في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة541)



وليس ذلك إلاّ لأجل أنّ منافعه وأعماله مملوكة لمولاه ، وحينئذ فنيّة الخلاف من الأجير كنيّة التملّك من أحد بالنسبة إلى ما حازه غيره(1) .
كما أنّه يمكن الاستشكال فيه أيضاً بما عن بعض الأعاظم من أنّ الحيازة سبب شرعيّ قهري لملك مالك الحيازة كائناً من كان ، والمالك هنا هو المستأجر دون الأجير الذي لا يملك الحيازة(2) .
واُجيب عن الأوّل :
أوّلاً : بأنّ حقيقة الإجارة لا تقتضي إلاّ ملك الحيازة ، فالحيازة للمستأجر ملكاً لا أنّها له استناداً وانتساباً بحيث تكون اللام لام الصلة لا لام الاختصاص الملكي ، فلو قلنا بأنّ الحيازة سبب قهريّ لملكية ما يحوزه الأجير إلاّ أنّه يكون لمن حاز لا أنّه مملوك لمالك الحيازة إلاّ مع صدق أنّه حاز ، والإجارة لا تقتضي ذلك .
وثانياً : أنّ المملوك بالإجارة وإن كان الحيازة للمستأجر فيتضمّن الاستنابة في الحيازة إلاّ أنّ حقيقة ذلك ملك الحيازة له ، فيملك النيابة لا أنّه محقّق للنيابة ، فإذا لم يحز الأجير للمستأجر وحاز لنفسه مثلاً فقد ترك النيابة المملوكة للمستأجر ، كما إذا استنابه بالإجارة في البيع والاشتراء له وباع واشترى لغيره ، وأمّا قياس الأجير بالعبد فمدفوع بأنّ ما حازه العبد يكون مملوكاً لمولاه لا من حيث إنّ حيازته حيازة مولاه قهراً ، بل من حيث إنّ ما يملكه العبد لمولاه(3) .
واُجيب عن الثاني : بأنّه إن اعتبر في السبب حيثيّة المالكيّة وحيثيّة الحائزيّة

(1) جواهر الكلام : 27 / 267 .
(2) حكاه المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 136 .
(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 134 ـ 135 .

(الصفحة542)



فلا تكون الحيازة سبباً لملك الأجير لأنّه غير مالك الحيازة ، ولا لملك المستأجر فإنّه غير حائز ، مضافاً إلى أنّ المراد بملك الحيازة ليست الملكيّة الشرعية التي هي أحد الاعتبارات ، لبداهة أنّ الحائز يملك إذا لم يكن أجيراً لأحد ، وعمل الحرّ غير مملوك لنفسه بهذا المعنى من الملك(1) .
ويظهر ممّا ذكر صحّة ما اُفيد في المتن من كون المحاز ملكاً للمستأجر في هذه الصورة ، وأمّا عدم استحقاقه الاُجرة الذي مرجعه إلى انفساخ عقد الإجارة فالكلام فيه ما مرّ في الأجير الخاصّ إذا كان المفروض في المقام ذلك ، وفي الأجير العامّ أيضاً إذا كان المفروض أعمّ منه ، فراجع(2) .
الثالث : ما لو لم يقصد الأجير في الصورة المفروضة شيئاً من ملكيّة نفسه أو المستأجر، وقد استظهر فيه في المتن بقاء المحاز على إباحته الأصليّة مع الإشكال فيه ، وتوضيحه أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الحيازة الموجبة لحصول الملك من الاُمور القصديّة التي لا تتحقّق إلاّ بالقصد ، فإنّ الحيازة ليست مجرّد الاستيلاء على المباح ولو في حال النوم ، ضرورة أنّ الاستيلاء في هذا الحال لا يكون حيازة ، كما أنّها ليست مجرّد الاستيلاء عليه ولو لغرض آخر غير احتوائه إيّاه للانتفاع به ، فلابدّ في حصولها من تحقّق قصد الحيازة وكون الغرض الاحتواء للانتفاع ، فلو حوّل تراباً أو حجراً عن طريق بقصد التمكّن من العبور عن الطريق لايكون فعله حيازةً أصلاً .
نعم ، وقع الإشكال بعد ذلك في اعتبار نية التملّك زائداً على اعتبار أصل القصد

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 136 .
(2) ص421 وما بعده، وص465 وما بعده.

(الصفحة543)



في تحقّق الحيازة ، فالمحكي عن صريح المبسوط في كتاب إحياء الموات اعتبارها، حيث قال : إنّ المحيي لا يملك بالإحياء إلاّ إذا قصد تملّكه به(1) ، وتبعه عليه جماعة ، منهم : الشهيد في الدروس(2) ، وتردّد فيه في الشرائع(3) ، وجزم في الجواهر في كتاب إحياء الموات وغيره بعدم الاعتبار ، وقال في كتاب الشركة : يمكن دعوى السيرة بل الضرورة على خلاف ذلك(4) ـ أي القول بالاعتبار ـ . واستدلّ له في جامع المقاصد بما تكرّر في فتوى الأصحاب من أنّ ما يوجد في جوف السمكة ممّا يكون في البحر يملكه المشتري ، ولا يجب دفعه إلى البائع(5) نظراً إلى أنّه لو لم تعتبر النية لكان ملكاً للبائع لكونه حائزاً ، ولا وجه لأن يكون للمشتري ، ومنشأ الفتوى جملة من النصوص ـ الدالّة على وفقها ـ المذكورة في الوسائل في كتاب اللقطة(6) .
ولكن اُورد على هذا الاستدلال بأنّ الظاهر أنّ البائع باع تمام ما حازه ، وإن كان يعتقد أنّه سمكة فقط ، فالخطأ يكون في التطبيق لا غير ، وقد ظهر من ذلك أنّ منشأ الإشكال هو الترديد في اعتبار نيّة التملّك ; لأنّه مع اعتبارها لا مجال لعدم قصد شيء من ملكيّة نفسه أو المستأجر ، ضرورة عدم إمكان تحقّق الملكيّة بدون المالك ، وقد عرفت أنّ عدم تحقّق نيّة التملّك لا يلازم عدم تحقّق الحيازة بوجه .

(1) المبسوط : 3 / 281 .
(2) الدروس : 3 / 61، وكذا الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 4 / 325 ـ 328، وفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد : 2/303، والعاملي في مفتاح الكرامة : 7 / 421 .
(3) شرائع الإسلام : 2 / 133 .
(4) جواهر الكلام : 38 / 65 ـ 67 وج26 / 321 ـ 324 .
(5) جامع المقاصد : 8 / 50 .
(6) وسائل الشيعة : 25 / 453 ، كتاب اللقطة ب10 .

(الصفحة544)



الرابع : ما لو استأجره للحيازة لا بقصد التملّك ، كما إذا كان له غرض عقلائي لجمع الحطب أو الحشيش فاستأجره لذلك ، وقد حكم فيه في المتن بأنّه لا يملك المستأجر ما يحوزه ويجمعه الأجير ، وإن كان قاصداً للوفاء بالإجارة ، ومرجع ذلك إلى اعتبار نيّة التملّك في كون الحيازة سبباً لحصول الملكيّة وعدم كونها بمجرّدها علّة تامّة لتحقّقها ، وإلاّ فلا يكون إشكال في حصول الملكيّة للأجير وعدم جواز تملّك الغير له ، وليس الفرق بين هذه الصورة وبين الصورة المتقدّمة إلاّ في كون الاستئجار هناك للحيازة بقصد تملّك المستأجر . غاية الأمر أنّ الأجير لم يقصد التملّك والملكيّة رأساً .
وأمّا في هذه الصورة فالاستئجار يكون للحيازة لا بقصد التملّك ، فالصورتان مشتركتان في عدم كون الحيازة واقعة بقصد الملكيّة ، وعليه فيمكن الإيراد على ما في المتن بأنّه لا وجه للإشكال في الصورة المتقدّمة والحكم الجزمي في هذه الصورة بعد اشتراكهما فيما عرفت ، ودعوى كون المراد من الصورة المتقدّمة عدم تعيين المالك مع اقتران الحيازة بقصد الملكيّة ، مدفوعة بما مرّ من عدم إمكان التفكيك بين نيّة الملكيّة وعدم تعيين المالك ، فتدبّر .


(الصفحة545)

[إجارة الأرض بمقدار من حاصلها]

مسالة  : لا تجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة والشعير ـ بل ولا لما يحصل منها مطلقاً ـ بمقدار معيّن من حاصلها ، بل وكذا بمقدار منها في الذمّة مع اشتراط أدائه ممّا يحصل منها . وأمّا إجارتها بالحنطة أو الشعير أو غيرهما من غير تقييد ولا اشتراط بكونها منها فالأقرب جوازها1 .


1 ـ وجه عدم الجواز في الفرض الأوّل اُمور :
أحدها : ما حكاه صاحب العروة ناسباً له إلى القول; من أنّ الوجه في عدم الجواز هو عدم كون مال الإجارة موجوداً حينئذ لا في الخارج ولا في الذمّة ، ولذا لا  يختصّ المنع بخصوص الحنطة والشعير ، بل يعمّ كلّ ما يحصل منها ولو كان من غيرهما ، بل يكون لازمه عدم الجواز بما يحصل من أرض اُخرى أيضاً .
وأورد الحاكي على هذا الوجه بأنّ الحنطة والشعير في نظر العرف واعتباره بمنزلة الموجود كنفس المنفعة ، وهذا المقدار كاف في الصحّة ، نظير بيع الثمار سنتين أو مع ضمّ الضميمة ، فإنّها لا يجعل غير الموجود موجوداً مع أنّ البيع وقع على المجموع(1) .
ويمكن الجواب عنه بوجود الفرق بين المقام وبين المنفعة ، فإنّ المنفعة حيث تكون تابعة للعين ومن شؤونها تكون متحقّقة بوجود العين وبقائها ، وهذا بخلاف المقام الذي لا حظّ له من الوجود أصلاً ، كما لا يخفى .
ثانيها : أنّ المنع إنّما هو من جهة الغرر الحاصل من الشكّ في الوجود أو الشكّ في مقدار الموجود ، ومن الواضح عدم ارتفاع هذا الغرر المتحقّق بشيء أصلاً .

(1) العروة الوثقى : 5 / 95 ـ 97 .

(الصفحة546)



ثالثها : وهو العمدة ، الأخبار الخاصّة الواردة في المسألة ، كموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تستأجر الأرض بالتمر ولا بالحنطة ولا بالشعير ولا بالأربعاء ولا بالنطاف ، قلت : وما الأربعاء ؟ قال : الشرب ، والنطاف : فضل الماء ، ولكن تقبّلها بالذهب والفضّة والنصف والثلث والربع(1) . هذا ما رواه إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير . وأمّا ما رواه سماعة، عنه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)فهو أنّه قال : لاتؤاجر الأرض بالحنطة ولا بالشعير ولا بالتمر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف ولكن بالذهب والفضّة ; لأنّ الذهب والفضة مضمون وهذا ليس بمضمون(2) .
ورواية الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن إجارة الأرض بالطعام ؟ قال : إن كان من طعامها فلا خير فيه(3) .
ومرسلة يونس بن عبد الرّحمن ، عن غير واحد ، عن أبي جعفر و أبي عبدالله (عليهما السلام) أنّهما سُئلا ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام وتؤاجرها بالذهب والفضة ؟ قال : العلّة في ذلك أنّ الذي يخرج منها حنطة وشعير ، ولا تجوز إجارة حنطة بحنطة ولا شعير بشعير(4) .
وظاهر الروايات كما ترى هو عدم الجواز ، والتعبير بأنّه لا خير فيه كما في رواية الفضيل لا شهادة فيه على عدم النهي ; لأنّه مضافاً إلى إمكان ادّعاء كونه أيضاً ظاهراً في النهي والحرمة تكون الروايات الاُخر شاهدة على أنّ المراد به

(1) الكافي : 5 / 264 ح2 ، وسائل الشيعة : 19 / 138 ، كتاب الإجارة ب26 ح1 .
(2) الكافي : 5 / 264 ح1 ، وسائل الشيعة : 19 / 54 ، كتاب المزارعة ب16 ح2 .
(3) الكافي : 5 / 265 ح6 ، وسائل الشيعة : 19 / 55 ، كتاب المزارعة ب16 ح5 .
(4) علل الشرائع : 2 / 518 ب291 ح1 ، وسائل الشيعة : 19 / 56 ، كتاب المزارعة ب16 ح11 .

(الصفحة547)



ذلك ، فلا مجال للمخالفة في أصل المسألة ، كما ربما يحكى من ظاهر التبصرة(1) والمختلف(2) تبعاً لما يظهر من النافع(3) على ما قيل .
ثمّ إنّه لا ينبغي المناقشة في ظهور الروايات في أنّ مورد الحرمة هو الطعام الحاصل من الأرض المستأجرة إذا كان مقداره معيناً بحيث لا يحتمل فيه الزيادة والنقصان ، وأمّا إذا كان تعيّنه من جهة الثلث والربع ونحوهما فهو خارج عن باب الإجارة وداخل في المزارعة ، ولأجله يحتمل أن تكون رواية أبي بصير واردة في غير باب الإجارة ، وإن كان التعبير الوارد فيها ظاهراً في الإجارة ، وذلك لاشتمالها على الحكم بالجواز مع النصف والثلث على رواية إسحاق ، مضافاً إلى ظهور الاستئجار بالتمر في كون المراد به هي المساقاة ، فتدبّر .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ المراد هو التعيّن بغير الكسر المشاع .
والظاهر اختصاص المنع بما إذا كان بالطعام الحاصل من نفس الأرض المستأجرة ، وأمّا الطعام الحاصل من غيرها فلا مانع منه ، وإن كان معيّناً من حيث المقدار ومن جهة الأرض التي يخرج الطعام منها ، وذلك لظهور رواية الفضيل في التفصيل والاختصاص بالطعام الحاصل منها ، وإن كانت المرسلة لا يبعد دعوى عمومها لمطلق الطعام ، كما أنّ رواية أبي بصير المشتملة على التعليل بالمضمونية ظاهرة في العموم ; لعدم الفرق في عدم مضمونيّة الطعام بين ما يخرج من الأرض المستأجرة وما يخرج من غيرها ، كما لا يخفى  .

(1) تبصرة المتعلّمين: 106.
(2) مختلف الشيعة : 6 / 149 ـ 150 مسألة 73 .
(3) المختصر النافع : 243 .

(الصفحة548)



ثمّ إنّه هل يختصّ الحكم بخصوص الحنطة والشعير ، أو يعمّ جميع ما يحصل من الأرض المستأجرة ، وإن لم يكن من الحنطة والشعير كما في سائر الحبوب ؟ ظاهر المتن هو الثاني ، وصرّح السيّد (قدس سره) في العروة بالأوّل وأنّه لا إشكال في غير الحنطة والشعير(1) ، وعبارات الأصحاب مطلقة . قال في القواعد في كتاب المزارعة : تجوز إجارة الأرض بكلّ ما يصلح أن يكون عوضاً في الإجارة ـ وإن كان طعاماً ـ إذا لم يشترط أنّه ممّا يخرج من الأرض(2) ، وقال الشارح في مفتاح الكرامة : لأنّه لايجوز اشتراط كونه ممّا يخرج منه كما في الخلاف(3) والمبسوط(4) والسرائر(5)والمختلف(6) والتنقيح(7) وجامع المقاصد(8) ، ولا يصحّ كما في إيضاح النافع(9)والكتاب(10) ، ويكون حراماً كما في التذكرة(11) . . .(12) .
وأمّا النصوص ـ فمضافاً إلى إمكان ادّعاء شمول ما تضمّن منها لفظ الطعام لغير الحنطة والشعير ، كما ربما يؤيّده المقابلة بينه وبين الذهب والفضّة في كثير منها ، وإلى

(1) العروة الوثقى : 5 / 98 .
(2) قواعد الأحكام : 2 / 312 .
(3) الخلاف : 3 / 517 مسألة 3 .
(4) المبسوط : 3 / 255 .
(5) السرائر : 2 / 444 ـ 446 .
(6) مختلف الشيعة: 6 / 149 ـ 150  مسألة 73.
(7) التنقيح الرائع : 2 / 230 .
(8) جامع المقاصد : 7 / 315 .
(9) إيضاح النافع في شرح المختصر النافع للفاضل القطيفي غير مطبوع.
(10) قواعد الاحكام : 2 / 314 .
(11) تذكرة الفقهاء : 2 / 341 .
(12) مفتاح الكرامة : 7 / 302 ـ 303 .

(الصفحة549)



ذكر التمر في رواية أبي بصير بناءً على عدم كونه قرينة على أنّ المراد هي المساقاة دون الإجارة كما عرفت ـ يكون التعليل بعدم المضمونيّة في غير الذهب والفضّة قرينة على عدم الاختصاص . هذا ما يتعلّق بالفرض الأوّل .
وأمّا الفرض الثاني : وهو اشتراط أداء مال الإجارة ممّا يحصل من الأرض المستأجرة مع كونه في الذمة، فقد حكم فيه أيضاً في المتن بعدم الجواز ، واستشكل في جوازه صاحب العروة واحتاط بالعدم(1) ، والوجه في عدم الجواز هو ظهور بعض الروايات المتقدّمة في هذا الفرض كرواية الفضيل ، فإنّ التعبير بكلمة «من» في الجواب لعلّه ظاهر في أنّ المراد اشتراط الأداء من حاصل الأرض لا كونه عين مال الإجارة ، وإن كان في الاستظهار نظر ; لأنّ اسم كان في الجواب هو الضمير العائد إلى الطعام المذكور في السؤال الذي هو مال الإجارة ، والمراد حينئذ إن كان الطعام المجعول مال الإجارة بعضاً من طعامها فلا خير فيه ، ومن المعلوم عدم شمول هذا العنوان لهذا الفرض كما لا يخفى .
مضافاً إلى رواية الحسن الواردة في البيع : عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض ، قال : حرام(2) . بناءً على عدم ظهور الفرق بين ثمن المبيع والاُجرة ، وإن كان هذا الأمر مع فرض كون الحكم على خلاف القاعدة لا مجال له أصلاً ، للزوم الاقتصار على مورد التعبّد ، ولكن مع ذلك نفى البعد عن الجواز صاحب الجواهر(3) نظراً إلى العمومات ، ولكنّ الأقرب ما في

(1) العروة الوثقى : 5 / 97 .
(2) التهذيب : 7 / 149 ح661 ، وسائل الشيعة : 18 / 237 ، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار ب12 ح2 .
(3) جواهر الكلام : 27 / 12 .

(الصفحة550)



المتن لما عرفت .
وأمّا الفرض الثالث : وهي الإجارة بالحنطة أو الشعير من غير تقييد ولااشتراط بكونها منها ، فقد قرّب فيه في المتن الجواز خلافاً لبعضهم(1) ، حيث منع منه مع كونها من جنس ما يزرع فيها ، لصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمّ تزرعها حنطة(2) . ويمكن الاستدلال له بمرسلة يونس المتقدّمة الظاهرة في عدم جواز مؤاجرة الأرض بمطلق الطعام ، معلّلاً بأنّه لا يجوز إجارة الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير ، وأورد على الاستدلال بالصحيحة صاحب الجواهر بأنّه مع عدم وفائها بتمام المدّعى يمكن حملها على إرادة ما إذا كان منها ، بل لعلّه لا يخلو من إيماء إليه ، أو يحمل النهي فيها على الكراهة(3) .
وتنظّر في الحمل الأخير في المسالك بقوله : وفيه نظر ; لأنّ النهي مطلق ، ولا  منافاة بينه وبين تحريم شرطه من طعامها حتّى يجمع بينهما بحمله عليه ـ إلى أن قال :ـ مع أنّه يمكن هنا حمل الخبر الأوّل على الإطلاق كالثاني ; بأن يريد بكونه من طعامها أي من جنسه ، ويؤيّده ظهور الكراهة منه ، ولو كان من نفسه لكان اللاّزم التصريح بالمنع ، فإنّ عدم الخير لايبلغ حدّ المنع ، فإنّ المباح أو المكروه لا يوصف بالخير ولا بضدّه ، وبينه وبين الشرّ واسطة ، وأمّا النهي فالأصل فيه التحريم ، فحمله على الكراهة بغير دليل آخر غير حسن ، وقول ابن البرّاج بالمنع

(1) المبسوط : 3 / 255 ، قواعد الأحكام : 2 / 312 ، مختلف الشيعة : 6 / 149 ـ 150 مسألة 73 ، مفتاح الكرامة : 7/302 .
(2) الكافي : 5 / 265 ح3 ، وسائل الشيعة : 19 / 54 ، كتاب المزارعة ب16 ح3 .
(3) جواهر الكلام : 27 / 13 .

(الصفحة551)



مطلقاً(1) لا يخلو من قوّة، نظراً إلى الرواية الصحيحة ، إلاّ أنّ المشهور خلاف قوله(2) .
وفيه وضوح المنافاة بين هذه الصحيحة ، وبين ما يدلّ على تحريم شرطه من طعامها ; لوضوح إفادته التفصيل بين الصّورتين والحكم بالجواز مع عدم الشرط المذكور ، وإلاّ تلزم لغويّة التقييد مع إطلاق مورد السؤال ، فدلالته على الجواز في غير ما إذا كان هناك شرط من طعامها ظاهرة ، وبهذه الدلالة تعارض الصحيحة ، فلا محيص عن حمل النهي فيها على الكراهة ، وبهذا يظهر أنّه لا يمكن حمل الخبر الأوّل على الإطلاق بعد ظهوره في ثبوت الصورتين ، والإطلاق ينافي ذلك ، وأمّا عدم الخير فظهوره في التحريم غير قابل للإنكار لمن تتبّع موارد استعماله في الروايات .
مضافاً إلى أنّه كيف يمكن الجمع بين حمل هذه الرواية على الكراهة وإبقاء النهي في الصحيحة على ظاهره من الحرمة ، وإلى أنّ مخالفة الصحيحة للشهرة العظيمة توجب خروجها عن الحجّية بعد فرض المعارضة وعدم إمكان الجمع ، وإلى أنّ التعليل بعدم المضمونية في الحنطة والشعير لا يجري في هذا الفرض بوجه ، وإلى معارضة الصحيحة بخبر الهاشمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً قال : سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّـاة أو بطعام مسمّى ثمّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك ؟ قال : نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم

(1) المهذّب: 2 / 10.
(2) مسالك الأفهام : 5 / 13 ـ 14 .

(الصفحة552)



بذلك فله ذلك .
قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّـاة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريباً جريباً بشيء معلوم ، فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان ولا ينفق شيئاً ، أو يؤاجر تلك الأرض قطعاً على أن يعطيهم البذر والنفقة ، فيكون له في ذلك فضل على إجارته وله تربة الأرض ، أو ليست له ؟ فقال له : إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت(1)، فإنّ دلالتها على مفروغيّة جواز إجارة الأرض بطعام مسمّى من غيرها واضحة لا ارتياب فيها ، فالأقوى ما في المتن من الجواز في هذه الصورة .

(1) الكافي : 5 / 272 ح2 ، وسائل الشيعة : 19 / 127 ، كتاب الإجارة ب21 ح3 و4 .

(الصفحة553)

[ضمان الأجير والعامل]

مسألة  : العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر في مدّة الإجارة ، فلايضمن تلفها ولا تعيّبها إلاّ بالتعدّي والتفريط ، وكذا العين التي للمستأجر بيد من آجر نفسه لعمل فيها ـ كالثوب للخياطة والذهب للصياغة ـ فإنّه لا يضمن تلفها ونقصها بدون التعدّي والتفريط . نعم ، لو أفسدها بالصبغ أو القصارة أو الخياطة حتّى بتفصيل الثوب ونحو ذلك ضمن وإن كان بغير قصده ، بل وإن كان استاذاً ماهراً وقد أعمل كمال النظر والدقّة والاحتياط في شغله ، وكذا كلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده ضمنه ، ومن ذلك ما لو استؤجر القصّاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراماً ، فإنّه ضامن لقيمته ، بل الظاهر كذلك لو ذبحه تبرّعاً1 .


1 ـ يقع الكلام هنا في ثبوت الضمان في العين المستأجرة وعدمه ، وتفصيله في ضمن مسائل أربع :
المسألة الاُولى : ضمان العين المستأجرة بالإجارة الصحيحة في مدّة الإجارة وعدمه مع عدم اشتراطه ، والكلام فيه تارةً من حيث اقتضاء القاعدة مع قطع النظر عن الإجماع والنصوص الخاصّة ، واُخرى فيما هو مقتضى النصوص والإجماع .
أمّا من الجهة الاُولى فمقتضى ظاهر العبارات أنّها أمانة في يد المستأجر ، فلايضمنها إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، ومن المعلوم اشتمال هذه العبارات على أمرين : أحدهما صغرى، والآخر كبرى ، أمّا الكبرى ; وهي عدم استتباع اليد الأمانية للضمان ، فالظاهر أنّه لا تنبغي المناقشة فيها ، كما يظهر بالتتبع في الموارد الكثيرة المختلفة التي يستشهدون بها ، وكما يظهر من الاقتصار في الروايات الكثيرة

(الصفحة554)



الواردة في الموارد المختلفة أيضاً على الحكم بكون الرجل أميناً أو مؤتمناً ، الظاهر في مفروغية استتباع الأمانة لنفي الضمان المستفاد من عموم «على اليد ما أخذت . . .»(1). فلا محيص عن الالتزام بهذه القاعدة ، وهل هي قاعدة شرعية أو عقلائية ممضاة للشارع ؟ فيه وجهان ، ولا يبعد ترجيح الوجه الثاني .
وأمّا الصغرى ; وهي ثبوت الأمانة وتشخيص حقيقتها ، ففيها غموض وإشكال ، وقبل الخوض فيها نقول : ذكر المحقّق الإصفهاني (قدس سره) تبعاً لما يستفاد من الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ أنّ الأمانة مالكية وشرعية ، والتأمين المالكي على قسمين : تأمين عقديّ كالوديعة التي حقيقتها الاستنابة في الحفظ ; وهي الأمانة بالمعنى الأخصّ ، وتأمين بالتسليط على ماله برضاه فتكون أمانة بالمعنى الأعمّ ، وبهذا المعنى اُطلقت الأمانة على العين المستأجرة والمرهونة والمستعارة والمضارب بها ، والأمانة الشرعية فيما كان التسليط على المال بحكم الشارع ، كما في تسليط الولي على مال القاصر ، وكالتسليط على اللقطة ومجهول المالك وغير ذلك .
ثمّ ذكر (قدس سره) أنّ الأمانة المالكية بالمعنى الأعمّ إنّما يستفاد تحقّقها ممّا ورد في الأبواب المتفرقة من العارية والمضاربة ونحوهما بعنوان أنّ صاحب العارية مؤتمن ، وأنّ صاحب البضاعة مؤتمن خصوصاً بعد ضمّه إلى أنّ صاحب الوديعة مؤتمن(2) ، مع أنّه ليس في هذه الموارد مصداق للتأمين المالكي إلاّ تسليطه على ماله عن رضاه ، فيعلم منه أنّ كلّ تسليط عن الرضا ائتمان ، وما يذكر في مقام التقييد من أنّه لابدّ من أن يكون التسليط بعنوان التسليط منه على ماله لا بعنوان مال مالكه ، وعن الرضا

(1) تقدّم تخريجه في ص338.
(2) وسائل الشيعة : 19 / 79 ، كتاب الوديعة ب4 ح1 وص93 ، كتاب العارية ب1 ح6 وص142 ، كتاب الإجارة ب29 ح3 .

(الصفحة555)



المحض لا عن لابدّية واستحقاق للغير ، وأنّه لا يكون مبنيّاً على أمر غير واقع ، كلّ ذلك من المحقّقات للتسليط عن الرضا لا أمر زائد عليه(1) ، انتهى موضع الحاجة .
وربما يستشكل في ثبوت الأمانة الشرعية بابتنائها على القول بالحقيقة الشرعية وهو غير ثابت ، والتحقيق عدم الابتناء ، ضرورة أنّه ليس المراد بها كون الأمانة في مواردها لها معنى خاصّ عند الشارع ; وهي حقيقة في ذلك المعنى ، بل المراد بعد وضوح كون الأمانة في موارد الأمانة الشرعية يراد بها ما هو معناها بحسب اللغة ، أنّ التأمين تارةً يكون من قبل المالك ، واُخرى من قبل الشارع الذي هو المالك الحقيقي ، فليس الاختلاف راجعاً إلى معنى الأمانة وحقيقتها ، والمصحّح لتقسيمها إنّما هو اختلاف من يقع التأمين من ناحيته ، كما لا يخفى .
وليعلم قبل ملاحظة صدق الأمانة في مثل المقام وعدمه أنّ مقتضى القاعدة في موارد الشكّ في صدقها هل هو الضمان أو عدمه ؟ فنقول : عمدة الدليل في موارد ثبوت الضمان وترتّبه على اليد قوله (صلى الله عليه وآله) : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي . ولا يخفى أنّ اعتبار سنده محلّ كلام ومناقشة ; لأنّ الراوي له ظاهراً هو سمرة بن جندب ، وهو مطعون ومرميّ بالفسق جدّاً ، وعلى تقدير اعتبار السند نقول : إنّه لا إشكال في انقسام اليد عند العقلاء بالأماني وغيره ، وفي أنّ اليد الأمانيّة لا يترتّب عليها الضمان عندهم ، وقد عرفت أنّه يستفاد مفروغية ذلك عند الشرع من ملاحظة الموارد الكثيرة التي اقتصر فيها على بيان الموضوع وإفادة الصغرى من دون تعرّض للكبرى .
ودعوى أنّ القدر المتيقّن من ثبوت الأمانة هي الوديعة ، وأنّ مثل قوله (عليه السلام) :

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 30 ـ 31 .

(الصفحة556)



صاحب العارية والوديعة مؤتمن(1) ، لا يدلّ إلاّ على ثبوت الأمانة بنحو الحكومة ، فلا يستفاد منه إلاّ عدم الضمان فقط ، فالقاعدة العامّة الثابتة عند العقلاء وهي عدم ثبوت الضمان في جميع موارد الأمانة ممّا لم يثبت عند الشرع لو لم يقال بأنّ عموم «على اليد» دليل على خلافه ، وأنّ الشارع قد ردع العقلاء في عموم القاعدة .
مدفوعة ـ مضافاً إلى ما عرفت من استفادة مفروغية ذلك في الشرع بعد التتّبع والتأمّل ـ بأنّ الردع عن مثل هذا الأمر يحتاج إلى دليل قويّ ، ولا يكتفى فيه بالعموم كما هو ظاهر .
وبالجملة : بعد ثبوت هذه القاعدة عند العقلاء إذا اُلقي عليهم عموم قوله : «على اليد» يمكن أن يقال : بأنّ ثبوتها عندهم قرينة على اختصاص العموم باليد غير الأمانيّة، وعدم انعقاد ظهور للعام إلاّ فيه ، فيكون كالقرينة المتّصلة التي يشتمل عليها الكلام ، ومن الواضح أنّه حينئذ لا يجوز التمسّك في موارد الشكّ في صدق الأمانة بالعموم ; لانعقاد ظهوره من أوّل الأمر في اليد غير الأمانيّة، وتحقّقه في موارد الشكّ غير معلوم .
وأمّا لو قلنا بعدم كون هذه القاعدة من قبيل المخصّص المتّصل ، بل هو من قبيل المخصّص المنفصل فالظاهر حينئذ أنّه لا مانع من التمسّك بالعامّ ، بناءً على أنّه لو كان المخصّص المنفصل مجملاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر كما في المقام فلا مانع من التمسّك بالعموم في مورد الشكّ في انطباق عنوان المخصّص عليه ، كما عليه أكثر الكتب الاُصولية ، و حينئذ يصير مقتضى القاعدة ثبوت الضمان في موارد الشكّ ، كما أنّ مقتضى أصالة البراءة واستصحاب عدم الضمان في الفرض الأوّل هو العدم .

(1) التهذيب : 7 / 182 ح798 ، الاستبصار : 3 / 124 ح441 ، وسائل الشيعة : 19 / 93 ، كتاب العارية ب1 ح6 .

(الصفحة557)



إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ الأمانة ـ كما صرّح به بعض اللغويّين(1) ـ حقيقة في المعنى المصدري ، واستعمالها في العين الخارجيّة مجاز حتّى في الوديعة ، وعليه فمرجع اتّصاف الشخص بكونه أميناً ليس إلى كون المال أمانة عنده، كما لعلّه المتفاهم عند العرف ، بل إلى كونه متّصفاً بالوثاقة والاطمئنان ولو لم يجعل مال عنده أصلاً ، وحينئذ فالمستفاد من الروايات الكثيرة الواردة في الموارد المختلفة ـ مثل قوله (عليه السلام)في رواية الحلبي : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان(2) ، وقول أبي جعفر (عليه السلام) في مرسلة أبان في الجواب عن السؤال عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق ، أ على صاحبه ضمان ؟ فقال : ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً(3) ، والروايات الكثيرة الواردة في كراهة ائتمان شارب الخمر ، وأنّه لا يصلح أن يؤتمن(4)خصوصاً ما اشتمل منها على قصّة إسماعيل ابن الصادق (عليه السلام) ـ أنّ الملاك والمناط في عدم الضمان هو كون الرجل أميناً وموثوقاً به(5) .
وأمّا ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) من أنّ ما ورد من الحكم بعدم التغريم إذا كان مأموناً فهو كالحكم بعدم التغريم إذا كان عدلاً مسلماً في رواية اُخرى(6) ، فإنّ الملحوظ عدم التغريم من حيث التفريط ، يعني إذا كان عدلاً مسلماً مأموناً فهو لا  يفرط ، وإلاّ فالضمان من حيث التلف لا يتفاوت فيه البرّ والفاجر(7) .

(1) أقرب الموارد : 1 / 20 .
(2) التهذيب : 7 / 183 ح805 ، وسائل الشيعة : 19 / 93 ، كتاب العارية ب1 ح6 .
(3) الكافي : 5 / 238 ح4 ، وسائل الشيعة : 19 / 93 ، كتاب العارية ب1 ح8 .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 82 ـ 84، كتاب الوديعة ب6.
(5) الكافي : 5 / 299 ح1 ، وسائل الشيعة : 19 / 82 ، كتاب الوديعة ب6 ح1 .
(6) الكافي : 5 / 238 ذيل ح1 ، وسائل الشيعة : 19 / 79 ، كتاب الوديعة ب4 ح3 .
(7) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 31 .

(الصفحة558)



ففيه : أنّه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر الرواية من التفصيل بين ما إذا كان مأموناً وما إذا لم يكن ، والحكم بعدم التغريم فيما إذا كان مسلماً عدلاً قد لوحظ فيه هذا المعنى ، ضرورة أنّ المسلم العادل ينبغي أن يوثق ويطمئنّ به كما هو ظاهر .
فانقدح أنّ المناط هو كون الرجل موثوقاً به ، وفي المقام نقول : إنّ المستأجر إذا كان موثوقاً به فهو غير ضامن من جهة كونه أميناً لا من جهة كونه مستأجراً ، وإذا لم يكن كذلك فلا يستفاد من تلك الروايات عدم ضمانه ، هذا كلّه فيما تقتضيه القاعدة .
وأمّا الكلام من الجهة الثانية، فنقول : قد ادّعي عدم الخلاف بل الإجماع على عدم ضمان العين المستأجرة إلاّ مع التعدّي أو التفريط في محكي(1) التذكرة(2)والتنقيح(3) والإيضاح النافع(4) والغنية(5) والرياض(6) ، ولكنّ الظاهر أنّه لامجال للاتّكال على الإجماع في مثل المقام ممّا يمكن أن يكون مستند المجمعين فيه هي القاعدة أو النصوص الخاصّة ، ضرورة أنّه مع هذا الاحتمال يكون اللاّزم النظر في المستند ، وأنّه هل يكون قابلاً للاستناد أم لا ؟ فالإجماع فيما نحن فيه لا يكون دليلاً مستقلاًّ .
وأمّا النصوص الخاصّة فكثيرة ، ومقتضاها أنّه لا ضمان إلاّ مع التعدّي

(1) الحاكي هو صاحب مفتاح الكرامة : 7 / 251 .
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 317 ـ 318.
(3) التنقيح الرائع 2 : 259 .
(4) إيضاح النافع في شرح المختصر النافع للفاضل القطيفي لم نعثر عليه.
(5) غنية النزوع : 288 .
(6) رياض المسائل : 6 / 18 .

(الصفحة559)



أو التفريط :
منها : رواية علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت، ما عليه ؟ قال : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسمّ فليس عليه شيء(1) .
ومنها : صحيحة أبي ولاّد الحناط ـ الطويلة الواردة فيمن استأجر دابّة إلى مسافة فتجاوزها ـ وفيها قوله : فقلت له : أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني ؟ قال : نعم قيمة بغل يوم خالفته ، قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز ؟ فقال : عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه(2) .
ومنها : رواية الحسن الصيقل قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في رجل اكترى دابّة إلى مكان معلوم فجاوزه ؟ قال : يحسب له الأجر بقدر ما جاوزه ، وإن عطب الحمار فهو ضامن(3) .
ومنها : رواية الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : عن رجل تكارى دابّة إلى مكان معلوم فنفقت الدابّة ؟ قال : إن كان جاز الشرط فهو ضامن ، وإن دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن ، وإن سقطت في بئر فهو ضامن ; لأنّه لم يستوثق منها(4) . وهذه الرواية تدلّ على الضمان في صورتي التعدّي والتفريط معاً بخلاف الروايات المتقدّمة ، فإنّ مدلولها الضمان في مورد التعدّي .
ومنها : رواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) على ما رواه الشيخ ، المشتملة على

(1) الكافي : 5 / 291 ح7 ، وسائل الشيعة : 19 / 118 ، كتاب الإجارة ب16 ح1 .
(2) الكافي : 5 / 290 ح6 ، وسائل الشيعة : 19 / 119 ، كتاب الإجارة ب17 ح1 .
(3) الكافي : 5 / 289 ح1 ، وسائل الشيعة : 19 / 121 ، كتاب الإجارة ب17 ح2 .
(4) الكافي : 5 / 289 ح3 ، وسائل الشيعة : 19 / 121 ، كتاب الإجارة ب17 ح3 .

(الصفحة560)



زيادة : وعن رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرقه ، قال : هو مؤتمن(1) . بناءً على أن يكون العمل المستأجر عليه هو الحفظ ، وأمّا لو كان أمراً آخر والإقعاد على المتاع خارجاً عن الإجارة فلا مجال للاستدلال بها للمقام .
ومنها : رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام)في حديث : ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابّة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة(2) .
ومنها : ما رواه عليّ بن جعفر (عليه السلام) في محكي كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)قال : سألته عن رجل استأجر دابّة فوقعت في بئر فانكسرت ما عليه ؟ قال : هو ضامن إن كان لم يستوثق منها ، فإن أقام البيّنة أنّه ربطها فاستوثق منها فليس عليه شيء(3) .
ومنها : ذيل رواية الحلبي الاُولى المتقدّمة على ما رواه الصدوق بإسناده عن حمّاد ، عنه ، وهو قوله (عليه السلام) : وأيّما رجل تكارى دابّة فأخذتها الذئبة فشقّت كرشها فنفقت فهو ضامن ، إلاّ أن يكون مسلماً عدلاً(4) . بناءً على أن يكون المراد بالمسلم العدل هو الأمين ; لأنّه ينبغي أن يكون مؤتمناً ، وعلى أن يكون المفروض صورة عدم التفريط والتعدّي ، فيصير المراد عدم ثبوت الضمان على الأمين مع عدمهما .
هذه هي الروايات الواردة في المقام ، ومقتضى ما عدا الأخيرة منها عدم ثبوت الضمان على المستأجر مطلقاً إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، ولكن الأخيرة ظاهرة في التفصيل بين الأمين وغيره ، ويمكن حمل ما عداها على الأمين أيضاً ; لأنّ الغالب في

(1) التهذيب : 7 / 218 ح952 ، وسائل الشيعة : 19 / 142 ، كتاب الإجارة ب29 ح3 .
(2) التهذيب : 7 / 182 ح800 ، وسائل الشيعة : 19 / 155 ، كتاب الإجارة ب32 ح1 .
(3) مسائل علي بن جعفر : 196 ح415 ، وسائل الشيعة : 19 / 156 ، كتاب الإجارة ب32 ح4 .
(4) الفقيه : 3 / 162 ح710 ، وسائل الشيعة : 19 / 155 ، كتاب الإجارة ب32 ح3 .
<<التالي الفهرس السابق>>