في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)

يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحدّ ، وكان القود على الشهود زوراً مع ردّ الدية على حساب الشهود ، ولو طلب الوليّ القصاص كذباً وشهد الشهود زوراً ، فهل القود عليهم جميعاً أو على الوليّ أو على الشهود؟ وجوه ، أقربها الأخير1.


جهة الاستناد وعدمه ، فإنّ المشروعية وعدمها لا دخل لها في هذه الجهة ، فالظاهر حينئذ عدم ثبوت القصاص في مفروض المسألة على المكره ، نعم لايبعد ثبوت الدية كما تقدّم .

1 ـ لو شهد شاهدان بما يوجب القتل حدّاً أو قصاصاً ، كالإرتداد ، أو قتل العمد الموجب للقصاص ، أو شهد أربعة بما يوجب الرجم كالزنا المقرون بالإحصان ، ثمّ ثبت بالإقرار أو بغيره أنّهم شهدوا زوراً ، بعضاً أو كلاًّ ، بعد استيفاء الحدّ أو القصاص ، فالكلام يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في الحدّ كالارتداد والزّنا ، والكلام فيه تارة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الباب ، وأُخرى مع ملاحظتها .
أمّا مع قطع النظر عنها ، فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة ثبوت القود على شهود الزّور ، ولا مجال لثبوته على الحاكم الآمر ولا المأمور المباشر ، لأنّ الحكم بالنسبة إلى الأوّل ، والإجراء والتصدّي بالإضافة إلى الثاني كان أمراً مشروعاً راجحاً بل واجباً ، ولا معنى لثبوت القصاص فيه ، وأمّا شهود الزور الّذين كانوا عالمين بكذبهم في مقام أداء الشهادة ، وأنّ المشهود عليه بريء ممّا يوجب القتل من الارتداد والزنا ونحوهما ، فالقتل يكون منسوباً إليهم لأقوائية السبب في مثل المقام من المباشر عند العرف والعقلاء ، وحيث يكون القتل عدواناً لعلمهم بكذبهم

(الصفحة82)



فالقود ثابت عليهم ، غاية الأمر أنّه إذا كان شاهد الزور واحداً يثبت القود عليه ، وليس على الوليّ ردّ الدية أو شيء منه ، وإذا كان أزيد من واحد يجري حكم الشريكين أو الشركاء في القتل ، فيجب عليه ردّ الدية إذا أراد قتل الاثنين ، أو ديتين إذا أراد قتل الثلاثة ، وهكذا .
وأمّا مع ملاحظتها فقد ورد في المسألة روايات:
منها: مرسلة ابن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزّنا ، ثم رجع أحدهم بعدما قتل الرجل ، فقال: ان قال الرابع (الراجع ـ ظ): وهمت ضرب الحدّ وغرم الدّية ، وإن قال: تعمّدت قتل(1) .
ومثلها موثقة مسمع كردين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ، ثم رجع أحدهم فقال : شككت في شهادتي ، قال: عليه الدّية قال: قلت: فإنّه قال: شهدت عليه متعمّداً ، قال: يقتل(2) .
وظاهرهما وإن كان ثبوت تمام الدية على الراجع وإن كان واحداً ، إلاّ أنّه لابدّ من حملها على الرّبع إذا كان واحداً  ، وربعين إذا كان اثنين ، وهكذا ، بقرينة الروايات الآتية .
ومنها: رواية أُخرى لمسمع ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها ، فيرجم ، ثم يرجع واحد منهم . قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبّه عليّ ، فإن رجع اثنان وقالا: شبّه علينا غرما نصف الدّية ، وإن رجعوا وقالوا : شبّه علينا ، غرموا الدية ، وإن قالوا: شهدنا

(1) وسائل الشيعة: 19 / 96 ، أبواب القصاص في النفس ب 63 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 240 ، كتاب الشهادات ب 12 ح3 .

(الصفحة83)



بالزّور قتلوا جميعاً(1) . ومثلها رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام)(2) .
ومنها: رواية الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل أنّه زنى فرجم ، ثم رجعوا وقالوا : قد وهمنا ، يلزمون الدية ، وإن قالوا: إنّما تعمّدنا ، قتل أيّ الأربعة شاء وليّ المقتول ، وردّ الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني ، ويجلد الثلاثة كلّ واحد منهم ثمانين جلدة ، وإن شاء وليّ المقتول أن يقتلهم ردّ ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة ، ويجلدون ثمانين كلّ واحد منهم ، ثم يقتلهم الإمام . الحديث(3) .
والظاهر أنّ الحدّ المذكور في مثل هذه الرواية هو حدّ القذف الذي هو ثمانون جلدة ، غاية الأمر وجود الاختلاف بين الرّوايات من جهة ظهور المرسلة في ثبوت هذا الحدّ في صورة الوهم دون العمد ، وظهور الرواية الأخيرة في عدم ثبوته في غير صورة التعمّد ، بل في التفصيل في صورة التعمّد بين ما إذا اختار قتل واحد من الأربعة ، وبين ما إذا اختار قتلهم جميعاً ، بعدم ثبوته فيه ، دونهم ، واللاّزم في هذه الجهة ملاحظة موارد ثبوت القذف ، وقد تقدّم التفصيل في كتاب الحدود ، فراجع .
المقام الثاني: في القصاص ، ويتصوّر فيه من جهة علم الوليّ بالكذب كالشهود وجهله ، ومن جهة تصدّيه لاستيفاء حق القصاص بالمباشرة أو اقتصاره على مجرّد المطالبة فروض:
أحدها: ما إذا كان الوليّ جاهلاً بكذب الشهود ، وقد طلب القصاص باعتقاد

(1) وسائل الشيعة: 19 / 97 ، أبواب القصاص في النفس ب 64 ح1  .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 243 ، كتاب الشهادات ب 14 ح2 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 97 ، أبواب القصاص في النفس ب 64 ح2 .

(الصفحة84)

مسألة 40 ـ لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح بحيث لا يبقى له حياة مستقرّة ، فذبحه آخر ، فالقود على الأوّل وهو القاتل عمداً ، وعلى الثاني دية


كونه مستحقّاً له عقيب حكم الحاكم ، ولا خفاء في هذا الفرض في عدم ثبوت القود على الوليّ بوجه ، وإن تصدّى للقصاص بالمباشرة ، لعدم كون عمله صادراً عدواناً وغير مشروع ، فلا يوجب القصاص بوجه ، فالقود في هذا الفرض على شهود الزور فقط .
ثانيها: ما إذا كان الوليّ عالماً بكذب الشهود وعدم كون حق القصاص ثابتاً له بوجه ، ومع ذلك يتصدّى للإستيفاء بالمباشرة ، ويتحقّق منه القتل متعمّداً ، ولا تنبغي المناقشة في ثبوت القود في هذا الفرض على خصوص الوليّ ، لصدور القتل منه متعمّداً عالماً بكونه غير مشروع ، وأنّه يصدر عدواناً ، ولا وجه للإستناد إلى الشهود أيضاً ، وإن كانت شهادتهم صارت موجبة لفتح هذا الباب عليه ، إلاّ أنّه لا يوجب بمجرّده الاستناد بوجه .
وعلى تقدير التنزّل عمّا ذكرنا ، لا مجال لإخراج الوليّ عن دائرة القصاص رأساً واحتمال كون القود ثابتاً على خصوص الشهود ، لا أقلّ من التشريك ، كما لا يخفى .
ثالثها: ما إذا كان الوليّ عالماً بالكذب ، ولكنّه لم يتحقّق منه إلاّ مجرّد المطالبة من دون أن يتحقّق منه الإستيفاء ، بل المباشر له هو المأمور من قبل القاضي ، ويجري فيه احتمال ثبوت القود على الوليّ والشهود معاً ، لكون كلّ من الشهادة والمطالبة مؤثِّرة في تحقّق القتل ، فهو مستند إلى كليهما ، وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يكون التشريك بنحو التنصيف ، بأن يعدّ الشهود واحداً والوليّ واحداً ، ويمكن أن يكون بنحو التقسيط على الرؤوس ، لما مرّ من أنّه لا يحسب في الشركة على القتل إلاّ الرؤوس ، ولا ينظر إلى مقدار تأثير العمل كمّاً وكيفاً .


(الصفحة85)

الجناية على الميت ، ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرّة فذبحه آخر فالقود على الثاني ، وعلى الأوّل حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً ، سواء كان الجرح ممّا لا يقتل مثله أو يقتل غالباً1.


واحتمال ثبوت القود على خصوص الوليّ ، لكون طلبه السّبب القريب والجزء الأخير لصدور القتل وتحقّقه ، فهو منسوب إليه دون الشهود .
واحتمال ثبوته على خصوص الشهود ، كما استقربه المتن ، نظراً إلى أنّ الأصل في تحقّق هذا العمل هي شهادة الزور ، والمطالبة إنّما تكون متفرِّعة عليها ، فالقتل منسوب إلى خصوص الشهود ، ولكنّ الظاهر أقربية الاحتمال الثاني لما ذكرنا .
ثمّ إنّه يرد على المتن ـ بعد وضوح عدم شموله للفرض الأوّل ـ أنّه إن كان المراد كلا الفرضين الأخيرين فمن الواضح أنّه لا يجري في الفرض الثاني الاحتمالات الثلاثة ، ولا مجال للحكم بأقربية الإحتمال الأخير فيه بوجه ، وإن كان المراد خصوص الفرض الأخير ، كما لا تبعد دعواه ، فلا وجه لترك التعرّض للفرض الثاني ولو بصورة الاستدراك والاستثناء ، خصوصاً مع التعرّض له في مثل الشرائع(1) ، فتدبّر .

1 ـ في هذه المسألة فرعان:
الأوّل: ما لو جنى عليه جناية ، فصيّره بذلك في حكم المذبوح ، بأن لا تبقى حياته مستقرّة ، بحيث لا يدرك ولا يكون له نطق اختياري ولا حركة كذلك ، كالغنم بعد فري أوداجه الأربعة ، فإنّ الحركة الثابتة له حركة غير اختيارية ، وكذا الصوت الصادر منه ، وفي هذا الحال ذبحه إنسان آخر ، فلا مجال للإشكال حينئذ في أنّ القود

(1) شرائع الإسلام : 4 / 976  .

(الصفحة86)

مسألة 41 ـ لو جرحه اثنان ، فاندمل جراحة أحدهما وسرت الأخرى فمات ، فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها ، وعلى الثاني القود ، فهل


على الأوّل ، لأنّه القاتل حقيقة ، وعلى الثاني الذابح دية قطع رأس الميت ، لأنّ ذبحه لا يخرج عن هذا العنوان . وستعرفها إن شاء الله تعالى في بحث الديات .
ثمّ إنّه ذكر العلاّمة في محكيّ القواعد: «ولو قتل مريضاً مشرفاً على الموت وجب القود»(1) وفي شرحه كشف اللّثام: «وإن لم يكن بقيت له حياة مستقرّة لصدق القتل ، والفرق بينه وبين من جنى عليه جناية لم تبق له حياة مستقرّة وقوع جنايتين مضمونتين عليه ، وإنّما نوجب القصاص على أدخلهما في تلف النفس ; لأنّ المريض ربّما انتهى إلى مثل تلك الحالة ثم برأ ; للاشتراك ، نعم يصلح ضميمة إلى ما قلنا»(2) .
ويرد عليه إنّ الحكم بعدم ثبوت القود على الذابح فيما هو المفروض في المقام ليس إلاّ لأجل كون ذبحه واقعاً على من هو بحكم الميت من جهة عدم بقاء حياته مستقرّة ، لا لأجل كون الجناية الاُولى أدخل في تلف النفس ، ومن المعلوم تحقّق هذا الملاك في مثال المريض بعينه ، وكون الجناية في المقام مضمونة لا يقتضي نفي القود عن الذابح بعد إمكان تحقّق الاشتراك وإجراء حكم الشريكين عليه ، وأدخلية الأوّل لا توجب مزية في مورد الشركة ، كما أشرنا إليه مكرّراً .
وبالجملة: بعد فرض كون المريض في حال لم يكن بقيت له حياة مستقرّة بالمعنى

(1) قواعد الأحكام: 2 / 283  .
(2) كشف اللّثام: 2 / 445  .

(الصفحة87)

يقتل بعد ردّ دية الجرح المندمل أم يقتل بلا ردّ؟ فيه إشكال ، وإن كان الأقرب عدم الردّ1.


الذي ذكرنا ، لا يكون قتله إلاّ كالذبح في فرض الجناية ، ولا فرق بينهما أصلاً ، كما  لايخفى .
الثاني: ما لو كان الذبح في الفرض الأوّل في حال بقاء حياته مستقرّة ، والظّاهر أنّ الجاني الأوّل في هذا الفرض لا ينطبق عليه إلاّ عنوان الجارح فقط ، فيترتّب عليه حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً ، من دون فرق بين ما إذا كان جرحه ممّا يؤثِّر في القتل غالباً كشقّ الجوف ، وما إذا لم يكن كقطع الأصابع . واقتضاء الأوّل وإيجابه للموت على تقدير عدم الذبح لا يترتّب عليه أثر ، بعدما صار الذبح موجباً لقتله وسبباً فعلياً لتحقّقه .
ومنه يظهر أنّ الجاني الثاني هو القاتل ، والذي يستند إليه القتل فعلاً فالقود عليه ، وحكي عن مالك(1) جعل الأوّل قاتلاً إذا كانت جراحته تقضي بالموت ولو بعد يوم أو يومين مثلاً . وقد ظهر ممّا ذكرنا ضعفه .

1 ـ لا مجال للإشكال في أنّ من اندملت جراحته ولم تسر أصلاً لا يترتّب عليه إلاّ دية الجراحة أو قصاصها ، لعدم استناد القتل إليه بوجه ، وفي أنّ من سرت جنايته حتّى مات يكون عليه القصاص لاستناد القتل إليه . إنّما الإشكال في أنّه هل يجب على وليّ المقتول في صورة أخذ دية الجراحة ردّها إلى من عليه القصاص ، كما

(1) حكى عنه في جواهر الكلام: 42 / 58 ، ونسب هذا القول إلى بعض العامّة في مسالك الأفهام: 15/94 ، لكن لم نعثر تصريحاً بذلك في كتب العامّة على ما تتبعنا ، بل قال ابن قدامة في المغني: 9/384: «ولا أعلم فيه مخالفاً» .

(الصفحة88)

مسألة 42 ـ لو قطع أحدٌ يده من الزند وآخر من المرفق فمات ، فإن كان قطع الأوّل بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني ، كما لو كانت الآلة مسمومة وسرى السمّ في الدّم وهلك به وبالقطع الثاني كان القود عليهما ، كما أنّه لو كان القتل مستنداً إلى السمّ القاتل في القطع ولم يكن في القطع سراية كان الأوّل قاتلاً فالقود عليه ، وإذا كان سراية القطع الأوّل انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلاً1.


صرّح به المحقّق في الشرائع(1) ، أو لايجب عليه ذلك ؟ فيه وجهان .
ومنشأهما إنّ المقام هل يكون مماثلاً لما إذا كانت كلتا الجراحتين مسريتين مؤثِّرتين في الموت ، حيث إنّه يجب على فرض قصاص أحدهما أن يردّ عليه نصف الدية المأخوذ من الآخر ، أو يكون مماثلاً لما إذا قتل مقطوع اليدين أو الرجلين ، حيث يستحقّ وليّ المقتول القصاص من القاتل وإن كان كاملاً والمقتول ناقصاً ، لعدم اشتراط التساوي في هذه الجهة في القصاص؟
الظاهر هو الثاني لثبوت الفرق بين المقام وبين الفرض الأوّل بعد عدم استناد القتل هنا إلاّ إلى خصوص الثاني ، كما لايخفى .

1 ـ لا إشكال في ثبوت القصاص على الجارحين ، إذا كان كلّ واحد من الجرحين مسرياً مؤثِّراً في الموت ، بأن كان كلّ واحد في عرض الآخر وغير مرتبط به ، كما إذا قطع أحد يده والآخر رجله ، إنّما الإشكال فيما إذا دخل الأوّل في الثاني وكان بينهما طولية ، كالمثال المذكور في المتن . ومنشأ الإشكال أنّ الجناية الثانية قد صارت مانعة عن سراية الجناية الأولى ; لعدم بقاء موضوعها معها ، بخلاف الصورة الأولى ، وعليه فيشكل الحكم بثبوت القصاص على الجاني الأوّل بعد

(1) شرائع الإسلام: 4 / 977  .

(الصفحة89)

مسألة 43 ـ لو كان الجاني في الفرض المتقدّم واحداً دخل دية الطرف في دية النفس على تأمّل في بعض الفروض ، وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً أو لا مطلقاً ، أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات بضربة واحدة ، فلو ضربه ففقئت عيناه وشجّ رأسه فمات دخل قصاص الطرف في قصاص النفس; وأمّا إذا كانت الجنايات بضربات عديدة لم يدخل في قصاصها ، أو يفرق بين ما كانت الجنايات العديدة متوالية ، كمن أخذ سيفاً وقطع الرجل إرباً إرباً حتّى مات فيدخل قصاصها في قصاص النفس ، وبين ما إذا كانت متفرّقة كمن قطع يده في يوم وقطع رجله في يوم آخر ، وهكذا إلى أن مات فلم يدخل قصاصها في قصاصها؟ وجوه ، لا يبعد أوجهية الأخير ، والمسألة بعد مشكلة ، نعم لا إشكال في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات ، فمن قطع يد رجل فلم يمت واندملت جراحتها ثم قطع رجله فاندملت ثم قتله يقتصّ منه ثم يقتل1.


انقطاع سراية جنايته بجناية الثاني .
نعم لو فرض بقاء السراية بعد القطع الأوّل ، كما لو كانت الآلة مسمومة وسرى السمّ في الدّم ، فإن كان الموت مسبَّباً عنه فقط يثبت القود عليه ، وإن كان مسبَّباًعنه وعن القطع الثاني كان القود عليهما ، لسببية كلتا الجنايتين وعدم ثبوت مزية في البين ، فالقصاص على الشخصين .

1 ـ المراد بالفرض المتقدّم ما إذا كانت الجناية الثانية مؤثِّرة في القتل ومانعة عن سراية الجناية الأولى . والكلام فيه إنّما هو فيما إذا كانت كلتاهما صادرتين من شخص واحد ، تارة من جهة الدية وأخرى من جهة القصاص .


(الصفحة90)



أمّا الكلام في الدية ، فمحصَّله أنّ الإجماع قائم على أنّ دية الطرف داخلة في دية النفس ، ولكنّ القدر المتيقّن منه إنّما هو ما إذا كانت الدية ثابتة بالأصالة ، بأن كان الحكم الأوّلي المجعول فيه الدية من جهة الجرح والقتل ، وأمّا إذا كانت الدية قد انتقل إليها بعد العفو عن القصاص بحيث قد صولح بها عنه فلا يعلم شمول الإجماع له ، بل يتفرّع ذلك على ملاحظة حكم القصاص من جهة الدخول وعدمه ، كما لايخفى . ولولا الإجماع أو نوقش فيه لأمكن استفادة الحكم في بعض الفروض من صحيحة أبي عبيدة الآتية في بحث القصاص .
وأمّا الكلام في القصاص فتفصيله أنّ فيه أقوالاً أربعة:
القول بالدخول مطلقاً ، وهو الذي اختاره الشيخ في موضع من المبسوط(1)والخلاف(2) ، وحكي عن التبصرة(3) والجامع(4) .
والقول بعدم الدخول مطلقاً ، وهو الذي اختار الشيخ أيضاً في موضع آخر من الكتابين(5) . وقيل : هو خيرة السرائر(6) ، والمحقِّق في نكت النهاية(7) ، وإليه مال ابن زهرة(8).
والتفصيل بين ما إذا كانت الجناية بضربة واحدة ، وبين ما إذا كانت بضربات

(1) المبسوط: 7 / 22 و 113  .
(2) الخلاف: 5 / 163 مسألة 23  .
(3) تبصرة المتعلّمين: 193  .
(4) الجامع للشرائع: 594  .
(5) المبسوط: 7 / 21 ، والخلاف : 5/210 ، مسألة 89 .
(6) السرائر: 3 / 405 ـ 406  .
(7) نكت النهاية: 3 / 446  .
(8) غنية النزوع: 408  .

(الصفحة91)



عديدة ، بالدخول في الأوّل وعدمه في الثاني . وهو الذي اختاره الشيخ في النهاية(1) ، وحكم بأقربيته المحقِّق في الشرائع(2) ، وحكي عن التحرير(3)والإرشاد(4) والتلخيص(5) والمسالك(6) والروضة(7) ، بل نسبه في الأخير إلى أكثر المتأخرين .
والتفصيل بين ما إذا كانت الجنايات العديدة متوالية ، وبين ما إذا كانت متفرّقة ، بالدخول في الأوّل وعدمه في الثاني ، وهو الذي نفى في المتن البعد عن أوجهيته ، وإن قال بعده: والمسألة بعد مشكلة .
ولابدّ من توضيح محلّ هذه الأقوال ومركز البحث والنزاع ، فنقول:
إنّ هنا فرعين: لا إشكال ولا خلاف ظاهراً في الدخول في أحدهما وعدم الدخول في الآخر .
الأوّل: ما إذا كان الموت مسبباً عن سراية الجناية الاُولى ، كما إذا قطع يده فسرت إلى نفسه ، ولا إشكال فيه في عدم ترتّب ما عدى قصاص النفس عليه ، ولا مجال لاحتمال قطع اليد وقصاص النفس معاً .
الثاني: الفرض المذكور في المتن أخيراً ، وهو ما لو اندملت الجراحة ثم تعرّض لقتله ، ولا وجه فيه سوى الحكم بثبوت قصاصين ، وعدم دخول قصاص الطرف

(1) النهاية: 771  .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 977  .
(3) تحرير الأحكام: 2 / 243 و 254  .
(4) إرشاد الأذهان: 2 / 199  .
(5) تلخيص الخلاف: 3 / 136 مسألة 23  .
(6) مسالك الأفهام: 15 / 98 ـ99  .
(7) الروضة البهية: 10 / 92 ـ 93  .

(الصفحة92)



في قصاص النفس .
إذا عرفت هذين الفرعين فاعلم أنّ محل البحث في المقام هو الوسط بين الفرعين ، بمعنى تعدّد الجناية الواقعة فيه ، فيغاير الأوّل لعدم صدور أزيد من جناية واحدة فيه ، وعدم تحقّق الاندمال المانع عن السراية ، فيغاير الثاني لفرض عدم السراية فيه بوجه .
وبعد ذلك يقع الكلام تارة فيما هو مقتضى القواعد والأدلّة العامة الواردة في القصاص ، وأُخرى فيما هو مقتضى الروايات الخاصة الواردة في المقام ، فنقول:
أمّا من جهة القواعد والأدلّة العامة مثل : قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ والسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}إلى آخر الآية(1) . فلا إشكال في أنّ مقتضاه تعدّد القصاص فيما إذا كانت الجنايات العديدة متفرّقة واقعة في أزمنة مختلفة وإن لم يتخلّل بينهما الإندمال ; لأنّ مقتضى الآية جواز قصاص العين بالعين مثلاً مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا تحقّق بعد جناية العين جناية أخرى موجبة للموت ، وما إذا لم تتحقّق جناية كذلك ، لعدم وقوع التقييد فيه .
كما أنّ مقتضى الآية الجواز كذلك من دون فرق بين ما إذا كانت الجنايات العديدة متحقّقة بضربات متعدّدة ، وبين ما إذا كانت متحقّقة بضربة واحدة ، وإن كان ظاهر المحقّق في الشرائع خلافه ، حيث قال في وجه أقربية قول النهاية:

(1) المائدة 5 : 45  .

(الصفحة93)



«لثبوت القصاص بالجناية الأولى ، ولا كذا لو كانت الضربة واحدة»(1) فإنّ ظاهره اقتضاء مثل الآية من الأدلّة العامة للتفصيل الذي اختاره ، مع أنّ الظاهر خلافه ; لعدم وقوع التقييد فيها بما إذا كانت الضربات متعدّدة ; لأنّ مقتضاها وقوع العين في مقابل العين بعنوان القصاص ، من دون فرق بين ما إذا كان جناية القتل واقعة بعدها ، وما إذا لم تقع كذلك .
فكما أنّه لا فرق في قصاص الأطراف مع التعدّد ، بين ما إذا كانت الجنايات الموجبة لقصاصها واقعة بضربات متعدّدة أو بضربة واحدة ، ضرورة أنّه لو ضرب كذلك ، ففقأ العين وقطع الأذن يترتّب عليه قصاصان ، كذلك لا فرق في قصاص الطرف بين ما إذا كان القتل الواقع بعد الجناية على العضو ، بضربة تلك الجناية أو بضربة أخرى متعدّدة .
وأمّا الدخول في مسألة السراية ، فهو إمّا للإجماع ، وإن كان مقتضى القاعدة فيها عدم الدخول أيضاً ، وإمّا لثبوت الفرق بينها وبين المقام ، من جهة تحقّق جناية واحدة فيها فقط متعلّقة بالعضو ، وإن كان يحكم عليه بثبوت القود بالإضافة إلى النفس ، إلاّ أنّ الحكم قد ثبت عليه للإجماع على خلاف مقتضى القاعدة الواردة في موجب القصاص ، وأمّا في المقام فقد تحقّق فيه جنايتان ، ولو كانت الضربة واحدة.
وإن شئت قلت: إذا قطع اليد فسرت فمات ، فهذا ـ أي قطع اليد ـ بمنزلة ضرب العنق المترتّب عليه الموت ، ولا يلاحظ العضو في هذه الصورة مستقلاًّ ، بخلاف المقام الذي يكون المفروض فيه عدم استناد القتل إلى قطع العضو ، بل كان كلّ منهما

(1) شرائع الإسلام: 4 / 977  .

(الصفحة94)



مسبَّباً عن الضربة الواحدة الصادرة منه ، كما لايخفى .
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مقتضى القاعدة في المقام هو الحكم بعدم الدخول مطلقاً .
وأمّا بملاحظة الروايات فلابدّ من نقلها وملاحظة مفادها ، فنقول:
منها: رواية صحيحة لمحمد بن قيس ، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل فقأ عيني رجل وقطع أذنيه ثم قتله ، فقال: إن كان فرّق ذلك اقتصّ منه ثم يقتل ، وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم يقتصّ منه(1) . و ورودها في المقام ظاهر ، كما أنّ دلالتها على القول الثالث الذي اختاره الشيخ في النهاية واستقر به المحقّق في الشرائع أيضاً كذلك .
ومنها: صحيحة حفص بن البختري ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل ضُرِبَ على رأسه ، فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات؟ فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثمّ قتل ، وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتصّ منه(2) . ولكنّ الظاهر أنّ موردها السراية الخارجة عن محلّ البحث .
ومنها: صحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : سألت أباجعفر (عليه السلام) عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة ، فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله؟ قال : إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإنّه ينتظر به سنة ، فإن مات فيما بينه وبين السنة أقيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله اُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 82 ، أبواب القصاص في النفس ب 51 ح1  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 83  ، أبواب القصاص في النفس ب 51 ح2  .

(الصفحة95)



قلت: فما ترى عليه في الشجّة شيئاً؟ قال: لا ، لأنّه إنّما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين ، فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان ، إلاّ أن يكون فيها الموت(1) بواحدة ، وتطرح الاُخرى فيقاد به ضاربه . فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت ، فيقاد به ضاربه .
قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات(2) .
وهي ظاهرة بل صريحة في أنّه مع تعدّد الضربة وترتّب جنايتين إحداهما الموت ، لا يترتّب إلاّ مجرّد قصاص الضارب بالإضافة إلى النفس ، فيدخل قصاص الطرف في قصاص النفس في هذه الصورة ، وقد مرّ ظهور صحيحة محمد بن قيس باعتبار القضية الشرطية الاُولى في عدم الدخول وتعدّد القصاص ، وعليه فيقع التعارض بين الصحيحتين في الصورة المذكورة .
والجمع الدلالي بينهما ـ إمّا بحمل التفريق في صحيحة ابن قيس على التفريق من حيث الزمان لا على تعدّد الضربة ، وإمّا بحمل قوله (عليه السلام) : «إلاّ أن يكون فيهما الموت» وكذا «ما لم يكن فيها الموت» على مورد السراية  ، كما ربّما استظهره صاحب الجواهر (قدس سره)(3) ـ ممّا لا مجال له أصلاً ، لظهور الرواية الأولى بقرينة المقابلة في كون

(1) وفي نقل صاحب الجواهر بعد كلمة «الموت» : «فيقاد به ضاربه بواحدة ويطرح الأخرى» جواهر الكلام: 42 / 63 ، وهو الظاهر (المؤلّف) .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 281 ، أبواب ديات المنافع ب 7 ح1 .
(3) جواهر الكلام: 42 / 62  .

(الصفحة96)



المراد بالتفريق هو تعدّد الضربة ، وإن وقعتا في زمان واحد بل في آن واحد ، كما إذا أخذ بيده اليمنى سيفاً وبيده اليسرى سيفاً آخر فضرب بهما دفعة ، فقطع اليد بإحداهما وقتل بالأُخرى .
وعليه فالحمل على خلافه حمل على غير ظاهر من دون جهة ، كما أنّ حمل الرواية الثانية على صورة السراية خلاف ظاهرها بل صريحها ، فلا يبقى مجال للجمع من حيث الدّلالة ، بل اللاّزم الرجوع إلى قواعد باب التعارض والأخبار الواردة في علاج المتعارضين .
وحيث إنّه ليست في المسألة شهرة من حيث الفتوى حتّى يؤخذ بما يوافقها ، فتصل النوبة إلى المرجِّحات البعدية ، والظاهر حينئذ أنّ الترجيح مع صحيحة محمّد بن قيس ; لموافقتها للكتاب الظاهر في عدم التداخل على ما مرّ في بيان مقتضى القاعدة .
وهذا لا ينافي تخصيص القاعدة في صورة الضربة الواحدة التي اتفقت الروايتان على ثبوت التداخل فيها ، لعدم استلزامه للتخصيص في صورة التعدّد أيضاً بعد اختلافهما في ذلك  ، كما لا يخفى .
وعلى ماذكرنا فملاحظة الروايات تقتضي ترجيح التفصيل الذي اختاره الشيخ في النهاية(1) والمحقّق في الشرائع(2)، وإن كان مستندالثاني اقتضاء القاعدة له ، كما عرفت.
بقي الكلام في أُمور:
الأوّل: أنّه حكي عن نكت النهاية(3) للمحقّق أنّه حكم بأنّه يعارض صحيحة

(1) النهاية: 771  .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 977  .
(3) نكت النهاية: 3/446 .

(الصفحة97)



أبي عبيدة المتقدّمة خبر إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا ، فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو حيّ ، بستّ ديات(1) .
وعن مرآة العقول: لعلّ المراد بذهاب الفرج ذهاب منفعة البول بالسلس ، أو أنّه لا يستمسك غائطه ولا بوله ، ويحتمل أن يكون في اللّسان ديتان لذهاب منفعة الذوق والكلام معاً ، فيكون قوله: «وانقطع جماعه» عطف تفسير ، ويحتمل على بعد أن يكون بالحاء المهملة محرّكة أي صار بحيث يكون دائماً خائفاً ، فيكون بمعنى طيران القلب ، كما قيل ، لكن مع بعده لا ينفع ، إذ الفرق بينه وبين ذهاب العقل مشكل ، والأوّل أظهر(2) .
والظاهر أنّ مراده المعارضة في مسألة الدية لظهور رواية أبي عبيدة في الوحدة ، وهي دية أغلظ الجنايات  ، وظهور الخبر في التعدّد ، وإمّا مسألة القصاص التي هي محل البحث في المقام فلا مجال لدعوى المعارضة بعد عدم تعرّض الخبر للقصاص بوجه .
الثاني: ذكر صاحب الجواهر(3) أنّه من جملة أدلّة القول بالتداخل مطلقاً ما روي من أنّه إذا مثّل إنسان بغيره وقتله لم يكن عليه إلاّ القتل ، ولم يجز التمثيل به(4) .
وقد جمعت الروايات الواردة في هذا الأمر في الباب الثاني والستّين من أبواب

(1) وسائل الشيعة: 19 / 280 ، أبواب ديات المنافع ب 6 ح1  .
(2) مرآة العقول: 24 / 114  .
(3) جواهر الكلام: 42 / 64  .
(4) وسائل الشيعة: 19 ـ 95 ـ 96 ، أبواب القصاص في النفس ب62  .

(الصفحة98)



القصاص في النفس في كتاب الوسائل(1) . وبعد المراجعة إليها ظهر عدم ارتباطها بالمقام ، لأنّ بعضها وارد في مورد وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن لا يمثَّل بقاتله ، وبعضها وارد في تفسير قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ}(2) وأنّ المراد من النهي عن الإسراف هو النهي عن أن يقتل غير قاتله أو يمثّل بالقاتل ، وبعضها وارد في مورد رجل ضرب رجلاً بعصا ، فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات ، وأنّه يجوز قتله ، ولكن لا يترك يعبث به ، ولكن يجيز عليه بالسيف .
ومن الواضح عدم ارتباط شيء منها بالمقام . أمّا عدم ارتباط الأوّلين فظاهر ، لأنّ المفروض عدم تحقّق التمثيل من القاتل قبلاً ، حتّى يمثّل به . وأمّا عدم ارتباط الأخير ، فلعدم ظهوره في تحقّق موجب القصاص بالإضافة إلى الطرف من ناحية الضارب ، لأنّ مورده إدامة الضرب بالعصا حتّى انجرّ إلى الموت . وأمّا تحقق جناية موجبة للقصاص في العضو ، فلا دلالة عليه لو لم نقل بأنّ عدم التعرّض يكشف عن عدمه ، كما لا يخفى . والحكم بأنّه يجيز عليه بالسيف لا يلازم الاقتصار على القتل في مورد ثبوت موجب القصاص في العضو ، خصوصاً فيما كانت الضربات متعدّدة ، كما هو محلّ الاختلاف بين الصّحيحتين المتقدّمتين على ما عرفت ، فهذه الروايات لايستفاد منها شيء في المقام .
الثالث: إنّ ما في المتن من نفي البعد عن أوجهية الوجه الأخير مع عدم دلالة شيء من الأدلّة المتقدّمة عليه ظاهراً يمكن أن يكون مستنداً إلى أحد وجهين:


(1) وسائل الشيعة: 19 ـ 95 ـ 96 ، أبواب القصاص في النفس ب62  .
(2) الإسراء 17 : 33  .

(الصفحة99)

مسألة 44 ـ لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم إذا أراد الوليّ ، فيردّ عليهم ما فضل من دية المقتول ، فيأخذ كلّ واحد ما فضل عن ديته ، فلو قتله اثنان وأراد القصاص يؤدّي لكلّ منهما نصف دية القتل ، ولو كانوا ثلاثة فلكلّ ثلثا ديته ، وهكذا ، وللوليّ أن يقتصّ من بعضهم ، ويردّ الباقون


أحدهما: أن يحمل قوله (عليه السلام) في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة: «وإن كان ضربه ضربة واحدة» على أنّ المراد هو العمل الواحد الذي لا ينافي تعدّد الضربات المتوالية ، وعليه فالمراد بالتفريق الواقع في مقابله هو تعدّد العمل المستلزم للتفرّق والفصل ، ويؤيّده أنّ وقوع مجموع هذه الجنايات بالضربة الواحدة بمعناها المقابل لتعدّد الضربات مستبعد جدّاً ، فالمراد وقوعها متوالية من غير فصل .
ثانيهما: هو الرجوع إلى القاعدة ، ورفع اليد عن الروايات بعد تعارضها وعدم إمكان الجمع بينها ، كما يستفاد ذلك من المحقِّق في الشرائع ، حيث استدلّ على مختاره بالقاعدة كما عرفت .
وعليه فالقاعدة تقتضي هذا الوجه الأخير ، لأنّه مع اتّحاد العمل الموجب للموت لا ينطبق على العامل إلاّ مجرّد عنوان القاتل الموجب لقصاص النفس ، وتعدّد الضربات بعد فرض التوالي لا يقدح في الاتّحاد بوجه ، وعليه فالدليل الشامل للمقام هو دليل قصاص النفس .
وأمّامع تعدّدالعملوتحقّق الضربات مع الفصل، فلامانع عن شمول دليل القصاص للجناية الأُولى الواردة على العضو الموجبة للقصاص ، وتعقّبها بجناية القتل لا يمنع عن ذلك ، فلا مجال للتداخل في هذا الفرض  ، ولكن بعد ملاحظة ما ذكرنا من المراد من الرواية ومن بيان مقتضى القاعدة ، يظهر أنّ كلاًّ من الوجهين مخدوش ، ولا ينبغي الاعتماد عليه ، ولكن كما في المتن «والمسألة بعد مشكلة» ، فتدبّر .


(الصفحة100)

المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتصّ منه ، ثم لو فضل للمقتول أو المقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به ويردّه إليهم ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين فيردّ المتروك دية جنايته وهي الثلث إليهما ويردّ الوليّ البقية إليهما ، وهي دية كاملة ، فيكون لكلّ واحد ثلثا الدية1.


1 ـ يقع البحث في هذه المسألة من جهات:
الاُولى: في أنّه هل يكون للوليّ في صورة الشركة في القتل بحيث يكون القاتل متعدّداً ، ويسند القتل إلى أزيد من واحد أن يقتصّ من الجميع ، أو ليس له حقّ القصاص أصلاً ، أوليس له حقّ القصاص بالنسبة إلى أزيد من واحد؟ وجوه واحتمالات في بادئ النظر . وفي الجواهر نفى وجدان الخلاف في الأوّل ، قال: بل الإجماع بقسميه عليه(1) ، وحكي عن بعض العامّة(2) أنّه ليس للوليّ إلاّ قتل واحد منهم ويأخذ حصّة الآخرين ولا يقتل الجميع ، وعن بعضهم(3) فضّ القصاص عليهم ، على معنى استحقاق الوليّ عشر الدم في العشرة إلاّ أنّه لا يمكن استيفاؤه إلاّ باستيفاء الباقي ، وقد يستوفى من المتعدّي غير المستحق عليه ، كما إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلاّ به ، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيّق واحتيج في ردّه إلى هدم الجدار وقلع الباب .
ولابدّ أوّلاً من ملاحظة أن الأدلّة العامّة الواردة في القصاص هل يستفاد منها ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى الجميع ، كما هو ظاهر الجواهر(4) أم لا؟


(1) جواهر الكلام: 42 / 66  .
(2) الخلاف: 5 / 156 مسألة 14 ، المغني لابن قدامة: 9 / 366 ـ 367 .
(3) المغني لابن قدامة: 9 / 366 ، المجموع: 20 / 33  .
(4) جواهر الكلام: 42 / 67  .
<<التالي الفهرس السابق>>