في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة561)



المستأجر أن يكون مؤتمناً لدى المؤجر ، وإلاّ لا يقدم على إجارة العين منه المستلزمة لتسلّطه عليها ، ولم يثبت إطلاق في الروايات ; لأنّه لم يحرز كونها بصدد البيان من هذه الجهة ، وأنّ المستأجر بما هو مستأجر لا يكون ضامناً ، فتأمّل .
المسألة الثانية : ضمان العين المستأجرة بعد مدّة الإجارة وعدمه ، والكلام فيها تارةً من حيث الأقوال ، واُخرى من جهة مقتضى القاعدة في مورد الشكّ ، وثالثة من جهة ما تقتضيه القواعد والنصوص في فروع المسألة التي هي كثيرة كما تجيء .
أمّا من الجهة الاُولى : فقد حكى في الجواهر(1) عن الإسكافي(2) والطوسي(3)أنّهما أطلقا الضمان بعد المدّة ، ولكن في المفتاح : أنّ في المبسوط والتنقيح(4) الحكم بالضمان نظراً إلى وجوب الردّ بعد انقضاء المدّة ، وأنّ الضمان لازم لأبي علي حيث أوجب عليه الردّ ، ولازم للقاضي حيث خيّر المؤجر بعد المدّة بين أخذ قيمة ما نقصت ، وبين أخذ اُجرة المثل فيما زاد(5) . وقال في ذيل كلامه : ومن لحظ كلام التنقيح في النقض والإبرام في المقام عرف أنّه غير منقّح بل ولا صحيح ، وقد تسامح جماعة(6) في جعلهم صريح الشيخ صريح أبي علي لكنّه سهل(7) .
وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ الشهرة(8) إنّما هي على عدم الضمان وعدم الفرق في

(1) جواهر الكلام : 27 / 216 .
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 6 / 128 مسألة 29 .
(3) المبسوط: 3 /249.
(4) التنقيح الرائع : 2 / 259.
(5) المهذّب : 1 / 483 .
(6) مسالك الأفهام : 5 / 176 ، رياض المسائل : 6 / 19 ، الحدائق الناضرة : 21 / 543 .
(7) مفتاح الكرامة : 7 / 251 ـ 252 .
(8) رياض المسائل : 6 / 19 ، الحدائق الناضرة : 21 / 543 ، بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 32 .

(الصفحة562)



التلف بين المدّة وبعدها .
وأمّا من الجهة الثانية : فنقول : بعد الفراغ عن كون مقتضى القاعدة الأوّلية المستفادة من عموم : «على اليد»(1) هو الضمان في موارد ثبوت اليد والاستيلاء على مال الغير ، وعدم المناقشة في سند رواية : «على اليد» ولا في دلالتها من جهة قصوره عن الشمول لليد الأمانية ، كما قاله بعض على ما حكي(2) ، أو من جهة ظهوره في اليد الحادثة الابتدائية ، وعدم شموله لمثل المقام ممّا كان حدوث اليد غير مستلزم للضمان ، وكان الشكّ في بقائها أنّه تارة يقال : بأنّ الخارج من عموم «على اليد» هي القضية الكليّة المشتملة على عدم ثبوت الضمان على المستأجر بما هو مستأجر ، واُخرى بأنّ ما خرج عن ذلك العموم إنّما هو عدم ثبوت الضمان على المؤتمن بما هو مؤتمن .
فعلى الأوّل ينحصر الاستصحاب الجاري في المقام بالاستصحاب الحكمي ; وهو استصحاب عدم الضمان أو عدم وجوب ردّ المثل أو القيمة بعد التلف ، وعلى فرضه لا مجال للاستصحاب الموضوعي بعد العلم بزوال عنوان المستأجر بانقضاء مدّة الإجارة .
لا يقال : إنّه لا مجال هنا للاستصحاب الحكمي أيضاً نظراً إلى أنّ الحكم المستصحب إنّما رتّب على عنوان المستأجر ، والمفروض زواله بانقضاء المدّة فكيف يمكن عروض الشكّ في بقاء الحكم مع القطع بزوال موضوعه .
لأنّا نقول : الشكّ في الحكم مع القطع بزوال الموضوع إنّما هو لأجل تردّد

(1) تقدّم في ص338 .
(2) راجع بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 38 .

(الصفحة563)



الموضوع بين أن يكون هو الذات ، ويكون وصف المستأجرية دخيلاً في عدم الضمان حدوثاً ، وبين أن يكون هو الذات المتّصف بذلك الوصف حدوثاً وبقاءً ، وهذا نظير الماء المتغيّر الذي يجري فيه الاستصحاب بعد زوال تغيّره ، والسرّ في جريان الاستصحاب في أمثاله أنّ المستصحب ليس هو الحكم الكلّي الذي رتّب على عنوان الموضوع المأخوذ في الدليل الذي قطع بزواله ، بل الحكم الجزئي الذي ثبت لمصداقه الخارجي الذي كان معنوناً بعنوان الموضوع ثمّ زال عنه ، ففي المقام نقول : إنّ هذا الشخص المستأجر لم يكن ضامناً في مدّة الإجارة فيستصحب بعد المدّة، فلا مجال للإشكال في الاستصحاب الحكمي من هذه الجهة .
نعم ، ربما يناقش في مثله بأنّه لابدّ أن يكون المستصحب حكماً أو موضوعاً ذاحكم ، وعدم الضمان ليس كذلك ، ولكن قد حقّقنا في محلّه جريان هذا النوع من الاستصحابات أيضاً .
والعمدة في المقام أنّه مع اقتضاء عموم «على اليد» للضمان بعد المدّة لا مجال لجريان استصحاب حكم المخصّص ; لتقدّم الإمارة على الأصل كما قرّر في محلّه .
وعلى الثاني كما يجري الاستصحاب الحكمي المتقدّم ، كذلك يجري الاستصحاب الموضوعي أيضاً ; لعدم القطع بزوال الائتمان ، لكن الاستصحاب الحكمي محكوم للعموم على ما عرفت من أنّه مع شمول العام لا مجال لاستصحاب حكم المخصّص ، وأمّا الاستصحاب الموضوعي فلا مانع من جريانه ; لأنّ نتيجته تنقيح موضوع الدليل المخصّص فلا يعارض العامّ ، وهذا نظير استصحاب بقاء الفسق في الفاسق الخارج عن عموم «أكرم العلماء» إذا شك في بقاء عدم وجوب إكرامه لأجل الشكّ في بقاء فسقه .
ثمّ إنّ هذا كلّه على تقدير ثبوت عموم «على اليد» الدالّ على الضمان . وأمّا لو

(الصفحة564)



نوقش فيه إمّا من حيث السند وإمّا من جهة الدلالة ، فلا إشكال في أنّ مقتضى الاستصحاب حينئذ عدم الضمان وبراءة الذمّة من وجوب ردّ المثل أو القيمة على فرض التلف . نعم ، ظاهرهم أنّه لا إشكال في الضمان مع التعدّي أوالتفريط بعد المدّة مع أنّه أيضاً مشكل ; لأنّ مستند الضمان مع أحدهما لو كان هو الإجماع أو بناء العقلاء عليه مع عدم الردع ، فاللاّزم ملاحظة ثبوتهما وأنّه هل يكونان ثابتين أم لا .
وأمّا لو كان المستند قاعدة «من أتلف» فيرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لم يثبت كونها قاعدة شرعية دلّ على ثبوتها نصّ أو إجماع ـ أنّ صدق الإتلاف لا يلازم صدق التعدّي فضلاً عن التفريط ، فإنّ مجرّد التعدّي مع فرض كون التلف اتّفاقياً حاصلاً بآفة سماوية أو أرضية غير مترقّبة، لا يوجب تحقّق عنوان الإتلاف كما هو ظاهر ، كما أنّه لو كان المستند هي الأولويّة القطعيّة ، نظراً إلى أنّ العين في مدّة الإجارة إذا كانت مضمونة بالتعدّي أو التفريط فثبوت الضمان بعد المدّة بسبب أحدهما بطريق أولى ، يرد عليه أيضاً منع الأولوية بل منع التسوية ; لاحتمال كون العين في مدّة الإجارة أمانة شرعية وبعدها أمانة مالكية ، كما اختاره المحقّق الرشتي (قدس سره)(1) .
وعليه فإذا كانت العين مضمونة بسبب التعدّي أو التفريط مع الأمانة الشرعية فذلك لا يلازم ثبوت الضمان مع كونها أمانة مالكية ; لأنّ الأمانة الشرعية حيث يكون الترخيص فيها من الشارع فقد لاحظ الشارع فيها جانب المالك أيضاً بإثبات الضمان مع التعدّي أو التفريط ، وأمّا مع ثبوت الترخيص والتأمين من قِبَل

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 47 .

(الصفحة565)



المالك فلا مانع من عدم جعل الضمان الناشئ من رعاية المالك بعد كون الاستيلاء حاصلاً باختياره وعن رضاه ، والغرض من ذلك كلّه ليس إلاّ مجرّد نفي الأولويّة القطعية ، وإلاّ فهذا التفصيل مخدوش عندنا كما لعلّه يجيء .
نعم ، يمكن الاستدلال على الضمان في خصوص صورة التعدّي بما يستفاد من صحيحة أبي ولاّد الحناط الواردة في استئجار البغل مع التعدّي من قوله (عليه السلام) في مقام بيان التعليل لعدم جواز الرجوع إلى المالك بقيمة العلف : «لأنّك غاصب»(1) فإنّ هذا التعليل ظاهر في أنّ مجرّد التعدّي يوجب انطباق عنوان الغاصب عليه ، ومن المعلوم أنّ التعدّي بعد المدّة مشترك معه فيها من هذه الجهة ، اللّهم إلاّ أن يقال بعدم كون المراد انطباق العنوان عليه حقيقة ، بل المراد تنزيله منزلته في الحكم بالضمان ، ولكنّه مخالف للظاهر .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا ينبغي المناقشة في الحكم بثبوت الضمان مع التعدّي أو التفريط كما عرفت .
وأمّا من الجهة الثالثة : فنقول : إنّ للمسألة فروعاً متعدّدة ; لأنّ المستأجر تارةً يعلم ببقاء رضا المالك وعدم انتفائه بانقضاء مدّة الإجارة ، واُخرى يشكّ في بقاء رضاه لاحتمال كونه محدوداً بتلك المدّة ، وثالثة يعلم بغفلته وعدم التفاته إلى الانقضاء ، ورابعة يعلم بارتفاع رضاه وعدم كون بقاء العين في يد المستأجر مرضياً عنده بوجه .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ظاهر القائل بالضمان في المقام أنّه مبنيّ على القول بوجوب الردّ ، ويظهر هذا من صاحب مفتاح الكرامة أيضاً ، حيث نفى الضمان

(1) الكافي : 5 / 290 ح6 ، وسائل الشيعة : 19 / 119 ـ 120 ، كتاب الإجارة ب17 ح1 .

(الصفحة566)



لأجل منعه عن وجوب الردّ وحكمه بأنّ الواجب بعد الانقضاء تمكينه منها والتخلية بينها وبينه ، كالرهن إذا أدّى الراهن الدين ، والوديعة وسائر الأمانات ، فإذا فعل ما وجب عليه أو عزم عليه فلا تقصير ولا تعدّياً ولا تفريطاً ، واعترض على المحقّق الثاني(1) حيث جمع بين عدم وجوب الردّ والتسليم للشيخ(2) في أنّها بعد انقضاء المدّة غير مأذون في قبضها، بأنّه كالمتناقض(3) .
وبالجملة : يرد عليه أوّلاً : أنّه لم يعلم أنّ القول بوجوب الردّ هل يجري في جميع الفروع المتقدّمة أو في بعضها ، وثانياً : أنّ ابتناء القول بالضمان عليه ممنوع ; لأنّ الملاك في الضمان هو الاستيلاء مع عدم الإذن ، ومجرّد التخلية لا يخرج العين عن كونها في يده وتحت استيلائه ، كما صرّح به سيّدنا العلاّمة الأستاذ في تعليقته على العروة(4) .
والتحقيق أن يقال :
أمّا في الصورة الاُولى : فلا إشكال في عدم الضمان مع عدم التعدّي أو التفريط ; لما عرفت من أنّ الملاك لعدم الضمان في المدّة هو كون الرجل مؤتمناً لا كونه مستأجراً ، ومن المعلوم في هذه الصورة بقاء الإئتمان بلا افتقار إلى الاستصحاب .
وأمّا في الصورة الثانية : التي يشكّ في بقاء الرضا فلا مانع فيها من إجراء الاستصحاب فيما هو الموضوع للحكم بعدم الضمان ، فيقال : إنّ الرجل كان مؤتمناً ، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه على هذه الصفة فلا يكون ضامناً .

(1) جامع المقاصد : 7 / 257 ـ 258 .
(2) المبسوط : 3 / 249 .
(3) مفتاح الكرامة : 7 / 251 ـ 252 .
(4) العروة الوثقى : 5 / 62، التعليقة 3 .

(الصفحة567)



وأمّا الصورة الثالثة : فتارةً يعلم المستأجر بأنّه على فرض الالتفات يكون رضاؤه باقياً ، واُخرى يشكّ ، وثالثة يعلم بارتفاع رضاه ، ففي الأوّل يجري حكم الصورة الاُولى ، وفي الثاني حكم الصورة الثانية من جريان الاستصحاب ، وفي الثالث حكم الصورة الرابعة التي تجيء .
وأمّا الصورة الرابعة : التي يعلم بعدم الرضا ، فإن كان منظور المالك عدم استيلاء المستأجر على العين بوجه ولو بنحو التخلية التي قد عرفت أنّها أيضاً استيلاء فالواجب على المستأجر رفع اليد عن العين مطلقاً ، ومع عدمه يثبت الضمان لعدم ثبوت التأمين المالكي ولا الشرعي . وإن كان المنظور عدم التصرّف وعدم الحيلولة فلا دليل على الضمان مع ثبوت التخلية ; لعدم ارتفاع الائتمان رأساً ، كما أنّه لا دليل على وجوب الردّ ، وعلى فرض الوجوب لا دليل على الملازمة بينه وبين الضمان بعدما عرفت من أنّ الملاك في الباب هو الإئتمان وعدمه .
ثمّ إنّ هذا كلّه إنّما هو مع التفات المستأجر إلى انقضاء مدّة الإجارة ، وأمّا مع الغفلة وعدم الالتفات فيتصوّر بعد زوال غفلته الصور المتقدّمة بالنسبة إلى حال الغفلة ويجري عليها حكمها ، وقد عرفت أنّ مقتضى الجميع عدم ثبوت الضمان إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، كما هو المشهور(1) .
المسألة الثالثة : اشتراط ضمان العين المستأجرة مع عدم التعدّي والتفريط ، وقبل الخوض في الكلام في الصحّة وعدمها ينبغي تقديم أُمور :
الأوّل : إنّ محلّ الكلام إنّما هو اشتراط الضمان في نفس عقد الإجارة ، فما يغاير هذا العنوان خارج عن محلّ البحث هنا ، وعليه فالتضمين من المؤجر بالنسبة إلى

(1) رياض المسائل : 6 / 19 ، الحدائق الناضرة : 21 / 543 ، بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 32 .

(الصفحة568)



المستأجر ـ سواء كان في ضمن المقاولة قبل إيقاع العقد ، أو كان بعد وقوعه ـ خارج عن البحث في المقام ، كما أنّ اشتراط الضمان في ضمن عقد آخر كالبيع ونحوه أيضاً كذلك ، وهكذا اشتراط أداء مقدار معيّن من المال على تقدير التلف لا  بعنوان ضمان العين ، فإنّه أيضاً لا يكون محلاًّ للكلام هنا ، فالبحث ممحّض في اشتراط الضمان الذي هو من قبيل شرط النتيجة في نفس عقد الإجارة .
الثاني : إنّ محلّ الكلام أيضاً إنّما هو ضمان المستأجر بالنسبة إلى العين المستأجرة التي هي مورد الإجارة ، فما استدلّ به السيّد صاحب الرياض من الخبر الوارد في رجل استأجر سفينة من ملاّح فحملها طعاماً واشترط عليه إن نقص الطعام فعليه ، قال : جائز ، قلت : إنّه ربما زاد الطعام ، قال : فقال : يدّعي الملاّح أنّه زاد فيه شيئاً ؟ قلت : لا ، قال : هو لصاحب الطعام الزيادة ، وعليه النقصان إذا كان قد اشترط عليه ذلك(1)(2) خارج عمّا هو محلّ البحث ، لأنّ مورده ضمان المستأجر الذي هو معطي الاُجرة ، ومورد الخبر ضمان من أخذ الاُجرة، كما هو ظاهر .
الثالث : لا ينبغي الارتياب في تحقّق الشهرة على بطلان اشتراط الضمان في المقام ، بل يظهر من المفتاح(3) اتّفاق من عدا السيّد ممّن تعرّض لهذا الفرع على بطلان هذا الشرط ، وأنّ ظاهر جامع المقاصد الإجماع عليه ، حيث قال : ولو شرط الضمان مع التلف ولو بغير تعدّ فالشرط باطل قطعاً(4) ، نظراً إلى أنّ الجزم بالبطلان في معنى الإجماع .

(1) الكافي : 5 / 244 ح4 ، وسائل الشيعة : 19 / 150 ، كتاب الإجارة ب30 ح5 .
(2) رياض المسائل : 6 / 19 ـ 20 .
(3) مفتاح الكرامة : 7 / 253 .
(4) جامع المقاصد : 7 / 258 .

(الصفحة569)



ولكن حكي عن السيّد في الانتصار أنّه لمّا حكى قول الحسن بن حي : إنّ من أعطى الاُجرة لا ضمان عليه وإن شرط الضمان(1) ، ردّه بأنّه يخالف الإمامية ; لأنّ عندنا إن شرط كان الضمان عليه بالشرط(2) ، وظاهر ذلك الإجماع ، وحكم بأظهريّة هذا في الرياض(3) ، واحتمل صحّة الشرط المولى الأردبيلي(4) ، وتبعه تلميذه المحقّق السبزواري(5) ، وحكي أيضاً عن المحقّق الخونساري في حاشية الروضة(6) . ويمكن أن يكون مورد كلام السيّد خارجاً عمّا هو محلّ الكلام هنا من ضمان من أخذ الاُجرة لا من أعطاها ، فلابدّ من المراجعة إليه .
وكيف كان ، فالشهرة المحقّقة إنّما هي على بطلان الاشتراط في المقام .
الرابع : أنّه هل يعقل اشتراط الضمان بالنسبة إلى العين المستأجرة أم لا ؟ وقد صرّح بعدم المعقولية بعض الأجلّة على ما حكي عنه ، ويظهر أيضاً من المحكي من سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) . وغاية ما يمكن أن يوجّه به هذا القول تقريبات ثلاثة :
الأوّل : ما حكي عن البعض المتقدّم ، وحاصله : أنّ التسبّب إلى ثبوت الضمان بالاشتراط تارةً مع حفظ اتصاف يد المستأجر بالأمانية ، واُخرى مع التأثير فيها بنحو لم تحدث إلاّ فاقدة لتلك الصفة ، وبعبارة اُخرى الغرض من الاشتراط هل هو

(1) راجع المغني لابن قدامة : 6 / 106 وبدائع الصنائع : 4 / 72 .
(2) الانتصار : 467 .
(3) رياض المسائل : 6 / 19 .
(4) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 69 ـ 70 .
(5) كفاية الاحكام : 124 .
(6) الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية : 365 .

(الصفحة570)



ثبوت الضمان على من كانت يده أمانيّة ، أو التصرّف في يده بحيث انقلبت عمّا هي عليه لو لا الاشتراط وصارت غير أمانية ؟ وكلا الأمرين غير معقول : أمّا الأوّل: فلوضوح معاندة ثبوت الضمان مع اتّصاف اليد بالأمانية ، فإنّ حقيقتها كونها بحيث لا يترتّب عليها الضمان ، وأمّا الثاني : فلأنّ الضمان حينئذ مستند إلى عدم كون اليد يداً أمانيّة لا إلى اشتراط عدمه ، فلا يمكن التوصّل إلى الضمان من جهة الاشتراط المحض .
الثاني : ما يمكن إدّعاؤه بناءً على مبنى البعض المتقدّم ; وهو كون الإجارة حقيقتها البيع . غاية الأمر أنّها بيع من جهة مخصوصة في زمان محدود ، فإنّه يقال حينئذ : بأنّه على هذا التقدير لا يعقل اشتراط الضمان ; لأنّ مرجعه إلى جعل الشخص ضامناً لمال نفسه وهو غير معقول .
الثالث : ما حكي عن تقريرات بحث الإجارة لسيّدنا الأستاذ (قدس سره) ممّا يرجع إلى أنّ اشتراط الضمان مناف لما هو الثابت عندهم من بطلان الإجارة بتلف العين المستأجرة ; لأنّ مرجع اشتراط الضمان إلى ثبوت العين مثلاً أو قيمة في عهدة المستأجر على تقدير التلف ، وفي هذا التقدير تكون الإجارة باطلة عندهم ، ومع فرض البطلان لا يبقى مجال للزوم الشرط لكونه تابعاً لها .
وبعبارة اُخرى قبل تلف العين لا معنى للضمان وبعده لا يبقى موضوع الإجارة ، فلا معنى للزوم الوفاء بالشرط في ضمنها كما في سائر العقود ، ألا ترى أنّه لو  اشترطت الخياطة مثلاً في ضمن عقد البيع ثمّ انفسخ البيع بالتقايل أو بغيره ، فهل يجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط بفعل الخياطة ، أم يكون وجوب الوفاء به تابعاً لوجوب الوفاء بالعقد الذي وقع الشرط في ضمنه ؟
ومنه يظهر اندفاع ما ربما يمكن أن يتوهّم من أنّه لا حاجة في لزوم الوفاء

(الصفحة571)



بالشرط إلى ما يدلّ على وجوب الوفاء بالعقد حتّى يتوقّف ذلك على بقاء العقد وعدم انفساخه ، بل يكفي قوله (صلى الله عليه وآله) : «المؤمنون عند شروطهم»(1) في إفادة اللزوم ولو بعد انفساخ العقد . وبعبارة اُخرى إفادة الشرط للّزوم إنّما تتوقّف على العقد في الحدوث ، وأمّا في البقاء فلا; لكفاية ما يدلّ على لزومه مع قطع النظر عن العقد .
وجه الاندفاع ما عرفت من أنّ لازم هذا التوهّم وجوب العمل بالشرط في المثال المذكور ، مع أنّه بعيد عن مذاق العرف والشرع ، والسرّ أنّ الشرط الذي يجب الوفاء به هو الشرط الذي كان متدلّياً في العقد ومتعلّقاً به حدوثاً وبقاءً ، ولا  معنى للزوم الوفاء به مع فرض انفساخ العقد وبطلانه ، وإلاّ لكان اللاّزم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائية أيضاً .
فانقدح أنّه لا يمكن اجتماع تأثير اشتراط الضمان في ثبوته مع ماهو الثابت عندهم ، المتسالم عليه بينهم من عروض البطلان والانفساخ للإجارة بسبب التلف ، سواء قيل بكون الانفساخ من حين التلف ، أو قيل بكون التلف كاشفاً عن بطلان الإجارة من رأس بالنسبة إلى ما بعد التلف من المدّة الباقية ; بمعنى عدم انعقادها من الأصل بالنسبة إلى تلك المدّة كما هو المختار .
إن قلت : إنّ ما ذكر إنّما يتم فيما إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها ، وأمّا لو تلف بعض أجزائهافلا منافاة حينئذ ، لعدم انفساخ الإجارة بتلف البعض ،فيجوز أن يؤثّر الشرط في ضمنها في الضمان بالنسبة إلى البعض التالف ، ولا يلزم حينئذ ما ذكر .
قلت : كما أنّ تلف الجميع يوجب انفساخ الإجارة بالنسبة إليه ، كذلك تلف البعض يوجب انفساخ الإجارة أيضاً . غاية الأمر بالإضافة إليه ، و حينئذ فإن

(1) تقدّم في ص406.

(الصفحة572)



اُريد بتأثير الشرط تأثير الحصّة التي تكون في ضمن الحصة المنفسخة من العقد ، فهذا عين ما ذكر من بقاء الشرط مع عدم بقاء العقد ووجوب الوفاء به مع عدم وجوب الوفاء بالعقد . وإن اُريد به تأثير ما وقع في ضمن الحصّة الباقية غير المنفسخة من العقد ، فمضافاً إلى أنّ ما وقع في ضمن هذه الحصّة ليس اشتراط الضمان بالنسبة إلى البعض التالف كما هو غير خفيّ، نقول : على تقديره هو خارج عن الفرض ; لأنّ محلّ الكلام هو اشتراط الضمان في ضمن عقد الإجارة بنفسها لافي ضمن عقد آخر ، وهذه الحصّة الباقية بالإضافة إلى الحصّة المنفسخة بمنزلة العقد الآخر ، فاشتراط الضمان في ضمنها إنّما هو كاشتراط ضمان العين المستأجرة في ضمن عقد آخر كالبيع ونحوه ، وقد عرفت خروجه عن محلّ الكلام .
ودعوى عدم مساعدة العقلاء والشرع على تبعّض العقد وصيرورته ذا حصص حتّى يبقى بعض حصصه وينفسخ البعض الآخر ، مدفوعة بالمنع لعدم الدليل على خلافه .
هذه هي التقريبات الثلاثة لدعوى الامتناع وعدم المعقولية .
ويرد على الأوّل : أنّ الغرض من تأثير الاشتراط في ثبوت الضمان هو التوصّل إليه من طريق الشرط ، ولو بأن يكون مؤثِّراً في أن تحدث اليد غير أمانية حتّى يترتّب عليها الضمان لأجل ذلك ، فهذا التقريب يشبه النزاع اللفظي كما لا يخفى .
وعلى الثاني : أنّ منافاة اشتراط الضمان لهذا النوع من البيع أوّل الكلام ، كيف ولو كانت الإجارة بيعاً حقيقيّاً غير قابلة لجعل الضمان فيها لكان اللاّزم عدم معقولية جعل الضمان مع التعدّي والتفريط أيضاً ; لأنّ الإنسان لا يضمن مال نفسه ولو مع التعدّي والتفريط . هذا ، مضافاً إلى أنّ هذا المبنى فاسد جدّاً ; لأن الإجارة كما عرفت من الاعتبارات المغايرة للبيع ، ولا تكون من أنواعه لدى العقلاء الذين

(الصفحة573)



هم الملاك في باب المعاملات واعتباراتها على ما مرّ(1) .
وأمّا التقريب الثالث الذي حكي عن تقريرات سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) ، ومفاده الامتناع ـ وإن كان نظره (قدس سره) منه إلى عدم الصحّة للمنافاة المذكورة ; لأنّ لازم تلك المنافاة عدم المعقولية ، لكون البطلان بالتلف متسالماً عليه بينهم ، وهو لا يجتمع مع الاشتراط ، فلا يعقل تأثيره مع حفظ ذلك ـ فقد اُجيب عنه بوجهين :
الأوّل : أنّ ما أفاده من كون ثبوت الضمان لا يعقل إلاّ بعد التلف ممنوع ; لاحتمال كونه من قبيل الواجب المعلّق ، بأن يكون ضامناً فعلاً للعين بعد التلف ، وعليه فالشرط إنّما أثّر حين بقاء العقد وعدم انفساخه . غاية الأمر أنّ نتيجة الضمان إنّما تظهر بعد التلف .
ويرد على هذا الوجه أنّ مدخلية التلف في الضمان ممّا لا تنبغي الخدشة فيها ، فإنّ التلف لدى العرف والعقلاء إمّا أن يكون سبباً لثبوت الضمان في موارده ، وإمّا أن يكون موضوعاً لاعتباره بناءً على القول بأنّه لا معنى للسببيّة والمسبّبية في الاُمور الاعتبارية ، فاعتبار الضمان قبل حصول التلف ممّا لا يساعد عليه الاعتبار ، وتحقيق الكلام على هذا المرام في محلّه .
الثاني : أنّ الشروط على قسمين :
أحدهما : ما يكون منجّزاً غير معلّق على شيء ، كاشتراط الخياطة مطلقاً من دون تعليق على أمر .
ثانيهما : ما يكون معلقاً على شيء ، كاشتراط إكرام زيد على تقدير مجيئه ، والمعلّق عليه في هذا القسم قد يكون أمراً خارجيّاً لا ارتباط له بالعقد ، كمجيء

(1) في ص11.

(الصفحة574)



زيد في المثال ، وقد يكون أمراً مرتبطاً بالعقد ، كانفساخه أو التلف الموجب للانفساخ في الإجارة .
لا إشكال في إمكان الاشتراط وصحّته إذا كان المعلّق عليه على النحو الأوّل ، وأمّا إذا كان على النحو الثاني ، كما إذا اشترط الضمان في الإجارة على تقدير انفساخها ، فالدليل على عدم الإمكان إن كان هو عدم وجوب الوفاء بالعقد في ظرف الانفساخ الذي هو المعلّق عليه فلا معنى لوجوب الوفاء بالشرط الذي هو تبع له ومتدلّ فيه ، فنقول : لازم ذلك تحقّق الانفكاك بين وجوب الوفاء بالعقد ، وبين قوله (صلى الله عليه وآله) : المؤمنون عند شروطهم
(1) في البقاء مع اقترانهما في الحدوث ، وحينئذ يمكن أن يقال : إنّ القدر المتيقّن من الشروط التي لا يجب الوفاء بها هي الشروط الابتدائية، غير المقترنة بالعقد ، وأمّا ما كان منها مقروناً بالعقد حادثاً معه فلا يحتاج في البقاء إليه ، بل يكفي العموم في لزوم الوفاء به وإن لم يجب الوفاء بالعقد ، خصوصاً لو كان المشروط هي النتيجة دون الفعل كما في المقام .
وبعبارة اُخرى الاشتراط في حين وقوعه لا يكون مجرّداً غير مرتبط بالعقد ، بل الالتزام بالشرط وقع في ضمن الالتزام العقدي ، وقبل حصول المعلّق عليه لا معنى لتأثيره لكونه تعليقياً على ماهو المفروض ، وبعد حصوله يترتّب عليه الملتزم به قهراً من دون حاجة إلى بقاء العقد حينئذ ; لأنّه مقتضى الالتزام الواقع في ضمن العقد .
ثمّ إنّه لو سلّم عدم إمكان اشتراط شيء معلّقاً على انفساخ العقد فيمكن أن يقال بأنّ ذلك لا يلازم عدم الإمكان في المقام ; وهو اشتراطه معلّقاً على التلف وإن كان

(1) تقدّم في ص406.

(الصفحة575)



موجباً للانفساخ ، والوجه أنّ التعليق على الانفساخ مرجعه إلى تأثير الاشتراط في الرتبة المتأخّرة عن الانفساخ ، وهذا لا يجتمع مع كونه متدلّياً في العقد معدوداً من توابعه ، وأمّا التعليق على التلف فلا يرجع إلى ذلك ; لأنّ تأثير الاشتراط لا  يكون متأخّراً عن زوال العقد ، بل مرجعه إلى تقارن زوال العقد وحصول المعلّق على التلف بمجرّده ، فتأثير الاشتراط في رتبة الانفساخ لا متأخّر عنه ولا دليل على امتناع ذلك .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ما أفاده من تبعّض العقد فيما إذا تلفت العين ببعض اجزائه محلّ نظر ; لأنّ لازم ذلك بطلان البعض وبقاء البعض الآخر على اللزوم ، مع أنّ اللاّزم من تلف بعض العين هو الخيار بالنسبة إلى المجموع لا التبعّض بالنحو المذكور ، كما هو ظاهر .
وإلى أنّ دعوى التبعّض إنّما تتمّ على تقديره فيما إذا تلف بعض الأجزاء ، وأمّا لو تبدّل بعض أوصاف العين فلا وجه لهذه الدعوى ، وفي هذه الصورة يمكن اشتراط ضمان الوصف المتبدّل ، ولا يقتضي الوجه المتقدّم عدم جوازه ; لعدم عروض التبعّض وبقاء العقد على النحو الحادث ، فالاشتراط الواقع في ضمنه لا مانع من تأثيره ، أضف إلى ذلك أنّ دعوى التبعّض في نفسها مخدوشة بل ممنوعة ; لعدم مساعدة العرف عليها .
ويمكن الإيراد على هذا الجواب أيضاً بأنّه كما أنّ الشرط يحتاج في لزوم الوفاء به إلى كونه في ضمن العقد متّكئاً عليه حدوثاً ، كذلك يحتاج في البقاء إلى بقاء العقد . وبعبارة اُخرى ; إمّا أن يقال : بأنّ العموم في قوله : المؤمنون عند شروطهم يشمل الشروط الابتدائية فلا يحتاج في الحدوث إلى العقد أيضاً ، وإمّا أن يقال لعدم الشمول فيفتقر في البقاء إليه أيضاً ; لأنّ مرجع ذلك إلى أنّ الشرط لا يؤثّر مستقلاًّ ،

(الصفحة576)



بل يحتاج إلى ما يستند إليه ، فالتفصيل بين الحدوث والبقاء ممّا لا نعرف له وجهاً ، وعليه فلا معنى لاشتراط شيء معلّقاً على انفساخ العقد عند من لا يرى شمول ذلك العموم للشروط الابتدائية ، ومنه يظهر أنّه لا يجدي في ذلك دعوى اتّحاد رتبة الانفساخ وتنجّز الشرط فيما لو علّق الضمان على التلف ، فإنّ مجرّد اتّحاد الرتبة وعدم تأخّر تنجّز المشروط عن زوال العقد وبطلانه لا يفيد ، بناءً على عدم كون الشرط قابلاً للتأثير مستقلاًّ .
هذا ، مضافاً إلى أنّ هذه الدعوى إنّما تتمّ على القول بتأخّر الانفساخ عن التلف وكونه موجباً له ، وأمّا على القول بأنّ التلف يكشف عن عدم كون الإجارة مؤثّرة من الأصل بالنسبة إلى ما بعد التلف من المدّة الباقية ففي الحقيقة يكون أمد الإجارة إلى حين التلف من الأوّل، فلا وجه لهذه الدعوى; لعدم تأخّر الانفساخ عن التلف بل هو كاشف عن الانقضاء حينه، فالضمان على هذا التقدير يكون متأخّراً عن الانفساخ، وهذا القول هو الذي اختاره صاحب هذا التقريب كما مرّ ، كما أنّه لو قيل بكون التلف كاشفاً عن بطلان الإجارة من رأس بالنسبة إلى جميع المدّة تصير حال تلك الدعوى أسوأ ، إلاّ أن يقال بلزوم الشروط الابتدائيّة، أو يقال بكفاية الصحّة الظاهريّة في لزوم العمل بالشرط ولو بعد انكشاف الخلاف وظهور البطلان من الأوّل، وكلاهما ممنوعان. هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بامكان هذا النحو من الاشتراط .
إذا عرفت هذه الاُمور الأربعة يقع الكلام بعد فرض إمكان هذا النحو من الاشتراط ثبوتاً في حاله بالنظر إلى مقام الإثبات، ومنشأ الإشكال في ذلك أحد اُمور سبعة :
الأوّل : قصور عموم دليل الشرط عن الشمول لمثل هذا الشرط ، وقد صرّح

(الصفحة577)



بذلك صاحب الجواهر (قدس سره)، حيث قال: قد يمنع شمول الثاني ـ يعني عموم دليل الشرط ـ لذلك باعتبار ظهوره في كونه ملزماً، كالنذر والعهد لا شارعاً جديداً نحو الصلح، فإثبات الضمان به حينئذ مع أنّ أسبابه إنّما تستفاد من الشرع لا يخلو عن منع، وحصوله في العارية بدليل خاصّ لا يقتضي ثبوته في المقام بعد حرمة القياس، وإلاّ لاقتضى جواز اشتراط ضمان الوديعة ونحوها من الأمانات التي يمكن دعوى معلومية خلافه من مذاق الشرع(1) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بعدما ذكر أنّ مرجع ذلك إلى عدم سببيّة الشرط بأنّه خلاف المعهود منهم في غير المقام، وقد نصّ على نفوذه في العارية وليس هذا قياساً، فإنّ الضمان قابل للتسبّب إليه وجوداً وعدماً، والشرط لا يعقل أن يكون سبباً تارةً وغير سبب اُخرى مع وحدة المسبّب(2) .
ويرد عليه : أنّ قيام النصّ على النفوذ في العارية لا دلالة له على أنّ الشرط بما  هو شرط يمكن أن يتسبّب به إلى الضمان، فلعلّ الشرط في ضمن العارية كانت له خصوصية لدى الشرع من جهة كون العارية مرجعها إلى التسليط مجّاناً للانتفاع، أو من جهة اُخرى، وليس الكلام في السببيّة والمسببيّة الحقيقية حتّى لا يعقل أن يكون الشرط سبباً تارة وغير سبب اُخرى، فالنص القائم على النفوذ في العارية لايستفاد منه حكم غيرها أصلاً .
نعم، يرد على صاحب الجواهر أنّ ما أفاده من ظهور كون دليل الشرط ملزماً مبنيّ على عدم دلالته إلاّ على الإلزام فقط بعد مفروغية الصحّة بدليل خارج. وأمّا

(1) جواهر الكلام: 27 / 217.
(2) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 38.

(الصفحة578)



على القول بثبوت الملازمة بين اللزوم والصحّة، وعدم الافتقار إلى ثبوت الصحّة ومفروغيّتها، مع قطع النظر عن دليل الشرط كما يقول به جماعة(1) في آية وجوب الوفاء بالعقود(2)، حيث يستدلّون بها على الصحّة واللزوم معاً، فلا يتمّ ما أفاده كما هو غير خفيّ .
الثاني : منافاة هذا الشرط لمقتضى ما دلّ على عدم ضمان الأمانة الشامل بعمومه لحال الشرط، فيكون التعارض بينه وبين «المؤمنون» من وجه، ولا ريب في أنّ الترجيح للأوّل بالشهرة والأصل وغيرهما، صرّح بهذا أيضاً صاحب الجواهر (قدس سره)(3) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) أيضاً بأنّه لا وجه لدعوى المنافاة بينهما; لما حرّر في محلّه من تقدّم أدلّة العناوين الثانوية على أدلّة العناوين الأولية، إمّا بالحكومة وإمّا بالجمع العرفي أو بوجه آخر(4) .
ويرد عليه أنّه لم ترد آية ولا رواية على التقدّم المذكور، بل التقدّم إنّما هو لأجل ثبوت ملاكه، ومن الواضح ثبوته في غير المقام، لأجل كون دليل العنوان الثانوي ناظراً إلى دليل العنوان الأوّلي صادراً بلحاظه، فإنّ ما يدلّ على نفي الضرر أو الحرج مثلاً إنّما يكون ناظراً إلى أدلّة الأحكام التي يكون مقتضى عمومها أو إطلاقها الشمول لحال الضرر أو الحرج، ويكون مفادهما تضييق دائرة الحكم وتخصيصها بغير ما يستلزم الضرر أو الحرج، وأمّا في مثل المقام فلم يثبت ملاك التقدّم; لأنّ

(1) كصاحب السرائر: 2 / 461 و469 ومفتاح الكرامة: 7 / 346 وجامع المدارك: 3 / 453 و457.
(2) سورة المائدة 5: 1.
(3) جواهر الكلام: 27 / 217.
(4) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 38.

(الصفحة579)



دليل الشرط الدالّ على لزوم الوفاء به قد قيّد ذلك بما إذا لم يكن الشرط مخالفاً لشيء من الأحكام المكتوبة، فقد لوحظ فيه التأخّر عن الأدلّة الاُخرى، وأنّ نفوذه إنّما يختصّ بما إذا لم يكن مشمولاً لدليل آخر، وعليه فلا يبقى مجال لتقدّم دليل الشرط على سائر الأدلّة، بل لازمه تقدّم تلك الأدلّة عليه، ومن هنا يمكن أن يورد على صاحب الجواهر بمنع المعارضة وظهور تقدّم الأدلّة الاُخر على دليل الشرط، فلا وجه لإعمال قواعد التعارض بينهما، وسيجيء توضيحه .
ثمّ لو سلّم ثبوت المعارضة فلا وجه لدعوى الترجيح بالأصل، لما قد قرّر في محلّه من أنّ الأصل الذي هو وظيفة للشاك في الحكم الواقعي كيف يمكن أن يصير مرجّحاً لما هو طريق إلى الحكم الواقعي وكاشف عنه ، وأمّا الترجيح بالشهرة فيتوقّف على شمول أدلّة المرجّحات الواردة في المتعارضين أو المختلفين للتعارض بنحو العموم من وجه .
الثالث : ما أشار إليه في الجواهر أيضاً بقوله : من منافاته لمقتضى الأمانة(1)، وغرضه أنّ الأمانة لا تجتمع مع التضمين لكونها آبية عنه .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) أيضاً بأنّ التأمين تارة عقديّ كالوديعة التي هي استنابة في الحفظ، فيد الودعي يد المالك، ولا معنى لكون الإنسان ضامناً لنفسه ، واُخرى تأمين خارجيّ بتسليطه للغير على ماله عن رضاه; لاستيفاء المنفعة أو للانتفاع به أو للاتّجار به، فقد اتّخذه في هذه الموارد أميناً على ماله، وهذا إنّما يكون مع تجرّد التسليط عن كلّ شيء، وأمّا إذا سلّطه على نحو جعل ماله في عهدته فهذا ضدّ التأمين، فلا يكون التسليط تأميناً بنفسه حتّى ينافي التضمين، بل

(1) جواهر الكلام: 27 / 216.

(الصفحة580)



مع تجرّده.
نعم، إذا كانت العين أمانة شرعية فشرط ضمانها شرط مناف للأمانة، إلاّ أنّ المبنى غير صحيح كما تقدّم، بل يمكن أن يقال: إنّ ترخيص الشارع في وضع اليد على العين ليس ترخيصاً أصلياً نفسياً ليتمحّض في التأمين على أيّ حال، بل ترخيص على طبق تسليط المالك، فإذا سلّطه بقول مطلق كان ترخيص الشارع تأميناً، وإذا سلّطه بجعل العين في عهدته كان ترخيصه على طبق تسليط المالك لفرض التبعية في الترخيص(1)، انتهى .
ويرد عليه أوّلاً : منع عدم معقولية جعل الضمان في التأمين العقدي، فإنّ مجرّد كونه استنابة في الحفظ لا يقتضي ذلك، خصوصاً إذا تعلّق غرض الودعي بكون المال أمانة عنده لترتّب بعض الآثار عليه، فمجرّد ذلك لا يوجب عدم المعقولية .
وثانياً: أنّ ما أفاده من أنّ المقتضي للتأمين هو التسليط المجرّد، وإلاّ فهو مع التضمين لا يكون مقتضياً له لكونه ضد التأمين، يرجع إلى خلاف ماهو الغرض; لأنّه على هذا التقدير يكون المقتضي للضمان هي اليد مع عدم ثبوت الأمانة لا  الاشتراط، مع أنّ الغرض إنّما تعلّق بذلك، فتدبّر .
نعم، يرد على صاحب الجواهر أيضاً ما تقدّم من أنّ مايترتّب عليه عدم الضمان كون الشخص مؤتمناً لدى صاحب المال، وهذا لايلازم الاستئجار، فإنّ المؤجر قد  يسلّط المستأجر على ماله بالتسليم مع عدم رضاه به باطناً وعدم تحقّق التأمين منه، وعليه فمرجع الاشتراط أيضاً إلى ذلك .
الرابع : ما أشار إليه أيضاً صاحب الجواهر (قدس سره) في تقريب الوجه الأوّل المتقدّم من

(1) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 39.
<<التالي الفهرس السابق>>