في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة341)



غير خفيّ .
وإن قلنا بالأوّل فمفاده حينئذ مجرّد حكم تكليفيّ ; وهو النهي عن الإضرار بالغير ، ولا دلالة فيها على الحكم الوضعي الذي هو المقصود في المقام ، إلاّ أن يقال : بأنّ المتفاهم عند العرف من النهي التكليفي المتعلّق بالإضرار لزوم التدارك أيضاً على تقدير تحقّق الإضرار المحرّم ، لكن يرد على الاستدلال بها للمقام ـ على تقدير دلالتها على الحكم الوضعي أيضاً ـ أن تحقّق الإضرار هنا محلّ نظر ، بل منع ; لأنّ استيفاء منفعة الدار بعنوان أنّها مملوكة له وله حق الاستيفاء لا يوجب تحقّق موضوع الإضرار ، ولو انكشف الخلاف وأنّه لم يكن مستحقاً لاستيفائها ; لأنّ الظاهر أنّ صدقه متوقّف على أن لا يكون التصرّف مستنداً إلى اعتقاد الاستحقاق ، إلاّ أن يقال : إنّ مجرّد الاستيفاء وإن كان بنفسه لا يوجب تحقّق موضوع الإضرار إلاّ أنّه بضميمة عدم التدارك بعد انكشاف الخلاف يوجب تحقّقه فتدبّر ، هذا كلّه على تقدير كون القاعدة ناهية .
وأمّا على تقدير كونها نافية ، فتارةً يقال : بأنّ المراد منها أنّ الشارع لم يشرع حكماً ضررياً أصلاً ، واُخرى يقال : بأنّ المراد منها أنّ الأحكام المجعولة الشاملة بعمومها أو إطلاقها لصورة الضرر أيضاً مقصورة على غير مورد الضرر ، كما هو مبنى الحكومة التي اختارها كثير من المحقّقين(1) في مفاد هذه القاعدة .
فإن أُريد الأوّل فالظاهر تماميّة دلالتها على ثبوت الضمان في المقام ; لأنّ الحكم بعدم الضمان ضرريّ، ومفاد القاعدة على هذا التقدير الإخبار عن عدم مشروعية

(1) فرائد الاُصول : 2 / 462 ، الحاشية على كفاية الاُصول : 2 / 338 ، مصباح الاُصول : 2 / 540 .

(الصفحة342)



الحكم الضرري ، والواقع لا يخلو عن أحد أمرين : الضمان وعدمه ، فإذا كان العدم غير مشروع فاللاّزم ثبوت الحكم بالضمان ، والظاهر عدم كون المراد بالقاعدة هذا المعنى ، وإلاّ لزم أن تكون أدلّة الخمس والزكاة وبعض النفقات والتغريمات مخصّصة لقاعدة الضرر ، كما أفاده المحقّق الإصفهاني(1) مع أنّها آبية عن التخصيص ، كما هو ظاهر .
وإن أُريد الثاني كما هو المعروف بين المحقّقين من المتأخّرين فموردها ما إذا كان للحكم موردان : ضرري وغير ضرري ، ويكون مقتضى نفي الضرر الاقتصار على غير مورد الضرر ، وليس في المقام عموم أو إطلاق يقتضي عدم الضمان ، حتّى تكون القاعدة مقتضية للتخصيص بغير المقام لثبوت الضرر فيه ، إلاّ أن يقال : إنّ المجعول بحسب الواقع ونفس الأمر إمّا الحكم بالضمان ، وإمّا الحكم بعدمه لعدم خلوّ الواقع عنهما ، فإن كان المجعول هو الحكم بالضمان فقاعدة نفي الضرر لا تنافيه إلاّ أن يترتّب الضرر على الضمان في بعض الأحيان ، وإن كان المجعول هو الحكم بالعدم فالظاهر أنّ الحكم بالعدم لم يجعل لخصوص المقام ، بل للأعمّ منه وممّا إذا لم يقبض العين حتّى يستوفي المنفعة ، وكذا نظائره ممّا لا سبيل فيه إلى الحكم بالضمان ، وعليه فمقتضى حكومة قاعدة نفي الضرر على دليل الحكم بعدم الضمان الشامل بإطلاقه للمقام وغيره تخصيص ذلك الدليل والحكم بأنّه مقصور على غير المقام ، الذي يترتّب على عدم ثبوت الضمان فيه ضرر جدّاً ، إلاّ أن يقال : بأنّه يحتمل أن يكون هنا دليل مفاده عدم الضمان في خصوص المقام ، وعليه فيصير ذلك الدليل كأدلّة الخمس والزكاة وأشباههما ممّا لا وجه لتقدّم قاعدة نفي الضرر عليه ولكنّه في

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 100 .

(الصفحة343)

[إجارة المشاع]

مسألة  : تجوز إجارة المشاع ، سواء كان للمؤجر الجزء المشاع من عين فآجره ، أو كان مالكاً للكلّ وآجر جزءاً مشاعاً منه كنصفه أو ثلثه ، لكن في الصورة الاُولى لا يجوز للمؤجر تسليم العين للمستأجر إلاّ بإذن شريكه . وكذا يجوز أن يستأجر إثنان مثلا داراً على نحو الاشتراك ويسكناها معاً بالتراضي ، أو يقتسماها بحسب المساكن بالتعديل والقرعة ، كتقسيم الشريكين الدار المشتركة ، أو يقتسما منفعتها بالمهاياة ; بأن يسكنها أحدهما ستّة أشهر مثلا ثمّ الآخر ، كما إذا استأجرا معاً دابّة للركوب على التناوب ، فإنّ تقسيم منفعتها الركوبيّة لا يكون إلاّ بالمهاياة ; بأن يركبها أحدهما يوماً والآخر يوماً مثلاً ، أو يركبها أحدهما فرسخاً والآخر فرسخاً 1 .


كمال البعد . وبالجملة فالظاهر أنّه بناءً على حكومة القاعدة على الأدلّة الأوّلية يكون مقتضاها في المقام ثبوت الضمان على ما عرفت .
هذه هي الاُمور السبعة التي استند إليها للضمان في أصل فرض المسألة ، وقد عرفت تماميّة بعضها ، فلا مناص عن الحكم به فيما هو القدر المتيقّن الذي بنينا على البحث عنه أوّلاً ، ومن التأمّل فيما ذكرنا يظهر حكم سائر الفروض فتأمّل جيّداً .

1 ـ لا إشكال ولا خلاف بين الإماميّة في جواز إجارة المشاع كإجارة المقسوم ، سواء آجره من شريكه أو من الأجنبي ، وبه قال من العامّة مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمّد ، وحكي عن أبي حنيفة وأحمد في أحد قوليهما ـ وهو المشهور عنه ـ أنّه لا يجوز للشريك أن يؤجر حصته إلاّ من شريكه ; نظراً إلى أنّ العقد وقع على ما

(الصفحة344)



لا يمكن استيفاء المنفعة منه ; لأنّ نصف المنفعة مشاعة لا يمكن استيفاؤها(1) .
والدليل على الصحّة التي اختارها علماؤنا أجمع كما صرّح به في التذكرة(2)ـ مضافاً إلى الإجماع ـ العمومات الدالّة عليها ، وخصوص ما ورد منها في باب الإجارة ، والإشاعة والشركة لا تصلحان للمنع ; لأنّ استيفاء المنفعة ممكن مع إذن الشريك ، ومع عدمه يرفع الأمر إلى الحاكم ، كما هو كذلك بالنسبة إلى المؤجر قبل الإجارة ، فما جعله القائل بعدم الجواز دليلاً عليه ، إن اُريد به عدم إمكان استيفاء المنفعة مع فرض الإشاعة حتّى يرجع ذلك إلى المانع العقلي فوضوح خلافه يغني عن البحث معه ، وإن أُريد عدم امكان استيفائها بدون إذن الشريك فهو لا يصلح علّة للمنع ; لأنّ المانع الشرعي القابل للزوال إمّا بالإذن وإمّا بالإفراز ، والقسمة لا تمنع عن صحّة الإجارة .
نعم ، ربما يمكن أن يتوهّم أنّ عدم صحّة إجارة المشاع إنّما هو لأجل أنّ المعتبر في صحّة الإجارة تعلّقها بعين موجودة في الخارج حتّى يكون أثرها تملّك منفعتها أو العمل الصادر منها .
وبعبارة اُخرى : نتيجة الإجارة وإن كانت هي ملكيّة المنفعة أو العمل على عهدة الأجير ، إلاّ أنّ متعلّقها هي العين الموجودة في الخارج ، ولذا يقال : آجره الدار مثلاً ولايقال:آجره منافعها،والكسرالمشاع أي الثلثوالنصفونحوهمالايكون موجوداً في الخارج ; لأنّ المتحقّق فيه إنّما هي العين المتّصفة بالوحدة ، وإلاّ ـ أي وإن كان الكسرالمشاع موجوداً في الخارج ـ يلزم تحقّق الاُمور غير المتناهية فيه ،

(1) بداية المجتهد : 2 / 226 ـ 227 ، المغني لابن قدامة : 6 / 137 ، مجمع الأنهر : 3 / 535 ـ 536 ، المجموع للنووي : 15 / 318 ـ 319 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 332 .
(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 332 .

(الصفحة345)



كما لايخفى.
والجواب عن هذا التوهّم ـ مضافاً إلى أنّ مقتضاه عدم صحّة البيع ، وكذا غيره من العقود الناقلة أيضاً، وإلى أنّ لازمه عدم صحّة إجارة المشاع حتّى من الشريك ـ إنّا وإن حقّقناه في محلّه أنّ الكسر المشاع إنّما هو عبارة عن الأمر الاعتباري ، الذي يعتبره العقلاء بالنسبة إلى العين وليس له ما بحذاء في الخارج ، إلاّ أنّا ذكرنا هناك أنّ اتّصاف العين به إنّما هو في الخارج ، ضرورة أنّ العين متّصفة في الخارج بأنّ لها نصفين . غاية الأمر أنّ وعاء الاعتبار إنّما هو الذهن ، كما هو الشأن في سائر الاُمور الاعتبارية العقلائية ، كالملكية والزوجية ونحوهما ، فإنّ العين متّصفة في الخارج بأنّها مملوكة ، والمرأة متّصفة فيه بأنّها زوجة ، مع أنّها ليس في الخارج إلاّ العين والمرأة، ولايكون شيءزائد على ذاتهمافيه ، فلا منافاة بين أن يكون ظرف الاتّصاف هو الخارج ، ووعاء الاعتبار هو الذهن . هذا ، والذي يسهّل الأمر في المقام شيوع إجارة المشاع بين العقلاء ، الذين هم الأصل في باب المعاملات كما عرفت سابقاً(1) .
نعم ، قد يشكل في بعض صور إجارة المشاع ـ وهو ما إذا آجر أحد الشريكين حصّته من الغير مع عدم إذن الشريك ، وعدم انتقال سهمه من المنافع إليه ـ بأنّ تصرّف المستأجر في العين يحتاج إلى إذن الشريك لا محالة ، والسرّ فيه أنّ تصرّفه فيها مستلزم للتصرّف في ملك الشريك ، ضرورة أنّ كلّ جزء متصوّر فهو مشترك بينهما ، ومن المعلوم أنّ الإذن الحاصل من الشريك لا يرجع إلى التمليك ، بل لا يتجاوز عن حدّ جواز الانتفاع من دون حصول ملك ، وعليه فلا يمكن تسليم

(1) في ص11 .

(الصفحة346)



العين على نحو يكون المقدار الذي يتصرّف فيه المستأجر مملوكاً له من حيث المنفعة ، فلايمكن التسليم على طبق ما وقع عليه التمليك بمقتضى عقد الإجارة .
ومنه يظهر أنّه مع عدم الإذن لا محيص عن الضمان أيضاً ، مضافاً إلى الحرمة ، وإن كان ربما يستفاد من المتن ومثله ممّا اقتصر فيه على مجرّد النهي أوالعصيان لو وقع التسليم بدون إذن الشريك عدم الضمان ، إلاّ أن يقال بعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة ، والغرض بيان عدم التنافي بين النهي أو العصيان الحاصل بالتصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وبين صحّة التسليم وترتّب آثاره عليه ، كما لايخفى على المتأمِّل .
وكيف كان ، فالجواب عن أصل الإشكال منع عدم إمكان التسليم على طبق ما وقع عليه التمليك ، ضرورة أنّ المستأجر لا يستحقّ إلاّ المنفعة على سبيل الإشاعة ، والمؤجر قادر على تسليم العين إليه لاستيفاء ما يستحقّه ، إمّا بإذن الشريك ، وإمّا بدون إذنه . غاية الأمر ثبوت الحرمة والضمان ، ولكنّهما لا يمنعان عن صحّة الإجارة ووقوع التسليم مطابقاً لمقتضاها .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ جواز إجارة المشاع فيما إذا كان المؤجر مالكاً للكلّ ممّا لا ينبغي المناقشة فيه أصلاً ; لعدم الافتقار إلى إذن الغير .
كما أنّه لا إشكال في جواز استئجار اثنين داراً على نحو الإشاعة ، إمّا بأن يستأجراها بإجارة واحدة ، أو يستأجر كلّ واحد منهما نصفها المشاع ثمّ يقتسمان مساكنها بالتراضي ، أو بالقرعة على نحو اقتسام المؤجر مع شريكه ، ولا مجال للإشكال بأنّ القدر المتيقّن من تأثير القسمة إنّما هو لو كانت موجبة لإفراز العين وتقسيمها من حيث الملكيّة ، وأمّا تأثيرها في اقتسام المنفعة فلا دليل عليه ، وجه بطلان الإشكال ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ تقسيم المستأجرين إنّما هو كتقسيم

(الصفحة347)



المؤجر مع شريكه ، إلاّ أن يقال بجريان الإشكال فيه أيضاً ـ أنّ القسمة عقد مستقلّ يشمله عموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(1) ولا تحتاج في كلّ مورد إلى دليل خاصّ .
ويجوز الاقتسام بالمهاياة أيضاً بأن يقتسما المنفعة من حيث الزمان ، كما في استئجار شخصين دابّة للركوب على التناوب على ما أوضحه في المتن .
ثمّ إنّه يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معيّن على وجه الشركة، كحمل شيء معيّن لا يمكن إلاّ بالمتعدّد أو مع إمكان الواحد أيضاً ، وليس هذا من قبيل الشركة في الأبدان ; لأنّ موردها ما إذا اشترك اثنان فيما يحصل من عمل كلّ واحد منهما مع استقلالهما فيه ، كما إذا اشترك كاتبان فيما يحصل من عملهما مع استقلال كلّ منهما بعمله وبالاستئجار عليه .
تتمّة : حكم في العروة بثبوت الخيار في موضعين :
أحدهما : ما لو كان المستأجر جاهلاً بكون مورد الإجارة مشتركاً ، كما إذا آجره داره فتبيّن أنّ نصفها للغير ولم يجز ذلك الغير، فإنّ له خيار الشركة بل وخيار التبعّض.
ثانيهما : ما إذا آجره نصف الدار مشاعاً ، وكان المستأجر معتقداً أنّ تمام الدار له فيكون شريكاً معه في منفعتها، فتبيّن أنّ النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير . قال فيها : ففي ثبوت الخيار له حينئذ وجهان ، لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له(2) .
ويرد عليه ما أورد عليه بعض المحقّقين من المحشين : من عدم الدليل على ثبوت

(1) سوة المائدة 5 : 1 .
(2) العروة الوثقى : 5 / 59 مسألة 17 .

(الصفحة348)



الخيار في الصورة الأخيرة ، وإن كانت الشركة مع الغير منقصة له ; لأنّ مجرّد ذلك ليس من أسباب الخيار ما لم تكن المعاملة مبنية عليه ، ضرورة أنّ الخيار في المقام لابدّ إمّا أن يكون مسبّباً عن تخلّف الشرط أو الوصف والمفروض العدم ، وإمّا أن يكون لأجل التبعّض والشركة والمفروض ثبوتهما من أوّل الأمر ، فلا وجه لثبوت الخيار(1) .

(1) راجع العروة الوثقى : 5 / 59 ، التعليقة 3 .

(الصفحة349)

[لو آجر المستأجر العين المستأجرة بأكثر ممّا استأجر]

مسألة  : لو استأجر عيناً ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر . هذا في غير البيت والدار والدكّان والأجير ، وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلاّ إذا أحدث فيها حدثاً من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك ، ولا يبعد جوازها أيضاً إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة . والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها ، وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة . ولو استأجر داراً مثلاً بعشرة دراهم فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز ، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر . وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة . نعم ، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لا يجوز1 .


1 ـ لا إشكال في جواز أن يؤجر العين بأقلّ ممّا استأجر أو بالمساوي مع عدم اشتراط استيفاء المنفعة عليه بالمباشرة ، إنّما الإشكال والخلاف في جوازه بالأكثر ، وقد اختلفت فيه الآراء وتشتّت فيه الأقوال ، حتّى أنّه وقع من الفقيه الواحد مذهبان في الموضعين ، ووقع الخلل والاختلاف في نقل المذاهب والأقوال كما في المفتاح(1) ، ولكنّ الظاهر ثبوت الشهرة(2) بين القدماء على المنع ، بل قد ادّعى الإجماع السيّدان رحمهما الله في الانتصار(3) والغنية(4) ، وكذا الشيخ في الخلاف(5) ،

(1) مفتاح الكرامة : 7 / 83 .
(2) المقنع : 392 ، النهاية : 445 ، المقنعة : 640 .
(3) الانتصار : 475 .
(4) غنية النزوع : 287 .
(5) الخلاف : 3/ 494 مسألة 11 .

(الصفحة350)



ولكن مع وجود الروايات الكثيرة في المسألة وظهور كونها المستند لهم لا مجال للاتّكال على الإجماع فضلاً عن الشهرة ، فلابدّ من التكلّم أوّلاً فيما هو مقتضى القاعدة ، ثمّ فيما تقتضيه الروايات الواردة في المقام ، وأنّها هل تقتضي الجواز والكراهة ، أو الحرمة الوضعيّة أو التكليفيّة ، أو كلتيهما مطلقاً أو في بعض الموارد ؟ فنقول :
أمّا القاعدة فلا ريب في أنّ مقتضاها الجواز ; لعدم وجود ما يقتضي المنع ، والتعليل باستلزام الزيادة للربا واضح المنع بعد ظهور أنّه يكون هنا معاملتان لا ارتباط لإحداهما بالاُخرى ، وإن كان المستأجر في الإجارة الثانية هو المؤجر في الإجارة الاُولى كما في البيع .
وأمّا الروايات ، فاعلم أنّ العناوين الواردة فيها المحكومة بالجواز أو الكراهة أو الحرمة ستّة أو سبعة ، بناءً على اختلاف معنى الدار والبيت كما هو الظاهر من اللغة . ولابدّ من البحث في كلّ واحد من هذه العناوين مستقلاًّ ، فنقول :
منها : الأرض ، وقد وردت فيها طوائف من الأخبار :
الاُولى : ما يدلّ بظاهرها على جواز إجارة الأرض المستأجرة بأكثر ممّا استؤجرت مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا أحدث فيها شيئاً ، وما إذا لم يحدث ، مثل رواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يتقبّل الأرض من الدهاقين ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا تقبّلها به ويقوم فيها بحظ السلطان ؟ فقال : لابأس به ، إنّ الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت ، إنّ فضل الأجير والبيت حرام . ورواه الصدوق مع زيادة : ولو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولكن لا يؤاجرها باكثر

(الصفحة351)



ممّا استأجرها(1) . وقد احتمل أن تكون هذه الزيادة فتوى الصدوق مذكورة بعد الرواية ، كما هو دأبه في كتاب الفقيه ، وعليه فهي مأخوذة من رواية الحلبي الآتية لعدم الاختلاف بينهما أصلاً ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، يحتمل في الرواية أن يكون المراد من التقبّل فيها هو التقبّل بنحو المزارعة لا الإجارة ، ولا يكون ترك الاستفصال دليلاً على الإطلاق بعد احتمال تعارف استعمال لغة التقبّل في المزارعة ، خصوصاً بعد كون المتعارف ظاهراً في الأراضي التي يتقبّلها الدهاقين من السلاطين هي المعاملة بنحو المزارعة ، وهذا ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون المراد من المؤاجرة الواقعة بأكثر ممّا تقبّل الأرض به هي المزارعة أيضاً ، لاستعمال مثل هذه الكلمة فيها في بعض الروايات الآتية ، خصوصاً مع ملاحظة كونها بصيغة المفاعلة ، كما لا يخفى .
ودعوى أنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية : «إنّ الأرض ليست مثل الأجير . . .» ظاهر في كون المراد نفي المماثلة بين الأرض المستأجرة والأجير والبيت ، لا بينها إذا تقبّلها بنحو المزارعة وبينهما .
مدفوعة بمنع هذا الظهور لو لم نقل بكونه ظاهراً في خلافه ، نظراً إلى ظهور العلّة في عدم كونها تعبّداً محضاً ، ولو كانت المماثلة المنفية هي المماثلة بين الأرض المستأجرة وبينهما لكان اللاّزم أن تكون العلّة كأصل الحكم أمراً تعبّديّاً صرفاً ، وهذا بخلاف ما لو كان المراد من نفي المماثلة هو نفيها بين المزارعة التي موضوعها الأرض وبين إجارة الأجير والبيت . وبه ينقدح الخلل فيما استظهره المحقّق

(1) الكافي : 5 / 271 ح1 ، المقنع : 392 ، الفقيه : 3 / 157 ح688 ، التهذيب: 7 / 203 ح894 ، الاستبصار: 3 / 129 ح464، وسائل الشيعة : 19 / 125 ، كتاب الإجارة ب20 ح2 و3 .

(الصفحة352)



الإصفهاني (قدس سره) من ذيل الرواية ، حيث قال : إنّ ظاهره أنّ الأرض ليست كالبيت في الإجارة بالأكثر، لا أنّ المزارعة ليست كالإجارة ليجوز فيها المزارعة بالأكثر(1) .
ورواية أبي المغرا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يؤاجر الأرض ثمّ يؤاجرها باكثر ممّا استأجرها ، قال : لا بأس ، إنّ هذا ليس كالحانوت ولا الأجير ، إنّ فضل الحانوت والأجير حرام(2) . ويحتمل قويّاً أيضاً أن يكون المراد من المؤاجرة في هذه الرواية هي المزارعة ; نظراً إلى صيغة المفاعلة وإلى التعليل بالتقريب المذكور في الرواية السابقة ، واستعمال الاستئجار لا ينافي ذلك .
ورواية إبراهيم بن ميمون أنّ إبراهيم بن المثنّى سأل أبا عبدالله (عليه السلام) وهو يسمع عن الأرض يستأجرها الرجل ثمّ يؤاجرها بأكثر من ذلك ؟ قال : ليس به بأس ، إنّ الأرض ليست بمنزلة الأجير والبيت ، إنّ فضل البيت حرام ، وفضل الأجير حرام(3) .
الثانية : ما يدلّ بظاهرها على عدم جواز إجارة الأرض المستأجرة بأكثر ممّا استأجرها به مطلقاً ، مثل ما رواه الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد ، عن عبد الكريم ، عن الحلبي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أتقبّل الأرض بالثلث أو الربع فأقبلها بالنصف ، قال : لا بأس به ، قلت : فأتقبّلها بألف درهم وأُقبّلها بألفين ، قال : لا يجوز ، قلت : لِمَ ؟ قال : لأنّ هذا مضمون وذلك غير مضمون(4) .

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 62 .
(2) الكافي : 5 / 272 ح3 ، وسائل الشيعة : 19 / 125 ، كتاب الإجارة ب20 ح4 .
(3) الكافي : 5 / 272 ح5 ، وسائل الشيعة : 19 / 126 ، كتاب الإجارة ب20 ح5 .
(4) الكافي : 5 / 272 ح6 ، وسائل الشيعة : 19 / 126 ، كتاب الإجارة ب21 ح1 .

(الصفحة353)



والظاهر ـ كما حكي عن سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) ـ أنّ أحمد بن محمّد لا يمكن له النقل عن عبد الكريم من دون واسطة ، وأنّه هو عليّ بن الحكم كما في سند الرواية على ما رواه الشيخ (قدس سره)(1).
وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ المراد بالتقبّل بالثلث أو الربع هي المزارعة ، وفي أنّ التقبل بالألف أو بالألفين لا يكون مزارعة اصطلاحاً ، وحينئذ نقول : ظاهر الرواية مع قطع النظر عن العلّة المنصوصة فيها التفصيل في الأرض بين المزارعة والإجارة بجواز الفضل في الاُولى دون الثانية ، وأمّا مع ملاحظة العلّة الظاهرة في أنّ الدرهم والدينار مضمونان ثابتان في الذمة ، ويجب على المتقبّل أداؤهما مطلقاً ، سواء حصل من الأرض فائدة أم لا ، وهذا بخلاف الثلث والربع ونحوهما ، فإنّهما تابعان لحصولها ، إذ بدونها لا يعقل الثلث والربع وأمثالهما ، فلابدّ من النظر في معنى الرواية فنقول :
ظاهر التعليل بعلّة عدم كون تلك العلّة أمراً تعبدياً خارجاً عن المتفاهم العرفي ، خصوصاً مع كونه مسبوقاً بالسؤال ، ومع قناعة السائل بالجواب المشتمل عليه ، وحينئذ يشكل الأمر ، نظراً إلى أنّ المضمونية كيف يمكن أن تقع علّة لمنع الفضل في الإجارة ، فإنّ مجرّد كون الاُجرة فيها ثابتة في الذمة ، مضمونة على المستأجر هل يقتضي المنع عن الفضل في الإجارة الثانية ، وأيّ ارتباط بين المضمونية وبين منع الفضل ؟ وعليه فلابدّ من حمل الرواية على معنى آخر ـ وإن كان مخالفاً للظاهر ، نظراً إلى العلّة الواقعة فيها ـ بأن يقال : إنّ المراد من التقبّل بالألف والتقبيل بالألفين ليس هي الإجارة ، بل المراد منهما هي المزارعة أيضاً ، والحكم بعدم الجواز إنّما هو

(1) أي في الاستبصار : 3 / 130 ح466 .

(الصفحة354)



في كلتا المعاملتين ـ التقبل والتقبيل ـ لا في خصوص المعاملة الثانية .
وحينئذ فمرجع الجواب مع ملاحظة العلّة الواقعة فيه إلى أنّه حيث يعتبر في المزارعة أن يكون سهم صاحب الأرض بنحو الإشاعة فيما يحصل منها ثلثاً ، أو ربعاً أو نحوهما ، فمع جعله في ذمّة المتقبل وكونه مضموناً على عهدته كما في الدرهم والدينار لاتكاد تتحقّق المزارعة ، فالتقبّل بالألف والتقبيل بالألفين كلاهما غير جائز لفقدانهما لما اشترط في المزارعة من عدم كون نصيب صاحب الأرض أمراً مضموناً ثابتاً في الذمّة ، وبذلك ظهر أنّ الرواية أجنبيّة عن باب الإجارة الذي هو محلّ الكلام في المقام .
ورواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضّة فلا تقبلها بأكثر ممّا تقبّلتها به ، وإن تقبّلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر ممّا تقبلتها به ; لأنّ الذهب والفضة مضمونان(1) . وهي وإن كانت ظاهرة في أنّ التقبّل والتقبيل بالذهب والفضّة إنّما يكون بعنوان الإجارة دون المزارعة ، وذلك لظهورها في صحّة التقبل الذي هي المعاملة الأوّليّة ، وصحّته متوقّفة على أن تكون بعنوان الإجارة كما مرّ ، إلاّ أنّ تعليل النهي عن التقبيل بالأكثر بالعلّة المذكورة في الذيل قرينة على عدم كون المراد من المعاملة الثانية هي الإجارة ، بل المراد منها المزارعة ، وعليه فالمقصود أنّه إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضّة بعنوان الإجارة فلا تقبلها بالأكثر بعنوان المزارعة ; لبطلان المزارعة بهذا النحو على ما عرفت من كونها فاقدة للشرط ، فهذه الرواية أيضاً تكون أجنبيّة عن المقام .

(1) الكافي : 5 / 273 ح7 ، التهذيب : 7 / 204 ح898 ، الاستبصار : 3 / 130 ح467 ، وسائل الشيعة : 19/127 ، كتاب الإجارة ب21 ح2 .

(الصفحة355)



ثمّ لا يخفى أنّ الظاهر اتّحاد هذه الرواية مع ما رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق ابن عمّار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا تقبلت أرضاً بذهب أو فضّة فلا تقبلها بأكثر ممّا قبلتها به ; لأنّ الذهب والفضّة مصمتان (مضمنان خ ل) أي لا يزيدان(1) .
الثالثة : ما يدلّ بظاهرها على التفصيل في إجارة الأرض بين ما إذا أحدث شيئاً وما إذا لم يحدث ، مثل رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّـاة أو بطعام مسمّى ، ثمّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك ؟ قال : نعم إذا حفر لهم نهراً ، أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك .
قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّـاة أو بطعام معلوم ، فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريباً جريباً بشيء معلوم ، فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان ولا ينفق شيئاً ، أو يؤاجر تلك الأرض قطعاً على أن يعطيهم البذر والنفقة ، فيكون له في ذلك فضل على إجارته ، وله تربة الأرض أو ليست له ؟ فقال له : إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت . ورواه الصدوق مرسلاً ، واقتصر على المسألة الثانية وزاد : ولا بأس أن يستكري الرجل أرضاً بمائة دينار فيكري بعضها بخمسة وتسعين ديناراً ويعمر بقيّتها(2) .

(1) الفقيه : 3 / 149 ح654 ، وسائل الشيعة : 19 / 128 ، كتاب الإجارة ب21 ح6 .
(2) الكافي : 5 / 272 ح2 ، الفقيه : 3 / 157 ح689 ، المقنع : 391 ، وسائل الشيعة : 19 / 127 ، كتاب الإجارة ب21 ح3و4 .

(الصفحة356)



ولا إشكال في أنّ المراد بالمعاملة الثانية في السؤال الأوّل هي المزارعة وإن عبّر عنها بالإجارة ، وأمّا السؤال الثاني فظاهر في أنّ المعاملتين إنّما هما بعنوان الإجارة دون المزارعة ، وكذلك السؤال الثالث ، واشتراط إعطاء البذر والنفقة لا ينافي الإجارة كما هو غير خفيّ ، وعليه فالجواب ظاهر في التفصيل في إجارة الأرض بين ما إذا أنفق أو رمّم فلا بأس ، وبين غيره ففيه بأس ، كما أنّ زيادة الصدوق واردة في الإجارة ، ونظيرها ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) >قال : وسألته عن رجل استأجر أرضاً أو سفينة بدرهمين فآجر بعضها بدرهم ونصف وسكن هو فيما بقي أيصلح ذلك ؟ قال : لابأس(1) .
هذه هي الروايات المختلفة الواردة في إجارة الأرض بأكثر ممّا استُؤجرت به ، وقد جمع بينها بوجوه :
أحدها : جعل الرواية المفصّلة شاهدة للجمع بين الطائفة الدالّة على الجواز مطلقاً ، والطائفة الدالّة على المنع كذلك ; بحمل الاُولى على ما إذا أحدث وأنفق والثانية على ما إذا لم ينفق .
ويرد عليه : أنّ إجارة البيت والحانوت وأمثالهما مع الإحداث أيضاً جائزة ، فلاوجه حينئذ لنفي المماثلة بين الأرض وبين مثلهما في الروايات المجوِّزة ، إذ مقتضى هذا الوجه من الجمع جواز الإجارة في الجميع مع الإحداث .
ثانيها : حمل الروايات المانعة على الكراهة بقرينة الروايات المجوِّزة الصريحة في نفي الحرمة ، والحكم بالكراهة فيما إذا لم يحدث وبعدم البأس مع الإحداث ، نظراً إلى الرواية الدالّة على التفصيل .

(1) مسائل علي بن جعفر : 124 ح86 ، وسائل الشيعة : 19 / 131 ، كتاب الإجارة ب22 ح8 .

(الصفحة357)



ويرد عليه : أنّ هذا الجمع إنّما يبتني على أن تكون الطوائف الثلاث واردة في الإجارة ، وقد عرفت الإشكال فيه .
ثالثها : حمل الروايات المجوّزة على المزارعة والمانعة على الإجارة .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما أوردناه على الوجه الثاني ـ : إنّه لا شاهد لهذا الجمع بعد ورود كلتا الطائفتين ، كالرواية المفصّلة في الإجارة على ما هو المفروض .
والتحقيق أن يقال : إنّه على فرض ورود الطوائف الثلاث في الإجارة لا محيص عن الجمع بالوجه الثاني ، وعلى تقدير ورود ما عدا الطائفة الثانية المانعة فيها لا تعارض بين الطائفة المجوّزة والرواية المفصّلة ، بالنظر إلى منطوقهما لكونهما موجبتين ، وأمّا بالنظر إلى مفهوم الرواية المفصّلة فالقاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيّد ، والحكم بثبوت البأس فيما إذا لم ينفق ولم يرمّم ، ومن الواضح أنّ الحكم بثبوت البأس لا دلالة له على أزيد من الكراهة .
ومنه يظهر أنّ مقتضى القاعدة الكراهة أيضاً فيما إذا قلنا بورود الطائفتين المطلقتين في المزارعة كما نفينا البعد عنه ، وأمّا إذا قلنا بورود ما عدا الطائفة الاُولى في الإجارة فيقع التعارض بين الطائفة المانعة والرواية المفصّلة ، بالنظر إلى المنطوق لكونها دالّة على عدم الجواز مطلقاً ، وهي تدلّ على نفي البأس مع الإنفاق ومثله، فيقيّد إطلاقها بها ويحكم بالجواز معه ، وأمّا مع عدم الإنفاق فمنطوق المطلقة النهي عنه ومفهوم المفصّلة ثبوت البأس ، ومن الواضح أنّه لا منافاة بينهما إلاّ أن يقال : بأنّ النواهي ليس لها ظهور في الحرمة ، بل غايتها كونها حجّة يجب الخروج عن عهدتها ما لم تقم حجّة على الخلاف ، والمفهوم هنا بما أنّه لا دلالة له على أزيد من الكراهة قابل لأن يكون حجّة على الخلاف ، فلا يبقى حينئذ للحكم بالحرمة مجال ، ولكن هذا الكلام لا يخلو من النظر بل المنع .


(الصفحة358)



وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه بناءً على ما اخترناه من ورود الطائفتين الأوليين في غير الإجارة تكون الرواية المفصّلة الواردة في الإجارة على طبق القاعدة . غاية الأمر أنّ مفهومها يدلّ على الكراهة كما عرفت ، فيصير الحكم الجواز في الأرض المستأجرة مع الإنفاق وشبهه ، والكراهة مع عدمه . نعم ، فيما إذا آجر بعض الأرض المستأجرة بأكثر ممّا يقع بإزائه من الاُجرة في الإجارة الاُولى على فرض التقسيط يكون مقتضى إطلاق زيادة الصدوق ورواية قرب الإسناد الجواز وعدم البأس ، ولو احتمل كون الزيادة من الصدوق يكفي في الحكم بالجواز رواية قرب الإسناد ، خصوصاً مع كونها مطابقة للقاعدة .
نعم ، روى هذه الزيادة مستقلّة الشيخ (قدس سره)في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يستكري الأرض بمائة دينار فيكري نصفها بخمسة وتسعين ديناراً ويعمر هو بقيتها ؟ قال : لا بأس(1) . وعليه فتدلّ الرواية بالصراحة على الجواز في الفرض المزبور لا بالإطلاق كما في الروايتين . هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بالأرض .
وأمّا الدار والبيت:ـ بناءً على اتّحادهما كما هو كذلك عند العرف ، وإن كان مخالفاً لما يظهر من اللغة ـ فقد ورد فيهما أيضاً روايات :
منها : رواية أبي الربيع الشامي المتقدّمة الدالّة على أنّ فضل الأجير والبيت حرام ، وقد عرفت أنّ الصدوق (قدس سره) رواها مع الزيادة ، وقد احتمل في الزيادة أن تكون فتوى الصدوق لا جزءاً من الرواية ، ولكن لا يخفى أنّ الكليني رواها مستقلّة

(1) التهذيب : 7 / 205 ح902 ، الاستبصار : 3 / 131 ، ح469 ، وسائل الشيعة : 19 / 129 ، كتاب الإجارة ب22 ح1 .

(الصفحة359)



بسند ملحق بالصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به إلاّ أن يحدث فيها شيئاً(1) .
ومنها : رواية ابن ميمون المتقدّمة أيضاً الدالّة على أنّ فضل البيت حرام .
ومنها : ما رواه الكليني عن الحلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يستأجر الدار ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به ، قال : لا يصلح ذلك إلاّ أن يحدث فيها شيئاً(2) .
ومنها : رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) ، أنّ أباه كان يقول : لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به إذا أصلح فيها شيئاً(3) .
ومنها : ما رواه في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن ، عن جدّه علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل استأجر بيتاً بعشرة دراهم ، فأتاه الخيّاط أو غير ذلك فقال : أعمل فيه والأجر بيني وبينك وما ربحت فلي ولك ، فربح أكثر من أجر البيت أيحلّ ذلك ؟ قال : نعم، لا بأس(4) .
هذه هي الروايات الواردة في الدار والبيت ، وقد ظهر لك اختلافها من حيث المفاد ; لأنّها بين ما ظاهره كون الفضل حراماً ، وبين ما ظاهره النهي عن المؤاجرة بالأكثر ، وبين ما يدلّ على أنّ المؤاجرة بالأكثر لا يصلح ، ومن الواضح اختلاف هذه التعابير ، فاللاّزم حينئذ الجمع بينها ، فإن قلنا باختلاف معنى الدار والبيت

(1) الكافي : 5 / 272 ح4 ، وسائل الشيعة : 19 / 129 ، كتاب الإجارة ب22 ح3 .
(2) الكافي : 5 / 273 ح8 ، وسائل الشيعة : 19 / 130 ، كتاب الإجارة ب22 ح4 .
(3) التهذيب : 7 / 223 ح979 ، وسائل الشيعة : 19 / 129 ، كتاب الإجارة ب22 ح2 .
(4) قرب الإسناد : 265 ح1054 ، مسائل عليّ بن جعفر: 125 ح 88 ، وسائل الشيعة : 19 / 131 ، كتاب الإجارة ب22 ح7 .

(الصفحة360)



فاللاّزم ملاحظة دليل كلّ واحد منهما مستقلاًّ ، فنقول :
إنّ ما ورد من هذه الروايات في خصوص البيت ممّا يدلّ على أنّ فضله حرام لا يكون له معارض أصلاً ، غاية الأمر أنّه يقع الكلام في معنى حرمة الفضل وأنّ متعلّق الحرمة هل هو الفضل الذي تشتمل عليه المعاملة الثانية دون نفس المعاملة ، أو أنّ متعلّقها هي المعاملة المشتملة على الفضل ؟ ظاهر العبارة هو الأوّل، ولكن لا يبعد دعوى كون المتفاهم منها عند العرف ـ خصوصاً بقرينة المورد ونفي البأس عن إجارة الأرض بأكثر ممّا تقبلها به ـ هو الثاني ، وعليه فالظاهر أنّ المراد بالحرمة هي الحرمة التكليفية لا الوضعية ، وسيأتي البحث عن هذه الجهة في آخر المسألة إن شاء الله تعالى .
ولا يذهب عليك أنّه بناءً على اختلاف الدار والبيت ولحاظ دليل كلّ منهما مستقلاًّ يكون مقتضى إطلاق دليل حرمة فضل البيت عدم الفرق بين ما إذا أحدث فيه شيئاً ، وبين ما إذا لم يحدث لعدم ما يدلّ على الفرق في باب البيت ، وحينئذ يظهر الخلل فيما أوردنا على الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة المتقدّمة ، للجمع بين الروايات المختلفة الواردة في الأرض ; وذلك لابتناء الإيراد على ثبوت الفرق بين الصورتين في البيت والأجير والحانوت أيضاً ، مع أنّه لا دليل على ثبوته في هذه العناوين ، وقيام الدليل على الفرق في الدار لا ينافي عدم ثبوته فيها . فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ ما ورد في البيت لا معارض له أصلاً .
وأمّا ما ورد في الدار فإحدى روايتي الحلبي المتقدّمتين تدلّ على النهي عن الإيجار بالأكثر مع عدم الإحداث ، والاُخرى على عدم صلاحيّته كذلك . ومن المعلوم أنّ قوله (عليه السلام) : «لا يصلح» لا ينافي مع النهي الظاهر في الحرمة ; لأنّ مقتضاه ثبوت المفسدة في ذلك ، من دون دلالة على أنّ المفسدة هل تبلغ حدّ الحرمة
<<التالي الفهرس السابق>>