في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة101)



على طبقه واُخرى لا يحكم .
ففي صورة الحكم على طبق الإقرار ـ بناءً على القول بعدم اختصاص الحكم الذي هو إنشاء من القاضي لرفع التنازع وفصل الخصومة ، كما سيأتي بغير صورة الإقرار بناءًعلى اختصاصه بصورةوجودالمخاصمة، ومع الإقراربدعوى المدّعي لا مخاصمة، كما عرفت في الحكم على الغائب ـ يُلزم الحاكم المقرَّ بما أقرّ به وانفصلت الخصومة  ، ويترتّب عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع حاكم آخر دعواه على تقدير الرفع ، وغير ذلك من لوازم الحكم .
وكيف كان لا فرق في صورة الحكم بين ما لو كان المنشأ هو البيّنة أو الإقرار أو غيرهما ، فإذا تحقّق إنشاء الحكم يترتّب عليه جميع آثاره .
وفي صورة عدم الحكم فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه لا فرق بين الإقرار والبيّنة من جهة ، وفرق بينهما من جهة اُخرى .
أمّا الجهة الاُولى : فهي أنّ المقرّ مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد بعد الإقرار التصرّف في مال المقرّ ، الذي أقرّ له به إلاّ مع إذنه وإجازته; لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وهو لا يكون جائزاً ، كما أنّه مع قيام البيّنة يكون الحال هكذا ، فلا يجوز لأحد التصرّف في المال الّذي قامت البيّنة على كونه للمدّعي بدون إذنه ، وإن لم يتحقّق حكم الحاكم أصلا .
وأمّا الجهة الثانية : فهي أنّه يجوز بل يجب في صورة الإقرار منع الغير عن التصرّف بدون الإذن; لأنّه من مصاديق النهي عن المنكر . وأمّا في صورة البيّنة ، فقد استشكل في الجواز أو الوجوب في المتن ، نظراً إلى أنّه يمكن أن لا يكون الحقّ ثابتاً عنده ، أو لم تكن البيّنة عنده عادلة معتبرة ، وحكي عن المسالك في مقام الفرق بين البيّنة والإقرار : أنّ البيّنة منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها وردّها وهو

(الصفحة102)



غير معلوم بخلاف الإقرار(1) ، وأورد عليه السيّد الطباطبائي بأنّه لا فرق بينهما لا من جهة فصل الخصومة وصحّة حكم الحاكم على طبق أحدهما ، ولا من جهة ثبوت الحقّ وعدمه ، وجواز المطالبة والإلزام وعدمه بناءً على عموم حجّية البيّنة .
نعم على القول الآخر وهو عدم حجّية البيّنة إلاّ للحاكم يكون الفرق بينهما ثابتاً ، ضرورة أنّه على هذا القول لا يثبت الحقّ إلاّ بعد حكمه يعني إذا كان منشأه البيّنة ، ثم قال ما ملخّصه : أنّه يمكن الفرق على القول بالعموم أيضاً ، نظراً إلى أنّ تحقّق الإقرار لا يحتاج إلى مؤنة واجتهاد غالباً ، فإنّ حجّيته معلومة ، والشرح لا يكون له تأسيس في ذلك ، ودلالة الألفاظ على الإقرار واضحة غالباً بخلاف البيّنة في كلتا الجهتين  ، ويمكن أن يكون نظر صاحب المسالك في الفرق إلى الغالب(2) .
أقول : الظاهر أنّ النزاع في عموميّة حجّية البيّنة وعدمها ، فيما إذا لم تكن البيّنة قائمة على أمر يتعلّق بعموم المكلّفين ، كما إذا قامت البيّنة على نجاسة مائع خارجيّ مخصوص ، فإنّه لا شبهة في حجّيتها بالإضافة إلى عموم من قامت عنده ولا اختصاص لها بما إذا كان في حضور الحاكم ، مثاله : ما إذا كانت البيّنة قائمة على أنّ الدار مثلا التي في يد عمرو المدعى عليه لزيد المدّعي ، فإنّه في مثله وقع الكلام في حجّيته المطلقة وعدمها; لأنّ البيّنة حينئذ لا ترتبط بالعموم; لأنّ أمر الدار مردّد بين أن يكون لزيد أو عمرو ، ولا ارتباط له بشخص ثالث ، والتحقيق في محلّه .
وكيف كان فمع كون المفروض قيام البيّنة وحضور الحاكم في المقام لا يكون فرق بين الإقرار والبيّنة ، كما أفاده السيّد (قدس سره)  .


(1) مسالك الأفهام : 13 / 442  .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 48 ـ 49  .

(الصفحة103)

مسألة 2 : بعد إقرار المدّعى عليه ليس للحاكم على الظاهر الحكم إلاّ بعد طلب المدّعي ، فإذا طلب منه يجب عليه الحكم فيما يتوقّف استيفاء حقّه عليه على الأقوى ، ومع عدم التوقّف على الأحوط بل لا يخلو من وجه ، وإذا لم يطلب منه الحكم أو طلب عدمه فحكم الحاكم ، ففي فصل الخصومة به تردّد1.


1 ـ في مفروض المسألة أربع صور :
الاُولى : ما إذا طلب المدّعي ـ بعد إقرار المدّعى عليه ـ من الحاكم الحكم ، ويكون استيفاء حقّه منه متوقّفاً عليه ، وبدونه لا يصل إلى حقّه الثابت بالإقرار كما هو المفروض ، وفي هذه الصورة يجب على الحاكم الحكم; لأن يصل إلى حقّه كما هي حكمة جعل القضاء ، الذي هو على خلاف الأصل .
الثانية: الصورة المفروضة مع عدم كون استيفاء حقّه من المدّعى عليه متوقّفاً على حكم الحاكم ، وقد احتاط في المتن وجوباً بالحكم ، بل نفى خلوّه عن وجه ، والوجه فيه : أنّه وإن كان أصل الحق ثابتاً بالإقرار ، والاستيفاء غير متوقّف على الحكم ، إلاّ أنّه حيث كان المدّعي مطالباً له ، وفصل الخصومة الذي تترتّب عليه الأحكام المذكورة المتقدّمة لا يحصل إلاّ به ، يجب عليه ذلك ، خصوصاً فيما إذا احتمل المدّعي رجوع المدّعى عليه عن إقراره ، والرجوع إلى حاكم آخر ، وربّما تكون نتيجة الحكم عائدة إلى المدّعى عليه ، ففي هذه الصورة أيضاً يجب الحكم على الحاكم .
الثالثة والرابعة : صورتا عدم الطلب أو طلب العدم ، وفي هاتين الصورتين هل يجب على الحاكم الحكم؟ وهل يتحقّق فصل الخصومة ؟
فقدتردّد فيه الماتن (قدس سره)، ومنشأه ماحكي عن الشيخ في المبسوط من أنّه لا يجوز(1);

(1) المبسوط : 8 / 157 ـ 158  .

(الصفحة104)



لأنّه حقّ له ، فلا يستوفى إلاّ بمساءلته ، وقد نسبه المحقّق في الشرائع إلى القول(1)مشعراً بتمريضه.
ويرد عليه أنّه لم يعلم المراد بمرجع الضمير في قوله : «لأنّه حقّ له» ، فإنّه إن كان المراد أنّ الحكم حقّ له فلا يستوفى إلاّ بمساءلته . فيرد عليه أن هذا أوّل الكلام . والتعليل بما هو مصادرة غير جائز ، فإنّه لم يعلم كون الحكم حقّاً له ومتوقّفاً على إذنه ، وإن كان المراد أنّ المدّعى به حقّ له ، ففيه : أنّه وإن كان كذلك في صورة الإقرار بمقتضى قاعدته ، إلاّ أنّ الظاهر عموميّة البحث ، والتوقّف على الإذن في غير صورة الإقرار أيضاً ، وفيه لا يكون المدّعي محقّاً دائماً ، فإنّ الحكم قد يكون بنفعه وقد يكون بنفع المدّعى عليه .
والتحقيق عدم التوقّف مطلقاً ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ المدّعي إذا رأى أنّ طريقة المحاكمة منتهية إلى ضرره ، لا يطلب من الحاكم الحكم قاعدةً . فالإنصاف أنّ المتخاصمين بعد ترافعهما إلى الحاكم بالاختيار والإرادة والرغبة والرّضا تكون سائر المسائل مرتبطة بالحاكم ، كالسؤال من المدّعى عليه وكالحكم ، ويكون المقام من قبيل موارد التخيير البدوي ، الذي ليس الاختيار محفوظاً بعد اختيار أحد الطرفين أو الأطراف ، كما لايخفى .
نعم بعد الورود والترافع والحضور إذا رفعا يداً معاً أو خصوص المدّعي عن الدعوى لا يبقى مجال للحكم أصلا .
تنبيه مهمّ : وهو أنّ جعل الجواب بالإقرار أحد أقسام الجواب ، والحكم على طبقه على المقرّ للمقرّ له ـ أي المدّعي ـ ليس على ما ينبغي; لأنّ المستند في ذلك على

(1) شرائع الإسلام : 4 / 872  ، المقصد الثالث .

(الصفحة105)



ما عرفت هو قاعدة «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ، وهذه القاعدة إنّما يكون أثرها بالمقدار الذي يكون بضرر المقرّ ، وأمّا من الحيثيّة الراجعة إلى نفع المقرّ له فلا دلالة للقاعدة عليه .
وبالجملة : إقرار المقرّ بنفع المدّعي له حيثيّتان  :
حيثيّة سلبيّة راجعة إلى عدم كون المقرّ به للمقرّ ، وهي مدلول الإقرار الإلتزامي .
وحيثيّة إيجابيّة راجعة إلى كونه للمقرّ له وهو المدلول المطابقي ، وقاعدة الإقرار إنّما تكون جائزة من الحيثيّة الاُولى لا من الحيثيّتين ، ويؤيّده أنّ المقرّ ربّما لا يكون عادلا ، وعلى تقديره لا يكون أزيد من واحد حتّى يتحقّق عنوان البيّنة المتقوّم بالعدالة والتعدّد ، ويؤيّده أيضاً أنّه ربّما يكون في الواقع التباني بين المقرّ والمقرّ له مع عدم كون المستحقّ واحداً منهما ، كما إذا أقرّ مستأجر الدار مثلا بملكيّة زيد لها مع كون المالك هو عمراً ، وعليه فكيف يتحقّق فصل الخصومة من الحاكم بنفع المقرّ له بمجرّد إقرار المقرّ ـ المدّعى عليه ـ وما يكون مستنده في ذلك؟
وقد أشار إلى ما ذكرنا المحقّق العراقي (قدس سره) في رسالته في القضاء ، حيث قال في العين ـ في مقابل الدين ـ  : أيضاً يحكم بملكيّتها للمقرّ له ، لكن لا من جهة إقراره ، حيث إنّه لا يكون نافذاً إلاّ في نفي ملكيّة المال عن نفسه ، بل إنّما هو بملاك اقتضاء اليد نفي ملكيّته لغير المقرّ له أيضاً; ولذا يصير المقرّ له في دعوى غيره عليه بمنزلة ذي اليد ، فيقدّم قوله بيمينه ، ولكن في كون أمثال هذا مناطاً للفصل إشكال ، بل ما هو مناط الفصل هو إقراره بما اقتضت حجّيته ، وهو نفي ملكيّته عن نفسه لا ملكيّته لغيره ، ومن هذه الجهة نقول : إنّ حكم الحاكم في مثل هذه الصورة لا يقتضي إلاّ فصل الخصومة بينهما بحيث لا تسمع الدعوى من المقرّ ، ولا يقتضي عدم سماعه من

(الصفحة106)

مسألة 3 : الحكم إنشاء ثبوت شيء أو ثبوت شيء على ذمّة شخص أو الإلزام بشيء ونحو ذلك ، ولا يعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل اللاّزم الإنشاء بكلّ ما دلّ على المقصود ، كأن يقول : قضيت أو حكمت أو ألزمت ، أو عليك دين فلان ، أو هذا الشيء لفلان ، وأمثال ذلك من كلّ لغة كان ، إذا أريد الإنشاء ودلّ اللّفظ بظاهره عليه ولو مع القرينة1.


مدّع آخر ، وذلك أقوى شاهد على أنّ محطّ حكم الحاكم في مقام الفصل ليس هو الملكيّة للمقرّ له ، كيف ولازمه حرمة ردّه بالنسبة إلى كلّ أحد  ، ولازمه عدم سماع الدعوى حتّى من غير المقرّ ، وعدم اختصاص الفصل المنتزع عن حرمة الردّ بالمقرّ وحده ، وهو كما ترى لم يلتزم به أحد(1) . انتهى موضع الحاجة  .
أقول : الظاهر أنّ جواز أخذ المقرّ به للمقرّ له إنّما هو في صورة كونه عالماً جازماً بأنّ المال له ، وأمّا في صورة عدم العلم والجزم فيشكل الجواز بالإضافة إليه أيضاً; لأنّ قاعدة الإقرار لا تدلّ على ذلك ، وشهادة الواحد ولو كان عادلا غير مؤثّرة ، فلا يجوز له الأخذ بمجرّد الإقرار ، بل يكون أمانة عند الحاكم حتّى يظهر صاحبها ، كما لايخفى .

1 ـ لا ينبغي الارتياب في أنّ الحكم من مقولة الإنشاء ، سواء قلنا : بأن القضاء عبارة عن خصوص رفع التنازع والتخاصم كما عليه الماتن (قدس سره) تبعاً للمشهور ، أو بأنّ معناه يشمل مثل الحكم بالهلال كما عرفت من الدروس(2) . والإنشاء في مقابل الإخبار عبارة عن إيجاد ما لا يكون موجوداً لا بالوجود الحقيقي الخارجي أو

(1) كتاب القضاء للمحقّق العراقي : 73 ـ 74  .
(2) الدروس الشرعيّة : 2 / 65  .

(الصفحة107)

مسألة 4 : لو التمس المدّعي أن يكتب له صورة الحكم أو إقرار المقرّ ، فالظاهر عدم وجوبه ، إلاّ إذا توقّف عليه استنقاذ حقّه ، وحينئذ هل يجوز له مطالبة الأجر أم لا؟ الأحوط ذلك وإن لا يبعد الجواز ، كما لا إشكال في جواز مطالبة قيمة القرطاس والمداد ، وأمّا مع عدم التوقّف فلا شبهة في شيء منها ،


الذهني ، بل بالوجود المناسب له كإيجاد البيع أو النكاح أو فصل الخصومة ، وإن كان كلّ ذلك أمراً اعتباريّاً لا واقعيّة له غير الاعتبار ، بخلاف الإخبار الّذي معناه الحكاية عن الأمر المتحقّق الماضي ، أو عن الأمر الذي سيوجد في المستقبل بعلله; فقوله : «بعت داري» إن كان المقصود به الإنشاء ، يكون المراد به إيجاد البيع بهذا اللّفظ ، وإذا كان المقصود به الإخبار ، يكون المراد الحكاية عن البيع المتحقّق في الزّمان الماضي . ويظهر من المتن أنّه يُعتبر في المقام أمران :
أحدهما : أن يكون واقعاً باللفظ ، غاية الأمر أنّه لا يعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل اللاّزم الإنشاء بكلّ ما دلّ على المقصود من كلّ لغة كان ، ويرد عليه ـ بعد ملاحظة جريان المعاطاة في مثل البيع ، وإن كان جريانها في النكاح محلّ إشكال بل منع ـ أنّه لِمَ لا تجري المعاطاة في الحكم ، مثل أن يأخذ الحاكم المال المدّعى به من المدّعى عليه ، ويدفعه إلى المدّعي الذي أقام البيّنة على طبق ادّعائه  ، أو يفطر صومه في اليوم المشكوك مع ظهور كون إفطاره لأجل ثبوت الهلال عنده ، اللّهم إلاّ أن يكون هنا إجماع على خلافه  ، أو يقال : بقلّة الموارد المذكورة ، مع أنّه في مثل الدين لا تجري المعاطاة بوجه فتدبّر .
ثانيهما : كون اللّفظ ظاهراً في معناه ، ولو لم يكن على سبيل الحقيقة مثل رأيت أسداً يرمي الظاهر في الرجل الشجاع بمعونة القرينة ، وإن كان الاستعمال مجازيّاً ، ضرورة أنّ أصالة الظهور أعمّ من أصالة الحقيقة لو كانت ، كما لايخفى .


(الصفحة108)

ثمّ إنّه لم يكتب حتّى يعلم اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يخرج عن الاشتراك والإبهام ، ولو لم يعلم لم يكتب إلاّ مع قيام شهادة عدلين بذلك ، ويكتب مع المشخّصات النافية للإيهام والتدليس ، ولو لم يحتج إلى ذكر النسب وكفى ذكر مشخّصاته اكتفى به1.


1 ـ هل كتابة الحكم مع ثبوت وجوبه واجبة أم لا؟ نسب الأوّل إلى الأشهر(1) ، ولكنّ الظاهر عدم وجوبها إلاّ إذا توقّف عليها استنقاذ حقّه ، الذي تكون هي الحكمة في إيجابه على القاضي كفاية أو عيناً ، كما تقدّم ، ولا إشكال في جواز مطالبة قيمة القرطاس والمداد في هذه الصّورة ، وأمّا بالإضافة إلى أصل كتابة الحكم ففيه إشكال ، وإن نفى البعد عن الجواز في المتن; نظراً إلى عدم وجوب الكتابة في هذه الصورة أيضاً ، وعلى تقديره فلا دليل على عدم جواز أخذ الاُجرة على الكتابة ، وحرمة أخذ الاجرة على أصل الحكم لا تلازم الحرمة على الكتابة .
وعن المستند للنراقي حرمة أخذ الاجرة والقيمة على القرطاس والمداد; نظراً إلى أنّهما من مقدّمة الواجب ومقدّمة الواجب واجبة والواجب لا يجوز أخذ الاُجرة عليه(2) . ويرد عليه منع الصغرى والكبرى معاً ، فإنّ مقدّمة الواجب لا تكون واجبة بالوجوب الشرعي ، وإن كان غيريّاً كما حقّقناه في الأصول ، ولم يرد دليل على حرمة أخذ الاُجرة على الواجب بنحو الكلّي ، كما حقّقناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة(3) ، وقد أورد عليه السيّد في الملحقات بأنّ الكتابة نظير تكفين الميّت حيث إنّه واجب بشرط وجود الكفن ، ولا يلزم دفع الكفن على من وجب

(1) مسالك الأفهام : 13 / 416 .
(2) مستند الشيعة : 2 / 546 (ط ق)  .
(3) القواعد الفقهيّة : 1 / 509 ـ 533  .

(الصفحة109)

مسألة 5 : لو كان المقرّ واجداً اُلزم بالتأدية ، ولو امتنع أجبره الحاكم ، وإن ماطل وأصرّ على المماطلة جازت عقوبته بالتغليظ بالقول حسب مراتب الأمر بالمعروف ، بل مثل ذلك جائز لسائر النّاس ، ولو ماطل حبسه الحاكم حتّى يؤدّي ما عليه ، وله أن يبيع ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه ، ولو كان المقرّ به عيناً يأخذها الحاكم ، بل وغيره من باب الأمر بالمعروف ، ولو كان ديناً أخذ الحاكم مثله في المثليّات وقيمته في القيميّات بعد مراعاة مستثنيات الدين ، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكر1.


عليه التكفين(1) .
ثمّ اللاّزم في الكتابة ذكر اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يخرج عن الاشتراك والإبهام ، ولو مع قيام البيّنة بذلك في صورة عدم العلم ، ويكفي ذكر المشخّصات النافية للإبهام والتدليس المعبّر عنها في كلام الشرائع وغيرها بالحلية(2); لعدم الدليل على خصوص الاسم والنسب ، كما لايخفى .

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات :
المقام الأوّل : قد عرفت أنّ المقرّ به إن كان عيناً في يد المقرّ ـ أي المدّعى عليه ـ فمع عدم علم الحاكم بكونها للمدّعي لا يترتّب على إقرار المحكوم عليه إلاّ مجرّد جهة سلبيّته ، وإن كانت مدلولا التزاميّاً لاقرار المقرّ ، ولا يترتّب عليه جواز الحكم بكونها للمدّعي; لعدم صلاحيّة مجرّد الإقرار لاثبات ذلك ، وإن كان ديناً لا يكون

(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 50 مسألة 4  .
(2) المبسوط : 8 / 115 ، شرائع الإسلام : 4 / 873  ، مسالك الافهام : 13 / 444 ، مختلف الشيعة : 8 / 442 مسألة 43 .

(الصفحة110)



كذلك ، فإنّ الإقرار باشتغال ذمّته لدين للمقرّ له لا يكون قابلا للتفكيك كما في العين ، بل لازم الإقرار جواز الحكم بالاشتغال ، الذي هو عبارة اُخرى عن ثبوت الدين ، ولأجله يجوز للحاكم الإجبار والحبس وبيع ماله لأجله وغير ذلك .
المقام الثاني : يجوز للمحكوم به إلزام المحكوم عليه بتأدية الدين الذي أقرّ به له ، إذا كان واجداً قادراً على أداء الدين بعد مراعاة مستثنيات الدين ، وإن ماطل وأصرّ على المماطلة جازت عقوبته بالتغليظ بالقول ، بمثل يا ظالم يا فاسق وأمثال ذلك ، الأهون فالأهون حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولأجل انطباق هذا العنوان يجوز لسائر الناس غير الحاكم وغير المحكوم عليه أيضاً ، مضافاً إلى رواية محمد بن جعفر ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ليّ الواجد بالدّين يحلّ عرضه وعقوبته(1) .
والظاهر أنّ مماطلة الواجد تحلّ عرضه وعقوبته للدائن مطلقاً ، سواء كانت هناك مخاصمة منتهية إلى الحكم بنفعه أم لا ، فما عن النراقي في المستند من إجمال الرواية(2) ـ لأنّه لا دلالة لها على من يحلّ عقوبته وعرضه ، والقدر المتيقّن حلّية العقوبة والعرض بالإضافة إلى الحاكم ، وأمّا بالنسبة إلى غيره فلا حتى بالإضافة إلى المحكوم له ـ واضح الضعف وخلاف ظاهر الرواية .
المقام الثالث : في أنّه لو ماطل يجوز للحاكم حبسه حتّى يؤدّي ما عليه . والدليل على جواز الحبس الروايات الكثيرة الدالّة عليه ، مثل :
معتبرة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه : أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في

(1) أمالي الطوسي : 520 ح1146 ، الوسائل : 18 / 333 ، أبواب الدين والقرض ب8 ح4 .
(2) مستند الشيعة : 2 / 547 (ط ق) .

(الصفحة111)



الدين ، فإذا تبيّن له حاجة وإفلاس ، خلّى سبيله حتّى يستفيد مالا(1) .
ومعتبرة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه : أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في الدين ، ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال رفعه إلى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، فإن شئتم أجّروه ، وإن شئتم فاستعملوه(2) . وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
وهل يختصّ الجواز أي جواز الحبس بالحاكم كما هو الظاهر من المتن والمحكيّ عن مستند النراقي(3) ، نظراً إلى أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يعمل ذلك والتوسعة تقتضي الجواز بالإضافة إلى الحاكم  ، ولا دليل على الجواز بالإضافة إلى غيره ، ولو كان هو المحكوم له الدائن ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ الناقل لفعل عليّ (عليه السلام) هو الإمام ، والظاهر أنّ غرضه من الحكاية والنقل بيان الحكم الشرعي لا نقل القصّة فقط . فجواز الحبس يمكن استفادته منه بالإضافة إلى غير الإمام وغير الحاكم ، ولكنّ الأحوط الاقتصار عليه ، خصوصاً مع أنّ التجويز بالنسبة إلى غيره لعلّه يوجب الهرج والمرج كما لايخفى ، ولكن لابدّ من تقييد الجواز بصورة التماس المحكوم له من الحاكم الحبس ، ولا يجوز للحاكم الإقدام عليه مع عدم الالتماس فضلا عن صورة التماس العدم; لأنّ الدين لا يزيد عن السّرقة التي يكون القطع فيها منوطاً بالتماس المسروق منه ، كما لايخفى .
المقام الرابع : أنّه يستفاد من المتن أنّه في صورة المماطلة يكون الحاكم مخيّراً بين

(1) التهذيب : 6 / 196 ح433 وص299 ح834  ، الإستبصار : 3 / 47 ح156 ، الفقيه : 3 / 19 ح43 ، الوسائل : 18/418 ، كتاب الحجر ب7 ح1  .
(2) التهذيب : 6 / 300 ح838  ، الإستبصار : 3 / 47 ح155 ، الوسائل : 18 / 418 ، كتاب الحجر ب7 ح3 .
(3) مستند الشيعة : 2 / 547 (ط ق) .

(الصفحة112)



الحبس حتّى يؤدّى ما عليه ، وبين أن يبيع من ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه ، والسرّ في التخيير أنّه لا دليل على تقدّم أحد الأمرين على الآخر وتأخّره ، ولزوم مراعاة الترتيب بين الأمرين ، ولعلّ الثاني أعني البيع من ماله مع عدم إمكان إلزامه ببيعه يكون أقرب إلى وصول حقّ الدائن إليه ، إذ ترتّب أداء ما عليه على الحبس ربّما لا يتّفق أحياناً ، بخلاف البيع من ماله .
المقام الخامس : أنّه إذا تبيّن في الحبس أنّ له حاجة وإفلاس ، وليس له بالفعل ما يصرفه في أداء دينه ، فمقتضى رواية غياث المتقدّمة أنّه (عليه السلام) كان يخلّي سبيله حتى يستفيد مالا يقدر به على أداء الدين  ، ومقتضى رواية السكوني المتقدّمة أنّه كان يدفعه أي شخصه إلى الغرماء ، ويقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، فإن شئتم أجّروه ، وإن شئتم استعملوه .
وقد ذكر المحقّق في الشرائع : وفي تسليمه إلى غرمائه ليستعملوه أو يؤاجروه ، روايتان أشهرهما الانظار حتّى يُوسر(1) . وذكر صاحب الجواهر : أنّ المراد أشهرهما عملا ، وأصحّهما سنداً ، وأكثرهما عدداً ، وأوفقهما بالأصل والكتاب ، كما أنّه ذكر أنّ الفتوى برواية السكوني قد وقعت من الشيخ (قدس سره) في كتاب النهاية(2) ، وحكى عنه أنّه رجع عن العمل بها إلى ما عليه الأصحاب(3) ، بل ذكر أنّ كتاب النهاية ليس معدّاً للفتوى بل هو متون أخبار ، وبذلك يظهر شذوذ الرواية المزبورة(4) .


(1) شرائع الإسلام : 4 / 873  .
(2) النهاية : 339 و 352 ـ 353  .
(3) أي في الخلاف : 3 / 272 مسألة 15 وص276 مسألة 24 .
(4) جواهر الكلام : 40 / 165 ـ 166 .

(الصفحة113)



أقول : كتاب النهاية معدّ للفتوى غاية الأمر أنّ الفتوى كانت في تلك الأزمنة بذكر الروايات خالية عن الأسانيد ، ولأجله قد عدل عن هذه الطريقة الشيخ في كتاب المبسوط على ما يظهر من مقدّمته(1) ، وإلاّ فكتاب النهاية ليس من الجوامع الروائيّة ككتابي الشيخ من الكتب الأربعة للشيعة .
نعم قد فصّل في المسألة ابن حمزة صاحب كتاب الوسيلة بين ما إذا لم يكن ذا حرفة فيخلّى سبيله ، وبين ما إذا كان ذا حرفة  ، فيدفعه إلى الغريم ليستعمله(2) .
ونفى عنه البعد في محكيّ المختلف معلّلا بأنّه متمكّن من أداء ما وجب عليه ، وهو إيفاء صاحب الدين حقّه ، فيجب عليه .
أمّا الكبرى فظاهرة ، وأمّا الصغرى فلأنّ الفرض أنّه متمكّن من الكسب والتحصيل ، وكما يجب السعي في المؤونة كذا يجب في أداء الدين ، قال : ونمنع إعساره; لأنّه متمكّن ، ولا فرق بين القدرة على المال والقدرة على تحصيله; ولهذا منعنا القادر على التكسّب بالصنعة والحرفة من أخذ الزكاة باعتبار إلحاقه بالغنيّ القادر على المال ، ـ إلى أن قال : ـ والآية ـ يعني آية الإنظار ـ متأوّلة بالعاجز عن التكسّب والتحصيل ، وكذا ما ورد من الأخبار(3) . وأورد عليه في الجواهر : بأنّ ذلك لا يفيد إلاّ وجوب التكسّب عليه ، وهو غير دفعه إليهم ، وجعلهم أولياء إن شاءوا استعملوه ، وإن شاءوا آجروه(4) .
أقول : أصل وجوب التكسّب عليه محلّ كلام ، فإنّ قوله تعالى : {وَإِن كَانَ ذُو

(1) المبسوط : 1 / 2 ـ 3  .
(2) الوسيلة : 212  .
(3) مختلف الشيعة : 8 / 471 مسألة 72  .
(4) جواهر الكلام : 40 / 166  .

(الصفحة114)



عُسْرَة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة}(1) ظاهر في أنّ الوجوب عليه إنّما هو بعد تحقّق اليسار ، كما أنّ وجوب الحجّ مشروط بالاستطاعة ، ولكن لا يلزم تحصيلها بوجه ، وإن علم بأنّ في التجارة الكذائيّة تحصل الاستطاعة . والتنظير بباب الزكاة في غير محلّه ، فإنّ الملاك هناك الفقير والمسكين ، ولا يكاد ينطبق شيء منهما على من له قدرة الفعل والعمل ، وإن لم يكن غنيّاً بالفعل ، والملاك هنا الإعسار والإيسار ، والعسر متحقّق بأن لا يكون له بالفعل مال يقدر به على أداء دينه ، وإن كان قادراً على الفعل والعمل; ولذا ذكر أنّ الآية مقيّدة بالعاجز عن التكسّب والتحصيل ، وهو يدلّ على أنّ القادر عليه أيضاً ينطبق عليه عنوان الإعسار ، لكن يرد عليه : أنّه ما الدليل على هذا التقييد في الآية والاخبار؟
وإذا كان الأمر دائراً بين أن يكون وجوب أداء الدين وجوباً مطلقاً ، يجب تحصيله ولو بمقدّماته ، أو وجوباً مشروطاً باليسار الفعلي والتمكّن منه بالفعل ، فلا يجب تحصيل الشرط كالاستطاعة المذكورة . فإنّه وإن كان يخطر بالبال صحّة التمسّك بالإطلاق في مواضع الجواز ، وهي وجود مقدّمات الحكمة ، كما اختاره المحقّق الخراساني على ما في الكفاية(2) وبعض تلامذته ، إلاّ أنّ الظاهر عدم إفادة هذا النحو من التمسّك للمقام ونحوه ، كالدوران بين العيني والكفائي ، أو بين التعييني والتخييري; لأنّ الإطلاق الذي يثبت في أمثال المقام هو الإطلاق المقسمي المردّد بين المطلق والمشروط ، لا الإطلاق القسمي في مقابل المشروط; لأنّه لا يمكن أن يكون المقسم عين بعض الأقسام من دون زيادة ، كما حقّقناه في محلّه .


(1) سورة البقرة 2 : 280  .
(2) كفاية الاُصول : 288 ـ 289  .

(الصفحة115)

مسألة 6 : لو ادّعى المقرّ الإعسار وأنكره المدّعي ، فإن كان مسبوقاً باليسار فادّعى عروض الإعسار فالقول قول منكر العسر ، وإن كان مسبوقاً بالعسر فالقول قوله ، فإن جُهل الأمران ففي كونه من التداعي أو تقديم قول مدّعي العسر تردّد ، وإن لا يبعد تقديم قوله1.


وبعد عدم فائدة في التمسّك بالإطلاق تصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهو يقتضي عدم الوجوب في الزائد على القدر المتيقّن  ، وهي صورة وجود الشرط كما لايخفى ، والتحقيق الزائد في محلّه .
فانقدح أنّه كما لا يترتّب على وجوب التكسّب جواز دفع شخص المديون إلى غريمه أو الغرماء ، كذلك لا دليل على أصل الوجوب عليه مع كونه ذا عسرة ، بل لابدّ من الإنظار إلى اليسار ، فتدبّر .
المقام السادس : أنّه لا فرق فيما ذكر من أحكام الدين بين أن يكون المديون رجلا أو امرأة ، ومجرّد كونه امرأة لا يقتضي عدم جواز الحبس للحاكم عند المماطلة مع الوجدان ، غاية الأمر أنّه لابدّ من رعاية الأحكام المربوطة بالمرأة ، كسائر الموارد التي يكون الحكم فيها حبس المرأة ، كالمرتدّة وغيرها .

1 ـ لا شبهة في أنّ مقتضى الاستصحاب بقاء ما كان من العسر أو عدمه من اليسار ، فإذا كان مسبوقاً بالعسر المعلوم فالقول قول مدّعي العسر ، وإن كان مسبوقاً باليسار كذلك فالقول قول منكر العسر; للإستصحاب في كلا الفرضين . إلاّ أنّ المستفاد من المتن أنّ الملاك في تشخيص المدّعي والمنكر هو الموافقة للأصل والمخالفة له ، مع أنّه قد تقدّم منه الخلاف في ذلك  ، وأنّ التشخيص في ذلك راجع إلى العرف بعد عدم ثبوت حقيقة شرعيّة فيهما ولا مجاز أصلا ، وكون المحكّم في أمثاله

(الصفحة116)

مسألة 7 : لو ثبت عسره ، فإن لم يكن له صنعة أو قوّة على العمل فلا إشكال في إنظاره إلى يساره ، وإن كان له نحو ذلك ، فهل يسلّمه الحاكم إلى غريمه ، ليستعمله أو يؤاجره ، أو أنظره وألزمه بالكسب لتأدية ما عليه  ، ويجب عليه الكسب لذلك ، أو أنظره ولم يلزمه بالكسب ، ولم يجب عليه الكسب لذلك ، بل لو حصل له مال يجب أداء ما عليه وجوه ، لعلّ الأوجه أوسطها . نعم لو توقّف إلزامه بالكسب على تسليمه إلى غريمه يسلّمه إليه ليستعمله1.


من الموارد هو العرف .
مع أنّه ليس في كلامه إشعار بأنّ تقديم قول الموافق للأصل إنّما هو لأجل كونه منكراً ، أو المنكر إنّما يقدّم قوله أوّلا مع عدم ثبوت البيّنة للمدّعي ، وثانياً يحتاج إلى الحلف على ما أنكر ، كما يشهد به قوله (صلى الله عليه وآله) : البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر(1) ، فلِمَ لا يكون كلامه ناظراً إلى إمكان وجود البيّنة للمدّعي ، وإلى أنّ تقديم قول المنكر إنّما يكون مع حلفه؟
ثمّ إنّ نفي البعد عن تقديم قول مدّعي العسر فيما لو جُهل الأمران : الإعسار والإيسار ـ ولأجله لا يجري الأصل في بادئ النّظر ـ لعلّه لأجل أنّ الإعسار والإيسار وإن كانا أمرين وجوديّين ، إلاّ أنّ الإعسار يرجع في الحقيقة إلى أمر عدميّ ، وهو عدم كونه واجداً . وفي دوران الأمر بين الوجوديّ الحادث والعدميّ الموافق للأصل ، يكون التقديم مع قول مدّعي الثاني; لأجل كونه منكراً كما لايخفى .

1 ـ تقدّم البحث في هذه المسألة في المقام الخامس من شرح المسألة الخامسة فراجع .


(1) تفسير القمّي : 2 / 156 ، الوسائل : 27 / 293 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3 .

(الصفحة117)

مسألة 8 : إذا شكّ في إعساره وإيساره ، وطلب المدّعي حبسه إلى أن يتبيّن الحال حبسه الحاكم ، وإذا تبيّن إعساره خلّى سبيله وعمل معه كما تقدّم ، ولا فرق في ذلك وغيره بين الرجل والمرأة ، فالمرأة المماطلة يعمل معها نحو الرجل المماطل ، ويحبسها الحاكم كما يحبس الرجل إلى تبيّن الحال1.


1 ـ في صورة الشكّ في الإعسار وعدمه ، وطلب المدّعي من الحاكم الحبس إلى أن يتبيّن الحال ، فجواز حبس الحاكم كذلك . إمّا أن يكون مستنده رواية غياث بن إبراهيم المتقدّمة الدالّة على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في الدين ، وإذا تبيّن له حاجة وإفلاس خلّى سبيله ، حيث إنّها دالّة على جواز الحبس في صورة عدم التبيّن حتّى يتبيّن له الحاجة والإفلاس أو عدمه .
وإمّا أن يكون مستنده القاعدة المأخوذة من ظاهر الكتاب من قوله تعالى : {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة}(1) ، نظراً إلى أنّ الشرط في وجوب الإنظار إلى الإيسار كونه ذا عسرة ، وهذا العنوان يحتاج إلى الإحراز ، فعند الشكّ لا يجوز للحاكم الإنظار . وإن قلنا : بأنّ وجوب أداء الدين مشروط باليسار والواجديّة ، كاشتراط وجوب الحجّ بالاستطاعة ، لكن تحصيل هذا الشرط وإن كان غير واجب على ما عرفت منّا ، إلاّ أنّ لزوم التحقيق عن حاله من حيث التحقّق وعدمه على حاله ، كما في الاستطاعة ، فإنّه وإن كان لا يلزم تحصيلها مع إمكانه ، إلاّ أنّ التحقيق عن وجودها وعدمها لازم ، كالتحقيق عن أنّ مؤنة الربح في السنة هل تكون أقلّ من الربح حيث يجب الخمس ، أو لا تكون أقلّ حتى لا يجب؟ حيث إنّ التحقيق لازم كما لايخفى .


(1) سورة البقرة 2 : 280  .

(الصفحة118)

مسألة 9 : لو كان المديون مريضاً يضرّه الحبس ، أو كان أجيراً للغير قبل حكم الحبس عليه ، فالظاهر عدم جواز حبسه1.


ثمّ إنّه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، كما مرّ في شرح المسألة الخامسة; لعدم الدليل على الفرق أصلا .

1 ـ الدليل على عدم جواز الحبس فيما إذا كان المديون مريضاً يضرّه الحبس ، يمكن أن يكون هو ما يدلّ على فعل عليّ (عليه السلام) ، وأنّه كان يحبس في الدين نظراً إلى أنّ الفعل لا إطلاق فيه ، وأنّ القدر المتيقّن غير صورة المرض ، ولكنّك عرفت أنّ الحاكي لفعل المعصوم (عليه السلام) إن كان معصوماً آخر ، وكان الغرض من الحكاية بيان الحكم الشرعي بهذه الكيفيّة ، يمكن التمسّك بإطلاق كلامه (عليه السلام) ، ويمكن أن يكون قاعدة نفي الضرر والضرار ، ولكنّه مبنيّ أيضاً على أن يكون مفادها بيان الحكم بالعنوان الثانوي ، كما عليه الشيخ الأنصاري وتلميذه المحقّق الخراساني (قدس سرهما)(1) .
وأمّا على مبنى الماتن (قدس سره) من كونها صادرةً من مقام الحكومة الثابتة للنبيّ (صلى الله عليه وآله)فلا ارتباط لها بالمسائل الفقهيّة أصلا . وقيام الدليل في موارد الوضوء والغسل الضرريّين لا دلالة له على ثبوت قاعدة كليّة مربوطة بالضرر والاضرار ، خصوصاً مع ثبوت البدل الاضطراري لهما ، ومع كون أصل الحكم في المقام ـ وهو جواز الحبس أو وجوبه ـ ضرريّاً ، ولا وجه لإلغاء الخصوصيّة ، كما لايخفى .
فالإنصاف أنّه لا دليل على عدم الجواز هنا ، إلاّ إذا كان الحكم حرجيّاً مشمولا لقاعدة نفي الحرج المدلول عليها بالكتاب والسّنة .
وأمّا عدم الجواز فيما لو كان أجيراً للغير قبل حكم الحبس عليه ، فالدليل عليه

(1) فرائد الاُصول : 2 / 536 ، كفاية الاُصول : 433  .

(الصفحة119)

مسألة 10 : ما قلنا من إلزام المعسر بالكسب مع قدرته عليه إنّما هو فيما إذا لم يكن الكسب بنفسه حرجاً عليه أو منافياً لشأنه ، أو الكسب الذي أمكنه لا يليق بشأنه بحيث كان تحمّله حرجاً عليه1.



مسألة 11 : لا يجب على المرأة التزويج لأخذ المهر وأداء دينها ، ولا على الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها لأداء الدين ، ولو وهبه ولم يكن في قبولها مهانة وحرج عليه يجب القبول لأداء دينه2  .
مجرّد تقدّم وجوب الوفاء بالعقد عليه ، وتأخّر حكم الحبس عنه .

1 ـ قد عرفت أنّه لا دليل على إلزام المعسر بالكسب ، وأمّا على تقديره ، فالذي ينفي الوجوب بالإضافة إلى أصل الالزام وكذا التكسّب هي قاعدة نفي الحرج ، وأمّا مجرّد المنافاة للشأن من دون أن يكون هناك حرج وعسر شديد فلا دليل على المانعيّة من الوجوب .

2 ـ أمّا عدم الوجوب في الفرضين الأوّلين فلخروجهما عن التكسّب المتعارف ، خصوصاً الفرض الثاني . وأمّا وجوب قبول الهديّة ـ بناءً على وجوب التكسّب ـ فلأنّه مع عدم ثبوت المهانة والحرج في القبول يكون مقدّمة عرفاً لأداء الدين; ولذا قلنا بالاحتياط الوجوبي في خمس الهبة ، والمقام أولى .


(الصفحة120)

<<التالي الفهرس السابق>>