في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة201)

مسألة 4: إذا كان المال المدّعى به مشتركاً بين جماعة بسبب واحد كالإرث ونحوه ، فأقام بعضهم شاهداً على الدعوى وحلف ، لا يثبت به إلاّ حصّته . وثبوت سائر الحصص موقوف على حلف صاحب الحقّ ، فكلّ من حلف ثبت حقّه مع الشاهد الواحد1.


ناقصةويتمّمها اليمين بالنّص، بخلاف مالو قدّم اليمين ، فإنّه ابتدأ بما ليس له وظيفة(1).
وعن كشف اللثام أنّه استدل له بأنّ جانبه حينئذ يقوّى ، وإنّما يحلف من يقوّى جانبه ، كما أنّه يحلف إذا نكل المدّعى عليه; لأنّ النكول قوّى جانبه(2) ، وربّما احتمل ضعيفاً أن يكون الشاهد بشرط اليمين كيمين الاستظهار مع بيّنة المدّعي في الدعوى على الميّت .
وضعف الكلّ ظاهر ، والإنصاف كما في الجواهر(3) أنّه لا دليل واضح على المسألة ، فمقتضى الاحتياط الاستحبابي خروجاً عن مخالفة المشهور(4) هو الاعتبار المذكور كما أفاده الماتن (قدس سره) ، بل بملاحظة الأصل المذكور بعد عدم ثبوت الإطلاق الاحتياط الوجوبي في اعتبار التقديم ، وقد عرفت في عبارة المحقّق التصريح بأنّه لو بدأ باليمين وقعت لاغية وافتقر إلى الإعادة بعد الإقامة أي إقامة الشاهد الواحد ، فراجع .

1 ـ لأنّ ظاهر الأدلّة افتقار ثبوت حقّ كلّ مدّع إلى ضمّ اليمين بعد إقامة

(1) مسالك الأفهام: 13 / 509 ـ 510 .
(2) كشف اللّثام: 2 / 344 (ط ق) .
(3) جواهر الكلام: 40 / 270  .
(4) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 92 مسألة 4، المختصر النافع: 283، السرائر: 2 / 141، تحرير الأحكام: 2/193، قواعد الأحكام: 2 / 213، الدروس الشرعيّة: 2 / 98، اللمعة الدمشقيّة: 52، الروضة البهيّة: 3 / 102.

(الصفحة202)



الشاهد ، ولا يثبت حق مدّع بدون الحلف ، كما أنّه لا يتوقّف ثبوت حقّ البعض على حلف الجميع ، كما ادّعى نفي وجدان الخلاف فيه في الطرفين .
ثمّ إنّه لو تصرّف المدّعي الحالف في خصوص حقّه المحكوم له بنحو الإشاعة من دون أن يكون هناك في الخارج شيء ولا قبض وإقباض ، كما لو نقل النصف المشاع المحكوم له إلى الغير بالعوض أو مجّاناً ، فلا إشكال في عدم الشركة بلحاظ الشريك الأوّل المدّعي غير الحالف .
وأمّا إذا فرض القبض من المدّعى عليه ، فإن كانت الدعوى عيناً شاركه فيها غيره; لإقراره بالشركة بسبب واحد كالإرث ، فلا يجوز التصرّف فيه إلاّ برضا الكلّ ، ولا يلزم شيء من الأمرين المتقدّمين توقّف ثبوت الحقّ على حلف الغير ، أو ثبوت حقّه بدون حلفه  ، وإن كان يظهر من إطلاق مثل عبارة المحقّق في الشرائع عدم ثبوت الشركة هنا أيضاً، حيث قال: ولو حلف بعض أخذ ولم يكن للممتنع معه شركة(1) ، إلاّ أنّ الظاهر لزوم الحمل على غير العين .
وأمّا إذا كانت الدعوى ديناً ففيه احتمالان:
أحدهما: ما هو الحقّ وقد اختاره السيد في الملحقات(2) ، وهو عدم الشركة فيما قبضه من دون فرق بين صورة إجازة الشريك وعدمه; لأنّ الدافع دفعه إليه بعنوان حصّته ، والقابض إنّما قبضه كذلك ، والمناط في تعيين الدين قصد الدافع ، وربّما لا يجب عليه دفع حصّة الغير ، أو لا يريد دفعها ، أو يريد الدفع بعداً ، كما في سائر موارد الاشتراك المحرز في الدين مثليّاً كان أو قيمياً .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 882  .
(2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 94  .

(الصفحة203)

مسألة 5: ثبوت الحقّ بشاهد ويمين إنّما هو فيما لا يمكن إثباته بالبيّنة ، ومع إمكانه بها لا يثبت بهما على الأحوط1.


ودعوى عدم جواز أخذ الدين المشترك إلاّ بإذن الجميع مدفوعة بالمنع بعد انحلال الدعوى إلى دعاوى ، وانحلال الدين إلى ديون متعدّدة ، بل عدم ثبوت الارتباط بين أجزاء الدين الواحد ، كما إذا أراد تأدية البعض دون الجميع.
ثانيهما: ما في الجواهر من الاشتراك إذا أجاز الشريك القبض، وإذا لم يجز يبقى على ملك الدافع(1) ، إذ ليس له تعيين حصّة الشركاء من الحقّ المشترك ، بل الأمر بيدهم ، وهو مستلزم للضرر على الحالف وغيره من أصحاب الحقّ في كثير من المقامات; لعدم إمكان أخذ حقّه بدون إذن الشريك .
هذه هي ما تقتضيه القاعدة في باب الشركة ، وإلاّ فهناك روايات لابدّ من ملاحظتها ، والتحقيق في كتاب الشركة إن شاء الله تعالى .

1 ـ لأنّ القدر المتيقّن من أدلّة الاكتفاء بالشاهد واليمين ـ بعد عدم ثبوت الاطلاق لها ـ صورة عدم إمكان إقامة البيّنة ولو لعسرها ، ويؤيّده مرسلة يونس عمّن رواه قال: استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فان لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه ، فان لم يحلف وردّ اليمين على المدّعي ، فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقّه ، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له(2) .


(1) جواهر الكلام: 25 / 58 و ج40 / 286  .
(2) الكافي: 7 / 416 ح3 ، التهذيب: 6 / 231 ح562 ، الوسائل: 27/ 241 ، أبواب كيفيّة الحكم ب7 ح4 وص271 ب15 ح1 .

(الصفحة204)

مسألة 6: إذا شهد الشاهد وحلف المدّعي وحكم الحاكم بهما ، ثمّ رجع الشاهد ضمن نصف المال1.


فالأحوط اللزومي لو لم يكن الأقوى هو ما في المتن .

1 ـ لأنّ الظاهر أنّ مستند القاضي في الحكم بنفع المدّعي كان مركّباً من أمرين: هما الشاهد واليمين ، فاذا رجع الشاهد عن شهادته يكون ذلك كرجوع أحد الشاهدين فيما إذا أقام البيّنة ، فكما أنّه هناك يكون ضامناً لنصف المال يكون في المقام أيضاً كذلك .
ودعوى أنّ اليمين بمنزلة الشرط والشاهد بمنزلة المشروط ، أو أنّ اليمين حيث تكون جزءً أخيراً من العلّة يكون هو المؤثّر التامّ ، فلا وجه لضمان الشاهد ، مدفوعة بظهور الأدلّة في أنّ المستند مركّب من الشاهد واليمين ، مع أنّ استلزام الأمرين لغير ضمان النصف ممنوع .


(الصفحة205)





القول في السكوت

أو الجواب بقوله «لا أدري» أو «ليس لي» أو غير ذلك .
مسألة 1: إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر كصمم أو خرس أو عدم فهم اللّغة أو لدهشة ووحشة ، أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل سكت تعنّتاً ولجاجاً أمره الحاكمُ بالجواب باللطف والرفق ، ثمّ بالغلظة والشدّة ، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له: أجب وإلاّ جعلتك ناكلا ، والأولى التكرار ثلاثاً ، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه1.


1 ـ إذا سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة وأمثاله ، أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل لجاجاً وتعنّتاً ، ففيه أقوال مختلفة:
أحدها: ما هو المحكيّ عن المفيد(1) والشيخ في كتابي النهاية(2)

(1) المقنعة: 725 .
(2) النهاية: 342  .

(الصفحة206)



والخلاف(1) وابن حمزة(2) ، بل هو المنسوب إلى كافّة المتأخّرين(3) من أنّه يحبس حتى يجيب .
ثانيها: أنّه يجبر على الجواب بالضرب والإهانة ، ولم يعرف قائله .
ثالثها: ما عن المبسوط(4) والسرائر(5) وبعض المتأخّرين(6) ، وتبعهم الماتن (قدس سره)احتياطاً من أنّ الحاكم يقول له ثلاثاً: إن أجبت وإلاّ جعلتك ناكلا ، ورددت اليمين على المدّعي ، فإن أصرّ ردّ اليمين على المدّعي ، وعن المبسوط: أنّه الذي يقتضيه مذهبنا وعن السرائر: أنّه الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا ، وعن القاضي: أنّه ظاهر مذهبنا(7) .
رابعها: ما عن بعضهم من التخيير بين الحبس والردّ(8) .
واستدلّ للقول الأوّل بأنّه مرويّ ، لكن عن جماعة عدم العثور على هذه الرّواية(9) ، واحتمل أن يكون المراد منها ما تقدّم من رواية «ليّ الواجد بالدّين

(1) الخلاف: 6 / 238 مسألة 37  .
(2) الوسيلة: 217  .
(3) مسالك الأفهام: 13 / 466 ، مختلف الشيعة: 8 / 380 ، إيضاح الفوائد: 4 / 332 ـ 333 ، اللمعة الدمشقية: 51 ، كفاية الأحكام: 269 .
(4) المبسوط: 8 / 160  .
(5) السرائر: 2 / 163  .
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 170 ـ 171 ، وليراجع قواعد الأحكام: 2 / 215 .
(7) المبسوط والسرائر تقدّما آنفاً ، المهذّب: 2 / 586  .
(8) لم أجده ، نعم نقله بعينه السيّد الخوانساري في جامع المدارك: 6 / 38 .
(9) كالشيخ في الخلاف والشهيد الثاني في المسالك والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان والسبزواري في كفاية الأحكام .

(الصفحة207)



يحلّ عرضه وعقوبته»(1)، مع أنّ الظاهر أنّ المراد بالواجد هو المديون المسلّم الواجد لأداء المتمكن منه لاالمتمكّن من الجواب، مع أنّ إطلاق العقوبة لا ينحصر بالحبس.
ومنه يظهر أنّ سائر ما تقدّم من الروايات الدالّة على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في الدين إنّما يكون مورده المديون الذي أحرز كونه مديوناً ، لا من ادّعي عليه الدين والمديون المشكوك .
وربّما يستدلّ على هذا القول بأنّ الجواب واجب على المدّعى عليه ، والضرب والإهانة خلاف الأصل ، ولا دليل على إجراء حكم النكول هنا فيتعيّن الحبس ، وفيه ما لايخفى ، مع أنّ الحبس ربّما يوجب الضرر على المدّعي كما هو الظاهر .
واستدلّ للقول الثاني بأدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب مراتبهما ، حتى تنتهي إلى الضرب والإيذاء .
وفيه: أنّ الدليل لا يقتضي تعيّن الضرب والإهانة ، ويمكن أن يكون الحبس في بعض الموارد مؤثِّراً ولعلّه أهون .
وأمّا القول الثالث الذي قوّاه المرحوم السيّد في الملحقات(2) ، فقد استدلّ له بأنّ الإصرار على عدم الجواب نكول أو أولى منه; لأنّه امتناع عن أصل الجواب فضلا عن اليمين بعده .
وأورد عليه بعدم ورود لفظ النكول في شيء من الأخبار حتى يدور الحكم مداره ، أو ما هو أولى منه  .
والتحقيق أن يقال:


(1) أمالي الطوسي: 520 ح1146 ، الوسائل: 18 / 333 ، أبواب الدين والقرض ب8 ح4 .
(2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 102 ـ 103 .

(الصفحة208)



أوّلا: أنّه لم يرد في شيء من الأخبار الصحيحة المتقدّم بعضها الواردة في مورد البينة واليمين ، إلاّ أنّ البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه ، لا أنّ اليمين على من أنكر حتى يقال: بعدم دلالته على ثبوت اليمين في المقام; لأنّه لا يصدق عليه عنوان المنكر بعد إصراره على عدم الجواب رأساً ، ومن المحتمل أن لا يكون على فرض الجواب منكراً بل مقرّاً ، أو قائلا بمثل لا أدري .
ومن الواضح أنّ عنوان المدّعى عليه يصدق على الساكت المصرّ ، وإن كان مصرّاً على السكوت وعدم الجواب .
وثانياً: أنّ رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله المفصّلة المتقدّمة ، التي رواها المشايخ الثلاثة ، ربّما يستفاد منها صدراً وذيلا ثبوت الحقّ بمجرّد عدم حلف المدّعى عليه ، وعدم الحاجة إلى ردّ الحاكم أيضاً .
أمّا الصدر فقوله (عليه السلام) بناءً على نقل غير الصدوق: «وإن لم يحلف فعليه» يعني أنّه إن لم يتحقّق الحلف من المدّعى عليه فالحق يثبت عليه ، وهو ظاهر في عدم الرد على المدّعي لا من المدعى عليه ولا من الحاكم مطلقاً .
أمّا الذيل فقوله (عليه السلام): «ولو كان حيّاً لألزم باليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين عليه»(1)فإنّ ظاهره أنّ المدّعى عليه يكون الثابت عليه أحد اُمور ثلاثة: من اليمين ، أو الحقّ ، أو ردّ اليمين على المدّعي ، فإذا لم يتحقّق الأوّل والثالث يتعيّن الثاني ، وظاهره عدم الحاجة إلى ردّ الحاكم أيضاً  .
ودعوى ابتناء ذلك على كون قوله: «يردّ» بصيغة المبني للفاعل ، مع أنّه يحتمل

(1) وسائل الشيعة: 27 / 236، أبواب كيفيّة الحكم ب4 ح1.

(الصفحة209)

أن يكون بصيغة المبني للمعفول ، فيدل على ردّ الحاكم ، مدفوعة بكونها خلاف مسألة 2: لو سكت لعذر من صمم أو خرس أو جهل باللسان توصل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة أو المترجم ، ولابدّ من كونه اثنين عدلين ، ولا يكفي العدل الواحد1.


الظاهر أوّلا ، مع أنّه على هذا التقدير لابدّ وأن يكون بصورة التأنيث، كما في صحيحة هشام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «تردّ اليمين على المدّعي»(1) .
وقد انقدح ممّا ذكرنا تعيّن هذا القول ، وأنّ الاحتياط المذكور في المتن هو الاحتياط الاستحبابي ، وإن كان ظاهر العبارة خلافه ، كما أنّه ظهر بطلان سائر الأقوال حتى القول الرّابع الذي لا دليل عليه بالخصوص .

1 ـ قال المحقّق في الشرائع: ولو استغلقت إشارته بحيث يحتاج إلى المترجم لم يكفِ الواحد ، وافتقر في الشهادة بإشارته إلى مترجمين عدلين(2) . ومن كلامه ظهر وجه الاحتياج إلى العادلين ، وأنّه من باب الشهادة التي يعتبر فيها التعدّد والعدالة ، ولكن ذكر في الجواهر: أنّه قد يحتمل في أصل الترجمة للفظ أنّها من قرائن الظنّ بالمراد به ، فلا تعتبر العدالة حينئذ فضلا عن التعدّد ، قال: فتأمّل والأمر سهل(3) .
وأنت خبير بأنّ أصالة الظهور التي يبتنى عليها كشف المراد تكون حجّة مطلقاً ولو لم يفد الظنّ الشخصي ، بل إذا كان الظنّ كذلك على خلافه ، بل حجيتها مطلقة ، غاية الأمر أنّه لابدّ من تشخيص الظهور ولو بمعونة القرينة ، فقوله: رأيت أسداً يرمي ظاهر في الرجل الشجاع ولو بسبب قرينة يرمي ، لكن المقام يرتبط

(1) الكافي: 7 / 417 ح5 ، التهذيب: 6 / 230 ح560 ، الوسائل: 27/ 241 ، أبواب كيفيّة الحكم ب7 ح3 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 875  .
(3) جواهر الكلام: 40 / 211  .

(الصفحة210)

مسألة 3: إذا ادّعى العذر واستمهل في التأخير ، أمهله الحاكم بما يراه مصلحة1.

مسألة 4: لو أجاب المدّعى عليه بقوله: «لا أدري» فإن صدّقه المدّعي فهل تسقط دعواه مع عدم البيّنة عليها ، أو يكلّف المدّعى عليه بردّ الحلف على المدّعي ، أو يردّ الحاكم الحلف على المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه ، وإن نكل سقط ، أو توقّفت الدعوى والمدّعي على ادّعائه إلى أن يقيم البيّنة ، أو أنكر دعوى (الدعوى ظ) المدّعى عليه؟ وجوه; أوجهها الأخير ، وإن لم يصدّقه المدّعي في الفرض ، وادّعى أنّه عالم بأنّي ذو حقّ فله عليه الحلف ، فإن حلف سقطت دعواه بأنّه عالم، وإن ردّ على المدّعي فحلف ثبت حقّه1.


بالشهادة ، ولا يرتبط بكبرى أصالة الظهور ولا بصغرها .
هذا، مع أنّه قد حقّق في محلّه عدم الاكتفاء بخبر العادل الواحد في الموضوعات الخارجية ، وإلاّ يصير اعتبار البيّنة لغواً كما قد قرّر في محلّه ، ولعلّه لذا أمر بالتأمّل في ذيل كلامه ، فتدبّر جيّداً .

1 ـ إذا استمهل المدّعى عليه المدّعي للعذر ، جاز أن يمهله الحاكم بما يراه مصلحة; لعدم الدليل على لزوم فورية الجواب بعد دعوى المدّعي ، فيمكن عروض النسيان للمدّعى عليه أو بعض الجهات الاُخر ، فيتمنّي الزوال أو التحقيق من سائر الجهات . فاللازم في مثل ذلك جواز الإمهال بما يراه مصلحة موجبة لعدم التضرّر بالمدّعي على تقدير كونه صاحب الحقّ ، وعدم فرار المدّعى عليه ، وأمثال ذلك من الأمور .
2 ـ لو أجاب المدّعى عليه بقوله: «لا أدري» أو مثله ففيه صورتان:


(الصفحة211)




الصورة الاُولى: ما إذا صدّقه المدّعي في ادعائه عدم العلم ، وقد احتمل فيه وجوهاً أربعة:
أحدها: سقوط دعوى المدّعي مع عدم إقامة البيّنة على دعواه ، ولازمه توقّف الإثبات على إقامة البيّنة فقط .
ثانيها: تكليف الحاكم المدّعى عليه بردّ الحلف على المدّعي .
ثالثها: ردّ الحاكم بنفسه الحلف على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّهوإن نكل سقط.
رابعها: توقّف الدعوى وكون المدّعي على ادّعائه إلى أن يقيم البيّنة ، أو يصير المدّعى عليه منكراً ، فيجري عليه حكم سائر الموارد  .
وقد اختار السيّد في الملحقات أنّه لا حقّ للمدّعي في هذه الصّورة; لأنّ المفروض تصديقه في عدم علمه ، ومعه ليس مكلّفاً بالأداء في مرحلة الظاهر لأنّ الأصل براءة ذمّته ، والمدّعي أيضاً معترف بذلك ، فلا يجوز له مطالبته . ثمّ دفع دعوى أنّه يصدق عليه المدّعي ، وكلّ دعوى مسموعة يكون الفصل فيها بالبيّنة أو اليمين ، وكونه مصدّقاً له في براءته بحسب التكليف الظاهري لا ينافي صدق المنازعة ، ومعه لابدّ من فاصل ، بمنع كون دعواه مسموعةً مع فرض عدم البيّنة ، وعدم إمكان الحلف على الواقع لعدم العلم به، ولا على الظاهر لتصديقه له من هذه الجهة ، وكذا دفع ما يمكن أن يقال: من أنّ مقتضى قوله (عليه السلام) في ذيل رواية عبد الرحمن المتقدّمة في بحث الدعوى على الميّت: «ولو كان حيّاً لاُلزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين» بأنّه مختصّ بصورة سماع الدعوى وصحّتها ، وبأنّ الظاهر اختصاصه بالحيّ العالم(1) .

(1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 104  .

(الصفحة212)



وأنت خبير بأنّه إن كان المراد أنّ من شرائط سماع الدعوى ـ التي تقدّم البحث فيها سابقاً(1) ـ أن لا يجب المدّعى عليه بقوله: «لا أدري» في صورة عدم إقامة المدّعي البيّنة ، فمضافاً إلى أنّه لم يتقدّم شرطية هذا الأمر في ضمن الشرائط المتعدّدة المتكثّرة; أنّه لا مجال لأن يقال: بأنّه في صورة إقامة المدّعي البيّنة تكون دعواه واجدة لشرائط السماع ، وفي صورة العدم لا تكون كذلك، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ البيّنة والحلف متفرّعان على سماع الدعوى ومتأخّران عنه، كما لا يخفى .
وبعد ملاحظة أنّه لا يمكن أن يقال: بوصول الحاكم إلى صورة لا تكون قابلة للفصل ، مع أنّه المعدّ لفصل الخصومة ورفع التنازع بين الناس ، ودعوى اختصاص ذيل الرواية بصورة الحيّ العالم ممنوعة جدّاً ، لاطلاقه في مقابل ما إذا كانت الدعوى على الميت . وقد عرفت أنّ قوله: «يردّ اليمين» بصيغة المبني للفاعل ، وكان مرجع الضمير المدّعى عليه الحيّ ، وإلاّ لكان اللازم أن يقول: وتردّ اليمين بصيغة المبني للمفعول ، وعلى التقدير الثاني أيضاً دليل على لزوم ردّ اليمين إلى المدّعي ، وإن كان لا دلالة له على لزوم ردّ المدّعى عليه ، فتدبّر جيّداً  .
ثمّ إنّه قداستدل السيّد (قدس سره) لعدم اعتبار دعوى المدّعي مع عدم إقامة البيّنة بالأخبار المتعدّدة الواردة في صورة تزويج الرجل المرأة ، ثمّ ادعاء رجل آخر أنّها تكون زوجة له من دون أن يكون له بيّنة على ذلك، من أنّه لا يعبأ بقوله في هذه الصّورة(2) .
وأنا أقول: هذه الأخبار وإن كانت متعدّدة وفيها الموثقة والحسنة ، لكن موردها

(1) تقدّم في «القول في شروط سماع الدعوى»  .
(2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 105  .

(الصفحة213)

صورة عدم الترافع والتخاصم المنجرّ إلى الرجوع إلى القاضي لفصل مسألة 5: حلف المدّعى عليه بأنه لا يدري يسقط دعوى الدّراية ، فلا تسمع دعوى المدّعي ولا البيّنة منه عليها ، وأمّا حقّه الواقعي فلا يسقط به ، ولو أراد إقامة البيّنة عليه تقبل منه ، بل له المقاصة بمقدار حقّه ، نعم لو كانت الدعوى متعلّقة بعين في يده منتقلة إليه من ذي يد ، وقلنا: يجوز له الحلف استناداً إلى اليد على الواقع ، فحلف عليه سقطت الدعوى وذهب الحلف بحقّه ، ولا تسمع بيّنة منه ، ولا يجوز له المقاصّة1.


الخصومة بخلاف المقام ، ويؤيّده التفصيل في بعضها بين ما إذا كان المخبر بذلك ثقة أم لا ، مع أنّه لا يعتد بقول الثقة الواحد بل العدل الواحد في مقام القضاء أصلا ، فاستفادة حكم المقام من تلك الأخبار غير تامة جدّاً، فافهم وتأمّل .
الصورة الثانية: ما إذا لم يصدّقه المدّعي في قوله: «لا أدري» ومثله ، بل ادّعى بأنّه عالم بأنّه ذو حقّ وقوله مخالف للواقع ، وفي هذه الصّورة له عليه الحلف على عدم الدّراية ، فإن حلف سقطت دعوى المدّعي بأنّه عالم ، ولكن تبقى الدعوى على أصل الحقّ بحالها ، كما سيصرّح به في المسألة الآتية .
وبعبارة أخرى يثبت بحلف المدّعى عليه عدم الدراية ، ومرجعه إلى عدم اشتغال ذمّته بالحقّ ظاهراً ، وأمّا عدم اشتغالها به واقعاً فلا مجال لثبوتها بهذا الحلف ، بل يكون على فرضه على حاله ، فيجوز له إقامة البيّنة عليه بعد ذلك ، كما أنّه تجوز المقاصة من ماله على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وإن ردّ الحلف على المدّعي فحلف على أنّه عالم بكونه ذا حقّ يثبت بذلك أصل الحقّ الواقعي; لأنّ ثبوت العلم بالحقّ لا يجتمع إلاّ مع ثبوت الحقّ ، وإلاّ فيلزم أن يكون العلم جهلا مركّباً ، والمفروض أنّه قد حلف على ثبوت علمه بالحقّ، كما لا يخفى .
1 ـ قد عرفت في ذيل المسألة السّابقة أنّ حلف المدّعى عليه على قوله: «لا

(الصفحة214)



أدري» مع تكذيب المدّعي إيّاه في ذلك إنّما يوجب سقوط دعوى الدراية من المدّعي ، فلا تسمع دعواه إيّاها بعد ذلك في هذه الواقعة ، ولا البيّنة على هذه الدعوى ، وأمّا حقّه الواقعي الثابت على عهدته واقعاً على تقديره فلا يسقط بهذا الحلف ، بل يجوز له إقامة البيّنة على ذلك بعداً ، كما أنّه تجوز له المقاصّة بمقدار دينه وحقّه .
نعم لو كانت الدعوى متعلّقة بعين في يد المدّعى عليه ، فتارة تكون منتقلةً إليه من ذي يد آخر بالشراء أو الإرث أو الاتّهاب أو نحوها ، واُخرى لا يعلم الانتقال إليه كذلك ، بل تكون في يده من غير العلم بكونه ملكاً له أو لغيره .
وفي الفرض الأوّل: تارة يقال بجواز حلف ذي اليد على ما في يده استناداً إلى اليد على الواقع ، كما يدلّ عليه صريحاً بعض ما ورد في مسألة اليد من خبر حفص ابن غياث، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يد رجل هل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم ، قال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): أفيحلّ الشراء منه؟ قال: نعم ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فلعلّه لغيره ، فمن أين جاز ذلك أن تشتريه ويصير ملكاً لك؟ ثمّ تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثمّ قال أبو عبدالله (عليه السلام): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق(1) .
فيجوز في المقام أن يحلف المدّعى عليه على الملكية الواقعية استناداً إلى اليد ، ويوجب سقوط دعوى المدّعي بالمرّة وذهاب الحلف بحقّه على تقديره ،


(1) الكافي: 7 / 387 ح1 ، الفقيه: 3 / 31 ح92 ، التهذيب: 6 / 261 ح695 ، الوسائل: 27/ 292 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح2 .

(الصفحة215)

مسألة 6: لو أجاب المدّعى عليه بقوله: «ليس لي وهو لغيرك» فإن أقرّ لحاضر وصدّقه الحاضر كان هو المدّعى عليه ، فحينئذ له إقامة الدعوى على المقرّ له ، فإن تمّت وصار ماله إليه فهو ، وإلاّ له الدّعوى على المقرّ بأنّه صار سبباً للغرامة ، وله البدأة بالدعوى على المقرّ ، فإن ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وله حينئذ الدعوى على المقرّ له لأخذ عين ماله ، فإن ثبت دعواه عليه ردّ غرامة المقرّ ، وإن أقرّ لغائب يلحقه حكم الدعوى على الغائب .
وإن قال: «إنّه مجهول المالك وأمره إلى الحاكم» فإن قلنا: إنّ دعوى مدّعي الملكية تقبل إذ لا معارض له يردّ إليه ، وإلاّ فعليه البيّنة ، ومع عدمها لا يبعد إرجاع الحاكم الحلف عليه . وإن قال: «إنّه ليس لك بل وقف» فإن ادّعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه ، وتتوجّه إليه لكونه مدّعى التولية ، فإن توجّه الحلف اليه وقلنا بجواز حلف المتولّي فحلف سقطت الدّعوى ، وإن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم ، وكذا لو قال المدّعى عليه: «إنّه لصبي أو


فلا تسمع بيّنة منه بعد ذلك ، ولا يجوز له المقاصّة ، وإن كان معتقداً بثبوت الحقّ .
واُخرى يقال بعدم جواز الحلف على ما في يده ، فيرجع إلى مسألة الدين . وسيأتي التحقيق إن شاء الله تعالى .
وفي الفرض الثاني: ربّما يقال كما عن مستند النراقي (قدس سره)(1): بأنّه يقرع بينه وبين
المدّعي; لأنّه يشترط في دلالة اليد على الملكية عدم اعتراف ذيها بعدم علمه بأنّه له أولا ، وسيأتي التحقيق أيضاً إن شاء الله تعالى .

(1) مستند الشيعة: 2 / 568 ـ 569 (ط ق) .

(الصفحة216)



مجنون» ونفى الولاية عن نفسه1.


1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لأربعة أجوبة اُخرى متصوّرة بالنسبة إلى المدّعى عليه:
أحدها: ما إذا أجاب المدّعى عليه بقوله: «ليس لي وهو لغيرك» وأقرّ بالعين المدّعى بها لشخص ثالث ، وفيه فرضان:
الفرض الأوّل: ما إذا أقرّ بها لشخص حاضر وصدّقه الحاضر في ذلك الإقرار وملكيّة المدّعى بها . وفي هذا الفرض يكون الحاضر المقرّ له هو المدّعى عليه . والوجه فيه ليس مجرّد الاقرار له، خصوصاً بعدما تقدّم في الجواب بالإقرار من أنّ الإقرار لا يؤثّر إلاّ في الجهة السلبية ، وهي عدم كون المقرّ مالكاً ، وأمّا ثبوت الملكيّة للمقرّ له فلا يتحقّق بمجرّد الإقرار ، خصوصاً مع احتمال التباني بينهما .
فالوجه في صيرورته مدّعى عليه هو: تصديق المقرّ له للمقرّ في أنّه المالك دون المدّعي كما هو غير خفي . فحينئذ له إقامة الدعوى عليه أي على المقرّ له ، فإن تمّت دعواه وصار ماله إليه ، فلا يستحقّ شيئاً آخر; لأنّه بعد وصول ماله إليه بعينه وخصوصيّته لا مجال لتوهّم استحقاق شيء آخر كالغرامة ونحوها .
هذا وإن لم يصل ماله إليه لأجل عدم تمامية دعواه ، فله الدعوى على المقرّ بأنّه صار سبباً للغرامة بإقراره مال المدّعى بادعائه للغير واعترافه بأنّه المالك دون المدّعي .
وفي المتن أنّه يجوز له البدأة بالدعوى على المقرّ فان ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وظاهره الجواز مطلقاً ولو مع تمكّنه من المرافعة مع المقرّ له ، واحتمال إمكان إثبات حقّه; مع أنّه يجري في هذه الصورة وجوه ثلاثة:
الوجه الأوّل: الجواز، كما هو ظاهر المتن وهو الأقوى ، نظراً إلى أنّه حال بينه


(الصفحة217)



وبين ماله ، فله إثبات ذلك وتغريمه  .
الوجه الثاني: عدم الجواز ، لعدم معلومية أنّ المقرّ فوّت مال المدّعي .
الوجه الثالث: التفصيل بين الصورة المشقّة في المراجعة مع المقرّ له ، أو ظنّ عدم إمكان إثبات حقّه عليه ، أو ظنّه عدم إمكان المرافعة مع المقرّ له لو قدّم المرافعة معه ، وبين غير هذه الصور ، فيجوز في الاُولى دون الثانية ، ولكن الأقوى هو الأوّل كما عرفت . فان ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، ولكن لا ينتفي معه جواز الرجوع إلى المقرّ له إذا تعلّق غرض المدّعي بالخصوصيّة وعينه الشخصية ، فإن ثبت دعواه عليه يأخذ ماله ، ولابدّ حينئذ من ردّ الغرامة إلى المقرّ ; لعدم إمكان الجمع بين المبدل والبدل ، كما قد حقّق ذلك في بدل الحيلولة في مكاسب الشيخ الأعظم (قدس سره)(1)وغيره .
الفرض الثاني: ما إذا أقرّ به المدّعى عليه لشخص غائب ، وقد حكم فيه في المتن بأنّه يلحقه حكم الدّعوى على الغائب ، فحينئذ له إقامة البيّنة على إثبات حقّه ، فإن أقامها يدفع إليه ماله بلا كفيل أو معه على القولين ، والغائب على حجّته إذا قدم .
ثانيها: ما إذا أجاب المدّعى عليه بأنّ العين التي في يده ويدّعيها المدّعي ليست له ، بل هي مجهول المالك وأمره إلى الحاكم ، فإن قلنا: إنّ دعوى مدّعي الملكية في صورة عدم التّعارض مقبولة; لأنّها الدّعوى بلا معارض ، فهي مقبولة وتردّ العين إليه فهي ، وإلاّ فعليه البيّنة  ، ومع عدمها يستحلف المدّعى عليه إن ادّعى العلم بعدم كون المدّعي مالكاً ، وأنّ مالكه الواقعي ـ الذي هو غير المدّعي ـ مجهول . وفي غير

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم الأنصاري) 16 / 257 ـ 270 .

(الصفحة218)



هذه الصورة نفى البعد في المتن عن إرجاع الحاكم الحلف عليه ، ومنشأه أنّ أمر مجهول المالك بيد الحاكم .
ثالثها: ما إذا قال المدّعى عليه للمدّعي: إنّه ليس لك ، بل وقف للعلماء مثلا أو الفقراء ، أو مشهد من المشاهد المشرّفة . فتارة لا يدّعي التولية على العين الموقوفة بقوله لنفسه ، واُخرى يدّعيها كذلك  .
ففي الصورة الاُولى مع عدم إقامة البيّنة ـ كما هو المفروض ـ يرجع أمر هذه العين إلى الحاكم ; لإقرار ذي اليد بكونها موقوفة ، ولا يدّعي التولية لنفسه ، فيكون أمرها راجعاً إلى الحاكم  .
وفي الصورة الثانية يكون المدّعى عليه مدّعياً للتولية ، والدعوى تتوجّه إليه من هذه الحيثية ، لكن إذا توجّه الحلف إليه وقلنا بجواز حلف المتولّي ، وحلف في هذه الصّورة ، سقطت دعوى المدّعي على أصل الملكيّة; لأنّ ثبوت التولية يستلزم ثبوت الوقف ، ومعناه عدم كون المدّعي مالكاً له بالملك الشخصي .
رابعها: ما إذا قال المدّعى عليه: إنّه لصبيّ أو مجنون . وفي هذه الصورة إن ادّعى الولاية لنفسه فالحكم فيه حكم صورة ادعائه التولية في الصورة السّابقة ، وإن نفى الولاية عن نفسه فالحكم فيه أيضاً حكم الصورة السابقة فيما إذا لم يدّع التولية بوجه .
وينبغي أن يعلم أنّ ما تقدّم من شرائط سماع الدعوى المتعدّدة المتكثّرة إنّما يلاحظ بالإضافة إلى المدّعي ، وأمّا بالنسبة إلى المدّعى عليه فلا يلزم وجود الشرائط المتقدّمة; ولذا تقبل المخاصمة والترافع في أمثال المقام ، وقد تقدّم أنّ من أقسام الجواب هو الجواب بالإقرار ، مع أنّه في صورة الإقرار لا يتوجّه نفع الى المدّعى عليه ، خصوصاً بعد حكمهم بأنّه إذا كان المقرّ به عيناً خارجية تؤخذ من يد

(الصفحة219)

مسألة 7: لو أجاب المدّعى عليه بأنّ المدّعي أبرأ ذمّتي ، أو أخذ المدّعى به مني ، أو وهبني أو باعني أو صالحني ونحو ذلك ، انقلبت الدعوى وصار المدّعى عليه مدّعياً والمدّعي منكراً ، والكلام في هذه الدعوى على ما تقدّم1.


المدّعى عليه المقرّ وتردّ إلى المدّعي المقرّ له ، وإن ناقشنا في ذلك بأنّ الإقرار لا يقتضي أكثر من تحقّق الجهة السلبية ، وهي عدم كون المقرّ به مالا للمقرّ ، وأمّا ثبوت الملكية للمدّعي فيحتاج إلى أمر آخر زائد على الإقرار، مثل البيّنة ونحوها، فتدبّر .

1 ـ هذا هو قسم من جواب المدّعى عليه ، وهو يرجع إلى الإقرار بأنّه كان ملكاً له سابقاً ، غاية الأمر تحقّق الإبراء أو الأخذ بالإضافة إلى الدين أو الهبة أو البيع أو الصلح بالإضافة إلى العين ، ومن المعلوم أنّ هذه أمور حادثة يحتاج إثباتها إلى الادّعاء ، والمدّعي في هذه الجهة يكون هو المدعى عليه ، ففرق بين أن يقول المدّعى عليه في مقام جواب المدّعي بأنّ له ديناً عليه : بأنّ ذمّتي ليست مشغولة بك ، أو أن يقول: بأنّك أبرأتني منه ، ففي الأوّل يكون المدّعي ، عليه الإثبات ، وفي الثاني يكون على المدّعى عليه الإثبات . والفرض أنّ القاضي لا يكون عالماً بالحال بوجه .
وقد تقدّم أنّ في بعض الروايات قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد حصر القضاء بالبيّنات والأيمان: «وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً ، فإنّما قطعت له به قطعة من النّار»(1)، ومن هنا يعلم أنه إذا لم يتمكّن المدّعى عليه من إثبات الإبراء ونحوه يجوز له أن يقول: بأنّ ذمّتي لا تكون مشغولة لك
(1) الكافي: 7 / 414 ح1 ، التهذيب: 6 / 229 ح552 ، معاني الأخبار: 279 ، الوسائل: 27/ 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .

(الصفحة220)



وأمثال ذلك . وهذا كما أنّه إن أراد الرجل الاستمتاع من المرأة في وقت معيّن ، فإن كان بصورة الزنا فهو غير جائز بل معصية كبيرة ، وإن كان بصورة العقد المؤجّل والنكاح المنقطع فهو جائز بل مستحبّ ، وإن كان واقع الأمر واحداً كما لايخفى ، وكذا في المعاملات الصحيحة والفاسدة فتدبّر .
ثمّ إنّه بعد صيرورة المدّعى عليه مدّعياً وبالعكس أنّ جواب المدّعى عليه وهو المدّعي في الدعوى الاُولى: إمّا أن يكون إقراراً أو إنكاراً أو سكوتاً أو لا أدري ، والحكم في جميع هذه الأقسام ما تقدّم . لكنّ المحكي عن المستند الفرق في جواب لا أدري بين المقامين(1); نظراً إلى موافقة قوله في هذا المقام مع الأصل فيعمل بمقتضاه ، ولم يعلم وجه الفرق بعد كون قوله: «لا أدري» في ذلك المقام موافقاً مع الأصل أيضاً ، كما لايخفى .


(1) مستند الشيعة: 2 / 568 ـ 570 (ط ق) .
<<التالي الفهرس السابق>>