في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة21)



المتأخّرين(1)، فتدبّر جيّداً .
واستدلّ صاحب الحدائق (قدس سره) لما رامه ـ بعد الاعتراف بثبوت الإطلاق للآية الكريمة الشامل للأراضي ونحوها ـ إلى أنّ النصوص قاصرة عن إفادة التعميم، بل ظاهرها الاختصاص بالأموال المنقولة، كما تشهد به صحيحة ربعي بن عبدالله بن الجارود(2) المشتملة على قول أبي عبدالله(عليه السلام) : أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وقسّم الباقي خمسة أخماس، ويأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين المقاتلين. فإنّ ظاهرها أنّ المال الذي يتعلّق به الخمس من المغنم هو المال الذي يؤتى به إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ومن الظاهر أنّ الاُمور غير المنقولة لا يجري فيها ذلك .
وأورد عليه في الجواهر(3) بأنّ غاية ما يتحصّل من الصحيحة المذكورة ونحوها قصورها عن الإطلاق، لا الدلالة على الاختصاص لتصلح لتقييد الإطلاق، لخلوّ الصحيحة ومثلها عمّا يدلّ على الاختصاص . وأمّا نصوص الأراضي الخراجية فهي قابلة للتخصيص بأدلّة الخمس، كما لا يخفى .
ويظهر من بعض الأعلام في شرحه على العروة على ما في تقريراته(4) استظهار أنّ المناسب للمقام هو ما أفاده صاحب الحدائق لاُمور ترجع خلاصتها إلى منع الإطلاق في الآية الكريمة أوّلاً، نظراً إلى أنّ الأراضي المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين، وليس للغانمين بما هم كذلك مزيّة بالإضافة إليها، وأنّ الآية لها دلالة على وجوب الخمس في المغنم الذي لو لم يجب فيه الخمس لكان المجموع للغانم، كأدلّة

(1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي): 340 ـ 343.
(2) التهذيب 4 : 128 ح365 ، الوسائل 9 : 510 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح3 .
(3) جواهر الكلام 16 : 8 ـ 9 .
(4) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 11 .

(الصفحة22)



الزكاة الثابتة في الأموال التي لو لم تثبت فيها الزكاة لكان المجموع لصاحبها .
وإلى أنّ ما أفاده في الجواهر من أنّ الآية لا تأبى التقييد بما هنا من كون ذلك بعد الخمس غير قابل للتصديق، ضرورة أنّ نصوص الخراج أخصّ من آية الغنيمة، فإنّ النسبة بين الدليلين عموم وخصوص مطلق، ولا شكّ أنّ إطلاق الخاصّ مقدّم على عموم العامّ، فتلك النصوص لأجل كونها أخصّ تخصّص الآية، لا أنّها تخصّص تلك النصوص .
وإلى أنّه لو فرض كون النسبة عموماً وخصوصاً من وجه، بدعوى أنّ الآية تعمّ المنقول وغيره وتختصّ بالخمس، ونصوص الخراج تختصّ بغير المنقول، تعمّ مقدار الخمس وغيره، فغايته أنّه يتعارض الدليلان في مورد الاجتماع; أي الخمس من غير المنقول، ولا يكون الدليل فيه إلاّ قطعيّاً، فيتحقّق التعارض والتساقط ، ثمّ يرجع إلى أصالة البراءة عن تكليف وجوب الخمس، فتكون النتيجة هي الاختصاص .
إن قلت : إنّ هنا بعض الروايات الظاهرة في العموم، مثل رواية أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله فإنّ لنا خمسه... إلخ(1) .
قلت : إنّه مع تسليم الدلالة فالسند قاصر من جهة الاشتمال على عليّ بن أبي حمزة البطائني الكذّاب المعروف، فلا يمكن الاعتماد عليها أصلاً .
أقول : ينبغي قبل بيان التحقيق من نقل فتاوى سائر علماء المسلمين غير الشيعة في هذا الباب .


(1) الكافي 1 : 545 ح14 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح5 .

(الصفحة23)



فنقول : قال الشيخ في كتاب الخلاف المعدّ لبيان المسائل الخلافية بين علماء المسلمين ـ كما أنّ كتاب مختلف العلاّمة معدّ لبيان المسائل الخلافية بين خصوص علماء الشيعة ـ في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الفيء: ما لا ينقل ولا يحوّل من الدور والعقارات والأرضين عندنا أنّ فيه الخمس فيكون لأهله، والباقي لجميع المسلمين من حضر القتال ومن لم يحضر، فيصرف ارتفاعه إلى مصالحهم ، وعند الشافعي أنّ حكمه حكم ما ينقل ويحوّل خمسه لأهل الخمس، والباقي للمقاتلة الغانمين(1) وبه قال ابن الزبير ، وذهب قوم إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين شيئين: بين أن يقسّمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين، ذهب إليه عمر ومعاذ والثوري وعبدالله بن المبارك، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين ثلاثة أشياء: بين أن يقسّمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين، وبين أن يقرّ أهلها عليها ويضرب عليهم الجزية باسم الخراج(2) . وذهب مالك إلى أنّ ذلك يصير وقفاً على المسلمين بنفس الاستغنام والأخذ من غير إيقاف للإمام، فلا يجوز بيعه ولا شراؤه(3) . دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وروي أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) فتح هوازن ولم يقسّم أرضها بين الغانمين ، وروي أنّ عمر فتح قرى الشام، فقال له بلال: أقسمها بيننا ، فأبى عمر ذلك ، وقال : اللّهم اكفني شرّ بلال وذربه . وروي أنّ عمر استشار عليّاً(عليه السلام) في أرض السواد، فقال علي(عليه السلام) : دعها عدّة للمسلمين(4) .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مقتضى التحقيق يتوقّف على ملاحظة أمرين :


(1) الاُمّ 4 : 181 .
(2) بداية المجتهد 1 : 418 ـ 419 .
(3) الأحكام السلطانية للماوردي 1 : 146 ـ 147 .
(4) كتاب الخلاف 4 : 194 مسألة 18 .

(الصفحة24)



الأوّل : أنّ العنوان المأخوذ في موضوع الحكم لابدّ وأن يلاحظ معناه بنفسه لا بملاحظة الحكم المتعلّق به نفياً أو إثباتاً، ولا ينبغي الإشكال خصوصاً بعد تفسير «ما» الموصولة بالشيء المطلق في قوله تعالى : {أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىْء}(1) في صدق عنوان الغنيمة على الأراضي والضياع والعقار والأشجار المأخوذة في الحرب الواقعة تحت أيدي المسلمين وسلطتهم، ولا مجال لأن يقال بعدم صدق الغنيمة عليها، خصوصاً مع ملاحظة ما حكي عن الشهيد في كتاب البيان(2) من أنّ الاُمور السبعة المتعلّقة للخمس مندرجة تحت عنوان الغنيمة ، وعليه فيكون أصل دليل الخمس مطلقاً منحصراً بالآية الشريفة، والخمس مستفاد من الكتاب، وقد مرّ التوجيه في أنّ الحلال المختلط بالحرام، والأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم، كيف يكونان غنيمة ويصدق عليهما هذا العنوان ؟(3)
الثاني : أنّ الغرض الأصلي من الحرب مع الكافر الحربي هو التسلّط على بلادهم وإخراج ما تحت أيديهم وسيطرتهم من الأرض ومثلها عن سلطتهم وإدخالها تحت أيدي المسلمين، فالغرض الأصلي من الغنائم هو مثل الأرض ، كما أنّ الفتح في زماننا هذا أيضاً يكون على هذا العنوان، فالغنائم الاُخرى في مقابل الأرض ومثلها لا قيمة لها أصلاً، فهل يقاس الأرض بمقدار من الذهب مثلاً أو الثوب أو وسائل الحرب وشبهها ؟
نعم ، لو وقع الحرب في غير بلد أهل الحرب كما في حرب اُحد ـ حيث وقع في قرب المدينة المنوّرة التي كانت تحت سيطرة الإسلام ـ لا يكون الغرض من الحرب

(1) سورة الأنفال 8 : 41 .
(2) البيان : 213 .
(3) في ص12 ـ 13.

(الصفحة25)



معهم هو أخذ بلادهم، بل حفظ بلادنا ، وفي الحقيقة لا يكون في مثله الجهاد ابتدائيّاً ، بل لدفع التهاجم وحفظ الثغور والبلاد الإسلاميّة .
وينبغي ملاحظة أمر ثالث; وهو أنّ الكلام فيما لا ينقل ولا يحوّل من الأراضي ومثلها ليس إلاّ من جهة تعلّق الخمس بها وعدمه فقط ، وأمّا بالنسبة إلى أربعة أخماس الباقية بعد قسمة الخمس على فرضها فهو كلام آخر مرتبط ببحث الأراضي وأنواعها، ولا يهمّنا هنا ، كما أنّ كيفيّة تقسيم الخمس في الأراضي كذلك ، وإلاّ فالمحكي عن كتاب جهاد الشرائع للمحقّق (قدس سره) : وأمّا ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة وفيه الخمس ، والإمام مخيّر بين إفراز خمسه لأربابه، وبين إبقائه وإخراج الخمس من ارتفاعه(1) ، انتهى .
وبالجملة : فالبحث ممحّض في تعلّق الخمس بمثل الأراضي من الاُمور غير المنقولة وغير المتحوّلة، لا في حكم الأراضي بعد إخراج خمسها، ولا في كيفيّة معاملة الإمام(عليه السلام) مع الخمس المتعلّق بها، كما لا يخفى .
إذا عرفت ما ذكرنا من الاُمور الثلاثة يظهر لك ثبوت الإطلاق للآية الشريفة وشمولها للأراضي ومثلها أيضاً ، ومن المستبعد جدّاً أن يقال باختصاص الآية بالاُمور المنقولة التي لا قيمة لها في مقابل الأرض ومثلها ، بل قد عرفت أنّ الغرض الأصلي من الحرب إنّما هو أخذ أراضيهم وإخراجها عن تحت سيطرتهم، كما مرّ .
نعم، ينبغي التنبيه على اُمور :
الأوّل : أنّ رواية أبي بصير المتقدّمة الدالّة على أداة العموم وإن كانت ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني، إلاّ أنّ ضعفها منجبر بعمل الأصحاب . ودعوى أنّه

(1) شرائع الإسلام 1 : 322 .

(الصفحة26)



يمكن القول بأنّ العمل على طبقها لا يكون عن استناد إليها ، مندفعة بما أفاده الشيخ من أنّ دليلنا إجماع الأصحاب وأخبارهم .
الثاني : أنّ رواية حمّاد المعتبرة المذكورة في باب الجهاد من الوسائل المشتملة على قوله(عليه السلام) : ليس لمن قاتل شيء من الأرضين ولا ما غلبوا عليه إلاّ ما احتوى عليه العسكر(1). لو لم تكن قابلة للتوجيه لكان معرضاً عنه عند المشهور القائل بثبوت الخمس في الأراضي، بناءً على كون الإعراض قادحاً في الحجّية والاعتبار كما هو المختار .
الثالث : أنّ دعوى كون إطلاق الآية ساكتاً عن هذه الجهة ولا يكون في مقام البيان بوجه، مندفعة، خصوصاً مع تبيين «ما» الموصولة بالشيء المطلق الظاهر في تعلّق الغرض بمطلق الغنيمة من جهة تعلّق الخمس وثبوته، فكأنّه قال: ما غنمتم من كلّ شيء فلا مجال لدعوى عدم البيان فيها، كما لا يخفى .
الرابع : أنّ ما أفاده في الحدائق من أنّ ما دلّت على أنّ الأرض المفتوحة عنوةً فيء لجميع المسلمين من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة، وأنّ أمرها إلى الإمام يقبّلها أو يعمّرها، ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين(2)، وظاهرها أنّ ذلك حكم جميع الأرض لا أربعة أخماسها، مردود عليه بأنّ الظاهر أنّ موردها المقدار الزائد على الخمس الذي يكون لأربابه، وليس في البين حكومة ولا تعارض، بل مقتضى الجمع بينها وبين دليل الخمس ذلك .
نعم ، قد عرفت من جهاد الشرائع أنّ الإمام مخيّر بين إفراز خمسه لأربابه، وبين

(1) الكافي 1 : 541 ح4 ، الوسائل 15 : 111 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 ح2 .
(2) الحدائق الناضرة 12 : 325 .

(الصفحة27)



إبقائه وإخراج الخمس من ارتفاعه ، وعليه فلا يبقى مجال لما اُفيد من أنّ إطلاق دليل الخاصّ مقدّم على عموم العام فضلاً عن إطلاق المطلق، فتدبّر في المقام فإنّه من مزالّ الأقدام .
الجهة الثالثة: من جهات الكلام في الغنيمة الحربيّة التي يجب فيها الخمس أنّه لابدّ أن يكون الحرب بإذن من الإمام في زمن الحضور والتمكّن من الاستئذان منه ، والبحث في هذه الجهة المرتبطة بزمان الحضور والتمكّن من الاستئذان منه وإن كان قليل الفائدة; لأنّه مع فرض الحضور والتمكّن المزبور يكون الأمر مرتبطاً به ، واللازم العمل على طبق ما يقول، إلاّ أنّه حيث قد وقع مورد التعرّض في بعض الروايات فلا مانع من البحث فيها .
فنقول : الروايات الواردة في هذه الجهة ثلاث روايات; بين ما هي ضعيفة من حيث السند وإن كانت ظاهرة من حيث الدلالة، وبين ما هي صحيحة من حيث السند غير ظاهرة من حيث الدلالة، مضافاً إلى الابتلاء بالمعارض الصحيح أيضاً .
أمّا الأولى: فهي مرسلة العبّاس الورّاق، عن رجل سمّـاه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : إذا غزا قوم بغير إذن الإمام(عليه السلام) فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس(1) . والرواية الضعيفة وإن كان ينجبر ضعفها باستناد المشهور إليها ، كما أنّ إعراضهم عن الرواية الصحيحة قادح في الحجّية والاعتبار، إلاّ أنّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان في المسألة رواية واحدة كذلك، لا في مثل المقام من المسائل التي لا ينحصر سندها بالرواية الواحدة كما لا يخفى; لإمكان استناد المشهور إلى غير تلك الرواية الضعيفة .


(1) التهذيب 4 : 135 ح378 ، الوسائل 9 : 529 ، أبواب الأنفال ب1 ح16 .

(الصفحة28)



وأمّا الثانية: فهي صحيحة معاوية بن وهب على الأقوى ، قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟ قال : إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم ثلاثة  ـ أربعة كما في هامش المخطوط على ما حكي ـ أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ(1).
ووجه عدم الظهور أمران :
الأوّل : أنّه كان المفروض في كلام السائل أنّ السريّة مبعوثة من قبل الإمام ، ومن الواضح أنّ السريّة الكذائية لا يمكن أن تكون بلا أمير، كما هو الحال في جميع الحروب في العالم، من دون فرق بين الأعصار والأمصار حتّى في زماننا هذا ، وعليه فلا مجال لبيان الشرطيّة الثانية .
الثاني : أنّ مقتضى المقابلة أن يكون الشرط في الشرطية الثانية عدم المقاتلة أصلاً، أو عدم كونها مع أمير أمّره الإمام(عليه السلام)، لا خصوص عدم المقاتلة .
والجواب : أنّ الشرطية الاُولى كافية في إثبات المطلب وهو اعتبار إذن الإمام، لا بلحاظ مفهوم الشرط الذي نحن أنكرناه فضلاً عن سائر المفاهيم ، بل بلحاظ أنّ ذكر القيد في كلام الإمام لابدّ وأن يكون له فائدة; وهي المدخليّة في الحكم المذكور في الجزاء، وعليه فنفس الشرطية الاُولى تدلّ على مدخلية إذن الإمام في ثبوت الخمس في الغنيمة، ولا مانع من الالتزام بأنّ الشرطية الثانية بيان لبعض ما يفهم من الشرطية الاُولى، كما في جملة من الموارد الواقعة في الكتاب والسنّة ، فالتحقيق دلالة هذه الرواية على الاعتبار وإن لم تكن بمثابة دلالة الرواية الاُولى،

(1) الكافي 5 : 43 ح1 ، الوسائل9 : 524 ، أبواب الأنفال ب1 ح3 .

(الصفحة29)



فتدبّر جيّداً .
وأمّا الثالثة: فهي صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم ـ وفي هامش المخطوط عن نسخة لوائهم ـ فيكون معهم فيصيب غنيمة ، قال : يؤدّي خمسنا ويطيب له(1) .
والظاهر أنّ حكم الإمام بيان للحكم الكلّي في مثله ممّا لم يتحقّق الحرب بإذن الإمام ظاهراً ، لا تحليل شخصي ـ كما يظهر من الجواهر(2) ـ حتّى لا ينافي أن يكون كلّها للإمام ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الغنيمة التي أصابها هي غنيمة الحرب لا غيره .
والحقّ أن يقال أوّلاً : إنّ الحروب الواقعة بين المسلمين والكفّار كان كلّها مع إذن الإمام ولو بالإذن العامّ وإن كان المتصدّي له خليفة الجور الغاصب للخلافة، كما حكي على ما ببالي من مكاسب الشيخ الأنصاري(3) من أنّ حرب العراق وقع بإذن أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكان الحسنان (عليهما السلام) داخلين في الحرب، وهو كاشف عن إذن أبيهما (عليهم السلام) .
وثانياً : أنّه لو فرضت المعارضة بين الخبرين يقدّم الأوّل; لأنّ الشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في باب الخبرين المتعارضين مطابقة لخبر معاوية ، مع أنّ المسألة وقع التسالم عليها بحيث لم يخالف فيها أحد، ومعها لا حاجة لها إلى دليل آخر، كما لا يخفى .
الجهة الرابعة : فيما إذا كان الحرب بغير إذن الإمام في زمن الغيبة وعدم التمكّن

(1) التهذيب 4 : 124 ح357 ، الوسائل 9 : 488 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح8 .
(2) جواهر الكلام 16 : 12 .
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأنصاري) 2 : 245 .

(الصفحة30)



من الاستئذان، وقد قوّى في المتن وجوب الخمس فيه في خصوص ما إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، ولكن السيّد في العروة احتاط وجوباً إخراج الخمس منه من حيث الغنيمة، خصوصاً فيما إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، وفرّع عليه قوله : «فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفّار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط ، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا للدعاء إلى الإسلام»(1)فهنا صورتان :
الصورة الاُولى : ما إذا كان الغرض من المقاتلة معهم الدعاء إلى الإسلام، ولكن المقاتلة لا يكون بإذن الإمام وتأميره الأمير; لغيبته وعدم التمكّن من الاستئذان منه، والوجه فيه ـ بعد شمول إطلاق الآية الشريفة لهذه الصورة; لعدم التقييد فيها بما إذا كان الحرب مأذوناً فيه من الإمام(عليه السلام) ـ أنّ الأدلّة الدالّة على اعتبار الإذن إن كانت هي الإجماع والتسالم عند الأصحاب فمن الواضح أنّ الدليل اللّبي لا إطلاق له، بل يقتصر فيه على القدر المتيقّن; وهي صورة الحضور وإمكان الاستئذان ، وإن كانت هي المرسلة فالانجبار غير معلوم، لا لأنّها غير قابلة للإنجبار، بل لخصوصية في المقام أشرنا إليها; وهي عدم انحصار المستند بالمرسلة حتّى يتحقّق الانجبار بالاستناد، وإن كانت هي صحيحة معاوية فقد مرّ أنّها مقدّمة على الصحيحة الاُخرى المعارضة لها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات على ما تقدّم منّا ، إلاّ أنّه حيث كان الاستدلال بها لا لأجل المفهوم; لعدم ثبوت المفهوم للقضايا حتّى الشرطية على ما قرّرنا في محلّه ، بل لأجل الخروج عن اللغوية المنافية لكلام العاقل المختار الحكيم ، ويكفي في الخروج عن ذلك اعتبار الإذن في زمن الحضور

(1) العروة الوثقى 2 : 367 .

(الصفحة31)



فقط، ولا إطلاق لها يشمل زمان عدم الحضور ، وقد عرفت(1) أنّ المفروض في كلام السائل السريّة التي يبعثها الإمام ، وعلى القاعدة يجعل لها الأمير ويكون ذلك في زمن الحضور وإمكان الرجوع إليه لذلك ، وأمّا الدلالة على اعتبار الإذن مطلقاً فغير تامّة .
الصورة الثانية : ما إذا لم يكن الغرض من المقاتلة معهم الدعاء إلى الإسلام، كما فيما فرّعه السيّد (قدس سره) على كلامه المتقدّم في العروة، وقد احتاط فيها بالخمس ، والظاهر أنّه لا وجه لثبوت الخمس فيها إلاّ إطلاق الآية الشريفة الواردة في الخمس، وهي وإن وقعت في غزوة بدر كما تقدّم(2) ، إلاّ أنّ دلالتها على اعتبار كون الحرب للدعاء إلى الإسلام مشكلة، كدلالتها على اعتبار إذن الإمام وإن كان المعصوم(عليه السلام) حاضراً فيها ، ولكن الظاهر الانصراف عن الحرب لا يكون للدعاء إلى الإسلام . مضافاً إلى أنّ رواية أبي بصير المتقدّمة(3) تدلّ على أنّ كلّ شيء قُوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله فإنّ لنا خمسه، بلحاظ أنّ القضية الوصفية وإن لم يكن لها مفهوم، إلاّ أنّ دلالتها على اعتبار قيد المقاتلة في تعلّق الخمس لا مجال للإشكال فيه ، إلاّ أنّك عرفت ضعفها بعليّ بن أبي حمزة البطائني(4) .
وبالجملة : الظاهر أنّه لا دليل على ثبوت الخمس في هذه الصورة، وقد عرفت أنّ الظاهر الانصراف عنها .
الجهة الخامسة : فيما إذا كان الجهاد دفاعيّاً لا ابتدائياً، بأن يهجم المشركون على المسلمين في أماكنهم ولو في زمن الغيبة وعدم الحضور، والظاهر من المتن ثبوت

(1) في ص28.
(2) في ص8.
(3 ، 4) في ص22.

(الصفحة32)



الخمس في غنائم الجهاد بهذه الصورة; لإطلاق الآية الشريفة واختصاص أدلّة اعتبار إذن الإمام بصورة الحضور وإمكان الاستئذان منه .
أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني، فلأنّ الأدلّة كانت عبارة عن الإجماع ، ومرسلة الورّاق، وصحيحة معاوية بن وهب المتقدّمتين(1) ، أمّا الأوّل فهو دليل لبّي لا إطلاق له يشمل زمن الغيبة كما تقدّم(2) ، وأمّا المرسلة فالموضوع فيها هي الغزوة الظاهرة في زمن الحضور، وكذا الصحيحة يكون الموضوع فيها السريّة التي يبعثها الإمام ، وقد عرفت أنّ الجملة الشرطية الاُولى لا مفهوم لها، والثانية بيان لبعض مصاديق المفهوم على تقدير ثبوته .
الجهة السادسة : فيما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة غير ما مرّ ممّا إذا كانتا من شؤون الحرب المتقدّمتان في صدر البحث، وهو فيما إذا غار المسلمون على الكفّار من غير حرب ، والظاهر من المتن ثبوت الخمس فيه بصورة الفتوى، والوجه فيه إطلاق الآية الشريفة، حيث لم يقع فيها التقييد بصورة المقاتلة والحرب ، والظاهر من المتن أيضاً أنّ ثبوت الخمس فيه من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة بناءً على أنّ قوله : «فالأحوط» لا يرجع إلى هذه الجملة، بل الشروع فيها من قوله : «وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها» .
الجهة السابعة : في أخذ مال الكافر من طريق الربا والدعوى الباطلة ونحوهما وقد احتاط فيهما بإخراج الخمس منهما استحباباً من حيث الغنيمة غير المتوقّفة على إخراج مؤونة السنة كأرباح المكاسب، وقوّى في الذيل العدم ، هذا .


(1) في ص27 ـ 28.
(2) في 30.

(الصفحة33)



ولكن صاحب العروة(1) قد صرّح بإلحاقهما بالفوائد المكتسبة، واحتاط فيهما بإخراج الخمس منهما مطلقاً .
أقول : أمّا دعوى إخراج الخمس من الغنيمة والسرقة غير ما مرّ سابقاً من جهة الغنيمة، لا من جهة الفائدة المكتسبة التي يراعى فيها زيادة المؤونة عن السنة مدفوعة، فإنّ الظاهر أنّ تعلّق الخمس بهما من جهة الفائدة، والآية الدالّة على ثبوت الخمس في الغنيمة وإن لم يظهر منها ما ذكر من زيادة المؤونة عن السنة ، بل ظاهرها تعلّق الخمس بنفس الغنيمة مطلقاً ، إلاّ أنّ الدليل الدالّ على التقييد إنّما وقع بالإضافة إلى أرباح المكاسب وشبهها لا مطلقاً، فلا وجه للحكم بثبوت الخمس فيهما كذلك ، بل الظاهر جواز رعاية ما زاد على السنة .
وأمّا الربا، فإن قلنا بجواز أخذها من الكافر الحربي كما هو المشهور(2) فالظاهر أنّها من الفوائد المكتسبة، ولا مجال لاحتمال كونها غنيمة وإن لم نقل بجوازه، كما عن المحقّق السبزواري(3) وتبعه بعض الأعلام (4); نظراً إلى إطلاق آية {وَحَرَّمَ الرِّبَوا}(5) وكون المقيّد رواية ضعيفة، فالظاهر أنّ جواز التصرّف فيها مبنيّ على جواز استملاك مال الكافر الحربي بأيّ طريق ومن أيّ نحو كان، وإلاّ فلا يجوز الاستملاك ولا يتعلّق به الخمس ، والتحقيق في بحث الربا .


(1) العروة الوثقى 2 : 368 مسألة 1 .
(2) النهاية : 376 ، السرائر 2 : 252 ، المهذّب 1 : 372 ، شرائع الإسلام 2 : 46 ، رياض المسائل 8 : 306 ، تذكرة الفقهاء 10 : 207 .
(3) كفاية الأحكام : 99 .
(4) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 25 .
(5) سورة البقرة 2: 275.

(الصفحة34)



وعلى أيّ فعلى تقدير تعلّق الخمس لا مجال لدعوى كونها غنيمة غير مراعى فيها زيادة المؤونة عن السنة ، وأمّا الدعوى الباطلة في مقام الثبوت فالفرق بينها وبين الغيلة غير واضح ; لأنّها من مصاديق الغيلة، وعلى تقدير العدم فالفرق بينهما من حيث الحكم خال عن الملاك والوجه; لاشتراكهما في أخذ مال الحربي من غير حرب .
الجهة الثامنة : في اعتبار بلوغ النصاب في الغنيمة الاصطلاحية وهو بلوغ عشرين ديناراً وعدمه ، ففي المتن أنّ الأصحّ عدم اعتبار بلوغ النصاب، وقد تبع في ذلك المشهور(1) وخالف المفيد في العزّية(2)، ولم يعرف له موافق كما في الجواهر(3)، ولا مستند حتّى رواية ضعيفة، فالمتّبع حينئذ الإطلاقات الدالّة على لزوم التخميس من غير دلالة على اعتبار النصاب بوجه .
الجهة التاسعة : أنّه يعتبر في الغنيمة المتعلّقة للخمس أن لا يكون من مال مسلم أو ذمّي أو معاهد ممّن يكون ماله محترماً قد وقع تحت اختيار الكافر الحربي وسلطته; ضرورة احترام تلك الأموال، ولا يخرج عن الاحترام بمجرّد الوقوع تحت يد الكافر الحربي . نعم ، لو أخذ من كافر حربي آخر ولو لم يكن مرتبطاً بهذا الحرب ـ لما ذكرنا من جواز استملاك مال الكافر الحربي وعدم ثبوت الاحترام لأمواله ـ لكان الثابت فيه الخمس، وهذا هو المشهور(4)، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى

(1) مختلف الشيعة 3: 191، اللمعة الدمشقية: 25، ذخيرة المعاد: 477، مستند الشيعة 10: 57.
(2) حكاه عنه في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
(3) جواهر الكلام 16 : 13 .
(4) السرائر 1 : 485 ، شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، جواهر الكلام 16 : 13 .

(الصفحة35)



الشيخ(1) والقاضي(2)، حيث ذهبا إلى أنّ الغنيمة حينئذ للمقاتلين، ويجب على الإمام ردّ الثمن إلى صاحبها الذي يكون من محترمي المال مسلماً كان أو ذمّياً أو غيرهما .
ويدلّ على المشهور ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة لوجوب ردّ مال المسلم ومثله إلى صاحبه، خصوصاً مع تعيّنه والعلم به ـ صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سأله رجل عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال : نعم ، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده(3) .
وبإزاء هذه الرواية روايات :
منها : مرسلة هشام بن سالم، عن بعض أصحاب أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في السّبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه ، ثمّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين ، كيف يصنع بما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم؟ قال : فقال : أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، ولكن يردّون إلى أبيهم وأخيهم وإلى وليّهم بشهود ، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين(4) .


(1) النهاية : 197 .
(2) المهذّب 1 : 179 .
(3) التهذيب 6 : 159 ح288 ، الاستبصار 3 : 4 ح7 ، الوسائل15 : 98 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح3 .
(4) الكافي 5 : 42 ح1 ، التهذيب 6 : 159 ح287 ، الوسائل 15 : 97 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح1 .

(الصفحة36)



واُورد عليها بالإرسال أوّلاً، وبكونها أخصّ من المدّعى ثانياً ; لدلالتها على حكم المماليك فقط دون سائر الأموال ، إلاّ أن يدّعى القطع بعدم الفرق. وبمعارضتها مع الصحيحة الاُولى ـ خصوصاً مع موافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين ـ ثالثاً .
ومنها : صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ، ثمّ إنّ المسلمين أصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال : إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه ، وإن كانوا أصابوه بعدما حازوه فهو فيء المسلمين فهو أحقّ بالشفعة(1) .
وفي معناها احتمالان :
أحدهما : أن يكون المراد بالحيازة هو الجهاد والمقاتلة، والضمير في قوله : «أصابوه» راجع إلى الرجل ، والمراد أنّه إذا أصابوا الرجل قبل المقاتلة فاللازم ردّ المال إليه، وإن أصابوه بعد الجهاد فهو فيء للمسلمين .
ويرد على هذا الاحتمال أنّ جعل الحيازة بمعنى المقاتلة ممّا لم يعهد، ولعلّه غير صحيح أصلاً ، مع أنّ متاع الرجل لا يمكن أن يكون مفعولاً للحيازة بهذا المعنى في قوله : «قبل أن يحوزوا متاع الرجل» كما لا يخفى .
وثانيهما : ما عن الجواهر من أنّ الحيازة بمعنى المقاسمة(2)، وأنّ الضمير في قوله : «إذا كانوا أصابوه» راجع إلى الرجل صاحب المال والمتاع ، والمراد حينئذ أنّه إذا أصاب المسلمون صاحب المال قبل التقسيم ردّ إليه، وإن أصابوه بعد

(1) الكافي 5 : 42 ح2 ، التهذيب 6 : 160 ح289 ، الوسائل 15 : 98 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح2 .
(2) جواهر الكلام 21 : 224 .

(الصفحة37)



القسمة فهو فيء للمسلمين .
والظاهر أيضاً أنّ هذا التفسير بعيد خلاف الظاهر; لأنّ جعل الحيازة بمعنى المقاسمة ممّا لا وجه له .
قال بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : ولا يبعد أن يكون الأقرب من هذين الاحتمالين تفسير الحيازة بالاستيلاء على المال واغتنامه مع عود الضمير إلى الرجل ، فمعناه حينئذ إن عرف صاحب المال قبل أن يغتنم فهو له، وإلاّ فللمسلمين ، ويؤيّده ما هو المشهور بل المتسالم عليه بينهم من أنّ مجهول المالك لو عرف صاحبه بعد الصرف فيما قرّره الشارع من الصدقة ونحوها لم يستحقّ شيئاً، بخلاف اللقطة التي لو تصدّق بها ضمن على تقدير العثور على صاحبها وعدم رضائه بها، فيكون المال في المقام من قبيل مجهول المالك الذي عثر على صاحبه بعد التصدّق .
وقد اعترف في الذيل بأنّ هذا الاحتمال وإن كان أقرب، إلاّ أنّه بعد غير واضح، فلا تخلو الرواية مع كونها صحيحة من حيث السند من أنّها مضطربة من حيث الدلالة(1) .
ويرد عليه أنّ تفسير الحيازة بالاستيلاء والاغتنام وإن لم يكن خلاف الظاهر، إلاّ أنّ عود الضمير في قوله : «أصابوه» إلى الرجل خلاف الظاهر جدّاً، مع ذكر الإصابة في السؤال وتكرارها مرّتين وعدم تعلّقها إلاّ بالمال والمتاع ، ومن البعيد جدّاً أن تكون الإصابة الواقعة في الجواب مرّتين أيضاً يراد به غير الإصابة الواقعة في السؤال ، على أنّ عود الضمير إلى الرجل مع ذكره بصورة الاسم الظاهر في قوله : «قبل أن يحوزوا متاع الرجل». والمناسب له(عليه السلام) على هذا التقدير أن يقول : قبل أن

(1) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 32 .

(الصفحة38)



يحوزوا متاعه غير تامّ .
مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ الرواية وإن كانت مضطربة من حيث الدلالة، إلاّ أنّه لا مجال للمناقشة في دلالتها على عدم لزوم الردّ إلى الصاحب مطلقاً ، بل يكون فيئاً في بعض الصور وإن كان ذلك البعض غير معلوم المراد، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ قوله(عليه السلام) في الذيل متفرّعاً على كونه فيئاً: «فهو أحقّ بالشفعة» يدلّ على لزوم أداء صاحب المال الثمن إذا أراده، لا على لزوم الأداء من بيت المال الذي كان هو مدّعى الشيخ والقاضي، فلا تنطبق الرواية على المنسوب إليهما .
ونظيرها في عدم الانطباق مرسلة جميل، عن رجل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل كان له عبد فاُدخل دار الشرك ثمّ اُخذ سبياً إلى دار الإسلام ، قال : إن وقع عليه قبل القسمة فهو له، وإن جرى عليه القسم فهو أحقّ به بالثمن(1) .
وقد تحصّل من المجموع أنّ اللاّزم مراعاة ما هو المشهور الذي هو مقتضى القاعدة كما عرفت، ويدلّ عليه صحيحة هشام بظهور .
ويؤيّد المشهور رواية طربال، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سُئل عن رجل كانت له جارية فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثمّ إنّ المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم ، فقال : إن كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه، وإن كانت قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمّتها، واُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه . قيل له : فإن لم يصبها حتّى تفرّق الناس وقسّموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال : يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البيّنة، ويرجع الذي هي في يده إذا أقام البيّنة على أمير

(1) التهذيب6: 160 ح290، الاستبصار3: 5 ح9، الوسائل15: 98، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح4.

(الصفحة39)



الجيش بالثمن(1) .
الجهة العاشرة : في جواز أخذ مال الناصب وتعلّق الخمس به، والكلام فيه يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في لحوق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم، بل استظهر جواز أخذ ماله أين ما وجد وبأيّ نحو كان، والدليل عليه روايات :
منها : صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : خُذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس(2) .
ومثلها صحيحة معلّى بن خنيس(3)، والظاهر أنّ الأمر بالأخذ لا دلالة له على الوجوب واللزوم; لوروده في مقام توهّم الحظر، كما لا يخفى .
ومنها : المرسلة عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : مال الناصب وكلّ شيء يملكه حلال إلاّ امرأته، فإنّ نكاح أهل الشرك جائز، وذلك أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : لا تسبّوا أهل الشرك، فإنّ لكلّ قوم نكاحاً، ولولا أنّا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم ـ ورجل منكم خير من ألف رجل منهم ـ لأمرناكم بالقتل لهم، ولكن ذلك إلى الإمام(4) .
وبملاحظة هذه الروايات لا يبقى مجال للإشكال في حلّية أخذ مال الناصب ولو في غير الحرب ، غاية الأمر لزوم دفع الخمس . وأمّا غير الناصب من الخوارج والبغاة والغالين فلا دليل على الحليّة فيهم وإن كانوا مشتركين مع النواصب في

(1) التهذيب 6 : 160 ح291 ، الاستبصار 3 : 6 ح11 ، الوسائل 15 : 99 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح5 .
(2) التهذيب 4 : 122 ح350 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح6 .
(3) التهذيب 6 : 387 ح1153 ، الوسائل 9 : 488 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح7 .
(4) التهذيب 6 : 387 ح1154 ، الوسائل 15 : 80 ، أبواب جهاد العدوّ ب26 ح2 .

(الصفحة40)



انتحال الإسلام، وعدم ثبوته فيهم لعدم ورود الدليل إلاّ في النواصب ، وسيرة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في الحرب مع الخوارج ومع أصحاب الجمل غير معلومة إمّا أصلاً وإمّا علّة وجهة، ولأجله لا مجال للاستدلال بها أصلاً ، وهذا بخلاف النواصب الذين ورد فيهم الروايات المتقدّمة .
المقام الثاني : في أنّ تعلّق الخمس بمال الناصب المأخوذ منه بأيّ نحو كان هل هو بمجرّده ، أو فيما إذا كان زائداً على مؤونة السنة، كأرباح المكاسب التي يجيء البحث فيها فيما بعد إن شاء الله تعالى؟ ظاهر إطلاق الصحيحتين الأوّل، ولا يبعد أن يقال بأنّه ظاهر المتن أيضاً ، ولكنّ السيّد في العروة احتاط بإخراج الخمس مطلقاً(1) .
هذا ، وليس في مقابل إطلاق الروايتين هنا إلاّ قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة» حيث إنّ ظاهره أنّ طبيعة الخمس لازمة بعد المؤونة، مع أنّ الظاهر ـ خصوصاً بملاحظة كلمة «المؤونة» التي لا ترتبط نوعاً إلاّ بأرباح المكاسب، ضرورة أنّ كثيراً من الاُمور المتعلّقة للخمس خارجة عن هذه الجهة، كأصل الغنيمة والكنز والمعدن والحلال المختلط بالحرام ـ خروج المقام وهو أخذ مال الناصب منه كخروج مال الكافر الحربي، ولو اُخذ بنحو السرقة والغيلة أو الربا أو الدعوى الباطلة على ما تقدّم وإن جعل الأقوى في الأخيرين الخلاف ، وقد مرّ الكلام فيهما .
وكيفما كان، فالظاهر أنّ مقتضى الإطلاق في المقام هو الثبوت بمجرّد الأخذ وعدم الاحتياج إلى مراعاة مؤونة السنة، والسرّ فيه ظهورالاختصاص في قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة» بمثل أرباح المكاسب والتجارات والصناعات ممّا يستعمل

(1) العروة الوثقى 2 : 368 مسألة 2 .
<<التالي الفهرس السابق>>