في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة481)



وإلاّ تكون مخالفة للكتاب المصرّح ولو في الدين بأنّه {فَإنْ لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأتانِ} الآية ، ولجملة من الروايات الاُخر الدالّة على قبول شهادتهنّ في الموارد الاُخر ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله : قلت  : تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال  : نعم (2).
والروايات المتكثرة الاُخر الدالّة على قبول شهادتهنّ في النكاح ، وفي الرجم وفي غيرهما ، بل ظاهر بعض الروايات قبول شهادتهنّ وحدهنّ في القتل ، ففي صحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال : في القتل وحده ، إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : لا يبطل دم امرىء مسلم(3) .
وبالجملة : لا مجال لاحتمال اختصاص قبول شهادتهنّ بالمنفوس والعذرة .
فانقدح صحّة ما هو المشهور ـ وتبعه المتن ـ وعدم تمامية ما استقربه بعض الأعلام(قدس سره) من عدم الثبوت في غير الدين .
ثمّ إنّه قد تقدّم في كتاب القضاء في بحث «القول في الشاهد واليمين» أنّه لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي ، وعدم الحكم والقضاء بهما في حقوق الله تعالى ، كثبوت الهلال وحدود الله ، وأنّ الماتن(قدس سره) جعل الأشبه الاختصاص بالديون من بين حقوق الناس ، وأنّه لا يشمل مطلق الأموال أو ما يقصد بها كذلك ، وذكر أنّ المراد بالدين كلّ حقّ ماليّ في الذمة بأيّ سبب كان ،

(2) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 350 ، كتاب الشهادات ب24 ح1 .

(الصفحة482)



فيشمل ما استقرضه وثمن المبيع ومال الإجارة ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة ، وجوّز القضاء فيها بشهادة امرأتين مع اليمين(1) .
فالذي هاهنا يغاير ما هناك في أمرين :
أحدهما : قبول الشهادة مع اليمين في جميع حقوق الناس من الأموال أو ما يقصد به المال ، فانّك عرفت أنّه هناك جعل الأشبه الاختصاص بالديون بالمعنى الأعم ، وظاهره هنا عدم الاختصاص .
ثانيهما : الإكتفاء بشهادة المرأة الواحدة مع اليمين واستظهاره الثبوت بها هنا ، وإن كان في بعض نسخ التحرير ذكر المرأتين مكان المرأة في الجملة الأخيرة من هذه المسألة(2) ، ولكن سياق العبارة يناسب مع ما هنا . مع أنّه لم يتقدّم منه ذلك ، بل ظاهره العدم كما لايخفى .
أقول : امّا بالإضافة إلى الأمر الأوّل فقد عرفت أنّ مورد آية الدين الدالّة على قيام المرأتين مقام الرجل وإن كان هو القرض إلى أجل مسمّى إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص حكمها بالدين ولو بالمعنى الأعمّ; لأنه لو لم نقل بالتعدّي وإلغاء الخصوصية لكان اللازم التخصيص بما ذكر من القرض إلى أجل مسمّى ، ولم يقل به أحد لا المشهور ولا غيره ، وعليه فالحكم المذكور في آية الدين يشمل جميع الحقوق المالية من الدين وغيره .
وامّا في مسألة الاكتفاء بالشهادة واليمين فانّه وإن لم يمكن استفادة حكمها من الآية الشريفة; لدلالتها على قيام المرأتين مقام الرجل في مطلق الحقوق المالية ، ولم


(1) كتاب القضاء من تفصيل الشريعة : 189 .
(2) تحرير الوسيلة: 2/403 ـ 404 مسألة 4 ، ط : مؤسسة النشر الإسلامي بقم ، وكذا ط : مطبعة الآداب في النجف الأشرف ، 1387هـ .

(الصفحة483)



يقم دليل على اتّحاد مورده مع مورد الشاهد واليمين ، إلاّ أنّك عرفت في كتاب القضاء في باب الشاهد واليمين أنّ مقتضى التحقيق بعد ملاحظة الطوائف المختلفة من الروايات الواردة في هذا المجال الحكم بجريان الشاهد واليمين في جميع حقوق الناس المالية وغيرها ، وإن كان الاحتياط يقتضي الاقتصار على خصوص الأولى ، كما أنّه قد تقدّم في ذلك الباب أنّه يثبت الحقّ بشهادة امرأتين مع اليمين(1); لدلالة صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين ، يحلف بالله أنّ حقّه لحقّ(2) . ومرسلة منصور بن حازم قال : حدّثني الثقة ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز(3) .
والظاهر أنّ المراد هو الحق المالي لقبوله المطالبة ، وعليه فالمراد بالدين هو الأعمّ من العين ، كما في الآية الشريفة على ما عرفت .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام(قدس سره) أنّ المراد بشهادة النساء في صحيحة الحلبي هي شهادة المرأتين ، فانّها هي التي كانت جزء البيّنة والجزء الآخر شهادة رجل واحد ، وإذا لم يكن رجل واحد كانت يمين المدّعي بمنزلته ، وبها يقيّد إطلاق صحيحته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء في الدين
وليس معهنّ رجل(4) بما إذا كانت معهنّ يمين الطالب(5) .

(1) كتاب القضاء من تفصيل الشريعة : 196 ـ 198.
(2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح3 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح4 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح20 .
(5) مباني تكملة المنهاج : 1 / 128 مسألة 101 .

(الصفحة484)



أقول : وإن كانت المرسلة المتقدّمة يؤيّده في أنّ المراد بشهادة النساء هي شهادة المرأتين ولا تشمل شهادة الواحدة ، إلاّ أنّ الالتزام بتعدّد صحيحتي الحلبي وأنهما روايتان في كمال الصعوبة والاشكال خصوصاً مع وحدة السند ، فانّه في كلتيهما روى عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ; وعليه يكون الحاكي عن الرسول(صلى الله عليه وآله) هو الإمام (عليه السلام) ، وغرضه من الحكاية بيان الحكم بهذه الكيفية ، ففي إحداهما ذكر يمين المدّعى وفي الأُخرى قد وصفت شهادة النساء بأنّه ليس معهنّ رجل ، ويمكن أن يكون المراد شهادة أربع نسوة مكان شاهدين ذكرين ، أو شاهد وامرأتين ، أو شاهد ويمين ، ولأجله يشكل الحكم بقبول شهادة المرأتين مع اليمين فضلا عن المرأة الواحدة ; لأنّها فاقدة للدليل المعتبر .
امّا الصحيحة فلأنّها مردّدة ، وامّا المرسلة فلأنّها غير معتبرة على ما أفاده بعض الأعلام(قدس سره)(1) ، أضف إلى ذلك ما دلّ بعمومه على عدم قبول شهادة النساء مطلقاً إلاّ فيما ثبت بدليل .
هذا ، ويمكن أن يقال : إنّ استناد المشهور إلى المرسلة جابر لضعفها بالإرسال ، إذ لا يوجد ظاهراً رواية دالّة على اعتبار شهادة امرأتين بانضمام اليمين غير هذه الرواية ، أو يقال : بأنّه قد روى صاحب الوسائل الرواية في نفس الباب عن
الصدوق باسناده إلى منصور بن حازم(2) ، فليراجع .
ثم إنّه لو بني على تعدّد صحيحتي الحلبي أمكن أن يقال بعد تقييد إطلاق كلّ

(1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 128 مسألة 102 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح1 .

(الصفحة485)



منهما بقيد الآخر : بالدلالة على قبول شهادة المرأة الواحدة مع اليمين; لعدم تماميّة ما أفاده بعض الأعلام(قدس سره) من كون المراد بشهادة النساء هي شهادة المرأتين ، بل ظهورها في مطلق النساء ولو كانت واحدة ، ولا يكون ذكر المرأتين في المرسلة قرينة على كون المراد من الصحيحة أيضاً ذلك . أو يقال : بأنّه يمكن الاستناد إليهما بالإضافة إلى القدر المتيقن منهما ، وهي شهادة المرأتين في الدين بانضمام اليمين فيما إذا لا يكون رجل معهنّ ، فتدبّر واغتنم ما ذكر في هذا المجال . هذا كلّه في غير النكاح .
وامّا النكاح فالمذكور في المتن انّه تقبل شهادتهنّ إذا كان معهنّ رجل ، وحكي ذلك عن الصدوقين(2) والإسكافي والعماني(3) والحلبي(4) وغيرهم(5) . بل نسب ذلك إلى أكثر المتأخّرين(6) ، بل حكي عن الغنية الإجماع عليه(7) ، لكن عن جماعة من
القدماء(7) بل المنسوب إلى المشهور عدم القبول(8) في هذه الصورة أيضاً ، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في هذا المجال; لأنّها على طوائف مختلفة :

(1) المقنع : 402 ، وحكى عنهما في مختلف الشيعة : 8 / 474 و480 مسألة 74 .
(2) حكى عنهما في مختلف الشيعة : 8 / 480 مسألة 74 .
(3) الكافي في الفقه : 439 .
(4) كالشيخ في المبسوط : 8 / 172 والتهذيب : 6 / 280 والإستبصار : 3/25 ، والمحقق في شرائع الإسلام : 4/921 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 2 / 238 ـ 239 وإرشاد الأذهان : 2 / 159 ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد : 4 / 432 ، والشهيد الأوّل في الدروس الشرعية : 2 / 137 .
(5) رياض المسائل : 9 / 510 .
(6) غنية النزوع : 439 .
(7) كالشيخ المفيد في المقنعة : 727 ، والشيخ الطوسي في الخلاف : 6 / 252 مسألة 4 ، وسلاّر في المراسم : 234 ، وابن حمزة في الوسيلة : 222 ، وابن إدريس في السرائر : 2 / 115 .
(8) غاية المرام : 4 / 295 .

(الصفحة486)



الطائفة الاُولى : ما دلّ على عدم قبول شهادة النساء في النكاح مطلقا ، كموثقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ، ولا نكاح ، ولا في حدود إلاّ في الديون ، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه(1) . ويؤيّدها ما دلّ على عدم قبول شهادتهنّ إلاّ في المنفوس والعذرة(2) .
الطائفة الثانية : ما دلّ على قبول شهادتهنّ في النكاح مطلقا ، مثل رواية زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ فقال : نعم ، ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(3) .
ولكن ذكر بعض الأعلام(قدس سره) : إنّ أخبار هذه الطائفة كلّها ضعاف(4) .
الطائفة الثالثة : ما دلّ على قبول شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز إذا كان معهنّ رجل . وكان عليّ (عليه السلام) يقول : لا اُجيزها في الطلاق ، الحديث(5) .
ورواية أبي بصير المشتملة على قوله: وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل ، ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(6) .
وهذه الطائفة الثالثة إمّا شاهدة للجمع بين الأوليين على تقدير اعتبار الطائفة


(1) وسائل الشيعة : 27 / 362 ، كتاب الشهادات ب24 ح42 .
(2) راجع وسائل الشيعة ، كتاب الشهادات ب24 ح2 ، 8  ، 14 ، 18 ، 19 ، 21 ، 24 و 46 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 354 ، كتاب الشهادات ب24 ح11 .
(4) مباني تكملة المنهاج : 1 / 125 مسألة 100 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
(6) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح4 .

(الصفحة487)

مسألة 5 ـ في قبول شهادتهنّ في الوقف وجه لا يخلو عن إشكال ، وتقبل شهادتهنّ في حقوق الأموال ، كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد المتعلّق بالأموال ، ونحو ذلك ممّا هي حقوق آدمي ، ولا تقبل شهادتهنّ فيما يوجب القصاص1.


الثانية ولو ببعضها ، وامّا مقيّدة لإطلاق الأولى على تقدير عدم الاعتبار ، وعلى أيّ فينتج ما أفاده في المتن من التفصيل .
ثمّ إنّ رواية داود بن الحصين المتقدّمة الواردة في تفسير آية الدين ، والحكم باختصاصها به تدلّ على قبول شهادة المرأتين في النكاح بلا رجل معهنّ ، لكنّها شاذّة مهجورة ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب من هذه الجهة; لعدم قابليتها للجمع ولا للحمل المذكورين; لاختصاص السؤال فيها بما إذا لم يكن رجل معهنّ ، وان وجّهنا حكمها باختصاص الآية بالدين كما عرفت .

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في أمور :
الأمر الأول ، في الوقف : فالمحكي عن جماعة(1) ثبوته بشهادة النساء ، لكن استشكل الماتن وبعض الأعلام(قدس سرهما)(2) في ذلك نظراً إلى انّه لا دليل على اعتبار شهادة المرأتين منضمّة مع شهادة الرجل في المورد المذكور ، ولا مجال لتوهّم الاستفادة من آية الدين(3) والغاء الخصوصية منها ، وان قلنا بعدم الاختصاص

(1) كالشيخ في المبسوط : 8 / 189 ـ 190 ، والمحقق في شرائع الإسلام : 4 / 921 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 2/213 و 239 ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد : 4 / 434 ـ 435 ، والشهيد الأوّل في الدروس الشرعية : 2/138 مقيّداً بما إذا كان الوقف خاصاً ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام : 14/257 .
(2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 126 مسألة 100 .
(3) البقرة 2: 282 .

(الصفحة488)



بالدين وقلنا بأنّ المراد هوالدين بالمعنى الأعم أو الشامل للعين أيضاً كما اخترناه .
الأمر الثاني ، في حقوق الأموال : كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد المتعلّق بالأموال ونحو ذلك ممّا هي حقوق آدمي ، وفي المتن قبول شهادتهنّ فيها ، والوجه فيه أنّه مما يقصد به الأموال وان لم يكن بنفسه مالا ، وقد عرفت في المسألة الرابعة القبول فيه .
الأمر الثالث ، فيما يوجب القصاص : وفي المتن عدم قبول شهادتهنّ فيه ، والدليل عليه موثقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام)قال : لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في القود(1) ، وبذلك يجمع بين ما يدلّ على عدم جواز شهادتهنّ في القتل ، مثل صحيحة ربعي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : لا تجوز شهادة النساء في القتل(2) ، وبين صحيحة جميل ومحمد بن حمران المتقدّمة الدالّة على جواز قبول شهادة النساء بالقتل ، معلّلا له بأنّه لا يبطل دم امرئ مسلم(3) ، بحمل الأولى على نفي القود وحمل الثانية على ثبوت الدّية . ويمكن أن يقال بدلالة الثانية على ثبوت الدية في مورد قتل العمد الموجب للقصاص أيضاً ،
وإلاّ يلزم البطلان ، فتدبّر .
وأمّا صحيحة عبد الرحمن المشتملة على قوله : تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال(4) ، فالظاهر أنّه شاذّ لا عامل به منّا ، ولابدّ من ردّ علمه إلى أهله(5) ،
(1) وسائل الشيعة : 27 / 358 ، كتاب الشهادات ب24 ح29 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 358 ، كتاب الشهادات ب24 ح27 .
(3) تقدّمت في ص481.
(4) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح21 .
(5) راجع مباني تكملة المنهاج : 1 / 123 مسألة 99 .

(الصفحة489)



مسألة 6 ـ من حقوق الآدمي ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمّات ، وضابطه كلّ ما يعسر إطلاع الرجال عليه غالباً ، كالولادة والعذرة والحيض وعيوب النساء الباطنة ، كالقرن والرتق والقرحة في الفرج ، دون الظاهرة كالعرج والعمى1.


على أنّ الاشتمال على هذا الذيل غير موجود في الرواية على بعض الطرق والأسانيد(1) ، خصوصاً في نقل الكليني(2) الذي هو أضبط .

1 ـ التفصيل بين العيوب الظاهرة للنساء وبين العيوب الباطنة لهنّ قرينة على أنّ المراد بعيوب النساء في المسألة الثالثة ليس إلاّ خصوص الظاهرة ، والدليل على قبول شهادتهنّ فيها وفي مثلها كالولادة والعذرة والحيض ـ مضافاً إلى ما مرّ من أنّه لا تقبل شهادة النساء إلاّ في المنفوس والعذرة ـ عدّة روايات بعضها واردة في العذرة والنفساء ، وبعضها في عيوب النساء الباطنة .
امّا الأوّل : فصحيحة العلاء ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، وسألته هل تجوز شهادتهنّ وحدهنّ؟ قال : نعم ، في العذرة والنفساء(3) .
وصحيحة محمد بن مسلم قال : سألته تجوز شهادة النساء وحدهن؟ قال : نعم في العذرة والنفساء(4) .
وامّا الثاني : فصحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :

(1) التهذيب : 6 / 270 ح731 ، الإستبصار : 3 / 31 ح37 .
(2) الكافي : 7 / 392 ح10 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح18 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح19 .

(الصفحة490)

مسألة 7 ـ كلّ موضع تقبل شهادة النساء منفردات لا يثبت بأقلّ من أربع ، نعم تقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع ميراث المستهل وربع الوصية ، والاثنتين في النصف والثلاث في ثلاثة أرباع ، والأربع في الجميع ، ولا يلحق


لا  تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ـ إلى أن قال : ـ تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه(1) .
وموثقة عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : تجوز شهادة النساء في العذرة ، وكلّ عيب لا يراه الرجل(2) .
وموثقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ(عليهم السلام)أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ، ولا في حدود إلاّ في الديون ، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه(3) .
وليعلم أنّ مفاد هذه الروايات جواز شهادتهنّ وحدهنّ في هذه الاُمور ، وامّا جواز شهادة الرجال فيها منفرداً أو منضمّاً فلا ينفيه هذه الروايات ، مع أنّ عدم جواز النظر للرجال لا يجتمع مع اعتبار العدالة في الشهادة واعتبار كون الشهادة مستندة إلى النظر ، وبهذا يستشكل في الشهادة على الزنا بنحو الميل في المكحلة ، مع
أنّه لا يجتمع مع عدم جواز النظر كذلك للرجال ، إلاّ أن يقال بتحقّق التوبة الواقعية المعادة معها العدالة المعتبرة في الشاهد أو حصولها في مقام الاداء ، أو تحقّق النظر غير المحرّم كالنظرة الأولى ، أو عدم حرمة النظر لأجل إقامة الشهادة أو غير ذلك من الوجوه ، فتدبّر .

(1) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح10 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح9 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 362 ، كتاب الشهادات ب24 ح42 .

(الصفحة491)



بها رجل واحد ، ولا يثبت به أصلا1.


1 ـ امّا الضابطة الأولى فللاستفادة من آية الدين(1) ، وأنّ المرأتين تقوم مقام رجل واحد ، فبعد إفادة الدليل بقبول شهادتهنّ منفردات عن الرجال وعن اليمين يبقى اعتبار الأربع لتتمّ البيّنة الشرعية على حاله . نعم ، قد عرفت اعتبار المرأتين مع اليمين ، بل المرأة الواحدة كذلك على احتمال(2) ، ولكنّها مفروضة في صورة الانضمام مع اليمين كالرجل الواحد مع اليمين ، وامّا في صورة الانفراد فلا .
وامّا قبول شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع الوصية وربع ميراث المستهل والاثنتين في النصف وهكذا ، فتدلّ عليه روايات متعدّدة ، مثل :
صحيحة ربعي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي ليس معها رجل ، فقال : يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها(3) .
وموثقة أبان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في وصية لم يشهدها إلاّ امرأة فأجاز شهادتها في الربع من الوصيّة بحساب شهادتها(4) .
وصحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر ، عن أمير المؤمنين(عليهما السلام) أنّه قضى في
وصية لم يشهدها إلاّ امرأة ، فأجاز شهادة المرأة في ربع الوصية(5) ، ثمّ إنّ صاحب الوسائل(قدس سره) حكى رواية أخرى لمحمد بن قيس مشتملة على إضافة قوله: إذا كانت

(1) البقرة 2 : 282 .
(2) تقدّم في المسألة الرابعة من هذا المبحث .
(3) وسائل الشيعة : 19 / 316 ، كتاب الوصايا ب22 ح1 .
(4) وسائل الشيعة : 19 / 317 ، كتاب الوصايا ب22 ح2 .
(5) وسائل الشيعة : 19 / 317 ، كتاب الوصايا ب22 ح4 .

(الصفحة492)



مسلمة غير مريبة في دينها(1) ، والظاهر اتحاد الروايتين ، كما نبّهنا عليه في مثله مراراً .
هذا ، ولكن في مقابلها مثل صحيحة عبد الرحمن قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلاّ امرأة تجوز شهادتها؟ قال : تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس . وقال : تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرّجل(2) .
وصحيحة عبدالله بن سنان (سليمان خ ل) قال : سألته عن امرأة حضرها الموت وليس عندها إلاّ امرأة أتجوز شهادتها؟ فقال: لا تجوز شهادتها إلاّ في المنفوس والعذرة(3).
ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن (عليه السلام) : امرأة شهدت على وصية رجل لم يشهدها غيرها ، وفي الورثة من يصدّقها ، ومنهم من يتّهمها ، فكتب : لا ، إلاّ أن يكون رجل وامرأتان ، وليس بواجب أن تنفذ شهادتهما(4) ، وهذه الرواية ضعيفة بإبراهيم بن محمد; لعدم ثبوت وثاقته .
والجمع بين الطائفتين امّا ما يدلّ على اختصاص قبول شهادة النساء بالمنفوس والعذرة فقد عرفت الجواب عنه ، وإنّ هنا روايات كثيرة تدلّ على القبول في
غيرهما(5) ، وامّا ما ظاهره عدم القبول في الوصية فاطلاقه وان كان ذلك إلاّ أنّه يقيّد بالربع في خصوص الوصية التمليكية بلحاظ روايات الطائفة الأولى; لإطلاق

(1) وسائل الشيعة : 19 / 317 ، كتاب الوصايا ب22 ح3 .
(2) وسائل الشيعة : 19 / 318 ، كتاب الوصايا ب22 ح6 .
(3) وسائل الشيعة : 19 / 318 ، كتاب الوصايا ب22 ح7 .
(4) وسائل الشيعة : 19 / 319 ، كتاب الوصايا ب22 ح8 .
(5) مرّ في المسألة السابقة .

(الصفحة493)



الوصية الشامل للوصية التمليكية وغيرها كما لا يخفى ، وعلى تقدير الاختصاص بالوصية التمليكية بلحاظ كلمة الربع يكون التقييد بنحو أوضح .
ثمّ إنّ الحلبي روى في الصحيح قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن امرأة ادّعت أنّه أوصى لها في بلد بالثلث وليس لها بيّنة؟ قال : تصدّق في ربع ما ادّعت(1) . ومن المعلوم انّها شاذّة لا عامل بظاهرها منّا; لأنّه لا يصدّق المدّعي بمجرّد دعواه ، ولا مجال لأن يكون شاهداً لنفسه ، هذا كلّه بالإضافة إلى ربع الوصية كذلك .
وامّا بالإضافة إلى ربع ميراث المستهل فظاهر عدّة من الروايات القبول ، سواء كانت الشاهدة هي القابلة أو امرأة اُخرى ، مثل :
صحيحة عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل ، فوضعت بعد موته غلاماً ثم مات الغلام بعدما وقع إلى الأرض ، فشهدت المرأة التي قبلتها أنّه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض ثم مات؟ قال : على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام(2) .
وموثقة سماعة قال: قال: القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة امرأة واحدة(3) .
ويستفاد من بعض الروايات قبول شهادة القابلة في ثبوت تمام الارث ، مثل:
صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ـ إلى أن قال : ـ وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس(4) .

(1) وسائل الشيعة : 19 / 317 ، كتاب الوصايا ب22 ح5 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 352 ، كتاب الشهادات ب24 ح6 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 357 ، كتاب الشهادات ب24 ح23 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح10 .

(الصفحة494)



وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله : قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال : نعم ، وسألته عن شهادة القابلة في الولادة؟ قال : تجوز شهادة الواحدة، وقال : تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة ، الحديث(1) .
ومقتضى هاتين الصحيحتين ثبوت تمام الارث بشهادة القابلة ، إلاّ أنّه لابدّ من رفع اليد عن اطلاقهما بالصحيحة والموثقة المتقدّمتين ، هذا بالإضافة إلى القابلة . وامّا بالنسبة إلى غيرها فتدلّ عليه روايات ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم قال : سألته تجوز شهادة النساء وحدهنّ؟ قال : نعم ، في العذرة والنفساء(2) . وصحيحة العلاء ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال . وسألته هل تجوز شهادتهنّ وحدهنّ؟ قال : نعم ، في العذرة والنفساء(3) .
وصحيحة عبد الرحمن قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلاّ امرأة تجوز شهادتها؟ قال: تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس، الحديث(4) ، فانّ مقتضى إطلاقها عدم الاختصاص بالقابلة بل تعمّ غيرها .
نعم يمكن أن يقال بعدم كون المراد بقوله (عليه السلام) : «وحدهنّ» هي المرأة الواحدة ، بل المراد عدم انضمام الرجال واليمين معها ، وعليه فقول السائل في الرواية الأخيرة : «وليس عندها إلاّ امرأة» ليس هي المرأة الواحدة ، بل المراد هي الوحدة من جهة

(1) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح19 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح18 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح21 .

(الصفحة495)

فروع :
الأوّل : الشهادة ليست شرطاً في شيء من العقود والايقاعات إلاّ الطلاق والظّهار1.


الطبيعة والماهيّة ، وعليه فلا دليل يعتمد عليه على جواز قبول شهادة المرأة الواحدة غير القابلة ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا يلحق بالمرأة الواحدة الرجل الواحد وان كانت شهادته تعادل اثنتين بمقتضى الآية الشريفة(1) ، إلاّ أنّه لا دليل على إطلاق المعادلة ولا على أولوية الرجل من المرأة من هذه الجهة ، كما لا يخفى .

1 ـ امّا شرطية الشهادة في الطلاق فلدلالة قوله تعالى في آية الطلاق : {وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) الظاهر في وجوب اشهاد رجلين عادلين ، وقد مرّ عدم جواز شهادة النساء في الطلاق لا منفردات ولا منضمّات(3) ، بخلاف النكاح الذي تجوز شهادتهنّ فيه إذا كان معهنّ رجل(4) ، وامّا شرطيتها في الظهار فلما سيجيء في كتابه من الدليل على ذلك .
وامّا عدم الشرطية في غيرها من العقود والايقاعات فلعدم الدليل عليها حتى مثل قوله تعالى في آية الدين : {وَاستَشهِدُوا شَهِيدَينِ مِن رِجَالِكُم فَإِن لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأتَانِ}(5) الآية ، لأنّه محمول على الاستحباب; لعدم كون


(1) البقرة 2: 282 .
(2) الطلاق 65 : 2 .
(3) مرّ في المسألة الثانية من هذا المبحث .
(4) مرّ في المسألة الرابعة من هذا المبحث .
(5) البقرة 2 : 282 .

(الصفحة496)

الثاني: حكم الحاكم تبع للشهادة، فإن كانت محقّقة نفذالحكم ظاهراً وواقعاً، وإلاّ نفذ ظاهراً لا واقعاً ، ولا يباح للمشهود له ما حكم الحاكم له مع علمه ببطلان الشهادة، سواءكان الشاهدان عالمين ببطلان شهادتهما أومعتقدين بصحتها1.


الاستشهاد شرطاً للقرض ومثله إجماعاً(1) ، بل هو كقوله تعالى : {وَليَكتُب بَينَكُم كَاتِبٌ بِالعَدلِ} ، ضرورة عدم وجوب الكتابة ، نعم ذهب العامّة إلى اعتبار الإشهاد في صحة النكاح(2) ، وعن ابن أبي عقيل اختيار هذا القول في النكاح الدائم(3) .
والروايات الدالّة على هذا القول بين ما هو ضعيفة سنداً(4) أو غير تامّة من حيث الدلالة(5) ، مضافاً إلى وجود الروايات المستفيضة الدالّة على عدم اشتراط الاشهاد في النكاح(6) ، مثل :
صحيحة زرارة بن أعين قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام)عن الرجل يتزوّج المرأة بغير شهود؟ فقال : لا بأس بتزويج البتّة فيما بينه وبين الله ، انّما جعل الشهود في تزويج البتّة من أجل الولد لولا ذلك لم يكن به بأس(7) .

1 ـ امّا تبعية الحكم للشهادة فلقوله(صلى الله عليه وآله) : «انّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»
(1) راجع الخلاف : 6 / 249 مسألة 1 ، وكشف اللثام : 2 / 383 ، وجواهر الكلام : 41 / 178 .
(2) الأم : 5 / 22 ، ومختصر المزني : 164 ، والحاوي الكبير : 11 / 84 ، وبداية المجتهد : 2 / 17 ، والمغني لابن قدامة : 7 / 340 ، وحلية العلماء : 6 / 365 و 8 :245 .
(3) حكى عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : 7 / 118 مسألة 58 .
(4) هي رواية المهلّب الدلاّل عن أبي الحسن (عليه السلام)، وسائل الشيعة:21/34،كتاب النكاح،أبواب المتعة ب11 ح11.
(5) هي رواية المعلّى بن خنيس، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، وسائل الشيعة: 21/65، كتاب النكاح، أبواب المتعة  ب31 ح3.
(6) اُنظر وسائل الشيعة : 20 / 97 ـ 100 أبواب مقدّمات النكاح ب43 .
(7) وسائل الشيعة : 20 / 98، أبواب مقدّمات النكاح ب43 ح3 .

(الصفحة497)

الثالث : الأحوط وجوب تحمّل الشهادة إذا دعي إليه من له أهلية لذلك ، والوجوب على فرضه كفائي لا يتعيّن عليه إلاّ مع عدم غيره ممّن يقوم بالتحمّل ، ولاإشكال فيوجوب أداء الشهادة إذا طلبت منه، والوجوب هاهنا أيضاً كفائي1.


وامّا عدم الإباحة للمشهود له في صورة العلم ببطلان الشهادة فلقوله(صلى الله عليه وآله) بعد العبارة المذكورة : وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فانّما قطعت له به قطعة من النار(1) ، وفي رواية الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه(عليهم السلام) ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي ، أنّه نهى عن أكل مال بشهادة الزّور(2) ، والروايات الاُخر الواردة في هذا المجال ، وهذا من دون فرق أن يكون الشاهدان عالمين ببطلان شهادتهما أو معتقدين بصحتها .

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين :
الأمر الأول : في وجوب تحمّل الشهادة إذا دعي إليه من له أهلية كذلك وعدمه ، والمشهور شهرة عظيمة هو الوجوب(3); لدلالة روايات كثيرة عليه ، مثل:
صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزوجلّ: {وَلاَ يَأبَ الشُّهَدَاءُ}(4) قال : قبل الشهادة ، وقوله : {وَمَن يَكتُمهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلبُه}(5) ، قال : بعد الشهادة(6) .


(1) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح2 .
(3) المقنعة : 728 ، النهاية : 328 ، الكافي في الفقه : 436 ، المراسم : 235 ، غنية النزوع : 441 ، مختلف الشيعة : 8 / 523 ، اللمعة الدمشقية : 54 ، مسالك الأفهام : 14 / 266 .
(4  ، 5) البقرة 2: 282 ـ 283.
(6) وسائل الشيعة : 27 / 309 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 1 .

(الصفحة498)



وموثقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ: {وَلاَ يَأبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} ، فقال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول : لا أشهد لكم(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : {وَلاَ يَأبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال : لا ينبغي لأحد إذا دُعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول : لا أشهد لكم عليها . وقال : فذلك قبل الكتاب(2) .
ورواية داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يأب الشاهد أن يجيب حين يدعى قبل الكتاب(3) .
وما رواه الصدوق باسناده عن محمد بن الفضيل قال : قال العبد الصالح (عليه السلام) : لا ينبغي للذي يدعى إلى الشهادة أن يتقاعس عنها(4) ، إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
هذا ، ويمكن أن يقال : بأنّ التعبير بـ «لا ينبغي» ـ خصوصاً مع وقوعه في مقام
تفسير الآية غير ـ ظاهرة في الوجوب ، لأنّه مثل قوله تعالى : {وَلاَ يَأبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ}(5) مع عدم وجوب الكتابة عليه ظاهراً ، لا دلالة له على الوجوب ، وان كانت الآية في نفسها ظاهرة في النهي التحريمي عن الإباء عن التحمّل ، ولكن مع ذلك كلّه فالأحوط الوجوب ، كما في المتن .

(1) وسائل الشيعة : 27 / 310 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 5 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 310 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 4 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 310 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 6 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 311 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 9 .
(5) البقرة 2 : 282 .

(الصفحة499)



ثمّ إنّه ربما يقيّد الوجوب بصورة عدم الضرر ، فان كان المنشأ فيه حديث «لاضرر»(2) المعروف فقد ذكرنا عدم ارتباطه بالأحكام الأوليّة وبالعنوان الثانوي ، كما نبّهنا عليه مكرراً ، وان كان المنشأ هو دعوى انصراف دليل وجوب التحمّل إذا دعي عن صورة الضرر ، فلا يبعد الالتزام به كما لا يخفى .
ثم إنّه ذكر في المتن : إنّ الوجوب على فرضه كفائي لا يتعيّن عليه إلاّ مع عدم غيره ممّن يقوم بالتحمّل .
ويرد عليه أنّ ظاهر الآية الشريفة والروايات الواردة في تفسيرها انّ الوجوب عينيّ مع الدعوة إلى الشهادة ، ولا مانع من الالتزام به لو لم يكن إجماع على خلافه ، خصوصاً مع ملاحظة أمرين : أحدهما: عدم شهود الواقعة نوعاً إلاّ لعدد معدود وجماعة مخصوصة ، وثانيهما : الافتقار إلى إقامة الشهادة بعد التحمّل ، ويمكن أن لا يبقى المتحمّلون بأجمعهم إلى زمان الاداء لفرض الموت للبعض أو عدم إمكان الإقامة لهم ، وعليه فلا ملازمة بين التحمّل والاداء ، وقد ذكر في علم الاصول أنّه مع التردّد بين العيني والكفائي يتعيّن الحمل على العيني ، وان كان الوجه المذكور في الكفاية(3) لذلك مخدوشاً جدّاً .
الأمر الثاني : في وجوب اداء الشهادة إذا طلبت منه ذلك .
فنقول : الدليل على الوجوب قبل كلّ شيء هو قوله تعالى : {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}(1) ، خصوصاً مع ملاحظة قول الإمام (عليه السلام) في صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة في الأمر الأوّل في قوله تعالى : {وَمَن يَكتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلبُهُ} من أنّه بعد


(1) وسائل الشيعة : 25 / 427 ـ 429 ، كتاب إحياء الموات ب12 ح1 و3 و4 و5 .
(2) كفاية الاُصول : 99 .
(3) البقرة 2 : 283 .

(الصفحة500)



الشهادة أي بعد تحمّلها ، وهو مقام الاقامة والاداء ، وامّا كون الوجوب هنا كفائياً أيضاً فهو وإن كان أظهر من سابقه لكنّه لا دليل عليه . والمذكور في كلام بعض الأعلام(قدس سره) من أنّ الوجوب الكفائي وان كان قد ذهب إليه الأكثر(2) لكنّه لم يظهر وجهه(3) .
أقول : لا بدّ من فرض البحث فيما إذا لم يثبت الحقّ بعد ، ضرورة أنّه مع ثبوته لا حاجة إلى الشاهد الآخر أصلا ، وحينئذ نقول : إنّ من الممكن جرح الحاكم بعض الشهود ، فإذا اقتصر على المقدار اللازم يلزم عدم صدور الحكم من الحاكم أصلا ، بخلاف ما إذا تصدّى للاداء جميع المتحمّلين ، فالإنصاف أنّه لا دليل على كون الوجوب في هذه الصورة كفائياً أيضاً .


(1) المبسوط : 8 / 186 ـ 187 ، إصباح الشيعة : 530 ، شرائع الإسلام : 4 / 922 ، قواعد الأحكام : 2 / 240 ، اللمعة الدمشقية : 54 ، مسالك الأفهام : 14 / 264 ، جواهر الكلام : 41 / 184 .
(2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 139 مسألة 108 .
<<التالي الفهرس السابق>>