في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)





القول في أحكام الحلف

مسألة 1: لا يصحّ الحلف ولا يترتّب عليه أثر من إسقاط حقّ أو إثباته إلاّ أن يكون بالله تعالى أو بأسمائه الخاصّة به تعالى كالرحمن والقديم والأوّل الذي ليس قبله شيء ، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى ، كالرازق والخالق ، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضمّ إليها ما يجعلها مختصّة به ، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير ، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة ، ولا يصحّ بغيره تعالى كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة ، كالكعبة وغيرها1.


1 ـ البحث فعلا إنّما هو في اليمين القاطعة للدعوى نفياً لها أو إثباتاً ، كما أنّ البحث منحصر بالحكم الوضعي المترتّب عليه . وأمّا من جهة الحكم التكليفي المترتّب عليه جوازاً أو منعاً أو كراهة أو التفصيل ، فالبحث فيه موكول إلى كتاب الأيمان ، كما أنّ الإيجاب للكفارة أيضاً موكول إلى ذلك الكتاب  .
فنقول: لا إشكال من جهة النفي والإثبات في أمرين:
أحدهما: الاكتفاء في الحلف بالجلالة; لأنّه القدر المسلّم من الحلف بالله الوارد في

(الصفحة222)



بعض روايات الحلف ، وقد عرفت الرواية المشتملة على خطاب الله تعالى إلى بعض الأنبياء بقوله تعالى: «وأضفهم إلى اسمي»(1) فإنّ الحلف بالجلالة مصداق كامل لذلك ، كما أنّه قد فرّع عليه فيها فحلّفهم به .
ثانيهما: عدم صحّة الحلف بغير الله تعالى من الأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة ، كالكعبة والمشاهد المشرّفة وغيرها; لخروجه عن عنوان الحلف بالله تعالى ، ويمكن استفادة عدم الجواز من مثل:
صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عزّوجلّ: {وَالّيل إذا يَغشَى}(2) {وَالنَّجم إذَا هَوَى}(3) وما أشبه ذلك . فقال: إنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به(4) .
إنّما الإشكال بل الخلاف في غيرهما من الصور:
الاُولى: ما إذا حلف بأسمائه الخاصّة به كالأمثلة المذكورة في المتن ، والظاهر صحّته وشمول الحلف بالله له ، وإن كان بغير لفظ الجلالة .
الثانية: ما إذا حلف بالأوصاف المشتركة بينه وبين غيره ، ولكن الانصراف العرفي يخصّها إليه تعالى كالرازق والخالق ، والظاهر صحّته وشمول الحلف بالله له; للانصراف المذكور على ما هو المفروض .


(1) الكافي: 7 / 414 ـ 415 ح2 ـ 4 ، التهذيب: 6 / 328 ح550 و551 ، الوسائل: 27/ 229 ـ 230 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 ـ 3 .
(2) سورة الليل 92: 1  .
(3) سورة النجم 53: 1  .
(4) الكافي: 7 / 449 ح1 ، التهذيب: 8 / 227 ح1009 ، الوسائل: 22/ 343 ، أبواب الإيلاء ب3 ح1، وج23 / 259 ، كتاب الأيمان ب30 ح3، وج27 / 303 ، أبواب كيفيّة الحكم ب34 ح1 .

(الصفحة223)

مسألة 2: لا فرق في لزوم الحلف بالله بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد بالله أو يجحده، ولا يجب في إحلاف المجوس ضمّ قوله: «خالق النور والظلمة» إلى «الله» ، ولو رأى الحاكم أنّ احلاف الذمّي بما يتقضيه دينه أردع ، هل يجوز الاكتفاء به كالاحلاف بالتوراة التي أنزلت على موسى (عليه السلام)؟ قيل: نعم، والأشبه عدم الصحّة ، ولا بأس بضمّ ما ذكر إلى اسم الله إذا لم يكن أمراً باطلا1.


الثالثة: ما إذا حلف بالأوصاف المشتركة  ، لكن مع عدم الانصراف العرفي إليه تعالى ، بل مع الضميمة الموجبة للاختصاص، كالعالم بكلّ شيء والقادر على كلّ شيء ، وعنوان واجب الوجود ، فإنّ الإضافة توجب الاختصاص به تعالى ، والظاهر أيضاً صحّته وشمول الحلف بالله له; لأنّه بعد الانضمام بنحو التوصيف أو الإضافة أو مثلهما لا ينطبق إلاّ عليه تعالى . وممّا ذكرنا بان أنّ المثال الأخير المذكور في المتن للصورة الاُولى ، وهو «الأول الذي ليس قبله شيء» من مصاديق هذه الصورة لا من أمثلة الصورة الاُولى ، ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ رعاية كمال الاحتياط تقتضي عدم الحلف بغير لفظ الجلالة كما في المتن .

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
المقام الأوّل: في إحلاف اليهودي والنصراني ومثلهما ممّن يعتقد بالله وبنبوّة غير نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقد وردت فيه طائفتان من الروايات:
الطائفة الاُولى: وهي أكثرها ما دلّ على عدم جواز حلفهما بغير الله امّا بنحو العموم والإطلاق، كصحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّه ليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به ، أو بنحو الخصوص لعنوانهما في موضوع الحكم، مثل:


(الصفحة224)



رواية سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله(1) . الحديث  .
ورواية جراح المدائني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحلف بغير الله . وقال: اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلاّ بالله عزّوجلّ(2) .
ورواية سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته هل يصلح لأحد أن يحلّف أحداً من اليهود والنصارى بآلهتهم؟ قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحداً إلاّ بالله عزّوجلّ(3) .
ورواية الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أهل الملل يستحلفون؟ فقال: لا تحلفوهم إلاّ بالله عزّوجلّ (4) .
الطائفة الثانية: ما يدلّ على جواز حلفهما بغير الله، مثل:
رواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهوديّاً بالتوراة التي أنزلت على موسى (عليه السلام)(5) .
ورواية محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الأحكام؟ فقال: في كلّ

(1) الكافي: 7 / 451 ح4 ، التهذيب: 8 / 278 ح1013 ، الإستبصار: 4 / 39 ح131 ، الوسائل: 23/ 265 ، كتاب الأيمان ب32 ح1  .
(2) الكافي: 7 / 451 ح5 ، التهذيب: 8 / 278 ح1014 ، الوسائل: 23/ 266 ، كتاب الأيمان ب32 ح2 .
(3) الكافي: 7 / 451 ح2 ، التهذيب: 8 / 279 ح1015 ، الإستبصار: 4 / 39 ح133 ، الوسائل: 23/ 267 ، كتاب الأيمان ب32 ح5  .
(4) الكافي: 7 / 450 ح1 ، الوسائل: 23/ 266 ، كتاب الأيمان ب32 ح3  .
(5) الكافي: 7 / 451 ح3 ، التهذيب: 8 / 279 ح1019 ، الإستبصار: 4 / 40 ح135 ، الوسائل: 23/ 266 ، كتاب الأيمان ب32 ح4  .

(الصفحة225)



دين ما يستحلفون به(1)  .
ورواية محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى عليّ (عليه السلام) فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلف بكتابه وملّته(2)  . وغير ذلك من الروايات المتقدّمة .
والإنصاف أنّ الجمع بين الطائفتين بنحو يخرجهما عن موضوع التعارض غير ممكن ، مثل ما حكاه في الوسائل عن الشيخ بعد نقل رواية السّكوني: من أنّه حمله الشيخ على أنّه مخصوص بالإمام إذا رأى ذلك أردع لهم . قال: وإنّما لايجوز لنا; لأنّا لا نعرف ذلك ، وإذا عرفنا جاز أيضاً لنا . انتهى .
ثمّ قال: وحمله بعض أصحابنا على من يرى الحلف بذلك ، ولا يعتقد الحنث في الحلف بالله ، ومثل غيرهما من وجوه الجمع .
فالظاهر ثبوت التعارض والرجوع إلى الشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجحات ، على ما استفدناه من مقبولة ابن حنظلة المعروفة ، ولعلّه لأجل ذلك جعل الأشبه في المتن عدم الاكتفاء بغير الله ، وإن كان ضمّه إلى الله لا يضرّ ما لم يكن أمراً باطلا كالاُبوّة لعيسى (عليه السلام) .
المقام الثاني: في حلف المجوس ، وقد عرفت عطفه على اليهود والنصارى في بعض الروايات المتقدّمة في أنّه لابدّ من تحليفه بالله ، ولا يلزم ضمّ مثل قوله: «خالق النور والظلمة» ، لاحتمال كون العقيدة على طبق الوثنيين من المجوس القائلين بثبوت خالق للنور وخالق آخر للظلمة، خلافاً لمثل الشيخ في المبسوط، حيث إنّ

(1) التهذيب: 8 / 279 ح1017 ، الإستبصار: 4 / 40 ح136 ، الوسائل: 23/ 267 ، كتاب الأيمان ب32 ح7 .
(2) التهذيب: 8 / 279 ح1017 ، الإستبصار: 4 / 40 ح137 ، الوسائل: 23/ 267 ، كتاب الأيمان ب32 ح8  .

(الصفحة226)



المحكيّ عنه أنّه قال: إن كان مجوسيّاً حلف والله الذي خلقني ورزقني; لئلاّ يتناول بالله وحده النور ، فإنّه يعتقد النور إلهاً ، فإذا قال: خلقني ورزقني زال الإبهام(1) .
ويرد عليه مع أنّه مخالف لمقتضى إطلاق الروايات التي تقدّم بعضها ، يكون لفظ الجلالة عندهم علماً لخالق النور والظلمة ، ولا يطلق على غيره ، وإن كان لفظ الإله أعمّ .
المقام الثالث: في حلف من لا يعتقد بالله بل يجحده وينكره ، وقد صرّح في المتن بأنّه لابدّ من تحليفه أيضاً بالله ، ويشكل فيما إذا كان الجحد لا باللسان فقط بل بالقلب أيضاً; نظراً إلى أنّه لا يرى وجوداً للمقسوم به فضلا عن عظمته وعلوّ شأنه ، فأيّ أثر يترتّب على حلفه والحال هذه . وحكي عن الشيخ في المبسوط أنّ ثمرة يمينه زيادة الإثم واستيجاب العقوبة(2) ، مع أنّه لا يكون له أيّ ارتباط بباب القضاء وفصل الخصومة الموضوع لاسترداد صاحب الحقّ حقّه ، وعدم جواز الأخذ من غير من عليه الحقّ ، وإن كان ربّما لا يتحقق هذا الغرض كما عرفت في الرّواية النبويّة: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان  الخ»(3) .
وكيف كان فهذه العلّة لا تلائم باب القضاء بوجه ، ويحتمل قويّاً سقوط الحلف في هذه الصورة ، وردّ الحاكم الحلف إلى المدّعي لو كان معتقداً بالله ، كما لا يخفى ، ولا ينافيه قوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه»(4) بعد الانصراف إلى المعتقد بالحلف، كما لا يخفى .


(1 و 2) المبسوط: 8 / 205  .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 232، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 234، أبواب كيفيّة الحكم ب3 ح1.

(الصفحة227)

مسألة 3: لا يترتّب أثر على الحلف بغير الله تعالى وإن رضي الخصمان الحلف بغيره ، كما أنّه لا أثر لضمّ غير اسم الله تعالى إليه ، فإذا حلف بالله كفى ، ضمّ إليه سائر الصفات أولا ، كما يكفي الواحد من الأسماء الخاصّة ، ضُمّ إليه شيء آخر أو لا1.

مسألة 4: لا إشكال في عدم ترتّب أثر على الحلف بغير الله تعالى ، فهل الحلف بغيره محرّم تكليفاً في إثبات أمر أو إبطاله مثلا كما هو المتعارف بين الناس؟ الأقوى عدم الحرمة ، نعم هو مكروه سيّما إذا صار ذلك سبباً لترك الحلف بالله تعالى ، وأمّا مثل قوله: سألتك بالقرآن أو بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) أن تفعل كذا


1 ـ قد ظهر حكم هذه المسألة من المسألتين السابقتين ، وأنّه لابدّ في مقام القضاء وفصل الخصومة من ترتيب الأثر على الحلف بالله تعالى أو بما ذكر فيهما ، ولا حاجة إلى ضمّ سائر الصفات إليه ، والغرض هنا بيان أنّ رضا الخصمين بالحلف بغيره تعالى لا يوجب ترتيب الأثر على الحلف بغيره; لأنّ الموضوع في الأدلّة هو الحلف بالله ، كما أنّ رضا المنكر بإقامة المدّعي شاهداً واحداً وعادلا فارداً لا يكفي في الحكم ومقام فصل الخصومة  ، وإن كان ربّما يوجب ارتفاع موضوع التنازع رأساً، كما لا يخفى .
وفي الجواهر بعد الحكم بعدم الجواز مع التراضي: وإن أدرجاه في عقد شرعي كالصلح ونحوه على معنى صلح المدّعي عن حلف المنكر مثلا  بالقَسَم بغير الله بإسقاط الدعوى(1) . ومراده تحقّق فصل الخصومة بذلك كما ذكرنا .


(1) جواهر الكلام: 40 / 227  .

(الصفحة228)

فلا إشكال في عدم حرمته1.


1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان الحكم التكليفي للحلف بغيره تعالى ، ولو لم يكن في حال التخاصم والتنازع الذي يجري فيه فصل الخصومة  ، كما إذا كان في مقام إثبات أمر أو ابطاله مثلا كما هو المتعارف بين الناس من الحرمة وعدمها ، وفيه وجهان بل قولان:
القول بالحرمة التي يترتّب على مخالفتها الإثمّ ، كما أسنده النراقي في محكي المستند إلى الأشهر بين الطائفة ، قال: بل قيل: إنّه مقتضى الإجماعات المنقولة . وصرّح به جماعة منهم المحقّق الأردبيلي(1) وصاحب المفاتيح(2) وشارحه(3) وبعض مشايخنا المعاصرين(4) ،(5) .
والقول بعدم الحرمة الذي اختاره صاحب الجواهر (قدس سره)(6) ،وتبعه مثل الماتن .
وقال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بأنّه لا يُستحلف أحد ـ يعني في مقام القضاء  ـ إلاّ بالله ولو كان كافراً ، وحكاية القول بأنّه لا يقتصر في المجوس على لفظ الجلالة بل يضمّ إلى هذه اللفظة الشريفة ما يزيل الاحتمال: ولا يجوز الإحلاف بغير أسماء الله سبحانه ، كالكتب المنزلة والرسل المعظمة والأماكن المشرّفة(7) ، واستظهر صاحب الجواهر من هذه العبارة ترتّب الاثم بذلك زائداً على عدم انقطاع

(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 175 ـ 178 .
(2) مفاتيح الشرائع: 3 / 264 مفتاح 1165 .
(3) لم نعثر عليه .
(4) رياض المسائل: 9 / 321 ـ 323 .
(5) مستند الشيعة: 2 / 603  .
(6) جواهر الكلام: 40 / 228  .
(7) شرائع الإسلام: 4 / 876  .

(الصفحة229)



الدعوى(1) ، واستظهر صاحب المسالك أنّ المراد بعدم الجواز هنا بالنظر إلى الاعتداد به في إثبات الحقّ(2) ، أي في مقام الدعوى ، وهو الظاهر من العبارة خصوصاً من التعبير بالاحلاف لا بالحلف، كما لا يخفى .
وكيف كان ففي المسألة طائفتان من الأخبار:
إحداهما: الطائفة الظاهرة في المنع ، مثل: صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به(3)وصحيحة الحلبي، عن الصادق (عليه السلام): لا أرى أن يحلف الرجل إلاّ بالله ، الحديث(4). ومقتضى إطلاقهما عدم جواز الحلف ولو في غير صورة التخاصم والمدّعي والمنكر ، بل في رواية نبويّة: مَن حلف بغير الله فقد أشرك(5)، وفي رواية عامّية عنه (صلى الله عليه وآله): فقد كفر أو أشرك(6) ، وفي ذيل رواية الحلبي: لو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله .
الطائفة الثانية: الأخبار الدالّة على الجواز . وذكر في الجواهر أنّه يخطر في بالي وجود القسم في النصوص بغير الله تعالى شأنه(7) .
أقول: بل يوجد فيها ما يظهر منه أنّ الإمام (عليه السلام) قد حلف بغيره تعالى، مثل قرابته

(1) جواهر الكلام: 40 / 227  .
(2) مسالك الأفهام: 13 / 473  .
(3) تقدّمت في ص222.
(4) الكافي: 7 / 449 ح2، التهذيب: 8 / 278 ح1010، الوسائل: 22 / 343، كتاب الإيلاء باب3 ح2. وج23/260، كتاب الأيمان ب30 ح4.
(5) عوالي اللآلي: 3 / 444 ح8 ، مستدرك الوسائل: 16 / 65 ، كتاب الأيمان ب24 ح3 .
(6) السنن الكبرى للبيهقي: 14 / 452 كتاب الأيمان باب أسماء الله عزّوجلّ ثناؤه ح20394.
(7) جواهر الكلام: 40 / 228 ، وليراجع وسائل الشيعة: 23 / 261 ، كتاب الأيمان ب30 ح6 و7 .

(الصفحة230)



لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فضلا عن القسم بغيره عنده (عليه السلام) ، ويؤيّد هذه الطائفة ما اعتمد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) من سيرة المتشرّعة المستمرّة في جميع الأعصار والأمصار بين الخواص والعوام على الحلف بغير الله، مضافاً إلى قوله تعالى في سورة المائدة: {جَهدَ أَيمَانِهِم}(1) حيث إنّه يشعر بوجود أيمان بغيره تعالى ، ولو أغمض عن السيرة يكون مقتضى الجمع هو حمل الطائفة الأولى على الكراهة كما في سائر المقامات ، ويدلّ على هذا الجمع التعليل المتقدّم في رواية الحلبي، بأنّه يوجب ترك الحلف بالله تعالى ، وكذا التعبير في النبويّين، بأنّه شرك أو كفر ، مع ملاحظة عدم ثبوت الشرك أو الكفر الحقيقي بعد ملاحظة أنّ القسم بغير الله لا يستلزم جعل الغير في عرض  الله ، الذي ليس كمثله شيء ، فإنّ القسم بالرسول (صلى الله عليه وآله) مثلا كيف يكون كذلك ، فلابدّ من الحمل على الكراهة .
بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين:
أحدهما: لو كان الحلف بغير الله بمثل العتاق والطلاق والبراءة ، فالمحكي عن الشهيدين في الدروس والروضة أنّه حرام قطعاً(2) ، وفي محكي التحرير الذي هو قبل الشهيدين: لا يجوز الإحلاف بشيء من ذلك; لأنّه بدعة ، وكذا لا يجوز الحلف بالقرآن، ولا بالبراءة من الله تعالى، ولا من رسوله (صلى الله عليه وآله)، ولا من أحد من الأئمّة(عليهم السلام)ولا من الكتب المنزلة ، ولا يجوز الحلف بالكفر ولا بالعتق ولا بالطلاق(3) . والوجه فيه إن كان هو البدعة فالمحرم عنوانها ، ولا يكاد يسري الحكم من متعلّقه إلى

(1) سورة المائدة 5: 53  .
(2) الدروس الشرعيّة: 2 / 96 ، الروضة البهيّة: 3 / 94 .
(3) تحرير الأحكام: 2 / 190 ، المطلب الثالث .

(الصفحة231)

مسألة 5: حلف الأخرس بالإشارة المفهمة ، ولا بأس بأن تكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه ، فإن شرب كان حالفاً ، وإلاّ ألزم بالحقّ ،


مصاديقه ، أو ما هو متحد مع المتعلق في الخارج، كما هو المحقّق في محلّه ، وإن كان شيئاً آخر فهو غير معلوم، كما لايخفى .
ثانيهما: أنّه ذكر في المتن إنّ مثل قوله: سألتك بالقرآن أو بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وأمثالهما لا إشكال في عدم حرمته ، والوجه فيه كما أفاده السيد (قدس سره) في الملحقات: أنّه لا يكون حلفاً بل استشفاع وتوسيط(1) ، ومن الواضح أنّه لا يكون حراماً فضلا عن أن يكون شركاً ، كما توهّمته الفرقة الضالّة المنحرفة الجاهلة الوهابية ، حيث ينسبون الشرك الخفي إلى الشيعة الاثني عشريّة ، مع أنّ تجليلهم لأئمّتهم(عليهم السلام) إنّما هو لكونهم عباد الله المخلصين الصالحين ، وهم محبوبون للرّب لأجل ذلك ، كما تصرّح بذلك ذيل الزيارة الجامعة الكبيرة المشتملة على قوله: «اللهمّ إنّي لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمّد وأهل بيته الأخيار الأئمّة الأبرار لجعلتهم شفعائي»(2) ، وغير ذلك من الموارد ، فكيف يجوّز الوهّابي الجاهل أن ينسب إلى الشيعة ما هم بُراء منه ، بل يعارضوه أشدّ المعارضة .
ولعمري إنّ التعصّب الموجب للانحراف صار مانعاً عن الوصول إلى حقيقة هذا المذهب ، أو أنّ الجهالة تمنع عن ذلك ، أو أن السياسة الخبيثة صارت سبباً لعدم اتّضاح الحقّ ، كما أنّها صارت سبباً لحدوث مذهب الوهابية البعيد عن أصل الإسلام بمراحل جدّاً ، وهذا أقرب إلى الصواب كما لايخفى .


(1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 201 ذ مسألة 2  .
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 277 ، بحار الأنوار: 102 / 133 .

(الصفحة232)

ولعلّ بعد الاعلام كان ذلك نحو إشارة ، والأحوط الجمع بينهما1.


1 ـ وقع الإشكال في حلف الأخرس من جهة أنّ المشهور كما في سائر الموارد قيام إشارته مقام اللفظ ، مثل التكبير والتلبية وغيرهما ، ومن جهة ورود رواية صحيحة في هذا المقام ، وهي رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن الأخرس ، كيف يحلف إذا ادعي عليه دين وأنكره ، ولم يكن للمدّعي بيّنة؟ فقال: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اُتي بأخرس فادّعي عليه دين ، ولم يكن للمدّعي بيّنة . فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للاُمّة جميع ما تحتاج إليه ، ثمّ قال: ائتوني بمصحف ، فأُتي به ، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السّماء وأشار أنّه كتاب الله عزّوجلّ ، ثمّ قال: ائتوني بوليّه ، فاُتي بأخ له فأقعده إلى جنبه .
ثمّ قال: يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ، ثمّ قال لأخي الأخرس: قل لأخيك هذا بينك وبينه أنّه عليّ ، فتقدّم إليه بذلك ، ثمّ كتب أمير المؤمنين (عليه السلام): والله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضارّ النافع ، المهلك المدرك ، الذي يعلم السّر والعلانية ، إنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان ، أعني الأخرس حقّ ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب ، ثمّ غسله وأمر الأخرس أن يشربه ، فامتنع ، فألزمه الدّين(1) .
هذا ، ولم يناقش أحد في سند الرواية في نفسها ، وأمّا دلالتها ، فالمحكي عن التحرير أنّها قضية في عين فلا تعدّى(2) ، أي لا يجوز التعدي عن نفس تلك الواقعة

(1) التهذيب: 6 / 319 ح879 ، الفقيه: 3 / 65 ح218 ، الوسائل: 27 / 302 ، أبواب كيفيّة الحكم ب33 ح1 .
(2) تحرير الأحكام: 2 / 191  .

(الصفحة233)



وتسرية الحكم إلى الموارد المشابهة  .
ويرد عليه مضافاً إلى ما ذكرناه مراراً من أنّ الحاكي هو الإمام (عليه السلام) ،وكان الغرض من الحكاية بيان الحكم ، خصوصاً مع وقوعها جواباً عن سؤال محمد بن مسلم عن الحكم وكيفية حلف الأخرس ، ومع قوله (عليه السلام):«حتى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج إليه»، واحتمال كون الاكتفاء بذلك من جهة أنّه من طرق الإشارة المفهمة ، والمقصود كفاية مطلق الإشارة ، مدفوع بظهور الرواية في خصوصية ما فعله (عليه السلام) ، نعم قد تقدّم البحث عن ذيل الرواية الظاهر في أنّ مجرّد امتناع المنكر عن الحلف أو ما يقوم مقامه يكفي في ثبوت حقّ المدّعي ، والإلزام بالدين المدّعى به ، من دون أن يردّ الحلف على المدّعي  .
وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنّ الشهرة على خلاف الرواية; ولذا ذكر المحقّق في الشرائع بعد أن جعل حلف الأخرس بالإشارة قولا: بأنّ حلفه وضع يده على اسم الله في المصحف ، أو يكتب اسمه سبحانه وتوضع يده عليه ، وقولا: بما تفيده الرواية المذكورة(1) ، وذكر صاحب الجواهر في الشرح: أنّي لم أعرف القولين لأحد من أصحابنا ، وإن نسب الأوّل إلى نهاية الشيخ(2) ، والثاني إلى ابن حمزة في الوسيلة(3) ، لكن لا دلالة لشيء من العبارتين على ما هو المنسوب إليهما(4) ، وعليه يتحقّق فوق الشهرة على خلاف الرواية ، ومخالفة المشهور قادحة في الحجّية والاعتبار ، وإن بلغت الرواية أعلى مراتب الصحّة ، لكن مقتضى الاحتياط

(1) شرائع الإسلام: 4 / 877  .
(2) النهاية: 347 ـ 348  .
(3) الوسيلة: 228  .
(4) جواهر الكلام: 40 / 239  .

(الصفحة234)

مسألة 6: لا يشترط في الحلف العربيّة ، بل يكفي بأيّ لغة إذا كان باسم الله أو صفاته المختصّة به1.

مسألة 7: لا إشكال في تحقّق الحلف إن اقتصر على اسم الله كقوله: «والله ليس لفلان عليّ كذا»، ولا يجب التغليظ بالقول مثل أن يقول: «والله الغالب القاهر المهلك» ولا بالزّمان كيوم الجمعة والعيد ، ولا بالمكان كالأمكنة المشرّفة ، ولا بالأفعال كالقيام مستقبل القبلة آخذاً المصحف الشريف بيده ، والمعروف أنّ التغليظ مستحب للحاكم ، وله وجه2.


الاستحبابي الجمع بين الإشارة المفهمة وبين مفاد الرواية ، وعدم الاقتصار على خصوص أحدهما .

1 ـ الدليل على ما في المتن عدم الدليل على اعتبار العربية ، بل يكفي بأيّ لغة كان ولو من غير العربيّة ، بل يمكن أن يقال بعدم الاكتفاء بالعربية إذا لم يعرف معناها ، خصوصاً إذا لم يعرف ولو إجمالا ، بل الأقوى عدم الاكتفاء حينئذ  .

2 ـ الغرض من المسألة أمران:
أحدهما: أنّه لا يجب التغليظ في نفسه على الحالف ، بل يجوز له الاقتصار على اسم الله تعالى ، كقول الحالف المنكر: والله ليس لفلان عليّ كذا ، أو الحالف المدّعي: والله لي عليه كذا ، فالتغليظ بالقول أو الفعل أو الزمان أو المكان لا يكون واجباً عليه; لأنّ وظيفته في صورة إرادة الحلف ليس إلاّ الحلف بالله تعالى ، كما مرّ في المسألة الاُولى المتقدّمة .


(الصفحة235)

مسألة 8: لا يجب على الحالف قبول التغليظ ، ولا يجوز إجباره عليه ، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلا ، بل لا يبعد أن يكون الأرجح له ترك التغليظ ، وإن استحب للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس ، ويستحبّ التغليظ في جميع الحقوق إلاّ الأموال ، فإنّه لا يغلظ فيها بما دون نصاب القطع1.


ثانيهما: أنّ استحباب التغليظ للحاكم له وجه; ووجهه ـ مضافاً إلى الشهرة(1)بل عدم الخلاف فيه(2) بل الإجماع عليه(3) ، بل قطع الأصحاب كما في محكي كشف اللثام من النسبة إلى قطع الأصحاب(4) ـ ثبوته في الرواية الصحيحة المتقدّمة الواردة في الأخرس ، وفي يمين الاستظهار الواردة في الروايتان المتقدّمتان في الدعوى على الميّت(5) ، وخبر الحسين بن علوان المروي في قرب الإسناد ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام): أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يستحلف اليهود والنصارى في بِيعهم وكنائسهم ، والمجوس في بيوت نيرانهم ، ويقول: شدّدوا عليهم احتياطاً للمسلمين(6) .

1 ـ الغرض من هذه المسألة أيضاً أمران:
أحدهما: أنّه لا يجب على الحالف قبول التغليظ ، ولا يجوز إجباره عليه ، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلا ، بل في المتن نفى البعد عن أن يكون الأرجح له ترك التغليظ .

(1) مسالك الافهام: 13 / 478 .
(2) رياض المسائل: 9 / 324  .
(3) الخلاف: 6 / 285 ـ 287 مسألة 31 و 32 .
(4) كشف اللثام: 2 / 340  .
(5) تقدّمتا في ص169 ـ 170 .
(6) قرب الإسناد: 86 ح284 ، الوسائل: 27 / 298 ، أبواب كيفيّة الحكم ب29 ح2 .

(الصفحة236)



أمّا عدم وجوب القبول وعدم جواز الإجبار فلعدم الدليل على ذلك; لأنّ غاية ما عليه ـ إذا أراد الحلف ـ هو الحلف بالله بالنحو الذي ذكرنا لا الزائد عليه ، ومنه يعلم أنّه في صورة الامتناع عن قبول التغليظ ، لا يصير ناكلا مترتّباً عليه أحكام النكول وآثاره المتقدّمة .
وأمّا نفي البعد عن أن يكون الأرجح له ترك التغليظ ، فلعلّ وجهه ما يستفاد من كلام السيّد في الملحقات من استلزام كون أصل الحلف مرجوحاً لمرجوحية التغليظ فيه على فرض إقدامه عليه(1) ، ولكنّه أورد عليه بمنع الاستلزام والاقتضاء .
وفيه إشكال آخر، وهو: أنّه كيف يجتمع مرجوحية التغليظ بالإضافة إلى الحالف ، مع استحباب التغليظ بالنظر إلى الحاكم؟ كما يأتي في الأمر الثاني إن شاء الله تعالى ، وإن كان يمكن الجمع بأنّ استحباب التغليظ بالنظر المذكور لعلّه لأجل أنّه أقرب إلى انصراف الحالف عن الحلف لو كان كاذباً ، وله موارد مشابهة في الفقه; كاستحباب أن يكون المضيف يسعى في الضيافة ويصرف غاية إمكاناته ، ويستحب للضيف أن لا يصير موجباً لزحمة المضيف ومشقّته .
ثانيهما: أنّه يستحبّ للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس ، وهذا وإن لم يرد فيه رواية مطلقة إلاّ أنّه يستفاد ممّا تقدّم في المسألة المتقدّمة ، وكذا من مرسلة محمد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام) جميعاً قالا: لا يحلف أحد عند قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)على أقلّ ممّا يجب فيه القطع(2) .


(1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 203 ذ مسألة 7  .
(2) التهذيب: 6 / 310 ح855 ، الوسائل: 27 / 298 ، أبواب كيفيّة الحكم ب29 ح1 .

(الصفحة237)

مسألة 9: لا يجوز التوكيل في الحلف ولا النيابة فيه ، فلو وكّل غيره وحلف عنه بوكالته أو نيابته لم يترتّب عليه أثر ، ولا يفصل به خصومة1.

مسألة 10: لابدّ وأن يكون الحلف في مجلس القضاء ، وليس للحاكم الاستنابة فيه إلاّ لعذر كمرض أو حيض ، والمجلس في المسجد ، أو كون المرأة مخدّرة حضورُها في المجلس نقص عليها أو غير ذلك ، فيجوز الاستنابة ، بل الظاهر عدم جواز الاستنابة في مجلس القضاء وبحضور الحاكم  ، فما يترتّب عليه الأثر في غير مورد العذر أن يكون الحلف بأمر الحاكم واستحلافه2.


والاستدلال بها مبنيّ على أن يقرأ: لا يحلّف بالتشديد بمعنى الإحلاف ، ويكون المراد منه التغليظ في الحلف ، وعلى إلغاء الخصوصية من قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)وكلّ منها محلّ إشكال ومناقشة ، ولكن قد عرفت التّسالم على استحباب التغليظ بالإضافة إلى الحاكم ، إلاّ في أقلّ ممّا يجب فيه القطع ، ويساعده الاعتبار كما لايخفى .

1 ـ الدليل على عدم جواز التوكيل في الحلف الذي معناه طلب نيابة الغير عنه ، أو النيابة الشاملة للنيابة ولو بدون استنابة هو ما حقّقناه في محلّه من بحث الحج النيابي(1): أنّ النيابة على خلاف القاعدة ، لا يكاد يصار إليها مع عدم قيام الدليل عليها ، وقد قام الدليل في الحج ، والعبادات الاستيجارية ، وقضاء الولي عن الميت وأمثال ذلك ، وأمّا في مثل المقام فلم يقم دليل عليها; لأنّ اليمين وظيفة المدّعى عليه ، فلا يترتّب على الحلف النيابي أثر ، ولا يتحقّق به فصل الخصومة أصلا .

2 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لأمرين:


(1) كتاب الحجّ من تفصيل الشريعة : 2 / 13 ـ 14  .

(الصفحة238)



أحدهما: أنّه لابد وأن يكون الحلف في مجلس القضاء وبحضور الحاكم ، ولا تجوز الاستنابة في هذا الحال للحاكم ; لأنّ الاستحلاف والإحلاف وظيفته . وقد عرفت أنّ النيابة مطلقا على خلاف القاعدة ، ولا يكاد يصار إليها مع عدم قيام الدليل عليها ، فكما أنّ أصل فصل الخصومة الذي هو وظيفة الحاكم ، لا يجوز له الاستنابة فيه كذلك الاستحلاف والإحلاف  .
وقد مرّ أنّ تصدّي القضاء في زماننا هذا في المملكة الإسلامية الإيرانية ـ التي يكون الحاكم عليها هو الاسلام ، والنظام المتّبع فيها هو النظام الإسلامي الشيعي ـ ليس لأجل الإذن من المجتهد وثبوت النصب العام من قبله ، بل لأجل عدم اعتبار الاجتهاد في مثل هذه القضاة ، الذين يراعون قوانين القضاء على نحو واحد وبرويّة واحدة، فراجع .
ثانيهما: أنّه لا يجوز للحاكم الاستنابة في الحلف إلاّ لعذر ، كمرض أو حيض والمجلس في المسجد ، أو كانت المرأة مخدّرة يكون حضورها في المجلس نقصاً عليها ، أو غير ذلك من الأعذار . والدليل على عدم جواز الاستنابة في غير صورة العذر ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الاستحلاف وظيفته ، وظاهره المباشرة، ويؤيّده قوله تعالى خطاباً إلى نبيّ من الأنبياء(عليهم السلام) ، الذي يشتكي إليه في أمر القضاء: «وأضفهم إلى اسمي»(1) ، الظاهر في تحقق الإضافة من النّبي ـ الشك في عدم ترتّب الأثر على الحلف الكذائي ، هذا بالإضافة إلى غير مورد العذر ، وأمّا بالنسبة إليه فلأنّ فصل الخصومة لا يكاد يتحقق بدون الاستنابة ، من دون فرق بين أن يكون العذر شرعياً أو عرفياً  .


(1) وسائل الشيعة: 27 / 229 ـ 230 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 ـ 3  .

(الصفحة239)

مسألة 11: يجب أن يكون الحلف على البتّ ، سواء كان في فعل نفسه أو فعل غيره ، وسواء كان في نفي أو إثبات ، فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف ، ومع عدم علمه لا يجوز إلاّ على عدم العلم1.


وذكر السيّد في الملحقات: أنّه لا دليل لهم على شيء من الأمرين إلاّ دعوى أنّ الأصل عدم ترتّب آثار الحلف عليه ، وهو مقطوع بالإطلاقات ، أو دعوى أنّ المتبادر إلى الفهم من الاستحلاف ذلك وهي ممنوعة، أو دعوى أنّ الظاهر ممّا في الأخبار «وأضفهم إلى اسمي» المباشرة ، وهي أيضاً ممنوعة(1) .
ويرد عليه مضافاً إلى أنّه لا يجوز التمسّك بالإطلاقات بعد عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، ما عرفت من كون النيابة مطلقاً على خلاف القاعدة ، لا يكاد يصار إليها مع عدم قيام الدليل عليها ، فاللاّزم نهوض الدليل ومع عدمه الحكم بعدم الجواز كما لا يخفى . كما أنّ أصالة عدم ترتّب الأثر على الحلف عند غير الحاكم مع عدم العذر جارية بلا إشكال .

1 ـ ذكروا أنّه يجب أن يكون الحلف على البتّ، سواء كان في فعل نفسه مطلقاً أو في فعل غيره إثباتاً ، وأمّا بالإضافة إلى فعل الغير نفياً فلا يلزم أن يكون الحلف على البتّ ، والوجه فيه ظاهراً عدم اطلاع الانسان على نفي فعل الغير نوعاً بخلاف إثباته ، الذي يكفي في العلم به مجرّد الاطلاع على حصول الطبيعة منه في الخارج ، ولكن أفاد في المتن أنّه مع العلم بالواقعة يجوز الحلف بل يجب بتّاً وإن كان في نفي فعل الغير، ومع عدم علمه بها لا يجوز إلاّ على عدم العلم .
نعم لو كان المدّعي يدّعي علم المنكر مثلا بالواقعة والمنكر ينكر العلم ، يجوز له

(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 203 .

(الصفحة240)

مسألة 12: لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقّه إثباتاً أو إسقاطاً إذا كان أجنبيّاً عن الدعوى ، كما لو حلف زيد على براءة عمرو ، وفي مثل الوليّ الإجباري أو القيّم على الصغير أو المتولّي للوقف تردّد . والأشبه عدم الجواز1.


الحلف على عدم العلم ، ولكن الحلف حينئذ إنّما يكون على البتّ ، فإنّ حلفه على عدم العلم مع عدم علمه يكون بتّياً . وقد تقدّم في بعض المسائل السابقة أنّ المدّعى عليه قد يكون جوابه بلا أدري ولا أعلم ، وفي هذه الصورة قد يكون المدّعي مصدّقاً له في دعوى عدم العلم وقد يكون مكذّباً له ، ومرّ الحكم في الصورتين فراجع(1) .

1 ـ لا إشكال في أنّ الحلف على مال الغير أو حقّه إثباتاً أو إسقاطاً إذا كان الحالف أجنبيّاً عن الدعوى غير جائز ، أي لا يترتّب عليه الأثر; لأنّ اليمين وظيفة المنكر والمدّعى عليه ، والمفروض كونه أجنبيّاً عن الدعوى ، وأنّه في حلفه لا يكون حتى وكيلا عن الغير أو نائباً عنه ، فالحلف الاستقلالي لا أثر له أصلا ، وأصل هذا المطلب ممّا لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ، بل هو من الوضوح بمكان  .
إنّما الكلام والإشكال في الموارد المستثناة ، مثل ما ذكر في المتن ، كالوليّ والقيم ومتولّي الوقف ، فقد تردّد فيه في المتن ثمّ جعل الأشبه عدم الجواز ، ولكن ذكر السيّد (قدس سره) في الملحقات: أنّ طرف الدعوى إذا كان هو الوليّ أو المتولّي يصدق عليه أنّه منكر ، فيكون عليه الحلف . وظهور الروايات في اعتبار كون الحلف على مال نفسه ممنوع ، ثمّ حكى عن النراقي في المستند أنّه استدلّ على المنع ـ مضافاً إلى دعوى الإجماع والأصل وظهور الروايات ـ بأنّ الحلف إنّما يكون فيما إذا نكل من

(1) مرّ في ص210 ـ 213 .
<<التالي الفهرس السابق>>