في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة41)



غالباً في مؤونة السنة، وقد تتحقّق الزيادة عنها وقد لا تتحقّق ، وأمّا مثل المقام فهو خارج عن ذلك .
ثمّ إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وشككنا في أنّ اللاّزم دفع خمسه مطلقاً أو فيما إذا كان زائداً على مؤونة السنة فهل القاعدة تقتضي الأوّل أو الثاني ؟
ربما يقال في بادئ النظر بأنّ مقتضى القاعدة هو الثاني; لأنّ مرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في لزوم أداء الخمس من غير ما زاد على مؤونة السنة، وهو مجرى أصالة البراءة، كما هو الشأن في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين، ولكنّ التحقيق يقتضي خلافه; لأنّ إيجاب الخمس في خصوص ما زاد على مؤونة السنة حتّى في أرباح المكاسب التي هي القدر المتيقّن من مورد الخمس بعد المؤونة يرجع إلى ترخيص الإمام(عليه السلام) وتسهيله لتأخيره وعدم أدائه من جميع ما تعلّق به وإذنه في الأداء من خصوص ما زاد على مؤونة السنة، وإلاّ فلو أراد أن يؤدّي الخمس من الربح بمجرّد حصوله قبل أن يخرج منه مؤونة السنة كما هو المتداول بين بعض المتديّنين لا مانع منه أصلاً، بل يتحقّق كمال المطلوب ، كما أنّه لو مات فرضاً بعد الربح قبل مجيء السنة يجب على وارثه الخمس، وهذا دليل على ثبوت الخمس بمجرّد تحقّق الربح . غاية الأمر أنّه اُجيز صرفه في مؤونة السنة المطابقة للشأن .
وعليه فالشكّ في مثل المقام يرجع إلى الشكّ في ثبوت الإجازة في غير موارد قيام الدليل على التأخير والتصرّف في مقدار الخمس وعدمه، وهو مجرى أصالة العدم; لأنّ الأصل عدم الإجازة، فلا مجرى لأصالة البراءة في مثله، كما لا يخفى .
فانقدح أنّ الأقوى تعلّق الخمس بجميع المال المأخوذ من الناصب كأصل الكافر الحربي،كما لعلّه الظاهر من عبارة المتن وإن لم يقع التصريح بذلك، كماعرفت.


(الصفحة42)



الثاني : المعدن

والمرجع فيه العرف، ومنه الذهب والفضّة، والرصاص والحديد، والصفر والزئبق، وأنواع الأحجار الكريمة، والقير، والنفط، والكبريت، والسبخ، والكحل، والزرنيخ، والملح، والفحم الحجري، بل والجصّ، والمغرة ـ أي الطين الأحمر ـ وطين الغسل والأرمني على الأحوط. وما شكّ أنّه منه لا يجب فيه الخمس من هذه الجهة، ويعتبر فيه ـ بعد إخراج مؤونة الإخراج والتصفية ـ بلوغه عشرين ديناراً أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط. ولو اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما على الأحوط، وتلاحظ القيمة حال الإخراج، والأحوط الأولى إخراجه من المعدن البالغ ديناراً بل مطلقاً ، بل لاينبغي تركه، ولا يعتبر الإخراج دفعة على الأقوى، فلو اُخرج دفعات وبلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع، حتّى فيما لو أخرج أقلّ منه وأعرض ثمّ عاد وأكمله على الأحوط لو لم يكن الأقوى، ولو اشترك جماعة في استخراجه فالأقوى اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك، ولو اشتمل معدن واحد على جنسين أو أزيد كفى بلوغ قيمة المجموع نصاباً على الأقوى، ولو كانت معادن متعدّدة لا يضمّ بعضها إلى بعض على الأقوى وإن كانت من جنس واحد . نعم ، لو عدّت معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضية يضمّ بعض إلى بعض1 .


1 ـ في هذا الأمر الثاني المتعلّق للخمس جهات من الكلام أيضاً :
الجهة الاُولى : الظاهر أنّه لا خلاف بين علمائنا الإماميّة(1) رضوان الله عليهم في

(1) الخلاف 2 : 116 مسألة 138 ، السرائر 1 : 488 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، مدارك الأحكام 5 : 362 .

(الصفحة43)



تعلّق الخمس المقابل للزكاة بالمعدن في الجملة، وإن وقع الاختلاف بينهم في بعض أنواعه من جهة الشكّ في كونه معدناً، وعدم نهوض دليل خاصّ على تعلّق الخمس به . وعن أبي حنيفة(1) تخصيص وجوب الخمس بخصوص الذهب والفضّة، لكن لا من باب الخمس المجعول في الآية الشريفة للأصناف المذكورة فيها، بل من باب الزكاة والصدقة المطهّرة للمال .
الجهة الثانية : في معنى المعدِن ، والظاهر أنّه بحسب اللغة اسم مكان كـ «مجلس»(2) ومادّته بمعنى الإقامة والركاز والثبات ، يقال : عدنت الإبل أي لم يبرح من الأرض التي هو فيه ، وقوله تعالى : {جَنَّاتِ عَدْن}(3) من هذا القبيل ، وصرّح المحقّق الهمداني (قدس سره) باختلاف معنى المعدن في كلمات اللغويّين وكلمات الأصحاب، وأنّه في الاُولى بمعنى المحلّ، وفي الثانية بمعنى الحالّ وما يستخرج منه(4) ، مع أنّه من الواضح أنّ تعلّق الخمس بما يستخرج منه لا يوجب كون المعدن عندهم بمعنى الحالّ، ضرورة أنّه لا يقال للذهب مثلاً: إنّه معدن، وكذا النفط وأمثالهما ، والتعبير بأنّ من الاُمور المتعلّقة للخمس المعدن لا يستلزم ما أفاده، كما لا يخفى .
ثمّ لا يخفى أنّ كلمة «الركاز» الواردة في جملة من أخبار الخمس يراد به المعدن ولا يشمل حتّى مثل الكنز الذي اُخفي في الأرض . وبالجملة : فالروايات الواردة في المعادن على أنواع : فنوع منها يدلّ على ثبوت الخمس فيها بعنوان المعدن، مثل:


(1) كذا في النسخة، ولكن الظاهر أنّ هذا القول للشافعي، راجع الشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 والخلاف 2: 116 ـ 117 مسألة 138 وغيرهما .
(2) لسان العرب 4: 278، تاج العروس 18: 371.
(3) سورة التوبة 9: 72 وغيرها.
(4) مصباح الفقيه 14: 17 ـ 18.

(الصفحة44)



صحيحة الحلبي في حديث قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكنز كم فيه؟ قال : الخمس، وعن المعادن كم فيها؟ قال : الخمس ، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان بالمعادن (من المعادن خ ل) كم فيها؟ قال : يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة(1) .
وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس ، وقال : ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس(2) . ولعلّ العدول في الجواب عن عنوان المعدن بالركاز باعتبار عدم تعلّق الخمس إلاّ بما يكون مستخرجاً من المركز الأصلي لا بمطلق الذهب والفضّة ومثلهما من أيّ طريق حصل .
ونوع ثان يدلّ على الثبوت في بعض المصاديق، مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص ؟ فقال : عليها الخمس جميعاً(3) .
ورواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضّة هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(4) .
ونوع ثالث يدلّ على الثبوت في بعض الموارد معلّلاً بأنّه من المعدن أو مثل

(1) التهذيب 4 : 121 ح346 ، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح2 .
(2) التهذيب 4 : 122 ح347 ، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح3 .
(3) الكافي 1 : 544 ح8 ، التهذيب 4 : 121 ح345 ، الوسائل 9 : 491 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح1 .
(4) الكافي 1 : 547 ح21 ، الفقيه 2 : 21 ح72 ، التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .

(الصفحة45)



المعدن، مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الملاحة؟ فقال : وما الملاحة؟ فقال (فقلت خ ل) : أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً ، فقال : هذا المعدن فيه الخمس ، فقلت : والكبريت والنفط يخرج من الأرض ؟ قال : فقال : هذا وأشباهه فيه الخمس . وفي رواية الصدوق مثل المعدن فيه الخمس(1) .
وقد أفاد سيّدنا الاُستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ الصحيح في سند الرواية كون الراوي عن محمّد بن مسلم هو أبو أيّوب لا حسن بن محبوب ، قال : وذلك لأنّ محمّد بن مسلم من الطبقة الرابعة من الطبقات التي رتّبناها، وقد اتّفق وفاته في سنة 150(2)وحسن بن محبوب من الطبقة السادسة من تلك الطبقات، وقد اتّفق وفاته في سنة 224 مع كون عمره خمساً وسبعين سنة ، كما ذكره الكشي(3). وعليه فلا يمكن له النقل عن محمّد بن مسلم من دون واسطة، فالظاهر ثبوت الواسطة وأنّه هو أبوأيّوب ـ الذي هو في الطبقة الخامسة ـ كما في النسخ الصحيحة من الوسائل(4) .
وبعض الأعلام (قدس سره)(5) مع الاقتصار في نقل الرواية على غير ما رواه الصدوق من دون دلالة ولا إشعار بوجه ذلك ـ والظاهر أنّ الوجه فيه عدم صحّة طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم كما ذكره في موارد اُخر ـ استفاد من الرواية كون الأرض المذكورة في مورد سؤالها معدناً شرعاً وإن لم يكن كذلك عرفاً، ولذا جعل

(1) التهذيب 4 : 122 ح349 ، الفقيه 2: 21 ح76، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح4 .
(2) رجال الطوسي: 294 رقم 4293.
(3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 584 رقم 1094.
(4) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي): 355.
(5) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 37 .

(الصفحة46)



الضابط في معنى المعدن إمّا الشرع وإمّا العرف، مع أنّه من الواضح أنّه لا يكون المراد من قوله(عليه السلام) : «هذا المعدن» كونه معدناً شرعاً، بل المراد الدلالة على كونه معدناً في نظر العقلاء والعرف، من دون أن يكون المراد ثبوت معنى شرعي للمعدن، مضافاً إلى أنّ التعبّد بثبوت المعدن لا يكاد يراد به إلاّ وجوب الخمس، فإضافة قوله(عليه السلام): «فيه الخمس» لابدّ أن يكون للتوضيح، إذ لا وجه للتعبّد بثبوت أمرين، مع أنّه خلاف الظاهر جدّاً . فالضابط كما في المتن هو المعنى العرفي .
نعم ، في الرواية إشكال آخر; وهو أنّه مع تصريح الإمام(عليه السلام) بكون الأرض المالحة الكذائية من مصاديق المعدن ويجب فيها الخمس ، لا مجال للسؤال عن النفط والكبريت الخارجين من الأرض، مع كون صدق المعدن عليهما إنّما هو بطريق أولى .
ويمكن أن يقال : بأنّ النفط الخارج في الأزمنة السالفة مع عدم ثبوت الإمكانات والوسائل مثل هذه الأزمنة التي يحتاج استخراج النفط منها إلى حفر بئر عميقة أو آبار كذلك، لعلّها كان قعرها أزيد من ألفي ذراع ، بل لم يكن مشخّص لمحلّ النفط أصلاً، فلعلّ خروجه في بعض الأراضي إنّما كان بنفسه، ويوجد في زماننا هذا بعض الآبار الذي يخرج منه الماء بنفسه من دون حاجة إلى وسيلة ومكينة، وهكذا بالنسبة إلى الكبريت .
وبالجملة : فمصاديق المعدن بعضها واضحة، كمعدن الذهب والفضّة وبعض العناوين المذكورة في بعض الروايات، والخصوصية الموجودة فيها كونها مستورة عن الأرض، ومتكوّنة من أجزائها بإرادة الله تبارك وتعالى وعدم صدق اسم الأرض عليها، ودونها في وضوح الصدق معدن النفط في زماننا هذا المتكوّنة في أعماق الأرض من الرطوبات النافذة فيها، والحرارة الخاصّة الحاصلة فيها واُمور

(الصفحة47)



غير ظاهرة لنا، ودون ذلك في الصدق الاُمور غير المستورة عن الأرض، كبعض الاُمور المذكورة في المتن، ومنه حجر الرحى والفحم الحجري، والأحجار المستعملة في هذه الأزمنة في الأبنية الخاصّة بدلاً عن الآجر .
وأمّا الأرض المالحة المذكورة في الرواية الأخيرة فهي أيضاً معدن بمقتضاها ، وفي ذيل الرواية أنّ هذا وأشباهه فيه الخمس .
وأمّا الاُمور الحاصلة في نفس الأرض وغير مستورة عنها كالجصّ وبعض من أنواع الطين الذي يكون له أثر وخاصّية مخصوصة، فالظاهر أنّ إجراء حكم المعدن عليها إنّما هو على سبيل الاحتياط، كما في المتن .
الجهة الثالثة : في ثبوت النصاب في تعلّق الخمس بالمعدن وعدمه، والظاهر أنّ المشهور بين القدماء من الأصحاب عدم ثبوت النصاب، وقد نسبه في محكيّ الدروس إلى الأكثر(1) ، وعن الحلّي ادّعاء إجماع الأصحاب على ذلك(2) ، ولكن حكى العلاّمة في التذكرة(3) عن الشيخ أقوالاً ثلاثة في ذلك في كتبه المختلفة، ولا ريب في أنّ مقتضى الإطلاقات الواردة في المعادن الدالّة على ثبوت الخمس فيها عدم اعتبار النصاب بوجه، إلاّ أنّ في مقابلها روايتين :
إحداهما : رواية البزنطي الواردة في خصوص المعدن ، قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شيء؟ قال : ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً(4) .


(1) الدروس الشرعيّة 1 : 260 .
(2) السرائر 1 : 488 ـ 489 .
(3) تذكرة الفقهاء 5 : 426 ـ 427 .
(4) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .

(الصفحة48)



ولا ينبغي الارتياب في دلالتها على عدم وجوب الخمس في شيء من المعادن ذهباً كانت أو غيرها من المعدنيّات ما لم يبلغ قيمته عشرين ديناراً ; لأنّ الظاهر أنّ فاعل «يبلغ» ضمير يرجع إلى ما اُخرج من المعدن، و«عشرين ديناراً» عطف بيان لـ «ما» الموصولة في قوله : «ما يكون» .
فالمراد أنّه لا يجب فيما اُخرج من المعدن ذهباً كان أو غيره شيء حتّى يبلغ ذلك مقداراً يكون ثابتاً في مثله الزكاة، وذلك المقدار هو عشرون ديناراً، وليس المراد هو اعتبار النصاب في خصوص الذهب حتّى يكون فاعل «يبلغ» هو «ما» الموصولة بعد كون السؤال عن حكم مطلق المعادن لا خصوص الذهب ، خصوصاً بعد كون الدينار عبارة عن الذهب المسكوك الذي يساوي وزنه مثقالاً، والذهب المستخرج من الأرض بعنوان المعدن لا يكون كذلك ، بل المستخرج إنّما هو التراب المشتمل على ذرّات الذهب، ويحتاج إلى العلاج حتّى يصير بالصورة الذهبية .
فلا ينبغي الإشكال في أنّ المراد من الرواية هو بلوغ ما أخرج المعدن مقداراً تكون قيمته عشرين ديناراً ، فالمراد من المماثلة هي المماثلة من جهة القيمة لا  المماثلة من حيث الجنس، فضلاً عن اعتبار الخصوصيّات والأصناف المشخّصة، كما لا يخفى .
ولا يبعد أن يقال بأنّ ذكر «عشرين ديناراً» إنّما هو من باب المثال، وإلاّ فمائة درهم أيضاً كذلك .
ثمّ إنّه يشكل في الصحيحة بأنّها معرض عنها عند المشهور بين القدماء ، وإعراض المشهور قادح في اعتبار الرواية .
ولكنّ الظاهر أنّ الشهرة ليست بحدّ تكون قادحة، خصوصاً مع ذهاب الشيخ

(الصفحة49)



في النهاية(1) وابن حمزة في الوسيلة(2) إلى اعتبار النصاب المذكور .
كما أنّه ربما يشكل فيها بخلوّها عن التعرّض للخمس ، فلعلّ مورد السؤال فيها هي الزكاة، كما عليها مثل أبي حنيفة(3) على ما عرفت، ولكن معهوديّة ثبوت الخمس في المعادن في قبال الرجل المذكور مع ذكر الشيء بعنوان النكرة الظاهرة في ثبوته بأيّ عنوان أعمّ من الزكاة والخمس يوجب أن يكون مورد السؤال مطلق ما ثبتَ بالشريعة في المعادن ، كما أنّ ذكر المعادن في السؤال من دون التقييد بمعدن الذهب دليل على كون مورد السؤال مطلق المعادن، وليس قوله(عليه السلام): «عشرين ديناراً» دليلاً على كون محطّ السؤال الزكاة، أو خصوص معدن الذهب أو الفضّة ، بناءً على نفي البُعد الذي ذكرناه ، خصوصاً مع ملاحظة قوله(عليه السلام) : «ما يكون في مثله الزكاة» .
فالإنصاف أنّ المناقشة في الرواية سنداً أو دلالةً غير تامّة، وأنّها تدلّ على اعتبار النصاب في مطلق المعادن وهو عشرون ديناراً، أو مائتا درهم قيمةً ، ومع اختلافهما في القيمة يكون مقتضى الاحتياط ما في المتن من رعاية أقلّهما; لصدق بلوغ نصاب الزكاة .
ثانيتهما : ما رواه البزنطي، عن محمّد بن علي بن أبي عبدالله، عن أبي الحسن(عليه السلام)وقد تقدّم في أصل البحث(4)، وهي واردة في الغوص والمعدن جميعاً، ومدلولها اعتبار بلوغ قيمته ديناراً .
وقد أفاد سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ الظاهر أنّ المراد بمحمّد بن

(1) النهاية : 197 .
(2) الوسيلة : 138 .
(3) كذا في النسخة ، والصحيح الشافعي ، كما أشرنا إليه في ص43 .
(4) في ص44.

(الصفحة50)



علي بن أبي عبدالله هو محمّد بن عليّ بن جعفر المعروف(1)، وإن كان هذا الاستظهار لا يخرجه من المجهوليّة من حيث الوثاقة، خصوصاً مع أنّه ربما يقال بعدم ثبوت الرواية بهذا العنوان في الفقه إلاّ في موردين(2)، ومع أنّه لم يعمل بهذه الرواية إلاّ أبوالصلاح الحلبي في الكافي(3)، وقد حملها صاحب الوسائل(4) على خصوص الغوص، نظراً إلى تذكير الضمير في قوله(عليه السلام) : «إذا بلغ قيمته» ، وكأنّ الإمام(عليه السلام)اقتصر في الجواب على بيان حكم الغوص، ولم يتعرّض للجواب عن المعادن لعلّة كان هو أعرف بها من تقيّة أو غيرها .
ويمكن أن يقال: إنّ تذكير الضمير إنّما هو لأجل الرجوع إلى كلّ واحد منهما، لا لأجل الرجوع إلى الغوص فقط ، ولكنّه محلّ تأمّل ، كما أنّه يمكن أن يقال بأنّ التذكير إنّما هو لأجل أنّ الأمر في التأنيث والتذكير سهل، خصوصاً بالنسبة إلى غير ذوي العقول، ولكنّه أيضاً محلّ تأمّل. والذي يبدو في نظري القاصر أنّ البزنطي كيف روى أمرين متضادّين عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) من دون إشعار بالتناقض والتضادّ، ومن دون استيضاح من الإمام(عليه السلام)، من دون فرق بين تقدّم النقل الأوّلي أو الثانوي؟ فالمتحصّل من مجموع ما ذكرنا اعتبار النصاب كما اُفيد في المتن.
ويبقى الكلام في مسألة اعتبار النصاب في المعدن ـ التي قوّيناها ـ في أمرين :
الأمر الأوّل : في أنّه هل يجب التخميس بعد استثناء المؤونة المصروفة في الاستخراج ووضعها، أم يجب ولو كانت المؤونة زائدة على المقدار الذي استخرجه

(1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 345.
(2) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس: 40.
(3) الكافي في الفقه : 170 .
(4) الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .

(الصفحة51)



منه ، فلو كانت المؤونة للإخراج والاستخراج ثلاثين ديناراً مثلاً، والمقدار المستخرج من المعدن عشرون ديناراً، فهل يجب عليه التخميس أم لا؟ الظاهر العدم; لأنّه مضافاً إلى أنّه متسالم عليه بين الأصحاب يدلّ عليه اُمور ثلاثة :
الأوّل : أنّ تعلّق الخمس بالمعدن إنّما هو من باب كونه أحد مصاديق الغنيمة المذكورة في آية الخمس ، وقد عرفت في أوائل الكتاب(1) أنّ الظاهر أنّ الاُمور السبعة المتعلّقة للخمس كلّها من باب الغنيمة حتّى في الحلال المختلط بالحرام، والأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم بالتوجيه الذي ذكرنا .
وقد صرّح بذلك الشهيد في محكي البيان(2)، ولازمه كون الدليل في الخمس هي آيته، لا مركّباً من الآية والرواية، بحيث كان الدليل على بعضها الكتاب وعلى البعض الآخر السنّة ، وعليه فلابدّ في تعلّق الخمس من صدق الغنيمة .
ويؤيّده تناسب الحكم والموضوع، فإنّه لا مجال لتوهّم تعلّق الخمس مع عدم الاسترباح والغنيمة، بل في صورة الخسران أيضاً بعد الكسر والانكسار ، ففي المثال الذي ذكرناه لم يستفد المستخرج شيئاً، بل تضرّر عشرة دنانير، فكيف يجب عليه الخمس؟ وقد ورد في بعض الروايات الصحيحة أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة(3).
الثاني : أنّه قد ورد في جملة من الأخبار التي ستجيء الإشارة إليها في بحث أرباح المكاسب أنّ الخمس بعد المؤونة ، والظاهر بملاحظة عدم إضافة المؤونة إلى

(1) في ص10 ـ 14.
(2) البيان : 213 .
(3) الفقيه 2: 21 ح74، التهذيب 4: 124 ح359، الاستبصار 2: 56 ح184، الوسائل 9 : 485 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح1 .

(الصفحة52)



السنة أنّ المراد هي المؤونة المصروفة في تحصيل ما يتعلّق به الخمس، فلا خمس إذا كانت المؤونة أزيد منه أو مساوية له .
الثالث : صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس ، وقال : ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس(1) . فإنّ الظاهر عدم كون المصفّى وصفاً للحجارة، وإلاّ كان اللازم تأنيثه، بل هو يرجع إلى ما أخرج . والمراد منه هو ما يبقى صافياً وخالصاً بعد وضع المؤونة وتحقّق الكسر والانكسار، فيدلّ على أنّ المؤونة لو كانت زائدة أو مساوية لا يجب الخمس وإن كان الخارج بالغاً حدّ النصاب ، وقد ادّعي أنّ دلالة الرواية على ذلك إنّما هي كالصريحة .
فانقدح ممّا ذكرنا استثناء المؤونة في هذا الأمر الأوّل .
الأمر الثاني : في أنّه بعد استثناء المؤونة المصروفة في الإخراج إذا كان الباقي غير بالغ حدّ النصاب، ولكن المجموع منه ومن المؤونة قبل استثنائها يبلغ النصاب، فهل لا يجب الخمس في شيء من المجموع، أو يجب في خصوص الباقي بعد الاستثناء وإن لم يكن بالغاً حدّ النصاب؟ فإذا فرض أنّه صرف عشرة في إخراج المعدن ولكنّه أخرج خمسة وعشرين، فهل يجب خمس هذا المقدار وإن لم يكن نصاباً خالصاً، أو لا يجب الخمس; لعدم بلوغ النصاب فيما يبقى له ; لأنّ المفروض أنّه صرف عشرة في استخراج هذا المقدار، ولا يبقى له إلاّ خمسة عشر؟ فيه خلاف بينهم، فالمشهور على الثاني(2)، بل نفي الخلاف فيه(3)، ولكن المحكي عن

(1) تقدّمت في ص44.
(2) منتهى المطلب 1: 549، الدروس الشرعيّة 1: 260، الروضة البهيّة 2: 71.
(3) رياض المسائل 5: 252.

(الصفحة53)



صاحب المدارك (قدس سره)(1) وتبعه بعض الأعلام(2) الأوّل .
والظاهر كما يستفاد من صاحب الجواهر (قدس سره)(3) أنّه لا دليل للمشهور إلاّ أصالة البراءة عن وجوب الخمس وتعلّقه بخمسة عشر بعد عدم بلوغه حدّ النصاب.
ولكنّها ـ مضافاً إلى توجيهها بأنّ المراد إنّما هو أصالة البراءة عن فوريّة وجوب الخمس وفعليّته لا عن أصل الوجوب بعد العلم به، ولو من باب أرباح المكاسب لا المعدنية ـ مخدوشة بأنّه لا مجال للأصل العملي مع وجود الدليل اللفظي، وصحيحة البزنطي المتقدّمة(4) تدلّ بإطلاقها على ذلك ، وإن كان إطلاقها منصرفاً عن الأمر الأوّل الذي ذكرنا، كما لا يخفى .
فالإنصاف أنّ الدليل يقتضي ما ذهب إليه صاحب المدارك ، فتدبّر جيّداً .
الجهة الرابعة : في عدم اعتبار الإخراج دفعة واحدة، فلو أخرج الذهب من معدنه مثلاً في دفعات متعدّدة، وكان المجموع بالغاً حدّ النصاب يكون فيه الخمس ; لإطلاق الصحيحة المذكورة الواردة في نصاب المعدن المتقدّمة(5) ، مضافاً إلى أنّ الحكم بعدم ثبوت الخمس في الصورة المفروضة يستلزم الحكم بعدم ثبوت الخمس إلاّ نادراً; للاقتصار في الإخراج في كلّ دفعة على ما دون النصاب، وهو مستبعد جدّاً .
هذا، وقد ذكر بعض الأعلام على ما في تقريراته في شرح العروة ما حاصله يرجع إلى أنّ وحدة الاخراج لو كانت حقيقيّة أو حكميّة أي غير مشتملة على ما

(1) مدارك الأحكام 5 : 392 .
(2) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 47 .
(3) جواهر الكلام 16 : 83 .
(4 ، 5) في ص47.

(الصفحة54)



يضرّ بصدق الوحدة العرفية، كما في إخراج النفط بالدلاء، فإنّه لا يقدح التعدّد حينئذ ، وأمّا لو تعدّد الإخراج عرفاً لما بينهما من فاصل زمانيّ بمقدار معتدّ به كالشهر أو الاسبوع بل اليوم أيضاً، فالأقوى تبعاً لجمع من الأعلام عدم الانضمام، نظراً إلى أنّ المنسبق إلى الذهن من النصّ بحسب الفهم العرفي كون الحكم انحلاليّاً ومجعولاً على سبيل القضية الحقيقيّة، فيلاحظ كلّ إخراج بانفراده واستقلاله بعد انعزاله عن الإخراج الآخر كما هو المفروض، نظير ما لو علّق حكم على الشراء مثلاً فقيل له : متى اشتريت منّاً من الحنطة فتصدّق بكذا، فاشترى نصف منّ ثمّ اشترى ثانياً نصف منّ آخر، فإنّ شيئاً من الشراءين غير مشمول للدليل; لعدم صدق المنّ وإن صدق على المجموع .
ثمّ قال ما ملخّصه : إنّ الذي يكشف عن ذلك بوضوح أنّه لو أخرج ما دون النصاب بانياً على الاكتفاء به فصرفه وأتلفه من غير تخميسه، ثمّ بدا له فأخرج الباقي فإنّ هذا الإخراج الثانوي لا يحدث وجوباً بالإضافة إلى السابق التالف بلا إشكال; لظهور النصّ في عروض الوجوب مقارناً للإخراج، وفي صورة الوجود أيضاً كذلك لوحدة المناط(1) ، انتهى .
وهذا الذي أفاده وإن كان صحيحاً، إلاّ أنّه لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّ الوحدة العرفية وعدمها لا يتقوّمان بيوم أو أيّام، بل الموارد مختلفة ، ففي زماننا هذا الذي يحمل النفط بوسيلة السفن الحاملة له لا يبعد أن يقال بتعدّد الإخراج بلحاظ تعدّد السفن وإن كان ذلك في يوم واحد، خصوصاً مع اختلاف مقاصد السفن وكون كلّ واحدة منها مرتبطة بمملكة خاصّة وبلد مخصوص .


(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 48 ـ 49 .

(الصفحة55)



وقد حكم في المتن بوجوب خمس المجموع ـ على الأحوط لو لم يكن الأقوى ـ فيما لو أخرج أقلّ من النصاب وأعرض ثمّ عاد وأكمله حتّى بلغ النصاب ، ولعلّ الوجه فيه بناءً على مبناه صدق الاستخراج من المعدن بمقدار النصاب وعدم مدخلية الإعراض في هذه الجهة; لأنّه لم يعرض عمّا أخرجه، بل أعرض عن الإخراج ثانياً مثلاً، وهو لا يترتّب عليه الأثر مع العود إلى الإخراج والإكمال ، بل يمكن أن يقال بأنّه مع تحقّق الإعراض عمّا أخرجه أيضاً لا يتغيّر الحكم ووجوب الخمس بحاله ، نظير ما لو أخرج أقلّ من النصاب دفعة ثمّ وهبه إلى الغير، ثمّ أخرج مقداراً يبلغ المجموع النصاب، فإنّه يجب عليه الخمس ; لأنّ الحكم مترتّب على الإخراج والاستخراج، ولا يتغيّر بما يحدث بعده من الإعراض والهبة وغيرهما .
وقد نفى البُعد سيّدنا الاُستاذ البروجردي (قدس سره)(1) عن التعدّد فيما لو كان الإعراض على نحو يعدّ عوده إليه عملاً مستأنفاً غير مرتبط بالعمل الأوّل ، ولعلّه هو كذلك .
الجهة الخامسة : في أنّه لو اشترك جماعة في استخراج المعدن بحيث كان المستخرج متعلّقاً بالجميع . غاية الأمر سهم كلّ واحد يلحظ بالإضافة إلى مقدار استخراجه ، فالظاهر اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، وإن كان الأحوط استحباباً إخراج الخمس إذا بلغ المجموع النصاب ، والوجه في الظهور استقلال كلّ واحد في تعلّق التكليف بالخمس ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الزكاة أيضاً، فالمعتبر هو بلوغ نصيب كلّ واحد في كلا البابين .
هذا، ولكنّه ربما يقال بتعلّق الخمس بالمجموع لا محالة، نظراً إلى أنّ الحكم في

(1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 349 .

(الصفحة56)



صحيحة البزنطي المتقدّمة(1) قد علّق على ما أخرجه المعدن، من غير نظر إلى المخرج وأنّه واحد أو أكثر، فإذا بلغ ما أخرجه المعدن حدّ النصاب يتعلّق به الخمس ولو كان مشتركاً بين جماعة لأجل اشتراكهم في الاستخراج ، وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره)أنّ مقتضى إطلاق صحيحة البزنطي أنّ العبرة بالإخراج لا بالمخرج، وأنّ المدار ببلوغ ما أخرجه المعدن حدّ النصاب، سواء كان المخرج واحداً أم متعدّداً(2) .
ولكنّ الظاهر هو الأوّل; لأنّ ظاهر الصحيحة وإن كان تعلّق الحكم بما أخرجه المعدن، إلاّ أنّ المنسبق إلى الذهن والمتبادر منها عند العرف كون النظر إلى المكلّف المستخرج، وأنّه يثبت في عهدته الخمس إذا كان ما أخرجه المعدن بالغاً حدّ النصاب، فالنظر إلى المخرج، وإلاّ لكان اللاّزم الالتزام بثبوت الخمس في صورة إخراج نفس المعدن فقط، كما هو مقتضى الجمود على ظاهر عبارة السؤال .
الجهة السادسة : لو كان المستخرِج ـ بالكسر ـ واحداً ولم تكن شركة في الاستخراج، ولكن كان المستخرَج ـ بالفتح ـ متعدّداً من حيث الحقيقة والجنس; بأن استخرج ذهباً وفضّة وحديداً مثلاً، فهل يعتبر بلوغ كلّ جنس نصاباً، أو يكفي بلوغ المجموع ذلك ولا يعتبر الاتحاد بالنوع؟ وجهان ، والظاهر هو الوجه الثاني، لتعليق الحكم في الصحيحة على ما أخرجه المعدن من دون اشتراط اتّحاد النوع أصلاً، فمقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين ما لو كان الخارج واحداً بالنوع أم لم يكن .
الجهة السابعة : لو كانت هناك معادن متعدّدة، ففي المتن أنّه لا يضمّ بعضها إلى بعض على الأقوى وإن كانت من جنس واحد، واستثنى من ذلك ما لو عدّت

(1) في ص47.
(2) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 50 .

(الصفحة57)



المعادن المتعدّدة معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضية، فإنّه يضمّ في هذه الصورة بعضها إلى بعض.
والوجه في المستثنى منه أنّ الظاهر من صحيحة البزنطي المعدن الواحد لا معادن متعدّدة وإن كانت من جنس واحد . نعم، لا ينافي عدم تعلّق الخمس بالمعادن المتعدّدة ـ مع عدم بلوغ كلّ واحد النصاب ـ ثبوته من جهة أرباح المكاسب مع شرائطها الخاصّة، ومن مصاديق المعدن الواحد ما ربما يتحقّق في زماننا هذا من استكشاف النفط من منبع عظيم جدّاً . غاية الأمر تعدّد طرق الاستخراج لأجل كثرة الاستفادة، فإنّه من الواضح أنّ التعدّد المذكور لا يوجب تعدّد المعدن .
الجهة الثامنة : فيما لو كان ما أخرجه المعدن غير بالغ حدّ النصاب، ولكنّه عمل فيه عملاً صار موجباً لزيادة قيمته وبلوغه ذلك الحدّ لأجل تغيير هيئته، كما إذا عمل في الذهب وصنعه ديناراً أو حليّاً، والظاهر عدم وجوب الخمس عليه ; لأنّ الموجب له هو بلوغ ما أخرجه المعدن من حيث هو ذلك الحدّ، لا بضميمة العمل الذي له قيمة عند العرف والعقلاء .
هذا ، وحكى في الجواهر عن المسالك(1) الحكم بعدم وجوب الخمس فيما لو اتّجر به قبل إخراج خمسه.
واستشكل فيه في الجواهر بما هذه عبارته: إنّ المتّجه وجوب الخمس في الثمن أيضاً بناءً على تعلّق الخمس بالعين، وعلى تعلّق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه،

(1) مسالك الأفهام 1 : 459 .

(الصفحة58)



كما صرّح به في التذكرة(1) والمنتهى(2) مستشهداً له في الأخير بما رواه الجمهور بل والشيعة، وإن كان بينهما تفاوت يسير لا يقدح في المعنى. عن أبي الحارث المزني أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: ردّ عليَّ البيع ، فقال : لا أفعل ، فقال : لآتين عليّاً(عليه السلام) فلاُتينّ عليك ، فأتى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)فقال : إنّ أبا الحارث أصاب معدناً، فأتاه عليّ(عليه السلام)فقال : أين الركاز الذي أصبت ؟ فقال : ما أصبت ركازاً إنّما أصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع، فقال له علي(عليه السلام) : ما أرى الخمس إلاّ عليك(3) . وكأنّه فهم البائع من الضمير، وهو كذلك لما في المرويّ في الكافي والتهذيب من نقل هذه، أنّه قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لصاحب الركاز: فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شيء; لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه(4)، ويدفع بأنّه وإن كان متعلّقاً بها وجاز له بيعه وكان الخمس عليه، لكن له ضمانه على أن يؤدّيه من مال آخر، فيتّجه حينئذ تعلّق الوجوب بالأصل خاصّة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب، كما صرّح به في المنتهى والتذكرة أيضاً، معلّلاً له بأنّ الخمس تعلّق بالعين لا بالثمن . نعم ، يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه(5) ، انتهى .
وقد ذكر سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ الرواية مضطربة; لأنّه لم يكن مورد النزاع ثبوت الخمس على البائع أو المشتري حتّى يحكم في الجواب بثبوته على

(1) تذكرة الفقهاء 5 : 413 .
(2) منتهى المطلب 1 : 546 .
(3) كتاب الأموال لأبي عبيد : 349 ـ 350 .
(4) الكافي 5: 315 ح48، التهذيب 7 : 225 ح986 ، الوسائل 9 : 497 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب6 ح1 .
(5) جواهر الكلام 16 : 21 ـ 22 .

(الصفحة59)

مسألة 1 : لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة، وإن كان الأوّل لمن استنبطه والثاني لصاحب الأرض وإن أخرجه غيره، وحينئذ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المؤونة، البائع دونه(1) .


هذا ، ولكن الظاهر أنّه (قدس سره) قد خلط بين ما هو المبحوث عنه في هذا الفرع وبين ما هو خارج عنه، فإنّ الفرع الذي يكون مورداً للنزاع في المقام هو ما لو لم يكن المستخرج من المعدن بالغاً حدّ النصاب بقيمته السوقية العادلة، ولكنّ المخرج اتّجر به وباعه بما يبلغ حدّ النصاب على خلاف قيمته الواقعية، والفرع الذي يكون مورداً لبحث الشهيد والجواهر هو ما لو كان المستخرج بالغاً حدّ النصاب بنفسه، ولكن المخرج اتّجر به قبل إخراج خمسه، كما صرّح بذلك الشهيد في عبارته(2)، والبحث فيه إنّما هو في أنّ الخمس هل يتعلّق بالزيادة الحاصلة بالاكتساب، أو لا يتعلّق إلاّ بما تعلّق به أوّلاً؟ واستشهاد المنتهى بالرواية إنّما هو لعدم وجوب الخمس في هذا الفرع إلاّ على البائع دون المشتري، ولا ريب في دلالة الرواية على هذه الجهة وعدم الاضطراب فيها أصلاً .
وأمّا الفرع الذي يكون مورداً لبحثنا فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الخمس فيه; لأنّ الملاك إنّما هي القيمة السوقية، والمفروض أنّه لا يبلغ المستخرج بمثل هذه القيمة حدّ النصاب، فلا وجه للحكم بوجوب الخمس فيه، فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .


(1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 351 .
(2) مسالك الأفهام 1 : 459 .

(الصفحة60)

ومنها اُجرة المخرج إن لم يكن متبرّعاً، وإن لم يكن بأمره يكون المخرج له وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة; لأنّه لم يصرف مؤونة، وليس عليه ما صرفه المخرج. ولو كان المعدن في الأرض المفتوحة عنوة، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين وأخرجه أحد منهم ملكه، وعليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين، وإلاّ فمحلّ إشكال، كما أنّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال، وإن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج وعليه الخمس ولو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة ، ولو استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوى، ووجب على الوليّ إخراجه1 .


1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :
المقام الأوّل : ما لو كان المعدن في أرض مباحة غير مفتوحة عنوة، وهذا هو الفرد الظاهر ممّا تقدّم من كون المخرَج ـ بالفتح ـ لمن استنبطه، وأنّ الواجب عليه الخمس بعد استثناء مؤونة الإخراج كما مرّ(1) . والدليل على الأمرين الأدلّة الدالّة على ثبوت الخمس في المعادن، فإنّها تدلّ بالملازمة على ملكيّة من يتعلّق به الخمس لما عدا مقداره، وقد عرفت(2) أنّ الظاهر ثبوت الخمس في جميع الموارد في صورة صدق الغنيمة، وهو لا يتحقّق بدون ملكيّة ما عدا مقداره، والحكم في هذا المقام ثابت بلا ريب .
المقام الثاني : ما لو كان المعدن في أرض لها مالك شخصي، فإن كان الإخراج بأمر من المالك فلا إشكال في أنّه يكون على المالك الخمس بعد استثناء المؤونة،

(1) في ص50 ـ 52 .
(2) في ص10 ـ 14.
<<التالي الفهرس السابق>>