الوقوع ;

(1) شرائع الإسلام : 2 / 181 ـ 182 .
(2) جواهر الكلام : 27 / 246 .

(الصفحة326)



مثل ما إذا تلفت العين المستأجرة في أثناء المدّة ، مع أنّه من المعلوم عدم كون هذا الفرض مراداً لهم ، ضرورة أنّه في تلك الصورة لا مجال لدعوى كون ثبوت اُجرة المثل وسقوط قسطه من الاُجرة المسمّـاة من المسلّميّات والقطعيّات ، وذلك لثبوت التقسيط فيه كما عرفته(1) مفصّلاً ، وعليه فمفروض الكلام ما إذا انكشف بطلان الإجارة رأساً لخلل فيها ، سواء كان الانكشاف بعد انقضاء المدّة أو في الأثناء ، فتعبير المتن أولى من عبارة الشرائع .
ثمّ إنّ بطلان الإجارة تارةً يكون لأجل عدم ذكر الاُجرة فيها أو اشتراط عدمها ، واُخرى يكون لأجل أمر آخر ، وقد فصّل بينهما الشهيد (قدس سره) في محكيّ حواشيه(2) ، واستحسنه في المسالك(3) ، وقد صرّح به في المتن ، بل ربما يستظهر من عبارة الشرائع ، حيث قال : سواء زادت عن المسمّى . . .(4) ، فانّ ذكر المسمّى قرينة على فرض الاُجرة المسمّـاة في العقد ، فلابدّ من البحث في ذلك، وكذا في أنّ ثبوت اُجرة المثل هل يختصّ بما إذا كانت المنفعة مستوفاة ـ بتمامها أو ببعضها ، سواء استوفاها بنفسها بالمباشرة أو بغيرها بالتسبيب ـ أو يعمّ ما إذا فاتت المنفعة تحت يده تماماً أو بعضاً ، بحيث لم يستوف منها شيئاً ؟ وكذلك لابدّ من ملاحظة أنّ الحكم بثبوت الاُجرة يختصّ بما إذا كانا جاهلين بالفساد ولا يعمّ ما إذا كانا عالمين به ، أو كان أحدهما جاهلاً والآخر عالماً ـ كما هو المحكي عن الأردبيلي(5) وغيره(6) ممّن

(1) في ص287 ـ 292 .
(2) غاية المراد : 2 / 318 .
(3) مسالك الأفهام : 5 / 184 .
(4) شرائع الإسلام : 2 / 182 .
(5) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 49 ـ 50 .
(6) رياض المسائل : 6 / 40 ، مناهج المتّقين : 310 .

(الصفحة327)



تبعه ـ أو يعمّ جميع الصور ؟
وكذلك لابدّ من النظر في أنّه في صورة عدم ذكر الاُجرة في العقد أو اشتراط عدمها التي قال الشهيدان فيها بعدم ثبوت اُجرة المثل ، هل فرق بين إجارة الأعيان والإجارة على الأعمال ـ كما حكي عن جامع المقاصد ، حيث قال : وهذا صحيح في العمل ، أمّا مثل سكنى الدار التي يستوفيها المستأجر بنفسه ، فإنّ اشتراط عدم العوض إنّما كان في العقد الفاسد الذي لا أثر لما تضمّنه من التراضي، فحقّه وجوب اُجرة المثل ، ومثله مالو باعه على أن لا ثمن عليه ، ولو اشترط في العقد عدم الاُجرة على العمل فعمل فلا شيء; لتبرّعه بعمله(1) ـ أو أنّه لا فرق بينهما ؟ كما عليه صاحب المسالك(2) وأجاب عن جامع المقاصد ، وصرّح به المتن أيضاً .
ثمّ إنّ الحكم بالبطلان في صورة اشتراط عدم الاُجرة إنّما يصحّ فيما إذا كان المشروط عدم ثبوت الاُجرة رأساً ، وأمّا لو كان المشروط عدم استحقاق المؤجر لمطالبتها ، الراجع إلى سقوطها بعد ثبوتها فلا مجال لدعوى البطلان كما مرّ سابقاً(3) ، كما أنّ الحكم بعدم ثبوت اُجرة المثل في هذه الصورة إنّما هو فيما إذا كان المشروط عدم الاُجرة رأساً أعمّ من اُجرة المثل ، وأمّا لو كان المشروط عدم ثبوت خصوص الاُجرة المسمّـاة ، فلا وجه لدعوى عدم ثبوت أُجرة المثل ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الحكم في أصل المسألة بوجوب اُجرة المثل ليس مجرّد حكم تكليفي محض ، بل هو حكم ناشئ من الحكم الوضعي، وهو ضمان المنفعة تماماً أو بعضاً ،

(1) جامع المقاصد : 7 / 120 ـ 121 .
(2) مسالك الأفهام : 5 / 184 .
(3) في ص109 ـ 111.

(الصفحة328)



فلابدّ من البحث في هذا الحكم .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه ينبغي البحث أوّلاً فيما هو القدر المتيقّن من مفروض المسألة ، وهو ما إذا انكشف بطلان الإجارة من غير ناحية عدم ذكر الاُجرة أو اشتراط العدم في أثناء المدّة أو بعدها ، بعد استيفاء المستأجر المنفعة بنفسه مع كونهما جاهلين بالفساد ، بحيث لو كانا عالمين به لما أقدما على مثل هذه المعاوضة ، وكون الاُجرة متموّلة شرعاً وملكاً للمستأجر ، ثمّ البحث في سائر الفروض ، فنقول : الدليل على ثبوت الضمان في المقام على ما قيل اُمور لابدّ من التعرّض لها :
الأوّل : الإجماع ، وقد استدلّ به في الجواهر(1) وتبعه المحقّق الشارح للعروة ، بل قال : إنّ العمدة في المقام هو الإجماع(2) .
والظاهر عدم كون الإجماع في مثل المقام واجداً لشرائط الحجّية ; لأنّه ـ مضافاً إلى عدم معلومية كون المسألة من المسائل المتلقّاة عن الأئمّة المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ لعدم التعرّض لها ظاهراً في الكتب المعدّة لمثل ذلكـ يحتمل قويّاً أن يكون مدرك المجمعين هي القواعد المتعدّدة المذكورة فيما بعد ، ومع هذا الاحتمال لايبقى للاتّكال عليه مجال .
الثاني : قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» واستدلّ بها أيضاً في الجواهر(3) ، وظاهره أنّها قاعدة مستقلّة بهذا العنوان في مقابل قاعدة الاحترام ، وقاعدتي اليد والإتلاف وسائر القواعد التي استند إليها في باب الضمان ، مع

(1) جواهر الكلام : 27 / 246 .
(2) مستمسك العروة : 12 / 65 .
(3) جواهر الكلام : 27 / 246 .

(الصفحة329)



أنّ الظاهر عدم كونها قاعدة مستقلّة في مقابل تلك القواعد ، بل هي قاعدة اصطيادية مستفادة من القواعد الاُخر ، الحاكمة بثبوت الضمان في موارد العقود الفاسدة .
وكيف كان ، فمع غمض النظر عن هذه الجهة نقول : قد كثر الكلام حول هذه القاعدة ووقع النقض والإبرام بالنسبة إليها ، ولكن الذي يرتبط منها بباب الإجارة بالخصوص هو الذي ينبغي التكلّم فيه هنا ; وهو أنّه هل يكون عقد الإجارة من صغريات هذه القاعدة أم لا ؟ وبعبارة اُخرى هل يكون في صحيح الإجارة ضمان حتّى يكون في فاسدها أيضاً ذلك أم لا ؟
ومنشأ الإشكال ، الاختلاف في حقيقة الإجارة وماهيّتها ، فإن كان الطرفان فيها هما الاُجرة والمنفعة بحيث كان العقد وارداً عليهما ، كما هو ظاهر تعريفها بأنّها تمليك المنفعة بعوض ، لكانت المنفعة التي هي طرف العقد أيضاً مضمونة بالمسمّى في الإجارة الصحيحة ، فيلزم أن تكون في فاسدها أيضاً كذلك .
وأمّا لو كان الطرف الآخر هي نفس العين المستأجرة دون المنفعة ـ كما يظهر من تحديدها بأنّها إضافة في العين تستتبع ملكيّة المنفعة على ما مرّ سابقاً(1) من ترجيح هذا التعريف ـ لكانت الإجارة بلحاظ المنفعة خارجة عن هذه القاعدة ; لعدم ثبوت الضمان حينئذ في صحيحها فضلاً عن فاسدها ; لأنّ المنفعة على هذا التقدير خارجة عن مورد العقد .
ومن الواضح أنّ القاعدة ـ أصلاً وكذا عكساً ـ ناظرة إلى ماهو طرف للعقد وهو واقع عليه ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال : بأنّ كون الإجارة إضافة في العين لا يقتضي عدم كون

(1) في ص10 .

(الصفحة330)



المنفعة مورداً للعقد ومضمونة في صحيحه ; لظهور أنّ الاُجرة عند العقلاء إنّما تقع بإزاء المنفعة وفي مقابلها ، والمصحّح لصدق الضمان هو هذا التقابل الذي مرجعه إلى عدم كونها مفوّضة إلى المستأجر مجّاناً وبلا عوض ، فالظاهر حينئذ بمقتضى ما ذكر كون الإجارة من مصاديق هذه القاعدة ، فاللازم ثبوت اُجرة المثل في فاسدها ، ولكنّك عرفت عدم كون هذه القاعدة قاعدة مستقلّة بحيث يتّكل عليها كذلك .
الثالث : قاعدة الإقدام التي استند إليها في المقام المحقّق الإصفهاني (قدس سره)(1) ، نظراً إلى أنّ مثلها هو المدرك لثبوت الضمان لا نفس قاعدة ما يضمن ، وأوّل من استند إلى هذه القاعدة ـ على ما حكي(2) ـ شيخ الطائفة الإماميّة في المبسوط(3) ، ثمّ تبعه فيه بعض من أجلاّء الفقهاء ، كالمحقّق والشهيد الثانيين (قدس سرهما)(4) .
وقد اعترض عليهم بعدم إجدائها في موارد العقود الفاسدة ; لعدم تحقّق موضوع الإقدام ، فإنّ ما أقدم عليه المتعاقدان هو الضمان الخاصّ ; وهو كون ما انتقل إليه مضموناً بإزاء خصوص الطرف الآخر المنتقل عنه ، فإنّ المشتري مثلاً إنّما أقدم على ضمان المبيع بخصوص الثمن الواقع بإزائه ، والمستأجر في المقام إنّما أقدم على ضمان المنفعة قبال الاُجرة المسمّـاة ، والمفروض أنّه مع فساد العقد ينتفي هذا الضمان ، والضمان الآخر ليس ممّا أقدم عليه المتعاقدان ، فما أقدما عليه غير واقع لفرض الفساد ، والضمان الآخر لا يكون مقدماً عليه بوجه .
وأجاب عن هذا الاعتراض المحقّق الخراساني (قدس سره) في تعليقته على متاجر الشيخ

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 93 ـ 94 .
(2) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب : 3 / 182 و188.
(3) المبسوط : 3 / 58 ، 65 ، 68 ، 85 و 89 .
(4) جامع المقاصد: 6 / 324، الروضة البهية : 3 / 236 ، مسالك الأفهام : 3 / 154 و160 وج4 / 56 .

(الصفحة331)



الأعظم (قدس سره) بما لفظه : يمكن أن يقال : بأنّهما أقدما على أصل الضمان في ضمن الإقدام على ضمان خاصّ ، والشارع إنّما لم يمض الضمان الخاصّ لا أصله ، مع أنّ دليل فساد العقد ليس بدليل على عدم إمضائه فافهم . لكن لا دليل على كون الإقدام سبباً للضمان أصلاً(1) .
وقد أوضح مرامه تلميذه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في كتاب الإجارة بما حاصله يرجع إلى أنّ الإقدام على التضمين متحقّق في ضمن الإقدام على التمليك ، لأنّ الملحوظ هو العوض بما هو مال بضميمة الخصوصية ، والمعوّض بطبيعية المجامع مع وجوده ومع تلفه ، والتعويض أيضاً كذلك ، الملائم مع كونه عوضاً في حال وجود المعوّض وفي حال تلفه ، وعليه فالإقدام الضمني على التضمين الذي هو عبارة اُخرى عن شرط الضمان ثابت ، والدليل على فساد العقد إنّما يدلّ على عدم نفوذه بما هو تمليك ، ولا يستلزم عدم نفوذ الالتزام الشرطي .
ثمّ أجاب عنه :
أوّلاً : بأن هذه الطبيعيّات منتزعة ممّا أقدما عليه لا أنّها داخلة في دائرة الإقدام .
وثانياً : بأنّ شرط الضمان الذي هو مرجع الإقدام الضمني إنّما يكون له أثر إذا وقع في ضمن  عقد صحيح، والمفروض  في المقام فسادهوعدم صحّة الشرط الابتدائي(2).
والتحقيق أنّ التمسّك بهذه القاعدة لثبوت الضمان في موارد العقود الفاسدة المعاوضية ممنوع ; لأنّها مخدوشة صغرى وكبرى ; أمّا الصغرى فلأنّ الواضح أنّ الإقدام المتحقّق في الخارج ليس إلاّ فرداً من الإقدام متعلّقاً بالضمان الخاصّ ،

(1) حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني : 31 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 94 .

(الصفحة332)



ولا نظر للمتعاقدين إلى غيره أصلاً ، خصوصاً فيما إذا كانا جاهلين بفساد المعاملة ، الذي قد عرفت أنّه القدر المتيقّن من مفروض المقام ، فدعوى ثبوت إقدام آخر على أصل الضمان في ضمن الإقدام على الضمان الخاصّ لا شاهد لها أصلاً .
ثمّ على تقدير تسليم هذه الدعوى نقول : إنّها غير منطبقة على الغرض الأصلي وهو اثبات اُجرة المثل ; لأنّ الإقدام على أصل الضمان إن كان المراد به هو الإقدام على ماهو نتيجة الضمان في موارده ; وهو اُجرة المثل في الإجارة ، والمثل أو القيمة في البيع ونحوه ، بمعنى أنّ الإقدام الضمني إنّما هو الإقدام على خصوص اُجرة المثل مثلاً ، كما ربما يظهر من تقريب كلام المحقّق الخراساني (قدس سره) على ما عرفت ، فيردّه وضوح خلافه ، ضرورة أنّ المقدم لا يكون متوجّهاً إلى اُجرة المثل أصلاً ، فكيف يقدم عليها . وإن كان المراد به هو الإقدام على أصل الضمان الذي مرجعه إلى عدم كون المال له مجّاناً وبلا اُجرة فنقول : إنّه على تقدير تسليمه لا يكاد يثبت اُجرة المثل بخصوصها ; لأنّها بخصوصيتها لم يكن مقدماً عليها بوجه .
وأمّا الكبرى فكما أفاده المحقّق الخراساني (قدس سره) في ذيل كلامه لا دليل على كون الإقدام سبباً للضمان كاليد والإتلاف ونحوهما ، فالإقدام على تقدير ثبوته موضوعاً يحتاج إلى دليل الإمضاء ، ولم يعلم كونه بنفسه عند العقلاء كذلك حتّى يكون عدم الردع كافياً في ثبوت الإمضاء .
الرابع : قاعدة الاحترام التي يدلّ عليها رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه(1) . وتقريب الاستدلال بها من وجهين :

(1) الكافي : 2 / 359 ح2 ، وسائل الشيعة : 12 / 297 ، كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة ب158 ح3 .

(الصفحة333)



أحدهما : أن يقال : إنّ المراد من الحرمة المتعلّقة بمال المؤمن هي الحرمة التكليفية ، نظراً إلى وقوعها في سياق الأحكام التكليفية التي يدلّ عليها الفسوق والكفر والمعصية ، وإلى ظهور التشبيه بحرمة الدم في التكليف ; لأنّ المشبه به هو ما يدلّ عليه قوله (صلى الله عليه وآله) : «وقتاله كفر» ، ويكون مدلولها حينئذ أنّ ما يترتّب على التعرّض لمال المؤمن هو الذي يترتّب عى التعرّض لقتاله ، وهي شدة المبغوضية المعبّر عنها بالكفر .
وكيف كان ، فغاية مفادها على هذا الوجه هو مجرّد الحكم التكليفي، وحينئذ فلابدّ في استفادة الضمان منها .
إمّا من أن يقال ـ كما حكي عن بعض أجلّة السادة ـ بأنّ حرمة المزاحمة وإن كانت حكماً تكليفياً إلاّ أنّه حيث تكون المزاحمة محرمة حدوثاً وبقاءً ، وعدم تدارك المال بعد تلفه إبقاء للمزاحمة ، ورفعها لا يتحقّق إلاّ بتدارك المال ، فاللاّزم من هذا هو الضمان الوضعي(1) .
وإمّا من أن يقال كما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) : بأنّ المال المضاف إلى المسلم بإضافة الملكيّة له جهتان :
الاُولى : حيثية الملكيّة ورعايتها واحترامها عبارة عن عدم التصرّف فيما هو تحت سلطان الغير إلاّ بإذنه .
الثانية : جهة المالية ، ورعاية هذه الجهة واحترام هذا الشأن أن لا يجعله هدراً بحيث يعامل معه معاملة ما لا مالية له ، فالمال المضاف بإضافة الملكيّة له حرمتان: من حيث المضاف ، ومن حيث الإضافة .

(1) حكى عنه المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 95 .

(الصفحة334)



ولكنّه (قدس سره) أورد على ما أفاده البعض بأنّ حقيقة مزاحمة أحد في ماله لا تعقل إلاّ في المال الموجود ، ولا تعقل في المعدوم لا حدوثاً ولا بقاءً ، إلاّ إذا فرض ثبوت البدل في ذمته ليقال تحرم مزاحمته في المحقّق وجوده خارجاً والمقدر وجوده في الذمة ، فعدم تداركه وعدم تمكين المالك من التصرّف فيه بإخراجه من التقدير إلى التحقيق نوع من المزاحمة ، لكن الكلام في إثباته في الذمة بنفس قاعدة الاحترام ، فكيف يعقل أن تكون محقّقة لموضوعها .
وعلى ما أفاده نفسه أوّلاً: بأنّ الظاهر من حرمة المال المضاف بإضافة الملكيّة حرمة المضاف بما هو مضاف ، كما في كلّ أثر مترتّب على المتحيث بحيثية ، فإنّ الظاهر كون الحيثيّة تقييديّة لا تعليليّة ، ومقتضاه إثبات احترام الإضافة لا احترام ذات المضاف ، واللاّزم حينئذ أن يكون المفاد والمعنى احترام المملوك الذي هي الجهة الاُولى من الجهتين المتقدمتين ، الذي يكون مقتضاه عدم التصرّف فيما هو تحت سلطان الغير إلاّ بإذنه ، واحترام الملكيّة لا يقتضي أخذ المال بعنوانه في الموضوع ، لحرمة التصرّف في ملك الغير ، فإنّها لا تدور مدار ماليّته ، إلاّ أنّ الذي يهوّن الخطب أخذ عنوان المال فيما يتمحّض في الحكم التكليفي ، كقوله (عليه السلام) : فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه(1) ، ومنه يعلم أنّ أخذ المال في موضوع هذا الحكم الذي لا يدور مدار ماليته باعتبار غلبة كون المضاف مالاً ، فتدبّر .
وثانياً : بأنّ القاعدة لا تعمّ عمل الحرّ ; لأنّ الظاهر من إضافة المال بعنوانه هي إضافة الملكيّة أو الحقّية ، وعمل الحرّ وإن كان في نفسه مالاً لكنّه غير مضاف إلى عامله بإضافة الملكيّة ، بل إضافة الكتابة إلى الكاتب والخياطة إلى الخيّاط من

(1) كمال الدين: 520 ح49، الاحتجاج: 2/299، وسائل الشيعة: 9/540،كتاب الخمس،أبواب الأنفال ب3 ح7.

(الصفحة335)



إضافة العرض إلى موضوعه والفعل إلى فاعله ، لا الملك إلى مالكه ، وصحّة إجارة نفسه للعمل لاتدلّ على كونه مملوكاً له ، بل هي كصحّة بيعه كلّياً في ذمّته ، فإنّ البائع لا يملك الكلّي ، بل من حيث سلطانه على نفسه له إجارة نفسه للعمل والتعهّد بمال في ذمته بعوض ، فصحّة تمليك العمل وتمليك كلّي الحنطة مثلاً لمكان تلك السلطنة لا لملك العمل والحنطة قبلاً ، وهو واضح جدّاً .
وثالثاً : بما حاصله ; عدم شمول القاعدة للمنافع الفائتة والأعمال القائمة بالعامل من دون تسبيب من المستأجر ; لأنّ مجرّد وصول نفع من الغير لا يوجب الضمان ، وإلاّلوجب القول به مع عدم العقد الفاسد أيضاً ، والعقد الفاسد ليس تسبيباً إلى إيجاد العمل ليجب حفظ حرمته بأداء بدله، بل تسبيب إلى الملكيّة والمفروض عدم حصولها(1).
واُجيب عمّا أورده على البعض بأنّه يمكن أن يقال بثبوت الملازمة العرفية بين حرمة المزاحمة الثابتة حال وجود العين بلا إشكال ، وبين الضمان ووجوب التدارك بعد التلف ، فإنّ العرف إذا اُلقي عليه هذا الحكم التكليفي الذي لا يعقل تحقّق موضوعه إلاّ في حال وجود العين ينسبق إلى ذهنه ثبوت الحكم الوضعي أيضاً ، وعليه فلا حاجة إلى فرض ثبوت البدل في الذمة تحقيقاً لموضوع المزاحمة حتّى يكون الاستدلال بالقاعدة دوريّاً .
ويمكن الجواب عمّا أورده على نفسه أوّلاً ـ ممّا يرجع محصله إلى أنّ الإضافة إلى المؤمن تصرف الكلام إلى الجهة الاُولى من الجهتين المتقدّمتين ـ بأنّ الإضافة ليست لأجل كونها حيثيّة تقييدية في ثبوت الحرمة ، بل إنّما هي لأجل التمييز بين الأموال

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 95 ـ 97 .

(الصفحة336)



التي هي الموضوع لهذا الحكم ، وبين ماهو خارج عنه ، ففي الحقيقة يرجع الكلام إلى أنّ الأموال تكون على قسمين : قسم تثبت له الحرمة ; وهو ما يكون متعلّقاً بالمؤمن ، وقسم خارج عن موضوع هذا الحكم ; وهو ما يكون مضافاً إلى غيره ، فالأثر المترتّب على الإضافة إنّما هو تشخيص الموضوع عن غيره ، ولا دلالة فيها على أنّ الموضوع هو المضاف بما هو مضاف ، وعليه فلا حاجة إلى التجشّم الذي ارتكبه من أنّ أخذ المال في الموضوع مع كون الحكم دائراً مدار الملكيّة ـ وهي أعمّ من المالية ـ إنّما هو باعتبار غلبة كون المضاف مالاً ، فتأمّل جيّداً .
وعمّا أورده ثانياً بأنّه على فرض تسليم كون عمل الحرّ مالاً لامجال لإخراجه عن هذه القاعدة ; لأنّ المصحح لدخوله فيها هي صحّة إضافة المال إلى المؤمن والمفروض ثبوتها ، ودعوى أنّ الظاهر كون الإضافة إضافة ملكيّة أو حقّيّة مدفوعة بخروجها عن الشاهد ، بل اللاّزم مجرّد صحّة الإضافة التي لا محيص عنها على تقدير كون العمل مالاً والعامل مؤمناً ، كما هو غير خفيّ .
وأمّا ما أورده ثالثاً ، فالظاهر تماميّته إلاّ أنّه ليس إشكالاً على القاعدة ; بل على الاستنادإليهالجميع فروض المسألة كماهوظاهر. هذاتمام الكلام في تقريب الاستدلال بالقاعدة من الوجه الأوّل ، الذي مرجعه إلى كون مدلولها مجرّد حكم تكليفي .
وأمّا الوجه الثاني : فهو أنّه يمكن أن يقال بكون المراد من الحرمة في الرواية هي الحرمة الوضعيّة ، أو الأعمّ منها ومن التكليفية ، بقرينة أنّ المنسبق إلى الأذهان من هذه العبارة هي الحرمة الوضعيّة أو الأعمّ ، وحينئذ لا مانع عن الاستدلال بها للمقام لو لم يناقش فيها بأنّها لاتكون إلاّ بصدد أصل التشريع ، ولا دلالة لها على الإطلاق ، أو بأنّها في مقام إفادة مرتبة الحرمة وأنّها هي مرتبة حرمة الدم ، فلابدّ حينئذ من إحراز أصل الحرمة مع قطع النظر عن القاعدة حتّى

(الصفحة337)



يصحّ التمسّك بها ، بل لا حاجة إليها حينئذ ; لأنّ الكلام إنّما هو في أصل ثبوت الحرمة لا في مرتبتها .
وكيف كان ، فمع قطع النظر عن هاتين المناقشتين يتمّ الاستدلال بالرواية التي هي المدرك للقاعدة في المقام .
الخامس : قاعدة الإتلاف ، التي تستفاد من التتبع في الروايات الواردة في الموارد المختلفة ، ومن التعليل الواقع في بعضها ، وإن لم تكن منصوصة بالعبارة المعروفة على الظاهر ، وعلى أيّ فقد قيل : بأنّ شمولها للمنافع المستوفاة والأعمال كذلك واضح ; لأنّ إتلاف المنافع المتدرّجة في الوجود إنّما هو باستيفائها تدريجاً ، وليست كالأعيان بحيث يكون لها إتلاف محض ، وكذا المنافع المفوّتة بناءً على شمول الإتلاف للتفويت ; وهو المنع عن الوجود وإبقاء العدم على حاله ، وأمّا المنافع الفائتة والأعمال غير المستوفاة فلا تكاد تعمّهما القاعدة .
والظاهر أنّ شمول القاعدة للمنافع المستوفاة أو المفوّتة أيضاً محلّ إشكال ; لأنّ المنافع وإن كانت مالاً إلاّ أنّ صدق الإتلاف على الاستيفاء أو التفويت مشكل ، بل صدقه على الأوّل أشكل ، فتأمّل ، وكذا يشكل الحكم بشمول القاعدة لصورة الجهل بفساد المعاملة; نظراً إلى ظهورها في ترتّب الضمان على الإتلاف فيما إذا أحرز كون المال للغير ، بل شمولها لصورة العلم بالفساد أيضاً كذلك ; لأنّ الإتلاف حينئذ يكون أيضاً مبتنياً على كونه مال النفس ، ولو عند العقلاء القائلين بصحّة المعاملة ، ولكن هذا الإشكال الأخير مندفع فتأمّل .
السادس : قاعدة اليد ، التي هي مدلول رواية رواها جماعة من أصحاب الصحاح ; كابن ماجة والترمذي وأبي داود ـ على ما حكي ـ عن قتادة ، عن الحسن البصري ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : على اليد ما أخذت

(الصفحة338)



حتّى تؤدّي أو تؤديه(1) . وروي : «قبضت» ، مكان «أخذت» . وشاع التمسّك بهذا الحديث بين الفقهاء المتأخّرين من الإماميّة دون القدماء منهم ، وعليه فانجبار ضعف سنده غير معلوم ، بل معلوم العدم والتحقيق في محلّه .
وكيف كان ، فمع قطع النظر عن السند نقول : إنّ الاستدلال بهذه القاعدة للمقام يبتني على إبطال دعوى من يقول باختصاصها إبتداءً بالأيادي القاهرة العادية ، كما حكي عن بعض الأجلّة ، وكذا على إبطال قول من يدّعي أنّ عروض كثرة التخصيص لها مانع عن جواز التمسّك بها في الموارد المشكوكة ، كما ربما ينسب إلى بعض آخر ، وكذا يبتني على دعوى عدم اختصاص القاعدة بصورة وجود المأخوذ ، نظراً إلى أنّه ليس مفادها مجرّد إيجاب الأداء ، ولو كان متوقّفاً على بذل مال وصرف مؤونة ، بل مفادها وجوب الأداء ما دامت العين موجودة ، ومثله أو بدله مع التلف بالتقريب المذكور في محلّه ، الذي يرجع إلى إفادة القاعدة للحكم الوضعي وهو ضمان المأخوذ .
والعمدة في المقام ابتناء التمسّك بالقاعدة على شمولها للمنافع ، وعدم اختصاصها بالأعيان الموجودة في الخارج ، ومنشأ الإشكال ما قاله الشيخ الأعظم (قدس سره) في مسألة ضمان المنافع غير المستوفاة في المقبوض بالعقد الفاسد ; من أنّه لا إشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع، وحصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ، ودعوى أنّه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الأعيان مشكلة(2).
وقال المحقّق الإصفهاني (قدس سره) : إنّه ليس وجه الإشكال عدم صدق الأخذ بالنسبة

(1) سنن ابن ماجة : 3 / 147 ح2400 ، سنن الترمذي : 3 / 566 ح1269 ، سنن أبي داود : 3/526 ح3561 ، عوالي اللآلي : 2 / 345 ح10 ، مستدرك الوسائل : 17 / 88 ، كتاب الغصب ب1 ح4 .
(2) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 3 / 204 .

(الصفحة339)



إلى المنافع ، فإنّ الأخذ بما هو لا يختصّ بالأعيان الخارجيّة بل يعم الاُمور المعنويّة كالعهد والميثاق ، فضلاً عن شمول المنافع التي هي من حيثيّات العين الخارجية وشؤونها ، كما أنّه ليس وجه الإشكال إرادة الجارحة المخصوصة من اليد كي يختص بالأعيان القابلة للقبض بالجارحة ، إذ لا ريب في أنّها كناية عن الاستيلاء ، ولذا لا ريب في صدق وضع اليد على الأراضي والعقار بالاستيلاء عليها . بل وجه الإشكال أمران ، ثمّ ذكر الأمر الأوّل مع جوابه . وقال في الأمر الثاني الذي اختاره ما ملخّصه : إنّ مقتضى على اليد أنّ ما يدخل في العهدة بوضع اليد عليه ما كان أدائياً وقابلاً للأداء بعد أخذه ، وهذا شأن العين . وأمّا المنافع ، فما فات منها وهي المأخوذة غير أدائية بنفسها ، ومالم تفت فهي غير مأخوذة ولا كلام فيه(1) .
والظاهر أنّ إشكال الشيخ (قدس سره) ليس لأجل الوجه الذي أفاده هذا المحقّق ، بل وجه الإشكال ظهور عبارة القاعدة في كون موضوعها هو المال الذي يمكن تعلّق الأخذ به بالذات وبلا واسطة ، وهذا شأن العين . وأمّا المنافع ، فهي وإن كانت قابلة للاتّصاف بالمأخوذية ، إلاّ أنّ الأخذ لا يتعلّق بها من دون واسطة ، فالقاعدة لا تشملها لظهورها في المأخوذ بلا واسطة .
وأمّا الوجه الذي أفاده المحقّق المزبور فيرد عليه منع ظهور القاعدة في الاختصاص بما كان قابلاً للأداء كي يختصّ بغير المنافع ، بل فائدة ذكر الغاية مجرّد استمرار الحكم وثبوته إلى حين تحقّقها ، ألا ترى أنّ قوله (عليه السلام) : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر(2)  هل يختصّ بما إذا كان قابلاً للعلم بقذارته ، أو أنّ الظاهر كونه غاية

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 98 ـ 99 .
(2) المقنع : 15 ، مستدرك الوسائل : 2 / 583 ، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب30 ح4 ، وسائل الشيعة: 3 / 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب37 ح4 باختلاف.

(الصفحة340)



للحكم بطهارة مشكوك النجاسة مطلقاً ؟ ومثله قوله (عليه السلام) : البيّعان بالخيار حتّى يفترقا(1) . فإنّ الظاهر ثبوت خيار المجلس ولو مع عدم إمكان الافتراق بينهما ، كما إذا كانا واحداً فتدبّر .
وكيف كان ، فان كان الوجه في إشكال الشيخ (قدس سره) ما أفاده المحقّق المزبور فقد عرفت ما فيه ، وإن كان الوجه فيه ما ذكرنا فيرد عليه منع ظهور القاعدة في الاختصاص بما كان تعلّق الأخذ به بالذات وبلا واسطة ممكناً ، بل الظاهر أنّ الأخذ في عبارتها أعمّ فيشمل المنافع أيضاً .
السابع : قاعدة الضرر المستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله) في رواية سمرة بن جندب : لاضرر ولا ضرار(2) . والتحقيق في السند واعتبار القاعدة موكول إلى محلّه والغرض هنا بيان مفادها ومدلولها ، فنقول : مختصر الكلام فيها أنّه إمّا أن يقال : بأنّ كلمة «لا» فيها للنهي ، وإمّا أن يقال : بأنّها للنفي ، وعلى التقدير الأوّل فتارةً يقال : بأنّ النهي فيها حكم من الأحكام الإلهيّة ، كسائر النواهي المتوجّهة إلى المكلّفين ، ومرجعه حينئذ إلى أنّه لا يجوز أن يضرّ أحد بالنسبة إلى آخر ، ويحرم أن يتحقّق الإضرار منه بالإضافة إلى الغير ، واُخرى يقال : بأنّ النهي فيها نهي صادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مقام أعمال السلطنة والحكومة ، وليس حكماً من الأحكام الإلهيّة العامّة الشاملة لجميع المكلّفين ، واختار هذا الوجه الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالته في هذه القاعدة(3) .
فإن قلنا بالثاني فالتمسّك بهذه القاعدة في شيء من الأحكام الفقهية التي من جملتها المقام في غير محلّه ; لعدم دلالتها على حكم من الأحكام إثباتاً أو نفياً ، كما هو

(1) الكافي : 5 / 170 ح4 و5 ، وسائل الشيعة : 18 / 5 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب1 ح1 و2 .
(2) الكافي : 5 / 292 ح2 ، الفقيه : 3 / 147 ح18 ، وسائل الشيعة : 25 / 428 ، كتاب إحياء الموات ب12 ح3 .
(3) الرسائل للإمام الخميني: 1 / 24.
<<التالي الفهرس السابق>>