في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)








كتاب الخلع والمباراة


مسألة1 : الخلع هو: الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها ، فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ، ويزيد عليها بأنّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصة ، فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة ، وإن كانت من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعاً ولا مباراة(1) .


1 ـ الخلع : بضمّ الخاء من الخلع بفتحها الذي هو في اللّغة بمعنى النزع ، وشرعاً هو الطلاق بفدية من الزوجة في صورة كراهة الزوجة خاصة لزوجها ، فهو قسم من الطلاق ، يعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة; ولذا كان ينبغي إدراجه في كتاب الطلاق ، لا جعله كتاباً مستقلاًّ كما صنعه غيره . وخصوصية الخلع إنّما هي من جهة أمرين:
أحدهما: ما ذكر من كون الطلاق بفدية من الزوجة كأنّه معاوضة تقع بينهما غاية الأمر أنّ شروعها من ناحية الزوجة .
ثانيهما : كون الكراهة من طرف الزوجة خاصة ، فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة بالهمز وتقلب ألفاً ، وهو في اللغة بمعنى المفارقة ، وشرعاً ما ذكر

(الصفحة222)

مسألة 2 : الظاهر وقوع الخلع بكلّ من لفظي الخلع والطلاق مجرّداً كلّ منهما عن الآخر أو منضمّاً ، فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها الزوج ، يجوز أن يقول: «خلعتك على كذا» أو «أنت مختلعة على كذا» ويكتفي به أو يتبعه

في تعريف الخلع مع الاختلاف في كون الكراهة هنا من الطرفين . وإن كانت الكراهة من طرف الزوج فهو طلاق اصطلاحاً .
والأصل في مشروعية الخلع قوله تعالى : {فَإِن خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}(1) .
ومن السنّة روايات كثيرة ادّعي تواترها من الطريقين ، مثل :
صحيحة الحلبي ، أبي عبدالله(عليه السلام) قال : عدّة المختلعة عدّة المطلّقة ، وخلعها طلاقها ، وهي تجزي ، من غير أن يسمّى طلاقاً(2) .
وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن المرأة تبارى زوجها ، أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك ، أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال : تبين منه ، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها ، وتكون امرأته فعلت ، فقلت: فإنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق ، قال: ليس ذلك إذا خلع ، فقلت: تبين منه؟ قال : نعم(3) .
وغير ذلك من الروايات(4) التي ستمرّ عليك في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى .


(1) سورة البقرة: 2 / 229 .
(2) الفقيه: 3 / 338 ح1631 ، الوسائل: 22 / 285 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 ح4 .
(3) التهذيب: 8/98 ح332، الاستبصار: 3/318 ح1132، الوسائل: 22/286، كتاب الخلع والمباراة ب3 ح9.
(4) الوسائل: 22 / 287 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 .

(الصفحة223)

بقوله: «فأنت طالق على كذا» أو يقول: «أنت طالق على كذا» ويكتفي به أو يتبعه بقوله: «فأنت مختلعة على كذا» لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينهما بل لا يترك(1) .


1 ـ الغرض المهمّ في هذه المسألة بيان أنّ صيغة الخلع تقع بكلّ من لفظي الخلع والطلاق مجرّداً كلّ منهما عن الآخر أو منضمّاً ، فتقع بعدما أنشأت الزوجة بذل الفدية; لأن يخلعها الزوج بمثل قوله : «خلعتك على كذا» من دون الاتباع بصيغة الطلاق أو معه ، كما أنّه يصحّ أن يقول: «أنت طالق على كذا» مجرّداً ، أو مع الاتباع بمثل قوله: «أنت مختلعة على كذا» ، والدليل على ذلك الروايات ، فما يدلّ على وقوعه بصيغة الخلع مجرّداً فمثل :
خبر زرارة ، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال : لا يكون الخلع حتى تقول: لا أطيع لك أمراً ، ولا أبرّ لك قسماً ، ولا أقيم لك حدّاً ، فخذ مني وطلّقني ، فإذا قالت ذلك ، فقد حلّ له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير ، ولا يكون ذلك إلاّ عند سلطان ، فإذا فعلت ذلك ، فهي أملك بنفسها ، من غير أن يسمّى طلاقاً(1) .
وصحيحة الحلبي المتقدّمة في ذيل المسألة الاُولى وشرحها .
وصحيحة سليمان بن خالد قال : قلت : أرأيت إن هو طلّقها بعدما خلعها أيجوز عليها؟ قال : ولِمَ يطلّقها وقد كفاه الخلع؟ ولو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً(2) .
ولعلّ المراد من الذيل عدم إجازة طلاقهم مطلقاً باعتبار خلوّه عن شهادة الشاهدين ، فتدبّر .


(1) التهذيب: 8 / 98 ح331 ، الاستبصار: 3 / 318 ح1131 ، الوسائل: 22 / 288 ، كتاب الخلع والمباراة ب4 ح5 وص286 ب3 ح10 .
(2) التهذيب: 8/99 ح333، الاستبصار: 3/318 ح1133، الوسائل: 22/286، كتاب الخلع والمباراة ب3 ح8.

(الصفحة224)



وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدّمة في ذيل المسألة السابقة أيضاً . نعم فيها نسختان باعتبار قوله(عليه السلام) في الذيل: «ليس ذلك له إذا خلع» .
أحدهما: كون خلع بصيغة الماضي وجعل «إذا» حرف الشرط .
وثانيهما: جعل خلع منصوباً و«إذا» ظرفاً .
فالمعنى على الأوّل عدم لزوم الاتباع بالطلاق مع كون المقصود إرادة الخلع باعتبار ما ذكرنا من أنّ الخلع قسم من الطلاق ونوع منه فلا يلزم اتباعه به .
وعلى الثاني أنّ الاتباع بالطلاق يغاير مع إرادة الخلع .
وكيف كان ، فهل المراد بيان خصوصية في الخلع دون المباراة مع كون السؤال مشتملا على كليهما ، أو أنّ ذكر الخلع إنّما هو من باب أحد الفردين وإلاّ فالمباراة أيضاً كذلك ؟
لكن في مقابلها خبر موسى بن بكر ، عن الكاظم(عليه السلام) قال: قال عليّ(عليه السلام): المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدّة(1) .
وهو ضعيف سنداً ودلالةً باعتبار احتمال أن يكون المراد جواز أن تطلّق مرّة أخرى ، بأن ترجع في البذل فيراجعها الزوج ثمّ يطلّقها ، وإلاّ فظاهره جواز اتباع الخلع بالطلاق ما دامت في العدّة ولا يقول به أحد .
هذا ، ولكن مع ذلك كلّه حكي عن الشيخ أنّه قال : لا يقع حتى يتبع بالطلاق(2) ، وتبعه ابنا زهرة وإدريس(3) . بل قال الشيخ: هو مذهب جعفر بن سماعة والحسن ابن سماعة وعلي بن رباط وابن حذيفة من المتقدّمين ، ومذهب علي بن الحسن من

(1) الكافي: 6 / 141 ح9 ، الوسائل: 22 / 283 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 ح1 .
(2) الخلاف: 4 / 422 مسألة 3 ، المبسوط: 4 / 344 ، النهاية: 529 .
(3) السرائر: 2 / 726 ، الغنية: 375 .

(الصفحة225)



المتأخرين . وأمّا الباقون من فقهاء أصحابنا المتقدّمين فلست أعرف لهم فتيا في العمل به(1) .
والعجب من الشيخ أنّه مع كثرة النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم لزوم الاتباع بالطلاق خصوصاً مع صحّة أكثرها واستناد المشهور إليها ، كيف أفتى بالخلاف ؟ نعم ، حكي عن ابن سماعة وغيره(2) الاستدلال لما قالوا بأنّه قد تقرّر عدم وقوع الطلاق بشرط ، والخلع من شرطه أن يقول الرّجل: «إن رجعت فيما بذلت فأنا أملك ببضعك» ، فينبغي أن لا تقع به فرقة ، ومن الواضح عدم صحّة الدليل المذكور; لأنّ الأملكية بالبضع في صورة الرجوع بالبذل من أحكام الخلع ، ولا يلزم التعرّض له في الصيغة أصلا ، وعلى تقديره فليس هو شرطاً في الخلع على وجه ينافي تنجيزه ، كما سيأتي(3) إن شاء الله تعالى .
وكيف كان ، فقد ذكر المحقّق في الشرائع : وبتقدير الاجتزاء بلفظ الخلع ، هل يكون فسخاً أو طلاقاً؟ قال المرتضى: هو طلاق(4) وهو المرويّ ، وقال الشيخ: الأولى أن يقال: فسخ(5) وهو تخريج ، فمن قال: هو فسخ لم يعتدّ به في عدد الطلقات(6) .
فهنا مقامان :


(1) التهذيب: 8 / 97 ذيل ح328 ، الاستبصار: 3 / 317 ذيل ح1128 .
(2) التهذيب: 8 / 97 ذيل ح328 ، الاستبصار: 3 / 317 ذيل ح1128 .
(3) في ص248 ـ 251 .
(4) الناصريات: 351 .
(5) الخلاف: 4 / 422 ـ 424 مسألة 3 .
(6) شرائع الإسلام: 3 / 49 .

(الصفحة226)



المقام الأوّل : في أنّه فسخ أو طلاق ، ظاهر الروايات المستفيضة أنّه طلاق ، وقد مرّ عليك شطر منها ، وفي رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : عدّة المختلعة عدّة المطلّقة وخلعها طلاقها ، قال : وسألته هل تمتّع بشيء؟ قال : لا(1) .
وفي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا يحلّ خلعها حتى تقول لزوجها إلى أن قال : فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها ، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين وكان الخلع تطليقةً ، الحديث(2) . وفي صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام): في حديث قال: فإذا قالت ذلك من غير أن يعلّمها حلّ له ما أخذ منها وكانت تطليقة(3) .
وصحيحة أخرى لمحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : الخُلع والمباراة تطليقة بائن ، وهو خاطب من الخطّاب(4) .
واستدل القائل بأنّه فسخ ، بأنّه ليس بلفظ الطلاق ، وهو لا يقع عندنا بالكناية ، ولأنّه لو كان طلاقاً لكان رابعاً في قوله تعالى : {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ  به}(5) لأنّ قبله {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} إلى آخرها وبعده {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ}(6) إلى آخرها ، فذكر تطليقتين ، والخلع تطليقة بعدها .
ويرد على الأوّل ـ مضافاً إلى أنّه أخصّ من المدّعى ـ أنّ الكلام فيما إذا كان له

(1) الكافي: 6 / 144 ح5 ، الوسائل: 22 / 297 ، كتاب الخلع والمباراة ب10 ح1 .
(2) الكافي: 6 / 139 ح1 ، التهذيب: 8 / 95 ح322 ، الاستبصار: 3 / 315 ح1121 ، الوسائل: 22 / 280 ، كتاب الخلع والمباراة ب1 ح3 و ص284 ب3 ح2 .
(3) الكافي: 6 / 140 ح3 ، الوسائل: 22 / 284 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 ح3 .
(4) الكافي: 6 / 141 ح7 ، الوسائل: 22 / 289 ، كتاب الخلع والمباراة ب5 ح2 .
(5 ، 6) سورة البقرة: 2 / 229 ـ 230 .

(الصفحة227)

مسألة 3 : الخلع من الإيقاعات ، لكن يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين : بذل شيء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج وإنشاء الطلاق من طرفه بما بذلت ، ويقع ذلك على نحوين :
الأوّل: أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها فيطلّقها على ما بذلت .
الثاني: أن يبتدئ الزوج بالطلاق مصرّحاً بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده ، ولا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعه على النحو الأوّل(1) .

ظهور في الطلاق ولو بضميمة القرائن ، كما لايخفى .
وعلى الثاني أنّ الدقّة في الآية تعطي أنّ حلّية الفدية وأخذها إنّما هو بالإضافة إلى إحدى الطلقات الثلاث ، لا أنّها أمر رابع مغاير للطلاق مرّتين والتسريح بإحسان ، كما لايخفى ، والغرض بيان حلّية الفدية في صورة افتداء المرأة بها .
المقام الثاني : في أنّه على تقدير كونه فسخاً هل يعتدّ به في عدد الطلقات أم لا؟ صريح عبارة الشرائع المتقدّمة الثاني . ويمكن القول بالاعتداد به في عدد الطلقات ولو على تقدير كونه فسخاً ، خصوصاً مع ما في الجواهر من أنّا لم نعرف القائل بذلك من أصحابنا(1); لدلالة النصوص(2) على أنّه لا يكون معه إلاّ تطليقتان ، ولكن مع قطع النظر عن ذلك يكون مقتضى القاعدة ما ذكره المحقّق(قدس سره)(3) .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه يجوز إيقاع الخلع بصيغة الطلاق بعد كونه قسماً منه ونوعاً من أنواعه ، غاية الأمر الامتياز بوقوعه عوضاً عن البذل .

1 ـ الخلع من الإيقاعات ، أمّا على القول بأنّه طلاق فواضح ، وأمّا على القول

(1) جواهر الكلام: 33 / 10 .
(2) الوسائل: 22 / 284 ـ 287 و 298 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 و10 .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 49 .

(الصفحة228)



بأنّه فسخ فلأنّه أيضاً كذلك كالفسخ بالعيوب المجوّزة له ، ولكن مع ذلك يشبه العقود في الاحتياج إلى الطرفين وإنشاءين; لافتقاره إلى بذل شيء من طرف الزوجة بقدر المهر أو أقلّ أو أكثر ليخلعها الزوج ، وإنشاء الطلاق من طرف الزوج مشتملا على ذكر العوض ووقوع الطلاق في مقابله ، وقد ذكروا أنّه يقع ذلك على نحوين :
الأوّل : أن يقدم البذل من طرفها على أن يطلّقها ، فيطلّقها على ما بذلت .
الثاني : أن يبتدأ الزوج بالطلاق مصرّحاً بذكر العوض ، فتقبل الزوجة بعده بلا فصل ينافي المعاوضة ، وبدون ذلك يقع الخلع باطلا . نعم في محكي الحدائق ادّعاء عدم ظهور النصوص في اعتبار الترتيب المزبور الذي هو كترتيب المعاوضة ، بل يكفي تقدّم فداؤها ثمّ طلاقها عليه مع فرض استمرار عزمها على البذل(1) .
ويردّه ـ مضافاً إلى ظهور اتّفاق الأصحاب عليه ـ إطلاق لفظ الشراء والصلح عليه في روايات متعدّدة ، ففي رواية أبي البختري ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): لكلّ مطلّقة متعة إلاّ المختلعة فإنّها اشترت نفسها(2) .
ورواية فضل أبي العباس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : المختلعة إن رجعت في شيء من الصلح يقول: لأرجعنّ في بضعك(3) .
وفي رواية التعبير بأنّه إن تراضيا على ذلك على طهر بشهود ، فقد بانت منه بواحدة(4) .


(1) الحدائق الناضرة: 25 / 558 .
(2) الكافي: 6 / 144 ح8 ، الوسائل: 22 / 299 ، كتاب الخلع والمباراة ب11 ح3 .
(3) التهذيب: 8 / 100 ح337 ، الوسائل: 22 / 293 ، كتاب الخلع والمباراة ب7 ح3 .
(4) تفسير القمي: 1 / 75 ، الوسائل: 22 / 293 ، كتاب الخلع والمباراة ب7 ح4 .

(الصفحة229)

مسألة 4 : يعتبر في صحّة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخلّ بالفورية العرفية ، فلو أخلّ بها بطل الخلع ولم يستحقّ الزوج العوض ، لكن

وكيف كان ، فقد ذكر في المتن أنّه لا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعه على النحو الأوّل ، الذي تكون المبتدئة هي الزوجة في إنشاء البذل في مقابل الطلاق ، لا لما عن المسالك من أنّ ذكر العوض جملة معطوفة على الطلاق ، فلا يتأثّر بها وتلغو في أنفسها ، كما لو قال: أنت طالق وعليك حجّ وإن قبلت; لأنّ قبولها إنما وقع رضىً بما فعل ، ولم يقع منه ما يقتضي المعاوضة ، بخلاف ما إذا كانت قد قالت : طلّقني ولك عليّ ألف(1) . والوجه فيه أنّ المفروض تصريح الزوج في الطلاق بالعوض وبذكره ، فلا فرق بين النحوين ، غاية الأمر اعتبار عدم تأخّر قبول الزوجة بحيث يخرج عن قبول المعاوضة ، ودعوى أنّها ـ أي الصيغة ـ شرط في الطلاق ، فيكون قد علّق طلاقها على شرط خلاف ما يتفاهم عرفاً من كلمة الباء ونحوها .
وقد يقال: إنّه لا عوضية حقيقة في المقام ، ولذا لو رجعت في البذل لا يبطل الطلاق من رأس ، بل يصير رجعيّاً يجوز له الرجوع في الطلاق ، بل إنّما هي معاوضة بالمعنى الأعم ، ومرجعه إلى أنّ البذل باعث على الطلاق الذي هو من قسم الإيقاع ، فلم ينقلب طلاق الخلع إلى قسم العقود حتى يعتبر فيه ما يعتبر في العقود ، غاية الأمر أنّ الشارع ذكر في هذا القسم من الايقاع صحّة البذل الباعث على إيقاعه ، فتوهّم أنّه يجرى عليها أحكام المعاوضة طرّاً والمعلوم خلافه .
هذا ، ولكن مقتضى ذلك أنّه إيقاع خاص على خلاف سائر الإيقاعات ، فاللاّزم اعتبار كلّ أمر مشكوك الاعتبار فيه ، كما لا يخفى .


(1) مسالك الافهام: 9 / 377 .

(الصفحة230)

إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بذلك ، وقع الطلاق رجعيّاً مع فرض اجتماع شرائطه ، وإلاّ كان بائناً(1) .


1 ـ هاهنا مقامان :
المقام الأوّل : في أنّه يعتبر في صحّة الخلع عدم الإخلال بالفورية العرفية بين إنشاء البذل والطلاق ، فلو أخلّ بها بطل الخلع ، ولازمه عدم استحقاق الزوج العوض ، والدليل على اعتبار الفورية ما عرفت من أنّ الخلع وإن لم يكن معاوضة حقيقيّة إلاّ أنّه يشبه العقود المعاوضية في أنّه يعتبر عدم الفصل بين الإنشاءين فيها كالإيجاب والقبول ، فإنّه إذا كان بينهما الفصل المخلّ بالفورية العرفية لم يقع بينهما ارتباط واتّصال موجب لصدق العقد .
المقام الثاني : في أنّه إذا وقع الخلع مع الإخلال بالموالاة العرفية ، فقد عرفت في المقام الأوّل بطلانه ، لكن إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بهذا اللفظ يقع أصل الطلاق رجعياً مع فرض اجتماع شرائطه وبائناً بدونه .
قال المحقّق في الشرائع : إذا قالت: «طلّقني بألف» كان الجواب على الفور ، فإن تأخّر لم يستحق عوضاً وكان الطلاق رجعيّاً(1) .
ولعلّ السرّ فيه أنّ الإخلال بالفورية التي تقتضيه المعاوضة كاشف عن تعلّق قصده بالطلاق مطلقاً وإن لم يقترن باستحقاق العوض ، ولذا يقع الطلاق مع الإيقاع بلفظ الطلاق أو الاتباع به .
لكن في محكي المسالك في شرح هذا الكلام من الشرائع الميل إلى البطلان أوّلا ، والقول بأنّه يتمّ بغير إشكال على تقدير كون الطلاق رجعيّاً كما أطلقه ، أمّا لو كان

(1) شرائع الإسلام: 3 / 50 .

(الصفحة231)

مسألة 5 : يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف ، ويجوز أن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه ، بل الظاهر أنّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر فيما هو من طرفه ، فيكون أصيلا فيما يرجع إليه ، ووكيلا فيما يرجع إلى الطرف (الآخر ظ)(1) .

مسألة 6 : يصحّ التوكيل من الزوج في الخلع في جميع ما يتعلّق به من شرط بائناً ـ كطلاق غير المدخول بها مع تصريحه بقصد العوض ولم يتعقّبه قبولها على الفور ـ فالحكم بصحّة الطلاق على هذا الوجه بغير عوض لا يخلو من إشكال; لعدم القصد إليه(1) . وأنت خبير بأنّه لا وجه للفرق بين الطلاق الرجعي والبائن من هذه الجهة ، والوجه لوقوع الطلاق في كليهما ما عرفت .



1 ـ كما أنّه يجوز التوكيل في النكاح وفي الطلاق المصطلح ، كذلك يجوز التوكيل في البذل والطلاق الخلعي من الطرفين أو من طرف واحد من دون فرق بين تعدّد الوكيل ووحدته ، بأن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه ، كما أنّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر فيما هو من طرفه ، فيكون أصيلا في أمر نفسه ووكيلا عن الطرف الآخر ، وقد عرفت في باب النكاح(2) صحّة وقوع الإيجاب والقبول من شخص واحد ـ ولو كان هو أحدهما ـ وكالة عن الطرفين أو أصالة من طرف نفسه ووكالة عن الطرف الآخر; لأنّ هذه اُمور اعتبارية قابلة للاجتماع في شخص واحد ، ولا يختصّ ذلك بباب النكاح ، بل يجري في غيره من العقود والإيقاعات .


(1) مسالك الافهام: 9 / 385 .
(2) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح: فصل في عقد النكاح وأحكامه ، مسألة 16 .

(الصفحة232)

العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق ، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه(1) .

مسألة 7 : لو وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإمّا أن تبتدئ الزوجة وتقول : «بذلت لك» أو «أعطيتك ما عليك من المهر أو الشيء الفلاني لتطلّقني» ، فيقول فوراً : «أنت طالق أو مختلعة ـ بكسر اللاّم ـ على ما بذلت أو على ما أعطيت» وإمّا أن يبتدئ الزوج فيقول : «أنت طالق أو مختلعة بكذا أو على كذا» فتقول فوراً : «قبلت» وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج: «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلك ما عليه من المهر ـ أو المبلغ


1 ـ الغرض من هذه المسألة أنّه لا ينحصر جواز التوكيل بالانشاءين : إنشاء البذل وإنشاء الطلاق ، بل يجري في جميع شؤون الخلع من الزوج أو الزوجة ، فيصحّ التوكيل من الزوج في جميع ذلك من شرط العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق ، ومن الزوجة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه .
نعم ، لا إشكال في أنّ الكراهة المعتبرة تعتبر أن تكون في الزوجة ، كما أنّ الرضا بأصل الخلع بأن يطلّقها الزوج في مقابل العوض يلزم أن يكون موجوداً فيها ، وأمّا الاستدعاء وتقدير العوض وتسليمه فيجري فيه الوكالة ، ولا يخلّ الجهالة بصحّة ذلك كما في سائر الموارد; فإذا وكّل زيداً في أن يزوّجه زوجة بمهر يكون زيد معيّناً له في حال العقد لا يلزم علمه بمقداره ، بل يصحّ العقد منه وإن كان هو جاهلا بالمقدار ، وليس ذلك لأجل عدم مدخليّة ذكر المهر في النكاح الدائم ، بل لأجل عدم اعتبار علم الموكّل; ولذا يجري ذلك في النكاح المنقطع المتقوّم بذكر المهر ، كما لا يخفى .


(الصفحة233)

الفلاني ـ ليخلعها ويطلّقها» فيقول وكيل الزوج فوراً: «زوجة موكّلي طالق على ما بذلت» وقس على ما ذكر سائر الصور المتصوّرة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم أي الجمع بين الصيغتين ، بل لا يترك(1) .

مسألة 8 : لو استدعت الزوجة الطلاق بعوض معلوم فقالت له: «طلّقني أو اخلعني بكذا» فيقول: «أنت طالق أو مختلعة بكذا» ففي وقوعه


إشكال ، 1 ـ بعدما تقدّم منه من أنّه يجوز الابتداء من ناحية الزوجة في الخلع والابتداء من ناحية الزوج كما في المسألة الثانية ، وتقدّم أيضاً اعتبار الفورية العرفية كما في المسألة الرابعة ، يكون غرضه من هذه المسألة بيان الألفاظ المستعملة في هذه الجهة ، وكيفية الصيغة المنشأة بها من ناحية الأصيل وكذا من ناحية الوكيل ، والصور المتصوّرة في هذا الأمر ، لكن أشار في الذيل إلى أنّه لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم ـ أي الجمع بين الصيغتين ـ بل لا يترك .
والظاهر أنّ مراده من الجمع بين الصيغتين هو الجمع بين ذكر الطلاق وذكر الخلع . أمّا ذكر الطلاق فلأنّ الخلع نوع خاصّ منه وقسم من أقسام الطلاق ، غاية الأمر كون المرأة هي الكارهة ، ويعتبر فيه البذل داعياً إلى الطلاق ، وعوضاً عنه ، كما يدلّ عليه التعبير بالباء الظاهر في حصول المعاوضة ولو لم تكن حقيقيّة على ما عرفت . وأمّا ذكر الخلع فلظهوره مجرّداً في الطلاق بالعوض ، ولا دلالة على الفسخ كما تقدّم(1) من الشيخ في بعض كتبه ، فالجمع بين الطلاق والخلع ينفي هذا الاحتمال ويعيّن الطلاق بالعوض الذي هو المقصود ، كما هو المفروض .


(1) في ص224 ـ 225 .

(الصفحة234)

فالأحوط اتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك: «قبلت»(1) .

مسألة 9 : يشترط في تحقق الخلع بذل الفداء عوضاً عن الطلاق ، ويجوز الفداء بكلّ متموّل من عين أو دين أو منفعة قلّ أو كثر وإن زاد على المهر المسمّى ، فإن كان عيناً حاضرة تكفي فيها المشاهدة ، وإن كان كلّياً في الذمّة أو غائباً ذكر جنسه ووصفه وقدره ، بل لا يبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك ، فيصحّ بما يؤول إلى العلم كما لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلا ، ويصحّ بما في ذمّة الزوج من المهر ولو لم يعلما به فعلا ، بل في مثله ولو لم يعلما بعد أيضاً صحّ على الأقوى ، ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطاً بتعيين المدّة ، ولا تبعد صحّته بمثل قدوم الحاج وبلوغ الثمرة ، وإن جعل كلّياً في ذمتها يجوز جعله حالاّ ومؤجّلا مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر(2) .


1 ـ الظاهر أنّ منشأ الإشكال هو أنّ استدعاء الزوجة الطلاق بعوض معلوم بقولها له: «طلّقني بكذا أو اخلعني به» لا دلالة له على البذل ، فإنّ استدعاء المعاوضة غير المعاوضة ، فإنّ المشتري إذا استدعى من البايع البيع منه بثمن معلوم ، لا يستلزم أن يكون الاستدعاء المزبور جزءاً للمعاملة وإنشاءً من طرفه ، وقد عرفت(1) افتقار الخلع إلى انشاءين ، فاللاّزم إتّباع قول الزوج بالقبول منها ولا أقلّ من أنّ مقتضى الاحتياط اللزومي ذلك .

2 ـ قد عرفت(2) أنّه يشترط في تحقّق الخلع بذل الفداء أي إنشاء البذل لا البذل

(1) في ص227 ـ 229 .
(2) في ص223 .

(الصفحة235)



الخارجي; لما عرفت(1) من تقوّمه بإنشاءين ، والعمدة في هذه المسألة بيان ما يصحّ أن يجعل فداء ، وقد ذكر في المتن أنّه يجوز الفداء بكلّ متموّل من عين أو دين أو منفعة ، سواء كان بقدر المهر المسمّى أو أقلّ أو أكثر .
وقد ذكر الأصحاب بلا وجدان خلاف بينهم(2): أنّ كلّما صحّ أن يكون مهراً صحّ أن يكون فداءً في الخلع ، وقد ذكر في الجواهر: أنّ مقتضى كونه ضابطاً أنّ كلّما لا يصحّ أن يكون مهراً لا يصحّ أن يكون فداءً ، وأورد عليه بعدم وجدان هذه الضابطة في شيء من النصوص .
نعم ، في بعضها حلّ له أن يأخذ منها ما وجد(3) ، وفي آخر حلّ له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير(4) ، وفي ثالث له أن يأخذ من مالها ما قدر عليه(5) .
وفي صحيح زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام): المبارئة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شئت ، أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر ، وإنّما صارت المبارئة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء ، لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام ، وتكلّم بما لا يحلّ لها(6) مضافاً إلى عموم الآية(7) .
ولعلّهم أخذوا الضابط المزبور من نصوص المهر باعتبار ارتباط المقام بالمهر

(1) في ص227 ـ 229 .
(2) الخلاف: 4 / 425 ، مسالك الافهام: 9 / 286 ، رياض المسائل: 7 / 420 ، الحدائق الناضرة: 25 / 586 ، جواهر الكلام: 33 / 19 .
(3) التهذيب: 8/96 ح327، الاستبصار: 3/316 ح1126، الوسائل: 22/289، كتاب الخلع والمبارات ب4 ح6.
(4) التهذيب: 8/98 ح331، الاستبصار: 3/318 ح1131، الوسائل: 22/288، كتاب الخلع والمبارات ب4 ح5.
(5) الكافي: 6 / 140 ح2 ، الوسائل: 22 / 288 ، كتاب الخلع والمبارات ب4 ح4 .
(6) الكافي: 6 / 142 ح2 ، التهذيب: 8 / 101 ح340 ، الوسائل: 22 / 287 ، كتاب الخلع والمباراة ب4 ح1 .
(7) سورة البقرة: 2 / 229 .

(الصفحة236)

مسألة 10 : يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها بأن يبذل وكالةً عنها من مالها أو بمال في ذمّتها ، وهل يصحّ ممّن يضمنه في ذمّته بإذنها فيرجع إليها بعد البذل بأن تقول لشخص: «اطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم مثلا عليك وبعدما دفعتها إليه ارجع عليَّ» ففعل ذلك وطلّقها الزوج على ذلك؟ وجهان بل قولان ، لا يخلو ثانيهما من رجحان ، كما أنّه لا يصحّ من المتبرّع الذي لا يرجع عليها ، فلو قالت الزوجة لزوجها: «طلّقني على دار زيد أو ألف في ذمّته» فطلّقها على ذلك ، وقد أذن زيد أو أجاز بعده لم يصحّ الخلع ولا الطلاق الرجعي ولا غيره إلاّ إذا أوقع بلفظ الطلاق أو أتبعه بصيغته(1) .


ولو لأجل جواز الزيادة عليه ، أو لاشتراك الفدية معه في الوقوع عوضاً عن النكاح أو الطلاق ، أو لعدم الاعتبار فيه أزيد ممّا يعتبر في المعاوضات (1) .
وكيف كان ، فالظاهر اغتفار الجهالة فيه ، التي يؤول إلى العلم ، كجعل ما في الصندوق فدية مع إحراز كونه متموّلا ، بل مع عدم الأول إلى العلم ، كجعل الفداء هو المهر الذي غاب عن ذهنهما طرّاً ، سواء علما به بعداً عادةً أو لم يعلما به أصلا ، ومثله ما لو كان لها عليه دين غير معلوم لواحد منهما مطلقاً ، ويصحّ جعل الكلّي في الذمة فديةً حالاًّ أو مؤجّلا مع تعيين الأجل ، كما أنّه يصحّ جعل إرضاعها ولده في مدّة معيّنة فداء ، فالأمر في الفداء أوسع من المهر ، مع أنّ الأمر فيه وسيع أيضاً ، كما عرفت في كتاب النكاح(2) .

1 ـ قال في الشرائع : ويصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها وممّن يضمنه بإذنها(3) .

(1) جواهر الكلام: 33 / 19 / 20 .
(2) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح: فصل في المهر .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 51 .

(الصفحة237)



وفي محكي المسالك تفسيره بأن يقول للزوج: طلّق زوجتك على مائة وعليّ ضمانها. والفرق بينه وبين الوكيل أنّ الوكيل يبذل من مالها بإذنها ، وهذا يبذل من ماله بإذنها; ليرجع عليها بما يبذله بعد ذلك ، فهو في معنى الوكيل الذي يدفع العوض عن الموكّل من ماله ليرجع به عليه ، فدفعه له بمنزلة إقراضه وإن كان بصورة الضمان(1) .
هذا ، ولكن في المتن أنّ القول الثاني وهو القول بعدم الصحّة لا يخلو من رجحان ، ولعلّ الوجه أنّ الطلاق المزبور الواقع في مقابل العوض أمر على خلاف القاعدة ، خصوصاً مع مراعاة الأحكام والخصوصيات الموجودة في طلاق الخلع الحاوية لأحكام العقود من ناحية والإيقاعات من ناحية أخرى ، وبعض أحكام أُخر خاصّة به ، مثل صيرورته رجعيّاً مع رجوع الزوجة في البذل على ما عرفت(2)الإشارة إليه ، وليس هنا إطلاق يشمل صورة الضمان ، بل لا يتصوّر فرضه فيما لو كان المبذول كلّياً في الذمة لا عيناً شخصيّة عنها .
وأمّا صورة التبرّع ، فقد جعل الأشبه فيه في الشرائع المنع بعد أن تردّد فيه(3) . وفي محكي المسالك لم يعرف القائل بالجواز هنا(4) . وفي الجواهر التعليل بأنّ عدم الجواز ليس لأنّ الخلع من عقود المعاوضة . . . بل لأنّ المستفاد من الكتاب(5)والسّنة(6) مشروعية الفداء منها أو من وكيلها . امّا المتبرّع فيبقى على أصل المنع(7) .


(1) مسالك الافهام: 9 / 392 .
(2) في ص228 ـ 229 .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 51 .
(4) مسالك الافهام: 9 / 392 .
(5) سورة البقرة: 2 / 229.
(6) الوسائل: 22 / 279 ـ 282 و 287 ـ 289 ، كتاب الخلع والمباراة ب1 و4 .
(7) جواهر الكلام: 33 / 26 .

(الصفحة238)

مسألة 11 : لو قال أبوها : «طلّقها وأنت بريء من صداقها» وكانت بالغة رشيدة فطلّقها صحّ الطلاق وكان رجعيّاً بشرائطه والشرط المتقدّم في المسألة السابقة، ولم تبرأ ذمّته بذلك ما لم تبرأ ، ولم يلزم عليها الإبراء ولا يضمنه الأب(1).


أقول : وليته كان يعلّل به في صورة الضمان ، ولم يفصّل بين ما إذا كان الفداء عيناً شخصيّة أو كليّاً في الذمّة ، وفي الحقيقة يرد الإشكال على المحقّق بأنّه لِمَ فصّل بين صورة الضمان وصورة التبرّع بالحكم بالصحة في الأوّل وجعل الأشبه المنع في الثاني ، بل الظاهر البطلان في كليهما . ثم إنّه في المتن أنّه إذا طلّقها في صورة التبرّع لا  يقع الخلع ولا الطلاق الرجعي وغيره إلاّ إذا أوقع بصيغة الطلاق أو أتبعه بصيغته ، والوجه فيه إمّا عدم وقوعه خلعاً; فلأنّ المختار ذلك . وإمّا عدم وقوعه طلاقاً إلاّ في إحدى الصورتين; فلأجل عدم صحّة الخلع مكان الطلاق .

1 ـ لو قال أبوها للزوج: طلّقها وأنت بريء من صداقها . وكانت بالغة رشيدة ، والمفروض عدم كون الأب وكيلا عن ابنته في ذلك ، ولم يتحقق إذن منها له ، فوقع منه الطلاق، صحّ الطلاق وكان رجعيّاً بشرائطه. وشرط التعبير في صيغة الخلع بالطلاق.
والوجه في عدم صحّته خلعاً عدم كون البذل من الزوجة أو وكيلها ، ولا ولاية للأب على البالغة الرشيدة في هذه الجهة ، وإن فرض ثبوت الولاية لها في أصل النكاح على خلاف ما قوّيناه كما مرّ(1) . وحينئذ لا تبرأ ذمّة الزوج من المهر ما لم يتحقّق الإبراء من ناحية الزوجة ، كما أنّه لا يثبت ضمان على الأب بالإضافة إلى المهر أصلا ، ولا لزوم الإبراء على الزوجة كما لا يخفى .


(1) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح: فصل في أولياء العقد ، مسألة 2 .

(الصفحة239)

مسألة 12 : لو جعلت الفداء مال الغير ، أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العلم بذلك ، بطل البذل فبطل الخلع ، وصار الطلاق رجعيّاً بالشرط المتقدّم . ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال ، فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة ، وفيه تأمّل(1) .


1 ـ لو جعلت الزوجة الفداء مال الغير مع العلم به ، أو ما لا يملكه المسلم مع العلم به أيضاً ، فلا شبهة في بطلان البذل ويتبعه بطلان الخلع ، ويصير الطلاق رجعيّاً بالشرط المتقدّم في المسألتين السابقتين .
وأمّا لو جعلت الفداء مال الغير باعتقاد أنّه لها مع كونه واقعاً للغير ، أو بتخيّل أنّه خلّ فبان خمراً ففي الشرائع صحّ وكان له بقدره خلاًّ(1) . على المشهور(2) . وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه ، قيل: لأنّ تراضيهما على المقدار من الجزئي المعيّن ـ الذي يظنّان كونه متموّلا أو مالا لها ـ يقتضي الرضا بالكلّي المنطبق عليه; لأنّ الجزئي مستلزم له ، فالرّضا به مستلزم الرضا بالكلّي ، فإذا فات الجزئي لمانع صلاحيته لذلك بقي الكلّي ، ولأنّه أقرب إلى المعقود عليه(3) .
قلت : وهذا دليل على عدم ثبوت المعاوضة الحقيقية ، وإلاّ كان اللاّزم انتفاء المعاوضة رأساً مع إيجاد بهذا النحو الذي يرجع إلى عدم صلاحيّة العوض للعوضية . نعم فيما إذا كان الثمن كلّياً في الذمة تصحّ المعاملة ، ولا يصير المدفوع قابلا لأن يصير مصداقاً له ، ولكن لمّا كان إنشاء الطلاق مستقلاًّ أثَّرَ أثره ، والفداء لم ينتف بانتفاء ذلك المعيّن عرفاً بعد الإتيان بقدره خلاًّ ، ولكن مع ذلك قد تأمّل في

(1) شرائع الإسلام: 3 / 51 .
(2) الخلاف: 4 / 437 ، مسالك الافهام: 9 / 390 ، الحدائق الناضرة: 25 / 591 .
(3) جواهر الكلام : 33 / 23 .

(الصفحة240)

مسألة 13 : يشترط في الخلع على الأحوط أن تكون كراهة الزوجة شديدة بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة ، والدخول في المعصية(1) .


المتن في صحّة الخلع ، وظاهره احتمال صحّة الطلاق بالشرط المذكور; لأنّ ما قصد لم يقع وما وقع غير صالح للعوضية ، فتدبّر .

1 ـ هل المعتبر في الخلع مطلق الكراهة من الزوجة بالإضافة إلى زوجها ، كما هو ظاهر المحقّق(1) وغيره من المتأخّرين(2) ، أو أنّ المعتبر إسماع معاني الأقوال المذكورة في النصوص التي يأتي بعضها؟ كما هو المحكيّ عن الشيخ(3) وغيره من المتقدّمين(4) ، بل عن ابن إدريس أنّ إجماع أصحابنا منعقد على أنّه لا يجوز الخلع إلاّ بعد أن يسمع منها ما لا يحلّ ذكره ، من قولها : لا اغتسل لك من جنابة ، ولا أقيم لك حدّاً ، ولأوطئن فراشك من تكرهه ، أو يعلم ذلك منها فعلا(5) . وهذا هو ظاهر المتن .
ظاهر الآية الشريفة : {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ . . .}(6) هو الأوّل ، فإنّ خوف عدم إقامة حدود الله تعالى يتحقّق مع مطلق الكراهة .
لكن هنا بعض الروايات الظاهرة في القول الثاني مثل :


(1) شرائع الإسلام: 3 / 53 .
(2) مسالك الافهام: 9 / 409 ، قواعد الاحكام: 2 / 77 و 79 ، مفاتيح الشرائع: 2 / 322 .
(3) النهاية: 529 .
(4) الجامع للشرائع: 475 ، الوسيلة: 331 .
(5) السرائر: 2 / 724 .
(6) سورة البقرة: 2 / 229 .
<<التالي الفهرس السابق>>