في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة401)



الفرق على هذا التقدير بين الدابّة المستأجرة والدابّة المستعارة ، فكما أنّه لا يجوز في الثاني أن يركبها غيره بإجارة أو غيرها كذلك لا يجوز في الأوّل ، فإذا لم يكن بينهما فرق من حيث الآثار والأحكام يصير اعتبار ملك المنفعة في الأوّل لغواً ; لأنّه يبقى سؤال الفرق من حيث اعتبار ذلك في الأوّل دون الثاني .
ودعوى أنّه يكفي في اعتبار ملك المنفعة في خصوص الأوّل جواز الإجارة من المؤجر الأوّل فيه دون الثاني ; لأنّه لا تجوز إجارة العين المستعارة مطلقاً ، مدفوعة بأنّه في هذا الفرض لا تجوز الإجارة من المؤجر الأوّل أيضاً ; لأنّ الركوب القائم بنفس المستأجر لا يكاد يمكن أن يصدر إلاّ من شخص المستأجر ، فلا معنى لنقله إلى المؤجر كما هو واضح ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة أيضاً .
وبالجملة : الاُمور الاعتبارية إنّما يكون اعتبارها بلحاظ ما يترتّب عليها من الأحكام والآثار ، ضرورة أنّه لا معنى لاعتبار الملك مثلاً مع عدم ترتّب شيء من آثاره عليه ، كجواز التصرّف فيه ، وجواز النقل إلى الغير ، وغيرهما ممّا يترتّب على الملك ، بل اللاّزم ترتّب الآثار الظاهرة والأحكام المقصودة المنظورة ، فلا يكفي في الاعتبار مجرّد ترتّب بعض الآثار الخفيّة غير المقصودة ; مثل جواز منع الغير من التصرّف في اعتبار الملك ، فإنّ هذا الأثر بمجرّده لا يكفي في هذا الاعتبار كما هو ظاهر ، وحينئذ نقول في المقام : إنّ اعتبار ملك المنفعة في مقابل ملك الانتفاع لابدّ وأن يكون بلحاظ الأثر الظاهر المترتّب على ملك المنفعة دون ملك الانتفاع ، وبدونه لا مجال لاعتباره ، وإذا ضيّق المؤجر دائرة المملوك بالتقييد المتقدّم يوجب ذلك عدم بقاء الفرق بينه وبين ملك الانتفاع حينئذ ، كما عرفت .


(الصفحة402)



وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الحكم في هذا الفرض هو عدم جواز التقييد بمثل ذلك ، فلا تصل النوبة إلى البحث في الإجارة الثانية ; لأنّه إنّما هو بعد الفراغ عن صحّة التقييد المفروضة في كلامهم ، وقد عرفت عدمها .
وممّا ذكرنا ظهر عدم جواز الاشتراط بشيء من الأمرين كما في الفرضين الأخيرين ; لأنّ مرجع اشتراط عدم الإجارة من الغير إلى التفكيك بين ملك المنفعة وآثاره; لعدم كون المراد شرط عدم الإجارة بعنوانها ، بل المراد شرط عدم نقل المنفعة إلى الغير ولو بعنوان آخر ، ومع عدم ترتّب مثل هذا الأثر لا يبقى وجه لاعتبار ملك المنفعة .
نعم ، لو كان الغرض متعلّقاً بعدم نقل المنفعة إلى مستأجر آخر غير المؤجر يصحّ حينئذ اعتبار الملك ; لأنّ نقلها إلى المؤجر جائز حينئذ ، ومنه يظهر الفرق من هذه الجهة بين هذا الفرض وبين الفرض المتقدّم ، لما عرفت من أنّ النقل إلى المؤجر في ذلك الفرض أيضاً غير جائز لعدم قابليّة المورد للنقل ، وهذا بخلاف ما هنا ، فإنّه لا مانع فيه من ذلك . وهكذا الكلام في الفرض الثالث ، فإنّ الجمع بين ملك المستأجر للمنفعة وبين اشتراط استيفائه المنفعة بنفسه لنفسه لا يمكن ; لمنافاة هذا الاشتراط لما يتقوّم به الإجارة من نقل المنفعة واعتبار ملكها الذي يتوقّف على بقاء أثره الظاهر .
والحقّ في المقام أن يقال : إنّ ما ذكرنا من الإشكال في أصل الاشتراط والتقييد إنّما يبتني على أن تكون الإجارة متقوّمة بحصول ملك المنفعة بها وتأثيرها فيه ، كما هو المعروف عندهم ، مع أنّه يمكن منع ذلك كما أشرنا إليه فيما سبق(1) ، لعدم الدليل على لزوم كون الإجارة مؤثّرة في

(1) في ص8 ـ 10 و 55.

(الصفحة403)



تحقّق ملك المنفعة ، بل يمكن أن يقال : إنّ ما ينتقل إلى المستأجر من المؤجر إنّما هو حقّ الانتفاع الثابت للمؤجر باعتبار كونه مالكاً للعين ، وليس هنا ملكيّة بلحاظ المنفعة حتّى بالنسبة إلى المؤجر ، ولعلّ الاعتبار العقلائي كان مساعداً لهذا المعنى ، فإنّ الظاهر عدم كون مالك العين لدى العرف والعقلاء مالكاً لأمرين : العين ، والمنفعة ، وإن لوحظت حيثيّة الأصالة والتبعيّة ، فإنّه مع هذه الملاحظة أيضاً لا يعدّ المملوك أمرين ، بل لا يكون هنا إلاّ العين والإضافة الملكيّة بالنسبة إلى المالك . غاية الأمر أنّ من شؤون ملكيّة العين حقّ الانتفاع بها والاستفادة منها ، وكما أنّ للمالك أن يستوفي الحقّ بنفسه وبالمباشرة كذلك يجوز له النقل إلى الغير بالإجارة ونحوها ، فحينئذ يصحّ أن يقال : بأنّ الإجارة لا تؤثّر في أزيد من انتقال حقّ من طرف إلى آخر .
غاية الأمر أنّه تارةً تؤثّر في انتقال حقّ الاستيفاء من العين ، بمعنى أنّه كما كان للمالك الاستيفاء بالمباشرة كذلك يثبت هذا المعنى للمستأجر ، فلا حقّ له إلاّ الاستيفاء بنفسه ، واُخرى تؤثّر في انتقال حقّ الاستيفاء بالعين الذي هو أعمّ من الاستيفاء بنفسه ومن الإيجار للغير ; والأوّل يعبّر عنه بالاستيفاء من العين والثاني بالاستيفاء بالعين ، ويترتّب على الأوّل عدم جواز الإجارة من الغير ، لعدم قابليّة الحقّ المنتقل إلى المستأجر للنقل إلى الغير . وعلى الثاني الجواز لثبوت القابلية ، والفارق بين الصورتين إنّما هو الاشتراط أو التقييد وعدمهما ، وعلى هذا يحمل ما ورد في صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة ممّا يدلّ على جواز اشتراط المؤجر أن لا يركب الدابّة المستأجرة غير المستأجر ، وإلاّ فبناءً على ما هو المعروف من كون المترتّب على الإجارة ملكيّة المنفعة ربّما يشكل صحّة هذا الاشتراط ; لما عرفت من عدم اجتماع الصحّة مع اعتبار ملك المنفعة .


(الصفحة404)



وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ صحّة أصل الاشتراط بناءً على ما هو المشهور في باب الإجارة ممنوعة . نعم ، يمكن التصحيح بناءً على ما احتملناه من عدم كون الإجارة مؤثّرة إلاّ في انتقال حقّ من المؤجر إلى المستأجر ، وعليه فلا تصل النوبة إلى البحث في صحّة الإجارة الثانية ; لأنّها فيما إذا كانت الإجارة الاُولى مترتّباً عليها حقّ الاستيفاء من العين لا مجال لتوهّم الصحّة فيها ، وفيما إذا كانت مؤثّرة في انتقال حقّ الاستيفاء بالعين لا مجال لتوهّم البطلان فيها ، وأمّا بناءً على ما هو المعروف فقد وقع الإشكال في صحّة الإجارة الثانية مع اشتراط عدمها أو استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه ، بناءً على صحّة الاشتراط والإغماض عمّا فيها ، ومنشأ الإشكال أنّ مثل هذا الاشتراط هل يؤثّر في بطلان التصرّف المخالف ، أو أنّه لا يترتّب عليه إلاّ مجرّد خيار التخلّف عن الشرط على تقديره ، وما قيل في تقريب الأوّل وبطلان الإجارة الثانية اُمور :
أحدها : ما في الجواهر من أنّه لا يجوز حينئذ عملاً بقاعدة «المؤمنون»(1) التي يتعذّر الجمع بينها وبين الإجارة المفروضة ، فيتعيّن بطلانها لسبق الخطاب بالاُولى(2) .
قال المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) في تقريبه : إنّ الأمر بالوفاء بالشرط والأمر بعقد الإجارة الثانية متمانعان لا يمكن فعليّتهما معاً ، لكنّه يقدّم الأوّل على الثاني لتقدّمه عليه وجوداً ; لوجود سببه بلا مانع في حال ترقّب التأثير منه ، بخلاف الثاني لوجود السبب المسبوق بالمانع . وأجاب عنه : بأنّ نفوذ عقد الإجارة تابع لوجود جميع ما يعتبر في العقد ، وفي المتعاقدين وفي

(1) وسائل الشيعة : 21 / 276 ، كتاب النكاح، أبواب المهور ب20 ذ ح 4.
(2) جواهر الكلام : 27 / 260 .

(الصفحة405)



مورد العقد ، واشتراط ترك الإجارة لا يوجب خللاً في شيء منها ، فالإجارة لا تبقي المحلّ للوفاء بالشرط لانقلاب ترك الإجارة إلى نقيضها بخلاف الشرط ، فإنّه لا يوجب الخلل في السبب التامّ لنفوذ الإجارة ، فلا أمر بالوفاء بالشرط مع وجود الإجارة حتّى يمنع عن الأمر بالوفاء بعقد الإجارة(1) .
ثانيها : ما حكي عن بعض الأعلام من أنّ نفوذ كلّ معاملة منوط بملك التصرّف ، ومع وجوب الوفاء بالشرط تحرم الإجارة ، فيكون المستأجر مسلوب القدرة شرعاً ، فلا يملك هذا التصرّف المعاملي(2) .
وأجاب عنه المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) بما حاصله : أنّه إن اُريد من نفي القدرة والسلطنة على التصرّف المعاملي عدم الرخصة تكليفاً فهي ليست من شروط نفوذ المعاملة ، بل كما حقّق في محلّه يكون التحريم دليلاً على نفوذ المعاملة ومؤكّداً له ، وإلاّ لم تكن مقدورة . وإن اُريد من نفي القدرة عدم السلطنة الوضعية فمن المعلوم أنّها تابعة لاستجماع السبب لما له دخل في تأثيره ، والمفروض اشتمال كلّ من العقد والعاقد والمنفعة على الشرائط المعتبرة فيها ، فعدم ملك التصرّف بمعنى عدم الجواز تكليفاً مفروض إلاّ أنّه لا ينافي النفوذ ، وبمعنى عدم الجواز وضعاً غير مفروض ، بل هو أوّل الكلام ، فتدبّر جيّداً(3) .
أقول : ولقد أجاد فيما أفاد إلاّ أنّ تسليمه تعلّق الحرمة الشرعية التكليفيّة بالتصرّف المعاملي محلّ منع ، ضرورة أنّه ليس هنا إلاّ وجوب

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 113 .
(2) حكى عنه المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 113 .
(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 114 .

(الصفحة406)



الوفاء بالشرط على ما يقتضيه قوله (صلى الله عليه وآله) : «المؤمنون عند شروطهم»(1) ، ولم يدلّ دليل على حرمة التصرّف المعاملي الذي هو مناقض للوفاء ، إلاّ أن يقال باقتضاء الأمر بالشيء المنهيّ عن ضدّه ، وقد حقّق في محلّه عدم الاقتضاء بوجه . غاية الأمر أنّ العقل بعدما يرى أنّ التصرّف المعاملي مناف للوفاء بالشرط يحكم بلزوم تركه لأجل تحقّق الواجب الشرعي ، لكنّه ليس إلاّ مجرّد لزوم عقليّ غير مناف لملك التصرّف .
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الملازمة بين وجوب الوفاء بالشرط وبين كون المستأجر مسلوب القدرة شرعاً ممنوعة ، من دون فرق بين أن يكون المراد بعدم القدرة عدم الجواز تكليفاً أو عدم النفوذ وضعاً ، فتدبّر جيّداً .
ثالثها : ما حكي عن الشيخ الأعظم العلاّمة الأنصاري (قدس سره) في شرط عدم الفسخ في خيار المجلس من الاستدلال لعدم تأثير الفسخ المشروط عدمه بعموم «المؤمنون» ، نظراً إلى أنّ مقتضاه وجوب الوفاء بالشرط حتّى بعد قوله : فسخت ، ولازمه في المقام التمسّك بإطلاق وجوب الوفاء بالشرط حتّى بعد إنشاء الإجارة الثانية ، حيث إنّه يكشف عن عدم نفوذ الإجارة ، وإلاّ لم يكن محلّ للوفاء بالشرط(2) .
وأجاب عنه المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) بما حقّق في محلّه من لزوم انحفاظ المطلق في مراتب إطلاقه ، وبعد إنشاء الإجارة الثانية ـ حيث يحتمل تأثيره ـ يشكّ في بقاء المحلّ للوفاء ، فيكون من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، مضافاً إلى أنّ متعلّق الشرط إن كان ترك إنشاء

(1) التهذيب : 7 / 371 ح1503 ، الاستبصار : 3 / 232 ح835 ، عوالي اللآلي : 3 / 217 ح77 ، وسائل الشيعة : 21 / 276 ، كتاب النكاح، أبواب المهور ب20 ح4 ، مستدرك الوسائل : 13 / 301 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب5 ح7 .
(2) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 5 / 56 ـ 57 .

(الصفحة407)



الإجارة فقط ، فبمجرّد إنشائه يسقط الشرط عن اقتضاء الوفاء لعدم المحلّ له قهراً ، فكيف يعقل إطلاقه لما بعد المخالفة القهرية ، وإن كان ترك الإنشاء الناقل فمقتضى لزوم تعلّق الالتزام بالمقدور إمكان تحقّق الإجارة الحقيقية منه ، فكيف يعقل إطلاق الوجوب لما بعد الإنشاء الناقل ، الذي لا يبقى معه محلّ للوفاء ، فتدبّره فإنّه حقيق به(1) .
أقول : ما أفاده من لزوم انحفاظ المطلق في مراتب إطلاقه وإن كان مسلّماً إلاّ أنّه لا يلزم أن يكون الانحفاظ محرزاً بالوجدان ، بل يكفي الاستناد فيه إلى أصل يقتضي ذلك ، وفي المقام يمكن التمسّك في بقاء الانحفاظ إلى أصالة بقاء المحلّ للوفاء ، فإنّه مع الشكّ في تأثير الإجارة الثانية يكون بقاء المحلّ للوفاء مشكوكاً ، فما المانع حينئذ من إجراء الاستصحاب والحكم ببقاء الوجوب لأجل بقاء المحلّ ، وليس من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية بوجه ، كما هو ظاهر .
وأمّا ما أفاده ثانياً من أنّ متعلّق الشرط إن كان الخ ، فيمكن الإيراد عليه بأنّ عدم بقاء المحلّ للوفاء على كلا التقديرين ممنوع ; لأنّه فيما إذا كان متعلّق الشرط مجرّد ترك الإنشاء حقّ لا ريب فيه ، وأمّا إذا كان متعلّقه ترك الإنشاء الناقل فاللاّزم التفصيل بين ما إذا كان المتعلّق عدم حدوث الإنشاء الناقل ، وبين ما إذا كان عدم تحقّق الإنشاء الناقل ولو بقاءً ، بحيث كان الغرض متعلّقاً بإبطال الإجارة على تقدير تحقّقها مع الإمكان ، وعدم كون الغير مالكاً للمنفعة ولو بقاءً ، ففي الأوّل الأمر كما أفاده (قدس سره) ، وأمّا في الثاني فالمحلّ للوفاء على تقدير صحّة الإجارة أيضاً باق ، فيجب عليه بمقتضى دليل وجوب الوفاء بالشرط أن يحصّل مقدّمات الفسخ ولو

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 114 .

(الصفحة408)



بصرف مؤونة ، كما لا يخفى .
نعم ، لا يضرّ ذلك بما هو المهمّ للمجيب من عدم اقتضاء الدليل لإثبات فساد الإجارة ، بل مقتضى لزوم تعلّق الشرط والالتزام بالمقدور إمكان تحقّق الإجارة الصحيحة من المشروط عليه ، فلا معنى لكشف حكمه عن فسادها ، فتدبّر جيّداً .
رابعها : ما ربما يقال من أنّ الإجارة الثانية تصرّف مناف للحقّ الثابت للمؤجر على المستأجر من أجل الاشتراط والتصرّف المنافي للحقّ باطل ، وقد حقّق هذا الوجه المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) بكلام طويل يشتمل على فوائد مهمّة ، ولكن ملخّص ما يرتبط منه بخصوص المقام أنّ البحث في هذا الدليل يتوقّف على بيان أمرين هما صغرى الدليل وكبراه . أمّا الصغرى فطريق استكشاف الحقّ إمّا اقتضاء نفس الاشتراط وإمّا اقتضاء دليل الشرط ، وإمّا اقتضاء آثار الشرط .
أمّا اقتضاء نفس الشرط ، فبأن يقال : إنّ الالتزام الشرطي بالخياطة لا فرق بينه وبين الالتزام الإجاري بها ، فكما أنّ الثاني يؤثّر في الاختصاص الملكي فكذا الأوّل ، ويندفع بالفرق ; لأنّ حقيقة الإجارة تمليك العمل بعوض ، وهنا لا يكون المشروط حصول الملكيّة ; لأنّ الكلام في شرط العمل ، واللاّم لام الصلة للالتزام لا لام الاختصاص .
وأمّا اقتضاء دليل الشرط فواضح خلافه ; وأنّه لا يقتضي حدوث حقّ اعتباري بالشرط .
وأمّا اقتضاء آثار الشرط فالمسلّم في المقام من آثار الحقّ التي هي جواز النقل والانتقال بالإرث وجواز الاسقاط ترتّب الأخير على الشرط ، وكفى به دليلاً وشاهداً على كونه حقّاً ، فقد تبيّن من ذلك صحّة الصغرى .
وأمّا الكبرى ، فقد ذكر فيها أنّ الحقّ كليّة تارةً يتعلّق بالعين كحقّ

(الصفحة409)



الشفعة ونحوه ، واُخرى يتعلّق بفعل أو ترك كما في المقام ، ثمّ ذكر أنّ الأوّل على قسمين : أحدهما : ما يسري مع العين بسريانها في أنحاء التقلّبات كحقّ الشفعة ، والثاني : ما لا يسري بذلك كحقّ الرهانة . وذكر أنّ الثاني أيضاً على قسمين : أحدهما : ما يكون نسبة التصرّف المعاملي إلى مورد الحقّ نسبة الشيء إلى نقيضه كما في المقام . وثانيهما : ما يكون نسبته إليه نسبة الضدّ إلى ضدّه ، كالبيع بالنسبة إلى العتق المشروط على المشتري .
ثمّ أفاد في القسم الأوّل من هذين القسمين الذي هو المقام وشبهه ما ملخّصه : أنّ الحقّ فيه لا يعقل أن يكون مانعاً عن نفوذ التصرّف المعاملي ; لأنّ متعلّق الشرط إن كان ترك إنشاء الإجارة فقط فلامحالة تتحقّق المخالفة للشرط بمجرّد الإنشاء فيسقط الحقّ ، فلا مانع من تأثير الإنشاء . وإن كان ترك الإنشاء الناقل فمن المسلّم في محلّه أنّ القدرة على متعلّق الشرط شرط في صحّته، فلابدّ من أن يكون ترك الإجارة بالحمل الشائع مقدوراً عليه، وإذا كان الترك كذلك كان الفعل مقدوراً عليه لاستواء نسبة القدرة إليهما ، بل حقّقنا في محلّه أنّ الفعل مقدور عليه بالأصالة والترك بالتبع ، وعليه فيستحيل أن يكون استحقاق الترك مانعاً عن نفوذ الإجارة ، وإلاّ لزم من وجوده عدمه وهو محال فافهم واستقم(1)، انتهى ملخّص ما يرتبط من كلامه بخصوص المقام.
أقول : لقد أجاد فيما أفاد ، ولا وجه لما قد أورد عليه من أنّ مرجع اشتراط عدم الإجارة من الغير إلى حدوث ملك المنفعة خالياً عن وصف الإطلاق بل مقيّداً ، فلا معنى لحدوث حقّ للمؤجر على المستأجر مع كون

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 115 ـ 117 .

(الصفحة410)



ملكيّة المنفعة مطلقة .
وبعبارة اُخرى ، إن كان الاشتراط راجعاً إلى أمر زائد على ما هو مقتضى الإجارة عند الإطلاق وهي الملكيّة المطلقة ـ غاية الأمر كون ذلك الأمر مانعاً عن جواز ترتيب آثار الملكيّة المطلقة ـ لكان ادّعاء تأثيره في ثبوت الحقّ حقّاً لا محيص عنه . وإن كان الاشتراط موجباً للقصور في المقتضي ومانعاً عن تأثيره في حدوث الملكيّة المطلقة لما كان وجه لدعوى ثبوت الحقّ ، ثمّ النزاع في أنّ التصرّف المنافي له باطل أم لا ، ضرورة أنّ المملوك للمستأجر حينئذ هي المنفعة المقيّدة التي لا يعقل نقلها إلى الغير ، والظاهر هو هذا الوجه الثاني .
هذا ، وفساد هذا الإيراد واضح لا يحتاج إلى البيان ; لأنّه ناشئ من عدم الفرق بين الاشتراط والتقييد ، ضرورة أنّ الاشتراط لا يكاد يؤثّر في قصور المقتضي ; لأنّه إلتزام في ضمن إلتزام آخر ، من دون أن يكون موجباً بتضييق دائرة ذلك الالتزام أو توسيعها ، كما أنّ الاعتبار العرفي العقلائي أيضاً يساعد على ذلك ، فإنّه أيّ فرق في حصول الملكيّة المطلقة للمستأجر بين صورتي الشرط وعدمه ، وهذا بخلاف ما إذا كان هنا تقييد مثل ما إذا ملّكه ركوب الدابّة بنفسه ، فإنّه في هذه الصورة لا معنى لدعوى ثبوت الحقّ أصلاً ، كما أنّه لا إشكال في بطلان الإجارة الثانية . نعم ، في صحّة أصل هذا التقييد كلام عرفته فيما سبق(1) .
هذا ، ويمكن أن يقال بالفرق بين ما إذا كان الشرط أمراً وجوديّاً تعلّق الغرض بتحقّقه في الخارج ، وبين ما إذا كان أمراً عدميّاً يكون المقصود المنع عن إيجاده بسبب الاشتراط ، ففي الأوّل لا مناص عن الالتزام بتحقّق

(1) في ص399 وما بعدها.

(الصفحة411)



الحقّ للمشروط له على المشروط عليه ، وأمّا الثاني فيمكن أن يقال : بأنّ مرجعه إلى سلب الحقّ الثابت للمشروط عليه لولا الاشتراط ، فاشتراط عدم الإجارة من الغير مرجعه إلى سلب هذا الحقّ من المستأجر ، لا إلى إثبات حقّ للمؤجر على المستأجر والدليل على ذلك الاعتبار العرفي ، فإنّ من آجر داره مشترطاً على المستأجر أن لا يؤجرها من الآخر لا يكون عند العرف ثابتاً له حقّ ، كمن آجر داره مشترطاً على المستأجر الخياطة ، بل بينهما فرق من جهة ثبوت الحقّ للمؤجر في الثاني وسلب حقّ عن المستأجر في الأوّل ، ومع كون الحقّ مسلوباً لا مجال للنزاع في بطلان الإجارة الثانية ; لأنّه على هذا التقدير مسلّم لا ارتياب فيه .
نعم ، اللاّزم ممّا ذكر أن يكون أثر الحقّ وهو جواز الإسقاط مختصّاً بالصورة الاُولى ، وأمّا الصورة الثانية فلا دليل على كون الإسقاط مؤثّراً في حدوث الحقّ المسلوب عن المستأجر ، فإنّه إذا ارتفع الحقّ بسبب الاشتراط في العقد لا دليل على عوده بالإسقاط ، بل لا معنى للإسقاط أصلاً ; لأنّه لم يكن هنا حقّ للمؤجر حتّى يسقط بالإسقاط ، مع أنّ الظاهر عدم الفرق عندهم في جواز الإسقاط بين الصورتين ، فهذا يكشف عن كون الشرط موجباً لثبوت الحقّ فيهما ، فتدبّر جيّداً .
وخامسها : بعض الروايات التي استدلّ بها على البطلان أو يمكن الاستئناس بها عليه ، مثل صحيحة عليّ بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(1) ، الواردة في الدابّة المستأجرة التي أعطاها المستأجر إلى الغير فنفقت ، الدالّة على أنّه إن اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسمّ فليس عليه

(1) في ص 397 .

(الصفحة412)



شيء . وقد استدلّ بها في مفتاح الكرامة(1) على بطلان الإجارة الثانية ، ولكن المحقّق الرشتي (رحمه الله) بعد نقل هذا من المفتاح ذكر أنّ هذا غريب بعدما عرفت هناك من عدم المنافاة بين صحّة الإجارة الثانية وضمان المستأجر الأوّل العين إذا سلّمها إلى الثاني من غير إذن(2) .
والحقّ أن يقال : إنّك عرفت سابقاً عند الكلام في مفاد الرواية أنّ موردها صورة تحقّق التسليم من المستأجر بسبب الإعطاء ، فهو أي التسليم مفروض في كلتا الشرطيّتين الواردتين في الجواب ، وعليه فالوجه في الحكم بالضمان في الشرطيّة الاُولى ليس التسليم المتحقّق بغير إذن المالك ; لأنّه مفروض في كلتيهما ، فلابدّ أن يكون الضمان مسبّباً عن أمر آخر ، وليس ذلك إلاّ اشتراط عدم ركوب الدابّة غيره ، وحينئذ نقول : إنّ مرجع هذا الاشتراط إن كان إلى سلب حقّ من المستأجر ـ وهو حقّ الدفع والإعطاء من الغير إجارة كان أو غيرها ، فالحكم بالضمان ينشأ عن فساد تصرّف المستأجر المساوق لصيرورته متعدّياً ، وذلك لعدم ثبوت حقّ هذا النحو من التصرّف له ـ فلا وجه لوقوعه متّصفاً بالصحّة . وإن كان إلى إثبات حقّ للمؤجر على المستأجر فاللاّزم أن يكون الحكم بالضمان في الرواية تعبّداً محضاً; لما عرفت من أنّ التصرّف المنافي لحقّ المؤجر لم يقم دليل على بطلانه ، بل لا يعقل ذلك كما عرفت في كلام المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) ، والظاهر من الرواية أنّ ثبوت الضمان في صورة الاشتراط ليس أمراً مخالفاً للقاعدة ثابتاً تعبّداً ، بل أمر موافق للقاعدة ، فالإنصاف أنّ الاستدلال بالرواية لفساد التصرّف الصادر من المستأجر

(1) مفتاح الكرامة: 7 / 84.
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 128 .

(الصفحة413)



المشروط عدمه صحيح لا مرية فيه ، فتدبّر جيّداً .
وممّا يستأنس به على البطلان رواية سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل كان له أب مملوك وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها ؟ فقال لها ابن العبد : هل لك أن اُعينك في مكاتبتك حتّى تؤدّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك ؟ قالت : نعم ، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك ، قال : لا يكون لها الخيار ، المسلمون عند شروطهم(1) . فإنّ تمسّكه (عليه السلام) لعدم ثبوت الخيار بدليل الشرط دليل على نهوضه بالوضع ثبوتاً وسلباً .
وأجاب عن هذا الاستئناس المحقّق الرشتي (رحمه الله) بأمرين :
أحدهما : كون ظاهر الرواية مخالفاً لطريقة الأصحاب لاقتضائه وجوب الوفاء بالشرط الابتدائي غير المذكور في العقد اللاّزم ، والحمل على الشرط المذكور فيه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب .
ثانيهما : أنّ شرط عدم الخيار في مورد الرواية مخالف للكتاب والسنّة فكيف يكون صحيحاً ، فلابدّ من التأويل إلى ضرب من الاستحباب(2) .
أقول : يمكن أن يقال بالفرق بين المقام الذي هو شرط الفعل وبين مورد الرواية الذي هو شرط النتيجة ; لأنّ وجوب الوفاء المتعلّق بالشرط لا يكاد يتصوّر له معنى في الثاني إلاّ تحقّق تلك النتيجة ، سواء كانت أمراً وجوديّاً أو عدميّاً ، فوجوب الوفاء فيه ملازم لتحقّق الوضع . وهذا بخلاف

(1) الكافي : 6 / 188 ح13 ، وسائل الشيعة : 23 / 155 ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد، أبواب المكاتبة  ب11 ح1 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 128 .

(الصفحة414)



شرط الفعل الأعمّ من الإيجاد أو الترك المقابل للنتيجة ، فإنّ وجوب الوفاء به المستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله) : «المؤمنون عند شروطهم»(1) لا يلازم الوضع ، بل غايته مجرّد التكليف ولزوم الإطاعة له بحكم العقل ، فالرواية حينئذ أجنبية عن المقام ، إلاّ أن يرجع شرط عدم الإجارة إلى عدم ثبوت حقّها ، ومعه لا حاجة في إثبات فساد التصرّف المنافي للشرط إلى مثل هذه الرواية، كما هو غير خفيّ .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الوجوه الخمسة التي استدلّ بها لبطلان الإجارة الثانية لا يكاد ينهض شيء منها ما عدا الأخير لإثبات ذلك ، وأمّا الوجه الأخير فقد عرفت(2) أنّ مقتضى التأمّل في صحيحة عليّ بن جعفر (عليه السلام) أنّ منشأ الحكم بالضمان إنّما هو فساد التصرّف المخالف الموجب لصيرورة المتصرّف متعدّياً ، وعليه فلا محيص عن الحكم بفساد الإجارة الثانية في المقام  .
بقي في المقام أمران :
الأوّل : ربّما يقال بالفرق بين شرط عدم الإجارة من الغير وبين شرط الاستيفاء بنفسه من حيث الدليل على بطلان الإجارة الثانية ، نظراً إلى أنّه يمكن الاستناد في البطلان في الصورة الثانية إلى وجه آخر غير ما مرّ من الوجوه الخمسة ، وقد تعرّض لهذا القول المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) ، حيث قال ما ملخّصه : إنّ شرط الاستيفاء بنفسه إن رجع إلى شرط ترك تسليم المنفعة إلى الغير ، أو ترك إسكان الغير كما في الرواية المتقدّمة(3) ، حيث قال (عليه السلام) : «إن كان شرط أن لا يركبها غيره»، فإنّ المرادمنه شرط ترك

(1) تقدّم في ص406.
(2، 3) في ص397.

(الصفحة415)



ما هو فعل نفسه وهو إركاب الغير ، فربّما يتخيّل بطلان الإجارة من وجه آخر .
أمّا شرط ترك التسليم فوجه البطلان فيه عدم القدرة على التسليم المعتبرة في كلّ معاوضة ، والمفروض حرمة التسليم للالتزام بتركه الواجب عليه ، والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، وأمّا شرط ترك الإسكان فالوجه فيه تخيّل صيرورة المنفعة محرّمة بذلك ، وإباحة المنفعة من شرائط صحّة الإجارة .
وقال في تقريب صيرورة المنفعة محرّمة ـ مع أنّ المنفعة إمّا عبارة عن سكنى الغير الدار وهو لم يقع مورد الالتزام بتركه ، بل المحرّم هو الإسكان وهو ليس من المنافع ، وإمّا عبارة عن شؤون الدار وحيثيّاتها ; وهي المسكنيّة والمسكونية المضايفة للساكنية ، وهي إن لوحظت في طرف الدار عدّ من منافعها ، وإن لوحظت في طرف الساكن عدّ من أعراضه القائمة به ، فلا وجه لدعوى التحريم ـ ما ملخّصه : أنّه على التقدير الأوّل لابدّ من الإدراج تحت عنوان الإعانة على الإثم ; لأنّ عنوان الإسكان من المؤجر لا يتحقّق إلاّ بسكنى الغير ، وعلى التقدير الثاني إنّ تلك الحيثية الموجودة في الدار وإن كان اتّصافها بالإباحة والتحريم لا من حيث نفسها ، بل باعتبار الإخراج من القوّة إلى الفعل ـ وهو الذي يعبّر عنه بالاستيفاء ، ويتحقّق بالدخول في الدار والكون فيها ، والمفروض عدم التزام الساكن المستوفي بشيء ـ إلاّ أنّ تلك الحيثية بلحاظ مرتبة الفعلية لها قيامان : قيام بالدار قيام حلول ، وقيام بالموجد بقيام صدوري ، ولا فرق في اتّصاف تلك الحيثية بالحرمة بين أن يكون بلحاظ قيامها بالساكن ، وبين أن يكون بلحاظ قيامها بقيام صدوري بالمتّصف بالإسكان لأجل توسّط إرادته وكونه مختاراً .


(الصفحة416)



ثمّ إنّه (قدس سره) دفع إشكال عدم القدرة على التسليم ; بأنّ المدار في اعتبار القدرة على رفع الغرر ، ومع الوثوق بحصول الحال في يده لا غرر ، سواء كان المؤجر قادراً على التسليم واقعاً أم لا ، فضلاً عمّا إذا لم يكن قادراً شرعاً ، والمفروض هنا إمكان حصول المنفعة في يد المستأجر ، فلا غرر ولا خطر ، مع أنّ القدرة اللاّزمة هنا هي قدرة المستأجر على التسلّم لا قدرة المؤجر على التسليم ، وعلى فرض تعميم القدرة إلى الواقعية والشرعية فلا حرمة بالإضافة إلى المستأجر ، فإنّ الملتزم بترك التسليم هو المؤجر دون المستأجر ، وحرمة أحد المتضايفين لا تستلزم حرمة المضائف الآخر ; لأنّها ليست من لوازم التضايف .
ودفع إشكال حرمة المنفعة ; بأنّ الوجه في شرطية إباحة المنفعة أنّ المنفعة المحرّمة لا مالية لها ولا هي مملوكة لمالك العين ، ومقتضى هذا الوجه عدم شرطية الإباحة هنا ، إذ المفروض كون المنفعة مملوكة ، وإنّما التزم بترك التصرّف فيها بإسكان الغير(1) .
أقول : فيما أفاده (قدس سره) مواقع للنظر ، ولا بأس بذكر بعضها :
منها : أنّ إرجاع الشرط في الرواية إلى شرط ترك إركاب الغير غير واضح ، للفرق بين ما إذا كان الملتزم بتركه إركاب الغير ، وبين ما إذا كان المشروط عدم ركوب الغير ، فإنّه وإن كان اللاّزم في الالتزام بترك شيء أن يعدّ الشيء فعلاً من أفعاله ومنسوباً إلى الملتزم ، إلاّ أنّه مع ذلك لا مجال لإنكار الفرق بين ما إذا كان الالتزام متعلّقاً بترك الإركاب ، وبين ما إذا تعلّق بترك ركوب الغير ، فإنّ مقتضى الأوّل أن يكون الملتزم هو المقتضي لحدوث الركوب ، ومرجع الثاني إلى لزوم الممانعة، وإن كان

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 119 ـ 121 .

(الصفحة417)



المقتضي هو الغير الراكب . نعم ، لو قرأت صيغة المضارع في الرواية مبنيّة للمفعول لتمّ ما ذكر ، إلاّ أنّ الظاهر كونه مخالفاً للظاهر فتأمّل .
ومنها : أنّ تسليم حرمة التسليم كما في الأوّل وحرمة المنفعة كما في الثاني ممنوع ، وإن كان الدليل لا يبتني على ثبوت الحرمة بعنوانها في الأوّل ، وذلك أي وجه عدم الابتناء أنّ قوام الدليل الأوّل إنّما هو بسلب القدرة على التسليم ، نظراً إلى أنّ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، ولا فرق في تحقّق هذا الأمر بين أن يكون في البين تكليف تحريمي موجب لسلب القدرة ، وبين أن يكون سلب القدرة مسبّباً عن تكليف وجوبي ، كما هو غير خفيّ .
ومن هنا يظهر أنّ قوام الدليل الثاني إنّما هو بذلك ; لأنّه على تقدير عدم كون المنفعة محرّمة لا يبقى موقع لهذا الدليل .
وكيف كان ، فالوجه في منع دعوى التحريم أنّه ليس هنا إلاّ الالتزام الشرطي والدليل على وجوب الوفاء بمقتضى هذا الالتزام ، وإذا كان ترك الشيء واجباً لا يستلزم ذلك حرمة فعله بوجه كما حقّق في محلّه ، وأشرنا إليه في هذا الكتاب مراراً ، فتسليم الحرمة كما هو ظاهر هذا المحقّق (رحمه الله) لا وجه له .
ومنها : أنّ مقتضى ما أفاده سابقاً(1) في شرط عدم الإجارة من الغير ـ من أنّ لزوم تعلّق الالتزام الشرطي بالأمر المقدور فعلاً وتركاً يقضي بكون الإجارة من الغير مقدورة للملتزم بتركها ـ أن يكون التسليم الذي التزم بتركه هنا مقدوراً له ، ومع اتّصافه بذلك لا مجال لأن يكون الاشتراط مانعاً عن اتّصافه به ، وإلاّ يلزم من وجوده العدم وهو محال ،

(1) في ص409.

(الصفحة418)



فلا وجه لأن يكون الالتزام بترك التسليم موجباً لسلب القدرة عليه مع كونها القوام في صحّة أصل الالتزام ، إلاّ أن يقال : بأنّ التسليم الذي التزم بتركه هو التسليم الخارجي ، وهو قادر عليه فعلاً وتركاً ، والقدرة المسلوبة بسبب الاشتراط هي القدرة الشرعية الناشئة من دليل وجوب الوفاء والالتزام ، فلا منافاة بين صحّة الالتزام ومسلوبيّة القدرة .
ومنها : ما أفاده من أنّ الملتزم بترك التسليم هو المستأجر الأوّل ، وحرمة التسليم بالإضافة إليه لا تستلزم الحرمة بالإضافة إلى المستأجر الثاني ، مخدوش بما أفاده في تقريب صيرورة المنفعة محرّمة من طريق الإعانة على الإثم ، فإنّه إذا كانت حرمة السكنى موجبة لحرمة الإسكان لأجل تحقّق الإعانة ، فحرمة التسليم أيضاً تقتضي حرمة التسلّم من أجل هذه الجهة لعدم الفرق ، كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ الجواب عن أصل التخيّل والإشكال أمّا في شرط ترك التسليم فهو أنّه يبتني على دعوى كون الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، مع أنّه دعوى بلا بيّنة وبرهان ، ولم يقم عليه دليل من عقل أو نقل ، وأمّا في شرط ترك الإسكان فما عرفت من ابتنائه على صيرورة المنفعة محرّمة ، وليس في البين تكليف تحريمي أصلاً .
الأمر الثاني : قد وقع الإشكال في الصورة الاُولى من الصور الثلاث المتقدّمة ، وهي ما إذا ضيّق المؤجر دائرة التمليك بسبب التقييد ، كما إذا ملّكه ركوب نفسه بناءً على صحّة هذا النحو من التقييد ، كما عرفت(1)الكلام فيها في أنّه إذا آجر من غيره مثلاً واستوفى المستأجر الثاني المنفعة ، هل يكون الثاني ضامناً أم لا ؟ ومنشأ الإشكال أنّ المنفعة التي

(1) في ص399 ـ 400.

(الصفحة419)



استوفاها المستأجر الثاني لا تكون مملوكة لا للمؤجر ولا للمستأجر الأوّل ، أمّا الثاني فواضح ; لأنّ ما ملكه المستأجر الأوّل إنّما هو ركوبه نفسه ، فركوب الغير لا يكون مملوكاً له بوجه ، وأمّا الأوّل فلأنّ المنافع متضادّة ، فلا يعقل أن تكون مملوكة للمؤجر بتمامها ، ولذا ذكروا في باب الغصب أنّه لو غصب عبداً له صنائع متعدّدة لم يضمن الغاصب للمالك من المنافع الفائتة تحت يده ، سوى إحدى تلك الصنائع إذا كانت متساوية ، أو أغلاها إذا كان بعضها كذلك ، ومع عدم كون المنفعة المستوفاة مملوكة لأحد لا وجه للحكم بضمان المستأجر الثاني . نعم ، ربّما يحكم بضمانه من أجل تفويته للمنفعة التي ملكها المستأجر الأوّل ، ولكن الكلام في الضمان المسبّب عن الاستيفاء لا عن التفويت ، لعدم الفرق في الثاني بين الاستيفاء وعدمه ، كما لايخفى .
أقول : هذه شبهة عقليّة عويصة لابدّ من التخلّص عنها ، وقد دفعها المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بما حاصله يرجع إلى عدم تحقّق التضادّ بين المنافع ، وكون المالك للعين مالكاً لجميعها ـ نظراً إلى أنّ المنافع حيثيّات موجودة بوجود العين بالقوّة والتضادّـ إنّما هو في مرتبة فعليّة ما بالقوّة ، وأمّا في مرتبة الموجوديّة بالقوّة فلا ; لأنّ التضادّ والتماثل من عوارض الموجودات الحقيقية الخارجية لا الموجودات بوجود العين ، والتعيّنات خارجة عن مقام ذات المنفعة الموجودة بالقوّة ; لأنّ التعيّن الخارجي بعين الفعلية والتعيّن الاعتباري فرع اعتبار المعتبر ، واللامتعيّن من حيث كونه موجوداً بالقوّة لا يخرج عن اللاّمتعيّنية إلاّ بالتعيّن الفعلي الخارجي لا الاعتباري . غاية الأمر أنّه بفرض إضافته إلى زيد يخرج عن اللاّمتعيّنية بهذا المقدار وتبقى سائر الجهات على حالها .
وعليه فانتقال جهة خاصّة إلى المستأجر موجب لبقاء سائر الجهات

(الصفحة420)



على ملك مالكها وسقوطها عنه ، إمّا بسبب النقل وهو خلف ، وإمّا بلحاظ التضادّ وقد عرفت عدمه ، وإمّا بلحاظ التعيّن فهو ليس من قبيل الكلّي حتّى إذا تعيّن في فرد لم يبق على كلّيته ، وإمّا بلحاظ وحدته فهو ليس واحداً فعليّاً ، بل له شيوع وسعة ، وإمّا بلحاظ كون الملكيّة بمعنى السلطنة ولا سلطنة للمالك على تمليك المنفعتين معاً ، فهو ممنوع لعدم كون الملكيّة بمعنى السلطنة . غاية الأمر عدم القدرة على التسليم ، كما أنّ المستأجر مالك لركوب نفسه ، ولا يمكنه تمليكه لعدم إمكان حصوله للغير(1) ، انتهى ملخّصاً . [انتهى كلامه دام ظلّه من كتاب الإجارة الثاني].

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 124 ـ 125 .
<<التالي الفهرس السابق>>