في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة141)

مسألة : يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولاً أو فعلاً ، كأخذ الموصى به والتصرّف فيه بقصد القبول1 .

مسألة : لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته ، كما لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متّصلاً به ، أو متأخّراً عنه مدّة2 .

مسألة : لو ردّ بعضاً وقبل بعضاً صحّ فيما قبله وبطل فيما ردّه على الأقوى ، إلاّ إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع3 .


ما ذكرنا عدم اعتبار القبول وأنّ الردّ مانع ، وعليه فالوصيّة من الإيقاعات وتكون تمام السبب المملّك بشرط عدم الردّ .

1 ـ بناءً على اعتبار القبول في بعض موارد الوصيّة التمليكيّة كما عرفت منّا الإشكال في ذلك يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولاً أو فعلاً ، كأخذ الموصى له الموصى به والتصرّف فيه بقصد القبول وبعنوان المالكيّة ، ولا يعتبر في القبول اللفظ ، فضلاً عن لفظ خاصّ ; لعدم الدليل على ذلك .

2 ـ لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته ، من دون فرق في الأوّل بين صورة الاتّصال بالوصيّة أو الانفصال عنها ، كما أنّه لا فرق في الثاني بين صورتي الاتّصال والتأخّر ، بشرط أن لا تكون المدّة كثيرة مانعة عن لحاظ الارتباط بينه وبين الإيجاب ، وهذه الاُمور تؤيّد ما ذكرنا في الحاشية من عدم اعتبار القبول أصلاً(1) ، كما لا يخفى .

3 ـ لو ردّ الموصى له بعض الموصى به وقبل بعضاً ففي المتن صحّ فيما قبله وبطل

(1) العروة الوثقى: 2 / 762، كتاب الوصيّة، حاشية مسألة 3899.

(الصفحة142)

مسألة : لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ والقبول ، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته1 .

مسألة : الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً ، لا أنّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ، ثمّ إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث ، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ، ولا تنفذ فيه وصاياه2 .


فيما ردّه على الأقوى ، من دون فرق بين شرطيّة القبول أو مانعيّة الردّ ، لفرض تحقّق كليهما . غاية الأمر بالنسبة إلى الأبعاض ، واستثنى فيه صورة ما إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع ، كما إذا أوصى له بخاتم أو مثله ، ففي هذه الصورة يكون التبعيض مبطلاً ، من دون فرق أيضاً بين شرطيّة القبول أو مانعيّة الردّ ; لما عرفت من تحقّق كلا الأمرين ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال : إنّ القدر المتيقّن من الردّ المتّصف بالمانعيّة إجماعاً هو ردّ المجموع لا البعض ، وحينئذ لا يؤثّر ردّ البعض أصلاً ، بل الوصيّة نافذة بالإضافة إلى المجموع وإن لم يتحقّق القبول بالنسبة إليه ، فتدبّر جيّداً .

1 ـ لو تحقّق موت الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ والقبول ; لأنّ حقّ ذلك ينتقل إلى ورثته ; لأنّه من جملة ما تركه ، فلو فرض عدم رجوع الموصي عن وصيّته يملك ورثة الموصى له الموصى به بقبولهم كمورّثهم .

2 ـ هل وارث الموصى له يتلقّى المال ابتداءً من الموصى له بعد انتقال المال إليه أوّلاً والقسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث ، أو أنّه يتلقّى المال

(الصفحة143)

مسألة : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم صحّت الوصية فيمن قبل ، وبطلت فيمن ردّ بالنسبة1 .


من الموصي من دون واسطة؟
وتظهر الثمرة في ديون الموصى له ونفوذ وصاياه ، فعلى الأوّل تخرج من مال الموصى له ; لتقدّمها على الإرث دون الثاني ; لعدم ارتباط الوصيّة بالموصى له حينئذ ، قد استظهر في المتن الثاني ، والوجه فيه أنّه لم ينتقل إلى الموصى له بعد فوته في حياة الموصي قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول ، والذي انتقل إلى الورثة إنّما هو مجرّد حقّ القبول ، فاللازم الالتزام بأنّ ورثة الموصى له يتلقّون المال من الموصي ابتداءً في صورة القبول وعدم رجوع الموصي عن وصيّته ، ويترتّب عليه ما ذكر .

1 ـ لو اختلف ورثة الموصى له في الردّ والقبول فتحقّق الأوّل من بعض والثاني من البعض الآخر ، فهو كما إذا قبل الموصى له البعض دون الآخر ، كما تقدّم في المسألة الثامنة ، وعليه فتصحّ الوصيّة في المقام فيمن قبل ، وتبطل فيمن ردّ بالنسبة ، كما في تلك المسألة بالنظر إلى الأبعاض ، فتدبّر جيّداً .


(الصفحة144)

[ما يعتبر في الموصي ]
مسألة : يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ . نعم ، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف ، كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات ، وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدواريّاً في دور جنونه ، ولا السكران ، ولا المكره ، ولا المحجور عليه إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه1 .


1 ـ يدلّ على صحّة وصيّة البالغ عشراً في الجملة روايات :
منها : موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته(1) .
ومنها : موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق ، أو تصدّق ، أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز(2) .
ومنها : موثّقة أبي بصير وأبي أيّوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الغلام ابن عشر سنين يوصي ، قال : إذا أصاب موضع الوصيّة جازت(3) .
ومنها : موثّقة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وصيّة الغلام هل تجوز؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته(4) .

(1) الكافي : 7 / 28 ح3 ، الفقيه : 4 / 145 ح501 ، وعنهما الوسائل : 19 / 362 ، كتاب الوصايا ب44 ح3 .
(2) الكافي : 7 / 28 ح1 ، الفقيه : 4 / 145 ح502 ، التهذيب : 9 / 181 ح729 ، وعنها الوسائل : 19 /362 ، كتاب الوصايا ب44 ح4 .
(3) التهذيب : 9 / 181 ح727 ، وعنه الوسائل : 19 / 363 ، كتاب الوصايا ب44 ح6 .
(4) التهذيب : 9 / 182 ح730 ، وعنه الوسائل : 19 / 363 ، كتاب الوصايا ب44 ح7 .

(الصفحة145)



ومنها : غير ذلك من الروايات المعتبرة التي ادّعي استفاضتها الدالّة على ذلك .
وفي مقابلها روايتان :
إحداهما : ما دلّ على أنّ المناط في صحّة وصيّة الصبيّ هو العقل لا البلوغ عشر سنين ; وهي موثّقة جميل بن درّاج ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيّته وإن لم يحتلم(1) .
ثانيتهما: ما دلّ على نفوذ وصيّة الصبيّ وصحّتها إذا بلغ ثمان سنوات ; وهي رواية الحسن بن راشد ، عن العسكري (عليه السلام) قال : إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك(2) .
ويمكن الجواب عن الرواية الاُولى ـ مضافاً إلى أنّ اعتبار العقل في صحّة الوصية ثابت بالإضافة إلى البالغ أيضاً ، فلا مجال للحكم بصحّة وصيّته، خصوص غير البالغ إذا كان عاقلاً ـ بأنّ الرواية تدلّ على صحّة طلاقه وصدقته أيضاً مع عدم الاحتلام ، فلا يجوز الأخذ بها ، خصوصاً بملاحظة ما مرّ في كتاب الحجر(3) من السنّ المعتبر علامة للبلوغ . نعم ، لابدّ من حمل إطلاق الغلام على البالغ عشراً ، نظراً إلى تلك الروايات المتقدّمة .
وأمّا رواية الحسن بن راشد ـ فمضافاً إلى المناقشة في سندها ، وفي دلالتها على جواز أمره مطلقاً إذا بلغ ثماني سنين لا خصوص وصيّته ـ تكون الشهرة المحقّقة(4)

(1) التهذيب : 9 / 182 ح733 ، وعنه الوسائل : 19 / 212 ، كتاب الوقوف والصدقات ب15 ح2 .
(2) التهذيب : 9 / 183 ح736 ، وعنه الوسائل : 19 / 212 ، كتاب الوقوف والصدقات ب15 ح4 .
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في الصغر، مسألة: 3.
(4) شرائع الإسلام: 2 / 244، رياض المسائل: 9 / 439 ـ 440، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 2 /465، كفاية الأحكام: 145، جواهر الكلام: 28 / 271.

(الصفحة146)



التي هي أوّل المرجّحات وفي صدرها على خلافها ، حيث إنّه لم يقل بها إلاّ ابن الجنيد(1) .
نعم ، هنا رواية تخالف جميع الروايات المتقدّمة ; وهي صحيحة أبي بصير المرادي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين ، وأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقٍّ جازت وصيّته(2). هذا ، والظاهر الإجماع(3) على خلاف هذه الرواية المفصّلة بالكيفيّة المذكورة فيها .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاقات الروايات المتقدّمة أنّه لا فرق بين ذوي الأرحام والغرباء ، كما ذهب إليه المشهور(4) ، لكن هنا صحيحة دالّة على التفصيل ; وهي ما رواه محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء(5) .
ولعلّه لذا استشكل بعض المحشّين على العروة وقال : إنّ صحّة وصيّته للغرباء محلّ إشكال(6) وإن صرّح في متن العروة بعدم الفرق ، وهو مقتضى قاعدة الإطلاق والتقييد والجمع الدلالي بينهما فيما لم يكن هناك إجماع على الخلاف .

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة : 6 / 348 .
(2) الكافي : 7 / 29 ح4 ، الفقيه : 4 / 145 ح503 ، التهذيب : 9 / 182 ح732 وعنها الوسائل : 19/361 ، كتاب الوصايا ب44 ح2 .
(3) مسالك الأفهام : 6 / 141 ، الحدائق الناضرة : 22 / 412 .
(4) العروة الوثقى : 2 / 771 ، كتاب الوصيّة مسألة 3908 ، الأمر الأوّل .
(5) الكافي : 7 / 28 ح2 ، الفقيه : 4 / 146 ح504 ، التهذيب : 9 / 181 ح728 ، وعنها الوسائل : 19/360 ، كتاب الوصايا ب44 ح1 .
(6) التعليقة على العروة الوثقى للسيّد الخوئي : 310 .

(الصفحة147)



وذكر بعض الأعلام في شرح العروة أنّ النسبة بين صحيحة محمّد بن مسلم وبين ما دلّ على نفوذ وصيّة الغلام إذا بلغ عشراً ، إنّما هي العموم والخصوص من وجه ، فهما قد يجتمعان وقد يفترقان ، فيجتمعان في وصيّة الغلام البالغ عشراً لأرحامه ، ويفترقان في موردين : وصيّة البالغ عشراً لغير أرحامه ، ووصيّة من لم يبلغ عشراً لأرحامه ، حيث إنّ مقتضى ما دلّ على نفوذ وصيّة البالغ عشراً هو صحّة الأوّل وفساد الثاني ، في حين أنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم هو العكس فيهما .
وحينئذ فمقتضى القواعد هو التساقط والرجوع إلى عموم ما دلّ على حجر الصبيّ وعدم نفوذ تصرّفاته ما لم يحتلم(1) .
فما أفاده الماتن وفاقاً للمشهور لا يمكن المساعدة عليه ; لأنّ القدر المتيقّن من نفوذ وصيّة الصبي هو ما إذا بلغ عشراً وكانت وصيّته للأرحام ، اللّهمّ إلاّ أن يثبت إجماع على عدم الفرق ، لكنّه غير ثابت(2) .
ويمكن أن يورد عليه بأنّه ـ بعدما حكمنا باعتبار وصيّة الغلام فيما إذا بلغ عشراً في الجملة ، وطرحنا الروايات الدالّة على خلاف ذلك ، نظراً إلى الشهرة المرجّحة كما مرّ ـ لا محيص من رعاية مقتضى الإطلاق والتقييد بين تلك الروايات ، وبين صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على اختصاص الجواز والنفوذ بالأرحام وعدم الجواز للغرباء ، إلاّ أن يقال بأنّ مرجع ذلك إلى ثبوت الإجماع ، وهو لو تمّ فإنّما هو على عدم الفرق ، لا تحقّق الفرق ، فتدبّر جيّداً .

(1) يراجع تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، مسألة 3، الأمر الثاني.
(2) المباني في شرح العروة الوثقى : 33 / 337 .

(الصفحة148)



ثمّ إنّ ظاهر المتن اختصاص صحّة وصيّة البالغ عشراً بما إذا كانت في برٍّ ومعروف ، كالأمثلة المذكورة فيه ، مع أنّ أكثر الروايات الدالّة على ذلك خالية عن هذا القيد . نعم ، في موثّقة زرارة المتقدّمة : «أو أوصى على حدّ معروف وحقٍّ فهو جائز» . والظاهر أنّ المراد بالحقّ ما ثبت على عهدته بحيث يجب عليه بعد البلوغ الفراغ عنه ، أو يجب على الوليّ ذلك من مال الصغير ، كما لو أتلف مال الغير فصار ضامناً ; لقاعدة الإتلاف(1) ، وقد تقرّر في محلّه عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين(2)، وأمّا قوله : «على حدّ معروف» فهل المراد به وجوه الخيرات والمبرّات، ويؤيّده ذكره في سياق الإعتاق والتصدّق ، أو أنّ المراد به المقدار الذي تنفذ الوصيّة به في غير الصبيّ وهو الثلث دون الأزيد ، ويؤيّد هذا الاحتمال ذكر كلمة «على» مكان الباء ، مع أنّ المناسب في الوصية التمليكيّة وشبهها هو الباء ، كما لايخفى .
وأمّا اعتبار العقل في الموصي ، فلما دلّ على رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق(3) ، وليس المراد رفع المؤاخذة كما قرّر في محلّه(4) ، ومنه يظهر أنّ المجنون الأدواري لا تصحّ وصيّته في دور الجنون ، وأمّا دور الإفاقة فلا مانع من النفوذ ، كما أنّ الأمر في السكران يشابه هذا ، فإذا بلغ السكر إلى مرتبة زوال الشعور والإدراك فهو ملحق بالمجنون ; لعدم الفرق ، وأمّا إذا لم يبلغ تلك المرتبة فلا دليل على بطلان وصيّته .
كما أنّ الدليل على اعتبار الاختيار في مقابل الإكراه ما دلّ على رفع ما

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف حفظه الله : 45 ـ 61 .
(2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 331 ـ 339 .
(3) الخصال : 94 ح40 وص175 ح233 ، وعنه الوسائل : 1 / 45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
(4) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 336 ـ 338 .

(الصفحة149)

مسألة : يعتبر في الموصي مضافاً إلى ما ذكر أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً ، فمن أوقع على نفسه جرحاً ، أو شرب سمّاً ، أو ألقى نفسه من شاهق ونحو ذلك ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله . وإن كان إيقاع ما ذكر خطأً ، أو كان مع ظنّ السلامة فاتّفق موته به نفذت وصيّته . ولو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه لم تبطل وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها1 .


استكرهوا عليه(1) ، سواء كان في العقود والإيقاعات أو غيرهما . نعم ، لا يجوز قتل الغير بالإكراه عليه ; لوجود الدليل على ذلك .
والدليل على اعتبار الرشد في مقابل السفه والفلس ما تقدّم في كتاب الحجر من محجوريّة السفيه والمفلّس(2) ، فلا تنفذ وصيتهما إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه . نعم ، لا بأس بمثل الوصيّة العهديّة الراجعة إلى الصلاة والصوم وغيرهما، فلاحظ .
نعم ، ذكر في العروة أنّ المفلس لا مانع من وصيّته وإن كانت بعد حجر الحاكم ; لعدم الضرر بها على الغرماء ; لتقدّم الدين على الوصيّة(3) .

1 ـ الدليل على اعتبار الأمر المذكور ـ مضافاً إلى أنّه المشهور(4) خلافاً لابن

(1) نوادر ابن عيسى : 74 ح157 ـ 159، الكافي: 2/462 ـ 463 ح1 و2، التوحيد: 353 ح24، الفقيه: 1/36 ح132، الخصال: 417 ح9، تفسير العيّاشي: 1/160 ح534 ، وعنها الوسائل : 7 / 293، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة ب37 ح2 ، وج8 / 249 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب30 ح1 ، وج15 / 369 ـ 370 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب56 ح1 ـ 3 ، وج16 / 218 ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أبواب الأمر والنهي ب25 ح10 ، وج23 / 235 ، كتاب الأيمان ب16 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجر ، القول في السفه ، والقول في الفلس .
(3) العروة الوثقى: 2 / 771، كتاب الوصيّة، مسألة 3908، الأمر الرابع.
(4) المهذّب البارع : 3 / 98 ، جامع المقاصد : 10 / 34 ، مسالك الأفهام : 6 / 142 ، كفاية الأحكام : 145 ، الحدائق الناضرة : 22 / 413 .

(الصفحة150)



إدريس(1) وتبعه بعض(2) ـ صحيحة أبي ولاّد قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها ، قلت : أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته؟ قال : فقال : إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل اُجيزت وصيّته في ثلثه ، وإن كان أوصى بوصيّة بعدما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته(3) .
وفي العروة أنّ القدر المنصرف إليه الإطلاق ، الوصيّة بالمال ، وأمّا الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه ممّا لا تعلّق له بالمال فالظاهر صحّتها(4) ، ويظهر من المتن أيضاً ذلك كما أنّ الظاهر بيان الرواية لأحكام صور المسألة الثلاثة ، أمّا الاُولى فقوله في الذيل : «وإن كان أوصى بوصيّته بعدما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته» فإنّ موردها هو الإحداث العمدي مع القطع بالموت أو الظنّ به .
ومنه يظهر حكم الصورة الثانية ، وهي ما لو كان إيقاع ذلك خطأ أو مع الإطمئنان بعدم الموت فاتّفق موته به نفذت وصيّته ، كما أنّ صدر الرواية دالّ على حكم الصورة الثالثة ، وهو ما إذا كانت الوصيّة متقدّمة على إحداث الحدث المذكور ، فإنّها تدلّ على جواز وصيّته في خصوص الثلث كما في سائر الموارد ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين البناء حال الوصيّة على إحداث الحدث وعدمه .

(1) السرائر : 3 / 197 ـ 198 .
(2) مختلف الشيعة : 6 / 327 ـ 328 مسألة 107 ، إيضاح الفوائد : 2 / 479 .
(3) الكافي : 7 / 45 ح1 ، الفقيه : 4 / 150 ح522 ، التهذيب : 9 / 207 ح820 وعنها الوسائل : 19/378 ، كتاب الوصايا ب52 ح1 .
(4) العروة الوثقى : 2 / 772 مسألة 3908 ، الأمر السادس .

(الصفحة151)

مسألة : لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن بقيا إلى حين الممات1 .


1 ـ الوجه في ذلك أنّه لا دليل على كون الإغماء والجنون العارضين بعد الوصيّة في حال السلامة والخلوّ من الجنون موجبين لبطلانها ، ودعوى أنّ الوصيّة من العقود الجائزة وهي تبطل بالجنون العارض ما لم يدلّ دليل على عدمه ، مدفوعة بأنّ إثبات هذه الدعوى يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود ، فتدبّر جيّداً .


(الصفحة152)

[ما يشترط في الموصى له ]

مسألة : يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة ، فلا تصحّ للمعدوم كالميّت ، أو لما تحمله المرأة في المستقبل ، ولمن سيوجد من أولاد فلان ، وتصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح ، وانفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي1 .


1 ـ لا شبهة في اعتبار وجود الموصى له حين الوصيّة ، فلا تصحّ للمعدوم ; لأنّه لا معنى لتمليكه وإن فرض وجوده حين الموت ، ضرورة أنّ أصل إنشاء التمليك بالنسبة إلى المعدوم غير صحيح ، كما في البيع بالإضافة إلى المشتري غير الموجود ، بل قد عرفت(1) أنّه في صورة موت الموصى له الموجود حال الوصيّة يتلقّى وارث الموصى له الملكيّة من الموصي وإن كان التقسيم إنّما هو على حسب الإرث كما مرّ(2) ، لا من الموصى له الميّت .
نعم ، في انتقال دية المقتول إلى ورثته في فرض عفو الورثة عن القصاص وقبول أخذ الدية مع موافقة القاتل يجري احتمال كون الدية منتقلاً من الميّت إلى الورثة ، لا ملكاً لهم ابتداءً ، ولكن هذه الملكية معتبرة مقدّمة للانتقال إلى الوارث  في من ينعتق عليه كالأب ، مع أنّ الإنسان لا يصير مالكاً للأب حتّى يعتقه ، فالملكيّة المفروضة إنّما هي مقدّمة للانعتاق ، ولا مجال لتوهّم الاستمرار .
ثمّ إنّه ممّا ذكرنا ظهر صحّة الوصيّة للحمل بشرطين معتبرين في باب الإرث أيضاً :

(1، 2) في ص142 ـ 143.

(الصفحة153)

مسألة : تصحّ الوصيّة للذمّي ، وكذا للمرتدّ الملّي إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر كالمصحف ، وفي عدم صحّتها للحربي والمرتدّ الفطري تأمّل1 .


أحدهما : وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح .
ثانيهما : انفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت الوصيّة ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي ، كما أنّه لا يرث في هذه الصورة ويرث سهمه سائر الورّاث .

1 ـ تصحّ الوصيّة للذمّي والمرتدّ إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر ، كالمصحف والعبد المسلم ، ويدلّ على صحّة الوصيّة للكافر في الجملة ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ روايات .
منها : رواية الريّان بن شبيب (الصلت خ ل) قال : أوصت ماردة (مارد ، مارية خل) لقوم نصارى فراشين بوصيّة ، فقال أصحابنا : أقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك ، فسألت الرضا (عليه السلام) فقلت : إنّ اُختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى ، وأردت أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين؟ فقال : امض الوصيّة على ما أوصت به ، قال الله تعالى : { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}(1) ،(2).
وفي المتن : «وفي عدم صحّتها للحربيّ والمرتدّ الفطري تأمّل» ولعلّ منشأ التأمّل من وجوب قتلهما وإعدامهما ، فلا معنى للوصيّة التمليكيّة  بالإضافة إليهما ، ومن أنّ وجوب القتل لا ينافي التمليك بعد فرض إمكان اتّصافهما بالملكيّة ولو مع الارتداد الفطري والكفر الحربي ، ولعلّ الاحتمال الأوّل أقرب وإن كان لا يظهر من المتن ترجيح لأحد الاحتمالين ، بل لعلّ التعبير يشعر بترجيح الثاني ، فتأمّل .

(1) سورة البقرة : 2 /181 .
(2) الكافي : 7 / 16 ح2 ، التهذيب : 9 / 202 ح806 ، الاستبصار : 4 / 129 ح486 وعنها الوسائل : 19/343 ، كتاب الوصايا ب35 ح1 .

(الصفحة154)

[ أحكام الوصيّة ]

مسألة : يشترط في الموصى به في الوصية التمليكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل ، كحقّي التحجير والاختصاص ; من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعة ، وفي العين بين كونها موجودة فعلاً أو ممّا ستوجد ، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة ، أو يثمر الشجر في المستقبل1 .

مسألة : لابدّ وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالاً شرعاً ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل ، والخنزير ، وآلات اللهو والقمار ، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها ، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللّهو ، وكذا منفعة القردة ونحوها2 .


1 ـ يعتبر في الموصى به في الوصيّة التملكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل ، كالمثالين المذكورين في المتن ; لصدق عنوان ترك الخير المعنون في الآية الشريفة(1)عليهما فقط ، ولا فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير ، أو منفعة يمكن تمليكها في الإجارة ونحوها ، كما أنّه لا فرق في العين بين أن تكون موجودة بالفعل أو ممّا ستوجد قطعاً أو اطمئناناً ، كحمل الدابّة أو ثمر الشجر في المستقبل ، كما أنّه لا فرق في الدين الذي يكون للموصي على ذمّة الغير بين أن يكون درهماً وديناراً ، أو يكون عروضاً ، كما إذا اشتراه سلماً وسلفاً ، فإنّه لا مانع من الإيصاء به إلى الغير .

2 ـ لابدّ في الموصى به أن يكون مالاً شرعاً ; بأن يكون ذات منفعة عقلائيّة

(1) سورة البقرة: 2 / 180.

(الصفحة155)

مسألة : لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه ; بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه ، وأمّا عن الغير; بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه ، فلا تبعد صحّته ونفوذه بالإجازة1 .


محلّلة ، فلا تصحّ الوصيّة بالاُمور المذكورة في المتن المشتركة في عدم الاتّصاف بالماليّة الشرعيّة ، كما ظهر أنّه لو كان الموصى به نفس المنفعة فقط لابدّ وأن تكون محلّلة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللهو لحرمتها ، وكذا لا تصحّ الوصيّة بالقردة ومثلها ; لعدم ثبوت نفع عقلائيّ لها .

1 ـ للوصيّة بمال الغير صورتان :
الاُولى : ما إذا كان الإيصاء به عن نفسه ; بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه ، والوصيّة بهذه الصورة غير جائزة وإن أجاز المالك ; لأنّ الإجازة لا توجب صيرورته ملكاً للموصي ومعدوداً من جملة ما تركه ، كما لايخفى .
الثانية : ما إذا كان الإيصاء به عن الغير; بأن جعله للموصى له بعد وفاة ذلك الغير ، وقد نفى في المتن البُعد عن صحّتها ونفوذها بالإجازة ، ومنشؤه أنّ الفضولي ليس على خلاف القاعدة حتّى يقتصر فيه على الموارد المتيقّنة ، بل هو أمر على وفقها يجري في كلّ العقود ما لم يدلّ دليل على الخلاف .
نعم ، ربما يتوهّم أنّ عدم جريان الفضوليّة في الوصيّة إنّما هو لأجل عدم كونها من العقود بل من الإيقاعات ، كما تقدّم في المسألة الخامسة ، ولكن الجواب أنّ عدم جريان الفضوليّة في الإيقاعات أيضاً ليس على خلاف القاعدة ، بل يقتصر فيه على موارد دلّ الدليل على عدم الجريان فيها ، كالطلاق والعتق والإبراء ونحوها ، وعليه فلا يبعد أن يقال كما في المتن بالصحّة مع الإجازة اللاحقة في هذه الصورة .


(الصفحة156)

مسألة : يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة ، وقطّاع الطريق ، وتعمير الكنائس ، ونسخ كتب الضلال ونحوها ، وكذا بصرف المال فيما يكون سفهاً وعبثاً1 .

مسألة : لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهاداً أو تقليداً  وغير سائغ عند الوصيّ ، كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه وهو غير جائز عند الوصيّ ، لم يجز له تنفيذها ، ولو انعكس الأمر انعكس2 .


1 ـ يشترط في الوصية العهديّة أمران :
أحدهما : أن يكون ما أوصى به جائزاً غير محرّم ; لوضوح عدم نفوذ الوصيّة بالأمر المحرّم الشرعيّ ، كالأمثلة المذكورة في المتن .
ثانيهما : أن يكون ما أوصى به ممّا تعلّق به غرض عقلائيّ ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف المال فيما يكون سفهاً وعبثاً ، بل الوصيّة بما يكون كذلك وإن لم يكن متوقّفاً على صرف المال ، بل هذه الصورة هو الفرد الواضح من هذا الشرط ، وإن كانت العبارة غير خالية عن الاضطراب والتشويش .

2 ـ لو أوصى بما هو سائغ عند الموصي اجتهاداً أو تقليداً وغير سائغ عند الوصيّ كذلك ، كالمثال المذكور في المتن فاللازم على الوصيّ العمل على ما يطابق اعتقاده ، فلو لم يكن نقل الجنازة عنده جائزاً ولو إلى المشاهد المشرّفة أو إلى غيرها الذي تعلّقت الوصيّة به ، لا يجوز له التنفيذ ، كما في النائب في العبادات الواقعة نيابة تبرّعاً أو مع الاستئجار ، حيث إنّ اللازم على النائب تطبيق العمل على ما هو مقتضى اعتقاده ، لا اعتقاد المنوب عنه كما هو ظاهر .


(الصفحة157)

مسألة : لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه ـ كتغسيله والصلاة عليه ـ مع وجود الوليّ ، ففي نفوذها وتقديمه على الوليّ وعدمه وجهان ، بل قولان ، ولا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستئذان من الوليّ ، والوليّ بالإذن له1 .

مسألة : يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث ، وتفصيله : أنّ الوصيّة إن كانت بواجب ماليّ ; كأداء ديونه وأداء ما عليه من الحقوق; كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات ، يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ ، بل لو لم يوص به يخرج منه وإن استوعب التركة ، ويلحق به الواجب الماليّ المشوب بالبدني ، كالحجّ ولو كان منذوراً على الأقوى . وإن


1 ـ لو لم تقع الوصيّة بمباشرة تجهيزه من التغسيل والصلاة عليه ، أو وقعت الوصيّة بمباشرة الوليّ ذلك ، فاللازم على الوليّ مباشرته  من دون إشكال . وأمّا لو أوصى لغير الوليّ المباشرة المذكورة مع وجود الوليّ وإمكان تصدّيه أو الاستجازة منه ، فهنا دليلان يدلّ أحدهما على وجوب ذلك مع نظره ورعايته ، وثانيهما  على لزوم العمل بالوصيّة ، وقد عرفت أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى القبول أيضاً(1) .
وحينئذ فهل الوصيّة نافذة ويقدّم غير الولي عليه  لأجل الوصية ، أو أنّ اللازم رعاية نظر الوليّ رعاية لحقّه؟ فيه وجهان ، بل قولان ، نهى في المتن عن ترك الاحتياط بالإضافة إلى الوصيّ بالاستئذان من الوليّ ; وكذا بالإضافة إلى الوليّ بالإذن إلى الوصيّ ; لعدم لزوم مباشرته وكفاية إذنه والصدور مع موافقته . نعم ، لو كان كلا الدليلين دالّين على اعتبار المباشرة لكان يشكل الأمر ، كما أنّه لو كان النظر في كليهما رعاية نظره وموافقة ما يراه يتحقّق أيضاً موضوع الاحتياط المذكور في

(1) في ص139 ـ 140.

(الصفحة158)

كانت تمليكيّة أو عهديّة تبرّعية ، كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات ، أو إقامة التعزية ونحو ذلك ، نفذت بمقدار الثلث ، وفي الزائد صحّت إن أجاز الورثة ، وإلاّ بطلت ، من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض ، وكذلك إذا كانت بواجب غير ماليّ على الأقوى ، كما لو أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما1 .


المتن; بأن يتحقّق العمل عن كلا الإذنين ، ويتحقّق كلاهما ولو بالإضافة إلى الثالث ، فتدبّر جيّداً .

1 ـ التفصيل في مسألة نفوذ الوصية بالنسبة إلى الثلث أو الزائد عليه أيضاً أنّه إذا كانت الوصيّة بواجب ماليّ كأداء ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات ، فلا إشكال في لزوم إخراجه من أصل التركة مطلقاً(1) ، وإن استوعب جميع التركة ; لدلالة الدليل على تأخّر الإرث عن الدين ، ومنه يظهر أنّه لو لم يوص به يخرج من أصل التركة ولو كان مستوعباً لها أيضاً ، ولا فرق في الواجب المالي بين الماليّ المحض ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وبين الماليّ المشوب بالبدني ، كالحجّ ولو كان واجباً بالنذر وشبهه ، كما قوّاه في المتن .
والوجه فيه أنّ كلّ واجب ماليّ ولو كان مشوباً بالبدني كأنّه دين على الموصي يجب إخراجه من الأصل ، بخلاف الواجب البدنيّ المحض كالصلاة والصوم مع اشتغال الذمّة بهما ، وأمّا في غير ما ذكر من الوصيّة التملكيّة أو العهديّة كما في المتن فالوصيّة نافذة بالإضافة إلى الثلث مطلقاً ، أي سواء أجاز الورثة أم لم يجز ، وفي

(1) الحدائق الناضرة : 22 / 435 ، رياض المسائل : 9 / 519 ، جواهر الكلام 28 / 298ـ 300 .

(الصفحة159)



الزائد على الثلث يتوقّف على إجازة الورثة ، ونسب الخلاف إلى عليّ بن بابويه(1)وأنّه قائل بالنفوذ مطلقاً ، لكن النسبة غير ثابتة .
ولكن ربّما يستدلّ لهذا القول ببعض الروايات ، مثل :
رواية محمّد بن عبدوس ، قال : أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمّد (عليه السلام) ، فكتبت إليه : رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك وخلّف ابنتي اُخت له ، فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ : بع ما خلّف وابعث به إليّ ، فبعت وبعثت به إليه ، فكتب إليّ : قد وصل(2) .
ورواية عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ، إذا أوصى به كلّه فهو جائز(3) .
ورواية عليّ بن الحسن قال : مات محمّد بن عبدالله بن زرارة وأوصى إلى أخي أحمد بن الحسن وخلّف داراً ، وكان أوصى في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، فباعها ، فاعترض فيها ابن اُخت له وابن عمّ له ، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشيء بحضرتي إلى أيّوب بن نوح ، فأخبره أنّه جميع ما خلّف وابن عمّ له وابن اُخته عرض ، وأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، فكتب : قد وصل ذلك ، وترحّم على الميّت ، وقرأت الجواب(4) .

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 6 / 350 مسألة 125.
(2) التهذيب : 9 / 195 ح785 ، الاستبصار : 4 / 123 ح468 ، وعنهما الوسائل : 19 / 280 ، كتاب الوصايا ب11 ح16 .
(3) التهذيب : 9 / 187 ح753 ، الاستبصار : 4 / 121 ح459 ، وعنهما الوسائل : 19 / 282 ، كتاب الوصايا ب11 ح19 .
(4) التهذيب : 9 / 195 ح785 ، الاستبصار : 4 / 123 ح468 ، وعنهما الوسائل : 19 / 281 ، كتاب الوصايا ب11 ح17 .

(الصفحة160)

مسألة : لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع، أو بمال معيّن ، أو بمقدار من المال ، فكما أنّه لو أوصى بالثلث نفذت ، ولو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلاّ إذا أجاز الورثة . كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه ، أو بمقدار معيّن كألف دينار ، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة ، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت ، وإلاّ تحتاج إلى إذن الورثة1 .


هذا ، وقد ردّ الاُولى بضعف السند بمحمّد بن عبدوس ، وكذا طريق الثانية بعمر بن شدّاد ، والثالثة وإن كانت موثّقة ، إلاّ أنّها أجنبيّة عن محلّ الكلام ; لأنّ المفروض فيها تحقّق الإجازة ولو بأخذ ثلاثة دنانير ، والظاهر أنّه مع قطع النظر عن ذلك تكون الشهرة الفتوائية(1) المحقّقة مطابقة لتلك الروايات الدالّة على احتياج الزائد على الثلث إلى الإجازة ، فلا مجال للأخذ بمثل هذه الروايات .
وكيف كان ، فهذا التفصيل المذكور في المتن يدلّ عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل المتواترة بالتواتر الإجمالي(2) الراجع إلى العلم بصدور بعضها ، وفي بعضها : إن كان أكثر من الثلث ردّ إلى الثلث(3) ، والمراد جواز الردّ إلى الثلث لا الوجوب ، هذا بالإضافة إلى الوصيّة ، وأمّا منجّزات المريض بمرض الموت التبرّعية فقد تقدّم البحث عنها في كتاب الحجر(4) ، فراجع .

1 ـ الدليل على ما ذكر ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بينهم(5) ، وإلى إطلاقات

(1) رياض المسائل : 9 / 510 ـ 513 وص519 ـ 520 ، مختلف الشيعة : 6 / 350 مسألة 125 .
(2) وسائل الشيعة : 19 / 271 ـ 283 ب10 و 11 .
(3) الكافي : 7 / 16 ح1 ، التهذيب : 9 / 219 ح859 وعنهما الوسائل : 19 / 400 ، كتاب الوصايا ب67 ح4 .
(4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في المرض.
(5) رياض المسائل : 9 / 421 ، الحدائق الناضرة : 22 / 435ـ 438 .

<<التالي الفهرس السابق>>