في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)

السادس : أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه ، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق ، كأن ادّعى أنّ لي عنده شيئاً ، للتردّد بين كونه ممّا تسمع فيه الدعوى


فرض ثبوته ، فإذا اختلفا في البيع الخياري لا تكون الدعوى مسموعة ، لا لأنّ إنكاره رجوع كما قيل لأنّه ممنوع ، بل لأنّ من لوازم الدعوى أن يكون المدّعى عليه ملزماً بما ثبت عليه بحيث يمكن إجباره عليه ، ومع الجواز لا يكون كذلك .
ويرد عليه أنّ هذا الدليل مصادرة ، وجواز الرجوع قد لا يتعلّق به الغرض ، بل يجوز تعلّقه بعدم وقوع البيع أصلا ، ولم يرد في دليل اعتبار اللزوم حتى يقال كما عن صاحب الجواهر : إنّ المراد من اللزوم ليس كونه بحيث لا يكون للمدّعى عليه الرجوع أو الفسخ ، بل المراد استحقاق المدّعي بعد الإثبات(1) .
ومن ذلك ما لو ادّعى أمراً محالا ، سواء كان محالا عادةً كالطيران إلى السماء ، أو عقلا كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ، أو شرعاً كتملّك المسلم للخمر أو الخنزير .
ومن ذلك أيضاً المثال المربوط بالعنب ، فإنّ كونه من بستانه وعدم ادّعاء آخر معه لا يترتّب عليه أثر على فرض الثبوت ، ولا يوجب أخذ العنب بعد كونه في يد الغير ، واحتمال الانتقال إليه بأحد الطرق الشرعيّة كما لا يخفى ، وعدم ثبوت دعوى أزيد من هذا ، ومن هذا الباب أيضاً دعوى ملكيّة المسلم للخمر أو الخنزير وماليّتهما له ، وهو داخل في المحال الشرعي ، وكان ينبغي له التقييد بالمسلم; ولذا ذكروا في باب الديات أنّ اتلافهما على الذمّي يوجب الغرامة ، فتدبّر .
ومن ذلك أيضاً الدعوى على غير المحصورين ، الذي لا يترتّب على احتماله عند العقلاء أثر ، وأمّا ادّعاء الدين على المحصورين فسيأتي حكمهم .


(1) جواهر الكلام : 40 / 378 .

(الصفحة82)

أم لا ، وأمّا لو قال : «إنّ لي عنده فرساً أو دابّة أو ثوباً» فالظاهر أنّه تسمع ، فبعد الحكم بثبوتها يطالب المدعى عليه بالتفسير ، فإن فسّر ولم يصدّقه المدّعي فهو دعوى اُخرى ، وإن لم يفسّر لجهالته مثلا فإن كان المدّعى به بين أشياء محدودة يقرع على الأقوى ، وإن أقرّ بالتلف ولم ينازعه الطّرف ، فإن اتّفقا في القيمة وإلاّ ففي الزيادة دعوى اُخرى مسموعة1.


1 ـ حكي عن الشيخ وأبي الصلاح وبني زهرة وحمزة وإدريس(1) ، والعلاّمة في بعض كتبه ، وكذا الشهيد الأوّل في الدروس(2) اعتبار أن يكون المدّعى به معلوماً بالجنس والنوع والوصف والقدر ، وأنّه لا تسمع الدعوى في كلا الفرضين المذكورين في المتن  .
والظاهر أنّه لم يقم دليل عليه ، خصوصاً بعدما ذكروه في كتاب الإقرار : من أنّ الإقرار المتعلّق بالمجهول المطلق ـ والمبهم كذلك ـ يكون مسموعاً بمقتضى قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، غاية الأمر أنّه يلزم المقرّ بالتفسير ، ويقبل تفسيره إن لم يكن مخالفاً للعرف . وعليه فمقتضى القاعدة مسموعيّة الدعوى حتى في الفرض الأوّل الذي حكم ببطلانه في المتن ، غاية الأمر أنّه علّل البطلان فيه بالتّردد بين ما تسمع وما لا تسمع .
ويرد عليه أنّ التّردّد إن كان بلحاظ أنّه يمكن أن لا يكون الشيء الذي ادّعى أنّ له عنده شيئاً مالا ، فيرد عليه عدم اعتبار الماليّة في المدّعى به ، كعدم اعتبارها في المقرّ به ، إن لم يكن الكلام ظاهراً فيها ، وإن كان بلحاظ أنّه يمكن أن لا يكون

(1) المبسوط : 3 / 4 وج8 / 156 ، الكافي في الفقه : 445 ، غنية النزوع : 444 ، الوسيلة : 216 ـ 217 ، السرائر : 2 / 177 .
(2) التحرير : 2 / 189 ، التذكرة : 2 / 151 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 84  .

(الصفحة83)

السّابع : أن يكون للمدّعي طرف يدّعي عليه ، فلو ادّعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلا لم تسمع ، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدعوى المحتملة ، فإنّ هذه الدعوى غير مسموعة ، ولو حكم الحاكم بعد سماعها ، فإن كان حكمه من قبيل الفتوى ، كأن حكم بصحّة الوقف الكذائي أو البيع الكذائي فلا أثر له في قطع المنازعة لو فرض وقوعها . وإن كان من قبيل


ملكاً أيضاً ، فمضافاً إلى أنّ لازمه المسموعيّة فيما إذا كان للكلام ظهور في الملكيّة ، كما أنّها مقتضى اللاّم أحياناً . يرد عليه أنّه لا دليل على اعتبار الملكيّة أيضاً ، ولا يدّعيها المدّعي ، بل منشأ دعواه في بعض الموارد ثبوت حقّ الاختصاص له ، وحينئذ فلم يعلم وجه للتردّد بين كونه ممّا لا تسمع دعواه أم لا ، فالإنصاف أنّه لا دليل على البطلان في الفرض الأوّل .
وأمّا الفرض الثاني فهو أولى بالصحّة لمعلوميّة المدّعى به بوجه ، وحينئذ فإن لم يكن الحكم بنفعه فبها ، وإن كانت المحاكمة منتهية بنفعه وفصل الخصومة على طبق ما ادّعاه ، فلا يثبت بالحكم في هذه الدعوى أزيد ممّا ادّعاه ، بل بعد الحكم يطالب المدّعى عليه بالتفسير ، فإن فسّر بما رضي به المدّعي فهو ، وإلاّ فهو دعوى اُخرى تحتاج إلى محاكمة جديدة ، وإن لم يفسّر أصلا لجهالته مثلا ، فإن كان المدّعى به مردّداً بين أشياء محدودة لا محيص إلاّ عن القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل .
وفي صورة الإقرار بالتلف وعدم منازعة الطرف ، فإن تحقّق التوافق بالإضافة إلى القيمة التي تحقّق الانتقال إليها بعد التلف فبها ، وإلاّ فمع الاختلاف في الزيادة والنقيصة يكون القدر المتيقّن هو الأقلّ ، وبالنسبة إلى الزيادة تكون هنا دعوى اُخرى مسموعة بوجود شرائط السّماع فيها ، وهذا لا فرق بين أن يكون الملاك قيمة يوم التلف ، أو يوم الأداء ، أو أعلى القيم ، كما لايخفى .

(الصفحة84)

أنّ لفلان على فلان ديناً بعد عدم النزاع بينهما ، فهذا ليس حكماً يترتّب عليه الفصل وحرمة النقض ، بل من قبيل الشهادة . فإن رفع الأمر إلى قاض آخر يسمع دعواه ، ويكون ذلك الحاكم من قبيل أحد الشهود ، ولو رفع الأمر إليه وبقي على علمه بالواقعة له الحكم على طبق علمه1.


1 ـ لا خفاء في أنّ رفع التنازع وفصل الخصومة يفتقر إلى أن يكون هنا شخصان متنازعان ، فلو ادّعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلا فيها ، لم تسمع كما في المثال المذكور في المتن ، فإنّه لا يجب على الحاكم سماع هذه الدعوى . نعم لو حكم الحاكم بعد سماعها ، فإن كان حكمه من قبيل الفتوى فلا أثر له في قطع المنازعة الآتية; لأنّه بالفعل لا يكون تنازع في المستقبل ، وإن تحقّقت المنازعة فرضاً ، إلاّ أنّ صرف الفتوى التي هي بيان الحكم الكلّي والكبرى التامّة لا يكفي في رفع المخاصمة المتحقّقة في القضايا الشخصيّة ، وإن ذكرنا فيما سبق أنّه قد يكون منشأ الاختلاف بين المدّعي والمنكر اختلاف النظر فيمن يرجع إليه للتقليد ، وذكرنا أيضاً أنّ الحاكم يقضي على طبق نظره ورأيه ، إلاّ أنّه لا إشكال في أن الفتوى أمر والقضاء أمر آخر ، ولا يكفي الأوّل لرفع الخصومة والفصل ، وعليه فمجرّد الفتوى لا أثر له في قطع المنازعة والمخاصمة ، وإن قلنا بمقالة الشهيد في الدروس في تفسير القضاء وتعريفه من شموله للولاية على الحكم في المصالح العامّة أيضاً(1); كالحكم بثبوت الهلال على خلاف ما ذكرناه سابقاً .
وإن كان حكمه من قبيل أنّ لفلان على فلان ديناً بعد عدم النزاع بينهما ، فهذا لا  يكون حكماً يترتّب عليه الفصل وحرمة النقض ، بل هو من قبيل الشهادة ، فإن

(1) الدروس الشرعيّة : 2 / 65 .

(الصفحة85)

الثامن : الجزم في الدّعوى في الجملة ، والتفصيل أنّه لا إشكال في سماع الدعوى إذا أوردها جزماً ، وأمّا لو ادّعى ظنّاً أو احتمالا ففي سماعها مطلقاً أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين موارد التّهمة وعدمها بالسماع في الأوّل ، أو التفصيل بين مايتعسّر الاطلاع عليه كالسرقة وغيره فتسمع في الأوّل، أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به ـ كما لو وجد الوصيّ أو الوارث سنداً أو دفتراً فيه ذلك ، أو شهد به من لا يوثق به ـ وبين غيره فتسمع في الأوّل ، أو التفصيل بين موارد التّهمة وما يتعارف الخصومة به ، وبين غيرهما فتسمع فيهما وجوه ، الأوجه الأخير ، فحينئذ لو أقرّ المدّعى عليه أو قامت البيّنة فهو ، وإن حلف المدّعى عليه سقطت الدعوى ، ولو ردّ اليمين لا يجوز للمدّعي الحلف ، فتتوقّف الدعوى . فلو ادّعى بعده جزماً أو عثر على بيّنة ورجع إلى الدعوى تسمع منه1.


رفع الأمر بعد تحقّق التنازع إلى قاض آخر تسمع دعواه ، ويكون حكم ذلك الحاكم من قبيل شهادة أحد الشاهدين ، وإن رفع الأمر بعده إلى نفسه ، فإن كان عالماً بالواقعة فعلا فله الحكم على طبق علمه ، وإلاّ يستأنف كما لا يخفى .

1 ـ المشهور على اعتبار الجزم في الدعوى في سماعها مطلقاً ، وأنّه لا تسمع الدعاوى الظنّية والاحتماليّة أصلا(1) ، وعن جماعة عدم اعتباره مطلقاً(2) ، وعن بعض التفصيل بين الظنّية والاحتماليّة بالسماع في الأوّل دون الثاني(3) ، وهنا

(1) كفاية الأحكام : 266 (ط ق) .
(2) إيضاح الفوائد : 4 / 327 ـ 328 ، مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 124 ـ 126 .
(3) شرائع الإسلام : 4 / 872  ، وقال في الروضة البهيّة : 3 / 80  : بالسماع فيما يعسر عليه ، وأورد جميع هذه الأقوال الشيخ الأنصاري في القضاء والشهادات ، (تراث الشيخ الأنصاري) : 22 / 171 ـ 172 .

(الصفحة86)



تفصيلات اُخر مذكورة في المتن ، وبعضها غير مذكور فيه أيضاً .
واستدلّ للمشهور بأنّ المتبادر من الدعوى ما كان بنحو الجزم ، ويدفعه منع ذلك ، ويدلّ عليه التقسيم إلى الجزمي وغيره من الظنّي والاحتمالي ، وأجاب عنه السيّد في ملحقات العروة ثانياً بأنّه يكفي صدق المخاصمة والمنازعة ، فيشمله العمومات ، مثل قوله (صلى الله عليه وآله) : البيّنة على المدّعي(1) وقوله (صلى الله عليه وآله) : إنّما أقضي(2) الخ ، وقوله (عليه السلام) : استخراج الحقوق بأربعة . . .(3) ،(4) .
وفيه : أنّ القول الأخير محكيّ في مرسلة يونس المضمرة عمّن رواه ، قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه . الحديث  .
وأنت خبير باشتمالها على عنواني المدّعي والمدّعى عليه ، فالعمدة هو الجواب الأوّل .
واستدلّ لهم أيضاً بأنّ لازم السماع القضاء بالنكول ، أو يمين المدّعي في صورة عدم الإقرار والبيّنة ، وكلاهما مشكل; لعدم جواز أخذ المدّعى به مع عدم علمه بالمدّعى به وإنكار المدّعى عليه ، واحتمال كون نكوله عن الحلف للتعظيم ونحوه ، وكذا عدم جواز حلف المدّعي بدون العلم .


(1) وسائل الشيعة : 27 / 234 ، أبواب كيفيّة الحكم ب3 ح5 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1  .
(3) الكافي : 7 / 416 ح3 ، التهذيب : 6 / 231 ح562 ، الوسائل : 27 / 241 ، أبواب كيفيّة الحكم ب7 ح4 وص271 ب15 ح2  .
(4) ملحقات العروة : 3 / 42  .

(الصفحة87)



ويرد عليه أنّ غايته أنّه لا يردّ اليمين على المدّعي مع عدم العلم والجزم ، ولكن لم يقم دليل على أنّ السّماع إنّما يتوقّف على جواز حلف المدّعي ، فمن الممكن عدم الردّ في هذه الصّورة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
هذا ولكنّ الظاهر هو التفصيل الأخير الذي جعله الماتن (قدس سره) أوجه الوجوه .
أمّا في موارد التهمة فلدلالة الأخبار الكثيرة على استحلاف الأمين مع التهمة ، كقوله (عليه السلام) : لا يضمّن القصّار إلاّ ما جنت يداه ، وإن اتّهمته أحلفته(1) . وغير ذلك من الروايات المتعدّدة . وموردها وإن كان صورة تحقّق اليد المقتضية للضمان ، إلاّ أنّه يستفاد منها جواز الاحلاف مع التهمة مطلقاً ، وإن لم يكن هناك يد كبعض الدعاوى في المقام .
وأمّا الموارد التي يتعارف فيها الخصومة بغير الجزم أيضاً كالأمثلة المذكورة في المتن ، فلصدق عنوان المخاصمة والتنازع بحسب نظر العرف والعقلاء ، ولذا يكون المتعارف فيها الخصومة .
ثمّ إنّ السماع في الفرضين لا يوجب جواز الحلف للمدّعي في صورة ردّ المدّعى عليه ، بل اللاّزم إمّا القول بتوقّف الدعوى وانتظار تحقّق الجزم ، أو حصول البيّنة كما في الدعوى على الصّبيّ ، الذي يبلغ لا محالة على فرض البقاء ، والغائب الذي يصير حاضراً نوعاً . وإمّا القول بعدم تماميّة الدعوى بحلف المدّعي ، بل هي تتمّ بنكول المنكر عن الحلف ، وبطلان مقايسة المقام مع الدعوى على الصغير والغائب; لأنّ لهما أمداً يرتقب وينتظر بخلاف المقام ، فإنّه من الممكن عدم حصول الجزم وعدم تحقّق البيّنة ، فالظاهر حينئذ التماميّة بنكول المنكر ، كما ربّما يدلّ عليه الأخبار

(1) التهذيب : 7 / 221 ح967 ، الاستبصار : 3 / 133 ح481 ، الوسائل : 19 / 146 ، كتاب الإجارة ب29 ح17 .

(الصفحة88)

التاسع : تعيين المدّعى عليه ، فلو ادّعى على أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين لم تسمع على قول ، والظاهر سماعها; لعدم خلوّها عن الفائدة ، لإمكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة ، بل لو أُقيمت البيّنة على كون أحدهما مديوناً مثلا ، فحكم الحاكم بأنّ الدين على أحدهما ، فثبت بعد براءة أحدهما ، يحكم بمديونيّة الآخر ، بل لا يبعد بعد الحكم الرّجوع إلى القرعة ، فيفرق بين ما علما أو علم أحدهما باشتغال ذمّة أحدهما ، فلا تأثير فيه ، وبين حكم الحاكم لفصل الخصومة فيقال بالاقراع1.


الواردة في استحلاف الأمين مع التهمة ، فتدبّر .

1 ـ اعتبار هذا الشرط محلّ خلاف ، فعن بعضهم الاعتبار نظراً إلى خلوّ الدعوى عن الفائدة; لأنّ إقامة البيّنة على أنّ أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين مديون للمدّعي مثلا لا أثر لها ، وكذا إقرارهما أو إقرار أحدهما بذلك ، لكن استظهر في المتن السّماع ، وحكي عن المحقّق في قصاص الشرائع ذلك ، قال : ولو قال : قتله أحد هذين سمع ، إذ لا ضرر في إحلافهما ، ولو أقام بيّنة سمعت لإثبات اللوث(1) ، وتبعه جماعة منهم العلاّمة في محكي القواعد بل قال : وكذا دعوى الغصب أو السرقة . وأمّا القرض والبيع وغيرهما من المعاملات فإشكال ينشأ من تقصيره بالنسيان ، والأقرب السماع أيضاً(2) . انتهى .
ولعلّ الفرق بين القتل والغصب والسّرقة وبين القرض والبيع وغيرهما من المعاملات هو أنّ الأفعال الاُولى مضافاً إلى كونها فعل الغير ، يكون صدورها في

(1) شرائع الإسلام : 4 / 991 .
(2) قواعد الأحكام : 2 / 293 (ط ق) ، وكذا الشهيد في المسالك : 15 / 169 ـ 170 .

(الصفحة89)



حال الخفاء والسرّ ، بخلاف القرض والبيع وسائر المعاملات .
وكيف كان فالوجه في الاستظهار المذكور على ما أفاده هو عدم خلوّ الدعوى المزبورة عن الفائدة بعد عدم وجود نصّ في هذا الباب ، والوجه فيه إمكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة ، بل لو أقام المدّعي بيّنة ، وحكم الحاكم على طبقها بأنّ أحدهما مديون مثلا ، وثبت بعد براءة أحدهما ، يحكم بأنّ الآخر معيّناً مديون ، ويُأخذ الدين منه ، بل لا يبعد بعد الحكم بأنّ أحدهما مديون مثلا الرجوع إلى القرعة ، واستخراج المديون بسببها; لأنّها لكلّ أمر مشكل أو مشتبه  .
وعليه ففرق بين صورة العلم المذكورة في المتن وبين حكم الحاكم; لأنّه في الصورة الاُولى لا أثر للعلم الإجمالي بعد كونه بين مكلّفين; لأنّ كلّ واحد منهما يجري أصالة البراءة بالإضافة إلى نفسه ، ولا تكون أصالة البراءة في مكلّف معارضةً بأصالة البراءة في آخر; كواجدي المنيّ في الثوب المشترك بينهما مع علمهما بالارتباط بأحدهما .
وأمّا الحاكم فهو في مقام فصل الخصومة المتقوّمة باثنين وما زاد عليه، فإذا حكم بأنّ أحد المدّعى عليهما مديون بمقتضى الموازين الشرعيّة ، فلا بأس له أن يخرج المديون الواقعيّ بسبب القرعة بعد ارتباط كليهما به على حدٍّ سواء ، كما لايخفى .
نعم في عكس المسألة وهو ما لو علم شخص بكونه مديوناً مثلا لأحد الشخصين . ذكر السيّد في ملحقات العروة : بأنّه لا يجب عليه الاحتياط بدفع المقدار المعلوم إلى كلّ منهما; لأنّه ضرر على ذلك الشخص ، بل يوزّعه عليهما أو يقرع بينهما(1) .


(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 44  .

(الصفحة90)

مسألة 2 : لا يشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاقه ، فتكفي الدعوى بنحو الاطلاق من غير ذكر السبب ، سواء كان المدّعى به عيناً أو ديناً أو عقداً من العقود ، نعم في دعوى القتل اشترط بعض لزوم بيان أنّه عن عمد أو خطأ ، بمباشرة أو تسبيب . كان هو قاتلا أو مع الشركة1.


ويرد عليه أنّ مجرّد الضرر لا يدفع وجوب الاحتياط ، والتوزيع يستلزم العلم بعدم وصول مجموع الدين الواقعي إلى الدائن ، فاللاّزم إمّا الاحتياط وإمّا الرجوع إلى القرعة ، فتدبّر ، خصوصاً مع الاختلاف الذي أشرنا إليه في مفاد قاعدة لا ضرر ، وأنّ نظر الماتن (قدس سره) إلى كونه حكماً حكوميّاً صادراً من مقام حكومة النّبي (صلى الله عليه وآله)لا حكماً شرعيّاً أوّليّاً أو ثانويّاً .

1 ـ هل يشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاق المدّعي أو لا؟ فتكفي الدعوى بنحو الإطلاق من غير ذكر السبب ، فيه وجهان ، الظاهر أنّه لا خلاف بيننا في عدم الاشتراط ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون المدّعى به عيناً أو ديناً أو عقداً من العقود حتّى في عقد النكاح ، نعم عن المبسوط دعوى الإجماع على الاشتراط في خصوص دعوى القتل ، وأنّه لابدّ فيه من بيان أنّه عن عمد أو خطأ ، وأنّه بالمباشرة أو التسبيب ، وكونه قاتلا وحده أو بشركة الغير ونحو ذلك ، وعلّله بأنّ أمره شديد وفائته لا يستدرك وبالخلاف في أسبابه . وذكر القلّة دليل على عدم الاعتماد على الإجماع ، الذي يكون هو الناقل له(1) .
وهنا أمران ذكرهما السيد (قدس سره) في ملحقات العروة :
أحدهما : أنّ الأقوى عدم الاشتراط ، وكفاية الإجمال في السماع ، نعم للحاكم أن

(1) المبسوط : 7 / 232 و238 وج 8 / 260  .

(الصفحة91)

مسألة 3 : لو لم يكن جازماً فأراد الدعوى على الغير لابدّ أن يبرزها بنحو ما يكون من الظّن أو الاحتمال ، ولا يجوز إبرازها بنحو الجزم ليقبل دعواه ، بناءً على عدم السّماع من غير الجازم1.


يستفصل ، ولو لم يعلم التفصيل لم تسمع .
ثانيهما : يمكن أن يقال : مقتضى النصوص الدالّة على أنّه لا يبطل دم امرئ مسلم(1) ثبوت الديّة في كلّي القتل بعد ثبوته(2) .
ويرد على الأمر الأوّل أنّ مرجع عدم السماع فيما لو لم يعلم التفصيل بعد الاستفصال ثبوت الاشتراط المذكور لا نفيه .
وعلى الأمر الثاني أنّ نفس تلك النصوص لا تدلّ على أزيد من عدم بطلان دم امرئ مسلم ، وأمّا أنّ عدم البطلان بماذا ، فالدليل قد ورد في أقسام القتل وأنواعه بنحو مختلف ، ففي العمد يثبت القصاص ، وفي شبه العمد الديّة على القاتل ، وفي الخطأ على العاقلة بالنحو المذكور في كتاب الديات ، وفي صورة الانفراد أمر والاشتراك أمر آخر .
ولا يمكن الرّجوع إلى دليل عدم البطلان ، وإن فرضنا أنّ مفاده الدية في عموم أقسام القتل وأنواعه ، فلا شبهة في التخصيص ، ويكون التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة للمخصّص غير جائز على ما بيّناه في محلّه من بحث العام والخاصّ من علم الاُصول .

1 ـ لا شبهة في أنّه لا يجوز إبراز الدعوى بصورة الجزم فيما لو لم يكن جازماً ، بل

(1) الكافي : 7/355 ح2، التهذيب: 10/205 ح808 ـ 810 ، الوسائل : 29 / 148 ، أبواب دعوى القتل ب8 ح1 .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 49  .

(الصفحة92)

مسألة 4 : لو ادّعى اثنان مثلا بأنّ لأحدهما على أحد كذا تسمع ، وبعد الإثبات على وجه الترديد يقرع بينهما1.

مسألة 5 : لا يشترط في سماع الدعوى حضور المدّعى عليه في بلد


كان ظانّاً أو محتملا; لتقبل دعواه بناءً على عدم السماع من غير الجازم ، وكون الجزم من شروط سماع الدعوى كما تقدّم بحثه .
وأمّا في عكس المسألة بأن كان جازماً واقعاً ، وأراد أن يبرز الدعوى بصورة الظنّ والاحتمال بناءً على السماع في بعض الموارد ، مثل التهمة بناءً على عدم ثبوت ردّ الحلف فيه ، كما لعلّه يظهر من الأخبار الواردة في تهمة الأمين ، الذي لا يكون ضامناً في غير صورتي التعدّي والتفريط ، كالقصّار والصائغ ونحوهما(1) ، نعم في صورة التهمة يجوز إحلافه .
الظاهر الجواز; لأنّه تنزّل عن الواقعيّة وفيه غرض عقلائيّ; لأنّ فيه التخلّص من الحلف، وهذا بخلاف أصل المسألة فتأمّل ، لأنّ فيه إشكالا أيضاً باعتبار كونه خلاف الواقع .

1 ـ كما أنّه لا يشترط في سماع الدعوى أن يكون المدّعى عليه متعيّناً ، كذلك لا يشترط في سماعها تعيّن المدّعي ، فلو ادّعى اثنان مثلا بأنّ لأحدهما على أحد معيّن كذا ، لا وجه لعدم السماع . فلو أقاما بيّنة مطابقة لدعواهما بأن شهدت البيّنة بأنّ لأحدهما على المدّعى عليه كذا ، وحكم الحاكم على طبقها يثبت الحقّ على وجه الترديد ، والقرعة طريق التعيين ، كما في سائر الموارد التي يكون الحقّ معلوماً وذو   الحقّ معلوماً بالإجمال ، أو يقتسمان على وجه الصلح القهري ، كما احتمله

(1) وسائل الشيعة : 19 / 141 ـ 148 ، كتاب الإجارة ب29 و 30 .

(الصفحة93)

الدعوى ، فلو ادّعى على الغائب من البلد سواء كان مسافراً أو كان من بلد آخر ـ قريباً كان أو بعيداً ـ تسمع ، فإذا أقام البيّنة حكم القاضي على الغائب ويردّ عليه ما ادّعى إذا كان عيناً ، ويباع من مال الغائب ويؤدّى دينه إذا كان ديناً ، ولا يدفع إليه إلاّ مع الأمن من تضرّر المدّعى عليه لو حضر ، وقضى له بأن كان المدّعي مليّاً أو كان له كفيلٌ ، وهل يجوز الحكم لو كان غائباً وأمكن إحضاره بسهولة ، أو كان في البلد وتعذّر حضوره بدون إعلامه؟ فيه تأمّل . ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدّعي المدّعي جحود المدّعى عليه وعدمه ، نعم لو قال : «إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا» فالظاهر عدم سماع دعواه وعدم الحكم ، والأحوط عدم الحكم على الغائب إلاّ بضم اليمين ، ثم إنّ الغائب على حجّته ، فإذا حضر وأراد جرح الشهود أو إقامة بيّنة معارضة يقبل منه لو قلنا بسماع بيّنته1.


السيّد في الملحقات(1) ، نظراً إلى ما ورد في درهم الودعي  ، ولكن التعدّي عن مورده بلحاظ كون الحكم على خلاف القاعدة مشكل .

1 ـ في هذه المسألة يقع الكلام في مقامات :
المقام الأوّل : في أصل القضاء على الغائب في الجملة ، ومرجعه إلى عدم شرطيّة حضور المدّعى عليه في سماع الدعوى ، والدليل عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا إشكال ولا خلاف فيه بيننا ، بل كما في الجواهر الإجماع بقسميه(2) عليه ـ عدّة من الروايات :
منها : رواية جميل بن درّاج ، عن جماعة من أصحابنا ، عنهما (عليهما السلام) قالا : الغائب

(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 45  .
(2) جواهر الكلام : 40 / 220  .

(الصفحة94)



يقضى عليه ، إذا قامت عليه البيّنة ويباع ماله ، ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم ، قال : ولا يدفع المال إلى الذي أقام البيّة إلاّ بكفلاء ، وروى جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) نحوه وزاد : إذا لم يكن ملّياً(1) .
والتعبير عن الرواية بالمرسلة ليس على ما ينبغي ، خصوصاً مع ملاحظة الطريق الثاني .
ومنها : رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) يقول : لا يحبس في السّجن إلاّ ثلاثة : الغاصب ، ومَن أكل مال اليتيم ظلماً ، ومَن ائتمن على أمانة فذهب بها ، وإن وجدَ له شيئاً باعه ، غائباً كان أو شاهداً(2) .
ومنها : بعض الروايات الاُخر من غير طرقنا ، مثل ما عن أبي موسى الأشعري ، قال : كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا حضر عنده خصمان فتواعدا الموعد ، فوفى أحدهما ولم يف الآخر ، قضى للذي وفى على الذي لم يفِ أي مع البيّنة(3) . وما روي من أنّ هنداً زوجة أبي سفيان بعدما ادّعت أنّ أبا سفيان رجل شحيح ، وأنّه لا يعطيها ما يكفيها وولدها ، قال لها النبي (صلى الله عليه وآله) : خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف(4) . وإن أورد على الأخير السيّد في الملحقات : بأنّه لا يكون من باب بيان الحكم بل بيان الفتوى ، مع

(1) التهذيب : 6 / 296 ح827 و 828 وص191 ح413 ، الكافي : 5 / 102 ح2 ، الوسائل : 27 / 294 ، أبواب كيفيّة الحكم ب26 ح1 .
(2) التهذيب : 6/299 ح836 ، الإستبصار : 3/47 ح154 ، الوسائل : 27 / 295 ، أبواب كيفيّة الحكم ب26 ح2 .
(3) كنز العمال : 5 / 849 ح14539 .
(4) سنن البيهقي : 15 / 148 ح21075 .

(الصفحة95)



أن غيبة أبي سفيان من البلد غير معلومة(1) .
هذا ، وفي مقابل الروايات المتقدّمة ما رواه في قرب الاسناد عن السندي بن محمّد ، عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليه السلام) قال : لا يقضى على غائب(2) .
ولكنّها مضافاً إلى إمكان حملها على صورة عدم جزم المدّعي ، وكون الجزم شرطاً في سماع الدعوى ، وإلى احتمال كون المراد بالقضاء القضاء الذي لا يتعقّبه كون الغائب على حجته إذا قدم ، وإلى بعض الاحتمالات الاُخر ، مثل كون المراد الغائب عن مجلس المرافعة ، يكون على تقدير التعارض الترجيح مع الطائفة الاُولى للشهرة الفتوائيّة  ، التي هي أوّل المرجّحات على ما قلناه .
المقام الثاني : الظاهر أنّ المراد بالغائب في النصّ والفتوى هو الغائب عن البلد ، سواء كان قد سافر عن البلد إلى غيره بالسّفر الشرعيّ المشتمل على المسافة أو بغيره ، أو كان في خارج البلد ، سواء كان بعيداً أم قريباً ، ويدلّ عليه مع أنّ الغائب قد يطلق ويراد به الغائب عن صلاحيّة الرؤية كالله تبارك وتعالى ، وقد يطلق ويراد به الغائب عن الأنظار العرفيّة كالإمام الغائب عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، وقد يطلق ويراد به الغائب عن مجلس المرافعة والمحاكمة ، كما يستفاد من ذيل رواية جميل ، وهو قوله (عليه السلام) : «يكون الغائب على حجّته إذا قدم» كما مرّ .
مع أنّ الظاهر إمكان تحقّق هذا العنوان مع قطع النظر عن المنازعة وفصل الخصومة ، خصوصاً مع أنّ المعروف هو كون التصرّف في اُمور المغيب والمقصّر من

(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 46  .
(2) قرب الإسناد : 141 ح508 ، الوسائل : 27 / 296 ، أبواب كيفيّة الحكم ب26 ح4 .

(الصفحة96)



الاُمور الحسبيّة ، وعليه فإذا كان المدّعى عليه في البلد ، ولكن كان غائباً عن مجلس المرافعة لا يصدق عليه الغائب ، ولا تشمله الرواية إلاّ بإلغاء الخصوصيّة ، وهذا لا فرق فيه بين صورتي تعذّر الحضور وعدمه ، والاعلام وعدمه . نعم في الغائب عن البلد إذا أمكن إحضاره بسهولة ربّما يشكل في الحكم عليه كما في المتن ، والظاهر أنّ وجهه احتمال انصراف النصّ والفتوى عنه على تأمّل ، لا لعدم شمول العنوان له .
نعم يمكن أن يقال بعدم تماميّة الإطلاق في الرّواية; لعدم كونها في مقام البيان ، ولا تكون مقدّمات الحكمة فيها مجتمعة ، فلا يجوز التمسّك بإطلاقها . ويدفعه أنّ التعرّض لجمع من خصوصيّات المسألة دليل على كونها في مقام البيان ، ولا يكاد ينقضي تعجّبي ممّن يتمسّك بالإطلاق تارةً وبالقدر المتيقّن اُخرى .
المقام الثالث : في أنّ المدّعي قد يدّعي جحود المدّعى عليه الغائب ، وقد يقول بأنّه لا يعلم جحوده وعدمه ، وقد يقول : إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا . لا إشكال في سماع دعواه في الصورة الاُولى ، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في السماع في الصورة الثانية . وأمّا الصورة الثالثة فقد استظهر في المتن عدم سماع دعواه ، وعدم الحكم على الغائب ، وهو مبنيّ على ما أفاده في تعريف القضاء من أنّه فصل الخصومة ورفع التنازع ، فإنّه مع الاعتراف بعدم المخاصمة كيف تفصل الخصومة ، مع أنّه يمكن أن يقال : بأنّ الحكم بالحقّ أو بالعدل أو بالقسط المأمور به المدلول عليه بالآيات الشريفة لا يختصّ بصورة المخاصمة ، فإنّه يمكن أن يتضرّر المدّعي من تأخير وصول حقّه إليه ، أو عدم الوصول فيما إذا لم يجِئ الغائب أو مات في السّفر مثلا ، وفي هذه الصورة لا محيص عن الحكم ، وإن لم يكن المدّعى عليه جاحداً أصلا .


(الصفحة97)

مسألة 6 : الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس ، فلا يجوز الحكم عليه في حقوق الله تعالى مثل الزّنا ، ولو كان في جناية حقوق الناس وحقوق الله كما في السّرقة ، فإنّ فيها القطع وهو من حقوق الله وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس ، جاز الحكم في حقوق الناس دون حقوق الله ، فلو أقام المدّعي البيّنة حكم الحاكم ، ويؤخذ المال على ما تقدّم1.


المقام الرابع : في أنّه جعل في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي ضمّ اليمين إلى البيّنة كما عليه المشهور(1) ، والظاهر ابتناؤه على لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة في الدعوى على الميّت ، التي سيأتي البحث عنها; نظراً إلى إلغاء الخصوصيّة وتنقيح المناط ، وهو محلّ تأمّل وكلام .
المقام الخامس : في اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس وعدمه ، وقد تعرّض له الماتن (قدس سره) في المسألة الآتية .

1 ـ الدليل على الاختصاص المذكور في المتن ، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّه لا خلاف فيه قاعدة «درء الحدود بالشبهات» وبناؤها على التخفيف ، كما يدلّ عليه مرسلة الصدوق المعتبرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(2) . نعم لو كانت الجناية المدّعاة ممّا اشترك فيه حقّ الناس وحقّ الله كما في السّرقة ، حيث إنّ فيها القطع وهو من حقوق الله وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس ، فإنّه لا إشكال في جواز الحكم في حقوق الناس ، ويترتّب عليه أخذ المال من السارق وردّه إلى

(1) كفاية الأحكام  : 269  .
(2) الفقيه : 4 / 53 ح90 ، الوسائل 28 : 47 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 .

(الصفحة98)

مسألة 7 : لو تمّت الدعوى من المدّعي ، فإن التمس من الحاكم إحضار المدّعى عليه أحضره ، ولا يجوز التأخير غير المتعارف . ومع عدم التماسه وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقّفها إلى أن يطلبه1.


المسروق منه ، وأمّا بالإضافة إلى القطع  ، فقد تردّد فيه المحقّق في الشرائع(1); نظراً إلى أنّهما معلولان لعلّة واحدة ، ولا وجه لتبعيض مقتضاها ، ولكن هذه الاُمور بالنسبة إلى العلل التكوينيّة ، فإنّه إذا كان هناك معلولان لعلّة واحدة لا يمكن التفكيك والتبعيض . وأمّا في الاُمور الشرعيّة الاعتباريّة فلا مانع من التبعيض أصلا بعد قيام الدليل الشرعي عليه .

1 ـ لو تمّت الدعوى من المدّعي ، وكانت جامعة لشروط السماع ، فإن التمس أو كانت هناك قرينة على إرادته إحضار المدّعى عليه ، يجب على الحاكم إحضاره للحكم ورفع التنازع; لئلاّ يلزم التضرّر بالتأخير الزائد ، ولكن لابدّ من تقييد إطلاق هذا الكلام بما إذا لم يكن في إحضار المدّعى عليه وهن وتنقيص من جهة الموقعيّة والحيثيّة ، وإلاّ فاللاّزم ملاحظة أنّ دعواه هل تكون بحيث كان الحكم بنفعه أم لا فتأمّل .


(1) شرائع الإسلام : 4 / 875  .

(الصفحة99)




فصل في جواب المدّعى عليه


المدّعى عليه إمّا أن يسكت عن الجواب
أو يقرّ
أو ينكر
أو يقول : «لا  أدري»
أو يقول : «أدّيت» ، ونحو ذلك ممّا هو تكذيب للمدّعي1.


1 ـ في كون السكوت جواباً مسامحة واضحة بعد كونه سكوتاً عن الجواب ، والمراد معاملة المدّعى عليه في قبال ادّعاء المدّعي ، كما أنّ المفعول في مثل قوله : أدّيت هو الحقّ عيناً أو ديناً ، فيشمل كلتا الصورتين .


(الصفحة100)




القول في الجواب بالإقرار


مسألة 1 : إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ عيناً أو ديناً ، وكان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به ، وانفصلت الخصومة ، ويترتّب عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع الحاكم دعواه وغير ذلك . ولو أقرّ ولم يحكم فهو مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد التصرّف فيما عنده إذا أقرّ به إلاّ بإذن المقرّ له ، وجاز لغيره إلزامه ، بل وجب من باب الأمر بالمعروف . وكذا الحال لو قامت البيّنة على حقّه من جواز ترتيب الأثر على البيّنة ، وعدم جواز التصرّف إلاّ بإذن من قامت على حقّه ، نعم في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيّنة من باب الأمر بالمعروف إشكال; لاحتمال أن لا يكون الحقّ عنده ثابتاً ، ولم تكن البيّنة عنده عادلة ، ومعه لا يجوز أمره ونهيه ، بخلاف الثبوت بالإقرار1.


1 ـ إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ الذي ادّعاه المدّعي عيناً أو ديناً ، وكان جامعاً لشرائط الإقرار المذكورة في كتاب الإقرار ، وفي قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، التي هي من القواعد الفقهيّة المبحوث عنها في محالّها ، فتارةً يحكم الحاكم
<<التالي الفهرس السابق>>