في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة161)



تسكنه في حياة زوجها أو انتقلت إليه للاعتداد؟ الظاهر اختلاف الروايات(1) في ذلك ، والمحكي عن الشيخ(2) الجمع بين النصوص بحمل النهي على الكراهة . وعن صاحب الحدائق(3) أنّه استظهر الجمع بينهما بالفرق بين صورة الضرورة وعدمها ، مؤيّداً ذلك بمكاتبة الحميري لصاحب الزمان(عليه السلام) في جواب سؤاله عن المرأة يموت زوجها ، هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟ فّوقع : تخرج في جنازته .
وفي جواب سؤاله أنّه: هل يجوز لها وهي في عدّتها أن تزور قبر زوجها؟ فوقّع: تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها .
وفي جواب سؤاله أنّه: هل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها أم لا تخرج من بيتها وهي في عدّتها؟ فوقّع: إذا كان حقّ خرجت فيه وقضته . وإن كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى تقضيها ولا تبيت إلاّ في منزلها(4) .
هذا ، ولكن ذكر في الجواهر: أنّي لم أجد أحداً من معتبري الأصحاب منعها عن ذلك ، بل ظاهرهم أنّه يجوز لها من دون ضرورة ، لكن على كراهية ، خصوصاً بعد ملاحظة النصوص المستفيضة الدالة على جواز قضاء عدّتها فيما شاءت من المنازل ولو كان شهر في منزل(5) .
وفي بعض الروايات في جواب السؤال عن أنّها: كيف تصنع إن عرض لها حقّ؟

(1) الوسائل: 22 / 233 ـ 235 و 243 ـ 247 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب29 و33 و 34 .
(2) التهذيب: 8 / 158 ـ 161 ، الاستبصار: 3 / 352 ـ 353 ، والحاكي هو صاحب الحدائق الناضرة: 25 / 473 .
(3) الحدائق الناضرة: 25 / 471 ـ 473 .
(4) الاحتجاج: 482 ، الوسائل: 22 / 245 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب33 ح8 .
(5) جواهر الكلام: 32 / 279 .

(الصفحة162)

مسألة 8 : لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه حاضراً كان الزوج أو غائباً بلغ الزوجة الخبر أم لا ، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضيّ مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها ، وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر ، ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر ، وكذا عدّة وطء الشبهة وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة بل هذا الاحتياط لا يترك ، وأمّا عدّة الوفاة فان مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها ، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج ، بل يعمّ صورة حضوره إن خفي عليها موته لعلّة ، فتعتدّ من حين إخبارها بموته(1) .


فقال(عليه السلام) : تخرج بعد زوال الليل وترجع عند المساء . وفي بعض النسخ تخرج بعد زوال الشمس(1) .
وعلى ما ذكرنا فمقتضى الاحتياط الاستحبابي أن لا يكون خروجها عن المنزل مستوعباً لجميع الليل ، كالمبيت بمنى على المختار من أنّ الواجب فيه النصف من دون فرق بين الأوّل والآخر ، ولا مستوعباً لجميع النهار كما لايخفى .

1 ـ هذه المسألة متعرضة للفرق بين عدّة الطلاق وعدّة الوفاة من جهة المبدأ ، وأنّ مبدأ عدّة الطلاق فيما إذا كان الزوج حاضراً من حين الطلاق ، وقد ادّعى نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر(2) ، وكذا إذا كان الزوج غائباً على المشهور بين الأصحاب(3) . ويدلّ عليه روايات متعددة ، مثل :


(1) الكافي: 6 / 117 ح13 ، الوسائل: 22 / 244 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب32 ح7 .
(2) جواهر الكلام: 32 / 371 .
(3) مسالك الافهام: 9 / 349 ، جواهر الكلام: 32 / 371 .

(الصفحة163)



صحيحة محمد بن مسلم قال : قال لي أبو جعفر(عليه السلام): إذا طلّق الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدّتها(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب عنها من أيّ يوم تعتدّ؟ فقال : إن قامت لها بيّنة عدل أنّها طلّقت في يوم معلوم وتيقّنت ، فلتعتدّ من يوم طلّقت ، وإن لم تحفظ في أيّ يوم وأيّ شهر فلتعتد من يوم يبلغها(2) . إلى غير ذلك من النصوص(3) .
وفي مقابل المشهور ما يحكى من التقيّ من اعتبار البلوغ ظاهر الأمر بالتربّص; ولأنّ الاعتداد عبادة يحتاج إلى النية(4) . والجواب واضح خصوصاً بعد أنّ الموجب للاعتداد لا يكون إلاّ الطلاق لا البلوغ ، وعليه فلو لم يبلغها خبر الطلاق إلاّ بعد مضيّ مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها ، وليس عليها العدّة بعد بلوغ الخبر .
والظاهر أنّ مثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ بل والانفساخ ، وإن كان يبدو في بادئ النظر أنّه مثل الموت; لاشتراكهما في الأمر غير الاختياري ، إلاّ أنّ الظاهر كونها مثل عدّة الفسخ التي تماثل عدّة الطلاق ، والسرّ في الجميع ما عرفت من أنّ الموجب للاعتداد لا يكون إلاّ الطلاق أو مثله في مقابل البلوغ ، الذي تحتاج مبدئيّته للاعتداد إلى قيام الدليل عليه .
نعم ، ذكر في المتن في عدّة وطء الشبهة بعد استظهار أنّ مبدأها وطء الشبهة : أنّ

(1) الكافي: 6 / 111 ح5 ، التهذيب: 8 / 162 ح561 ، الاستبصار: 3 / 353 ح1264 ، الوسائل: 22 / 225 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ح1 .
(2) الكافي: 6 / 110 ح1 ، التهذيب: 8 / 162 ح562 ، الاستبصار: 3 / 354 ح1265 ، الوسائل: 22 / 226 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ح2 .
(3) الوسائل: 22 / 225 ـ 228 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ـ 27 .
(4) الكافي في الفقه: 313 .

(الصفحة164)



مقتضى الاحتياط الذي لا يترك أنّ مبدأها ارتفاع الشبهة ، ولعلّه يجيء الكلام في هذا المجال في بحث عدّة وطء الشبهة ، الذي سيأتي إن شاء الله تعالى ، فانتظر .
وأمّا عدّة وفاة الغائب ، فالمشهور(1) أنّه من حين بلوغ الخبر لا من حين الوفاة ، ويدلّ عليه الروايات المتكثرة ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) في رجل يموت وتحته امرأته وهو غائب ، قال : تعتدّ من يوم يبلغها وفاته(2) .
وصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وبُريد بن معاوية ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، أنّه قال في الغائب عنها زوجها إذا توفي ، قال : المتوفّى عنها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر; لأنّها تحدّ عليه(3) . وهذه الصحيحة تهدي إلى علّة الفرق بين عدّة الوفاة وبين عدّة مثل الطلاق ، وأنّها لزوم الحداد عليها في عدّة الوفاة ، وعدم اللزوم في عدّة الطلاق ومثله .
وصحيحة البزنطي ، عن الرضا(عليه السلام) قال : سأله صفوان وأنا حاضر عن رجل طلّق امرأته وهو غائب فمضت أشهر؟ فقال : إذا قامت البيّنة أنّه طلّقها منذ كذا وكذا ، وكانت عدّتها قد انقضت فقد حلّت للأزواج ، قال: فالمتوفّى عنها زوجها؟ فقال: هذه ليست مثل تلك ، هذه تعتدّ من يوم يبلغها الخبر لأنّ عليها أن تحدّ(4) .


(1) مسالك الافهام : 9 / 349 ـ 351 ، الحدائق الناضرة: 25 / 537 و543 ، رياض المسائل: 7 / 409 ، جواهر الكلام: 32 / 372 .
(2) الكافي: 6 / 112 ح1 ، الوسائل: 22 / 228 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح1 .
(3) الكافي: 6 / 112 ح3 ، التهذيب: 8 / 163 ح567 ، الاستبصار: 3 / 355 ح1270 ، الوسائل: 22 / 229 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح3 .
(4) قرب الاسناد: 362 ح1297 ، الوسائل: 22 / 227 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ح7 .

(الصفحة165)



ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: التي يموت عنها زوجها وهو غائب ، فعدّتها من يوم يبلغها إن قامت البيّنة أو لم تقم(1) .
لكن في مقابل هذه الروايات أيضاً روايات ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك ، قال: فقال : إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها ، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت لها البيّنة أنّه مات في يوم كذا وكذا ، وإن لم يكن لها بيّنة فلتعتد من يوم سمعت(2) .
ورواية الحسن بن زياد قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المطلّقة يطلّقها زوجها ولا تعلم إلاّ بعد سنة ، والمتوفّى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلاّ بعد سنة؟ قال : إن جاء شاهدان عادلان فلا تعتدّان وإلاّ تعتدّان(3) .
ورواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) أنّه سئل عن المتوفّى عنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدّتها فالحداد يجب عليها؟ فقال علي(عليه السلام) : إذا لم يبلغها ذلك حتى تنقضي عدّتها فقد ذهب ذلك كلّه وتنكح من أحبّت(4) .
وقد حكي عن ابن الجنيد(5) القول بمضمون هذه الروايات ، وعن جمع آخر

(1) الكافي: 6 / 112 ح2 ، التهذيب: 8 / 163 ح568 ، الاستبصار: 3 / 355 ح1271 ، الوسائل: 22 / 229 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح2 .
(2) التهذيب: 8/164 ح571، الاستبصار: 3/355 ح1274، الوسائل: 22/231، كتاب الطلاق، أبواب العدد ب28 ح10 .
(3) التهذيب: 8 / 164 ح570 ، الاستبصار: 3 / 355 ح1273 ، الوسائل: 22 / 231 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح9 .
(4) التهذيب: 7 / 469 ح1879 ، الوسائل: 22 / 230 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح7 .
(5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 479 .

(الصفحة166)



الجمع بينها وبين الطائفة الأولى بالحمل على الندب(1) . وعن الشيخ(قدس سره)(2) في التهذيب التفصيل بين المسافة القريبة كيوم أو يومين أو ثلاثة والمسافة البعيدة ، فالأولى تعتدّ من حين الوفاة والثانية من حين البلوغ ، مستشهداً بصحيحة منصور ابن حازم قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في المرأة يموت زوجها ، أو يطلّقها وهو غائب ، قال : إن كان مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر; لأنّها لابد من أن تحدّ له(3) .
ولكنّ الظاهر ـ بعد عدم إمكان الجمع الدلالي العقلائي بين الطائفتين حتى تخرجا عن موضوع المتعارضين ، وبعد الاشكال في بعض الروايات من الطائفة الثانية ، مثل صحيحة الحلبي المتقدمة ، الواردة في امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك ، فإنّ الجمع بينه وبين كونها حبلى مع أنّ أكثر الحمل أقل من سنة مما لا يمكن، وكذا الفرق بين صورة قيام البيّنة وصورة عدمه مع تصريح رواية أبي الصباح بعدم الفرق ـ ترجيح الطائفة الأولى بسبب موافقة المشهور ، التي هي أوّل المرجحات في باب المتعارضين على ما استفدنا من مقبولة ابن حنظلة المعروفة(4) .
وأمّا الصحيحة التي استشهد بها الشيخ فلابدّ من طرحها أو حملها كما في المحكيّ عن الحدائق على من كان في حكم الحاضر ممن كان في بلاد متسعة جدّاً ، بحيث يمكن تأخّر وصول الخبر اليوم واليومين أو رستاق فيه قرى

(1) مسالك الافهام: 9 / 352 ، نهاية المرام: 2 / 124 .
(2) التهذيب: 8 / 165 ذيل ح571 .
(3) التهذيب: 8/165 ح572، الاستبصار: 3/356 ح1275، الوسائل:22/232 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب29 ح12 .
(4) الكافي: 1 / 54 ح10 ، الوسائل: 27 / 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .

(الصفحة167)

مسألة 9: لايعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه حجّةً شرعيّةً كعدلين لا عدل واحد ، نعم لا يجوز لها التزويج بالغير بلا حجّة شرعيّة على موته ، فإذاثبت ذلك بحجّة يكفي اعتداده من حين البلوغ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت(1).


عديدة(1) ، وإن كان بعيداً لفرض الغائب فيه .

1 ـ أمّا أنّه لا يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه كالعدّة للزوجة المتوفّى عنها زوجها غائباً كونه حجة شرعية كعدلين أو عدل واحد ـ بناء على حجية قول العادل الواحد في الموضوعات الخارجية على خلاف ما هو التحقيق عندنا : من أنّ دليل حجّية البيّنة ينفي حجّية ما هو من سنخها من العدد الأقل منها ، وإن كانت العدالة متحقّقة ـ فلصدق عنوان البلوغ المذكور في جملة من الروايات المتقدّمة .
وقد وقع التصريح بعدم الفرق بين قيام البيّنة وعدمه في رواية أبي الصباح الكناني المتقدّمة ، نعم لا يجوز لها التزويج بلا حجّة شرعية على موته ، فإذا ثبت ذلك بحجّة يكفي الاعتداد من حين البلوغ ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت ، فالمبدأ البلوغ والمجوّز للتزويج الثبوت ، ولا مانع من التفصيل بينهما . نعم يمكن أن يقال : بأنه إذا فرض البلوغ قبل أشهر مثلا وتحقّقت العدّة من حين البلوغ ، ثمّ علمت بالموت بعد تلك الأشهر ، فهل يمكن التفكيك مع احتمال ثبوت الحمل واقعاً؟ إلاّ أن يقال : بأنّ الحاجة إلى الحجة الشرعية سيّما القطع الذي هو حجّة عقلا إنّما هو بالإضافة إلى أصل الموت لا زمانه ، فتدبّر جيّداً ، ويدّل عليه التعبير بـ «من حين الثبوت» .


(1) الحدائق الناضرة: 25 / 543 ـ 544 .

(الصفحة168)

مسألة 10 : لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب العدّة من ذلك الوقت ، اعتدت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخره عنه ، والأحوط أن تعتدّ من حين بلوغ الخبر إليها ، بل هذا الاحتياط sلا يترك(1) .

مسألة 11 : لو فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته وحياته ، فإن بقي له مال تنفق به زوجته أو كان له وليّ يتولّى أموره ويتصدّى لإنفاقه أو متبرّع للانفاق عليها وجب عليها الصبر والانتظار ، ولا يجوز لها أن تتزوّج أبداً حتى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه ، وإن لم يكن ذلك فإن صبرت فلها ذلك ، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيؤجّلها أربع سنين من حين الرفع إليه ثمّ يتفحّص عنه في تلك المدّة ، فإن لم يتبيّن موته ولا حياته فإن كان للغائب وليّ; أعني من كان يتولّى أموره بتفويضه أو توكيله يأمره الحاكم بطلاقها ، وإن لم يقدم أجبره عليه ، وإن لم يكن له وليّ أو لم يقدم ولم يمكن إجباره طلّقها الحاكم ، ثم تعتدّ أربعة أشهر


1 ـ لو علمت بالطلاق ، ولم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب العدّة من ذلك الوقت بناءً على ما ذكرنا(1) من أنّ شروع العدّة في الطلاق إنّما هو من حينه لا من حين بلوغ الخبر ، فمقتضى أصالة تأخّر الحادث الاعتداد من الوقت الذي تعلم بعدم تأخّره عنه ، وجعل في المتن مقتضى الاحتياط الذي نهى عن تركه الاعتداد من حين بلوغ الخبر إليها ، والظاهر أنّ الوجه في ذلك صحيحة الحلبي المتقدّمة(2) ، الدالّة على أنّه مع عدم المحافظة يجب عليها الاعتداد من يوم يبلغها ، كما لايخفى .


(1) في ص162 .
(2) في ص163 .

(الصفحة169)

وشهراً عدّة الوفاة ، فإذا تمّت هذه الاُمور جاز لها التزويج بلا إشكال ، وفي اعتبار بعض ما ذكر تأمل ونظر ، إلاّ أنّ اعتبار الجميع هو الأحوط(1) .


1 ـ قد وردت في المفقود ـ الذي غاب غيبة منقطعة ولم يبلغ منه خبر ، ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته وحياته ـ روايات كثيرة لا بأس بنقلها ليعرف مفادها ، فنقول : هي كثيرة ، مثل :
صحيحة بريد بن معاوية التي رواها المشايخ الثلاثة قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن المفقود كيف تصنع امرأته؟
فقال : ما سكتت عنه وصبرت فخلّ عنها ، وإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين ، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه ، فإن خبّر عنه بحياة صبرت ، وإن لم يخبر عنه بحياة حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود ، فقيل له: هل للمفقود مال؟ فإن كان للمفقود مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته ، وإن لم يكن له مال قيل للولي: أنفق عليها ، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها ، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة وهي طاهر ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الوليّ فبدا له أن يراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين وإن انقضت العدّة قبل أن يجيء ويراجع ، فقد حلّت للأزواج ولا سبيل للأوّل عليها(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن المفقود ، فقال : المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها ، فإن

(1) الفقيه: 3 / 354 ح1696 ، الوسائل: 22 / 156 ـ 157 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح1 .

(الصفحة170)



لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها ، فما أنفق عليها فهي امرأته ، قال : قلت : فإنّها تقول: فإنّي أريد ما تريد النساء ، قال : ليس ذاك لها ولا كرامة ، فإن لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره أن يطلّقها ، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً(1) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ، ولم ينفق عليها ولم تدر أحيّ هو أم ميّت أيجبر وليّه على أن يطلّقها؟ قال : نعم ، وإن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان ، قلت : فإن قال الولي: أنا أنفق عليها ، قال : فلا يجبر على طلاقها ، قال : قلت: أرأيت إن قالت: أنا أريد مثل ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟ قال : ليس لها ذلك ، ولا كرامة إذا أنفق عليها(2) .
ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ عليّاً(عليهم السلام) قال في المفقود: لا تتزوّج امرأته حتى يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك(3) .
ومرسلة الصدوق قال: وفي رواية أخرى أ نّه إن لم يكن للزوج وليّ طلّقها الوالي ويُشهد شاهدين عدلين ، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج ، وتعتدّ أربعة أشهر وعشراً ثم تزوّج إن شاءت(4) .
وموثّقة سماعة قال : سألته عن المفقود ، فقال : إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاق ، وإن لم تعلم أين هو من الأرض ولم يأتها منه كتاب ولا خبر ، فإنّها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين ، فيطلب في الأرض ، فإن لم يوجد له خبر حتى تمضي الأربع سنين أمرها أن تعتدّ

(1) الكافي: 6 / 147 ح1 ، الوسائل: 22 / 158 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح4 .
(2) الكافي: 6 / 148 ح3 ، الوسائل: 22 / 158 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح5 .
(3) التهذيب: 7 / 478 ح1921 ، الوسائل: 22 / 157 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح3 .
(4) الفقيه: 3 / 355 ح1697 ، الوسائل: 22 / 157 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح2 .

(الصفحة171)



أربعة أشهر وعشراً ثم تحلّ للأزواج ، فان قدم زوجها بعدما تنقضي عدّتها فليس له عليها رجعة، وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها(1).
والمتحصل من هذه الأخبار التي أكثرها صحيحة أو موثّقة بعد ضمّ مطلقها بمقيّدها ما أفاده في المتن من التفصيل . وخلاصة الكلام ترجع إلى أمور تالية :
1 ـ عدم لزوم الصبر على المرأة في هذه الحالة ، وإن كان مقتضى الاستصحاب بقاء حياته وعدم الطلاق وبقاء الزوجية ، كما أنّها مع العلم بحياته وأنّها لم يطلّقها أو شكّت في الطلاق لابدّ لها من الصبر والانتظار حتى يموت أو يطلّق ، كما وقع التصريح به في موثّقة سماعة المتقدّمة ، نعم مع عدم مال ينفق عليها ، وعدم وجود من ينفق عليها من وليّ أو متبرّع ، يمكن أن يقال : بجواز طلاقها للحاكم; لأنّ بقاءالزوجية والحال هذه عسر جدّاً وحرج كذلك .
2 ـ لزوم إرجاع الأمر من جهة التفحص والتطليق إلى الحاكم الشرعي ، وقد يقال : إنّ ظاهر هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام لا حال قصورها; ولذا قال في المحكي عن السرائر : إنّها في زمن الغيبة مبتلاة وعليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه(2) . وحينئذ تسقط ثمرة المسألة في هذه الأزمنة ، وأورد عليه في الجواهر بأنّ ذلك نصّاً وفتوىً مبنيّ على الغالب من القصور في زمن الغيبة ، وإلاّ فمع فرض تمكّن نائب الغيبة من الإتيان بما ذكرته النصوص يتّجه قيامه مقام الوالي في ذلك; لعموم ولايته الشاملة لذلك(3) .


(1) التهذيب: 7 / 479 ح1923 ، الوسائل: 20 / 506 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب44 ح2 .
(2) السرائر: 2 / 737 .
(3) جواهر الكلام: 32 / 290 .

(الصفحة172)



أقول : وخصوصاً في مملكة ايران في هذه الأزمنة التي يكون مبنى الحكومة فيها على رعاية القوانين الإسلامية على مذهب التشيع الذي هو الإسلام الحقيقي ، والقوة القضائية مأذوناً فيها من قبل الوليّ الفقيه كما لا يخفى .
3 ـ إنّ الحاكم يؤجّلها أربع سنين من الرفع إليه ، والظاهر أنّ أربع سنين إنّما هو مدّة تأجيل الحاكم إيّاها ، لا أنّها معتبرة في جواز الرفع ، وأنّه يعتبر مضيّها بعد فقده في جواز الرجوع إلى الحاكم كما يشعر به صحيحة الحلبي المتقدّمة ، والنفقة في هذه المدّة على بيت المال المعدّ لمصالح المسلمين .
4 ـ التفحص وتفتيش الحاكم عن موته وحياته في المدّة المذكورة بالنحو الذي سيجيء في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى .
5 ـ إنّه لو لم ينتج التفحص ، فالحاكم يأمر وليّه بطلاق زوجته ولو بإجباره إيّاه ولو لم يكن له وليّ أو لم يمكن إجباره عليه يطلّقها الحاكم بنفسه .
6 ـ إنّها تعتدّ عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ، ولكنّها مع كون العدّة عدّة الوفاة ، لا يجب عليها الحداد ظاهراً ، ويجوز للزوج إذا جاء الرجوع فيها ، فيصير أولى بها من غيرها .
7 ـ جواز التزويج بالغير بعد انقضاء العدّة وعدم رجوع الزوج فيها ، وإن خرجت من العدّة ولم تتزوّج فقد ذكر المحقق في الشرائع أنّ فيه روايتين ، أشهرهما أنّه لا سبيل له عليها(1) . وذكر في الجواهر: لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل إلينا ، كما اعترف به غير واحد(2) ممّن سبقنا ، بل في المسالك : ولم نقف عليها بعد

(1) شرائع الإسلام: 3 / 39 .
(2) السرائر: 2 / 737 ، مسالك الافهام: 9 / 290 ، رياض المسائل : 7 / 384 ، نهاية المرام: 2 / 107 ، كشف الرموز: 2 / 228 .

(الصفحة173)

مسألة 12 : ليس للفحص والطلب كيفية خاصة ، بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً ، ويتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود ـ رعاية ـ باسمه وشخصه أو بحليته إلى مظانّ وجوده للظفر به وبالكتابة وغيرها كالتلغراف ، وسائر الوسائل المتداولة في كلّ عصر ليتفقد عنه ، وبالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم وبالاستخبار منهم حين الرجوع(1) .


التتبّع التامّ(1) . وقد وقع التصريح بذلك في موثّقة سماعة المتقدّمة مع عدم ذكر الطلاق فيها أصلا(2) .

1 ـ غير خفيّ أنّه ليس للفحص والطلب كيفيّة خاصّة ، بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً ، وذكر الكتابة في صحيحة بريد المتقدّمة(3) إنّما هو لأجل كونها طريقاً في ذلك الزمان إلى الفحص والطلب ; ولذا ورد في صحيحة الحلبي المتقدمة(4) التخيير بين البعث والكتابة ، مع أنّ الظاهر عدم الانحصار بهما أيضاً ، بل يتحقّق بالإضافة إلى كلّ زمان ومكان بما هو المتعارف فيهما من التلغراف وغيره من الوسائل المتداولة في ذلك الزمان أو المكان ، كما أنّه ربما يتحقّق بالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم ، بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقاماتهم والاستخبار منهم حين المراجعة إلى أوطانهم .
وبالجملة : الفحص والاستخبار ليس له طريق مخصوص بعد كونه موضوعاً

(1) مسالك الافهام: 9 / 290 .
(2) جواهر الكلام: 32 / 298 .
(3 و4) في ص169 .

(الصفحة174)

مسألة 13 : لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم من المسافرين العدالة بل تكفي الوثاقة(1) .

مسألة 14 : لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم ، بل يكفي كونه من كلّ أحد حتى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه(2) .


عرفيّاً مختلفاً باختلاف الأزمنة والأمكنة ، كما أنّه يلاحظ بالإضافة إلى الصقع الذي يحتمل وجوده فيه ، ومع العلم بعدمه في صقع خاص لا مجال للبحث إليه ولا للطلب فيه ، ومع احتمال وجوده في شيء من أصقاع معيّنة يجب التفحص بالإضافة إلى جميع تلك الأصقاع ، فالمقام من هذه الجهة نظير الطلب بالنسبة إلى الماء في باب التيمّم ، حيث إنّ وجوب الطلب ينحصر بجهة يحتمل فيها وجود الماء ، كما تقدّم في باب التيمّم(1) .

1 ـ في محكيّ المسالك : يعتبر في الرسول العدالة ليركن إلى خبره حيث لا يظهر ولا يشترط التعدّد ; لأنّه من باب الخبر لا الشهادة وإلاّ لم تسمع إلى آخره(2) . ولكن الظاهر أنّه إذا لم يكن من باب الشهادة ، بل كان من باب الخبر ، لا يعتبر فيه العدالة أيضاً; لعدم الاعتبار في الخبر إلاّ الوثاقة ، ويدلّ على اعتبار الوثاقة هنا أنّه بدونها لا تظهر فائدة للاستعلام والاستخبار ، ولا أثر للبعث والفحص والطلب كما لايخفى .

2 ـ اللاّزم هو الفحص والطلب بالبعث أو الكتابة ونحوها من الوالي الحاكم

(1) تفصيل الشريعة / كتاب الطهارة ، بحث التيمّم: 216 .
(2) مسالك الافهام: 9 / 287 .

(الصفحة175)

مسألة 15 : مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام ، ولا يعتبر فيه الاتصال التام ، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي فيه ما يصدق عرفاً أنّه قد تفحّص عنه في تلك المدّة(1) .

مسألة 16 : المقدار اللاّزم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد ، فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد ، ولا يعتنى بمجرّد إمكان وصوله إلى مكان ولا بالاحتمالات البعيدة ، بل إنّما يتفحص عنه في مظان وجوده فيه

ولامدخليّة لشخص المبعوث أو المكتوب إليه ، بل والمستخبر منهم من المسافرين حتى لو كانت نفس الزوجة بعد رفع أمرها إلى الحاكم وطلب الحاكم منها ذلك; بل لعلّها أقرب إلى المقصود ، وكذا عشيرتها وأسرتها; لعدم الدليل على المدخلية بوجه .

1 ـ قد مرّ(1) أنّ مقدار الفحص اللاّزم أربع سنين ، فهل يعتبر فيها الاتصال التام أم لا؟ الظاهر العدم; لعدم الدليل على الاتصال كذلك بل هو كما في المتن ، نظير تعريف اللقطة سنة كاملة ، فكما أنّه لا يعتبر فيه الاتصال ، بل يكفي فيه ما يصدق عرفاً أنّه قد تفحص عنه في تلك المدة ، نعم مناسبة الحكم والموضوع تقتضي لزوم العلم بعدم الانتقال إلى الصقع الذي فحص عنه قبلا ، وإلاّ فمع احتمال الانتقال لا يجدي الفحص القبلي; لكونه بالفعل طرف الاحتمال ، فالاتصال بعنوانه ، وأن لا يكون معتبراً لعدم الدليل عليه كما عرفت ، إلاّ أنّ اطلاق لزوم الفحص عن كلّ صقع محتمل أربع سنين باق على حاله ، فتدبّر جيّداً .


(1) في ص172 .

(الصفحة176)

ووصوله إليه وما احتمل فيه احتمالا قريباً(1) .

مسألة 17 : لو علم أنّه قد كان في بلد معيّن في زمان ثم انقطع أثره يتفحّص عنه أوّلا في ذلك البلد على المعتاد ، فيكفي التفقد عنه في جوامعه ومجامعه وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته وخاناته المعدّة لنزول الغرباء ونحوها ، ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش أو السؤال ، بل يكفي الاكتفاء بما هو المعتدّ به من مشتهراتها ، وينبغي ملاحظة زيّ المفقود وصنعته وحرفته ، فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته مثلا ، فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر ولا يعلم موته ولا حياته ، فإن لم يحتمل انتقاله إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال واكتفى بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين ، وإن احتمل الانتقال فإن تساوت الجهات فيه تفحّص عنه في تلك الجهات ولا يلزم الاستقصاء التامّ ، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحالّ المهمّة والمشتركة في كلّ جهة مراعياً للأقرب ثم الأقرب إلى البلد الأوّل ، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محلّ الفحص ذلك البعض والاكتفاء به ، خصوصاً إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره ، وإذا علم أنّه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثم انقطع أثره كفى أن يتفحّص عنه مدّة التربص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال ، وإن سافر إلى بلد معيّن من مملكة كالعراقي سافر إلى خراسان يكفي الفحص في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد ، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق فضلا عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة ، وإذا خرج من منزله مريداً للسفر أو هرب ولا يدرى إلى أين توجّه وانقطع أثره تفحص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب ممّا يحتمل قريباً وصوله إليه ، ولا ينظر إلى ما بعد احتماله(2) .


1 و 2 ـ العمدة في هاتين المسألتين بيان أمرين :


(الصفحة177)

مسألة 18 : قد عرفت أنّ الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد رفع أمرها إلى الحاكم ، فلو لم يمكن الوصول إليه فإن كان له وكيل ومأذون في التصدّي للاُمور الحسبية ، فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر ، ومع فقده أيضاً فقيام عدول المؤمنين مقامه محلّ إشكال(3) .


أحدهما : أنّه يكفي في مقدار الفحص ما هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد ، ولا يعتبر الاستقصاء بالإضافة إلى جميع الجوانب والممالك ، ولو كان احتمال وجوده فيها بعيداً لا يعتني به العقلاء ، فلابد من التفحص عنه في مظان وجوده وما يحتمل فيه احتمالا كذلك ، وإلاّ فصرف الاحتمال لا يوجب ذلك .
ثانيهما : أنّ كلّ ناحية يتفحّص فيها ، فالتفقّد فيها إنّما هو بالإضافة إلى الجوامع والأسواق والمراكز المعدّة للاجتماعات من المتنزّهات والمستشفيات والخانات المعدّة لنزول الغرباء ، وفي زماننا هذا المصلّيات المعدّة لصلاة الجمعة التي لا تقام نوعاً في بلد واحد إلاّ واحدة ، وفي البلاد التي تمتاز بعنوان الزيارة مراكز الزيارة والمشاهد المشرفة وأمثال ذلك ، كمسجد جمكران الواقع في بلد قم سيّما ليلة الأربعاء التي تعارف الاجتماع فيه من جميع النقاط والبلدان ، ولا يعتبر الفحص الكامل بالنسبة إلى جميع أمكنة البلد ولا جميع رساتيقه ، وإن لم يكن الذهاب إليه متداولا ، كما أنّه لا يعتبر الفحص في جميع المحال الواقعة في حاشية الجادّة إلاّ مع التعارف .

3 ـ لو وجد الحاكم الشرعي وأمكن الوصول إليه ، وكان متمكّناً من الفحص في المدّة المذكورة بالنحو المذكور ، فالواجب فتوى أو احتياطاً إرجاع الأمر إليه

(الصفحة178)

مسألة 19 : إن علم أنّ الفحص لا ينفع ولا يترتّب عليه أثر فالظاهر سقوط وجوبه ، وكذا لو حصل اليأس من الاطّلاع عليه في أثناء المدّة ، فيكفي مضيّ المدّة في جواز الطلاق والزواج(1) .


كما عرفت(1) ، وإلاّ فلو كان له وكيل ومأذون في التصدّي للاُمور الحسبية كما هو الشائع في هذه الأزمنة من ثبوت الوكلاء المتعددة فيه للحاكم الشرعي ، وكان متمكناً من الفحص بالنحو المذكور ، فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر الحسبي الذي لا يرضى الشارع بتركه الموجب لصيرورتها كالمعلقة بلا زوج ولا نفقة ، ومع فقد الحاكم ووكيله المأذون كذلك فقد استشكل في المتن في قيام عدول المؤمنين مقامه في ذلك ، كما أنّه قد استشكل صاحب الحدائق في تعيّن الرفع إلى الحاكم ، بل قال : بكفاية كونه من الولي أو غيره(2) . والوجه في استشكال المتن أنّه لم يعلم قيام عدول المؤمنين مقام الحاكم حتى في مثل هذا الحكم ، الذي يكون على خلاف القاعدة من جهات مختلفة .
أقول : الظاهر أنّ قيام الوليّ مقام الحاكم في هذه الجهة خصوصاً مع تصدّيه للطلاق غير بعيد ، كما لا يخفى .

1 ـ غير خفيّ أنّ الفحص ليس له موضوعية ، بل إنّما هو لأجل كونه مقدّمة لوجدان المفقود الغائب غيبة منقطعة ، فلو فرض العلم بأنّ الفحص لا ينفع ولا يترتّب عليه أثر ولا فائدة ، فالظاهر سقوط وجوبه كما في المتن ، وكذا لو حصل العلم بعدم النفع في أثناء المدّة فإنّه لا يجب الفحص بقية المدّة ، بل الفحص في المدة

(1) في ص172 .
(2) الحدائق الناضرة: 25 / 487 ـ 488 .

(الصفحة179)

مسألة 20 : يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلّق ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل ، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق ، وحينئذ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص(1) .

مسألة 21: الظاهر أنّ العدّة الواقعة بعد الطلاق عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة ، ويكون الطلاق رجعيّاً ، فتستحقّ النفقة في أيّامها ، وإن ماتت فيها يرثها لو كان في الواقع حيّاً، وإن تبيّن موته فيها ترثه ، وليس عليها حداد بعد الطلاق(2).


الماضية كاف في جواز الطلاق بعدها والزواج لو شاءت .

1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لأمرين :
أحدهما : أنّه كما أنّ الزوجة لها الاختيار في أصل رفع الأمر إلى الحاكم; لأنّها لها الصبر ، وعدم رفع الأمر إلى الحاكم بلا إشكال ولا خلاف ، كذلك يجوز لها بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلّق ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل اختيار البقاء على الزوجية; لأنّ الفحص وانقضاء الأجل والطلاق كلّ ذلك إنّما كان لأجل المرأة وبنفعها ، فإذا اختارت البقاء فهو جائز لها كما لو لم ترفع الأمر إلى الحاكم أصلا .
ثانيهما : أنّها لو اختارت البقاء على الزوجية بعد الفحص اللاّزم وقبل حصول الطلاق ، ثم عدلت عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق ، فهل يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص ثانياً أم لا؟ الظاهر العدم; لحصول الفحص الواجب ، واختيار البقاء لا مدخلية له فيه ، فيجوز لها العدول إليه من دون تجديد كما لايخفى .

2 ـ قد مرّ(1) البحث في هذه الجهة في الجملة ، وذكر هناك أنّ ظاهر النص

(1) في 171 ـ 172 .

(الصفحة180)

مسألة 22 : إن تبيّن موته قبل انقضاء المدة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدّة الوفاة ، وإن تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها ، سواء كان التبيّن قبل التزويج أو بعده ، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل العدّة أو بعدها أو في أثنائها أو بعد التزويج ، وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة ، فهل يكتفى بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن؟ وجهان بل قولان أحوطهما الثاني لو لم يكن أقوى(1) .


والفتوى كون الطلاق بعد الفحص وانقضاء الأجل الواقع من الولي أو الحاكم هو الطلاق الرجعي إذا كان الصادر من الزوج على فرضه رجعيّاً ، غاية الأمر أنّ مقدارها بقدر عدّة الوفاة ، وعليه فيترتّب عليها جميع آثار العدّة للمطلقة الرجعية من التوارث بين الطرفين لو تبيّن الموت في الأثناء ، وكذا جواز الرجوع للزوج لو فرض العلم بحالها وأنّها في العدّة ، ولا يترتّب عليها لزوم الحداد الذي ينحصر بعدّة الوفاة ، كما لايخفى .

1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لصور تبيّن موت الزوج ، وهي ثلاث :
الاُولى : ما إذا تبيّن الموت قبل انقضاء المدّة أو بعد الطلاق ، والواجب عليها في هذه الصّورة عدة الوفاة; لأنّ المرأة في هذه الصورة زوجته والفرض موت زوجها وبلوغ الخبر إليها ، فيجب عليها الاعتداد عدّة الوفاة وهو واضح .
الثانية : ما إذا تبيّن بعد انقضاءالعدّة، وفي المتن جواز الاكتفاء بها، سواء كان المتبيّن قبل التزويج أو بعده، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل العدّة أو بعدها ، أو في أثنائها أو بعد التزويج; ولعلّ السرّ فيه أنّ الاعتداد بمقدار عدّة الوفاة إنّما هو لأجل معاملة الميّت معه من هذه الجهة ، وإن كان لا يلزم عليها الحداد وتستحقّ النفقة في أيّام
<<التالي الفهرس السابق>>