في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة461)



الجميع على ثبوت النسب به(1) .
أقول : لا إشكال بمقتضى الروايات المتقدّمة في ذيل المسألة السابقة في أنّه مع حصول العلم منها تجوز الشهادة على طبقها ، لا لأجل تحقّق الاستفاضة بل لحصول العلم ، وقد عرفت أنّه لا فرق في حصول العلم بين سبب وسبب إلاّ بالإضافة إلى الاُمور غير العادية ، كالجفر ، والرمل ، والنوم ومثلها ، وامّا مع عدم حصول العلم بل إفادتها الظنّ وإن كان متاخماً للعلم ففي جواز الشهادة بها ولو في خصوص الاُمور التسعة المذكورة في عبارة الدروس إشكال بل منع; لعدم قيام الدليل عليه ، ومجرّد عدم إمكان حصول العلم اليقيني في تلك الاُمور نوعاً ـ فانّه كيف يمكن العلم بتحقّق النسب مع أنّه فرع الزوجية وشرائط اللحوق متعددة ، وكيف يمكن العلم بتحقق الزوجية وهو فرع تحقق العقد الصحيح ، وشرائط خاصة يحتمل عدم واحد منها أو أزيد ـ لا يوجب عدم اعتبار العلم في مقام الشهادة وكفاية مجرّد الاطمئنان بل الظنّ في ذلك ، وقد عرفت في ذيل المسألة السابقة عدم اعتبار الاطمئنان هنا وإن كان معتبراً عند العقلاء ، ويعامل معه معاملة العلم في كثير من الموارد .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ ما ذكره في الدروس من كفاية الاستفاضة الظاهرة في الاستفاضة غير الموجبة للعلم ، حيث جعلها في مقابل الضابط في مقام تحمّل الشهادة وهو العلم لا يساعده دليل . نعم تجوز له الشهادة بالسبب كالتعبيرات المذكورة في المتن للعلم به ، وإن لم يكن له علم بالمسبّب كما لايخفى .


(1) قال في رياض المسائل : 9 / 535 : لا خلاف فيه بين الطائفة ، إلاّ من شيخنا في المسالك : 14 / 228 ، وبعض من تبعه .

(الصفحة462)



ثمّ الظاهر أنّ الشياع والتسامع والاستفاضة كلّها بمعنى واحد ، فعطف الاستفاضة على التسامع ثم إرجاع ضمير التثنية إليهما كما في المتن ممّا لا ينبغي ، وان اقتصر في مقام التعليل على ذكر الاستفاضة فقط .
ثم إنّا قد تكلّمنا في كتاب القضاء في حجّية الشياع وعدمها ، وذكرنا هناك أنّ عمدة الدليل على الحجّية قصة إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام) ودفعه الدراهم لشارب الخمر(1) ، وناقشنا في الاستدلال بها عليها (2) ، ونضيف هنا أنّه يوجد في الروايات مرسلة اُخرى لعلّه يمكن أن يستفاد منها الحجّية ، وهي مرسلة يونس بن عبد الرحمن، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن البيّنة إذا أُقيمت على الحقّ ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم : الولايات ، والمناكح ، والذبائح ، والشهادات ، والأنساب ، فإذا كان ظاهراً مأموناً جازت شهادته ، ولا يُسئل عن باطنه(3) .
ويرد عليها أوّلا: انّها مرسلة غير صالحة للحجّية ، وثانياً : انّها تدلّ على أنّ ثبوت الأمارة الشرعية على العدالة المعتبرة في الشاهد كافية ، ولا يعتبر العلم بالعدالة ، وكون ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً أمارة على ذلك ، كما دلّت عليه صحيحة ابن أبي يعفور(4) المعروفة الواردة في بيان ماهيّة العدالة ، والأمارة التي اعتبرها الشارع على العدالة ، وقد مرّ بيان الأمرين فراجع(5) ، وفرق بين كفاية

(1) وسائل الشيعة : 19 / 82 ، كتاب الوديعة ب6 ح1 .
(2) في ص51 ـ 52 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 392 ، كتاب الشهادات ب41 ح3 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1 .
(5) راجع ص 407 .

(الصفحة463)



الأمارة الشرعية وبين أنّ الشهادة مفتقرة إلى العلم بالمشهود به ، الذي هو محلّ البحث .
نعم هنا شيء وهو أنّه يظهر من صاحب الجواهر(1) الاتفاق على كون الشياع حجة في باب النسب; لاشتراك جميع الأقوال المتقدّمة بل ومرسلة يونس على ذلك ، فإن كان المراد ثبوت حجّيته في ذلك الباب بسبب الاجماع فبها ، وإلاّ فللنظر فيه مجال ، ويظهر من الشرائع خلاف ذلك ، حيث قال : وما يكفي فيه السماع فالنسب والموت والملك المطلق; لتعذّر الوقوف عليها مشاهدة في الأغلب ، ويتحقّق كلّ واحد من هذه بتوالي الأخبار من جماعة لا بضمّهم قيد المواعدة ، أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم . ثم قال : وفي هذا عندي تردّد(2) .
والظاهر أنّ مراده من السماع التسامع وهو غير السماع الذي عطفه على المشاهدة ، فانّ السماع في مقابلها ما يفيد العلم من طريق السماع ، كما أنّ المراد بالسّماع هنا التسامع والشياع ، كما أنّه ظهر من استدلاله عدم ثبوت الاجماع ولو في باب النّسب ، وتعذّر الوقوف عليه مشاهدة ـ مع أنّه تكفي الرؤية بالإضافة إلى النساء اللاتي تقبل شهادتهنّ في تلك الاُمور ـ انّما هو بالنسبة إلى النسب الشرعي المعتبر فيه شرائط اللّحوق من الدخول الحلال ، وعدم مضيّ أقصى الحمل ومضيّ أقلّه ، وامّا بالنسبة إلى النسب العرفي الذي يكفي في ترتّب كثير من أحكام النسب إلاّ مثل التوارث فلا تعذّر فيه أصلا .
وكيف كان فلا دليل على حجّية الشياع ولو في باب النسب ، كما هو ظاهر المتن .


(1) جواهر الكلام : 41 / 133 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 918 .

(الصفحة464)

مسألة 3 ـ هل تجوز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب ونحوها من الأمارات والاُصول الشرعية ، فكما يجوز شراء ما في يده أو ما قامت البيّنة على ملكه أو الاستصحاب ، كذلك تجوز الشهادة على الملكية . وبالجملة يجوز الاتكال على ما هو حجّة شرعية على الملك ظاهراً ، فيشهد بأنّه ملك مريداً به الملكيّة في ظاهر الشرع؟ وجهان ، أوجههما عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع . نعم ، تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية مع التصريح به بأن يقول : هو ملك له بمقتضى يده أو بمقتضى الاستصحاب لا بنحو الاطلاق ، ووردت رواية بجواز الشهادة مستنداً إلى اليد وكذا الاستصحاب1.


1 ـ في جواز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب أو نحوها من الأمارات الشرعية وكذا الاُصول المعتبرة ، كجواز الشراء مع وجود شيء من هذه الأدلّة وجهان . ومحلّ البحث ما إذا أراد الشهادة على الملكية المطلقة ، وامّا بالملكية الظاهرية المستندة إلى حجّة شرعية فلا مانع لها; لوجود العلم بثبوت الحجّة الشرعية الظاهرية ، وإن لم يكن له علم بالملكية الواقعية التي ينصرف إليها الملك المطلق .
قد ذكر في المتن : أنّ أوجه الوجهين عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع ، ولعلّ الوجه في الأوجهية ما عرفت من أنّ الضابط فيما به يصير الشاهد شاهداً العلم لدلالة الكتاب والسّنة عليه ، مضافاً إلى أنّ الشاهد بمعنى الحاضر ، وقد تنزّلنا إلى كلّ من يعلم ولو من غير الحواسّ المرتبطة ، وامّا من لا يكون له علم فلا يصدق عليه الشاهد ، والاُمور المذكورة من اليد والبيّنة والاستصحاب وإن كانت معتبرة بعنوان الأمارة أو الأصل العملي إلاّ أنّها لا تفيد العلم ، بل لا يكون اعتبارها لأجل إفادة الظنّ الشخصي فضلا عن العلم . امّا الاستصحاب فواضح ،

(الصفحة465)



وأمّا غيره من اليد والبيّنة فكذلك أيضاً; لأنّ اعتبارهما وإن كان بعنوان الاماريّة إلاّ أنّه غير مقيّد بإفادة حصول الظن الشخصي ، كما قد حقّق في محلّه .
وعليه فالحجّية أمر وجواز الشهادة على طبقها وعدمه أمر آخر ، ولا ملازمة بين المسألتين ، كما أنّ حجية اليد والبيّنة في نفسهما أمر وتقدّم البيّنة على اليد باعتبار انّ بيّنة المدّعي مقدّمة على يمين المنكر أمر آخر .
نعم هنا رواية أشار إليها في المتن تدلّ على الخلاف ، وهي رواية حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : قال له رجل : إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال : نعم . قال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد انّه له فلعلّه لغيره؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أفيحلّ الشراء منه؟ قال : نعم ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك؟ ثمّ تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق(1) .
ويظهر من الجواهر احتمالات لحمل الخبر على ما لا يخالف القاعدة ، عمدتها ترجع إلى أنّ المراد من الشهادة ليست الشهادة عند الحاكم في مورد التخاصم التي يختلف الحكم بإطلاقها ، بل المراد منها هي النسبة بأنّه له . قال : بل ظاهر قوله (عليه السلام)في  الآخر : «لو لم يجز» ـ إلى آخره ـ أو صريحه كون العمل على ملك ذي اليد الذي لا  منازع له ، لا الشهادة التي ذكرناها ، فانّه لا مدخلية لسوق المسلمين فيها ، بل الشهادة بالواقع الذي يعلمه لا ينافي قيام السوق ، ولا يتوقّف قيامه على

(1) وسائل الشيعة : 27 / 292 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب25 ح2 .

(الصفحة466)



الكذب  والتدليس(1) .
مع أنّه لو جازت الشهادة مستندة إلى اليد بالملك المطلق في صورة التنازع والتخاصم ، لا تزيد هذه الشهادة للحاكم أمراً زائداً على وجدان كون المال تحت يد المنكر ، الذي يكون إنكاره نوعاً لأجل كونه ذا اليد ، مع أنّ الغرض من البيّنة إفادة شيء زائد على التخاصم والتنازع ، كما لا يخفى .
أقول : لا مجال للاتكال على رواية واحدة في مقابل القاعدة الكلية التي عرفت عدم تخصيصها بمثل الشياع على النسب ، مع اتفاق الجلّ لولا الكلّ عليه .
وإن شئت قلت : إنّ الأدلّة المتقدّمة الدالّة على اعتبار العلم بالمشهود به للشاهد قرينة على أنّ المراد بالشهادة في هذه الرواية غير الشهادة في باب القضاء المبحوث عنه في المقام ، خصوصاً مع أنّ قياس جواز الشهادة بجواز الشراء باطل . فأيّ ملازمة بين جواز الشراء المترتّب على الحكم بالملكية ظاهراً وجواز الشهادة المترتّب على العلم بالمشهود به ، كما لا يخفى .
فانقدح أنّه لا مجال للاتّكال على الرواية في جواز الشهادة على طبق اليد ، هذا مع أنّه حكي عن الشيخ في العُدّة أنّه عملت الطائفة بما رواه حفص و . . . فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه(2) .
مع أنّه في السند على ما في التهذيب(3) القاسم بن محمّد ، وفي نقل الكليني(4)القاسم بن يحيى ، ولم يرد في شيء منهما توثيق ، غاية الأمر وقوع الثاني في اسناد

(1) جواهر الكلام : 41 / 144 .
(2) عدّة الاُصول : 1 / 149 .
(3) التهذيب : 6 / 261 ح695 .
(4) الكافي: 7 / 387 ح1.

(الصفحة467)



كتاب كامل الزيارات(1)، فهوموثَّق بالتوثيق العام ، ولا يكفي هذا الأمر هنا للترديد.
ثم إنّ هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على جواز الشهادة مستنداً إلى الاستصحاب ، وقد جعلها في الوسائل روايات ثلاثاً أوردها في باب واحد(2) ، وتبعه بعض الأعلام ، غاية الامر أنّه جعل واحدة منها شاهدة للجمع بين الاخريين(3) ، مع أنّها في الحقيقة رواية واحدة مع الاختلاف في السند ، وفي الاشتمال على جميع السؤالات وبعضها وفي الجواب .
وهي أنّه قال معاوية بن وهب : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يكون في داره ، ثمّ يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله ، ثمّ يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما أحدث في داره ، ولا ندري ما أحدث (حدث خ ل) له من الولد ، إلاّ أنّا لا نعلم أنّه أحدث في داره شيئاً ولا حدث له ولد ، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أنّ هذه الداردار فلان بن فلان ، مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان ، أونشهد على هذا؟ قال : نعم ، قلت : الرجل يكون له العبد والأمة فيقول : أبق غلامي أو أبقت أمتي فيؤخذ (فيوجد خ ل) بالبلد فيكلّفه القاضي البيّنة أنّ هذا غلام فلان لم يبعه ولم يهبه ، أفنشهد على هذا إذا كلّفناه ، ونحن لم نعلم أنّه أحدث شيئاً؟ فقال : كلّما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به(4) .
وفي بعضها في الجواب عن السؤال الأخير وجواز الشهادة على هذا إذا كلّفناه

(1) كامل الزيارات : 39 و167 و289 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 336 ، كتاب الشهادات ب17 .
(3) مباني تكملة المنهاج : 1 / 114 ـ 115 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 336 ، كتاب الشهادات ب17 ح2 .

(الصفحة468)

مسألة 4 ـ يجوز للأعمى والأصم تحمّل الشهادة وأداؤها إذا عرفا الواقعة ، وتقبل منهما ، فلو شاهد الأصمّ الأفعال جازت شهادته فيها ، وفي رواية : «يؤخذ بشهادته في القتل بأوّل قوله لا الثاني» وهي مطروحة ، ولو سمع الأعمى وعرف صاحب الصوت علماً جازت شهادته ، وكذا يصح للأخرس تحمّل الشهادة وأداؤها ، فان عرف الحاكم إشارته يحكم ، وإن جهلها اعتمد فيها على مترجمين عدلين ، وتكون شهادته أصلا ويحكم بشهادته1.


«قال : نعم»(1) ، وفي بعضها «إشهد بما هو علمك» ، وفيه: «إنّ ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس ، فقال : احلف إنّما هو على علمك»(2) .
ومع ملاحظة ما ذكرنا من اتحاد الروايات الثلاث لم يعلم أنّ جواب الإمام (عليه السلام)هو جواز الشهادة مطلقاً أو بالمقدار المعلوم ، فلا يجوز الاتكال عليها في حكم مخالف للقاعدة ، خصوصاً مع أنّ ما يدلّ على الجواز إنّما يدلّ عليه في صورة التكليف الظاهرة في صورة الاضطرار .
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ المراد من الرواية الواردة في المتن ليست رواية واحدة جامعة للحكم بجوازالشهادة مستنداًإلى اليد وإلى الاستصحاب، بل المرادمن الرواية جنسها الصادق على أزيد من واحدة ، فلا منافاة بين أن تكون الرواية التي توهّمت دلالتهاعلى الجوازفي اليدغيرالرواية التي توهّمت دلالتهاعلى الجوازفي الاستصحاب.

1 ـ يجوز للأعمى والأصم تحمّل الشهادة وأداؤها إذا عرفا الواقعة وتقبل منهما; لأنّ فقدان حسّ من الحواس الظاهرة لا يوجب إلاّ الممنوعية عن الإدراك بسبب

(1) وسائل الشيعة : 27 / 337 ، كتاب الشهادات ب17 ح3 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 336 ، كتاب الشهادات ب17 ح1 .

(الصفحة469)



تلك الحاسّة لا مطلقاً ، وعليه فلو شاهد الأصمّ الأفعال مثل القتل جازت شهادته فيها لأنّه من الأفعال ، ويكفي فيها المشاهدة القائمة بالبصر ، كما أنّه لو سمع الأعمى كاملا وعرف صاحب الصوت كذلك تجوز له الشهادة به لتقومه بالسّماع ، والأعمى لا يكون فاقداً لهذه الحاسّة .
هذا ، وفي رواية جميل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة الأصمّ في القتل؟ فقال : يؤخذ بأوّل قوله ولا يؤخذ بالثاني(1) ، ولكن هذا التفصيل ـ مع أنّه لا يناسب الأصمّ بل لعلّه مناسب لغير البالغ كما تقدّم في رواية واردة لشهادة غير البالغ بالقتل(2) ـ غير معمول به ، بل كما قال المحقّق في الشرائع : وهي نادرة(3) ، ولم يحك القول به إلاّ من الشيخ في النهاية(4) وتلميذه القاضي(5) وابن حمزة(6) .
وكذلك يصحّ للأخرس تحمّل الشهادة وأداؤها ، أمّا التحمّل فواضح ، وامّا الاداء فان عرف الحاكم إشارته من دون إجمال فيها لديه يحكم على طبقها بلا إشكال ، وإن لم يعرف اعتمد فيها على مترجمين عدلين عارفين بإشارته عن علم ، وقد مرّ نظيره سابقاً ، والظاهر أنّ المستند الأصلي لحكم الحاكم انّما هي شهادة الأخرس ، ويكون المترجمان واسطتين في ذلك ، كما إذا كان الشاهد متكلِّماً باللغة الإنجليزية والحاكم غير عارف بتلك اللغة ، ومستنداً في فهم لغة الشاهد إلى

(1) وسائل الشيعة : 27 / 400 ، كتاب الشهادات ب42 ح3 .
(2) تقدّم في ص392 ـ 393 .
(3) شرائع الإسلام : 4 / 918 .
(4) النهاية : 327 .
(5) المهذّب : 2 / 556 .
(6) الوسيلة : 230 .

(الصفحة470)



المترجم ، فانّه لا يكون مدركاً لحكم الحاكم بل المدرك هو أصل الشهادة وان كان الحاكم غير عارف .
قال المحقّق في الشرائع : ولا يكون المترجمان شاهدين على شهادته بل يثبت الحكم بشهادته أصلا لا بشهادة المترجمين فرعاً(1) ، وعلّله في الجواهر بأنّ شهادته عبارة عن إشارته التي أبداها ـ إلى أن قال : ـ نعم لو لم تقع منه إشارة بمحضر الحاكم لم تصحّ شهادتهما ، بناءً على عدم سماع شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل ، وقد حكى عن النافع والرياض ما حاصله ، أنّه لو أراد أن يشهد الإنسان على الأخرس بإقراره فليشهد بالإشارة التي رآها منه دالّة عليه ، ولا يقيمها بالإقرار الذي فهمه منها لاحتمال خطأه في الفهم فيتحقّق الكذب(2) .
وقد أورد على هذا الكلام أوّلا : بأنّ إشارة الأخرس كاللفظ من غيره ، فيكتفى بالظاهر منها ، وثانياً : بأنّه لا ينبغي الإشكال في جواز الشهادة عليه بالإقرار بمعنى الالتزام مع القطع بالمراد من إشارته; لأنّك عرفت أنّ مدار الشاهد على حصول العلم ، ومنه يظهر الحال في الترجمة أيضاً(3) .


(1) شرائع الإسلام : 4 / 920 .
(2) المختصر النافع : 289 ، رياض المسائل : 9 / 554 .
(3) جواهر الكلام: 41 / 149 .

(الصفحة471)





القول في أقسام الحقوق

مسألة 1 ـ الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق الله تعالى وحقوق الآدميّين ، امّا حقوق الله تعالى فقد ذكرنا في كتاب الحدود : أنّ منها ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين فليراجع إليه1.


1 ـ الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين ، وليس المراد من حقوق الله هو الحقّ في مقابل الحكم الذي وقع البحث في ثبوته وعدمه ، وربّما يقال بالأوّل وأنّ الحق ما يقبل الاسقاط دون الحكم ، فانّه غير قابل للاسقاط بوجه ، بل المراد منها هو الاُمور المنهيّ عنها التي عيّن الله لها حدّاً ، كالزنا واللواط والسحق وشرب الخمر وأمثال ذلك ، والمذكور في كتاب الحدود أنّ منها ما لا يثبت إلاّ بأربعة رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها ما يثبت برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين ، والتفصيل مذكور في كتاب الحدود ، وقد بحثنا عنها فيما سبق ، وقد طبع بعنوان جزء من أجزاء كتاب تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، فليراجع إليه .


(الصفحة472)

مسألة 2 ـ حق الآدمي على أقسام : منها ما يشترط في إثباته الذكورة فلا يثبت إلاّ بشاهدين ذكرين كالطلاق ، فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وهل يعم الحكم أقسامه كالخلع والمباراة؟ الأقرب نعم إذا كان الاختلاف في الطلاق ، وأمّا الاختلاف في مقدار البذل فلا ، ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدعية أو الرجل على إشكال في الثاني1.


1 ـ حقّ الآدمي على أقسام ، منها : ما يشترط في إثباته الذكورة فلا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات كالطلاق ، والأصل فيه قوله تعالى : {وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(1) الدالّ على وجوب الإشهاد عند الطلاق ذكرين عادلين ، ومن الواضح أنّ وجوب إشهادهما مقدّمة لادائهما الشهادة عند الاختلاف في وقوع الطلاق وعدمه ، فيدلّ بالملازمة العرفية على قبول شهادتهما في محضر الحاكم ووجود المدّعي والمنكر .
ودعوى أنّ وجوب إشهاد ذكرين عادلين لا دلالة له على ذلك ، فمن الممكن وجوب الاشهاد كذلك ، وأوسعية دائرة القبول أو أضيقيّتها يدفعها المتفاهم العرفي ، فالآية بحسب الفهم العرفي تدلّ على الاكتفاء بذكرين عادلين ، وعلى عدم قبول شهادة النساء في هذا الباب لا منفردات ولا منضمّـات .
هذا ، ويدلّ على عدم القبول روايات متكثّرة ، مثل :
صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: تجوز إذا كان معهنّ رجل. وكان عليّ (عليه السلام) يقول: لا أجيزها في الطلاق، الحديث(2).


(1) الطلاق 65 : 2 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .

(الصفحة473)



ورواية إبراهيم الحارقي (الحارثي أو الخارقي خ ل) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه ، وتجوز شهادتهنّ في النكاح ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(1) .
وصحيحة محمد بن مسلم قال : قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، ولا في الطلاق . وقال: سألته عن النساء تجوز شهادتهنّ؟ قال : نعم في العذرة والنفساء(2) .
ورواية زرارة التي في سندها سهل بن زياد قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال : نعم ، ولا تجوز في الطلاق(3) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال عليّ (عليه السلام) : شهادة النساء تجوز في النكاح ، ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(4) .
وغير ذلك من الروايات المتعدّدة الاُخرى التي تدلّ منطوقاً أو مفهوماً على عدم قبول شهادتهنّ في الطلاق مطلقاً لا منفردات ولا منضّمات ، كرواية محمد بن سنان ـ المرويّة في العلل وعيون الأخبار بأسانيده المشتملة على العلّة ـ عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه من العلل: وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال لضعفهنّ عن الرؤية ، ومحاباتهنّ النساء في الطلاق ، فلذلك لا تجوز شهادتهنّ إلاّ في  موضع ضرورة ، مثل شهادة القابلة ، وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه ،  الحديث(5) .


(1) وسائل الشيعة : 27 / 352 ، كتاب الشهادات ب24 ح5 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح8 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 354 ، كتاب الشهادات ب24 ح11 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 357 ، كتاب الشهادات ب24 ح25 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 365 ، كتاب الشهادات ب24 ح50 .

(الصفحة474)



وفي محكيّ الدروس انّه ضبط الأصحاب ذلك بكلّ ما كان من حقوق الآدميّين ليس مالا ولا المقصود به المال(1) ، وفي محكي كشف اللثام هو ما يطلع عليه الرجال غالباً وما لا يكون مالا ولا المقصود منه المال(2) ، ولكن ذكر في الجواهر : لم أقف في النصوص على ما يفيده بل فيها ما ينافيه(3) .
وكيف كان فلا شبهة في عدم اعتبار شهادتهنّ في الطلاق ، وإن حكي عن المبسوط(4) أنّه قوّى ثبوته بشهادة النساء منضمّـات ، بل في محكيّ المسالك نسبته إلى جماعة(5) ، والمتحقّق ما عن أبي علي من أنّه لا بأس بشهادتهنّ مع الرجال في الحدود والأنساب والطلاق(6) ، لكنّ الكتاب والسنّة على خلافه على ما عرفت ، وامّا الخلع والمباراة فقد استقرب في المتن انّهما كالطلاق ، والسرّ فيه ما هو المذكور في كتابهما من أنّهما قسمان من الطلاق ونوعان منه ، خلافاً لما حكي عن الشيخ في بعض كتبه(7) من أنّ الخلع فسخ لا طلاق ، وإن كان يؤيّده جعل الخلع والمباراة كتاباً مستقلاًّ بعد كتاب الطلاق ، لكنّ المستفاد من جملة من الروايات(8) ومن الأكثر(9)

(1) الدروس الشرعية : 2 / 137 .
(2) كشف اللثام : 2 / 378 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 159 .
(4) المبسوط : 8 / 172 .
(5) مسالك الأفهام : 14 / 251 .
(6) مختلف الشيعة : 8 / 457 ، وكذا حكى فيه عن ابن أبي عقيل أنّه قال : شهادة النساء مع الرجال جائزة في كلّ شيء إذا كنّ ثقات . . . مختلف الشيعة : 8 / 474 مسألة 74 .
(7) الخلاف : 4 / 424 مسألة 3 .
(8) راجع وسائل الشيعة، ب 3 و 5 من كتاب الخلع والمباراة .
(9) المقنعة: 528 ، مسائل الناصريات: 351 ـ 352 مسألة 165 ، الكافي في الفقه: 306 ، المراسم العلوية: 163 ، غنية النزوع: 373 ، المختصر النافع: 223.

(الصفحة475)

مسألة 3 ـ قيل : ما يكون من حقوق الآدمي غير المالية ولم يقصد منه المال لا تقبل شهادة النساء فيها لا منفردات ولا منضمّات ، ومثل لذلك بالإسلام والبلوغ والولاء والجرح والتعديل والعفو عن القصاص ، والوكالة والوصايا والرجعة وعيوب النساء والنسب والهلال ، وألحق بعضهم الخمس والزكاة والنذر والكفّارة ، والضابط المذكور لا يخلو من وجه وإن كان دخول بعض الأمثلة فيها محلّ تأمّل ، وتقبل شهادتهنّ على الرضاع على الأقرب1.


خلاف ذلك ، وأنّ الخلع قسم من الطلاق .
نعم ، ذلك إذا كان الاختلاف في أصل البينونة وحصول الخلع وعدمه ، وامّا إذا كان الاختلاف في مقدار البذل بعد الاتفاق على أصل الخلع فلا . نعم ، في الصورة الأولى لا فرق بين أن تكون المرأة هي المدّعية أو كان الرجل مدّعياً ، وإن استشكل في الثاني; لأنّ ادّعاء المرأة لا يكون مالا ولا المقصود منه المال ، ولا ملازمة بينه وبين المال أصلا ، ضرورة أنّه مع ثبوت الخلع لا يصل إليها المال بل يثبت عليها البذل ، وهذا بخلاف ما إذا كان المدّعي هو الرجل ، فانّ دعواه تلازم المال وإن لم يكن مقصوداً له بوجه .

1 ـ قد مرّ بيان الضابطة في محكيّ كلام الدّروس وفي محكيّ كشف اللثام ، لكنّ البحث في سند هذه الضابطة والدليل عليها ، وقد ذكر في الجواهر : أنّه لم يقف في النصوص على ما يفيده بل فيها ما ينافيه(1) ، فاللازم ما يدلّ عليه الروايات .
فنقول : أمّا ما يدلّ على عدم قبول شهادة النساء في الهلال لا منفردات ولا منضمّـات، فمثل رواية حمّادبن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لاتقبل شهادة النساء

(1) مرّ في ذيل المسألة السابقة .

(الصفحة476)



في رؤية الهلال ، ولا يقبل في الهلال إلاّ رجلان عدلان(1) .
وصحيحة العلاء ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال(2) .
نعم في رواية داود بن الحصين، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث طويل قال : لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلاّ شهادة رجلين عدلين ، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة(3) ، وحكى صاحب الوسائل عن الشيخ أنّه قال : الوجه في ذلك هوأن يصوم الإنسان بشهادة النساء استظهاراً واحتياطاً دون أن يكون ذلك واجباً(4).
ولكنّ الرواية معرض عنها باعتبار أنّه لم ينقل عن أحد الفتوى بمضمونها ، فانّ المحكيّ عن المبسوط(5) انّه أفتى بقبول الشاهد والامرأتين في الهلال لا امرأة واحدة ، وقد ادّعى في الغنية(6) الإجماع على عدم القبول .
وكيف كان فان كان اصطياد الضابطة من الموارد المتعدّدة التي دلّ الدليل على عدم قبول شهادتهنّ مطلقاً في كلّ واحد من الموارد ، كالأمور المذكورة في المتن ، فيرد عليه أنّه لم يقم دليل في المقام كذلك ، بل قام الدليل بالإضافة إلى بعضها فقط ، وإن كان المراد استفادة الضابطة من مثل الطلاق والهلال وبعض الأمور التي دلّ الدليل على عدم اعتبار شهادتهن فيه ، فيرد عليه منع جواز اصطياد القاعدة الكلية الجارية في جميع الأمور المذكورة في المتن من مثلهما ، خصوصاً مع أنّ الطلاق يعتبر

(1) وسائل الشيعة : 27 / 355 ، كتاب الشهادات ب27 ح17 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب27 ح18 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 361 ، كتاب الشهادات ب27 ح36 .
(4) التهذيب : 6 / 270 ذ ح 726 ، الإستبصار : 3 / 30 ذ ح 98 .
(5) المبسوط : 8 / 172 .
(6) غنية النزوع : 438 .

(الصفحة477)



فيه الإشهاد على ما عرفت ، وكون الهلال حقّ الآدمي محل تأمّل ، مضافاً إلى أنّه من الاُمور المرتبطة بعموم الناس ، وكثير من الناس يتصدّون للرؤية خصوصاً في أوّلي رمضان وشوّال ، مع أنّه يرد على المتن أنّ ذكر عيوب النساء في عداد الأمور المذكورة غير صحيح ، فانّ عيوب النساء خصوصاً الباطنة منها مثل العفل والبرص والجذام ممّا لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليها ، وقد دلّ الدليل على قبول شهادتهنّ بالإضافة إلى هذه الأمور .
ففي صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ـ إلى أن قال : ـ تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، الحديث(1) .
ورواية عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : تجوز شهادة النساء في العذرة ، وكلّ عيب لا يراه الرجل(2) .
وموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ(عليهم السلام) أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ، ولا نكاح ، ولا في حدود إلاّ في الديون ، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه(3) .
ويحتمل قويّاً أن تكون في الأصل «وعيوب النساء الظاهرة»، كماحكي عن أصل الوسيلة لآية الله المرحوم الإصبهاني ذلك(4)، ويؤيّده تقييدالعيوب بالباطنة في المسألة السادسة الآتية، التي حكم فيها بقبول شهادة النساء والفرق بينها وبين الظاهرة، فانتظر.


(1) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح10 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح9 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 362 ، كتاب الشهادات ب24 ح42 .
(4) وسيلة النجاة : 343 ، في العيوب الموجبة لخيار الفسخ في النكاح .

(الصفحة478)

مسألة 4 ـ من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين ، وبشاهد وامرأتين ، وبشاهد ويمين المدعي ، وبامرأتين ويمين المدّعي ، وهو كلّ ما كان مالا أو المقصود منه المال كالديون بالمعنى الأعم ، فيدخل فيها القرض وثمن المبيع والسلف وغيرها ممّا في الذّمة، وكالغصب وعقودالمعاوضات مطلقا، والوصية له والجناية التي توجب الدية ، كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم الذمي ، والمأمومة والجائفة وكسر العظام ، وغير ذلك ممّا كان متعلّق الدعوى فيها مالا أو مقصوداً منها المال ، فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتى بشهادة المرأتين واليمين على الأظهر1 ، وتقبل شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ الرّجل 2 .


ومن هذه الروايات يستفاد حكم شهادة النساء في الرّضاع وانّ شهادة النساء مقبولة فيه ، كما استقربه في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(1) ، خلافاً لما عن الأكثر(2)من العدم ، إستناداً إلى مرسلة ، وهي أنّه لا تقبل شهادة النساء في الرضاع(3) ، وهي غير موجودة في الاُصول ، فلا ينبغي توهم الإنجبار فيها ، كما لايخفى .

1 ـ كذا في طبعة الآداب / النجف الأشرف وأيضاً في طبعة مؤسسة النشر الإسلامي بقم، ولكن في الطبعة الثالثة / بيروت 1401هـ توزيع دار التعارف: بشهادة المرأة واليمين على الأظهر.

2 ـ القسم الثاني من حقوق الآدمي ما يثبت بغير شاهدين عدلين ذكرين أيضاً ،

(1) شرائع الإسلام : 4 / 921 .
(2) الخلاف: 6 / 257 ـ 258 مسألة 9 ، المبسوط: 5 / 311 ، السرائر: 2 / 137 ، الجامع للشرائع: 543 ، تحرير الأحكام: 2 / 212 ، وفي مسالك الأفهام: 14/259 نسبه إلى الأكثر.
(3) المبسوط : 8 / 175 .

(الصفحة479)



بل يثبت بشاهد وامرأتين وبشاهد ويمين المدّعي ، وبامرأتين ويمين المدّعى ، وهو كلّ ما كان مالا أو المقصود منه المال ، ولا فرق في الأوّل بين الدين والعين ، وقد ورد في آية الدين قوله تعالى : {وَاستَشهِدُوا شَهِيدَينِ مِن رِجَالِكُم فَاِن لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأتَانِ} الآية(1) ، كما أنّ الدين يشمل جميع الديون بالمعنى الأعم من القرض وثمن المبيع والسّلف وغيرها ممّا في الذمّة ، والعين تشمل الغصب وعقود المعاوضات مطلقاً وسائر الأمور المذكورة في المتن ، كما هو المشهور(2) .
ولكن بعض الأعلام(قدس سره) استقرب عدم الثبوت في مثل الغصب والوصية إليه والأموال ، نظراً إلى أنّه لا دليل على قيام المرأتين مقام رجل واحد في الموارد المزبورة ، ومقتضى الأصل العدم ، ولا وجه للتعدّي عن مورد الآية مع عدم القرينة على إلغاء الخصوصيّة ، ومعتبرة داود بن الحصين تدلّ على اختصاص الآية بالدين ، مضافاً إلى دلالة جملة من الروايات على عدم قبول شهادتهنّ مطلقا إلاّ فيما دلّ الدليل على اعتبارها(3) .
أقول : امّا معتبرة داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) فهي مشتملة على سؤال الراوي بعد حكمه (عليه السلام) بالفرق بين النكاح والطلاق ، بأنّه قال : فقلت : فأنّى ذكر الله تعالى قوله : {فَرَجُلٌ وَامرَأتَانِ}؟ فقال : ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ، الحديث(4) .

(1) البقرة 2 : 282 .
(2) المبسوط : 8 / 172 ، الجامع للشرائع : 542 ، شرائع الإسلام : 4 / 921 ، قواعد الأحكام : 2 / 239 ، الدروس الشرعية : 2 / 137 ـ 138 .
(3) مباني تكملة المنهاج : 1 / 126 مسألة 100 .

(الصفحة480)



ومن الواضح أنّ الدين فيه في مقابل النكاح والطلاق لا في مقابل الأموال الآخر ، فلا دلالة لها على الاختصاص بالدين ، ولو بني على الاختصاص بالمورد لكان اللازم الالتزام بالاختصاص بما إذا وقع بينهما التداين والدين إلى أجل مسمّى ، فيختص بالقرض المؤجّل إليه ، مع أنّ لازمه الاختصاص بما إذا استشهد رجلين ، ولا يعمّ صورة عدم الاستشهاد ، ولا يقول بذلك أحد ظاهراً ، فإذا بني على عدم الاختصاص بخصوص المورد فأيّ فرق بين الدين والعين على ما هو المتفاهم عرفاً ، وعليه فالدليل على قبول شهادتهنّ في سائر الديون هو الدليل على القبول في سائر الموارد .
نعم ، لا مجال للتعدّي إلى غير الأموال خصوصاً بعد ظهور مثل آية الطلاق في لزوم كون الشاهدين ذكرين عادلين، قال الله تعالى: {وَأشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) ، ويؤيّد ما ذكرنا مرسلة يونس ، عمّن رواه قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه ، الحديث(3) .
ثمّ إنّ هنا بعض الروايات الدالّة على إنحصار قبول شهادة النساء بالمنفوس والعذرة ، والمراد بالأوّل الولد وبالثاني البكارة ، ففي رواية عبدالله بن سنان قال : سألته عن امرأة حضرها الموت وليس عندها إلاّ امرأة أتجوز شهادتها؟ فقال : لاتجوز شهادتها إلاّ في المنفوس والعذرة(3) .
والظاهر أنّ المراد شهادة المرأة وحدها وعدم انضمام الرجل ولا مثل اليمين إليها،
(1) الطلاق 65 : 2 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح2 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 357 ، كتاب الشهادات ب24 ح24 .
<<التالي الفهرس السابق>>